مدى مصر

ما تفعله الكارثة الطبيعية في مجتمع فقير محمد يونس ٣٠ أكتوبر ٢٠١٧ في السنوات الست الماضية، ووفقًا للأبحاث التي أجرتها المنظمة العالمية للأرصاد الجوية، تضاعف عدد الكوارث الطبيعية ثلاث مرات، وبالتالي تضاعفت الأضرار الاقتصادية التي سببتها هذه الكوارث إلى خمسة أضعاف. كان هذا ما دفع الأمم المتحدة لإعلان يوم الثالث عشر من الشهر الجاري يومًا دوليّا لتسليط الضوء على كيفية الحد من التعرض للكوارث وزيادة الوعي العالمي بالسياسات والإجراءات والممارسات الفعَّالة للتخفيف من المخاطر والحفاظ بالتالي على حياة البشر وسبل معيشتهم. بهذه المناسبة خُصّص هذا المقال لتناول الكوارث الطبيعية ومسبباتها والخسائر الناجمة عنها، فبمقارنة بسيطة بين عدد الكوارث خلال الفترتين من ١٩٧٠ إلى ١٩٧٩، ومن ٢٠٠٧ إلى ٢٠١٦، نرى أن معدلات حدوث الكوارث الطبيعية زادت من ٤٥١ إلى ١٧٣٩ كارثة، أي ما يزيد على الثلاثة أضعاف، وبزيادة حدة الكوارث زاد عدد الضحايا بالتبعية، بالإضافة إلى الخسائر البيئية والاقتصادية الهائلة. ووفقًا لمكتب الأمم المتحدة للحد من الكوارث (UNISDR)، ففي الفترة من ٢٠٠٥ إلى ٢٠١٤ بلغ عدد المتضررين من الكوارث ١.٧ مليون شخصًا، وعدد الوفيات ٠.٧ مليون شخصًا، مع خسائر تُقدر بـ ١.٤ تريليون دولارًا أمريكيًا. كما شهدت بداية العقد الحالي إحدى أكبر الكوارث، والتي راح ضحيتها ما يزيد على ٢٢ ألف (عشرون ألف لقوا حتفهم، وألفان مفقودون)، مع خسائر اقتصادية بلغت ٢١٠ بليون دولارًا أمريكيًا، خلال موجات تسونامي التي ضربت اليابان في مارس ٢٠١١، عقب زلزال بقوة تسعة على مقياس ريختر، خلّف آثارًا تدميرية هائلة، أبرزها كارثة فوكوشيما النووية، ولا تزال اليابان تعاني آثاره التدميرية إلى الآن. بشكل عام، وبالاطلاع على إحصائيات أعداد ضحايا الكوارث في ٢٠١٥، نجد الفقراء والفئات الاجتماعية المهمشة هم الأكثر تضررًا بالكوارث الطبيعية، كما نجد العدد الأكبر من الضحايا يأتي من نصيب الدول الأفقر، حيث هناك تسع دول فقيرة من أصل الدول العشر الأكثر تعرضًا لوقوع ضحايا نتيجة الكوارث. والسبب بسيط، فالدول الفقيرة هي الأقل استعدادًا لمواجهة تلك المخاطر، لعدم كفاية الإمكانات اللازمة والتدابير الاستباقية المُتَّخذة، بالإضافة لضَعف البنى التحتية هناك وعدم مرونتها. مثلًا، في دراسة أصدرها البنك الدولي في نوفمبر ٢٠١٥، حول الكوارث الطبيعية وتغير المناخ والفقر، جاءت النتيجة بأن ١٢ دراسة حالة من أصل ١٣ دراسة لأماكن مختلفة، تفيد بأن الفقراء هم الأكثر معاناة وعرضة للمخاطر. ومن ناحية أخرى فسكان الدول الأفقر يسكنون البقع الجغرافية الأكثر تعرضًا للمخاطر الطبيعية، ورغم إدراكهم لحجم المخاطر التي تلاحقهم، إلا أنهم مجبرون على قبول الوضع للحصول على فرص العمل والخدمات المعيشية، وتتزايد أعداد الفقراء كل عام بسبب نزوح السكان وتشردهم وضياع ممتلكاتهم وخسارة أنشطتهم الاقتصادية، فتصل التقديرات السنوية لمتوسط الأشخاص الواقعين في مناطق الفقر إلى ٢٤ مليون شخصًا، كما جاء في رسالة الأمين العام للأمم المتحدة لعام ٢٠١٧. وطبقًا لمكتب الأمم المتحدة للحدِّ من الكوارث، فقد كان التغير المناخي خلال العام ٢٠١٤ السبب في ٨٧% من الكوارث الطبيعية. ويرجع تغيّر المناخ إلى سبب رئيسي وهو زيادة نسب تركيز الغازات الدفيئة المسبّبة للاحتباس الحراري في الغلاف الجوي، نتيجة الاستهلاك الكثيف للوقود الأحفوري كالفحم والبترول بعد الثورة الصناعية في القرن التاسع عشر. وستنعكس علينا آثار التغير المناخي والاحترار العالمي عبر اشتداد موجات الحرارة والجفاف وتغير معدلات هبوط الأمطار، وكثافة الفيضانات وحدة الأعاصير. وفي ظل الخطر الذي يهدد البشرية جراء زيادة الكوارث وحدّتها، علينا إعادة التمعن في مفهوم الكارثة، والتي هي نتاج اتحاد المخاطر الطبيعية، التي لن تختفي أبدًا، مع الأحوال المتردية، سواء اجتماعيًّا أو اقتصاديًّا أو سياسيًّا. وفي إطار المساعي العالمية للحد من الكوارث، اعتمدت مؤخرًا الجمعية العامة للأمم المتحدة إطار عمل سنداي للفترة من ٢٠١٥ إلى ٢٠٣٠، والذي يهدف لمنع نشوء مخاطر الكوارث، بالإضافة للحد من مخاطر الكوارث القائمة، من خلال تنفيذ تدابير اجتماعية مختلفة. فمن ناحية يجب تحسين الأوضاع المعيشية ومحاربة الفقر، وتوفير ظروف آمنة من شأنها مجابهة مخاطر الكوارث، وخلق البيئة المرنة لاستيعاب تلك المخاطر، كإعادة النظر في البنى التحتية، كما يجب أن تتوفر القدرات البشرية والتدريبات اللازمة والتكنولوجيا الحديثة لتوفير المساعدة في حالات الطوارئ، وإرساء مبدأ الشفافية وضمان حرية التعبير والتغطية الإعلامية لمساعدة الطبقات المعدومة والمهمشة. ولكن الوسيلة الحقيقية للحد من الكوارث، تبقى هي منع تسارع وتيرة حدوثها، ولن يكتمل هذا قبل علاج مسببات التغير المناخي، بوضع المناهج الوقائية الملزِمة للحد من انبعاثات الغازات الدفيئة وبالحد من اقتلاع الغابات والأشجار، والاستثمار في تكنولوجيا الطاقة غير المنتجة للانبعاثات الكربونية. الرسمة بعد تحطم جسر تاي بإسكتلندا عقب عاصفة اندلعت في ٢٨ ديسمبر ١٨٧٩
أحزابنا من الداخل المصري الديمقراطي الاجتماعي نموذجًا عبد العظيم حماد ٢٩ أكتوبر ٢٠١٧ رغم الاقتناع الكامل بمسؤولية السلطة الحالية، مثل سابقاتها، عن ضعف الأحزاب السياسية أو إضعافها، فإن ذلك لا ينفي مسؤولية الأحزاب نفسها، وغالبية قياداتها وأعضائها، عن بعض هذا الضعف أو الإضعاف. وبما أن تغير موقف السلطة من الأحزاب، ومن الحياة السياسية عمومًا، ليس في متناول هذه الأحزاب، على الأقل في الظرف الحالي، فإن الدور الأولَى بالرعاية الآن من قِبل الأحزاب مجتمعة، ومن كل حزب على حدة، هو معالجة أسباب القصور الذاتية، ولو من باب أضعف الإيمان. في السطور التالية نستعرض تجربة حزب كان واعدًا، وكان مؤثرًا، بل وكانت الحياة السياسية المصرية، ولا تزال، في حاجة إليه، وهو الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي، الذي تأسس في زخم ما بعد ثورة يناير ٢٠١١ مباشرة، إذ عُقد مؤتمرُه التأسيسي (الفعلي لا الرسمي) في مارس ٢٠١١ بنقابة الصحفيين، وشهد إقبالًا واسًعا من النخب المهنية، والكوادر ذات الخبرات السياسية القديمة والحديثة، ومن عدد كبير من رجال الأعمال المؤمنين بالديمقراطية الاجتماعية، وكذلك من المثقفين ورجال الأعمال الأقباط الرافضين، بحق ووطنية، للانكماش الطائفي، أو الاحتماء بالسلطة، أو بكبار أثرياء الأقباط المتفاهمين مع السلطة، كل هذا إلى جانب الاقبال الواسع من شباب ثورة يناير في القاهرة وسائر المحافظات. بهذا الزخم تمكَّن الحزب، في الأشهر الأولى من تأسيسه، من استقطاب أكثر من ٧٠ ألف عضو، ثم تمكَّن من إنشاء هيكله التنظيمي بسرعة قياسية، ولكن بانتخابات ديمقراطية من القاعدة للقمة، وهو الأهم. كذلك تمكن «المصري الديمقراطي الاجتماعي» من تأسيس فروع له في أغلب المحافظات، وحل في المرتبة الثالثة بين الأحزاب المدنية في الانتخابات البرلمانية لعام ٢٠١١ ٢٠١٢، بعد «الوفد» و«المصريين الأحرار»، وبفارق ضئيل عن الحزبين الآخيرين، مع أنه كان الأحدث تأسيسًا والأقل تمويلًا. هنا لا يصح الاحتجاج بأن حزب «المصريين الأحرار» قد تأسس أيضًا في تلك الفترة نفسها، لأن التيار الذي يمثله هذا الحزب كان له وجود تنظيمي قبل ثورة يناير، وإن لم يكن رسميًا، كما كان لديه تمويل سخي سابق التجهيز والتراكم. لهذه الميزات، مضافًا إليها الأسلوب الديمقراطي في قيادة العمل الحزبي، كان أداء الحزب لافتًا للأنظار بشدة في الفترة القصيرة التي عاشها ذلك البرلمان، ما أهّله ليكون رقمًا مهمًا في معادلة الحياة السياسية المصرية، حيث لعب دورًا أساسيًا في «جبهة الإنقاذ» ضد ديكتاتورية حكم الإخوان، وفي الحشد الجماهيري ليوم ٣٠ يونيو، ثم شارك بقوة في حكومة ما بعد ٣٠ يونيو، إذ كان رئيس تلك الحكومة، الدكتور حازم الببلاوي، وكذلك نائبه، الدكتور زياد بهاء الدين، من قيادات الحزب البارزة. كما كان رئيسه الدكتور محمد أبو الغار، ومعه الدكتورة هدى الصدة، إحدى القيادات الحزبية الكبيرة آنذاك، من أعضاء «لجنة الخمسين» التي وضعت مشروع الدستور الحالي، وكان الاثنان ممن عارضوا بقوة النص الذي يبيح المحاكمات العسكرية للمدنيين. كما حقّق الحزب وجودًا ملموسًا في النقابات المهنية، خاصة نقابتي المهندسين والأطباء، ولا يزال نجاح الحزب في هاتين النقابتين مطّردًا. ما الذي جرى إذن ليتسبب في سلسلة النكسات التي ألمت تباعًا بـ «المصري الديمقراطي الاجتماعي»، ليستقيل كثير من قياداته الكبيرة والمتوسطة، وكثير من أعضائه العاديين، ولينسحب كثير من مموليه؟ الإجابة البديهية هي أن الانقلاب السلطوي على تحالفات وتفاهمات ووثائق ٣٠ يونيو ٢٠١٣، هو ما أوقع المصري الديمقراطي الاجتماعي في هذا المأزق، مثله مثل كل الأحزاب «الجادة»، وكل منظمات المجتمع المدني «الجادة أيضًا». ورغم بديهية هذه الاجابة، أي صحتها، فهي ليست موضوعنا اليوم، إذ أننا التزمنا في بداية المقال بالتركيز على الأسباب الداخلية، أو الذاتية، بحثًا عن سبل لمعالجتها. يرى فريق مهم من المؤسسين أن أولى النكسات تولّدت عن أول انتخابات أجريت لتشكيل الهيئات القيادية، إذ أن الكتلة التي كانت متمرسة بالعمل السياسي من قبل تأسيس الحزب ترابطت ووجّهت أصواتها لمرشحيها، الذين فازوا بأغلب المقاعد في كل تلك الهيئات، في حين لم تنتبه لهذا الأغلبية غير المتمرسة، ولم تتكتّل وراء مرشحين بعينهم، فتفرقت أصواتها، ليذهب بعضها الى مرشحي «الكتلة المتمرسة»، أي الكتلة اليسارية في الحزب. وطبقًا لذلك الرأي فإن ما حدث، وإن كان طبيعيًا في أية انتخابات ديمقراطية، إلا أن نتائجه العملية كانت سلبية، لأنها أخافت بعض رجال الأعمال الأقل يسارية، وجدّدت هواجس القيادات القبطية، ورجال الأعمال الأقباط، من التهميش في الحزب الذي رأوه أملًا في المشاركة السياسية المتجاوزة للطائفية والتكتلات القديمة. ومع أن رئيس الحزب في ذلك الوقت، الرجل الفاضل الدكتور محمد أبو الغار، قد حاول تدارك المشكلة، باستخدام حقه المقرر في اللائحة الداخلية في تعيين بعض أولئك ممن لم يُوفَّقوا في الانتخابات في مختلف هيئات الحزب، إلا أن الجرح كان قد أصاب الجسد، وأين؟ في الوجه. حيث وقع هنا الانسحاب الأول المؤثر من عضوية الحزب. كانت تلك فتنة صغرى، قياسًا إلى ما جاء بعدها من فتنة كبرى داخل الحزب، حول تزكية ترشيح وانتخاب وزير الدفاع المشير عبد الفتاح السيسي رئيسًا للجمهورية، فقد انقسم الحزب هنا من القاعدة إلى القمة لكتلتين الأولى، وهي الأغلبية بقيادة الأسماء البارزة، متفائلة بالسيسي، أو تفضل مسايرة الزخم الشعبي الهائل المؤيد للرجل، وبينهم الطامحون للترشح للبرلمان تحت لافتة «المنقذ الجديد»، وبالقطع كان بينهم أيضًا الحذرون، ولكن غير المستعدين للتصادم مع ذلك الزخم الشعبي. أما الكتلة الثانية، وأغلبها من الشباب المؤيدين للاتجاه اليساري الذي سبقت الإشارة إليه عند حديثنا عن الانتخابات الحزبية، فكانت متوجسة من تأييد السيسي «على بياض»، خوفًا من اختراق الثورة المضادة لنظامه، ومن احتمال عودة السلطوية الإقصائية. كان الحل الوسط الذهبي الذي اختاره المؤتمر العام للحزب هو ترك الحرية لأعضائه في التصويت في الانتخابات الرئاسية، كلٍ وفق ما يستريح إليه ضميره. ولكن هذا الحل الذي أُقرَّ ديمقراطيًا لم يرض لا هؤلاء ولا أولئك، فانسحب عدد كبير من الداعين لمبايعة السيسي، من الصفوف الوسطى، كما انسحب عدد كبير من المتوجسين، ونعى هؤلاء وأولئك على الحزب عدم قدرته على اتخاذ موقف حاسم في لحظة فارقة، وتناسى الفريقان أن هذا ظرف استثنائي، بل وبالغ الاستثنائية، أما الأعضاء المحتجون الأهدأ أعصابًا، فقد فضلوا تجميد أنشطتهم عن الخروج النهائي. ولكن الانقسامات استمرت تضرب هنا وهناك، خاصة بعد أن جاءت الأيام بأسوأ مخاوف المتوجسين من عودة السلطوية وفردية القرار ومحاصرة الأحزاب وتصنيع الانتخابات البرلمانية على النحو الذي جرت به، لتفرز البرلمان الحالي. كان رئيس الحزب، الدكتور محمد أبو الغار، وهو يقترب من أواخر السبعينيات من عمره (المديد بإذن الله) قد أُرهق من هذه الانقسامات، ورأى اعتزال الحياة السياسية، وأعلن ذلك مبكرًا، مرجئًا إياه لما بعد انعقاد المؤتمر العام «العادي» للحزب لانتخاب قيادة جديدة، وهذا ما حدث. لكن هذه الانتخابات تسببت في مشكلة أكبر، إذا كان التنافس يدور حول اتجاهين؛ الأول المهزوم كان يرى تحويل الحزب إلى حزب نخبوي، في انتظار تغير الظروف العامة ليعود حزبًا جماهيريًا، أما الاتجاه الذي كسب الانتخابات فكان يرى الإبقاء على الطابع الجماهيري للحزب، والاستمرار في مقاومة قيود السلطوية على الأحزاب والحياة السياسية عمومًا. تطابق كذلك هذا الانقسام بين «النخبوية» و«الجماهيرية» مع الانقسام السابق ذكره حول الموقف من تزكية وترشيح السيسي رئيسًا للجمهورية، فحدث نوع من التصويت العقابي ضد ممثلي الفكرة النخبوية. وعلى أي حال، فقد غادر معظم رموز الاتجاه المهزوم، وأنصارهم، صفوف الحزب فور إعلان النتيجة، ولأن فارق الأصوات بين الفائزين والخاسرين كان مجرد بضع عشرات من الأعضاء، فإن الكتلة المغادرة كانت هائلة بكل المقاييس، خاصة وأن منهم بعض كبار المتبرعين، فلم يعد هناك مفر من تصدُّع بنيان الحزب. ثم جاءت بعدها أزمة «تيران وصنافير»، وكان تأثيرها المباشر على الحزب المصري الديمقراطي أنها وضعته في دائرة المستهدفين من أجهزة الأمن، في القاهرة والمحافظات، لأن عددًا كبيرًا من شبابه كانوا ضمن المتظاهرين المحتجين على تسليم الجزيرتين للسعودية، ولأن الموقف الرسمي للحزب كان التمسك بمصريتهما. كان لابد لهذا الاستهداف بالطبع أن يؤدي لمشاكل للحزب، كان أهونها، ورغم سوء الوضع المالي للحزب، هو توفير أموال الكفالات القضائية لشبابه المعتقلين، فضلًا عن تفاوت التأييد لأساليب المواجهة، ومنها الحفاظ على قدر من الاتصال بالسلطات الرسمية، أو تصعيد الضغط الجماهيري، والتنسيق مع هذه القوة السياسية أو تلك، وكانت لكل ذلك تبعات إنسانية وسياسية على الجميع، وبالتالي على الحزب. ثم جاءت الأزمة الأخيرة، ومحورها الموقف من الاستعدادات للانتخابات الرئاسية القادمة، إذ اعترض البعض على مشاركة رئيس الحزب فريد زهران في الاتصالات الاستطلاعية، التي قيل إنها تستهدف تكوين جبهة معارضة لتأييد مرشح منافس للرئيس السيسي. ورغم أن رئيس الحزب صرّح للصحف ووسائل الاعلام، وفي اجتماعات حزبية، بأنه ملتزم بقرارات حزبية سابقة تحدد القوى الشرعية الأخرى التي يمكن التشاور أو التنسيق معها، وبأن ما طالب به، ويصر عليه، هو انحصار مهمة الجبهة المقترحة في التركيز على الضمانات المطلوبة لانتخابات حرة ومنافسة مفتوحة، وليس الاتفاق على اسم مرشح، رغم كل هذا فإن أعضاء مهمين رأوا أنه كان ينبغي الحصول على موافقة مسبقة حول مبدأ الانضمام إلى هذه المشاورات من عدمه، وأنه كان على رئيس الحزب إطْلاع المكتب السياسي والمكتب التنفيذي والأمانة العامة أولًا بأول على مجريات النقاش، ولذلك أعلن هؤلاء الأعضاء استقالاتهم. وهناك مجموعة أخرى من الأعضاء كانت تضغط على قيادات الحزب لاتخاذ قرار بالإنضمام إلى مؤيدي الأستاذ خالد علي، الذي أعلن فعلًا نية الترشح في انتخابات الرئاسة القادمة، ولما لم يجد هؤلاء الأعضاء استجابة قرروا الاستقالة. ما سبق كله كان تفاعلات داخلية لم تفرضها السلطة على الحزب، الذي لا يزال منيعًا حتى هذه اللحظة على الانقلابات الداخلية المرتبة من قبل أجهزة الأمن، وهو ما نرجو له الاستمرار. وبالتالي لا يمكن اعتبار هذه التفاعلات من مظاهر وأعمال الاضطهاد والحصار الحكوميين للأحزاب، وإنما هي من الأسباب الذاتية للضعف، حتى وإن عادت جذور بعضها إلى الممارسات السلطوية، كأزمة تيران وصنافير، أو كحالة الفتنة الكبرى حول ترشح السيسي وانتخاباته. فالحال هنا هو مجرد انعكاس غير مباشر لوطأة السلطة، وليس فعلًا مباشًرا كالاعتقالات أو تزوير الانتخابات أو عرقلة مصالح الأعضاء التي بلغت حد إغلاق مكتبة يملكها رئيس الحزب نفسه، بصفته صاحب دار نشر. وما دام هذا النوع من المشاكل مصدره داخلي، فيجب