مدى مصر

محامٍ القبض على نحو ١٥٠ من مشجعي «الأهلي» بالإسكندرية مدى مصر ٢٢ أكتوبر ٢٠١٧ ألقت قوات الشرطة في محافظة الإسكندرية اليوم، الأحد، القبض على العشرات من مشجعي النادي الأهلي قبل مباراة الفريق مع النجم الساحلي التونسي في مباراة العودة بالدور نصف النهائي من دوري أبطال أفريقيا. وقال المحامي بمؤسسة حرية الفكر والتعبير، محمد حافظ، إن عدد المعتقلين تجاوز ١٥٠ مشجعًا حتى الآن. وأضاف حافظ أن الشرطة بدأت في القبض على مشجعين من محيط استاد برج العرب، حيث تُقام المباراة، ومحطة مصر بالمنشية، وموقف محرم بك، وبوابات المدينة. وأن الشرطة وزعّت المعتقلين على أقسام شرطة العامرية أول وثاني، وكرموز والعطارين، بالإضافة إلى مديرية الأمن القديمة (قسم شرطة اللبان). وأشار حافظ أن أسباب القبض على المشجعين تنوعت بين ارتدائهم تيشيرتات عليها شعارات مثل «المجد للشهداء» أو «٧٤ شهيد» أو «أولتراس أهلاوي»، أو حيازتهم تذاكر مُقلدة أو حضورهم للمباراة بدون تذاكر. كما تضيّق قوات الأمن على المشجعين ممن يرتدون تيشيرتات بغطاء للرأس، وتمنعهم من دخول الاستاد. تواصلت إدارة النادي الأهلي مع وزير الداخلية اللواء مجدي عبد الغفار، يوم ١٤ أكتوبر، للموافقة على حضور ٥٠ ألف مشجع للمباراة وهو ما أقرّته الوزارة. وأعلنت هيئة سكك حديد مصر اليوم، الأحد، عن تشغيل قطارين إضافيين من القاهرة إلى مدينة برج العرب والعكس لنقل الأعداد المتزايدة من جماهير النادي الأهلي. كانت الدائرة ٢١ بمحكمة جنايات القاهرة، المنعقدة بمعهد أمناء الشرطة، قد قررت إخلاء سبيل ستة من أولتراس أهلاوي اليوم، الأحد، مع تدابير احترازية تقتضي البقاء في قسم الشرطة ثلاثة أيام أسبوعيًا، غير أن النيابة استأنفت قرار إخلاء السبيل. ومن المنتظر أن يُنظر استئناف النيابة بعد غد، الثلاثاء، بحسب المحامي بالشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، عمرو محمد. كانت الشرطة قد ألقت القبض على تسعة من أعضاء أولتراس أهلاوي آواخر شهر يناير الماضي، قبل أيام من ذكرى «مذبحة ستاد بورسعيد»، واستمر تجديد حبسهم طوال الفترة الماضية. ووجهت لهم النيابة تهمتي التحريض على التظاهر والانضمام لجماعة أُسست على خلاف القانون والدستور. وأخلي سبيل اثنين من المتهمين في أغسطس الماضي، ومن المنتظر عرض المتهم التاسع منفردًا خلال الأيام المقبلة. وتعددت وقائع القبض على الجمهور أثناء محاولته حضور مباريات «أبطال أفريقيا» التي يُسمح فيها بحضور الجمهور إلتزامًا بقرارات الاتحاد الأفريقي لكرة القدم. وكانت وزارة الداخلية قد اتخذت قرارًا بمنع حضور جماهير الكرة من حضور المباريات المحلية عقب وقوع «مذبحة استاد بورسعيد» التي سقط فيها ٧٢ من مشجعي النادي الأهلي. كانت الشرطة قد ألقت القبض على ١٧ من جمهور النادي الأهلي من محيط ستاد برج العرب، يوم ٨ يوليو الماضي، وذلك عقب مباراة الأهلي والقطن الكاميروني. وفي اليوم التالي، ألقت الشرطة القبض على ٢٦١ من مشجعي نادي الزمالك عقب مباراة ناديهم مع أهلي طرابلس الليبي، من محيط الاستاد نفسه.
الصحراء الغربية جبهة أعاد «حادث الواحات» الإنذار بخطورتها مي شمس الدين ٢٢ أكتوبر ٢٠١٧ خلال السنوات القليلة الماضية كانت الجبهة الشرقية لمصر، وتحديدًا في شمال سيناء، تعد المسرح اﻷكبر للعمليات التي استهدفت مئات من أفراد الجيش والشرطة، غير أن العملية اﻷخيرة التي شهدتها صحراء الواحات تأتي إبرازًا لخطورة الجبهة الغربية للحدود المصرية كمسرح آخر للعمليات في الحرب على الإرهاب. ومنذ الإطاحة بالرئيس اﻷسبق محمد مرسي في يوليو ٢٠١٣، احتفظت الجهة الشرقية باهتمام لافت نتيجة لعمليات تنظيم «أنصار بيت المقدس» الذي تحول اسمه إلى «ولاية سيناء» بعدما أعلن ولاءه لتنظيم الدولة الإسلامية «داعش» في عام ٢٠١٤، قبل أن تتمدد العمليات المسلحة لتشمل توغلًا أكبر في عمق الوادي، مع اتجاه «ولاية سيناء»، وتنظيمات ناشئة أخرى مثل «حسم» وخلايا نوعية مختلفة يُعتقد في ارتباطها بجماعة الإخوان المسلمين، لتنفيذ عمليات استهدفت منشآت وأهداف مدنية وعسكرية في القاهرة والدلتا والصعيد. غير أن الهجوم الإرهابي الأخير بمنطقة الواحات، على بعد ١٣٥ كيلو متر من محافظة الجيزة والذي أودى بحياة ١٦ من عناصر الشرطة، بحسب بيان الداخلية، و٥٣ بحسب مصادر أمنية لـ «مدى مصر» أعاد الجبهة الغربية للواجهة منذرًا بخطورتها. تكمن خطورة الصحراء الغربية أولاً في اتساع رقعة المواجهات بين قوات الأمن المصري والتنظيمات والعناصر الإرهابية المتمركزة في هذه المنطقة. والتي تنوعت طبيعة العمليات المتبادلة فيها بين الطرفين ما بين إحباط عمليات تهريب للأسلحة ومواجهات مباشرة بين قوات الجيش والشرطة والعديد من العناصر المسلحة المتمركزة في الصحراء الغربية أو في امتدادات الظهير الصحراوي لعدد من محافظات الصعيد. بالإضافة إلى ذلك، تزداد خطورة الصحراء الغربية كمسرح هام لمثل هذه العمليات كونها ملاصقة للحدود المصرية مع ليبيا، والتي شهدت عمليات تهريب أسلحة وعناصر إرهابية يُشار إلى انتمائها إلى فروع تنظيمات داعش والقاعدة هناك. ومنذ الإطاحة بمرسي، بدأت القوات المسلحة في الإعلان عن العديد من عمليات إحباط تهريب أسلحة وسيارات دفع رباعي عبر الحدود مع ليبيا. ففي ٢٧ يوليو ٢٠١٣ أعلن المتحدث بإسم القوات المسلحة المصرية عن إحباط محاولة تهريب ٢٠٠ بندقية خرطوش وذخائر في مناطق تبغبغ وجبل الحدونة وعين صافى شرق مدينة سيوة، كانت محملة على أربع سيارات دفع رباعي. وزاد الإعلان عن إحباط عمليات تهريب مشابهة بشكل ملحوظ في العام الحالي، إذ أعلنت القوات المسلحة في مايو الماضي عن تدمير القوات الجوية المصرية لـ ١٥ سيارة دفع رباعي محملة بالأسلحة على الحدود المصرية في ليبيا في عملية عسكرية استمرت قرابة الـ ٤٨ ساعة. وفي يونيو الماضي، أعلنت القوات المسلحة المصرية عن إحباط محاولة مشابهة لتهريب أسلحة عبر الحدود المصرية مع ليبيا، بعد تدمير القوات الجوية ١٢ سيارة دفع رباعي محملة بالأسلحة والذخائر. ولعل الحدث الأكبر الذي لفت الأنظار لنشاط المجموعات المسلحة في الصحراء الغربية كان مقتل ٢١ من ضباط وجنود القوات المسلحة في استهداف لكمين بالكيلو ١٠٠ بمدينة الفرافرة بمحافظة الوادي الجديد في يوليو ٢٠١٤، وهو الهجوم الذي تبناه تنظيم «المرابطون» المسلح بقيادة ضابط الصاعقة المصري المفصول من الخدمة هشام عشماوي، وهو أحد التنظيمات المشكوك في مسؤوليتها عن هجوم الأمس. وفي ديسمبر من العام نفسه أعلن تنظيم ولاية سيناء التابع لداعش مسؤوليته عن قتل خبير البترول الأمريكي بشركة أباتشي وليم هندرسون بعد اختطافه من قلب الصحراء الغربية خلال عملية سرقة سيارات، في أغسطس من العام نفسه. وجاء عام ٢٠١٥ ليجعل الصراع في منطقة الصحراء الغربية أكثر سخونة، حيث بدأ بتحطم طائرة تابعة للقوات الجوية، في أغسطس، أثناء مطاردة مسلحين بمنطقة سترة جنوب شرق واحة سيوة، وهو الحادث الذي أسفر عن مقتل أربعة من عناصر القوات الجوية وإصابة إثنين آخرين، بعد عطل فني مفاجئ أثناء عملية المطاردة. وأفاد المتحدث باسم القوات المسلحة وقتها أن القوات تمكنت من تدمير أربع عربات للمسلحين وضبط خمس عربات أخرى. وفي الشهر نفسه، أعلن تنظيم ولاية سيناء عن ذبح رهينة كرواتي الجنسية يدعى توميسلاف سلوبك، كان مسلحون قد اختطفوه يوم ٢٢ يوليو، من مدينة السادس من أكتوبر، أثناء توجهه إلى عمله بإحدى المواقع البترولية في منطقة الواحات. وفي سبتمبر من العام نفسه، قامت قوات الأمن المصرية، عن طريق الخطأ، بقتل ١٢ شخصًا وإصابة ١٠ أخرين بينهم سائحين مكسيكيين كانوا في قافلة سياحية بقلب الصحراء الغربية، حيث اشتبهت القوات في كونهم عناصرًا إرهابية. وحسب ما أعلنته وزارة الداخلية في بيانها وقتها، كان الضحايا يستقلون أربع سيارات دفع رباعي، تواجدوا بها في منطقة محظورة. وأضاف البيان أن الحادث جاء «أثناء قيام قوات مشتركة من الشرطة والقوات المسلحة بملاحقة بعض العناصر الإرهابية بمنطقة الواحات بالصحراء الغربية» لكنها لم تفصح عن أي تفاصيل أخرى. وبعد مقتل السائحين المكسيكيين بشهر، أعلنت قوات الأمن عن مقتل ٢٠ من العناصر المسلحة والقبض على ٢٢ آخرين خلال اشتباكات دامية بين القوات المسلحة وعناصر وصفها تحقيق نشرته جريدة الوطن بالمتسللة عبر الحدود مع ليبيا، والمنتمية لتنظيم الدولة الإسلامية هناك. وطبقًا لـ «الوطن»، فإن العملية العسكرية استمرت لمدة ٤٨ ساعة باستخدام الأسلحة الثقيلة في الظهير الصحراوي لمحافظة أسيوط داخل الصحراء الغربية. وفي يونيو ٢٠١٦، أعلنت القوات المسلحة عن مقتل ضابطين وأربعة مجندين في هجوم مفاجئ من عناصر تنتمي لعصابات تهريب مسلحة، وقالت مصادر أمنية لقناة العربية وقتها إن الهجوم وقع في منطقة عين دلة بمركز الفرافرة بالوادي الجديد، حيث أُلقي القبض على ثلاثة من المهربين. وبدأ عام ٢٠١٧ بهجوم استهدف كمين النقب الواقع على طريق الوادي الجديد أسيوط السياحي، والذي أسفر عن مقتل ثمانية من عناصر الشرطة وإصابة إثنين، حيث وقعت اشتباكات بين القوة الأمنية المتواجدة بالكمين ومسلحين. وفي هجوم أكثر دموية، قام تنظيم الدولة الإسلامية بإعلان مسؤوليته عن استهداف حافلة تقل مواطنين أقباط كانوا في طريقهم إلى دير اﻷنبا صموئيل، غرب مركز العدوة، وذلك أثناء مرور الحافلة بأحد الطرق الفرعية الصحراوية قرب الطريق الصحراوي الغربي الواقع بدائرة مركز شرطة العدوة. وأسفر الهجوم عن مقتل ٢٨ مواطنًا. وفي رد على الهجوم، قصفت القوات المسلحة عددًا من المواقع الليبية، وأعلن المتحدث أن القوات الجوية قامت بتنفيذ ضربات جوية ضد «تجمعات من العناصر الإرهابية بالأراضى الليبية بعد التأكد من اشتراكهم فى التخطيط والتنفيذ للحادث الإرهابى الغادر الذى وقع اليوم بمحافظة المنيا». وتركزت الضربات الجوية المصرية على مدينتي درنة، التي يتمركز بها «مجلس شورى المجاهدين» التابع للقاعدة، وجفرة، حيث كانت قوات المشير خليفة حفتر تقوم بحملة عسكرية في ذلك الوقت. وأصدر المجلس بيانًا نفى فيه علاقته بهجوم المنيا، مؤكدًا أنه «لا علاقة لمجلس شورى مجاهدي درنة وضواحيها بما حدث في مصر من اعتداءات على المدنيين العزل؛ فعمليات المجلس موجهة فقط ضد الميليشيات المُسلحة التي تستهدف المدينة، سواء كانت من تنظيم الدولة [الدولة الإسلامية] أو من قوات حفتر. وليس من سياسة المجلس استهداف المدنيين العزل في ليبيا فضلًا عن استهدافهم في مصر». وبعد هذا الهجوم بأيام، وتحديداً في ٣١ مايو، لقي أربعة من أفراد القوات المسلحة مصرعهم إثر اشتباكات مع عناصر مسلحة في منطقة الواحات الغربية، وأوضحت القوات المسلحة وقتها أن قوات برية كانت تمشط المنطقة، حينما «انفجر أحد الأحزمة الناسفة الخاصة بالعناصر الإرهابية»، ما أسفر عن مقتل ثلاثة ضباط وجندي واحد. وبعد الهجوم على حافلة الأقباط، أعلنت وزارة الداخلية عن تتبعها لخلية تسمى «خلية عمرو سعد» تابعة لتنظيم داعش، زعمت الوزارة أنها المسؤولة عن سلاسل الهجوم على الأقباط في الوادي، وأن معاقل تواجد وتدريب عناصرها تتركز في الظهير الصحرواي لعدد من المحافظات، وهو ما حدا بقوات الأمن لتكثيف ضرباتها في تلك المناطق. ففي ٢٣ يوليو الماضي، أعلنت الداخلية عن مقتل ٨ أشخاص، وصفتهم بمُسلحي حركة «حسم»، وذلك أثناء عملية تبادل لإطلاق النار خلال مداهمة أمنية لموقع بالظهير الصحراوي لمركز سنورس بالفيوم. وبحسب البيان، كانت الشرطة تشتبه في كون الموقع «معسكرًا تدريبيًا للحركة». كما قامت الشرطة لاحقًا بمداهمتين أُخرتين في محافظتي الشرقية والجيزة، للقبض على ٥ ممَن وصفتهم بأعضاء التنظيم كذلك. واستمرت قوات الأمن في أغسطس الماضي في تمشيط الظهير الصحراوي لعدة محافظات بالصعيد منها قنا والأقصر وسوهاج والوادى الجديد وأسيوط «لمحاصرة باقى أعضاء خلية تفجير الكنائس الهاربة وسط الدروب والكهوف والتى يتزعمها الإرهابي الهارب عمرو سعد». كان الرئيس عبد الفتاح السيسي قد افتتح، في ٢٥ يوليو الماضي، قاعدة محمد نجيب العسكرية بمدينة الحمام في مرسى مطروح، وهي القاعدة التي وصفتها تقارير صحفية بالأكبر في مصر وشمال أفريقيا، فيما بدا كمحاولة للتعامل مع الخطر القادم من الغرب.
