ما الجهات المتورطة في هجوم الواحات؟ عمر سعيد ٢١ أكتوبر ٢٠١٧ بعد دقائق من الإعلان عن العملية الإرهابية التي وقعت في منطقة الواحات أمس، الجمعة، والتي راح ضحيتها بحسب آخر تقدير أكثر من ٥٠ من ضباط وجنود قطاع الأمن الوطني والقوات الخاصة بالداخلية، حتى بدأت التحليلات والتوقعات حول الجهة المسؤولة عن الحادث. ذهب البعض إلى أنها عودة لعمليات القيادي الجهادي والضابط السابق في الجيش هشام عشماوي، خاصة مع تشابه طبيعة العملية وموقعها مع عمليات سابقة له، فيما رأى البعض الآخر أن العملية تحمل علامات تنظيم «جنود الخلافة»، المسمى كذلك بـ «مجموعة عمرو سعد»، أو «داعش مصر»، خاصة مع المقارنة بآخر العمليات المنسوبة للتتظيم. ولم يستبعد عدد آخر تورّط تنظيم «حسم» في العملية، رغم اختلافها تمامًا عن طبيعة عملياته ونطاقها الجغرافي. ومع عدم إعلان أي جهة عن مسؤوليتها حتى اللحظة، وغياب المعلومات الرسمية بشكل كبير، تظل الاحتمالات جميعًا مطروحة. مَن هو عشماوي؟ عمل هشام علي عشماوي مسعد إبراهيم كضابط في سلاح المشاة، ثم الصاعقة في القوات المسلحة. قبل أن يُحال، بناء على تحريات المخابرات الحربية، إلى الأعمال اﻹدارية في الجيش على خلفية مشادة بينه وبين خطيب مسجد في معسكره التدريبي لأن الأخير أخطأ في ترتيل القرآن. غير أن عشماوي واصل نزعته المتشددة، وكان يوزع كتب شيوخ السلفية على زملائه في الخدمة، مما أدى إلى فصله عقب محاكمته عسكريًا في العام ٢٠١٢. في بدايات ٢٠١٣ رصدت الأجهزة الأمنية سفر عشماوي ومشاركته في الصراع السوري إلى جوار «جبهة النصرة»، التي كانت وقتها ذراع تنظيم القاعدة في سوريا قبل أن تعلن فك الارتباط مع التنظيم. بعدها بعدة أشهر، ظهر عشماوي في خضم الهجمات الإرهابية التي كانت آخذة في الصعود بشكل أساسي في شمال سيناء وبعض محافظات الدلتا، خاصةً القاهرة والدقهلية. كما ظهر دوره جليًا في عمليات تنظيم «أنصار بيت المقدس» قبل أن يبايع تنظيم «داعش». أما الإشارة الأكثر وضوحًا لأهمية دور عشماوي في العمليات المتصاعدة في الساحة المصرية، فصدرت من الأجهزة الأمنية عقب يوم واحد من محاولة الاغتيال الفاشلة التي تعرض لها وزير الداخلية السابق محمد إبراهيم قرب منزله في مدينة نصر. إذ أكدت الأجهزة أنها اقتحمت منزل عشماوي في منطقة زهراء مدينة نصر، حيث كان لأسرته مسجدًا يستغله في نشر أفكاره، وأنها حصلت على الكثير من الذخائر والوثائق التي أكدت مشاركته في التخطيط لمحاولة الاغتيال. عند هذه النقطة، بدأ الحديث عن تولي عشماوي مسؤولية أنشطة التنظيم في الوادي والدلتا، المناطق التي شهدت تصاعد العمليات المستهدفة لضباط الشرطة ومديريات الأمن وبعض المقار العسكرية. في تلك الفترة تمّ استهداف مديرية أمن الدقهلية مرتين، في يوليو وديسمبر ٢٠١٣، ومبنى المخابرات الحربية في الاسماعيلية في أكتوبر ٢٠١٣، ومعسكر قوات الأمن المركزي في ديسمبر ٢٠١٣، ومديرية أمن القاهرة في يناير ٢٠١٤، وكذلك تم اغتيال مدير المكتب الفني لوزير الداخلية اللواء محمد السعيد في يناير ٢٠١٤، واغتيال المقدم في جهاز الأمن الوطني محمد مبروك في نوفمبر ٢٠١٣، بالإضافة لاستهداف عدد كبير من الكمائن والمرتكزات الأمنية التابعة لوزارة الداخلية. بخلاف ذلك، يواجه عشماوي اتهامات رسمية بقيادة عملية مذبحة كمين الفرافرة في يوليو ٢٠١٤ والتي قُتل فيها ٢٨ مجندًا في القوات المسلحة، وكذلك عملية استهداف مقر الكتيبة ١٠١ في العريش والتي قُتل فيها ٢٩ من ضباط وجنود القوات