أن تكون حلوله داخلية أيضًا. سيكون الاقتراح الأول بالطبع، وهو الاقتراح المتكرر في مثل هذه الحالات، هو تنشيط قنوات الحوار، وتفعيل آليات الاتصال الداخلي. لكن الاتصال الفعال والحوار الديمقراطي لن يؤديا إلى شيء في غيبة الاستعداد المسبق والالتزام الجدي والتمييز بين ما هو مبدئي وما هو فرعي، وبين ماهو استراتيجي وما هو تكتيكي، والتمييز أيضًا بين الحزب «الثوري» الذي لا يعبأ بالقواعد الدستورية والقانونية، والحزب «المعارض»، الذي يجعل من مهامه الرئيسية إلزام السلطة المتجاوزة بتلك القواعد، فلا يتسق مع مبادئه ولا مع منهجه الخروج عليها، وهي حالة الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي. كذلك يجب الالتزام إلى أقصى الحدود بالعقيدة التي بمفادها يكون البقاء داخل التنظيم والإبقاء عليه، وسط التنكر الحكومي للعمل الحزبي والسياسي البالغ حد الاضطهاد، قيمة في حد ذاتهما، ونضالًا سلميًا من أجل الديمقراطية. وليس شرطًا أن يعني هذا البقاء الاستمرار في منصب قيادي، إذا كان الدور المنوط بهذا المنصب في هذا الظرف لا يلبي طموحات شاغله، أو لا يستوعب طاقته، أو لا يتفق مع تحليله الشخصي للموقف، ما دام الخلاف لا يدور حول المبادئ الكبرى للحزب. إن الانسحاب من العضوية هو أسهل الحلول، ولكنه في الوقت نفسه أكثر هذه الحلول تدميرًا للأحزاب، ومن ثم للحياة السياسية، وكان هذا بالضبط، ولا يزال، من أكثر أسباب إجهاض التجربة الحزبية المعارضة في مصر شيوعًا وتكرارًا، وكان هذا بالضبط، أيضًا، أحد أهم أهداف الاستراتيجية السلطوية من محاصرة الأحزاب. إن الاستقالات من الأحزاب، أو الانشقاقات الحزبية، كانت آفة منتشرة في بدايات كل تجربة تعددية في معظم بلدان العالم، خاصة بين الأحزاب اليسارية، ولكن مع مرور السنوات وتوالي الأحداث والتعلم من الأخطاء، تراكمت الخبرات وترسخت التقاليد، فابتُكرت صيغٌ خلاقةٌ لإدارة الخلافات داخل كل حزب، ومنها الصيغة التي تقبل بتعايش أجنحة مختلفة حول سياسات بعينها داخل الحزب الواحد، وتعاونها مع بعض. كما أن من هذه الصيغ بالطبع تجريد الخلافات من الاعتبارات الشخصية قدر الإمكان، ومنها أيضًا ما سبقت الإشارة اليه من التمييز بين الأصلي وبين الفرعي، وبين الاستراتيجي وبين التكتيكي. ليكن واضحًا، في ختام هذه السطور، أن الهدف هنا ليس لوم أحد، ولا الدفاع عن أحد، فإذا كان هناك لوم فهو موجه لنقص خبراتنا السياسية جميعًا، وإذا كان هناك دفاع فهو عن الحزب نفسه، وعن كل الأحزاب، على أمل أن تكون هذه دعوة لجميع الأعضاء في جميع الأحزاب بعدم استسهال الاستقالة أو الانشقاق، وللقيادات والأعضاء المستقيلين من جميع الأحزاب بالعودة إلى الصفوف، لأن الانخراط بقوة في الأحزاب هو خندق الدفاع الأخير، وخط الهجوم الأول ضد أعداء الديمقراطية في مصر، وما أكثرهم، وما أقواهم!
رئاسة أركان القوات المسلحة.. حجازي خلفًا لحجازي مدى مصر ٢٨ أكتوبر ٢٠١٧ قرر الرئيس عبد الفتاح السيسي اليوم، السبت، ترقية اللواء أركان حرب محمد فريد حجازي إلى رتبة الفريق وتعيينه رئيسًا ﻷركان القوات المسلحة. في حين عيّن رئيس الأركان السابق، الفريق محمود حجازي، مستشارًا لرئيس الجمهورية للتخطيط الاستراتيجي وإدارة الأزمات، بحسب بيان نشره المتحدث العسكري للقوات المسلحة. تزامنت التغييرات في رئاسة الأركان مع حركة تنقلات في صفوف قيادات وزارة الداخلية. وفي حين شملت الحركة ١١ من لواءات الشرطة يتصل عدد منهم بحادث «طريق الواحات»، الذي جرى يوم الجمعة قبل الماضي، إلا أن الصلات لا تكشف عن خلفيات القرار المفاجئ بتغيير حجازي بأمين عام الدفاع. وكان الرئيس عبد الفتاح السيسي قد أجرى لقاءً اليوم، السبت، مع كل من فريد حجازي، قبل تعيينه رئيسًا للأركان، ووزيري الداخلية والدفاع، وخالد فوزي مدير المخابرات العامة، بحسب المتحدث الرسمي لرئاسة الجمهورية. وبخلاف المناصب التي تولاها الثنائي حجازي، كان الاثنان من أعضاء المجلس اﻷعلى للقوات المسلحة الذي تولى حكم البلاد عقب تنحي محمد حسني مبارك عن الرئاسة في فبراير ٢٠١١. كما كان رئيس الأركان الحالي والسابق شاهدين في قضية «التخابر مع قطر»، والتي قضت محكمة النقض بالسجن المؤبد للرئيس الأسبق محمد مرسي بالسجن في سبتمبر الماضي. الحالي.. محمد فريد حجازي شغل فريد حجازي منصب أمين عام وزارة الدفاع وأمين سر المجلس الأعلى للقوات المسلحة، وذلك قبل أن يُرقى لرئاسة اﻷركان. وتولى فريد حجازي قيادة الجيش الثاني، وذلك قبل عزله من قِبل الرئيس الأسبق محمد مرسي في عام ٢٠١٢ وتعيينه أمينًا عامًا بوزارة الدفاع. وفي فبراير ٢٠١٤، أصدر الرئيس السابق عدلي منصور قرارًا جمهوريًا رقم ٢٠ لسنة ٢٠١٤ أعاد بموجبه تشكيل المجلس اﻷعلى للقوات المسلحة. وشمل القرار تعيين فريد حجازي أمينًا للسر بصفته أمين عام وزارة الدفاع. ولعب فريد حجازي دورًا مهمًا بعد ثورة يناير، حينما كان عضوًا بالمجلس الأعلى للقوات المسلحة وقائدًا للجيش الثاني الميداني ومسؤولًا عن أحد أكثر المناطق المصرية اشتعالًا. وحين أدلى بشهادته في قضية « هروب المساجين» وقت الثورة، والتي يحاكم فيها الرئيس اﻷسبق محمد مرسي، قال فريد حجازي إن «الجيش الثاني الميداني ألقى القبض وقتها على عدد من العناصر الأجنبية من بينهم فلسطينين»، بحسب شهادته. تمت محاكمة الأجانب أمام القضاء العسكري، ولم يصدر حكمًا ضد أي منهم في القضية. كما كان شاهدًا في قضية «التخابر مع قطر»، وأكد على أن الوثائق المضبوطة في القضية على «درجة عالية من السرية وتؤثر على الأمن القومى لكونها تحتوى على حجم القوات المسلحة المصرية وتقديراتها عن الجانب الإسرائيلى». كما أوضح، في شهادته، أن المعلومات التى حوَتها الوثائق المضبوطة «لا يعلمها العديد من كبار قادة القوات المسلحة، وأن أجهزة مخابرات دول معادية تبذل جهدًا لسنوات للوصول إلى بعض من هذه المعلومات». فيما أبدى فريد حجازي اهتمامًا خاصًا بكرة القدم، وتولى رئاسة نادي «طلائع الجيش». كما قدم تبرعًا ماليًا بقيمة نصف مليون جنيه للنادي «اﻹسماعيلي» عام ٢٠١٢، بحسب مقال نشره أحد المواقع المحلية وقتها. السابق.. محمود حجازي تولى محمود حجازي رئاسة اﻷركان في مارس ٢٠١٤ خلفًا للفريق أول صدقي صبحي والذي تولى وزارة الدفاع بعد استقالة السيسي من منصبه استعدادًا لترّشح الأخير للرئاسة. وترأس حجازي اللجنة المصرية المعنية بملف ليبيا والتي تشكلت قبل عام، وأجرى عددًا من المحاولات ﻹحراز تقدم في ملف المصالحة الداخلية الليبية كان أبرزها محاولة «نصف ناجحة»، في فبراير الماضي، ﻹجراء مقابلة بين خليفة حفتر، قائد «قوات الجيش الليبي»، وفائز السراج، رئيس حكومة الوفاق الوطني المعترف بها دوليًا. ولد رئيس الأركان السابق، في مايو ١٩٥٣ طبقًا لصفحته على موقع وزارة الدفاع، وتخرج في الكلية الحربية عام ١٩٧٤. وتربط حجازي بالسيسي علاقة مصاهرة. كما خلف محمود حجازي السيسي كمدير للمخابرات الحربية، وذلك بعدما تولى الأخير منصب وزير الدفاع وقت حكم الرئيس اﻷسبق محمد مرسي في عام ٢٠١٢. حصل حجازي على درجة الماجستير في العلوم العسكرية من كلية القادة والأركان. وتولى عددًا من المناصب القيادية من بينها ملحق الدفاع في سفارة مصر ببريطانيا، وكان قائدًا للمنطقة الغربية العسكرية، ورئيس هيئة التنظيم والإدارة للقوات المسلحة، قبل أن يتولى منصب مدير المخابرات الحربية. كان محمود حجازي شاهدًا في قضية «التخابر مع قطر»، فيما يخص فترة توليه لإدارة المخابرات الحربية والاستطلاع من شهر ديسمبر ٢٠١٢ حتى منتصف شهر مارس ٢٠١٥. وتحدث حجازي أمام «جنايات القاهرة» حول طبيعة الوثائق المضبوطة في القضية، معتبرًا إياها «تمثل خطورة على الأمن القومي المصري». وأشار إلى أن تواجد هذه الوثائق السرية خارج أماكن حفظها، خارج رئاسة الجمهورية، يعني «وجود خلل جسيم» بحسب شهادته. وجاء قرار اليوم بتعيين رئيس أركان جديد خلفًا لمحمود حجازي بعد يومين من عودته من العاصمة اﻷمريكية واشنطن، حيث كان مشاركًا في مؤتمر رؤساء أركان الدول المشاركة في «الحرب على الإرهاب».