أسئلة حول ما جرى في «الواحات» محمد حمامة ٢١ أكتوبر ٢٠١٧ أعلنت وزارة الداخلية اليوم، السبت، عن مقتل ١٦ شرطيًا خلال عملية هجوم قامت بها قواتها أمس، الجمعة، على مسلحين في صحراء قريبة من الكيلو ١٣٥ من طريق «الواحات الجيزة» في الصحراء الغربية، بحسب بيان أصدرته. وتتناقض الحصيلة الرسمية لعدد القتلى مع ما صرح به عدد من المصادر الأمنية، منذ الأمس، لمختلف الصحف ووكالات اﻷنباء والتي قدرت أن الضحايا يزيد عددهم عن الخمسين. وأوضح بيان الداخلية اليوم، السبت، أن «هجوم الواحات» أسفر عن مقتل ١١ ضابطًا، و٤ من المجندين، ورقيب شرطة واحد، ووصل عدد المصابين إلى ١٣ شرطيًا، مع استمرار بحث الوزارة عن أحد ضباط مديرية أمن الجيزة، والذي كان من ضمن المشاركين في «هجوم الواحات». وقُتل وأصيب ١٥ من المسلحين، وتمّ إجلاء بعضهم من جانب المسلحين الهاربين، بحسب البيان. يفصل بين بياني «الداخلية» حوالي ١٨ ساعة، ولكن تضارب الأنباء حول «هجوم الواحات» لم يتوقف منذ أمس حتى الآن. وفي حين ظلت بعض الأسئلة بشأن عملية الهجوم دون إجابات.. هنا نقدم ما توافر من معلومات في محاولة لفهم ما جرى خلال عملية الهجوم أمس. أين وقع الهجوم؟ وقع الحادث في منطقة صحراوية قريبة من طريق الواحات على بعد ١٣٥ كيلومتر من محافظة الجيزة، بحسب بيان وزارة الداخلية أمس، الجمعة، بشأن عملية الهجوم أمس الجمعة. يصل الطريق محافظة الجيزة بواحات الصحراء الغربية؛ البحرية، والفرافرة، والداخلة، والخارجة. ويبلغ طول الطريق ٥٦٥ كم، ويتبع الجزء الذي شهد الهجوم محافظة الجيزة إداريًا، بينما يتبع بقية الطريق محافظة الوادي الجديد. وشهدت واحات الصحراء الغربية هجمات مختلفة نفذها مسلحون ضد قوات أمنية خلال اﻷعوام الماضية يوليو ٢٠١٤ قتل مسلحون ٢١ جنديًا من قوات حرس الحدود، وهي الحادثة المعروفة باسم «مذبحة الفرافرة». سبتمبر ٢٠١٥ قصفت قوات جوية تابعة للجيش المصري، عن طريق الخطأ، قافلة سياحية مما أسفر عن مقتل ثمانية سياح مكسيكيين وأربعة مصريين من مرافقيهم، وذلك أثناء مطاردة الجيش مجموعة من المسلحين في صحراء واحة الفرافرة القريبة من طريق الواحات. يناير ٢٠١٧ شَنَّ عدد من المسلحين هجومًا على كمين النقب الرابط بين محافظتي أسيوط والوادي الجديد في الصحراء الغربية مما أسفر عن مقتل ثمانية من أفراد الشرطة. مايو ٢٠١٧ نَفَذَ عدد من المسلحين هجومًا على أتوبيس يحمل أقباطًا كانوا في طريقهم إلى دير اﻷنبا صموئيل على أحد الطرق الصحراوية غرب مدينة المنيا. مما أسفر عن مقتل ٢٩ وإصابة عدد آخر. وأعلن تنظيم «الدولة اﻹسلامية» مسؤوليته عن العملية. بعدها بخمسة أيام، تسبب حزام ناسف في مقتل أربعة من أفراد القوات المسلحة إثر اشتباكات مع عناصر مسلحة في منطقة الواحات الغربية، بحسب بيان المتحدث الرسمي باسم القوات المسلحة. وفي رد فعل على الحوادث السابقة نفذت القوات الجوية، في مايو الماضي، عددًا من الضربات الجوية على عدد من المواقع في مدينة درنة داخل اﻷراضي الليبية. ونقلت صحيفة «المصري اليوم» عن مصدر مسؤول، دون ذِكر لاسمه، أن الضربات استهدفت «معسكرات لجماعات إرهابية تقوم بعمليات إرهابية داخل مصر». كما بدأت محكمة جنايات الجيزة محاكمة ٦٦ متهمًا منهم ٤٣ محبوسين في القضية المعروفة باسم «تنظيم ولاية داعش الصعيد». هل «الواحات» إعلان عن تنظيم جديد؟ في حين أصدرت وزارة الداخلية لبيانين، أوضح الأول منهما، الصادر مساء أمس، الجمعة، أن الحادث جاء بعدما تحركت مأمورية أمنية لاستهداف بؤرة يختبئ بها عدد من «العناصر اﻹرهابية» بناءً على «معلومات». تكررت الصياغة نفسها في بيان الثاني، الصادر اليوم، السبت، وذلك مع التأكيد على توافر «معلومات»، دون تحديد لطبيعة العناصر المستهدفة من الهجوم أو التنظيم الذي يتبعون له. لكن ما أضافه بيان الداخلية الثاني هو توضيح أن القوات المشاركة في هجوم الأمس لم تكن مأمورية واحدة، بل اثنتين. واحدة من الجيزة وأخرى من الفيوم، فيما يزال أحد ضباط المأمورية الأولى مفقودًا، حسب البيان. وفي حين تضاربت تصريحات المصادر اﻷمنية حول المجموعة التي كانت تستهدفها المأمورية أمس؛ أخبرت مصادر وكالة «رويترز» أن القوة اﻷمنية كانت في طريقها لمداهمة وكر لمسلحي «حركة سواعد مصر»، المعروفة بـ «حسم». وفي المقابل، نقل موقع «مصراوي» عن مصادر أمنية «رفيعة المستوى»، دون أن يحددها، أن الهجوم نفذته خلية يقودها هشام عشماوي، ضابط الصاعقة السابق وزعيم تنظيم «المرابطين» المحسوب على تنظيم «القاعدة» ويعمل من ليبيا. وقالت المصادر إن عشماوي عاد إلى مصر في الفترة الماضية ليقود تنفيذ عدد من العمليات اﻹرهابية، بحسب «مصراوي». ويختلف موقع حادث أمس، الجمعة، عن المواقع المعتادة لعمليات الهجوم السابقة التي قام بها كل من التنظيمات المحسوبة على «الدولة اﻹسلامية» أو «القاعدة» في الصحراء الغربية. وجرى «هجوم الواحات» على بعد ١٣٥ كيلومتر من محافظة الجيزة على طريق الواحات قبل الواحات البحرية، أي ناحية الجانب الشرقي من الصحراء. بينما كانت معظم العمليات السابقة قرب واحة الفرافرة وتبعد ما يزيد عن ٦٠٠ كيلومتر غرب الجيزة. ومنذ يوليو الماضي جرت حملات أمنية في مناطق صحراوية ضد تنظيم «حسم»، وذلك بناءً على معلومات حصلت عليها وزارة الداخلية بخصوص تأسيس مخيمات ومعسكرات تدريب لعناصر التنظيم فى المناطق الصحراوية والأماكن المتطرفة. فيما أعلنت وزارة الداخلية، في ٢٣ يوليو الماضي، عن مقتل «ثمانية من كوادر الحركة» إثر تبادل ﻹطلاق النار أثناء مداهمة معسكر تدريبي لعناصر التنظيم في صحراء الفيوم. وبمقارنة المواقع الخغرافية، يلاحظ أن النطاق الصحراوي الذي يتمركز فيه عناصر تنظيم «حسم» أكثر قربًا إلى وادي النيل، بينما ينشط تنظيم «الدولة اﻹسلامية» والمجموعات اﻷخرى المحسوبة عليه في نطاق الصحراء القريبة من الحدود المصرية الليبية في الغرب. فيما أعلنت مجموعة تطلق على نفسها اسم «حراس الشريعة مصر الكنانة» عن مباركتها للهجوم، وذلك في بيان تداولته حسابات تابعة لتنظيم القاعدة على شبكات التواصل الاجتماعي، مما يرجح أن يكون مسلحو «هجوم الواحات» على صلة بهشام عشماوي. ويتوافق هذا مع ما تبيّن من توافر كبير للإمكانيات البشرية واللوجستية للجهة التي نفذت هجوم الأمس أن يكون المسلحون الذين اشتبكوا أمس مع الشرطة عناصر في تنظيم جديد. وكان تنظيم يحمل اسمًا قريبًا من «حراس الشريعة»، وهو «أنصار الشريعة بأرض الكنانة»، قد أعلن، في مارس ٢٠١٤، عن تبنيه للمسؤولية عن اغتيال ٢٨ من أمناء وأفراد الشرطة في ثلاث محافظات؛ الشرقية، والجيزة، وبني سويف. ماذا جرى للقوات المشاركة؟ في حين بررت وزارة الداخلية تأخّرها في إصدار البيان الثاني بشأن الهجوم من أجل «التحقق من المعلومات»، وحتى لا يؤثر ذلك «سلبًا على سير عمليات المواجهة والروح المعنوية للقوات»، إلا أن البيان الثاني كشف جزءًا صغيرًا من تفاصيل ووقائع ما جرى أمس. تحركت مأموريتان من محافظتى الجيزة والفيوم لمداهمة المنطقة، بحسب البيان. بمجرد اقتراب المأمورية الأولى من الموقع بادر المسلحون بإطلاق الأسلحة الثقيلة، واستمر تبادل النيران «لعدة ساعات»، مما أسفر عن مقتل ١٦ شرطيًا، وذلك دون توضيح لما جرى للمأمورية القادمة من محافظة الفيوم. من جانبه، سرد اللواء محمد صادق، مساعد وزير الداخلية الأسبق، في لقاء تلفزيوني أمس، بعض التفاصيل والمعلومات عن المأمورية اﻷمنية التي استهدفتها مجموعة المسلحين، والتي أكد على أنه حصل عليها بعد تواصله مع قوات الشرطة هناك. قال صادق إن الحادث «وقع في وادٍ منخفض للغاية، حيث قامت العناصر الإرهابية بركوب أعلى منطقة في الجبل، وأطلقوا النيران على رجال الشرطة». وأوضح مساعد وزير الداخلية الأسبق أن المسلحين استخدموا قذائف «الآر بي جي» و«الهاون» لاستهداف قوات الأمن. وأوضح صادق أن المجموعة المستهدفة تنتمي إلى تنظيم يُعرف باسم «أنصار الشريعة»، وجاء من ليبيا إلى مصر عبر الحدود الغربية. وأضاف صادق أن قوات اﻷمن اصطحبت معها عضو بالتنظيم كان قد قبض عليه من أجل أن يُرشد عن بقية التنظيم، مؤكدًا أن هذا العنصر أعطى قوات اﻷمن معلومات كافية ﻷجهزة اﻷمن للتأكد من مصداقيتها. (دلل مساعد وزير الداخلية السابق على كفاية هذه المعلومات بأن المُرشِّد أخبر قوات اﻷمن أن المسلحين المختبئين هناك كانوا قد استقبلوا وجبات من «المحشي» جُلبت لهم من محافظة القليوبية). فيما أكد مصدر أمني تحدث لموقع بي بي سي عربي على تعرض القوات لقذائف صاروخية وعبوات ناسفة. وأضاف المصدر أن المسلحين كانوا «على دراية جيدة بالمنطقة، بينما لم يتمكن قائد القوات من طلب تعزيزات برية أو جوية بسبب رداءة الاتصالات في الصحراء»، حسب «بي بي سي عربي».
رسالة مفتوحة لأجيال ٢٥ يناير لا تعيدوا الأصنام لكعبتنا هشام جعفر ٢١ أكتوبر ٢٠١٧ في مثل هذا اليوم تحديدًا، في ٢١ أكتوبر، يمر على اعتقالي عامان، وهي مناسبة لتقديم كشف حساب لأجيال ثورة ٢٥ يناير، وقد يتساءل البعض عن دافعنا، نحن الأجيال المرتحلة (أبلغ من العمر ثلاثة وخمسين عامًا) لتقديم كشف حساب لأجيال ثورة الخامس والعشرين. هناك أسباب متعددة لذلك، أولها أن ثورة ٢٥ يناير بالنسبة لي هي تعبير عن نموذج معرفي جديد، هو نموذج «الميديا الجديدة»، الذي يقوم على انعدام المطلق البشري والسياسي والفكري واختفاء المرجعية في هذه المجالات جميعًا، وهو يعتمد على النفعية والعملية والممارسة أكثر من اعتماده على التنظير (انظر مقالي في الشروق «الثورة المصرية والإعلام الجديد.. قراءة في النماذج المعرفية») وتنطلق منه التعددية. تمثّل ثورة ٢٥ يناير تدشينًا لما يمكننا أن نطلق عليه «الجمهورية الجديدة» أو «مصر الجديدة»، وأنا أدرك أن ٢٥ يناير وأجيالها في أزمة كبيرة الآن، ولكنها أزمة مؤقتة، فما أحدثته هذه الثورة من تداعيات أعمق مما يتخيل من يريدون إعادة مصر لقديمها. ألم تكن الحملة الفرنسية على مصر عام ١٧٩٨ إعلانًا عن انتهاء النموذج المملوكي في المعرفة والحكم؟ ألم تبت مصر، بل والمنطقة، بعدها غير ما كانته قبلها؟ انتهت المطلقات التي سيطرت على العقول، وبالأخص الدولة الوطنية، الجيش الوطني، المؤسسة الدينية، التنظيمات الدينية والسياسية، النخبة السياسية، الأفكار السائدة، القضاء الشامخ، وتكسرت أصنام السياسة والفكر والتدين الشكلي، وغيرها في المجتمع يوم الفتح. أدرك أن هذه الأصنام تحاول إعادة القداسة لنفسها مرة أخرى، ولكن متى شهدنا صنمًا متكسرًا يعود مرة أخرى، إلا بالقمع والإكراه والقبضة الأمنية؟ قل جاء الحق وزهق الباطل المعرفي والسياسي والفكري والذي قامت عليه حياتنا. أما ثاني الأسباب وراء تقديم كشف حساب لأجيال ٢٥ يناير، فهو أن الإيمان باستمرار هذه الثورة، وبقدرة أجيالها على تغيير وجه مصر، هو ما خفف عليّ آلام التعذيب وسياسات العزل والحبس الانفرادي التي تعرضت لها في سجن العقرب. فأنا في حبس انفرادي وممنوع تمامًا من التريّض لمدد طويلة أو حتى لمدة ساعة واحدة فقط، وتُمنع عني الزيارة لمدة تصل لأربعة أشهر، ويجري التلاعب بالعلاج حتى يكاد يكف بصري (لا أرى بإحدى عينيّ، والأخرى لا تعمل إلا بكفاءة ١٠% فقط)، يُنتهك الجسد وأُهدّد الضرب أنا وكل من حولي، إلخ (انظر مقالي «بين فقه الاستحلال وممارسات الاستباحة»). قد يصفني البعض بـ«الحالم»، فالثورة انتهت وعادت مصر إلى أسوأ مما كانت عليه، ولكني أقول إنه رغم مرور هذه السنوات إلا أن الثورة بادية في حالة الاحتجاج والرفض لما يجري، ومراجعة ما كان والتفوق والتطلع للجديد. هي حالة نفسية وشعورية وفكرية ومعرفية تنتظر اللحظة المناسبة لتعبر عن نفسها وشعلتها مدوية مصر القديمة يجب أن ترحل! أما ثالث الأسباب فهو شخصي صرف، فأولادي الثلاثة هم من أجيال هذه الثورة، المعبرين عن تطلعاتها وآمالها ونموذجها المعرفي، أتعلم منهم حين أحاورهم، وأرجو أن أكون في مثل جرأتهم الفكرية والسلوكية، وقدرتهم على النقد والمراجعة. وعندما أشير إلى أجيال ٢٥ يناير بالجمع، لا بالمفرد، فأنا أعني أجيالًا قد سبقت بالجهاد والنضال، وأجيالًا ستأتي بعدهم لتستكمل مسيرتهم. الديمقراطية الاجتماعية أولى اللبنات في أواخر ٢٠١٠ وأوائل ٢٠١١، أصدرت مع مجموعة من الأصدقاء، وعبر ورش حوار ممتدة، وثيقة تمكين الأسرة المصرية، وهي وثيقة تستند في جوهرها لمفهوم الديمقراطية الاجتماعية الذي يعي ضرورة إشاعة ونشر قيم الديمقراطية الأساسية في المجتمع ومؤسساته المختلفة، خاصة مؤسسات التنشئة من أسرة ومدرسة ومسجد وكنيسة، فتكون هذه القيم الديمقراطية ثقافة عامة لأفراد المجتمع داخل مؤسساته، ويجب أن تكون هذه الديمقراطية الاجتماعية بمتانة جذور الديمقراطية السياسية، فتكتسب قوتها وصلابتها. وهنا، وأنا أقدم لكم رسالتي هذه، تحين الإشارة لعدد من الملاحظات الملاحظة الأولى هي أن جوهر الثورة يلخص شعاراتها؛ عيش، حرية، عدالة اجتماعية، كرامة إنسانية. لذا يجب أن تسترد الثورة هذا الجوهر الذي جرى الانحراف به وعنه، منذ الاستفتاء على التعديلات الدستورية في مارس ٢٠١١، بما أدى للانقسام المبكر بين قوى الثورة، وبما دفع بعض هذه القوى بدوره لرفع شعارات الهوية، ودفع البعض الآخر لرفض بناء المؤسسات السياسية بالانتخاب. الملاحظة الثانية هي وجوب الوعي بأن المؤسسات التي تفتقد العقيدة الديمقراطية داخلها لا يمكنها إنتاج الديمقراطية، حتى وإن تزينت ببعض الإجراءات الديمقراطية، مثل الانتخابات، وحتى إن أعلنت بياناتها ووثائقها مساندتها للديمقراطية، ففاقد الثقافة الديمقراطية لن يعطيها. الملاحظة الثالثة هي أنه من حسن الطالع أن مؤسسات التنشئة الاجتماعية في مصر تآكل دورها، ولم يعد لها الدور الاكبر في إرساء قيم المصريين وثقافتهم، فهي في جوهرها تقوم على الاستبداد والسلطة الأبوية، ولا تُشيع غيرهما في المجتمع، وربما كانت أحد حسنات أزمتها أن أجيال ثورة ٢٥ يناير قد تحررت منها واعتمدت على مصادر ومنابع أخرى للتنشئة. التوافق مفتاح التحول الديمقراطي في الفترات الانتقالية في أواخر ٢٠١١، بدأت جهودي في محاولات بناء التوافق بين القوى السياسية، بإجراء حوار حول حوكمة المؤسسات السياسية في الفترات الانتقالية، بهدف بناء قواعد تحكم إدارتها وكيفية تولي المناصب الأساسية فيها، مرورًا بالحوار بين بعض الأطراف في جبهة الإنقاذ وجماعة الإخوان قبل الثلاثين من يونيو، وانتهاء بوثيقة تقوية المسار الديمقراطي بين القوى السياسية المصرية قبل انتخابات مجلس النواب لعام ٢٠١٥، بالإضافة لمحاولة إجراء عملية النقد الذاتي بين قوى وأفراد التغيير، بغرض استخلاص الدروس لدعم التحول الديمقراطي في الفترات الانتقالية التي تطورت بناء على رغبة هذه القوى في تصميم عملية حوار بينها بهدف استعادة المسار الديمقراطي. تعلمت من عمليات الحوار عددًا من الدروس الهامة، كان منها ١ إن التوافق حول حد أدنى من القواعد التي تحكم العملية الأساسية هو الضمان لاستمرار التحول الديمقراطي في الفترات الانتقالية. ٢ إن الاستقطاب بين قوى التغيير هو المدخل الأساسي لتمكين الثورة المضادة والقوى المعادية للديمقراطية. ٣ للأسف، فإن المكون الديمقراطي ضعيف لدى أغلب النخب السياسية من الصف الأول، ناهيك عن ضعفها وعدم ثقتها في ذاتها، أو رغبتها في امتلاك ثقة الآخرين، وانسياقها وراء السلطة وهرولتها وراء المغنم السريع، أما الشباب النافذ في القوى والحركات السياسية فهو أقدر على بناء التوافق وتجاوز الاستقطاب، ربما لأنه لا يصدر عن نفس النموذج المعرفي، وهذه وهذا لا ينفي بالطبع وجود قطاعات شابة تفكر بنفس طريقة قياداتها. ٤ إذا كان الحوار والقدرة على بناء التوافقات ضعيفة بين القوى السياسية، فإن الحوار داخل الكيانات منعدم، ويفسر هذا ما شهدناه من تشققات وانقسامات داخل هذه الكيانات بعد الثورة. ٥ أخيرًا، فإن الاستقطاب يجب أن يكون حول مسألة الديمقراطية، أي بين قوى ديمقراطية وقوي غير ديمقراطية، وليس على أساس المرجعية الفكرية، فلكلٍ مرجعيته التي ينطلق منها، ويظل الأهم هو تفسيره لهذه المرجعية. تمكين الشباب منذ تجربة رئاستي لتحرير موقع «إسلام اون لاين»، بين ١٩٩٩ و٢٠١٠، تعلمت أن العمل مع الشباب متعة، خاصة إذا جرى انتقاؤهم بعناية. بدأت التجربة وكان عمري ٣٥ عامًا، ولا يكبرني سوى الأستاذ توفيق غانم الذي كان أكثر مني إيمانًا بالشباب وبقدرتهم على الإبداع والعطاء والتميز، ومنذ ذلك الحين وأنا أعمل مع الشباب، أتعلم منهم الإبداع والمبادرة وسرعة الإنجاز والتطور الدائم. ورسخت قناعاتي عندما بدأنا بعض المشاريع التجريبية لتمكين الشباب، فكانت الخلاصة أن ١ من لم يترك مكانه للشباب طواعية لا يمكّنهم بل يقول ما لا يفعل. ٢ الشباب في مصر طاقة تغيير كبيرة لواقع مجتمعاتهم المحلية، وهم لا يفتقدون إلا للقدرة على العمل سويًا لإحداث هذا التغيير، أما الخبرات والمهارات والأفكار فيسهل اكتسابها. ٣ المبادرات الشبابية تتجاوز طريقة عمل التنظيمات التقليدية، فهي مبادرات تشبيكية بين جهود الأفراد داخلها، وبين المبادرات المتعددة، وفيها تداول للمسؤولية القيادية، دون تراتبية تقيّد السلطات على المستوى المحلي، ولا تفهم اللغة التي يتحدث بها هؤلاء الشباب. أذكر محافظ أسوان الذي قضى في رتبة «اللواء» سبع سنوات قبل أن يتلقى تكليفًا بأن يكون محافظًا، أذكره وهو يتحاور مع الشباب كأنه ما يزال في معسكر التجنيد وهؤلاء هم المجندون الجدد. ٤ الاختراقات الأمنية والتنظيمية الحزبية للشباب من أهم معوقات العمل المشترك، والاختراقات الأمنية معروفة، أما الحزبية فالمقصود بها رغبة الأحزاب، التي ينتمي لها هؤلاء الشباب، في توظيف مبادراتهم لصالحها. عندما تريد أن نعمل سويًا فعليك خلع عباءة الانتماء الحزبي والتنظيمي. وأخيرًا، لا حديث عن تمكين الشباب دون حرية كاملة داخل أحزابهم وتنظيماتهم وفي المجال العام، فبدون حرية يكون الحديث عن «تمكين الشباب» رطانة فارغة المضمون والمستوى، فالشباب روحه في الحرية يتنفسها، فهي كالماء والهواء. المحافظة على كيان الدولة استقر وعيي على ضرورة التمييز بين النظام، أي نظام، وبين كيان الدولة الذي يجب الحفاظ عليه، ولكن في نفس الوقت فلا يمكن الحفاظ عليه دون تجديد وإصلاح مؤسساته، عبر بناء نظام ديمقراطي قادر على تلبية الاحتياجات العامة للمصريين جميعًا دون تمييز. دفعتني هذه القناعة للمساهمة مع عدد من الأصدقاء في مشروع «مصر ٢٠٣٠»، بالإضافة لبناء استراتيجية للتعامل مع القضية السكانية، مع المجلس القومي للسكان، واستراتيجية انتقالية لتمكين الأسرة المصرية مع اليونيسيف، فماذا تعلمت من ذلك كله؟ ١ كانت «مصر ٢٠٣٠» مبادرة أهلية جرى السطو عليها من قبل سلطة الثالث من يوليو، فقط بهدف التزين بها، وجرى تغيير مضمونها الديمقراطي، خاصة في المحور السياسي. إن قوة المبادرة الأهلية تكمن في استقلالها، وهذا لا يعني خلق مجال مشترك مع السلطة، ولكن السلطة في مصر تبحث عن السيطرة والهيمنة على الجهد الأهلي مع تفريغه من مضمونه. ٢ البيروقراطية المصرية الآن في أدنى مستوياتها، وهي لا تنقصها الاستراتيجيات، فهي كثيرة ومتعددة، ولكن تنقصها الكفاءة لتنفيذها، في غياب التنسيق بينها وكثرة الصراعات بين أفرادها والافتقار للمحاسبة. هذه بعض الدروس التي تعلمتها من مسيرة عملي في الفترة من ٢٠١١ حتى الآن، وتظل هناك دروس أخرى في مجالات العلاقة بين المسلمين والمسيحيين في مصر والمنطقة، والمرأة بين الإنصاف والتمكين (انظر مقالي مصر يجب أن تتصالح مع شعبها)، بالإضافة لملف الحركات الإسلامية الذي أفضّل أن تُفرد له سلسلة مستقلة من المقالات.