المسلحة. في ذلك الوقت، بدأت ملامح الخلافات بين العشماوي و«أنصار بيت المقدس» في الظهور على السطح. إذ أعلن التنظيم مسؤوليته عن عملية الفرافرة، في شريط دعائي له بعنوان «صولة الأنصار»، ووعد بأن يصدر الشريط الدعائي القادم متضمنًا لقطات من العملية. وبعد أسابيع، صدر الشريط الجديد متضمنًا للعديد من العمليات، إلا عملية الفرافرة تحديدًَا. وبين الشريط الأول والثاني، بايع التنظيم «داعش» وواليه أبو بكر البغدادي، وقَبِل الأخير البيعة، وأمرهم بإلغاء الاسم القديم، والتحول إلى اسم «ولاية سيناء». وهنا افترق عشماوي عن جماعة داعش الجدد. بعدها ظهر هشام عشماوي في مقطع مصور وكنى نفسه بـ «أبو عمر المهاجر»، وأعلن مسؤوليته عن «عملية الفرافرة»، والتي جرت في يوليو ٢٠١٤، مؤكدًا على موقعه التنظيمي الجديد كأمير لجماعة جديدة حملت اسم «المرابطون». بعد هذه العمليات كشفت مؤشرات كثيرة عن إصابة العشماوي كان قد أصيب في «عملية الفرافرة»، وأنه عقب الانشقاق عن تنظيمه القديم انتقل إلى ليبيا، حيث سيتلقى العلاج ويشارك في العمليات هناك ويشرف على بعض المعسكرات التدريبية. واختفت منذ ذلك الوقت أخباره حتى عاد اسمه ليتردد عقب حادث الأمس، بعدما كانت اﻷخبار الواردة مؤخرًا عن عمليات مشابهة تعلن عن مجموعة جديدة، هي «جنود الخلافة». ماذا عن «جنود الخلافة»؟ في مايو الماضي، نشرت مجلة «النبأ» الصادرة عن الجهاز الإعلامي المركزي لتنظيم «داعش» حوارًا مع من وصفته بأنه «أمير تنظيم جنود الخلافة في مصر». وكان للحوار دلالة كبيرة، هي أن التنظيم بات له فرعًا مستقلًا يعمل في مصر خارج شبه جزيرة سيناء. لا يخضع لأوامر «والي سيناء»، ولا ينسق مع «الولاية» كذلك. وبالتزامن مع ظهور الحوار كان اسم عمرو سعد يتردد بصورة دفعت كثيرين للربط بينهما، باعتبار عمرو هو نفسه اﻷمير الجديد. في الحوار قال الأمير المجهل «تربطنا بإخواننا جنود الخلافة بولاية سيناء علاقة الأخوة والمحبة والولاء (..) ونحن جميعًا جنود الدولة الإسلامية على أرض سيناء ومصر (..) استهداف الكنائس هو من ضمن قتالنا وحربنا على الكفر وأهله (..) نقول [للمسيحيين] إن سنة الله عليكم جارية، وحكم الله ورسوله واقع عليكم، وإنكم مخيرون بين إحدى الثلاث الإسلام أو الجزية أو القتال». كانت الشهور السابقة للحوار قد شهدت صعودًا دراميًا في العمليات الإرهابية التي استهدفت المسيحيين في مصر، سواء تفجير الكنائس في العباسية وطنطا والاسكندرية أو خطف وقتل المدنيين المسيحيين في العريش، مما أدى إلى موجة نزوح واسعة للسكان المسيحيين من شمال سيناء في اتجاه مدن القناة. في حين حسم الحوار جدلًا بدأ، منذ العام الماضي، مع العملية التي استهدفت الكنيسة البطرسية بالعباسية، في ديسبمر من العام الماضي، وأعلن داعش مسؤوليته عنها. ودارت الأسئلة في حينها، هل ولاية سيناء مَن فعلها؟ أم أنهم تمددوا وبات لهم خلايا منفردة في الدلتا؟ أم أن لداعش نفسها تنظيمًا جديدًا خارج سيناء؟ عقب تفجير «البطرسية» والكشف عن هوية الانتحاري، ألقت الأجهزة الأمنية القبض على العديد من الأشخاص، أحدهم يدعى عمر سعد وأودعته سجن العقرب. وبناءً على اعترافات المتهمين ظهر أن شقيق عمر سعد، ويدعى عمرو، وهو المسؤول عن عمل هذه الخلايا في وادي ودلتا النيل، وهو العقل المدبر لعملية تفجير «البطرسية». بعد العملية بشهور، فجر انتحاريان نفسيهما في الكنيسة المرقسية في الإسكندرية، وفي كنيسة مارمرقس في طنطا. وأعلنت الداخلية بعدها أن واحد من المنفذين كان على اتصال بأحد المتهمين الهاربين في تفجير كنيسة العباسية، وهو عمرو سعد. فيما قالت معلومات وزارة الداخلية إن البؤر الإرهابية المسؤولة عن تفجير الكنائس واستهداف أوتوبيس المنيا، يتولى مسؤوليتها عمرو سعد عباس إبراهيم، وهو زوج شقيقة الانتحاري محمود حسن مبارك، منفذ عملية كنيسة الإسكندرية. خلال الشهور الماضية نفذت وزارة الداخلية العديد من المداهمات في مناطق صحراوية في صعيد مصر في سياق استهداف المجموعة، التي باتت تُعرف بـ «مجموعة عمرو سعد»، وسقط عدد كبير من القتلى خلال هذه المداهمات. بدأت قصة المداهمات بالقبض على أحد أعضاء المجموعة، عيد حسين عيد، يوم ٣ أغسطس الماضي، وهو من شمال سيناء لكنه يعيش في محافظة البحيرة. وخلال التحقيقات قدم عيد الكثير من المعلومات عن المجموعة وتسليحها وأماكن تدريبهم، مؤكدًا على مسؤولية عمرو سعد عنها. وبعد أسبوع واحد على اعتقاله، توجهت قوة من الشرطة لأحد أماكن تدريب المجموعة، مصطحبة لعيد معها. وفي منطقة أبو تشت في صحراء قنا، دارت أولى المواجهات، واستطاعت العناصر الموجودة فور رؤيتها للمعتقل مصدر المعلومات قتله وقتل الضابط المكلف بحراسته. وانتهت المداهمة بمقتل مسلحين. وفي يوم ٢٠ أغسطس، أثناء جولة أخرى من ملاحقة مجموعة سعد، في منطقة الواحات البحرية، هي المنطقة ذاتها التي شهدت أحداث الأمس، اعترض مسلحون تابعون للمجموعة مسار قوة أمنية، وقتلوا ١٤ شرطيًا من بينهم ٥ ضباط، وذلك تحديدًا بعد ورود معلومات للداخلية تفيد بوجود عناصر للمجموعة في هذه المنطقة. وهو نفس الدافع الذي قالت وزارة الداخلية أنه دفع بالقوة الأمنية أمس إلى التحرك إلى هذه المنطقة. ومنذ هذه اللحظة اختفت أخبار عمرو سعد، حتى عادت للتداول أمس. «حسم».. احتمال قائم عملية اﻷمس حدثت في الواحات البحرية، والتي تبعد ما يزيد عن ١٠٠ كيلومتر عن محافظتي الجيزة والفيوم، وهي مسارح عمليات معتادة لتنظيم «حركة سواعد مصر..حسم»، أحد التنظيمات المسلحة التي خرجت من عباءة جماعة «اﻹخوان المسلمين». تأسس تنظيم «حسم» في شهر يوليو ٢٠١٦، وتبنى تنفيذ عدد من العمليات أبرزها قتل ٦ من أفراد الشرطة في كمين بشارع الهرم في محافظة الجيزة، في ديسمبر من العام الماضي، واغتيال ضابط بجهاز اﻷمن الوطني في يوليو الماضي. وعلى الرغم من قرب موقع عملية أمس من النطاق الجغرافي لتنظيم «حسم»، إلا أن طبيعة الاشتباكات، بحسب المعلومات القليلة المتوفرة، والعدد الكبير من القتلى والجرحى، قد يستبعد التنيظم من قائمة الجهات المشتبه بها. ولم يسبق أن نفذ التنظيم أي هجوم مماثل في الحجم والقوة على قوات اﻷمن. كما أدت الضربات اﻷمنية المتلاحقة التي تعرض لها التنظيم، في الشهور الماضية، إلى سقوط عدد كبير من كوادره، وانخفاض وتيرة عملياته إلى حد كبير. في جميع الأحوال، سواء كانت عملية الأمس إعلان العودة لهشام عشماوي أو تبيّن مسؤولية «مجموعة عمرو سعد» عنها، أو أعلن تنظيم «حسم» عن قيامه بها تمثل «عملية الواحات» مفاجأة. ففي حالة تبيّنت صحة الفرضية الأولى يكون العشماوي عاد عقب شهور طويلة من انقطاع أخباره، وعدم دقة التصور بأن الصراع الليبي ابتلعه تمامًا. أما إذا أعلنت «المجموعة» المسؤولية سيمثل ذلك إحياء لها بعدما ساد اعتقاد بأنها المداهمات الأمنية قد أدت إلى انهيارها، وإذا صحت الفرضية الأخيرة سيكون ذلك إعلانًا عن تعافي المجموعة النوعية الخارجة عن عباءة «الإخوان المسلمين» من آثار ضربات الداخلية. أكثر من ٦ سنوات فى مدى مصر