من «لوسي» إلى «حاتم رشيد» كيف تؤثر السينما المصرية على الخطاب الاجتماعي تجاه المثليين والمثليات؟ أدهم يوسف ترجمة محمد الحاج ٢٨ أكتوبر ٢٠١٧ قبل حوالي شهر، أصدر رئيس المجلس «الأعلى لتنظيم الإعلام» مكرم محمد أحمد؛ قرارًا بحظر ظهور المثليين والشعارات المثلية إعلاميًا، مُسوِّغًا قراره بأن «المثلية عار يجب أن يوارى لا أن يُحتفى به». يأتي هذا الحظر وسط اعتقالات وأحكام بالسجن، وكشوفات شرجية، واتهامات بعدم الاتزان النفسي، وحالة وصم عامة وتحريض على الأشخاص بناءً على ميولهم الجنسية المتخيّلة؛ في هجوم ضخم جاء ردًا على رفع أعلام «قوس قزح» في حفلة موسيقية في ٢٢ سبتمبر الماضي بالقاهرة. لكن على الجانب الآخر كانت السينما المصرية لتبدو مختلفة بالكلية؛ دون تمثيلات الرغبة المثلية. فقد تواترت الإشارات إلى المثلية الجنسية بانتظام في الأفلام المصرية منذ نهايات الخمسينيات. وتسبّب العديد من هذه التمثيلات في جدالات محتدمة، وإن لم يكن جميعها على ذات القدر من إثارة الجدل، وتم اعتبار بعضها كلاسيكيات كوميدية. ماهو الشكل الذي خرجت عليه هذه التمثيلات؟ وإلى أي مدى أثّرت على تفاعل المجتمع مع الأشخاص ذوي الميول المثلية، وجدل الإعلام كذلك؟ هل حدث تغيّر عبر الزمن لكيفية تصوير هذه الشخصيات؟ وهل تؤثر تمثيلات المثليين في الأفلام علي نظرتنا، نحن الغيريين والمثليين المصريين، للمثليين؟ في محاولة للإجابة على هذه الأسئلة وجدت بالإمكان، تقسيم تمثيلات الشخصيات المثلية في الأفلام المصرية إلى خمس فئات. (تنقّل بين الخمس صور لقراءة التقرير كاملًا)
يوميات السجن – الحياة العادية للمسجون العادي (حلقة ٢) حفلة الاستقبال محمد فهمي ٢٧ أكتوبر ٢٠١٧ في الطريق لسجن طرة، حيث جرى ترحيلي، كنا جميعًا مكدسين في تلك السيارة الملعونة المسماة بـ«عربة الترحيلات»، التي لا تختلف كثيرًا، في نظر أغلب من بداخلها، عن القبر، حيث الحرارة مرتفعة وأكوام من لحوم البشر مكدَّسة فوق بعضها البعض. كانت ملامح الخوف ترتسم على وجوه كل من حولي، وكأنهم يعرفون ما نحن مقبلون عليه، حتى وصلنا إلى ذلك المكان، المعروف بقسوة ضباطه ومخبريه، بأسواره المرتفعة وأسلاكه الشائكة. أما آلامي أنا فكانت من نوع آخر، حيث كنت أشعر بالوحدة والخوف كلما انتقلت من مكان لآخر. وما أن وصلت العربة إلى ذلك المكان الملعون حتى استقبلنا أحد المخبرين، موجّهًا إيانا لبوابة صغيرة عن طريق الصراخ بشكل سريع في وجوهنا، وتُمّم علينا هناك بناء على أوراقنا التي بحوزتنا. وما أن اقتربنا من ذلك الباب الضيق الذي كنا نجهل ما يدور وراءه، حتى سمعنا صرخات مدوية ممن سبقنا من المساجين ممن كانوا يمرون خلف الباب، أوشك جسدي وقدماي لهولها على التوقف عن العمل. عندما اقتربنا أكثر من البوابة وجدنا مجموعة مقنَّعة من الجنود يُطلق عليها اسم «القوة الضاربة»، ممسكين بكابلات كهربائية مجدولة لضرب كل من يدخل، بعد أن يطلبوا منه خلع ملابسه والركض بسرعة. كانوا يقفون على صفين بالداخل؛ بعضهم يضرب بتلك الكابلات وبعضهم بهراوات الشرطة وبعضهم كان يحمل نخلًا صغيرًا وشائكًا، وبعضهم بالأحزمة الجلدية، وهم من الشرطة السرية أو المخبرين، بالإضافة لبعض الشاويشية والسجانين ممن كانوا يضربون بالأيدي والأقدام. كل هذا من خلف الباب، أما خارج الباب فكان الضرب ممنوعًا بسبب تواجد الأهالي القادمين للزيارة. خرجنا من تحت أيديهم ليجري توقيفنا بعد خلع ملابسنا. وبدأوا ينظرون إلينا ويسألون كلًا منا إن كان حُبس من قبل، ويتمعّنون في أجسادنا ليروا إن كان فيها وشمٌ أو دقٌ، حيث يعني هذا أن الموشوم «سوابق». وبدأوا في استجوابنا عن قضايانا، وجميع من معي يتألمون وتسيل دماؤهم. ثم أتى الضباط ووجهوا إلينا نفس الأسئلة والنظرات لأجسادنا، لتبدأ معركة أخرى من التعذيب والاحتفال بقدومنا. جلبوا «الفلكة»، وهي عبارة عن عصي غليظة تُربط بالأقدام وتُلفُّ جيدًا، ويمسكها مخبران اثنان كانا معروفين في المكان ببراعتهما في التعذيب ومسؤوليتهما عنه، حتى أُطلق عليهما اسم «رجال التعذيب». ويقوم رئيس المباحث أو الضابط في احتفالية الدخول، ويضرب كل مسجون حتى يصرخ أنه «مرة» وليس رجلًا، كي يتوقف عنه ضربه. كنا نُضرب على باطن أقدامنا وأطرافها عن طريق كابل الكهرباء المجدول، ويُطلب منا الجري حاملين معنا بطانيتين واللبس الميري، أو «الكَحُول» كما يُسمّى في السجن، ثم نتوجه إلى العنبر حيث يقابلنا مجددًا مسؤولا التعذيب، وفي يد كل منهما ماسورة خضراء من البروبلن، وتُستخدم في أعمال السباكة، وهي مقفولة من الطرفين ومحشوة بالرمال حتى تصبح أثقل وأكثر تأثيرًا أثناء الضرب بها، ونحن لا نزال ننزف دمًا من الاحتفالية السابقة، كانت الكابلات تترك علامات على ظهورنا وتقطّع اللحم تقطيعًا. من هؤلاء؟ هل هم بشر أم كلاب متوحشة تهاجم بشراسة كل من أمامها؟ أين الموت في هذه اللحظات، ولماذا لم يدركني؟ دخلنا على هؤلاء المجرمين ليخلعوا لنا ملابسنا ويكشفوا على مؤخرات الجميع طالبين منا شرب خمس زجاجات، كل زجاجة تحوي لترًا من المياه المخلوطة بمسحوق الغسيل والصابون المبشور والبيريل، وتُسمّى «تركيبة»، وتساعد على استرجاع كل ما في المعدة. وأثناء الشرب يسدّدون الضربات بتلك الماسورة على الظهر، ومن لا يقبل شرب التركيبة يُكتّف ويُكلبش خلفيًا، أي تُمد اليدان على الظهر ويوضع كلبش من الحديد في معصم اليد من ناحية وفي القدم، بعد رفعها، من ناحية أخرى، بينما المسجون نائم على ظهره، ويترك لساعات في هذا الوضع، مُلقى على الأرض بلا ملابس، ويُسكب الماء تحته وعلى جسده ويُضرب بالأيدي على الوجه والظهر. بعد انتهاء احتفالية الضرب والسب والإهانة من جانب هؤلاء الملاعين، نُوجَّه إلى الغرف، أو «الإيراد»، وهو أول مكان يدخله السجناء قبل أن يُوزَّعوا على الغرف بحسب تهمتهم. أتحرك ببطء من الألم، وتسيل الدماء من كل أنحاء جسمي. لا أقوى على الحركة، وكل ما أرغب فيه بعد هذا اليوم العاصف أن أغمض عيني فقط وأن أضمد جراحي. دخلنا إلى طرقة صغيرة مظلمة، متجهين لغرفة مكدسة بالبشر. قطرات من الماء على الباب الحديدي، هواء ساخن يخرج من النضارة ورائحة عرق تهب علينا من الداخل، أكوام من البشر ملقاة على الأرض في تلك الغرف التي يسميها السجناء «مقابر الأحياء». الإيراد الأيام الأولى في طرة وصلت لسجن طرة بعد ثلاثة أشهر من الحبس، قضيت منها شهرين في حبس انفرادي في قسم فاقوس وشهرًا في قسم عابدين. كانت الكهرباء تُقطع عنا كل ليلة بعد أذان المغرب، وكان في الغرفة المجاورة لي أحد شباب الإخوان، وكنت نتبادل الكلام سويًا من خلال النضارة، وهي فتحة صغيرة في الباب الحديدي للغرفة. صحيح أن الفترة كانت عصيبة ولكني حاولت فيها التغلب على وحدتي عن طريق التركيز على استرجاع الذكريات التي مررت بها، حتى أخرج بها خارج هذه الجدران، وحتى لا يسيطر عليّ إحساس الوحدة ولا أقع فريسة له. كنت أحاول الخروج من الغرف المغلقة والأبواب الموصدة. كلما ابتعدت عن بلدتي كلما زاد عندي الشعور بالوحدة والغربة. ماذا فعلت كي يحدث لي كل هذا؟ لا أعرف. أنظر إلى هذا المكان المرعب في سجن طرة فأجده مختلفًا تمامًا عن كل ما مررت به؛ الوضع أسوأ كثيرًا مما ظننت أو سمعت. لا وصف يعبّر عن هذا المكان سوى أنه فعلًا «مقبرة الأحياء». دخلنا «الإيراد»، وهي كلمة تُطلق على الأيام الأولى في السجن. كل من كانوا بالداخل كانوا ينظرون إلينا ويعرفون ما قد تعرضنا له من تعذيب وإهانة، فحالنا لم يكن مختلفًا عن حالهم كثيرًا. لم أسمع سوى أنين وآهات من سبقونا من سكان الإيراد الممتلئ، سواء كانوا إخوانًا أو جنائيين، الجميع هنا كانوا يتألمون. وضعت من على كتفي أغراضي التي أحملها وتقاسمت معها الشقاء. وبحثت عن مكان أرتمي فيه، لا لأنام وإنما لأغيب عن الوعي وأنسى الألم. رآني أحد الأشخاص في حالة يُرثى لها فقام وحمل عني أغراضي ووضعها بجواره مفسحًا لي مكانًا بجواره. خلعت ملابسي كي أغسلها من الدماء، التي لا تزال تنزف من جروح ظهري، ولا أقوى على مجرد لمسها؛ ألم شديد ونار تخرج من صدري. قص الشخص ملابسي وبدأ في سكب الماء الدافئ على ظهري وأنا ممدد على الأرض، وبدأ في تضميد جراحي. سألني عن جريمتي وماذا فعلت، ولكني لم أقدر على الكلام من فرط الألم، وإذ به يوصيني بعدم الكلام مع أي أحد في أمر يخصني. كان من الشرقية أيضًا، وكأنه كان يوصيني لأنه يعرف أننا لن نلتقي ثانية، فبعد يومين سُكّن في عنبر آخر. عرفت فيما بعد أن هناك في الإيراد مرشدين أو ناقلي كلام، أو بلغة السجن «عصافير» ينقلون كل حركة وهمسة تدور هنا إلى المخبرين وضباط المباحث. بدأت أتعافى وأتحرك قليلًا، ولكني التزمت بالنصيحة وبالصمت طول فترة الإيراد. وبدأت أتساءل كيف سأعيش في هذا المكان الملعون. عندما أشرفت مدة مكوثنا في الإيراد على الانتهاء، بدأوا في عرضنا على المستشفى. حيث لا يُسمح لنا بالزيارة إلا لدى خروجنا من الإيراد، أما أثناء بقائنا هناك فلا يُسمح للأهل برؤية ذويهم سوى بإذن من النيابة. بدأت أحاول معرفة كيف يعيش المساجين هنا، حتى أستطيع أنا أيضًا البقاء، دون أن يتملكني الإحساس بالإحباط وحتى أظل واقفًا على قدميّ؛ هنا رأيت من أنهكه المرض، كما رأيت من تغلّب عليه اليأس فحاول التخلص من حياته للأبد. وتذكرت كلمات كنت أسمعها وظلت تترّدد في أذني أثناء حفلة التعذيب. كان هناك من يصرخ متوسلًا «ارحموني، هاموت»، وكانوا يردون عليه، في ثقة شديدة بعدم إمكانية تعرضهم للمحاسبة، قائلين «لو مت مش مشكلة. كل اللي هنعمله إننا هنلفّك في بطانية ميري ونرميك لأهلك بعد ما يدفعوا لنا عشرين جنيه تمنها». بعد مرور خمسة أيام في الإيراد وصل زوار جدد، ولكنهم تعرضوا لتعذيب أشد مما تعرضت له؛ كانت أجسادهم ممزقة، ولونها أزرق داكن، ولم يكن بمقدورهم النوم ولا الحركة من شدة مصابهم. ولفتوا انتباهنا جميعًا من هول ما رأيناه عليهم. علّقنا «شدّادات» في السقف من «داير البطاطين»، وفككنا خمس ملاءات وربطناها في الشدادات ووضعنا كلًا منهم على سرير طائر، عن طريق الملاءات المربوطة في دواير البطاطين، فلن يكون بمقدور الوافدين الجدد النوم على النمر الضيقة، خشية التعرض لأي لمسة، فجراحهم شديدة ومنتشرة في مختلف أنحاء أجسادهم. فيما بعد، عرفت أنهم كانوا مختفين قسريًا لمدة شهرين في موقع أمن الدولة في مدينة نصر، وكانوا يتعرضون للتعذيب لإجبارهم على الاعتراف بأنهم هم من كوّنوا خلية «قناة السويس»، بينما ما هم في الحقيقة سوى طلاب في جامعة الزقازيق، قُبض عليهم أمام الجامعة دون أن يعرف أحد من ذويهم بمكانهم، ولا بتهمتهم حتى. مرت الأيام وجاء وقت تسكيننا، وإذ بي أسكّن في غرفة لا تناسب تهمتي؛ حيازة سلاح دون ترخيص، وإذ بمن معي في هذه الغرفة يطلبون مني أن أكلم أحد المخبرين وأخبره بذلك حتى أُسكّن في غرفة جرائم النفس، لا في غرفة المخدرات. عرضتُ الأمر على المخبرين ولكنهم رفضوا، ثم جاء السؤال الثاني، لماذا أنا في غرفة للجنائيين؟ فلم يجبني أحد، وقيل لي «تسكينك هنا. وأحسن لك تسكت، وماتكلّمش حد عشان ما تتأذيش». عدت إلى الغرفة غير راغب في الكلام مع أحد، فقد تسلل داخلي إحساسٌ بأني سأمكث هنا طويلًا وأن عليّ أن أؤقلم نفسي على هذا الوضع، حتى لا أصاب بالاختناق. وقررت التفريق بين حياتي في الداخل وحياتي في الداخل والاندماج مع من هم معي في الغرفة والسماع لقصصهم وتدوينها، وشَغْل وقت فراغي وتفكيري بالكتابة والقراءة واسترجاع الذكريات. كنت أقرأ الرسائل التي تصلني من الأهل أو الأصدقاء عدة مرات في اليوم الواحد، فلم تكن أمامي خيارات كثيرة لتمضية الوقت. كانت الغرفة مزدحمة جدًا، ولا فرق فيها بين صيف وشتاء، فهي لهيب شديد الحرارة في معظم السنة. في البداية نمت في الطُرقة خلف الباب، وهو ما عُدَّ تكديرًا لي، فكل من يتحرك يدوس على النائم خلف الباب. عانيت كثيرَا حتى رُحّل عدد من المحكومين إلى سجون أخرى، وبدأت مرحلة الحصول على نمرة في الطرقة، والنمرة هي وحدة قياس بحجم «شبر وقبضة» بمقياس السجن، وتُطوى البطاطين حسب مقاس النمرة، وتُغطى بالملاءات. فترة النوم في الطرقة كانت من أسوأ فترات السجن، حيث انتشرت الحبوب في جسمي، ولم أستطع النوم بسببها، لا ليلًا ولا نهارًا، ولا رعاية طبية هناك، كما لا يُسمح لنا بالنزول إلى العيادات. فكنت أسأل من هم أقدم مني عن العلاج اللازم لهذا الأمر. وبدأت أضع العلاج ولكنه لم يجدِ نفعًا، بل استفحل الأمر وكنت أهرش في جسمي لحد تقطيعه، وقيل لي تارة إن هذا بسبب عوامل نفسية، وتارة لأني أُحبس لأول مرة. بدأت التركيز على تكوين صداقات في الغرفة، حتى أستطيع تمضية كل هذا الوقت الذي يطول فيه الليل فيصبح كأنه دهر كامل. كنت أنتظر الصباح بفارغ الصبر حتى يُفتح هذا الباب اللعين وأستمتع ببعض الهواء النقي، وأسلّي نفسي بالوقوف وراء الشَبَك الحديدي متطلعًا للعمارات المنتشرة حول السجن، ولقاطنيها، متمنيًا أن أصبح عصفورًا بجناحين حتى أطير وأعلو فوق هذه الأسوار دون أن توقفني الأسوار أو الأبواب المصفحة. رسوم رنوة يوسف