ما الجهات المتورطة في هجوم الواحات؟ عمر سعيد ٢١ أكتوبر ٢٠١٧ بعد دقائق من الإعلان عن العملية الإرهابية التي وقعت في منطقة الواحات أمس، الجمعة، والتي راح ضحيتها بحسب آخر تقدير أكثر من ٥٠ من ضباط وجنود قطاع الأمن الوطني والقوات الخاصة بالداخلية، حتى بدأت التحليلات والتوقعات حول الجهة المسؤولة عن الحادث. ذهب البعض إلى أنها عودة لعمليات القيادي الجهادي والضابط السابق في الجيش هشام عشماوي، خاصة مع تشابه طبيعة العملية وموقعها مع عمليات سابقة له، فيما رأى البعض الآخر أن العملية تحمل علامات تنظيم «جنود الخلافة»، المسمى كذلك بـ «مجموعة عمرو سعد»، أو «داعش مصر»، خاصة مع المقارنة بآخر العمليات المنسوبة للتتظيم. ولم يستبعد عدد آخر تورّط تنظيم «حسم» في العملية، رغم اختلافها تمامًا عن طبيعة عملياته ونطاقها الجغرافي. ومع عدم إعلان أي جهة عن مسؤوليتها حتى اللحظة، وغياب المعلومات الرسمية بشكل كبير، تظل الاحتمالات جميعًا مطروحة. مَن هو عشماوي؟ عمل هشام علي عشماوي مسعد إبراهيم كضابط في سلاح المشاة، ثم الصاعقة في القوات المسلحة. قبل أن يُحال، بناء على تحريات المخابرات الحربية، إلى الأعمال اﻹدارية في الجيش على خلفية مشادة بينه وبين خطيب مسجد في معسكره التدريبي لأن الأخير أخطأ في ترتيل القرآن. غير أن عشماوي واصل نزعته المتشددة، وكان يوزع كتب شيوخ السلفية على زملائه في الخدمة، مما أدى إلى فصله عقب محاكمته عسكريًا في العام ٢٠١٢. في بدايات ٢٠١٣ رصدت الأجهزة الأمنية سفر عشماوي ومشاركته في الصراع السوري إلى جوار «جبهة النصرة»، التي كانت وقتها ذراع تنظيم القاعدة في سوريا قبل أن تعلن فك الارتباط مع التنظيم. بعدها بعدة أشهر، ظهر عشماوي في خضم الهجمات الإرهابية التي كانت آخذة في الصعود بشكل أساسي في شمال سيناء وبعض محافظات الدلتا، خاصةً القاهرة والدقهلية. كما ظهر دوره جليًا في عمليات تنظيم «أنصار بيت المقدس» قبل أن يبايع تنظيم «داعش». أما الإشارة الأكثر وضوحًا لأهمية دور عشماوي في العمليات المتصاعدة في الساحة المصرية، فصدرت من الأجهزة الأمنية عقب يوم واحد من محاولة الاغتيال الفاشلة التي تعرض لها وزير الداخلية السابق محمد إبراهيم قرب منزله في مدينة نصر. إذ أكدت الأجهزة أنها اقتحمت منزل عشماوي في منطقة زهراء مدينة نصر، حيث كان لأسرته مسجدًا يستغله في نشر أفكاره، وأنها حصلت على الكثير من الذخائر والوثائق التي أكدت مشاركته في التخطيط لمحاولة الاغتيال. عند هذه النقطة، بدأ الحديث عن تولي عشماوي مسؤولية أنشطة التنظيم في الوادي والدلتا، المناطق التي شهدت تصاعد العمليات المستهدفة لضباط الشرطة ومديريات الأمن وبعض المقار العسكرية. في تلك الفترة تمّ استهداف مديرية أمن الدقهلية مرتين، في يوليو وديسمبر ٢٠١٣، ومبنى المخابرات الحربية في الاسماعيلية في أكتوبر ٢٠١٣، ومعسكر قوات الأمن المركزي في ديسمبر ٢٠١٣، ومديرية أمن القاهرة في يناير ٢٠١٤، وكذلك تم اغتيال مدير المكتب الفني لوزير الداخلية اللواء محمد السعيد في يناير ٢٠١٤، واغتيال المقدم في جهاز الأمن الوطني محمد مبروك في نوفمبر ٢٠١٣، بالإضافة لاستهداف عدد كبير من الكمائن والمرتكزات الأمنية التابعة لوزارة الداخلية. بخلاف ذلك، يواجه عشماوي اتهامات رسمية بقيادة عملية مذبحة كمين الفرافرة في يوليو ٢٠١٤ والتي قُتل فيها ٢٨ مجندًا في القوات المسلحة، وكذلك عملية استهداف مقر الكتيبة ١٠١ في العريش والتي قُتل فيها ٢٩ من ضباط وجنود القوات المسلحة. في ذلك الوقت، بدأت ملامح الخلافات بين العشماوي و«أنصار بيت المقدس» في الظهور على السطح. إذ أعلن التنظيم مسؤوليته عن عملية الفرافرة، في شريط دعائي له بعنوان «صولة الأنصار»، ووعد بأن يصدر الشريط الدعائي القادم متضمنًا لقطات من العملية. وبعد أسابيع، صدر الشريط الجديد متضمنًا للعديد من العمليات، إلا عملية الفرافرة تحديدًَا. وبين الشريط الأول والثاني، بايع التنظيم «داعش» وواليه أبو بكر البغدادي، وقَبِل الأخير البيعة، وأمرهم بإلغاء الاسم القديم، والتحول إلى اسم «ولاية سيناء». وهنا افترق عشماوي عن جماعة داعش الجدد. بعدها ظهر هشام عشماوي في مقطع مصور وكنى نفسه بـ «أبو عمر المهاجر»، وأعلن مسؤوليته عن «عملية الفرافرة»، والتي جرت في يوليو ٢٠١٤، مؤكدًا على موقعه التنظيمي الجديد كأمير لجماعة جديدة حملت اسم «المرابطون». بعد هذه العمليات كشفت مؤشرات كثيرة عن إصابة العشماوي كان قد أصيب في «عملية الفرافرة»، وأنه عقب الانشقاق عن تنظيمه القديم انتقل إلى ليبيا، حيث سيتلقى العلاج ويشارك في العمليات هناك ويشرف على بعض المعسكرات التدريبية. واختفت منذ ذلك الوقت أخباره حتى عاد اسمه ليتردد عقب حادث الأمس، بعدما كانت اﻷخبار الواردة مؤخرًا عن عمليات مشابهة تعلن عن مجموعة جديدة، هي «جنود الخلافة». ماذا عن «جنود الخلافة»؟ في مايو الماضي، نشرت مجلة «النبأ» الصادرة عن الجهاز الإعلامي المركزي لتنظيم «داعش» حوارًا مع من وصفته بأنه «أمير تنظيم جنود الخلافة في مصر». وكان للحوار دلالة كبيرة، هي أن التنظيم بات له فرعًا مستقلًا يعمل في مصر خارج شبه جزيرة سيناء. لا يخضع لأوامر «والي سيناء»، ولا ينسق مع «الولاية» كذلك. وبالتزامن مع ظهور الحوار كان اسم عمرو سعد يتردد بصورة دفعت كثيرين للربط بينهما، باعتبار عمرو هو نفسه اﻷمير الجديد. في الحوار قال الأمير المجهل «تربطنا بإخواننا جنود الخلافة بولاية سيناء علاقة الأخوة والمحبة والولاء (..) ونحن جميعًا جنود الدولة الإسلامية على أرض سيناء ومصر (..) استهداف الكنائس هو من ضمن قتالنا وحربنا على الكفر وأهله (..) نقول [للمسيحيين] إن سنة الله عليكم جارية، وحكم الله ورسوله واقع عليكم، وإنكم مخيرون بين إحدى الثلاث الإسلام أو الجزية أو القتال». كانت الشهور السابقة للحوار قد شهدت صعودًا دراميًا في العمليات الإرهابية التي استهدفت المسيحيين في مصر، سواء تفجير الكنائس في العباسية وطنطا والاسكندرية أو خطف وقتل المدنيين المسيحيين في العريش، مما أدى إلى موجة نزوح واسعة للسكان المسيحيين من شمال سيناء في اتجاه مدن القناة. في حين حسم الحوار جدلًا بدأ، منذ العام الماضي، مع العملية التي استهدفت الكنيسة البطرسية بالعباسية، في ديسبمر من العام الماضي، وأعلن داعش مسؤوليته عنها. ودارت الأسئلة في حينها، هل ولاية سيناء مَن فعلها؟ أم أنهم تمددوا وبات لهم خلايا منفردة في الدلتا؟ أم أن لداعش نفسها تنظيمًا جديدًا خارج سيناء؟ عقب تفجير «البطرسية» والكشف عن هوية الانتحاري، ألقت الأجهزة الأمنية القبض على العديد من الأشخاص، أحدهم يدعى عمر سعد وأودعته سجن العقرب. وبناءً على اعترافات المتهمين ظهر أن شقيق عمر سعد، ويدعى عمرو، وهو المسؤول عن عمل هذه الخلايا في وادي ودلتا النيل، وهو العقل المدبر لعملية تفجير «البطرسية». بعد العملية بشهور، فجر انتحاريان نفسيهما في الكنيسة المرقسية في الإسكندرية، وفي كنيسة مارمرقس في طنطا. وأعلنت الداخلية بعدها أن واحد من المنفذين كان على اتصال بأحد المتهمين الهاربين في تفجير كنيسة العباسية، وهو عمرو سعد. فيما قالت معلومات وزارة الداخلية إن البؤر الإرهابية المسؤولة عن تفجير الكنائس واستهداف أوتوبيس المنيا، يتولى مسؤوليتها عمرو سعد عباس إبراهيم، وهو زوج شقيقة الانتحاري محمود حسن مبارك، منفذ عملية كنيسة الإسكندرية. خلال الشهور الماضية نفذت وزارة الداخلية العديد من المداهمات في مناطق صحراوية في صعيد مصر في سياق استهداف المجموعة، التي باتت تُعرف بـ «مجموعة عمرو سعد»، وسقط عدد كبير من القتلى خلال هذه المداهمات. بدأت قصة المداهمات بالقبض على أحد أعضاء المجموعة، عيد حسين عيد، يوم ٣ أغسطس الماضي، وهو من شمال سيناء لكنه يعيش في محافظة البحيرة. وخلال التحقيقات قدم عيد الكثير من المعلومات عن المجموعة وتسليحها وأماكن تدريبهم، مؤكدًا على مسؤولية عمرو سعد عنها. وبعد أسبوع واحد على اعتقاله، توجهت قوة من الشرطة لأحد أماكن تدريب المجموعة، مصطحبة لعيد معها. وفي منطقة أبو تشت في صحراء قنا، دارت أولى المواجهات، واستطاعت العناصر الموجودة فور رؤيتها للمعتقل مصدر المعلومات قتله وقتل الضابط المكلف بحراسته. وانتهت المداهمة بمقتل مسلحين. وفي يوم ٢٠ أغسطس، أثناء جولة أخرى من ملاحقة مجموعة سعد، في منطقة الواحات البحرية، هي المنطقة ذاتها التي شهدت أحداث الأمس، اعترض مسلحون تابعون للمجموعة مسار قوة أمنية، وقتلوا ١٤ شرطيًا من بينهم ٥ ضباط، وذلك تحديدًا بعد ورود معلومات للداخلية تفيد بوجود عناصر للمجموعة في هذه المنطقة. وهو نفس الدافع الذي قالت وزارة الداخلية أنه دفع بالقوة الأمنية أمس إلى التحرك إلى هذه المنطقة. ومنذ هذه اللحظة اختفت أخبار عمرو سعد، حتى عادت للتداول أمس. «حسم».. احتمال قائم عملية اﻷمس حدثت في الواحات البحرية، والتي تبعد ما يزيد عن ١٠٠ كيلومتر عن محافظتي الجيزة والفيوم، وهي مسارح عمليات معتادة لتنظيم «حركة سواعد مصر..حسم»، أحد التنظيمات المسلحة التي خرجت من عباءة جماعة «اﻹخوان المسلمين». تأسس تنظيم «حسم» في شهر يوليو ٢٠١٦، وتبنى تنفيذ عدد من العمليات أبرزها قتل ٦ من أفراد الشرطة في كمين بشارع الهرم في محافظة الجيزة، في ديسمبر من العام الماضي، واغتيال ضابط بجهاز اﻷمن الوطني في يوليو الماضي. وعلى الرغم من قرب موقع عملية أمس من النطاق الجغرافي لتنظيم «حسم»، إلا أن طبيعة الاشتباكات، بحسب المعلومات القليلة المتوفرة، والعدد الكبير من القتلى والجرحى، قد يستبعد التنيظم من قائمة الجهات المشتبه بها. ولم يسبق أن نفذ التنظيم أي هجوم مماثل في الحجم والقوة على قوات اﻷمن. كما أدت الضربات اﻷمنية المتلاحقة التي تعرض لها التنظيم، في الشهور الماضية، إلى سقوط عدد كبير من كوادره، وانخفاض وتيرة عملياته إلى حد كبير. في جميع الأحوال، سواء كانت عملية الأمس إعلان العودة لهشام عشماوي أو تبيّن مسؤولية «مجموعة عمرو سعد» عنها، أو أعلن تنظيم «حسم» عن قيامه بها تمثل «عملية الواحات» مفاجأة. ففي حالة تبيّنت صحة الفرضية الأولى يكون العشماوي عاد عقب شهور طويلة من انقطاع أخباره، وعدم دقة التصور بأن الصراع الليبي ابتلعه تمامًا. أما إذا أعلنت «المجموعة» المسؤولية سيمثل ذلك إحياء لها بعدما ساد اعتقاد بأنها المداهمات الأمنية قد أدت إلى انهيارها، وإذا صحت الفرضية الأخيرة سيكون ذلك إعلانًا عن تعافي المجموعة النوعية الخارجة عن عباءة «الإخوان المسلمين» من آثار ضربات الداخلية.
الإثنين «الأسود».. وسط العريش ساحة حرب مراد حجازي ٢٠ أكتوبر ٢٠١٧ اعتاد «سلامة»، الشاب الثلاثيني أن يجلس كل صباح على إحدى مقاهي وسط مدينة العريش المطلة على شارع ٢٣ يوليو، ولكن يوم الإثنين الماضي ١٦أكتوبر٢٠١٧، كان صباحًا مختلفًا، كان يرتشف من فنجان القهوة، الذي كان يحمله في يده، عندما رأى ثمانية مسلحين ترجلوا من سيارة ربع نقل واقتحموا مقر البنك الأهلي المؤقت لفرع رفح بوسط المدينة، في الثامنة والنصف صباحًا. في ذلك الوقت كان الحاج «محمد» أمام متجرة الصغير في شارع ٢٣ يوليو، يحمل مكنسته الصغيرة وينظف بها الرصيف أمام متجره، قابله أحد أصدقائه، تصافحا وبدآ يتجاذبا أطراف الحديث. وفجأة، انطلقت زخات الرصاص من كل اتجاه، فر «سلامة» إلى مدخل عمارة قريب من موقع جلوسه، أما الحاج «محمد» فحمل صديقه إلى داخل متجره، بعد أن سقط أرضًا مصابًا بطلق ناري في ظهره، ليتشاركا الساعات العصيبة التالية وسط بركة من الدماء. تدب الحياة في مدينة العريش بعد الساعة السادسة ٦ صباحًا بعد انتهاء ساعات حظر التجوال، يذهب الموظفون إلى أعمالهم والطلاب إلى مدارسهم. يقول «سلامة» اسم مستعار «كنت قاعد على القهوة، الساعة ٨ ونص صباحًا، فجأة خرجت سيارتان من شارع أبوالحسن، واحدة ملاكي والثانية ربع نقل خضرة، ووقفوا قدام البنك، نزل منهم ٨ مسلحين، ٧ منهم ملثمين، ودخلوا البنك بسرعة، وتحركت السيارات ودخلت شارع بعد البنك». يقع فرع البنك الأهلي المؤقت لمدينة رفح في العريش بين شارعين فرعيين من شارع ٢٣ يوليو الرئيسي، الأول شارع أبوالحسن والثاني الإسكندرية. ويضيف «بدأ بعض الناس يخرجون من البنك في حالة ذعر وتخبط، بعدها سمعت أصوات طلقات رصاص في الداخل، ثم أصبحت الطلقات تتطاير للخارج وتُسمع من كل اتجاه، ما دفعني للاحتماء بمدخل العمارة القريبة من مكان جلوسي، ومن خلف فتحة صغيرة بحائط في إحدى طوابق العمارة، تابعت المشهد، كانت مجموعة مسلحة تطلق الرصاص من ناصية شارع أبوالحسن على كمين الكنيسة، ومجموعة أخرى من ناصية شارع الإسكندرية تطلق الرصاص على كمين شارع الصاغة». أما الحاج «محمد»، الذي حمل صديقه المصاب داخل متجره القريب من شارع الصاغة وكمينه، فيصف تلك اللحظات بالأكثر رعبًا في حياته، ويقول الرجل السبعيني «كان الموت حولينا في كل مكان، ورغم دخولنا للمحل ولكن طلقات الرصاص لحقتنا ورأيتها ترتطم بجدران المحل الداخلية، كان الصوت قريبًا ومخيفًا». ويتابع وصف المشهد المرعب الذي عاشه في صباح ذلك اليوم «الأسود» حسب قوله «لم أعرف ماذا أفعل، خاصة بعد أن زاد نزيف الدم من صاحبي المصاب، حاولت أوقف النزيف بأي شيء، وتحولت الأرض إلى بركة دم، مبقاش في أيدينا شيء، فضلنا نردد الشهادة حتى الساعة الحادية عشر، عندما وقف إطلاق الرصاص وحضرت سيارات الإسعاف». يعتبر شارع ٢٣ يوليو هو الشارع الرئيسي والأكثر حيوية وسط مدينة العريش، عاصمة محافظة شمال سيناء، حيث تنتشر به معظم المحال التجارية المختلفة، وكذلك تقع في منتصفه جميع المقرات الحكومية وأهمها مجلس المدينة وسنترال العريش. يبدأ الشارع من ميدان جامع النصر وينتهي عند ميدان الرفاعي. ويحتوي على ثلاثة كمائن أمنية، اثنان منهم ثابتان وهما الكمين الواقع في محيط كنيسة «ماري جرجس» وهو عبارة عن مدرعتين من الشرطة وأخرى تابعة للجيش بالإضافة إلى جنود يعتلون أسطح الكنيسة، يليه كمين مجلس المدينة وهو عبارة مدرعات شرطة ودشم يقف خلفها جنود بالإضافة إلى أفراد أمن منتشرون فوق المباني الحكومية المجاورة، مثل مجلس المدينة وسنترال العريش، ويطل الكمين أيضًا على شارع ٢٦ يوليو، وثالثهم هو كمين شارع الصاغة، الذي تنتشر فيه محلات الذهب، وهو كمين متحرك يتواجد من الساعة الثامنة صباحًا وحتى الخامسة مساءً وبرحيله تغلق جميع محال الذهب أبوابها. تركزت الاشتباكات في وسط المدينة، بعدما أخذ كل طرف من الشوارع الفرعية ساترًا للاحتماء وتبادل إطلاق الرصاص، انقسم كمين شارع الصاغة إلى نصفين أحدهما في شارع الصاغة والأخر في الشارع المقابل «مول البيك»، واشتبك مع مسلحين اتخذوا من ناصية شارع الإسكندرية ساترًا لهم، أما كمين كنيسة «ماري جرجس» اشتبك مع مسلحين من ثلاث اتجاهات، احتموا بناصية شارع أبوالحسن وآخرين في شارع الأزهر، ومجموعة ثالثة بالقرب من منطقة «سوق السمك»، وكل تلك الطرقات متفرعة من شارع ٢٣ يوليو الرئيسي، وكان الهدف من ذلك تشتيت قوات الأمن بعيدًا عن الهدف الرئيسي وهو فرع البنك الأهلي بوسط المدينة. وسط شارع عَرضي موازي لشارع ٢٣يوليو، بالقرب من منطقة «سوق السمك» توقفت سيارة ربع نقل حمراء عند الساعة الثامنة والنصف، تحمل مسلحين ترجلوا منها وانتشروا في المنطقة. شاهد عيان رفض ذكر اسمه يروي لـ«مدى مصر»، «كنا نسمع صيحات التكبير بين الحين والآخر من شارع الأزهر المطل على كمين الكنيسة، وأصوات الرصاص لم تنقطع حتى قرب الساعة العاشرة». أما في شارع «مول البيك» المقابل لشارع الصاغة، استيقظ «م.ك» الشاب العشريني، على صوت طلقات الرصاص المتتالية، يقول لـ«مدى مصر» توجهت إلى بلكونة منزلي، وجدت أفراد كمين الصاغة موجودين في وسط الشارع، وأحد أفراد الأمن يقف على الناصية ويتبادل إطلاق الرصاص مع مسلحين في اتجاه البنك الأهلي، احتميت بمنزلي وتابعت الأحداث من خلف إحدى النوافذ». ويضيف، «أن الضابط المسؤول عن الكمين كان يحمل جهاز اللاسلكي ويقول (ابعتوا الدعم ابعتوا الدعم بسرعة)»، مشيرًا إلى أن هذا الوضع استمر لفترة طويلة والضابط يطلب الدعم خلال الجهاز، حتى أن الضابط طالب الجنود بالاقتصاد في إطلاق الرصاص حتى لا تنفد الذخيرة. ويتابع أنه عند الساعة العاشرة بدأت الأمور تهدأ ويخفت صوت إطلاق الرصاص. بين الحين والآخر كانت أصوات الانفجارات تدوي في قلب المدينة، يصاحبها إطلاق رصاص من الأسلحة الآلية، وبعدها تنطلق صافرات الإنذار من سيارات الأهالي المتوقفة في محيط المنطقة. كانت هذه المرة الأولى التي ينتشر فيها أفراد مسلحون بشكل كبير وسط المدينة ولوقت طويل، على عكس المرات السابقة التي كانوا يحضرون لتوزيع منشورات أو خطف أو تصفية شخص ويفرون من المنطقة سريعًا. داخل فرع البنك الأهلي، كانت الأحداث أكثر رعبًا، كان موظفو البنك وجهًا لوجه مع الأفراد المسلحين، يقول أحد الموظفين في البنك لـ«مدى مصر» بعد أن طلب عدم ذكر اسمه «اقتحم البنك في البداية ستة أفراد ملثمين يرتدون ملابس مموهة مثل الجيش، فيما بقي اثنين في الخارج على البوابة، وأطلقوا الرصاص على فردي الشرطة المسؤولين عن التأمين وتبادلوا إطلاق النار مع فرد شُرطة ثالث كان في الداخل، ووسط تبادل إطلاق النيران قتلت سيدة في الحال، وعندما سمع فرد الأمن المدني التابع للبنك صوت إطلاق الرصاص حضر من مكان داخل البنك، وبمجرد ظهوره ومعه سلاحه الشخصي، أردوه المسلحون قتيلًا في الحال». ويضيف «كانوا يحملون متفجرات تشبه الديناميت، وضعوها في أماكن مختلفة داخل البنك وأوصلوها بأسلاك كهربائية، وطالبوا جميع الموظفين أن يجثوا على رُكبهم ويضعوا رؤوسهم في الأرض وألا ينظروا إليهم، وهددوا إذا حاول شخص فعل أي شيء سيفجرون البنك بالكامل على رؤوسنا». يشير الموظف إلى أن المسلحين كانوا على دراية تامة بأركان البنك من الداخل و«كأنهم يعملون فيه منذ فترة»، مضيفًا «كانوا يعلمون أماكن الخزائن الرئيسية والفرعية». ويتابع «أثناء وضعهم للمتفجرات حول الخزينة الرئيسية، كان احدهم كاشفًا لوجهه يخطب فينا ويحذرنا من التعامل مع من وصفهم بـ(المرتدين والكفار)»، مشيرًا إلى أن لهجته لم تكن بدوية ولا «عرايشية» وكذلك لم تكن مصرية، أما الأفراد الآخرين فكانوا أصحاب أجسام نحيلة ويبدو أنهم صغار في السن، وكان المسؤول عنهم شخص يلقبونه بـ«أبوالمقتاد». «فجأة سمعنا انفجارًا كبيرًا في الداخل بعدها صيحات تكبير، علمنا أنهم تمكنوا من فتح الخزينة الرئيسية»، يقول الموظف، «بعدها أحضروا أجولة دقيق فارغة كانت لديهم وملؤها بالمال، واستولوا أيضًا على الأموال في ماكينتي السحب الآلي الخاصتين بالبنك، وكذلك خزائن الأموال الفرعية، ثم طالبوا اثنين من الموظفين بحمل الأجولة معهم إلى سيارة كان بحوزتهم في شارع فرعي». وعن المدة الزمنية التي استغرقتها عملية السطو على البنك، قال «قرابة الساعة من الثامنة والنصف وحتى التاسعة والنصف»، وعن حالة الموظفين بعد الحادث، أكد أن الجميع كان في حالة صدمة، حتى أن الموظفين وعمال البوفية والنظافة في الطابق الثاني بقوا حتى الساعة العاشرة والنصف أسفل المكاتب، ومنهم من اختبأ في دورات المياه حتى الساعة الحادية عشر، ولم يعلم أن المسلحين رحلوا من البنك». في الفترة التي وقعت فيها حادثة السطو والاشتباكات المسلحة مع كمائن الأمن المحيطة، تحول بهو سنترال العريش، إلى مكان يشبه بالاستقبال في المستشفيات، بعد أن حمل الموظفون المصابين الذين تساقطوا واحد تلو الآخر من الرصاص المتطاير في كل مكان. تحدث «مدى مصر» مع اثنين من الموظفين داخل السنترال، وقالا «إن أرضية استقبال السنترال امتلأت بالدماء، إثر استقبال ٤ مصابين بطلقات نارية سيدة أصيبت بطلقة في القدم، ورجل أصيب بطلق في الظهر، ورجلان أصيبا بشظايا في الوجه والكتف». وأضافا، «حاولنا وقف النزيف للمصابين عن طريق بعض المستلزمات الطبية التي كانت مخصصة للطوارئ في السنترال، قبل أن تأتي سيارات الإسعاف، والتي تأخرت بسبب شدة الاشتباكات، وتوقفت في مكان بعيد، ما دفعنا لحمل المصابين وإيصالهم للسيارات وسط الاشتباكات». حسب شهود عيان، انسحبت السيارات التي كانت تحمل المسلحين باتجاه شارع أسيوط، الموازى للشارع الساحلي للمدينة، وقطعت الشارع بالكامل، وهم يرددون صيحات «الله اكبر»، في اتجاه جنوب حي المساعيد شرق العريش، قبل أن يختفوا. بعد الساعة العاشرة صباحًا، بدأت طلائع قوات الجيش والشرطة تصل إلى محيط منطقة الاشتباكات، ودخلت سيارات الإسعاف لإجلاء المصابين والقتلى من وسط المدينة. وأكد مصدر طبي، أن حصيلة القتلى والمصابين يوم الإثنين ١٦أكتوبر، نتيجة الهجمات المسلحة التي طالت فرع البنك الأهلي وكمائن وسط مدينة العريش، ٨ قتلى بينهم ٣ أفراد شرطة، و٥ مدنيين بينهم سيدة، وأصيب ١٦ آخرين بإصابات متنوعة بين طلقات الرصاص والشظايا والصدمات النفسية. بعد أن توقفت الاشتباكات، كانت سيارات الأهالي المتوقفة في شارع ٢٣ يوليو تضررت، حيث اخترق الرصاص هيكلها وهشم زجاجها، أما واجهات المحال التجارية، فآثار الرصاص تبدوا على أبوابها، والخضروات والفواكه، الخاصة بالبائعين على الأرصفة قرب ميدان الرفاعي، فكانت تناثرت على الأسفلت بعد أن تركها أصحابها وركضوا هربًا من الرصاص المتطاير. في الساعة الحادية عشر، سمحت قوات الأمن لإدارات المدارس الموجودة في محيط المنطقة بفتح أبوابها لخروج الطلاب، ومن الشوارع الجانبية توافد العشرات من أولياء الأمور، الذين كانوا ينتظرون لحظة يستطيعون فيها الاطمئنان على أبنائهم بعد ساعات عصيبة. وعند منتصف اليوم سمحت قوات الأمن لأصحاب المحال التجارية بالوصول إليها، فتحوا أبوابها، وبدأوا في إزالة آثار الزجاج المتناثر وحصر الخسائر في أملاكهم، وألسنتهم تردد «حسبنا الله ونعم الوكيل»، وخلت المدينة من الحركة باقي ساعات نهار وليل ذلك اليوم. في نهاية اليوم، هطلت الأمطار بغزارة على وسط المدينة، مَحت مياه الأمطار آثار الدماء التي أريقت على الأرصفة بسبب الرصاصات العشوائية، ولكنها لم تمح مشاهد الرعب، التي حُفرت في أذهان «العرايشية».