«الداخلية» تعلن مقتل ١٣ مسلحًا باشتباكات في طريق أسيوط الخارجة مدى مصر ٢٧ اكتوبر ٢٠١٧ أعلنت وزارة الداخلية مقتل ١٣ مسلحًا إثر مداهمة قامت بها قوات اﻷمن لأحد مقراتهم بأحد المزارع على طريق أسيوط الخارجة، بحسب بيان نشرته الوزارة قبل قليل. المداهمة جاءت بعد أسبوع من سقوط ١٦ قتيلًا في صفوف الشرطة إثر هجوم نفذه مسلحون على قوات الشرطة أثناء عملية مداهمة لهم في منطقة صحراوية قرب طريق الواحات البحرية، وهو موقع مختلف عن عملية اليوم، ويقع في الشمال منه في الصحراء الغربية. وذكر بيان «الداخلية» أنها نشطت المصادر المتعاونة معها ودفعتهم لـ«رصد أية معلومات حول أماكن تردد وتمركز العناصر المشتبه فيها، خاصةً الواقعة بمزارع الاستصلاح الكائنة بالمناطق النائية بمحافظات الجيزة والوجه القبلي باعتبارها ملاذ آمن لهؤلاء العناصر للاختفاء والتدريب والانطلاق لتنفيذ مخططاتهم العدائية». وأفاد البيان أن معلومات قطاع اﻷمن الوطني كشفت عن موقع المجموعة المستهدفة، وجرت مداهمة المزرعة عقب الحصول على إذن من نيابة أمن الدولة. لكن أفراد المجموعة أطلقوا النيران على قوات الشرطة، ما دعا الشرطة إلى الاشتباك، الذي أسفر عن مقتل المسلحين، ولم تحدد هوياتهم بعد. ولم يوضح بيان الداخلية التنظيم الذي تنتمي إليه المجموعة التي تم استهدافها اليوم، وما إذا كانت هذه المجموعة على علاقة بهجوم اﻷسبوع الماضي. وأضاف البيان أن قوات المداهمة عثرت على أسلحة وأحزمة الناسفة وبعض اﻷوراق التنظيمية في الموقع. من ناحية أخرى، نشرت مجلة النبأ التابعة لتنظيم الدولة اﻹسلامية خبرًا مقتضبًا عن هجوم اﻷسبوع الماضي في عددها الصادر أمس، ولم تعلن تبني التنظيم للعملية. لكن أحمد كامل البحيري، الباحث في الجماعات المسلحة بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، يعتبر أن اﻹشارة إلى الهجوم في مجلة الدولة اﻹسلامية ولو حتى بشكل مقتضب يشير إلى أن الهجوم يقع ضمن اختصاصه. وأوضح «البحيري» لـ «مدى مصر» أنه بمتابعة اﻷعداد السابقة للمجلة يتضح أنها لا تنشر أي أخبار عن أي عمليات نفذتها مجموعات من خارج تنظيم الدولة أيًا كانت. وأضاف «البحيري» أنه يتوقع ألا تعلن أي جهة مسؤوليتها ﻷن الهجوم كان عملية رد فعل تصدى فيها المسلحون لمداهمة شرطية، وليس عملية خططوا لها ونفذوها. «التبني يكون في الفعل وليس رد الفعل»، يقول «البحيري». وتنوعت اﻵراء حول الجهة التي يحتمل وقوفها وراء الهجوم، وتنحصر في أحد جهات ثلاث، هي تنظيم «المرابطون» التابع للقاعدة، والذي يتزعمه ضابط الصاعقة السابق هشام عشماوي، أو تنظيم الدولة اﻹسلامية، أو حركة حسم. وشهدت منطقة الصحراء الغربية تواجدًا وعمليات سابقة لتنظيمي «جنود الخلافة» الموالي لداعش، و«المرابطون» الموالي للقاعدة. وجاء في تحقيقات نيابة أمن الدولة بقضية الهجوم على «أتوبيس أقباط المنيا» في مايو الماضي، أن تنظيم «جنود الخلافة» تحت قيادة عمرو سعد هو المسؤول عن الهجوم الذي أدى إلى مقتل ٢٤ قبطيًا وإصابة ١٦ آخرين، بالإضافة إلى مسؤولية التنظيم عن تفجير الكنيسة البطرسية في القاهرة بديسمبر ٢٠١٦، وكنيستي المنيا والإسكندرية في أبريل ٢٠١٧. وأن عناصر التنظيم تلقت تدريباتها على عملية «أتوبيس أقباط المنيا» في منطقة قريبة من موقع العملية بالصحراء الغربية. كما قام تنظيم «المرابطون» بعملية استهدفت تمركز للقوات المسلحة بواحة الفرافرة في يوليو ٢٠١٤، ما أسفر عن مقتل ٢٨ ضابطًا ومُجندًا. ويقود التنظيم ضابط الصاعقة المفصول من الخدمة في ٢٠١١ هشام عشماوي، الذي انضم إلى تنظيم «بيت المقدس» في سيناء قبل إعلان التنظيم البيعة لأبو بكر البغدادي. وانشق عشماوي عن «بيت المقدس» بعد انتقاله إلى ليبيا وأسس تنظيمًا جديدًا مواليًا للقاعدة باسم «المرابطون». وتلقى أفراد التنظيم تدريبهم على عملية الفرافرة في الصحراء الغربية أيضًا.
مجدي عبد الغفار «الناجي الأكبر» من العمليات الإرهابية عمر سعيد ومصطفى محيي ٢٥ أكتوبر ٢٠١٧ «اوعوا حد يقول اللي حصل تقصير أمني»، قالها رئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسي مخاطبًا الشعب في ديسمبر ٢٠١٦، تعليقًا على حادث تفجير الكنيسة البطرسية بالعباسية، والذي راح ضحيته ٢٩ شخصًا. وبعد أربعة أشهر ، وعقب تفجير كنيستي مار جرجس بطنطا والمرقسية بالإسكندرية تمت مصادرة جريدة البوابة ليومين متتاليين، ١٠ و١١ أبريل، لمطالبتها بـ «محاسبة» وزير الداخلية مجدي عبد الغفار على ما اعتبرته تقصيرًا أمنيًا. وقد أدى التفجيران لمقتل ٥٠ قتيلًا. بعد حادث «طريق الواحات»، يوم الجمعة الماضي، لم يناقش رئيس الجمهورية إن كان هناك تقصيرًا أمنيًا أم لا، فيما اكتفى بتأكيده على بسالة رجال الشرطة، وذلك خلال اجتماعه مع القيادات الأمنية، الأحد الماضي، فيما لم تتطرق التغطيات الإعلامية إلى مسؤولية وزير الداخلية عن دماء أفراد وزارته الذين قُتلوا، ١٦ بحسب بيان الوزارة، وأكثر من ٥٠ بحسب تقارير إعلامية أخرى. غير أن الحادث اﻷخير يبدو نقطة انطلاق لمناقشة موقع وزير الداخلية من المحاسبة، عبر مراجعة سريعة لولايته، باستعراض لأهم الهجمات التي تعرضت لها قوات الشرطة، فضلًا عن العمليات الإرهابية الكبرى التي فشلت الداخلية في منعها، والتي أظهرت القيادة السياسية رغمًا عنها تمسكًا واضحًا بعبد الغفار، ربما لم يحظ به سابقيه. كان تعيين اللواء، المتقاعد، مجدي عبد الغفار وزيرًا للداخلية في مارس ٢٠١٥، وذلك إحياءً لتقليد قديم تنازلت عنه القيادة السياسية منذ ثورة يناير، بأن يكون الوزير آتيًا من قطاع «مباحث أمن الدولة»، «اﻷمن الوطني» فيما بعد. وهو ما خلق أملًا في تحسن قدرة اﻷجهزة المعلوماتية في الوزارة على ممارسة عملها، بشكل يساهم في حصار الجماعات المسلحة، بعدما ترأس الوزارة منذ يناير ٢٠١١ خمسة وزراء كانوا يعملون قبل توليهم للمنصب في قطاع اﻷمن العام. بخلاف التساؤلات حول تأخّر محاسبة الوزير، تسبب حادث «طريق الواحات» في إعادة حالة من السخط في الوزارة، كانت قد بدأت مع تولي عبد الغفار للوزارة، في مارس من العام قبل الماضي. وهو ما فسره ضابط كبير في الوزارة، رفض ذِكر اسمه، بقوله «منذ عودته من المعاش للوزارة عمل الوزير على وأد حالة الأمل التي اجتاحتنا. كان همه الأول الثأر من كل الضباط الذين أهملوه عندها أُحيل للتقاعد، فأخرج بعضهم من الخدمة. وأحال البعض الآخر إلى أعمال هامشية. هنا تأكد أن الرجل يخوض معارك شخصية أولًا، ثم يأتي كل شيء في المقام الثاني». ميدانيًا؛ بدأت ولاية عبد الغفار بشكل ساخن منذ اللحظة الأولى، فبعد ثلاثة أشهر فقط، استطاعت مجموعة مسلحة اغتيال النائب العام السابق هشام بركات بتفجير سيارة مفخخة في منطقة مصر الجديدة. جرت عملية الاغتيال في منطقة مؤمنة بشكل كبير لتواجد منشآت عسكرية وسيادية بها. وعلى الرغم من إلقاء القبض على المجموعات المتورطة في العملية، إلا أن ذلك لم ينف نجاح عملية اغتيال أحد أكبر قيادات الدولة في قلب عاصمتها. وفي ٣١ أكتوبر من العام ٢٠١٥، تمكن تنظيم «ولاية سيناء» من تفجير طائرة روسية في وسط سيناء، بعدما أقلعت من مطار شرم الشيخ، مما أسفر عن مقتل ٢٢٤ شخصًا. وكان للحادث تبعات سلبية على السياحة في مصر. اللافت في الأمر أن التنظيم تبنى الحادث، وفي وقت لاحق، أعلنت السلطات الروسية ومصادر مخابراتية أمريكية عن تصفية المجموعة المسؤولة عنها، إلا أن الحكومة المصرية لا تزال ترفض الاعتراف بأن الحادث كان نتيجة لعمل إرهابي. كما طالت الضربات الإرهابية في عهد عبد الغفار مقار مؤسسات دينية مسيحية، أدت إلى مقتل عشرات من المواطنين المسيحيين. البداية كانت في ديسمبر الماضي بالتفجير الانتحاري داخل الكنيسة البطرسية، الملاصقة لمقر الكاتدرائية بحي العباسية، أحد أكثر المقار المسيحية تأمينًا في مصر، مما أدى لمقتل ٢٩ شخصًا وإصابة ٤٩ آخرين. بعدها، وفي أبريل الماضي، نجح انتحاريان في تفجير نفسيهما في كنيستي مار جرجس بطنطا، والمرقسية بالإسكندرية، في يوم عيد أحد السعف، مما أدى إلى مقتل أكثر