«أطفال في محاضن الجهاد» عندما تتحدث «داعش» عن تربية الأطفال عمر سعيد ٢٠ أكتوبر ٢٠١٧ على الرغم من أن نشأة تنظيم الدولة الإسلامية، كانت على إثر خلاف فكري عميق بين قطبي الجهادية العالمية أيمن الظواهري وأبو بكر البغدادي، حول المُفاضلة بين تأسيس دولة للإمارة وتعيين حدودها وبين التخفي داخل حدود أعداء الأمة. إلا أن التنظيم الناشئ غاب عنه الإنتاج الفكري والنظري، فاعتمد على الأدبيات نفسها التي يعتمد عليها «القاعدة»، وعَجّل بالممارسة العملية لدور "الدولة" بداية من تنظيم المرور في الشوارع، وحتى عمليات تصدير النفط وبيعه في السوق الموازية. لكن مع سيطرته على مدينة الرقة السورية، وبداية تشكّل مظاهره المدينية، التي عكست فكره المتشدد من تنفيذ أحكام قطع الأيدي والرجم والجلد، أخذ التنظيم في الاهتمام بالبعد الاجتماعي، وما يتطلّبه من تنظير فكري. بالطبع كانت الأولوية لموضوع تربية الأطفال بهدف تخريج جيل جديد من المجاهدين. قراءة لكتاب «أطفال في محاضن الجهاد» لأم عمارة المهاجرة، يمكن أن تعطي فكرة جيدة عن وجهة نظر «المجاهدين» في تربية أطفال الدولة الإسلامية. تبدأ أم عمارة كتابها بالإشارة لأهمية الموضوع «إن حياة الهجرة والجهاد تعني أن الأطفال سيشاهدون الطائرات المتربصة ويعرفون معنى المطاردة والخطر منذ سن مبكرة وقد يعيشون القصف حيًا.. ألعابهم حربية، وأحلامهم حربية ونقاشاتهم حربية بل حتى نكتهم وطرائفهم حربية.. يتعلم الأطفال معنى الشهادة والجنة والموت، يعرفون معنى اليتم وافتقاد الأب». وقبل أن تدخل أم عمارة في إرشاداتها لتربية الأطفال، تصف سريعًا ملامح دور الوالدين في التنظيم. الأم هي «بهجة البيت، تقلبه سعادة بأبسط الموجود وتظهر أروع عطاءاتها في الأعياد وشعائر الإسلام، ذلك أنها تقود جبهة جهادية لوحدها، هدفها، تربية طفل مسلم مجاهد معتز بدينه وبأمته». أما الأب «متواجد وغير متواجد، بل إن أغلب الأسر في الجهاد يحرمون من تواجد الآباء، وإن وجد فهو في شغل منشغل.. قد يخفى عليه الكثير من أحوال أبنائه وقد يتفاجأ بهم وقد كبروا وفقهوا». وبعد حديث طويل عن حصرية حمل الأم لمسؤولية تربية الطفل، تبدأ الكاتبة رحلتها، بالأزمات التي تواجهها المربية مع رضيعها، بسبب الأوضاع الصعبة لحياة الجهاد من اختفاء التطعيمات واللقاحات مثلًا. تصف المأساة بقولها «أتحدث عن أمراض لا يفكر فيها أهل المدن ومرتادي المستشفيات التي توفر التطعيم في كل حين لأطفالهم، إنما أتحدث عن حياة أولئك الرحالة الذين لا يمكنهم توفير هذا النوع من التحصين لفلذات أكبادهم». بعد أن تحيل أم عمارة هذه الأزمات إلى «رحمة الله» وحدها، تنتقل في نفس الفقرة للحديث عن إجراءات الوقاية البدائية. فتشير إلى أهمية استخدام العسل والحبة السوداء وزيت الزيتون، واستعمال الناموسيات عند النوم. هذا بالإضافة إلى التوعية من ميل الطفل الطبيعي للاكتشاف. تقول أم عمارة «من أصعب فترات تربية الطفل هي فترة السنتين والثلاث سنوات.. غالبا ما تكون مرحلة استكشاف يريد من خلالها الطفل معرفة الكثير عما يدور حوله. وأخطر ما على الأم التنبه له هو الأسلحة والمسدسات وخاصة القنابل اليدوية أو السوائل الحارقة». بعد هذه المرحلة، ينتقل الكتاب للمرحلة الابتدائية، من سن ٤ إلى ٩ سنوات، وما تتضمنه من مهمة أساسية وهي التعليم. ولأن المدارس تتوقف عن العمل في بلاد الجهاد، أو حتى لأن المجاهدين قبل هجرتهم للدولة الإسلامية يفضلون عدم الزج بأطفالهم في المدارس التقليدية، تضع الكاتبة أمام الأمهات حلَّين إما المدارس الجماعية في المنازل أو التعليم الفردي في المنزل أيضًا. وهنا تطرح الكثير من الأفكار. ضرورة البدء بتحفيظ القرآن، تعليم الكتابة والقراءة والمفاهيم البسيطة للعقيدة، إدخال الفقه والسيرة النبوية في المناهج بحسب درجة استيعاب الطفل. ذلك مع ما يمكن إضافته من مناهج تعليمية يضعها الجهاديون بأنفسهم. كما تعرّضت لإمكانية استخدام بعض المناهج المقدَّمة في المدارس النظامية «بشرط أن تتم مراجعة المواد واستبدال العبارات التي تهدم لا تبني». وقدمت مثالًا لعملية المراجعة «تصفحت كتابًا لتعليم اللغة العربية في منهاج السعودية، كان مدرجًا كسؤال للطلبة، ماذا يمكننا أن نقدم لأهلنا في فلسطين؟ فكان الجواب المقتصد نقدم لهم الدعاء.. في مثل هذه الحالة نقوم بتصحيح الجواب ونجعله نقدم لهم الإعداد والجهاد والإنفاق وفي أضعف الإيمان الدعاء». في القسم الخاص بالمرحلة الإعدادية، الممتدة من سن العاشرة إلى سن البلوغ، أسدت الكاتبة بعض النصائح التعليمية والسلوكية. تبدأ من إدخال «لغة العدو الانجليزية» في المناهج التعليمية. وضرورة الحديث عن اغتصاب اليهود لفلسطين وعدوان الأمريكان على المسلمين. كما تتطرق لأهمية تكليف الطفل الذكر ببعض المهام، كإصلاح الأدوات أو ائتمانه على سر أو تحميله مسؤولية تُشعره بأهميته. كما تفرِد أم عمارة مساحة للإشارة لنوعية الهدايا المناسبة لمتطلبات العمر، مثل الكتب التي تحكي عن بطولات المسلمين، أو الإصدارات الجهادية والوثائقيات العلمية وحتى العسكرية. ولتعليمه الإدارة المالية، توصِي بمنحه مصروف صغير مع مراقبة سلوكه المالي. وأخيرًا تنادي بتعويد الذكور على حضور معسكرات التدريب المصغَّرة، لتلقي تدريبات رياضية وبدنية. يزداد الفضول عن الأفكار الواردة في الكتاب عندما تعرض الكاتبة تحذيراتها للأبوين بخصوص التربية، لاسيما إذا اضطرا لإنزال العقاب بالطفل، فتنبه لضرورة اللجوء للحوار قبل العقاب، لأن كثيرًا ما يعاقب الطفل بدون أن يعرف سبب عقابه. كما تضع ضوابط للعقاب، فلا يكون لسوء فهم أو بلادة أو قلة استيعاب إنما يكون لقلة أدب أو لسلوك وجب تقويمه. كما تحفز الأبوين لإتباع الوسائل الترغيبية والتشجيعية لكسب اهتمام الطفل ورفع همّته. نلاحظ من قراءة بعض إرشادات أم عمارة في هذا القسم؛ عدم اختلافها الشديد مع اتجاهات المدارس الحديثة في التربية، فتحذٍر الآباء مثلًا من الإهانة المستمرة والتحقير المتزايد للطفل لأن ذلك يفقده الثقة في نفسه ويولد الكره لأهله. كما تؤكد على مراعاة الحالة النفسية والمرضية للطفل وبحث أسباب التراجع الدراسي أو التغير في السلوك أو العنف، وتدعو لاعتماد اللعب والترفيه والعمل الجماعي كأساليب مهمة للتعليم. وعند اتخاذ الأبوين قرار العقاب، تنصح أم عمارة بأن يكون الضرب آخر الوسائل الترهيبية لا أولها، فتقترح أن يبدأ تقويم السلوك بالموعظة والإفهام، ثم بالتهديد والجدية في التأنيب، ثم إن تعدى فالحبس في غرفة لبضع دقائق بحسب حجم الخطأ وأيضًا بحسب سرعة توبته واعترافه بالخطأ. كما تشدد على أن يكون الضرب معقول في إيلامه، بحيث لا يسبب أذية واضحة أو مرض. وعلى الرغم من اهتمام أم عمارة بضرورة تنشئة الأطفال كمجاهدين، إلا أنها أفردت مساحة معتبرة للتحذير من مشاهدة الأطفال للإصدارات الجهادية التي تحتوي على مشاهد قاسية، وأكدت على ضرورة خضوع ذلك لإشراف الأم، ضاربة المثل بطفل شوهد يحاول ذبح شقيقه الأصغر وهو يردد «مرتد.. مرتد»، مقلِّدًا لمشهد رآه في إصدار جهادي. «الحفاظ على المتفجرات بعيدًا عن متناول الأطفال»، و«مراقبة مشاهد الذبح في الإصدارات الجهادية»، نصائح تتطرق إليها أم عمارة المهاجرة باعتياد شديد يتماشى مع الصورة النمطية لمقاتلي التنظيم ومواطني الدولة المزعومة. إلا أن الكثير من الأمور المدينية التي طرحتها في كتابها عن العقاب والثواب، وعن معالجة الآثار النفسية للأطفال والمراهقين، تُعيد فرضية بديهية إلى الأذهان، ربما حاول الكثيرون الهرب منها، وهي أن هؤلاء ليسوا ظواهر بشرية مفاجئة غريبة بالكلية عن المجتمع، يريدون إقناع أنفسهم بأنهم لم ينسلخوا تمامًا عن قيمه المرتبطة بالحياة، مهتمون بتصدير تلك الصورة «الإنسانية» عن أنفسهم إلى أتباعهم على الأقل.
قتل القس سمعان شحاتة.. واقعة طائفية مرشحة للتكرار في «حوض داود» كارولين كامل تصوير إبراهيم عزت ١٨ أكتوبر ٢٠١٧ في ١٢ أكتوبر الجاري، ركض القس سمعان شحاته بكل ما أوتي من قوة، بعد أن تلقى طعنة من شاب حليق الرأس والذقن يرتدي جلبابًا ويحمل سيفًا، يدعى أحمد سعيد، لكن الطاعن ظل يطارده في شوارع مدينة السلام المتناثر بها بقايا مواد بناء، وبرك الصرف الصحي ومخلفات الورش، حتى لحق به في أحد مخازن حديد البناء الذي لجأ إليه القس للاختباء، وأجهز عليه بطعنات أخرى قاتلة. كان القس سمعان، ٤٠ عامًا، وهو كاهن كنيسة الشهيد يوليوس الأقفهصي في عزبة جرجس بمركز الفشن ببني سويف، في زيارة المدينة الواقعة على الطريق الدائري بالقاهرة، برفقة القس بيمن مفتاح، لجمع تبرعات من مسيحيي المنطقة من أجل فقراء الصعيد. أيمن فتحي، صاحب مخزن الحديد الذي شهد الواقعة، يقول لـ «مدى مصر» «أنا جيت بعد الحادثة بربع ساعة ﻷني كنت في مشوار، وزبون اتصل بيا وقال لي في خناقة بالمحل، وكنت على الدائري وبعدها بدقيقة قال لي في قتيل في المحل. المهم جيت وشفت الواقعة والناس ملمومة وواحد خدني وقال لي الواد رمى جراب على الأرض، ورقة أسمنت كان مظبطها على مقاس السنجة، عشان تكون جراب. روحنا الأمن المركزي سلمناها هناك. ساعة لما مسكوه كان معاه أداة الجريمة». يوضح فتحي أن المنطقة تشهد من وقت لآخر مشاجرات، يحتمي الطرف الأضعف بأقرب مكان مفتوح، إلا أنها لا تصل للقتل، خاصة أنه على بعد أمتار توجد ثكنة للأمن المركزي وإصلاحية للأحداث، مضيفًا أنها عادة منطقة مزدحمة، خاصة أنها تقع تحت الطريق الدائري، فتتقاطع فيها الطرق للدخول والخروج من نفق مؤسسة الزكاة، حيث مدينة السلام والبركة أو للتوجه إلى المرج. «القساوسة بييجوا من الصعيد يلموا تبرعات بصورة معتادة، ﻷن هنا في نسبة كبيرة من المسيحيين، فبيضمنوا أنهم يلموا تبرعات كتيرة وبيتحركوا مجموعات مع بعض من الكهنة»، يقول فتحي. «الموضوع في إيد النيابة. وإحنا محترمين ده. لكن المسيحيين في مصر بقالهم فترة أي حد بيطلع يقتلهم يكون مجنون. لكن مفيش واحد بيتسجن أو يتعدم. رغم أن الواد أحمد ده عمل مشكلة قبل كده في الكنيسة اللي هنا»، يضيف فتحي وهو يجاهد من أجل الكلام بعد تعب أربعة أيام بين تحقيقات واستقبال صحفيين وشرطة ومخابرات، على حد قوله. بينما أحالت النيابة القاتل للمحاكمة الجنائية، أوضحت وسائل إعلام في تقارير إخبارية نقلًا عن نص التحقيقات، أن قتل القس جاء بالصدفة، حيث كان المتهم قد أحضر السكين للتشاجر مع أصحاب محل عصائر كان يعمل فيه وطردوه، إلا أنه رأى القس يمر أمامه فهجم عليه، رغبة منه في «تطهير الأرض من الكفرة». «اشمعنى كل اللي بيقتل المسيحيين متخلف وحالته متأخرة. الموضوع ده ما قدمش، ما اتهرش وبقى مكشوف، ولا هو لسه شغال؟ اللي موت اتنين مسيحيين في قطار بسلاح طلع متخلف. اللي عمل مصيبة تانية في مسيحيين طلع متخلف. فإحنا اتطبعنا على الوضع ده. ومتوقعين إنه بكرة ممكن يخرج عادي»، من على مصطبة أمام منزله في منطقة حوض داود بمدينة السلام يتحدث إيهاب اسحق، ٤٠ سنة، لـ «مدى مصر» بغضب عن تداول مواقع إلكترونية تصريحات منسوبة للتحريات الأمنية عن جارهم قاتل القس سمعان عقب الحادث بساعات قليلة. حوض داود، شارع طوله ٧٠ مترًا تقريبًا، مكون من ١٢ منزلًا، تسعة منها مملوكة لمسيحيين والثلاثة الأخرى لمسلمين من ضمنهم سعيد والد القاتل، ويقع منزله على ناصية الشارع. كل البيوت مبنية من الطوب الأحمر غير مطلية كحال غالبية البيوت في مدينة السلام. يعمل اسحق في تجارة الأقمشة، ويملك ثلاثة منازل من أصل التسعة التي يملكها المسيحيون هناك، بينما يسكن أقاربه باقي المنازل، ويعتبر هو الأقدم في المنطقة، حيث بنى منزله عام ٢٠٠٩ إلا أنه انتقل فعليًا للسكن فيها منذ ٢٠١١. يستكمل حديثه بينما يتابع فرز الأقمشة «إحنا ما نحبش نظلم حد. لكن أحمد سعيد مش متخلف عقليًا. أحمد سعيد متطرف ديني. اشمعنى التخلف ده جاله من سنتين بس لما تدين. ودماغه بتحدفه على المسيحيين تحديدًا». تجلس النساء على مصاطب أمام منازلهن في «حوض داوود» يتوقعن زيارة صحفيين أو شرطة فيتابعن تطورات الأحداث، فتقاطع حديث اسحق ابنة عمه التي ينادونها بـ«أم ميلاد». تحمل طفلها وتذهب وتجيء لتسمع ما يقوله «أبو ماريو» كما تنادي ابن عمها. تقول وهي تبكي «قبل ما دم الراجل يبرد ودموع مراته تنشف، شفنا على النت شيخ بيقول اللي يقتل المسيحي آه يتحاكم لكن ما يتعدمش لأن دمه أحسن من المسيحي. لكن لو مسيحي عمل حاجة هيتعدم ويتولع في بيوته ويتهجر أهله. ما هو الظلم خلاص غطى الأرض». تتابع «أم ميلاد» وهي تربت على ظهر طفلها بين كلمة وأخرى «الراجل اللي اتقتل ده ذنبه إيه. من يوم ما وعينا مفيش مسيحي حد بيجيب له حقه في البلد دي. إحنا خايفين على عيالنا. يعني سعيد أبو أحمد ده يطلع من الحبس ليه. ده أبوه إرهابي أكتر منه وهو اللي مأسسه على كده. أبوه يطلع ليه ويغيظ فينا. ويدور يحكي للناس عن ابنه البطل. وما حدش هيقدر يعمل له حاجة وبكرة يرجع تاني». تم احتجاز والد المتهم مع أسرته بالقسم عقب الحادث لمدة ثلاثة أيام. اتفقت روايات الشهود حول تدين أحمد المفاجئ في الفترة الأخيرة، مع اضطراب ملحوظ في علاقاته الأسرية. ووفق بيان وزارة الداخلية، فإن أحمد سبق اتهامه في القضية رقم ٢٣٢٥٢ جنح المرج لسنة ٢٠١٧ لتعديه على والده بالضرب وإصابته وإشعال النيران بمنزله، وهي الواقعة التي يصفها جيرانه بأنها مفتعلة. وهو ما يعلق عليه اسحق قائلًا «ده كارت تخويف عمله كده. يعني ما كانش ناوي يولع في أبوه ولا حاجة. والدليل أن أبوه مش هو اللي اتصل بالشرطة. أنا اللى اتصلت بالشرطة عشان تيجي تاخده. هما بيخوفونا إنهم بلطجية كده يعني». المنازل في «حوض داود» لا يفصلها سوى أمتار قليلة، يمكن من خلالها للجميع متابعة حياة بعضهم البعض، بل وسماع الأصوات، خاصة وإن كانت مرتفعة بعض الشيء، ويوضح اسحق أن المنطقة أقرب للريف، حيث يعرف الجميع بعضهم البعض، مشيرًا إلى أنهم استطاعوا لمس تغيير في شخصية أحمد خلال آخر سنتين بعد أن اختفى في المنزل حوالي ستة أشهر، كان يقرأ فيها القرآن بصوت عالٍ. يقول اسحق «على فكرة أحمد صوته جميل جدًا. أنا قعدت أول شهر كان في الشتا. فكنا بنقفل الإزاز في البيت، ولما كنت أطلع البلكونة أشرب سيجارة، أسمع صوته فكنت أفتكره الكاسيت اللي شغال. اتاريه هو اللي بيقرا القرآن. بعدها بشوية بدأ يضطهد المسيحيين في المنطقة هنا». سلوك أحمد العدائي المفاجئ تجاه المسيحيين في المنطقة كان السلوك المعتاد لوالده وفق شهادة وروايات الجيران. يحكي اسحق عن واقعة حدثت منذ سنتين حاول فيها الوالد إشعال فتنة طائفية «من ٣ سنين قامت حريقة عندهم في البيت. بنته نسيت أنبوبة والعة، فالنار مسكت في شوية كراكيب. يوم الجمعة راح الجامع يقول للناس (أنا محشور في التقسيم اللي جوه ده بتاع حوض داود. وبعدين المسيحيين محاوطني من كل ناحية. وعايزين يغتصبوا بنتي ومراتي ومش بعرف أنزل من البيت لا أنا ولا أولادي)». يستطرد اسحق بروايته «في ناس عارفاه سمعوا كلامه وسابوه ومشيوا. وناس مش عارفاه قالوا ده المنطقة قريبة نروح نشوف في إيه. ويمكن الراجل ده مظلوم فعلًا. فجأة وإحنا قاعدين يوم الجمعة الشارع ده اتملى ناس. في ناس أعرفها. وفي ناس تعرفني. وفي ناس ما تعرفناش. أنا بسأل في حاجة عايزين إيه. فقالوا لي سعيد في الجامع بيقول كذا وكذا. كلامه ده كان يعمل مدبحة في ثانية. كام واحد من الناس المسلمين هنا قالوا لأ ده كلام ما يتسكتش عليه وهيعمل مجزرة. فلازم نروح للراجل الكبير بتاع المنطقة الحاج عواد عودة راجل محترم. أخدنا بعضينا وروحنا له. سمع الكلام كله راح شتمه ولم الموضوع على الضيق». تلتقط «أم ميلاد» طرف الحديث مرة أخرى بعد أن ذكرتها إحدى الجارات بقصة تعرض والد أحمد للأطفال أثناء عودتهم من الكنيسة قائلة «أبوه هو المسؤول، هو اللي علمه هو وأخوه السرقة. وهو أصلا بيكره المسيحيين من زمان. كان يبص للعيال وهي راجعه من الكنيسة يوم الجمعة ويقول لهم عمالين تكتروا الله يخرب بيتكم ويحرقكم بجاز. ده انتو مليتوا المنطقة قرف». على مدخل محل جلست سيدة طلب منها زوجها عدم المشاركة في الحديث مع الصحافة، إلا أنها تشاور لـ«أم ميلاد» حتى تروى قصة كيرلس وصموئيل «كيرلس ده عنده محل على أول الشارع، كان يعدي عليه ويقوله اقفل، ويسبه، وكسر له الفاترينة. وفي واحد اسمه صموئيل برة كهربائي، كسر له الفاترينة برضو. وبقى يروح الكاتدرائية بتاعت العدرا والأنبا شنودة اللي هنا يحدف طوب على بتوع الأمن. وتقريبا في أبونا راح اشتكاه». يوضح اسحق أنه يملك القدرة على الرد والاشتباك مع أحمد وولده، إلا أنه يفضل ألا ينشغل بمثل هذه المشاكل والاستسلام لاستفزازهما للمسيحيين في المنطقة، ويقول «أنا عندي عيال باربيهم ومدخلهم مدارس وباجري على أكل عيشي. مش فاضي للكلام ده. وكمان إحنا مش بنخاف بس لو الدنيا ولعت المسيحيين هما اللي هيتأذوا جامد». يتساءل اسحق «طيب إحنا مصيرنا إيه دلوقتي وسط الناس. يعني بيتهم اللي وسطنا ده. نستنى لما يرجعوا ويقتلوا لنا عيل المرة دي؟ أبوه كان موجود امبارح. وأول ما الموضوع يهدى والبوليس يبطل ييجي هيرجعوا كلهم تاني. عندنا آية بتقول (أَحِبُّوا أَعْدَاءَكُمْ. بَارِكُوا لاَعِنِيكُمْ)، بس بصراحة ما بقاش في كل الأحوال نقدر نتحمل كده. إحنا في زمن من كتر الضغوط اللي على الواحد، ممكن يتصرف وهو مش في وعيه. ولو قالوا متخلف عقليًا. وطلع من السجن ورجع يعيش هنا. يبقى أقعد فوق وقلبي في رجليا على عيالي. يا إما أنزل أقتله وأنا أتعدم لأن ده الطبيعي لأن أنا مسيحي وهو مسلم». عشرات القصص شارك الجيران في سرد تفاصيلها تدعم روايات اسحق و«أم ميلاد» التي انهت كلامها في يأس «لو واحد مسيحي اللي عمل ده، كانوا جابونا واحد واحد وولعوا فينا وفي عيالنا وهجروا اللي عايشين، لكن بكرة يخرج أحمد وييجي يعيش هنا عادي، وإحنا نطالب بالعدل فين في مصر. في الضلمة اللي إحنا فيها دي». *** بينما صرخت مريم القمص صليب زوجة القس سمعان شحاته ولطمت على وجهها في لقاء تليفزيوني «كفاية بقى يا سيسي.. كفاية» قبل أن يغمى عليها، خرج النائب خالد عبدالعزيز فهمي، عضو مجلس النواب عن حزب المصريين الأحرار بتصريح «مقتل القس سمعان شحاته حاجة بسيطة وعادية جدا بتحصل في كل أنحاء العالم، والتهويل منها مؤامرة، والمسيحيين في مصر مؤيدين للدولة ويعلمون أن هناك مؤامرة مُحاكة ضدها». «هذا الوضع لا يمكن أن يستمر» حسب القمص صليب والد «مريم» الذي قال في اللقاء ذاته «إحنا لينا شهيد في السماء، لكن الوضع ده لا يمكن أن يستمر بأي حال من الأحوال، إحنا ككهنة محتاجين نحس إننا عايشين في دولة فيها أمان، وفيها استقرار، ونحس بوجودنا ككيان، كمصريين بكل معني الإنسانية». فيما أكدت أسرة القس سمعان أنهم لن يتركوا حقه يضيع، بينما اكتفت الكنيسة ببيان مقتضب عن الحادثة، ووصفها بـ«المؤسفة».
بعد ٣ عمليات للجيش في شمال سيناء.. قراءة في أرقام «حق الشهيد ٤» عمر سعيد ١٩ أكتوبر ٢٠١٧ في حين تستمر عمليات القوات المسلحة في شمال سيناء لما يزيد عن العامين مع دخول عملية «حق الشهيد ٤»، المستمرة منذ يوليو الماضي، واظب المتحدث العسكري على استخدام عبارة واحدة في أول بياناته الرسمية عن التصدي للعمليات الإرهابية في شبه الجزيرة. أكد المتحدث، منذ سبتمبر ٢٠١٥ وحتى الآن، على نجاح القوات في التصدي لمحاولة فاشلة من جانب المسلحين، وذلك بتكراره لعبارة «فى إطار العملية حق الشهيد نجحت قوات إنفاذ القانون اليوم بالتصدي لمحاولة إرهابية فاشلة». وبينما دخلت عملية «حق الشهيد ٤» شهرها الثالث رصدنا أن أغلب بيانات المتحدث تلخص العمليات العسكرية في قيمتين ألا وهما «التصدي نجح»، و«الإرهاب فشل»، بينما تكون المعلومات التالية لهما خاصة بمقتل عدد من الجنود، فضلًا عن التأكيد على مقتل عشرات «الإرهابيين»، دون توضيح لأسماء أو هويات هؤلاء القتلي. ورغم الإشارات المتكررة من جانب المتحدث إلى حدوث عمليات تمشيط للمناطق من أجل ملاحقة «الإرهابيين»، يتمّ ذلك دون متابعة أو توضيح ما تسفر عنه العمليات. وفي المقابل؛ اعتادت الكثير من بيانات «ولاية سيناء» على إطلاق صيغ مطلقة مثل الإعلان عن تبنيهم لـ «تفجير مدرعة ومقتل من فيها» أو «استهداف ارتكاز أمني، وإصابة ومقتل العشرات». وأسفرت الحوادث المتبادلة، خلال الأشهر الماضية، عن الكثير من النتائج، بداية من تدمير المنشآت والمركبات، مرورًا بالقتل والتصفية، حتى محاكمة مدنيين بدعوى «تعاونهم مع قوات الأمن»؛ ومن ثم إعدامهم. فيما تمت محاكمة مدنيين آخرين بدعاوى لا علاقة لها بالصراع القائم في شمال سيناء، وتطبيق الحدود عليهم. وأطلقت القوات المسلحة، في سبتمبر ٢٠١٥، عمليتها الأولى وسميت بـ «حق الشهيد» في شمال سيناء، موضحة أن الهدف منها «القضاء على البؤر الإرهابية في شبه جزيرة سيناء بالكامل، وإحكام السيطرة الأمنية الكاملة على مدن رفح والشيخ زويد والعريش». وبعد أيام من الإعلان عن بداية العملية، وتحديدًا في ٢٢ سبتمبر من العام نفسه، قالت إن العملية انتهت. وأوضحت أنها أفضت إلى تدمير المراكز الرئيسية التي تنطلق منها الجماعات الإرهابية، وذلك فضلًا عن القضاء على جزء كبير من مخازن الأسلحة، مع السيطرة على جميع الطرق الرئيسية والفرعية التي تؤدي إلى مدن شمال سيناء، وأخيرًا تدمير السيارات والدراجات النارية التي تستخدمها العناصر الإرهابية. وعلى الرغم من إعلان انتهاء العملية، إلا أن القوات المسلحة أعادت العملية نفسها لثلاث مرات، وذلك من أجل تحقيق النتائج نفسها، حتى بدأت المرحلة الحالية في يوليو الماضي، والتي لا تزال قائمة. خلال «حق الشهيد ٤»، ومع تجاهل البيانات الصادرة عن «ولاية سيناء» والتي لا تحدد عدد الضحايا، كشفت نتائج العمليات عن خسائر واضحة في صفوف الطرفين، وذلك مع تطور نوعي لصالحهما. في حين قُتل ٢٨ مدنيًا بالإعدام على يد عناصر التنظيم بدعوى «تعاونهم مع قوات الجيش والشرطة»، فضلًا عن مقتل ٩٤ من ضباط وأفراد الشرطة والجيش. وتنوّعت طرق قتلهم بين القنص، والاستهداف بالسيارات المفخخة، و خلال هجمات على التجمعات الأمنية. ومن جهة المقاتلين تمّ قتل ٨٦ مسلحًا، بحسب بيانات القوات المسلحة. وكان عدد قليل منهم قتل نفسه سواء في عمليات انتحارية أو عمليات اشتباك تنتهي بتفجير المسلح لنفسه وسط الضباط وأفراد الجيش أو الشرطة. فيما كانت أبرز العمليات العسكرية التي جرت، منذ بداية «حق الشهيد ٤» حتى الآن، يوم ١٥ أكتوبر الجاريي. حينما أدى هجوم المسلحين على كمين «كرم القواديس» إلى مقتل ٢٤ مسلَّحًا و٧ من الجنود. في حين قُتل ١٣ جنديًا وأصيب عشرات آخرين، في اليوم التالي، وذلك خلال سلسلة عمليات متزامنة تضمنت الهجوم على كمائن وارتكازات متفرقة، والسطو المسلح على فرع «البنك الأهلي»، فيما سقط عدد غير معلوم من القتلى من جهة المسلحين. ومنذ بدأ العملية، في مرحلتها الحالية، تحوّل التنظيم إلى نوع جديد من العمليات، إذ استهدف مصنع تابع للقوات المسلحة لانتاج الأسمنت في وسط سيناء مرتين خلال أربعة أيام، مما أدى إلى تدمير أكثر من ٤٠ عربة وآلية تابعة للمصنع خلال الهجمة الأولى، بحسب وكالة «أعماق» التابعة لتنظيم الدولة الإسلامية. غير أن العملية شهدت تطورًا في ممارسة القوى الأمنية خلال الهجمة الثانية، الأسبوع الماضي، إذ استطاعت توقيف الانتحاري، وتفجيره قبل وصوله إلى المصنع. فيما وزعت الأذرع الإعلامية التابعة لولاية سيناء عددًا من الصور لمحكمة شرعية عقدها التنظيم لمحاكمة مدني، الأسبوع الماضي. وقررت قطع يده كتطبيق للحد. وعلى الرغم أنها ليست العملية الأولى التي يُستهدف فيها مدنيين على أسس فقهية، غير أن المشهد كان لافتًا بسبب تطبيق العقوبة في وضح النهار، وأمام جموع من الحاضرين. وفي ١١ سبتمبر الماضي كانت عملية استهداف قول أمني من الشرطة في الطريق الدولي، مما أسفر عن مقتل ١٨ شرطيًا وإصابة ٦ آخرين. وقد جرت عبر تفجير عبوة ناسفة عن بعد، على الرغم من وجود سيارة تشويش إلكتروني في الموكب المستهدف.