من ٤٥ شخصًا، وإصابة ١٢٦ آخرين، ونجا من انفجار «المرقسية» البابا تواضروس الثاني الذي كان قد غادر الكنيسة قبل الانفجار بدقائق. وامتد استهداف المواطنين المسيحيين إلى هجوم مسلح على أتوبيس كان يقل عددًا من المواطنين المسيحيين في طريقهم لزيارة دير «الأنبا صموئيل» في محافظة المنيا، والذي أسفر عن مقتل ٢٨ شخصًا. وبخلاف استهداف المقرات الدينية والمواطنين المسيحيين، استهدفت التنظيمات المسلحة مقري بعثتين دبلوماسيتين في القاهرة الكبرى في يوليو ٢٠١٥. فقد تعرض مبنى القنصلية الإيطالية بوسط القاهرة للتفجير مما أسفر عن تضرر أجزاء من المبنى ومقتل أحد المارة وإصابة ١٠ آخرين. كما قُتل مجند وأصيب ثلاثة آخرين بينهم شرطيان عندما أطلق مسلحون يستقلون سيارة النار على رجال شرطة مكلفين بحراسة سفارة النيجر بالجيزة. أما الهجمات المسلحة اﻷكثر تكرارًا وتنوعًا، خلال العامين الماضيين، فكانت الهجمات المُستهدِفة للقوات الشرطية نفسها، خاصة التي نفذها تنظيم «حسم» المُسلَّح، والتي تدعي الداخلية اعتقال العشرات منه، وذلك ضمن القضية المعروفة إعلاميًا بقضية «الحراك المسلح». في ديسمبر ٢٠١٦، تمكنت عناصر تنظيم «حسم» من تنفيذ أولى عملياتها، إذ زرعت عبوة ناسفة ملاصقة لكمين ثابت بحي الهرم في محافظة الجيزة، مما أدى إلى مقتل ٦ ضباط و٣ جنود وإصابة ٣ آخرين. واستمر استهداف كمائن الشرطة كنمط مستمر للعمليات المسلحة في القاهرة وخارجها، سواء عن طريق زرع عبوات ناسفة أو الاشتباك المسلح مع أفراد الكمين. ففي ١٧ فبراير ٢٠١٦، قُتل أمين شرطة وأصيب اثنين آخرين في هجوم على كمين أمني بالبدرشين. كما قُتل ٨ من أفراد الشرطة وأصيب ٣ آخرين في هجوم على كمين بالوادي الجديد. وقتل ضابطين وأمين شرطة وأصيب ٣ آخرون في هجوم على كمين بحي مدينة نصر في ٢ مايو الماضي. وبخلاف الكمائن، تكرر خلال اﻷعوام الماضية استهداف مواكب أمنية متحركة. ففي يونيو الماضي، هاجمت عناصر مسلحة سيارة ترحيلات على طريق الأوتوستراد في حي المعادي وأطلقت عليها النيران، مما أسفر عن مقتل ضابط وإصابة ٤ آخرين. وفي الشهر نفسه قُتل ضابط وأصيب آخر في انفجار عبوة ناسفة، زُرعت على جانب الطريق الدائري في مسار سيارة تقلّ قوة من قطاع الأمن المركزي. وفي يوليو الماضي هاجم مسلحون كمين أمني في مركز شرطة البدرشين بمحافظة الجيزة، واستطاعوا الفرار بعد قتل عنصرين من الشرطة و٣ مجندين. وكان شرطيًا قد قُتل وأصيب ثلاثة آخرون في هجوم على سيارة ترحيلات في الفيوم، في ٨ أغسطس ٢٠١٥. ولم يقتصر نشاط المجموعات النوعية على تنظيم «حسم»، إذ نجح تنظيم آخر، هو «لواء الثورة»، في تنفيذ ضربة كبيرة نالت من ضابط رفيع المستوى في القوات المسلحة، وذلك باغتيالهم العميد أركان حرب عادل رجائي، قائد إحدى فرق المشاة بالجيش، أمام منزله في مدينة العبور، فيما انسحبت المجموعة المنفذة من موقع الحادث دون أي ملاحقة. وفي واقعة نوعية، جرت في مايو ٢٠١٦، قُتل ٨ من أفراد المباحث بحلوان، يرتدون ملابس مدنية، أثناء استقلالهم لسيارة ميكروباص.مما أشار إلى أن المسلحين كانوا على علم بخط سير رجال الشرطة. وقبل أيام من الواقعة السابقة، انقطع ٤ ضباط شرطة بقطاع العمليات الخاصة عن العمل، وهو ما جعلهم مثارًا للشكوك، قبل أن تظهر أسماؤهم ضمن أمر إحالة ٢٩٢ شخصًا إلى القضاء العسكري، متهمين بمحاولة اغتيال الرئيس عبد الفتاح السيسي. فيما كشف قطاع التفتيش في وزارة الداخلية عن تعاون بين قيادات وضباط من الوزارة مع مطلوبين للجهات الأمنية في حوادث سابقة. وكان أبرز هذه الحوادث، واقعة التعاون مع عصابة جنائية متورطة في تجارة المخدرات وقتل ضباط شرطة، والتي كشفت التحقيقات فيها عن وجود علاقة بين ١٥ ضابطًا والعصابة، أحدهم لواء من قيادات الوزارة، كان يتقاضى منهم ٣ ملايين جنيه مقابل إبلاغهم عن أوقات الحملات الأمنية المقررة. كان حادث «طريق الواحات»، نهاية الأسبوع الماضي، قد دفع البعض للحديث عن احتمالية وجود تسريب للمعلومات اﻷمنية لمصلحة العناصر المسلحة، بشكل سمح لهم بنصب كمين لقوات اﻷمن، في حين استبعد البعض وجود «خيانة» ما، مكتفين بالإشارة لاحتمال وجود سوء استعداد. ونقلت صحيفة «المصري اليوم» عن مصادر من وزارة الداخلية أن كلًا من قطاع التفتيش والرقابة، والأمن الوطني، والأمن المركزي، والأمن العام فتحت تحقيقًا مشتركًا للبحث عن أوجه القصور المحتملة في العملية، خاصة فيما يتعلق بكفاءة استجواب العناصر التي أرشدت عن مكان العملية، وكذلك عدم كفاءة الاتصالات اللاسلكية. الاستعراض السريع السابق للعمليات الإرهابية التي تمت أثناء تولي عبد الغفار لمنصب وزير الداخلية، لم يشمل العمليات التي وقعت في محافظة شمال سيناء واستهدفت أفراد الشرطة. فرغم أن ما يحدث في سيناء يُدار من جانب جهات أُخرى بخلاف وزارة الداخلية، لا ينفي ذلك تبعية القوات الشرطية في شبه الجزيرة الحدودية للوزارة التي يترأسها عبد الغفار، والتي سقط عدد كبير من أفرادها في عمليات تنوعت بين استهداف دوريات أمنية بعبوات ناسفة مزروعة على جانب الطريق، أو قتل أفراد شرطة أمام منازلهم أو أثناء تحركهم بسيارات خاصة، فضلًا عن استهداف الكمائن الأمنية. كانت الشرطة قد أعلنت في ١٧ يونيو ٢٠١٥ عن مقتل ضابط وإصابة ٣ جنود في انفجار عبوة ناسفة بدورية أمنية بالعريش، وتكرر أسلوب تنفيذ الحادثة نفسه، في شهر أغسطس من العام نفسه، وتسبب في مقتل ضابط ومجند. فيما أسفرت حادثة شهر أكتوبر من العام نفسه عن مقتل ضابط شرطة وإصابة عريف ومجند. وفي حين تكررت حوادث مشابهة، في الأعوام التالية، مما أكد على قدرة العناصر المسلحة في شمال سيناء على رصد تحركات الدوريات الأمنية وتحديد خطوط سيرها. كما أعلنت الشرطة، في ٩ أغسطس الماضي، عن مقتل ضابط وأمين شرطة ومجندين بعد أن هاجمهم مسلحون عقب اجتياز كمين بئر العبد باتجاه مدينة العريش، وكان الأربعة يستقلون السيارة الخاصة بضابط الشرطة. وفي الشهر نفسه، قام مسلحون بإطلاق النار على ضابط شرطة، وذلك أمام منزله بحي الكرامة في العريش مما أدى إلى مقتله، مما يشير إلى معرفة العناصر المسلحة التحركات اليومية لأفراد الشرطة المقيمين في المدينة. وتسببت الهجمات على الكمائن الأمنية في سقوط أعداد كبيرة من القتلى في صفوف الشرطة. فعلى سبيل المثال قُتل ٩ من أفراد الشرطة في هجوم على كمينين أمنيين بالعريش، في ٩ يناير الماضي. في سبتمبر الماضي، هاجمت عناصر مسلحة كمين أمني على طريق القنطرة العريش، مما أدى إلى مقتل ١٨ عنصر من الشرطة، وإصابة الآخرين، مع تمكن العناصر المتورطة في الحادث من الفرار. وعلى الرغم من عدم وجود إحصاءات رسمية أو أُخرى صادرة عن مراكز بحثية عن العمليات الإرهابية التي جرت منذ تولي عبد الغفار للمنصب، في مارس من عام ٢٠١٥، وحتى الآن، إلا أن دراسة سابقة صدرت عن مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، أظهرت أن ٦٠٢ عملية إرهابية كانت قد جرت منذ تولي الوزير الحالي لمنصبه وحتى ديسمبر من العام الماضي.