الأقباط في مناهج التاريخ المصرية (١) هل نطرح الأسئلة الصحيحة؟ إيهاب عبده ١٩ أكتوبر ٢٠١٧ على مدار السنوات القليلة الماضية، سمعنا مطالب متكررة بإدراج التاريخ القبطي في المناهج المدرسية. في هذا السياق، رددت دعوة البابا تواضروس لـ«تدريس التاريخ القبطي في المدارس» أصداء دعوات سابقة ومماثلة أُطلِقَت على مدار عقود من الزمن. تعطينا تلك المجادلات بصورة ضمنية أحيانًا وأحيانًا أخرى بشكل صريح انطباعًا بأن تغيرًا جذريًا قد جرى في مراحل معينة من الزمن في المناهج الدراسية (مثلما في حقبة عبد الناصر، أو خلال السبعينيات حين كانت أسلمة المجتمع في حالة من الصعود)، وأن التاريخ القبطي قبلها كان مدرجًا في المناهج على نحو أوسع. وتُطرَح مثل هذه المجادلات من قبل باحثين بارزين مثل أنور عبد الملك (١٩٦٨) الذي حدد زمن هذه التغيرات بعهد عبد الناصر وتستمر في الرواج على يد الكثير من الصحفيين والمثقفين المعروفين. بطبيعة الحال، تقود مثل هذه التأكيدات إلى رؤى ضيقة ومطالبات بسيطة بـ«إدراج» التاريخ القبطي، أو بزيادة المساحة التي يحتلها في المناهج المدرسية. غير أننا بحاجة، قبل المطالبة ببساطة بإدراج المزيد من التاريخ القبطي، لأن نسأل «أي محتوى يُدرَج؟ وكيف نريد تقديمه؟» ولكي نتمكن من التعاطي مع هذين السؤالين، خُصّص هذا المقال الأول للاشتباك مع النغمة الإقصائية على أساس ديني، لمناهج التاريخ المدرسية، قبل الانتقال إلى مقال ثان أركز فيه بشكل أكثر تحديدًا على الصورة التي يُقدَّم بها الأقباط والتاريخ القبطي وبعض السبل المقترحة لتطوير هذا. تستند هاتان المقالتان إلى تحليل كل كتب التاريخ المدرسية المتوافرة في أرشيف متحف التعليم بوزارة التربية والتعليم المصرية بالقاهرة، تلك المناهج التي تعود للعام ١٨٩٠. وعلى سبيل التسهيل على الباحثين في التحقق والعودة إلى المراجع، أدرجت الرقم المسلسل (ر.م) لكل كتاب مشار إليه، أما الرقم فيشير إلى الرقم المخصص لكل كتاب، كما هو مدرج في قائمة الأرشيف. على سبيل المثال، يشار إلى كتاب التاريخ الذي يحمل الرقم المسلسل ٢٥ بـ «ر.م ٢٥»، وهكذا. أما بالنسبة لكتب المناهج الأحدث المذكورة هنا، والتي ربما لم تُدرج بعد في الأرشيف، فيشار فيها للعام الدراسي والفصل الدراسي الخاص بها بين قوسين (١ أو ٢). هناك مفهوم خاطئ ولكنه واسع الانتشار، مفاده أن محتوى المناهج المدرسية شأنه شأن غيره من مجالات الحياة العامة في مصر قد جرت أسلمته في عقد السبعينيات. لكن باحثين قلائل، مثل سناء حسن في كتابها «المسيحيون ضد المسلمين في مصر الحديثة»، والصادر عام ٢٠٠٣، تحدوا هذا المفهوم بالقول إن مثل هذا التحول جرى في وقت سابق؛ خلال الحقبة الناصرية في الخمسينيات، تلك الفترة التي شهدت إقحام لنصوص إسلامية وآيات قرآنية في الكثير من المواد الدراسية، مثل مادة اللغة العربية. بل وفي الحقيقة، يسهل لمس هذا النزوع الواضح أيضًا في المناهج الدراسية الأقدم المتوافرة في أرشيف وزارة التربية والتعليم من أواخر القرن التاسع عشر. واستنادًا إلى تحليلي لكتب مناهج التاريخ المدرسية منذ ١٨٩٠ حتى السنة الدراسية ٢٠١٦ ٢٠١٧، يتضح أن التاريخ المصري يُروَى من منظور يعظّم من الهوية العربية الإسلامية على حساب أي منظور أو صوت آخر. وبينما تسلّط هذه النغمة ضوءًا إيجابيًا على المسيحية مثلًا، فإن السردية في مجملها تعد إقصائية، سواء بطريقة صريحة أو خفية. يسرد منهج التاريخ للعام ١٨٩٠ قصص الأنبياء من منظور إسلامي واضح، باقتباسات مفرطة لآيات قرآنية (ر.م ٢٥٠ ). وبالمثل، يشرح منهج التاريخ للعام ١٩١٦ كيف يعد القرآن معجزةً من العديد من الزوايا، وكيف تنبأ بالأحداث، وكيف سيصونه الله إلى أبد الآبدين (ر.م ١٢ صفحة ٣٥ و٦٢). وفي تناول صدر الإسلام والوحي الإلهي للنبي محمد، يسأل منهج التاريخ للعام ١٩٦٠ الطلاب أن يحفظوا ثلاث آيات قرآنية تتناول صفات النبي محمد وتحث المؤمنين على طاعة الله ورسوله (ر.م ٧٩ صفحة ١١٢). وربما تظهر أحد أكثر الاستخدامات كثافةً لآيات القرآن في كتاب منهج التاريخ للعام ١٩٩٠، إذ يتضمن ما يقرب من ثلاثين آية، ليس فقط في مواضع مرتبطة بتاريخ ظهور الإسلام، بل في كثير من المواضع الآخرى (ر.م ٣٧٦). وتستمر كتب مناهج التاريخ في تضمين آيات قرآنية في الكثير من الأقسام، بما يشمل الإشارة إلى القرآن لتأكيد أحداث تاريخية باستخدام عبارات مثل «كما ذُكِرَ في القرآن الكريم» (الصف الثاني الإعدادي (١)، ٢٠١٣ صفحة ٣٤ و٣٥ ). ومع بداية القرن العشرين، بدأت بعض كتب التاريخ المدرسية في عرض العقائد غير الإسلامية في ضوء أقل إيجابية. على سبيل المثال، فلدى الإشارة إلى صدر الإسلام في الجزيرة العربية، يستخدم كتاب منهج التاريخ للعام ١٩١٢ في وصفه للمشركين مصطلحات استعلائية مثل «حضيض الوثنية»، مضيفًا أن المسيحية واليهودية لم يكونا أفضل حالًا (ر.م ٢٦٨ صفحة ٨١). وبالمثل، فلدى تناول أسباب تحول المصريين إلى الإسلام عند دخوله مصر، تشير كتب المناهج في أواخر الأربعينيات وأوائل الخمسينيات على نحو متزايد إلى خيبة الأمل في المسيحية كدافع رئيسي، موضحةً أن الكثير من المسيحيين فى ذلك الوقت «كرهوا المسيحية إذ عصت ما أمر به المسيح من حب ورجاء فى الله ونسيت ذلك فى ثوراتها وحروبها والتى كانت تنشب بين شيعها» ما أدى إلى العديد من الصراعات الدينية الداخلية التي أودت بحياة كثير من المسيحيين، ولذا «لجأوا الى الاسلام فاعتصموا بأمنه، واستظلوا بوداعته وطمأنينته وبساطته» (ر.م ٣٤٢، سنة ١٩٤٩ صفحة ٩١). كما نجد إشارات شبيهة فى بعض كتب الخمسينيات (مثلًا ر .م ٢٠١، سنة ١٩٥٤ صفحة ١١٥. ر.م ٢١٠، سنة ١٩٥٧ صفحة ٧٨). وقد تكون أحد أغرب العبارات تلك التي ظهرت في كتاب العام ١٩٦٩، وتوضح أن المسيحية واليهودية، نظرًا لتعقيدهما والتنافس بين طوائفهما العديدة، لم يجذبا أعدادًا كبيرةً من التابعين في شبه الجزيرة العربية قبل ظهور الإسلام. ويواصل الكتاب موضحًا أنه على الرغم من مثل هذه النقائص، فقد أدت هذه «الديانات الخارجية» وتعاليمها الغرض منها بطريقة ما، إذ مهّدت الطريق أمام العرب لقبول تعاليم الإسلام واعتناقه لاحقًا (ر.م ٣٦٩ صفحة ٣٢). وتلمّح كتب دراسية أخرى إلى تأثير الفلسفات اليونانية القديمة، التي صبغت اليهودية والمسيحية بصبغة أعقد بحيث أصبح من الصعب على عموم الناس الوصول إليهما (ر.م ٢٠٥، سنة ١٩٥٥ صفحة ٢٧. رم. ٣٦٩، سنة ١٩٦٩ صفحة ٦٣). لحسن الحظ، فهذه التصويرات السلبية غير موجودة في كتب المناهج الحالية. في الحقيقة، ظلت هناك بعض الإشارات الإيجابية باستمرار للمسيحية وقيمها النبيلة والسامية، خاصةً لدى مقارنتها بالديانات الوثنية القديمة. على سبيل المثال، تشير بعض مناهج التاريخ في الثلاثينيات والأربعينيات إلى المسيحية باعتبار أن لها تأثيرًا أكثر استمراريةً وأطول أمدًا من القوانين الرومانية القديمة، والأدب اليوناني واللاتيني القديم (ر.م ٢٧٢، سنة ١٩٣٠ صفحة ١٥٧. ر.م ٢٨٥، سنة ١٩٤٠ صفحة ٢٣٧). غير أنه، كما ذكرنا سلفًا، فقد هيمن منظور ونبرة إسلاميان على كتب مناهج التاريخ المصرية منذ أواخر القرن التاسع عشر. أما كتب التاريخ المدرسية الحالية فلا تحتوي على إشارات ازدرائية صريحة للمسيحية أو المسيحيين مثل تلك التي تضمنتها بعض كتب المناهج الأقدم. بل في الحقيقة، تتضمن الكتب الحالية إشارات إيجابية، وإن كانت موجزة للغاية. على سبيل المثال، يوضح كتاب منهج ٢٠١٦، في استعراضه لأسباب تبني المصريين القدماء للمسيحية، أنهم انجذبوا لقيمها، حيث «العدالة، والمساواة، والرحمة، والعطف، والتسامح، والزُهد فى الدنيا، والتطلع لنعيم الآخرة» (الصف الأول الإعدادي (٢)، صفحة ٥٧ ). ومع ذلك، فنحن بحاجة أيضًا لإدراك الطرق الخفية التي تعطي قيمةً لهوية واحدة بينما تُقزِّم هويات أخرى أو تفرض الصمت عليها. فبالإضافة إلى الاستمرار في استخدام مرجعيات إسلامية صريحة ومفرطة، كما أوضحنا سلفًا، نجد أيضًا إقصاءات خفية في الكتب المدرسية الحالية. مثلًا، تصف هذه الكتب بلدانًا مثل مصر ولبنان بالـ«عربية» حتى قبل أن تستحوذ عليها الجيوش العربية الإسلامية (١٢). و ويعطي ذلك انطباعًا خاطئًا تاريخيًا بأن هذه البلدان طالما احتضنت الهوية العربية، ما يغطي بدوره على ثراء الحضارات والثقافات الموجودة قبل دخول الإسلام (على سبيل المثال الصف الأول الإعدادي (٢)، سنة ٢٠١٣ صفحة ٣٤). وعلاوة على ذلك، طالما تعاملت كتب التاريخ المدرسية مع الطلاب كما لو كانوا كلهم مسلمين، ولا تزال تواصل هذا النهج حتى الآن. على سبيل المثال، يحفّز منهج التاريخ للعام ١٩٨٨ الطلاب على دراسة تفاصيل فرائض إلى مكة من خلال سؤال أقاربهم الذين أدوا هذه الفريضة من قبل (ر.م ١٦٧ صفحة ١٥٦). ولدى تناول المشاركة المجتمعية وأهمية التطوع، وتحت عنوان «قيمنا الإسلامية والمواطنة الصالحة»، تشجّع مناهج التاريخ الحالية الطالب على «الاعتزاز بالمبادئ والقيم الإسلامية التي دعا اليها الإسلام»، وأن «يتعايش مع الآخرين المختلفين عنه» (على سبيل المثال الصف الثاني الإعدادي (٢)، سنة ٢٠١٦ صفحة ٦٧ ). ومن خلال تجاهل الأديان أو الهويات الأخرى أو التقليل من شأنها، يقوم المنظور والنبرة الإقصائيان باستبعاد المؤمنين بهذه الأديان أو المنتمين لهذه الهويات. وبالإضافة إلى خلق حالة من الاغتراب لدى الطلاب غير المسلمين بشكل أساسى وواضح، فإن هذه النبرة قد تكرس أيضًا اغترابًا لدى الطلاب المسلمين غير السنيين، والطلاب المسلمين غير المتدينين، أو المتدينين منهم ولكن الرافضين لإقحام الدين وفرض الهوية الاسلامية فى المناهج على هذا النحو. بعد ضغوط مختلفة، حذفت وزارة التربية والتعليم مؤخرًا من كتب مناهج اللغة العربية بعض المحتوى عن شخصيات تاريخية إسلامية قديمة مثيرة للجدل، مثل عقبة بن نافع وصلاح الدين. ومع ذلك، وبصرف النظر عن أي إضافات أو حذف لمحتوى قد يثير الجدل، فإن ما نحتاجه هو فحص المنظور والنبرة اللذين يُقدَّم من خلالهما التاريخ المصري في الكتب المدرسية. فبالإضافة إلى دراسة هذه النصوص الصريحة، نحتاج أيضًا لدراسة الطرق الخفية التي تغطّي على التنوع أو تضفي صمتًا عليه، أو تبرز أبعادًا معينة للهوية المصرية على حساب أبعاد أخرى. كما تجدر الإشارة هنا إلى أن هذا التحليل الأرشيفى كشف عن أنه بينما يمثل التاريخ القبطي قضيةً هامةً وملحة للغاية، فإننا بحاجة إلى حوار أشمل حول تدريس التاريخ المصري وإدراج الكثير من السرديات والمناظير، المحذوفة أو المهمشة، فيه. ولا يتضمن هذا فقط السرديات التاريخية، والمسكوت عنها، لأقليات مختلفة، بل يجب أن يمتد ليشمل سرديات الشعب المصري بوجه عام، تلك التي تستبعدها في الأغلب المناهج الدراسية لصالح التركيز على النخب والحكام. صورة الموضوع القطعة رقم ٣٧٩٧ بالمتحف القبطي بالقاهرة
متى تستشعر المحكمة الحرج؟ رنا ممدوح ومصطفى محيي ١٩ أكتوبر ٢٠١٧ فوجئ دفاع الناشط السياسي علاء عبد الفتاح أن المستشار عبد الرحمن هيكل، رئيس الدائرة «أ» في محكمة النقض قد استبعد طعن علاء على حكم سجنه في قضية «مظاهرة الشورى» من قائمة الطعون التي تنظرها الدائرة اليوم. على أن تنظر الدائرة «هـ»، برئاسة المستشار أحمد عمر محمدين الطعن يوم ٨ نوفمبر المقبل. وقال المحامي طاهر أبو النصر، أحد أعضاء فريق الدفاع عن علاء، إن سكرتارية الدائرة أخبرته أن الدائرة تَنحّت عن نظر القضية وأحالتها لأخرى، لاستشعارها الحرج. غير أن المحامين لم يطلعوا على أي قرار مكتوب حتى الآن. وكان من المفترض أن تنظر محكمة النقض اليوم، الخميس، الطعن المقدم من ٢٣ متهمًا في قضية «مظاهرة الشورى»، جميعهم مُفرج عنهم بعفو رئاسي باستثناء علاء. وكانت محكمة جنايات القاهرة قد أصدرت حكمًا في فبراير ٢٠١٥، بسجن علاء عبد الفتاح وأحمد عبد الرحمن في قضية «مظاهرة الشورى» لمدة ٥ سنوات، وذلك مع المراقبة الشرطية لمدة مماثلة، وفرض غرامة قيمتها ١٠٠ ألف جنيه على كل منهما. كما قررت المحكمة معاقبة بقية المتهمين في القضية بالحبس لمدة ٣ سنوات، مع المراقبة الشرطية لمدة مماثلة، فضلًا عن غرامة قيمتها ١٠٠ ألف جنيه على كل منهم. ونظرت محكمة النقض في ٢٢ يناير الماضي الطعن المُقدم من عبد الرحمن طارق (الشهير بموكا) وعبد الرحمن سيد (الشهير بكوجي)، بشكل منفصل عن طعن باقي المتهمين، الذين تم فصل طعنهم لتنظره المحكمة في الجلسة التي كان مقررًا لها اليوم، رغم أن طعن «موكا وكوجي» مُقدّم بعد طعن باقي المتهمين. وقررت محكمة النقض في جلسة ٢٢ يناير، تغيير توصيف العقوبة لـ «موكا وكوجي» من السجن ٣ سنوات إلى الحبس ٣ سنوات، دون تغيير في فترة العقوبة أو إلغاء للمراقبة أو الغرامة. استشعار الحرج لا يذكر القانون أسبابًا محددة لتنحي المحكمة عن نظر دعوى بعينها لاستشعارها الحرج، بحسب المحامي نجاد البرعي، الذي يضيف أن «الأمر يُترك لتقدير القاضي الذي قد يرى أن هناك ما يمنعه عن الحكم بتجرّد ووفق أوراق القضية فحسب دون تأثر بأي شيء آخر». ويتابع البرعي أن «القاضي غير مُلزم بذكر أسباب تنحيه، وأنه قد يُفصح عنها فقط لرئيس المحكمة، غير أنه غير مُلزم بذلك أمام أي جهة أخرى». وتنصّ المادة ١٥٠ من قانون المرافعات على أنه «يجوز للقاضي في غير أحوال الرد المذكورة، إذا استشعر الحرج من نظر الدعوى لأي سبب، أن يعرض أمر تنحيه على المحكمة فى غرفة المشورة، أو على رئيس المحكمة للنظر فى إقراره على التنحي». وهو الأمر المختلف عن طلب رد المحكمة إذا كان «بين القاضي وبين أحد الخصوم عداوة أو مودة يرجح معها عدم استطاعته الحكم بغير ميل»، أو إذا كانت هناك بين القاضي أو زوجته أو مطلقته أو أقاربه أو أصهاره خصومة أمام القضاء مع أحد الأطراف في الدعوى. وكذلك تختلف أسباب تنحي المحكمة عن دعوى مخاصمة القاضي والتي تشترط ارتكاب أحد القضاة مُخالفة جسيمة في تطبيق القانون، بحسب البرعي، الذي يشرح مفهوم المخالفة قائلًا «كأن يصدر القاضي قرارًا بحبس متهم في تهمة لا يُعاقب عليها بالحبس، أو يحكم بالغرامة في تهمة لا يُعاقب عليها بالغرامة، وهكذا». يشرح المستشار أحمد عبد الرحمن، النائب الأول لرئيس محكمة النقض الأسبق، لـ «مدى مصر» أنه في حالة تنحي المحكمة عن نظر دعوى، فإنها تطلب من المكتب الفني إحالتها لدائرة أخرى، وهو ما حدث في حالة طعن علاء عبد الفتاح. وتتألف محكمة النقض من ٣٠ دائرة، تنعقد من السبت إلى الخميس مرة كل شهر. ويتم تسمية كل دائرة باسم اليوم الذي تنعقد فيه. فالدوائر التي تنعقد يوم السبت يطلق عليها دائرة السبت، ويتم التمييز بينهم برموز الحروف الأبجدية، «أ ب ج د». وكان المستشار عبد الرحمن هيكل، رئيس دائرة الخميس «أ» المتنحي عن نظر طعن علاء عبد الفتاح، قد أصدر حكمًا في ٢٥ مايو الماضي، بقبول الطعن المقدم من ضابط بقسم أول شرطة الإسماعيلية وإعادة محاكمته. وقررت المحكمة إلغاء حكم الجنايات الصادر فى العام الماضي، بمعاقبة الضابط بالسجن ٨ سنوات وتغريمه ٥ آلاف جنيه بعد إدانته بالتعدي بالضرب على طبيب بالإسماعيلية مما أدى لوفاته، وتحطيم صيدلية زوجته، والتزوير في محاضر رسمية. أما المستشار أحمد عمر محمدين، رئيس دائرة الأربعاء «هـ» بمحكمة النقض، الذي أُحيل له طعن علاء فقد سبق وأصدر حكمًا في ٧ نوفمبر ٢٠١٥، بقبول الطعن المقدم من وزير الداخلية الأسبق، حبيب العادلي، على حكم حبسه شهرًا، الصادر من محكمة جنح مستأنف العجوزة لاتهامه في قضية عدم تنفيذ حكم قضائي. وشهدت قضية «مظاهرة الشورى» تنحي قاضٍ آخر وقت نظرها أمام محكمة الجنايات. حيث قرر المستشار محمد علي الفقي التنحي عن نظر الدعوى في جلسة ١٥ سبتمبر ٢٠١٤، وعلل ذلك وقتها باستشعار المحكمة الحرج «لما رأته من عدم توقير وتقدير لقدسية المحكمة»، وجاء تنحي القاضي بعد شهور من طلب رده الذي تقدم به علاء ورفضته محكمة الاستئناف، وكذلك بعدما أصدر القاضي نفسه حكمًا غيابيًا على المتهمين بسجنهم ١٥ سنة دون استماع إلى مرافعات الدفاع، رغم وجود علاء واثنين آخرين من المتهمين في القضية خارج مقر المحاكمة بمعهد أمناء الشرطة في انتظار السماح لهم بالدخول، وهو ما أدى إلى إلقاء القبض عليهم فور صدور الحكم. وأدت الوقائع السابقة إلى اتهام المستشار محمد علي الفقي من قِبل المتهمين في القضية بعدم الحياد. كما شهدت المحاكم خلال الأعوام الماضية عددًا من الوقائع التي تنحّت فيها المحكمة لاستشعارها الحرج، من بينها تنحي المستشار حسن عبد الله، قاضي الجنايات، وباقي أفراد دائرته عن مباشرة إعادة محاكمة مبارك ووزير داخليته حبيب العادلي وستة من مساعديه في أبريل ٢٠١٣. وهو ما فسّره قانونيون وقتها بأن القاضي نفسه قد حكم ببراءة المتهمين في قضية «موقعة الجمل»، التي كان متهمًا بها عددًا كبيرًا من رموز النظام السابق. كما تنحى القاضي محمود كامل الرشيدي، في أغسطس ٢٠١٤، عن نظر قضية أحداث مسجد الفتح الثانية، التي كان متهمًا فيها ٤٩٢ شخصًا. وكان الرشيدي هو قاضي إعادة محاكمة مبارك بعد تنحي المستشار حسن عبد الله، وهو من أصدر حكمًا ببراءة المتهمين في القضية في نوفمبر ٢٠١٤. كما تنحى المستشار معتز خفاجي، رئيس محكمة جنايات الجيزة، في ديسمبر ٢٠١٦ عن نظر قضية «فض اعتصام النهضة» التي كان متهمًا فيها ٣٧٩ شخصًا، لاستشعاره الحرج كون أحد المتهمين في القضية متهمًا أيضًا في قضية «غرفة عمليات رابعة العدوية». كما تنحى المستشار السيد عبد اللطيف، رئيس محكمة جنايات الإسكندرية، عن نظر قضية متهم فيها ١٦٢ شخصًا بالانتماء لجماعة الإخوان المسلمين لاستشعاره الحرج. وفي مجلس الدولة، تنحى القاضي الذي باشر دعوى الطعن على قرار الحكومة باستخدام الفحم في توليد الطاقة، في يونيو ٢٠١٤، وذلك بعد ثلاث جلسات من تداول القضية. ورفع الطعن وقتها المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية.
وعود مصر لأمريكا فيما يخص كوريا الشمالية بين خطوات القاهرة لاحتواء الأزمة وما تعهدت بتنفيذه مستقبلًا أسمهان سليمان ١٩ أكتوبر ٢٠١٧ قال مصدر حكومي لـ «مدى مصر» إن القاهرة قامت، خلال الأسابيع الماضية، بخطوات عديدة سعيًا لاحتواء التوتر بينها وبين الولايات المتحدة، على خلفية العلاقات المصرية مع كوريا الشمالية. كان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قد أبلغ نظيره المصري عبد الفتاح السيسي، في سبتمبر الماضي، أنه لا يمكن أن يتهاون بشأن إقامة القاهرة لعلاقات موسَّعة مع بيونج يانج. وذلك خلال لقاء جمع الرئيسين على هامش اجتماعات الدورة ٧٢ للجمعية العامة للأمم المتحدة بنيويورك، بحسب المصدر الحكومي، الذي رفض ذِكر اسمه. كانت صحيفة «واشنطن بوست» الأمريكية قد نشرت تحقيقًا، مطلع الشهر الجاري، يوضح أن السلطات المصرية أوقفت في أغسطس ٢٠١٦ سفينة كورية قبيل دخولها قناة السويس، بعدما رصدتها واشنطن وأبلغت السلطات المصرية التي وجدت على متنها بحسب التحقيق، ٢٤ ألف قذيفة صاروخية، ومكونات متكاملة لستة آلاف آخرين. تعد تلك الصواريخ نسخة من سلاح RPG ٧ الذي أنتجه الاتحاد السوفيتي في الستينات من القرن الماضي. ونَقَل التحقيق عن تحقيق آخر أجرته اﻷمم المتحدة بشأن الواقعة قال إن نتائجه ظهرت في فبراير ٢٠١٧ إن الشحنة التي تم مصادرتها من على متن السفينة تعد اﻷكبر منذ بدء فرض عقوبات دولية على كوريا الشمالية، والتي قدر التحقيق قيمتها بـ ٢٣ مليون دولار. وبالرغم من العقوبات المفروضة علي بيونج يانج منذ ٢٠٠٦؛ بسبب برنامجها النووي، إلا أنها تمتلك قاعدة واسعة من مشتري قطع غيار الأسلحة الروسية المتداولة منذ الحرب الباردة. وبحسب تقرير الواشنطن بوست، كانت الشحنة المحمولة على السفينة سببًا في القرار اﻷمريكي بإيقاف وتأجيل صرف قرابة ٣٠٠ مليون دولار من المساعدات الاقتصادية والعسكرية التي تقدمها واشنطن للقاهرة. وفي ما تداولت تقارير إعلامية أُخرى معلومات تُفيد بأن شحنة الصواريخ كانت في الأساس متجهة من الدول المصنَّعة للسلاح إلى ليبيا عبر القاهرة، وذلك تحت عناوين مثل «مكافحة الإرهاب» في كل من البلدين، إلا أن هذا الأمر لم يؤكد بشكل رسمي. كان المتحدث باسم وزارة الخارجية المصرية، أحمد أبو زيد، قد أكد لوكالة اﻷخبار الفرنسية، في اليوم التالي لنشر تحقيق واشنطن بوست، صحة حدوث واقعة اعتراض السفينة ووجود شحنة صورايخ على متنها، تمت مصادرتها وتدميرها، فيما نفى بشكل مطلق صحة أن تكون مصر هي الوجهة النهائية لتلك الشحنة. من جانبه قال مايكل حنا، الزميل في المركز البحثي The Century Foundation، لـ «مدى مصر» «سواء كانت مصر ممرًا للأسلحة أو مقصدها الأخير، فقد تسبب الأمر في مشكلة بين البلدين (مصر وأمريكا)». جرت عدة خطوات لاحتواء الأزمة، وذلك قبل توجه الرئيس المصري إلى نيويورك، في سبتمبر الماضي، بحسب المصدر الحكومي. أبرز تلك الخطوات كان تصريح مُقتَضَب لوزير الدفاع صدقي صبحي، أثناء تواجده بالعاصمة الكورية الجنوبية سِيول، أكد فيه على قطع مصر لعلاقاتها العسكرية مع بيونج يانج. وأضاف المصدر أن مصر قامت، قبل أيام من ذهاب السيسي للأمم المتحدة، بتقليص عدد أعضاء سفارة كوريا الشمالية بالقاهرة، بعد شكوى أمريكية، نُقلت عبر لقاء رفيع المستوى بين شخصية مصرية أمنية ومسؤولين أمريكيين في واشنطن، حول زيادة عدد أعضاء سفارة كوريا الشمالية بالقاهرة خلال العامين الماضيين، بحسب المصدر الحكومي. فيما أكد دبلوماسي آسيوي في القاهرة على تخفيض أعضاء سفارة كوريا الشمالية، خلال الأسابيع الماضية، إلى ٢٠ عضوًا، بعدما وصل عددهم في وقت سابق إلى ٣٠ عضوًا. كما أوضح المصدر الدبلوماسي أن بعض أعضاء سفارة بيونج يانج في القاهرة يحمل الصفة الدبلوماسية، في حين لم يعتمد البعض الآخر رسميًا من جانب مصر، وذلك رغبة في تفادي حدوث أزمة مع واشنطن، حسبما أكدت له مصادر أمريكية. وأشار المصدر الآسيوي إلى تفهم بيونج يانج للحذر المصري من عدم اعتماد بعض أعضاء بعثتها بالقاهرة كذلك. فضلًا عن وقف العلاقات العسكرية مع بيونج يانج وتخفيض التمثيل الدبلوماسي للأخيرة في عاصمتها، قامت مصر بخطوات أخرى، فبدأت مؤخرًا في إيقاف أنشطة عدد من الأعمال التجارية الخاصة ببعض الكوريين الشماليين في البلاد، حسبما أكد المصدر الحكومي لـ «مدى مصر». وقدم الجانب الأمريكي للقاهرة قائمة بشركات تعمل بالأساس في مجال الاستيراد والتصدير بالقاهرة، والإسكندرية، ومدن قناة السويس. وبحسب القائمة، كانت تلك الشركات واجهات لكوريا الشمالية تساعد الأخيرة في «عمليات نقل غير معلنة للأسلحة»، وتقوم بعمليات «غسيل أموال»، وفقًا للمصدر نفسه. وفيما قال المصدر إن القاهرة أبلغت الولايات المتحدة رسميًا «في إطار كامل من الشفافية أنها قامت بالفعل بتدمير الأسلحة التي كانت على متن هذه السفينة»، فضلًا عن قيامها بإلغاء ترخيص الشركة المتوّرطة في عملية استيراد الشحنة. إلا أن المصدر رفض الكشف عن هوية الشركة، فيما لم يؤكد أو ينف صحة المعلومات الخاصة بأن الشركة تمّ تأسيسها من جانب أحد الأعضاء السابقين بالحزب الوطني المنحل، وما إذا كان تأسيسها بمعرفة أجهزة هامة بالدولة بُغية القيام بمهام محددة أم لا. في حين أشار المصدر الآسيوي إلى أن الإدارة الأمريكية طلبت من الجزائر، أيضًا، التوقف عن التعامل العسكري مع كوريا الشمالية. وأكد المصدر، نقلًا عن دبلوماسيين جزائريين، على أن بلادهم استجابت للطلب الأمريكي، خاصة بعدما كشفت واشنطن عن تتبعها لخط سير شحنات أسلحة وصلت إلى الجزائر العاصمة قادمة من بيونج يانج، وذلك عن طريق شركات مؤسسة في القاهرة. المصدر الحكومي المصري قال أيضًا إن القاهرة قدمت لواشنطن تعهدًا بأن جهاز «مكافحة غسيل الأموال»، التابع للبنك المركزي، سيقوم بكل الجهود الممكنة بالتنسيق مع الجانب الأمريكي للتأكد من عدم استغلال أي أشخاص من كوريا الشمالية، أو أطراف أخرى تتعاون معهم، للنظام المصرفي المصري للقيام بعمليات «غسيل أموال». في سياق متصل، قال عسكري مصري متقاعد لـ «مدى مصر» إن أمريكا لا يمكنها أن توجه لومًا لمصر للجوء الأخيرة إلى كوريا الشمالية للحصول على «بعض قطع غيار الأسلحة»، والتي تمثل جزءًا رئيسيًا من ترسانة الأسلحة المصرية، وذلك لأن روسيا لا تقوم ببيع القطع المطلوبة لمصر، بينما فشلت المحاولات المصرية لشرائها من الصين بأسعار مناسبة، حسبما أوضح المصدر، الذي كان يعمل في ملف التَّسلُّح بالجيش المصري. كان تحقيق واشنطن بوست قد أشار إلى أن عددًا من الدول تتعامل مع كوريا الشمالية باعتبارها أحد المنتجين القلائل الذين يوفرون قطع غيار وذخيرة منخفضة التكلفة لنظم اﻷسلحة القديمة التي اختفت من الأسواق التجارية، وأضاف أن مصر تمتلك حاليًا عشرات من أنظمة اﻷسلحلة السوفيتية القديمة، منها على اﻷقل ستة أنواع مختلفة من مضادات الدبابات، التي تتضمن سلاح RPG ٧ المصنع منذ الستينيات، والذي يستخدم قذائف RPG ٧ المعثور عليها في الشحنة الكورية الشمالية، وقدر التحقيق عدد قاذفات RPG ٧ العاملة في السلاح المصري بـ ١٨٠ ألف قاذفة. كانت وكالة أخبار جنوب كوريا قد نقلت في وقت سابق عن مسؤولين من مخابرات كوريا الشمالية أن مصر تمثل مركزًا لتصدير اﻷسلحة الكورية الشمالية لدول الشرق اﻷوسط وبحسب تحقيق واشنطن بوست، أكد محققو اﻷمم المتحدة أن الصواريخ المضبوطة في الشحنة الكورية هي صواريخ غير مميتة، يتم استخدامها عادة في التدريبات العسكرية، فيما اعتبروا أن الكمية الكبيرة تشير إلى أن المشتري لديه جيش ضخم به آلاف من الجنود. فيما أضاف التحقيق أن الجيش المصري به ٤٣٨ ألف جندي في الخدمة بالإضافة إلى ٤٧٩ ألف جندي احتياطي. أما العسكري المتقاعد فأضاف أن أمريكا لا تقدم لمصر مطالبها الخاصة بالتسليح منذ فترة إدارة الرئيس السابق باراك أوباما، وذلك بحجة أن مطالب القاهرة تقع في سياق التَّسلُّح للحروب التقليدية، في حين تعتبر أمريكا أن مصر لا تحتاج إلا «أسلحة لمحاربة الإرهاب في شبه جزيرة سيناء أو على مناطق الحدود الغربية»، حسب المصدر العسكري المتقاعد. وأشار إلى أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يتبنى النهج نفسه فيما يخص طبيعة التَّسلُّح المصري، وقال المصدر لـ «مدى مصر» «ليس من الطبيعي أن تقبل مصر بكل التعقيدات التي تواجهها في المنطقة أن تقرر لها واشنطن طبيعة تسليح جيشها الذي هو واحد من أهم الجيوش العربية». فيما اعتبر الخبير الأمريكي في الشؤون العسكرية المصرية روبرت سبرينجبورج أن ضخامة شحنة السفينة، المضبوطة في قناة السويس في يوليو من العام الماضي، قد تكون معبرة عن حاجة حقيقية لتدريب مكثف، أو فساد رجال الأعمال المتورطين في الصفقة. كما يفترض أنها كانت ستُباع لطرفٍ ثالث مثل قوات خليفة حفتر، قائد الجيش الوطني الليبي الذي تدعمه مصر. وأضاف سبرينجبورج لـ «مدى مصر» أنه في حالة صحة فرضية أن الأسلحة كانت متجهة إلى الجيش المصري، فهذا قد يفيد بأن القيادات العسكرية في مصر تنوي الاستمرار في سياستها في الحرب بشمال سيناء التي تعتمد على استخدام كثيف للسلاح في مواجهة المُسلَّحين. وأوضح الخبير الأمريكي في الشؤون العسكرية المصرية أن ذلك يعني عدم نيّة السلطات المصرية الخضوع إلى المقترح الأمريكي لمكافحة العمليات المسلحة من خلال التعامل مع أسبابها. وفيما اعتبر سبرينجبورج، أن تأثير اكتشاف تلك الصفقة كان بالقوة الكافية ليتسبب في إيقاف المعونة العسكرية، مما يوحي بأن واشنطن كانت أكثر اهتمامًا بعلاقة مصر مع كوريا الشمالية منها بوضع حقوق الإنسان في الدولة العربية، إلا أنه يفترض أيضًا من الشواهد القائمة أن حالة التوتر بدأت في الانحسار. من جانبه، قال نايل شامة، الباحث في شئون الدبلوماسية المصرية، لـ «مدى مصر»، إن «العلاقات الثنائية أعقد بكثير من حفاوة قاطن البيت الأبيض (بعبد الفتاح السيسي)، والسلوك المصري يتعرض لعملية تقييم مستمرة.. لا شيكات على بياض في العلاقات الدولية». وفي سياق متصل، قال مايكل حنا إن ما أزعج الإدارة الأمريكية هو إحساسها بأن مصر لم تأخذ الموضوع بقدر كافٍ من الجدية في البداية، خاصة في ظل السياسة الأمريكية الراهنة تجاه كوريا الشمالية، وأضاف « هناك إحساس بأن مصر تشعر بقدر كبير من الحصانة». من جانبه، قال المصدر الحكومي المصري لـ «مدى مصر» إن السفارة المصرية في واشنطن طلبت من الإدارة الأمريكية أن يتمّ التعامل مع أي قضايا خلافية بين البلدين بعيدًا عن أي «تسريبات إعلامية»؛ خاصة أن مصر تتحرك بجدية للاستجابة للمخاوف الأمريكية في هذا الشأن بتعليمات من الرئيس السيسي مباشرة، بحسب المصدر. فيما أكد على إجراء وزير الخارجية سامح شكري مشاورات مع كل المؤسسات المعنية يوم نشر تحقيق «الواشنطن بوست». في الوقت نفسه، قال مصدر آخر من الحكومة المصرية، إن ملف «كوريا الشمالية» سيظل مخيمًا علي العلاقات المصرية الأمريكية، وذلك نظرًا لاهتمام الرئيس الأمريكي بالملف بصورة كبيرة جدًا. وأضاف أن مستشار الرئيس الأمريكي للأمن القومي ماك مستر هو الذي يتابع الملف من كل جوانبه بما في ذلك مدى التزام البلدان التي طالبتها واشنطن بتقليص علاقاتها مع بيونج يانج، ومنها مصر، بصورة «حاسمة»، بحسب المصدر الأخير.
الطلاب ذوو الإعاقة البصرية بلا كتب دراسية.. و«التعليم» لا ترد مي شمس الدين ١٨ أكتوبر ٢٠١٧ رغم مرور قرابة الشهر على بدء العام الدراسي الحالي، إلا أن فصول مدارس «التربية الخاصة» المُسجَّل بها الطلبة من ذوي الإعاقات البصرية، تخلو حتى اﻵن من الكتب الدراسية المطبوعة بطريقة «برايل»، بحسب النائبة البرلمانية هبة هجرس، دون أن يبدو أن وزارة التربية والتعليم والتعليم الفني لديها حل قريب لهذه اﻷزمة حتى اﻵن. بحسب بيانات إدارة التربية الخاصة بالوزارة يصل عدد الطلاب من ذوي الإعاقة البصرية إلى ثلاثة آلاف طالب بمختلف المراحل الدراسية في ٩٨ مدرسة على مستوى الجمهورية، وكانت النائبة قد تقدمت، اﻷسبوع الماضي، بطلب لاستجواب وزير التربية والتعليم طارق شوقي بشأن عدم تسلمهم الكتب الدراسية. اعتبرت هجرس، عضو لجنة التضامن الاجتماعي واﻷسرة واﻷشخاص ذوي الإعاقة بمجلس النواب، أن عدم طباعة هذه الكتب حتى اﻵن «خيبة قوية»، وقالت لـ «مدى مصر» إنه «بعد ارتفاع تكاليف الطباعة في الفترة الأخيرة تركت وزارة التربية والتعليم المطبعة الوحيدة المتخصصة في طباعة مثل هذه الكتب وبدأت في البحث عن بديل». موضحة أن مطابع «المركز النموذجي لرعاية وتوجيه المكفوفين.. قصر النور» كانت طوال ٤٢ عامًا هي الجهة المختصة بطباعة هذه النوعية من الكتب الدراسية لصالح الوزارة، قبل أن تقرر الوزارة عدم التعامل معها. ولم يكن أحمد خيري، المتحدث الرسمي باسم «التربية والتعليم والتعليم الفني»، متاحًا للرد على استفسارات مدى مصر بشأن عدم توافر الكتب، أو البديل الذي قد تلجأ له الوزارة، وبالتواصل مع مستشار الوزير للاحتياجات الخاصة، إنجي مشهور، يوم اﻷربعاء الماضي، أكدت أنها سترسل ردًا رسميًا على هذه التساؤلات، وهو ما لم يحدث حتى اﻵن. اﻷزمة القديمة المتجددة بدورها، أكدت هبة هجرس أن طباعة الكتب الدراسية بطريقة «برايل» تستغرق قرابة عدة أشهر، لما تتطلبه من مراجعة وتدقيق لغوي، وذلك فضلًا عن تغيير الوزارة لحوالي ٣٠% من المناهج الخاصة بالعام الدراسي الحالي، الذي قد ينقضي دون طباعة هذه الكتب، بحسب هجرس، التي استطردت «ما يحدث كارثة». من جانبه، قال محمد أبو طالب، الناشط في مجال حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة البصرية، لـ «مدى مصر» إن الأزمة ليست جديدة، وأن الطلاب ذوي الإعاقة البصرية اعتادوا على تسلّم الكتب الدراسية في وقت متأخر من العام الدراسي، بل إنها لم تصلهم في كثير من اﻷحيان سوى بعد امتحانات الفصل الدراسي اﻷول. أبو طالب، الذي كان طالبًا في إحدى مدارس التربية الخاصة بمحافظة سوهاج، أشار إلى أنه لم يتسلم الكتب الخاصة به في عام ٢٠٠٤ سوى في الفصل الدراسي الثاني، غير أنه أكد أن اﻷزمة تفاقمت خلال السنوات الأخيرة ولم تعد متوقفة على تأخير الكتب الدراسية؛ «بسبب ارتفاع تكاليف الطباعة، توقفت الوزارة منذ عام ٢٠١٣ عن طبع المصاحف والأناجيل والقواميس والمعاجم بطريقة برايل»، مضيفًا أنه منذ بدء العام الدراسي الحالي يعاني الطلاب أيضًا من قلة اﻷوراق المستخدمة في الكتابة أثناء الدراسة. أكبر من أزمة طباعة لا يستوعب الفصل الواحد للطلاب ذوي الإعاقة البصرية في مدارس «التربية الخاصة» أكثر من عشرة طلاب، نظرًا لضخامة الكتب الخاصة بكل طالب، التي يصل وزنها إلى ١٢٠ كيلوجرامًا، بحسب أبو طالب، الذي أضاف أن ارتفاع سعر فرخ الورق الواحد المستخدم في طباعة تلك الكتب من جنيه وربع إلى ستة جنيهات كان وراء توقف الوزارة عن طباعة الكتب في «المركز النموذجي». وأوضح أبو طالب كذلك أن أغلب مدارس التربية الخاصة، التابعة للوزارة، الخاصة بذوي الإعاقات البصرية، هي مدارس داخلية، ما يناسب طبيعة الكتب التي يدرس بها الطلاب وثقل حجمها، بحيث لا يكون الطالب مضطرًا لحملها إلى المنزل يوميًا. وتساءل الناشط في مجال حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة البصرية «هل مطلوب من أهالي الطلاب الذهاب لمطابع خاصة وتحمل تكاليف طباعة الكتب، التي تصل إلى سبعة آلاف جنيه، وشحنها في سيارة نصف نقل نظرًا لثِقل حجمها، فضلًا عن السفر من وإلى القاهرة إن كانوا من سكان اﻷقاليم؟». وفيما أوضح أبو طالب أن الكتب الدراسية «تُباع في مناقصات علنية نهاية كل عام، وذلك لصعوبة تخزينها، ما يعني أن الطلاب لا يملكون نسخًا من الكتب الدراسية الخاصة بالعام الماضي»، قالت هبة هجرس إن أولياء أمور الطلاب اضطروا إلى اللجوء إلى حلول شاقة مثل «شراء الكتب الدراسية في نسختها العادية وقراءة المناهج لأبنائهم أو اللجوء إلى الدروس الخصوصية بعد أن توقف الكثيرون من الطلاب عن الذهاب للمدارس». محمد الزياتي، رئيس مجلس إدارة جمعية «مزايا للمكفوفين»، وهي جمعية تقدم خدمات لذوي الإعاقة البصرية تشمل إمداد طلبة المدارس بالكتب المكتوبة بطريقة «برايل» بشكل محدود، رأى أن الوزارة اتخذت مسلكًا سلبيًا في التعامل مع أزمة توريد الكتب الدراسية، من تأخّر وصول الكتب للمدارس، وعدم مطابقتها للمواصفات واحتوائها على مشاكل في الإخراج والشكل والأخطاء المطبعية في السنوات السابقة. وأرجع الزياتي الأزمة إلى «عدم فرض الوزارة لرقابة على أداء «المركز النموذجي لرعاية المكفوفين» وإصرار جميع القائمين على العملية أن كل شئ تمام». مشيرًا إلى أن الوزارة إذا بدأت في تأسيس مطابعها الخاصة لإصدار الكتب بطريقة «برايل» ستوفَر في التكاليف المالية. قرار بالدمج.. ولكن من جانبه، أشار أبو طالب إلى أن الكتب الدراسية المطبوعة لم تعد حلًا عمليًا، موضحًا أن الوزارة يجب أن تتبنى وسائل أحدث، مثل «أجهزة برايل سينس، التي تتراوح أسعار الواحد منها بين ١٥٠٠ ٥٠٠٠ جنيهًا، وهي شاشة في حجم الأجندة الصغيرة، أو استخدام أجهزة كمبيوتر محمولة أو لوحية مدعَّمة بخاصية قارئ الشاشة، وكلها وسائل تُسهل من عملية دمج ذوي الإعاقة البصرية، لكن ما نفعله أننا نُعطل الطلبة بدلًا من أن ندمجهم». أما النائبة هبة هجرس فاعتبرت أن الاتجاه نحو دمج الطلاب من ذوي الإعاقات البصرية في المدارس العادية عوضًا عن «التربية الخاصة» هو الحل اﻷمثل لمراعاة حقوق هذه الفئة، وأضافت «أفكر في حق الطلاب في التعليم، خاصة أن مدارس التربية الخاصة لا تستوعب إلا ٢.٨% من احتياجات الأشخاص ذوي الإعاقة، والبقية لا يتعلمون». كان وزير التعليم قد أصدر في أغسطس الماضي قرارًا بالبدء في دمج الطلاب ذوي الإعاقات البسيطة داخل مدارس التعليم العام مع بداية العام الدراسي الحالي، وذلك بعد عقود من إلحاق الطلاب أصحاب الإعاقات المختلفة في مدارس تخصهم، وهو القرار الذي بدأ تطبيقه بشكل أولي. وكانت المادة التاسعة لقانون التعليم رقم ١٣٩ لعام ١٩٨١، تنص على أن تكون مدارس «التربية الخاصة» لتعليم ورعاية «المعوقين»، وذلك بما يتلاءم مع قدراتهم واستعداداتهم. وذلك بالمخالفة لنصوص «الاتفاقية الدولية لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة»، التي صَدَّقت عليها مصر في أبريل من عام ٢٠٠٨. والتي تلزم الدول الموقعة عليها بضرورة دمج هؤلاء الطلاب في المدارس العامة. ونَصَّ قرار الوزير الصادر مؤخرًا، فيما يخص الطلاب ذوي الإعاقة البصرية، على دمج الطلبة ذوي «جميع درجات الإعاقة البصرية (الكفيف وضعيف البصر)، ويقبل بمدارس الدمج الطالب الكفيف وهو من تقل حدة إبصاره عن ٦ ٦٠، وكذلك يقبل ضعيف البصر والذى تبلغ درجة إبصاره ٦ ٦٠ فى العينين أو العين الأقوى أو بعد التصحيح باستخدام النظارة الطبية، كما يقبل أيضًا التلاميذ المصابين بمتلازمة إرلن». وينص القرار على تشكيل لجنة من الإدارة العامة للتربية الخاصة يكون من إحدى مهامها «اقتراح تطويع الكتب الدراسية بما يتناسب مع ظروف الإعاقة، وبما يحقق الهدف من هذا التطويع واقتراح الوسائل التعليمية والأنشطة المتصلة بكل فئة من الفئات المدمجة بالتعاون مع الإدارات التعليمية وتقدير الاحتياجات السنوية لمدارس الدمج في جميع المديريات من القوى البشرية والتجهيزات وغيرها». كما افتتحت الوزارة، قبل أسبوعين، مكتبًا لخدمة الطلاب ذوي الإعاقة بمقر ديوانها بالقاهرة، وذلك «في ضوء توجيهات الوزير بالاهتمام بالأطفال ذوى الاحتياجات الخاصة، والعمل على تيسير خدماتهم» بحسب بيان للوزارة، وذلك دون توضيح نية الوزارة إذا كانت ستؤسس مكاتب مماثلة على مستوى الجمهورية.
عن سياسات الصورة في المجتمعات المحافظة حوار مع المصوّرة نادية منير أجرت الحوار ليلى أرمن ١٨ أكتوبر ٢٠١٧ «سأدافع عن نفسي» هو المعرض الفردي الأول لنادية منير، بعد معرضيها السابقين «قالت أقسم أنّي أرى ضوءًا يخرج من جانب عيني» و«هل أنت ذلك الشخص حقًا؟»، واللذان كانا في إطار معارض جماعية. تستكمل نادية بحثها في سياسات الصورة وكيفية تمثيل النساء في المجال العام، من خلال تتبُّع مناورات الإخفاء والحجب والرقابة التي يمارسها منتجو الصور في المجتمعات المحافظة ومصر تحديدًا. وكيف ينعكس ذلك على علاقة النساء بصورهن الشخصية سواء التي يختارونها للمشاركة مع غيرهم على منصات التواصل الاجتماعي، أو التي يقرّرن الاحتفاظ بها لأنفسهن. ومن خلال القيام بألعاب بحثية في مواقع أرشيفات الصور الإلكترونية العامة، تحاول قراءة محدّدات نتائج البحث الخاصة بصور النساء، وكيف تختلف مثلًا نتيجة استخدام كلمة «امرأة » من موقع لآخر حسب جغرافيته. كما تحاول اكتشاف دوائر التأثير و«إعادة الإنتاج» بين تلك النتائج وتطوّر فن التصوير. في هذا الحوار تتحدث نادية عن معرضها المقام حاليًا، ومشروعها الممتد بشكل عام، بالإضافة إلى عدد من القضايا التي تخص إشكاليات الصورة، كنقاش الملكية والخصوصية و فن تصوير الشارع. ليلى انقسم شغلك لـ٣ مراحل. الأولى كانت مع مؤسسة «ماس اسكندرية»، والتانية مع «فوتو كايرو» في معرض جماعي، والمرحلة التالتة الحالية معرضك الفردي الأول «سأدافع عن نفسي». هل كل مرحلة كانت مشغولة بسؤال معيّن؟ نادية أعتقد مفيش خط فاصل بينهم. هم بيكمِّلوا بعض وبيتطوروا مع الوقت. مثلًا فيه أعمال في المرحلة الأولى اتفسّرت أكتر في شغل المرحلة التانية. ولمّا جيت أرتب الأعمال وأفردها في المعرض الفردي، قدرت أشوف كل المراحل بشكل متداخل أكتر. لكن بشكل عام، اهتميت في المرحلة الأولى بالصور الشخصية. دوّرت في صوري، وطلبت صور شخصية من أصدقاء ومعارف لمجرّد إني أتفرج عليهم، وأقارن بينها وبين صورهم اللي اختاروا يعرّفوا بيها نفسهم على مواقع التواصل الاجتماعي زي فيسبوك. المرحلة التانية، عامّة أكتر، لكن بتكمّل نفس الفكرة، وهي صور التجمّعات الخاصة المغلقة. فركزت على صور الحفلات النسائية الخاصة، وما فيها من خصوصية افتراضية بشكل كبير، وازاي بتنتقل بين الدواير المختلفة. المرحلة التالتة الحالية، لسّا بكتشفها، وبطوّرها. ووسّعت فيها دايرة اهتمامي، لتشمل صور النساء في المجال العام، واللي بنحتك بيها بشكل يومي. وباكتمالها ممكن تبقى إجابة لسؤال بيشغلني ما هو تأثير الصور في المجال العام علي صورنا الشخصية أو الذاتية؟. معرض «سأدافع عن نفسي» هو بداية عرض أفكار المرحلة التالتة أكتر منه عمل منتهي، وحاولنا من خلال طريقة العرض نوضّح فكرة إنه في طور«التطوير». ليلى طيب، من البداية منين جاي اهتمامك بمحاكاة أسلوب تعامل النساء في المجتمعات المحافظة مع «الصور»؟ نادية في الأساس، أنا شخص مهتم بسياسات إنتاج الصورة وخطوط تحرّكها وتفاعل الناس معاها، وعلاقتها بالتكنولوجيا وبنفسية المستهلِك ليها. لذا كانت صور النساء في المجتمعات المحافظة، مادة خصبة جدًا بالنسبة لي، لفهم وتحليل «الصورة»، خاصة مع علاقتها المعقدة بفكرة الخصوصية، في بلد زي مصر، وتشابكها مع الإسلام دين الأغلبية وازاي بيتعامل معها ثقافيًا. زائد إن عندي محرّك شخصي بحت، وهو علاقتي كمصوِّرة بصوري الشخصية، وصوري اللي بعتبرها معبّرة عني، لكن ما ينفعش حد يشوفها. ليلى بمناسبة المحرك الشخصي؛ أحيانًا بيكون اختيار موضوع الأعمال الأولى، ناتج عن رغبة في التعبير عن النفس بقوة واندفاع، إيه مدى تداخل تجربتك الشخصية مع أعمالك؟ نادية دي كانت مشكلتي في المرحلة الأولى، فترة مؤسسة «ماس». أخدت وقت عشان أتصالح مع الفكرة وأتوصل لحل مش ساذج، بسبب تخوّفي إن التعبير عن تجربة شخصية يوقَّع شغلي في حفرة السذاجة أو يكون مليان اندفاع زي ما قلتي، أو حتى يبقى رومانسي بشكل الركيك. فبرغم إن تجربتي كانت أحد محرّكات بحثي، لكن حاولت أتجاهلني، وأدور «برا» على شخصيات تانية أسمع منها، لكن المردود ماكنش مُرضِي، فرجعت لصوري أشتغل عليها. لما برجع للمرحلة دي بحس إنها كانت بدائية لكن ضرورية عشان أستوعب نفسي. وكانت النتيجة إن الأعمال أصبحت أكثر نضجًا. وده ساعدني أتحرّر منها، وأتحرّك بسلاسة في المرحلة التانية والتالتة بعيدًا عن تجربتي. لكن في المحصّلة الأخيرة، ماحسيتش إن شغلي اهتم يبين الجزء الشخصي ده، حسيته تجاوزها. ليلى في أثناء حواري مع منسقي المعرض، عرفت إن في رحلة بحثك عن تمثيلات النساء في أرشيفات منصات الصور المرخصة زي «أي ستوك»، ارتبطت نتائج البحث بكلمة «نساء عرب» بصور لـ«خيول». إيه ملاحظاتك الأساسية حول تمثيل المرأة، على مواقع الصور خلال الرحلة؟ نادية لسا بحاول أفهم ارتباط الحصان بالستّات العرب. استخدمت كلمات بحث زي «الجمال العربي» فالنتيجة كانت صور نساء وأحصنة. فيه فروق بين مواقع الصور والعالمية والعربية اللي هي خليجية بالكامل وبشراكة مع مواقع عالمية زي Getty image ومع إن كل محتواها عربي، لكن أدوات بحثها إنجليزية. جملة زي «نساء عرب» بالإنجليزية في المواقع العالمية؛ بتظهر نتائج متعلقة بالحروب، ستات حزينة، صورة راجل بيشد ايد ست، صور للاجئين. في حين لو حذفنا كلمة «عربي» من خانة البحث، النتائج بتختلف تمامًا. وغير الارتباط بالأحصنة، فيه تركيز على عيون النساء العرب، يجوز لمداعبتها أفكار البرقع والحجاب والستر، في الخيال الغربي. كلمة «امرأة» لوحدها على المواقع العالمية، بتطلع نتائج مرتبطة بكلمات زي مثيرة، رغبة، رمز جنسي، وبالتالي مختلفة جدًا، عن «امرأة عربية». على العكس في المواقع الخليجية مثلًا، كلمة «امرأة» بتطلع نتائج لستات في بيتها مع عيلتها، ومن الصعب العثور على صورة امرأة لوحدها، لابد تكون في سياق أُسري. غير إن لو دورتي فيها على جمل زي عرب يمارسون الحب Arab make love مش هتظهر نتائج، عكس المواقع العالمية. قراية المقارنات دي بتفتح أبواب كتيرة لفهم تأثير الصور المعتمَدَة في المجال العام على تعاملنا مع صورنا الشخصية. نتائج بحث كلمة زي «Happy Couple» بتقول كتير عن تفضيلات المصورين اللي بيشتغلوا في مجال «تصوير الأفراح والمناسبات» في مصر. بيقلدوا تكوين الصورة وبيستخدموا نفس الأوضاع والإضاءة. كمان بنلاقي اللي عايز يتصوّر بيطلب الطلبات دي. دا بيؤدي لإعادة إنتاج صور محفوظة بتمثل شكل الحياة كما هو متخيّل. ليلى دا بيخليني أسأل على واحد من فيديوهاتك، اللي بيعرض بالتفصيل عملية إجراء استديو تصوير في شرم الشيخ؛ تعديلات على صورة شخصين بالفوتوشوب، طلبوا منه حذف أفراد عابرين في الخلفية، عشان ينفردوا بصورتهم مع المنظر الطبيعي. نادية أنا مهتمة بمتابعة حركة «الصورة» من الكاميرا للشاشة، ولشاشة تانية. عندي رغبة في اكتشاف ازاي الوسيط بيأثر على الصورة. الفيديو دا بيناقش علاقة التصوير بـ«عمليات التجميل» اللي بتُجرى على الصور. مثلًا معيار رومانسية الصورة، بالنسبة للزباين اللي عاوزين التعديلات، هو خلفية منظر طبيعي، بحر وجسر، مع راجل وست، بتعبّر حركات أجسادهم عن حبهم أو استمتاعهم بالوقت سوا. وجود الأفراد العابرين كان كاسِر فكرة الرومانسية دي. هل صاحب الاستديو اللي بيصوّر العروسين في الفرح متأثر بنتائج البحث عن كلمة «couple» في مواقع أرشفة الصور؟ ولا عُرف إنتاج الصور بالشكل دا هو اللي خلّى النتائج بالشكل ده؟ مين بيأثر علي مين؟ ليلى في فيديو آخر بالمعرض، اهتميتي بعرض ديناميكية التفاعل بين أحد المصورين وزبونة عاوزة تتصوّر على شط البحر، وقيامه بتوجيهها لوضعيات معينة «عشان الصورة تطلع حلوة». لكن ألوان الفيديو كانت مقلوبة. ليه؟ نادية بعد نقاش مع منسقة المعرض «أندريا تال» اتفقنا إن ظهور البنت في الفيديو ممكن يبقى فيه مشكلة أخلاقية، بالتالي دوّرت على حل بصري ووصلت لتأثير عكس الألوان ( Invert)، خاصة إني استخدمته في صور المرحلة الأولى وبرضه بهدف إخفاء هوية الأشخاص. كمان تأثير Invert له علاقة بميكانيزم استحضار الصورة من الذاكرة، كإنه بيحاكي مرحلة «التذكر». فبالتالي مُعبّر عن رحلة انتقال الصورة من حالة الخصوصية للعرض العام، وهي الفكرة الأساسية للمعرض. ليلى في أحد الأقسام، كان شغلك مهتم بفكرة تمثيل النساء في المجلات النسائية العربية. وصورتي فيديو لتصفحك مجلة اشتغلتي على الصور فيها بقص أجزاء منها. إلى أي مدى الفكرة دي مرتبطة بمشروعك؟ نادية دي المرحلة اللي مازالت في طور البحث. المجلات النسائية تعتبر من المصادر المتاحة المفتوحة للعامة، اللي بتتضمن صور للنساء في المجال العام. في الفترة القادمة هشتغل على صور النساء على المنتجات مثلًا. في البداية، كنت مهتمة بتجميع أشكال العيون المختلفة، وإزاي بوجودها منفردة، بتوصّل إيماءات معينة، بالتالي كنت بقص العينين تحديدًا. لمّا خلصت، اتخضيت من شكل المجلات اللي اتقطعت منها، وشكل الصور من غير عيون. حسيت إني مارست نوع من العنف بشكل غير واعي على الصور، وتخوفت لو استغنيت عن المجلة، حد يلاقيها بالشكل المُفجِع ده. بعد كدا، فكرت في ارتباط العملية دي بفكرة «الإخفاء» و«الحجب»، وهوس البحث عن صور نساء على الانترنت. والحقيقة فيه حاجة مشتركة في معظم الشغل، وهو إن الشخصيات في الصور شبه مستسلمة لسلطتي عليها، وبحاول أفهم نوع السلطة دا أكتر. هفسر قصدي من خلال صورتين صورة ملصق المعرض، وصورة «المسطرة». صورة الملصق أنا خفيت هوية البنت و هي في الصورة (المنتج النهائي) مستسلمة لدا. الصورة التانية، بستخدم فيها تقنية كان يمكن جيلنا على أُلفة معاها واحنا أطفال، بتحاكي فكرة المسطرة اللي بتغير الصورة المطبوعة عليها، لو قلبتيها بزاوية معينة. الصورة لبنت مخبية وشها بإيدها، ووقفة جسمها فيها تأهب. لو بصيتي لنفس اللوحة من زاوية تانية، البنت هتتكرر، وتظهر اتنين. الصورة دي هي الوحيدة اللي فيها حضور لشخصية اللي بيتصور. وهي اللي بتخفي نفسها. غير كدا بقية الصور سلطتي عليهم واضحة بشكل يخلِّيهم غير قادرين على الدفاع عن أنفسهم. فيديو المجلة المتقطعة امتداد للنوع دا من السلطة. والقِسْم داه بيعبّر عن عنوان المعرض ( سأدافع عن نفسي). ليلى غير صورة المسطرة، لاحظت استخدامك للمراية كحل بصري في أكتر صورة نادية الاختيارات البصرية الي اشتغلت عليها فكرتها بالأساس إن الصورة في رحلتها من الخاص للعام، بيحصل لها نوع من التشوه وفقد واكتساب عناصر معيّنة. مقصدش بالتشوه القبح بالضرورة، لكن كإن حصل فيها انشطار، أفقدها جاذبيتها. ومع حضور فكرة الازدواجية في الرحلة دي، كان اختيار المرآة أو «التكرار» ترجمة لأفكار الانشطار والازدواجية. ليلى في المعرض، أجريتي ٣ حوارات مع ٣ شخصيات، كل واحدة منها، بتشتغل على صور النساء في سياقات مختلفة. على أي أساس اخترتي الأشخاص دول؟ وإيه الفرق في تعامل كل منهم مع الصور؟ نادية قابلت الـ ٣ أشخاص خلال فترة البحث. اللي خلّاني أجمعهم سوا في المعرض الأخير، هو وجود حاجة مشتركة بينهم، متعلّقة بكيفية ممارستهم للسُلطة على الصورة، كنوع من الرقابة. وده أفادني في اختياراتي البصرية. الشخصية الأولى، مصوِّرة مناسبات خاصة بالنساء فقط، بيستأجروها وبيضطَّروها تِسلِّم الصور قبل ما تمشي وإنها تمسح الصور من الكاميرا. بالتالي هي مش متحكِّمة في إنتاجها، وبيصعب عليها تسوّق لنفسها. الشخصية التانية، أم طاطو، ربة منزل مستخدمة للفوتوشوب، وبتتعامل مع الصور بشكل جمالي مختلف عن السائد. بتلعب عليها بإخفاء ما تعتقده «إغراء» زي الوجه، أو المناطق المكشوفة من الجسم، كحل لتمريرها للنشر في المنتدى النسائي. الشخصية التالتة رسَّام بيرسم الصور الفوتوغرافية. بيتعامل مع الصورة كمصدر بينقل منه، وكمساحة بيمارس فيها موهبته، فبيتدخل لتجميلها، وببيعدل عليها وعلى إضائتها. كل واحد فيهم بيمارس نوع معين من الرقابة، اللي مش بتعني المنع والإخفاء فقط، لكن لها معايير أخرى. وكل واحد فيهم كان مؤثِّر لكل مرحلة في شغلي. ليلى أحيانًا بشوف إن محاكاة النماذج الفنية الشعبوية، وعرضها في سياق فن معاصر، بيسخر من النوع دا من الفن، لأنه بيستبطن الشعور بالتفوق عليه. يعني بحس بحضور نوع من الاستعلاء والتندر على اللي مش متطوّرين بشكل كافي زيّنا، إيه رأيك في الكلام ده؟ نادية شعوري كان على النقيض تمامًا طول فترة الشغل. فيما يخص مثلًا أم طاطو، أنا كنت منبهرة بحلولها البصرية، واتحبست فيها، ومابقتش عارفة أترجمها بشكل مختلف. كانت زي الكنز اللي محدش يعرف عنّه حاجة بالنسبة لي. ثرية بصريًا وتشكيليًا وغير مستهلكة، لإنها متحرِّرة من كل قيود قوانين الجماليات والفنون. يجوز وصلِك إحساس التفوق من لغة الإنترفيوهات، ودي فعلًا جزئية بتوقف عندها كل ما أراجعها. لكن كمان المعروض منها مجرّد جزء من لقاء أطول، وفي النسخة الكاملة مسجّل ظروف كل إنترفيو اللي بتفسّر أكتر اختيار اللغة المستخدَمة. بحاول أفكر في نقطة الاستعلاء لكن مش قادرة أحدد موقفي منها. لكن في رأيي إن فهم الأشكال الشعبوية لا غنى عنه لفهم سياسات الصورة وعلاقتها بالمجتمع والفنون المعاصرة. في حالتي مثلًا، أنا زهقانة من كل أشكال الإنتاج الخاصة بالصورة الفوتوغرافية. وجت النماذج دي كمصدر إلهام عظيم ليا وللدراسة، لإنّها برا السياق، و الساقية اللي بنلِّف فيها كفنانين ناشئين. ليلى بعد انشغالك بموضوع معين، بتختاري نوع المعالجة ازاي؟ نادية غالبًا بشتغل لوحدي تمامًا وبشكل بطيء. دي كانت من أسباب إني قدمت لـ«ماس»، علشان أكون مجبرة إني اتكلم عن اللي بشتغل عليه و أناقشه وأتعلم فكرة البحث اللي بيتطلّب مقابلة ناس وتوسيع دايرة المصادر اللي بدوّر فيها. لأن الشغل لوحدي بيخلي الشخص نفسه هو مصدر نفسه، بالتالي أفقه بيبقى ضيّق. ليلى بمناسبة اهتمامك بكيفية تعامل النساء مع التصوير في المناسبات الخاصة، وكمان لإن في الفترة الأخيرة، دارت نقاشات حول التصوير في الأماكن العامة وما يتبعه من تصوير وجوه ناس بدون استئذانهم، زي ما حصل في صورة مصعب الشامي، اللي لقطها لولد وبنت بياكلوا في «كشري أبو طارق» ونظراتهم بتعكس شعور بالحميمية. وده بيطرح فكرة المصور المتلصّص، ايه فكرتك عن حدود المصور أو الفنان فيما يخص تصوير الأماكن العامة؟ نادية أنا عنيفة شوية في النوع دا من النقاشات، خاصة إن معظم شغلي في الشارع. أنا ضد فكرة الاستئذان في المجمل. تاريخ فن تصوير الشارع ماخاضش الجزئية دي. لكن تطور الوعي بمفاهيم الخصوصية والمِلكية، هو اللي جرّ رجل التصوير معاه. وده اللي خلّى التصوير في الشارع بيقابل مشكلة كبيرة في العالم كلّه حاليًا، وبيواجه نقاشات أخلاقية مستجَدّة عليه نوعًا ما، وبتسأل أسئلة زي ايه موقف المصوّر تجاه اللي بيصوَّره؟. ده مش معناه إني برفض الاستئذان أو بقول إن التلصص حق. الموضوع بيحتاج نوع خاص من التفاعل مع الشارع والناس، يخلّي وجودي بالكاميرا في الشارع أمر مقبول، بالرغم من عدم الاستئذان. وجود الكاميرا بحجمها ولونها وطريقة حملها، بيني وبين الناس، موقف فيه عُنف. الحل لتقليل احتمالية كونك مصورة متلصصة، وزيادة احتمالية كونك شخص يمارس حياته عادي في الشارع وبيصوّر، هو كسْر العنف ده، من خلال طريقة التعامل مع وجود الكاميرا نفسها. مثلا لما بصور في مكان عام بس مغلق، زي كافيه أو مطعم، بلجأ إني اطلع الكاميرا وأحطها علي الترابيزة، فترة من الوقت قبل ما أمسكها. دا حقيقي بيساعد جدًا. وجود الكاميرا في المجال العام هو نوع من الاستئذان في حد ذاته. كمان فيه خط رفيع بين الصورة المسروقة و الصورة المتلصصة. ليلى بالرجوع لاهتمامك بتمثيل النساء في السياقات المحافظة، هل شفتي أعمال فنية عن نفس الموضوع أثارت انتباهك؟ نادية مفيش في بالي حاجة معينة أفتكرها. بس غالبًا بحس إنها مستهلَكة و شمولية، و كلها عن مواضيع تخص الحرية و العنف. احتمال شغلي يكون فيه دا، مقدرش أحدد، لكن أعتقد إن اختياري لنوع المعالجة ممكن يساعدني أبعد عن التمثيل المستهلك اللي شخصيا بتجنّبه. .......................................... يقام معرض «سأدافع عن نفسي» في مركز الصورة المعاصرة، ويستمر حتى يوم ٢٦ أكتوبر الجاري. * الصورة المرفقة مركز الصورة المعاصرة