ترشيح «مدى مصر» لجائزتي «مراسلون بلا حدود» و«مؤشر الرقابة» مدى مصر ٢٦ أكتوبر ٢٠١٧ أعلنت منظمة «مراسلون بلا حدود»، ومقرها باريس، وقناة «العالم الخامسة TV٥» التليفزيونية عن ترشيح «مدى مصر» لجائزة حرية الصحافة لعام ٢٠١٧، وذلك ضمن فئة المؤسسات الإعلامية. وترشّح الموقع لجائرة أخرى تمنحها منظمة «مؤشر الرقابة»، ومقرها لندن. وفي حين سيُعلن عن الفائز بالجائزة الأولى في ٧ نوفمبر المقبل، ضمن فعاليات المنتدى العالمي للديمقراطية بمدينة ستراسبورج الفرنسية، لن تمنح جائزة «مؤشر الرقابة لحرية الصحافة» إلا في أبريل من العام المقبل. وجاء في بيان منظمة «مراسلون بلا حدود»، أن فريقها اختار ١٨ مرشحًا توزّع على ثلاث فئات؛ أولها الصحفيين، والثانية لصحافة المواطن، والأخيرة المؤسسات الإعلامية. وجاءت معايير الاختيار بناءً على المهنية والاستقلال والالتزام بحرية الصحافة. وتضم قائمة المرشحين للجائزة في فئة المؤسسات الإعلامية، وقيمتها ٢٥٠٠ يورو، ستة من المتنافسين مع «مدى مصر»، وهم صحيفة «الوسط» البحرينية، وصحيفة «كمبوديا دايلي»، وإذاعة «جوبيتر» المحلية في مدينة إلاكاكا بمدغشقر، ومجلة «ريو دوسيه» الأسبوعية في المكسيك، ومجلة «فاكتوم» الإلكترونية في السلفادور، وموقع «ميديا سكوب» في تركيا. وجاء في البيان أن «موقع «مدى مصر» يُعد مصدرًا رئيسيًا للأخبار عن مصر للقراء المصريين والأجانب، بما يغطيه من موضوعات شائكة دائمًا ما يتم تجاهلها بواسطة الوسائل الإعلامية الأخرى في مصر». وأضاف البيان أن الموقع، الذي أُسس في ٢٠١٣، تعرض للحجب «بسبب سعيه (نحو) تقديم تغطية صحفية مستقلة. فكان من أوائل المواقع الصحفية التي تمّ استهدافها في مايو الماضي، عندما قررت السلطات المصرية حجب المئات من المواقع داخل مصر، ومن وقتها ينشر المحتوى الخاص به على فيسبوك». وكانت سلطات الاتصالات المصرية قد حجبت، منذ مايو الماضي، عددًا من المواقع الإخبارية من بينها «مدى مصر»، فضلًا عن منصات إلكترونية أُخرى تقدم خدمات تجاوز الحجب. ورصد تقرير «قرار من جهة مجهولة»، الصادر عن مؤسسة «حرية الفكر والتعبير»، مطلع أكتوبر الجاري، وصول عدد المواقع المحجوبة عن المستخدمين في مصر إلى ٤٣٤ موقعًا. فيما تعرضت كل من المؤسسات الأُخرى المرشحة للجائزة، عدا موقع «ميديا سكوب» التركي، لأنماط مختلفة من التضييق من جانب السلطات في بلادها، بحسب موقع «مراسلون بلا حدود». فقد أُغلقت صحيفة «الوسط» بواسطة السلطات البحرينية في ٥ يونيو الماضي بدعوى «التحريض على الانقسام، ومحاولة إفساد العلاقات الدولية البحرينية»، وذلك بعد تضييقات تعرضت لها الصحيفة منذ تأسيسها في ٢٠٠٢. كما أُجبرت صحيفة «كمبوديا دايلي»، التي تأسست في ١٩٩٣، على إيقاف نسختها المطبوعة منذ ٤ سبتمبر الماضي، والاكتفاء بالموقع الإلكتروني، وذلك بعد تضييقات مالية من قِبل الدولة. كما صادرت السلطات المحلية أجهزة البث الخاصة بإذاعة «جوبيتر» المحلية بمدغشقر، والتي تأسست في ٢٠٠٢، وألقت القبض على مؤسسها في شهر مايو الماضي، ووُجهت له اتهامات بـ «التحريض على التمرد». وتعرض صحفيو مجلة «ريو دوسيه» الأسبوعية في المكسيك، ومجلة «فاكتوم» الإلكترونية في السلفادور كذلك، إلى تهديدات عديدة بالقتل بسبب تحقيقاتهم الاستقصائية، فيما قُتل خافيير كارديناس، أحد مؤسسي «ريو دوسيه»، على يد شخص مُلثم في مايو الماضي. كما أعلنت منظمة «مؤشر الرقابة»، ومقرها لندن، عن ترشيح «مدى مصر» لجائزة حرية الصحافة لعام ٢٠١٨ ضمن فئة الصحافة. وسبق أن رُشّح الموقع للجائزة نفسها في الدورة السابقة من ترشيحات المنظمة. وتشمل الجائزة ٣ فئات أخرى هي الحملات، والنشاط الرقمي، والفنون. وتحتفي الجوائز بـ«بالشجاعة والإبداع في مواجهة الرقابة ضمن هذه الفئات الأربعة»، بحسب ما جاء بموقع المنظمة. وستُعلن المنظمة أسماء القائمة القصيرة للمرشحين في ١٦ فبراير ٢٠١٨، فيما سيُعلن عن الفائز في أبريل المقبل. وتوفر منظمة «مؤشر الرقابة» للفائزين منحة تدريب لمدة ١٢ شهرًا لـ«زيادة قدرة الأصوات التي تعمل على مواجهة الرقابة في مختلف أرجاء العالم على التأثير والاستمرارية». وسبق أن رُشّح «مدى مصر» لجائزة «رائف بدوي للصحافة الشجاعة»، والتي تمنحها مؤسسة «فرديرش ناومن للحرية»، لمرتين، كانت الأولى في ٢٠١٥، بينما كانت الأخيرة في يوليو الماضي.
الأقباط في مناهج التاريخ المصرية (٢) المناهج الحالية وجواهر مخبأة في المناهج السابقة إيهاب عبده ٢٦ أكتوبر ٢٠١٧ من المهم في البداية الاعتراف بأن كتب التاريخ المدرسية صارت، على مدار العقدين الماضيين، تولي المزيد من الاهتمام للحقبة القبطية، التي تعرّفها بأنها تلك الفترة الممتدة من عام ٣٠ إلى ٦٤١ بعد الميلاد. ويتضمن ذلك ذكرًا لبعض المساهمات القبطية، مثل الأدب والفن القبطي القديم، وهي تطورات مهمة في الاتجاه الصحيح. وكما ذُكر في الجزء الأول من هذا المقال، فبالإضافة إلى أهمية مراجعة السردية التاريخية برمتها، لوقوعها تحت هيمنة منظور عربي إسلامي، فمن المهم أيضًا أن نسكتشف على وجه الدقة أي تاريخ قبطي يُقدّم في المساحة المحدودة المخصصة للأقباط في كتب مناهج التاريخ. عادةً ما يُقدَّم تاريخ المسيحية في مصر تحت القسم الفرعي الخاص بـ«الحكم الروماني لمصر»، مُقتَصرًا في صفحات قليلة، بما لا يتناسب مع حجمه الحقيقي، وبالمقارنة بحقب أخرى. ووفقًا لتحليلي لمكانة الأقباط والحقبة القبطية في الكتب المدرسية لمنهج التاريخ منذ تسعينيات القرن التاسع عشر، تظهر بعض الموضوعات الرئيسية، أسلط الضوء أدناه على ثلاثة موضوعات محورية منها. أما البحث عن سبل التقدم للأمام، فلا يعني فقط تبني إطار جديد بالكامل، بل قد يُستلهم أيضًا من النماذج الأفضل عبر أكثر من مائة عام من المناهج المدرسية. لذا أدرجت بعض البدائل المُستلهَمة من محتوى ونهج بعض كتب التاريخ المدرسية الأقدم. وفي نهاية المقالة، أقترح نهجًا بديلًا قائمًا على هذه الكتب. وتستند هذه المقالة إلى تحليل كل كتب التاريخ المدرسية المتوافرة في أرشيف متحف التعليم التابع لوزارة التربية والتعليم بالقاهرة، والتي تعود إلى العام ١٨٩٠. ١ المساهمات القبطية تُقدَّم في حدود دنيا وبصورة متقطعة تحتوي الكتب المدرسية المصرية على بعض الإشارات الموجزة للرهبنة وأديرة الصحراء، وللشهداء الأقباط في نضالهم ضد الرومان، ولبعض الحِرَف التي برع فيها الأقباط مثل ورق البردي وغزل المنسوجات القبطية المعروفة بالـ«قباطي»، مع إشارات أخرى وموجزة للأدب والفن القبطيين. غير أن هذه المساهمات القبطية لا تُقدَّم بطرق توضح أهميتها أو استمراريتها. وربما تمكن ملاحظة أحد أوضح الإغفالات عن المساهمات القبطية في كتاب منهج الدراسات الاجتماعية للعام ١٩٥٧، والذي خصص أقسامًا كبيرة لتطور حرف الزجاج والأخشاب والجلود والورق والمعادن والمنسوجات عبر التاريخ المصري. في كل من هذه الحرف، يناقش المنهج أشكالها المصرية القديمة وتطورها خلال الحقبة العربية الاسلامية. ومع إشاراته الغزيرة لكل من «العهد الفرعوني والعصور الإسلامية»، لا يأتي الكتاب المدرسي على أي ذكر لأي مساهمات من الحقبة القبطية (ر.م ١٤٧ صفحة ٨٢). وعلى نحو مشابه، يقدم منهج العام ١٩٩٤ ست شخصيات مصرية هامة؛ الملك مينا، وصلاح الدين، ومحمد علي، وسعد زغلول، والرئيسين عبد الناصر والسادات (ر.م ٦٤ صفحة ٩٧ إلى ١١٨). وبصرف النظر عن الملك مينا، فإن الشخصيات الأخرى كلها من المسلمين، وكلها من الرجال. وفي الكتب المدرسية الحالية، وفي ما يتعلق بالمساهمات الحديثة، فباستثناء ثورة ١٩١٩، وبعض الإشارات الموجزة لأهمية انتفاضتي ٢٠١١ و٢٠١٣ في توكيد الشعور بالوحدة الوطنية، لا نقرأ إلا القليل للغاية عن المساهمات القبطية الحديثة. وبالتالى، فمن البديهي أن اقتصار الأقباط وإسهاماتهم، بصورة تكاد تكون حصريةً، في المساحة المحدودة بالأصل والمخصصة لـ«الحقبة القبطية»، يعطي انطباعًا خاطئًا بعدم وجود إسهامات هامة لاحقة جاءت من جانب الأقباط في الأزمنة التالية، بما فيها العصر الحديث. أمثلة ملهمة من الكتب المدرسية الأقدم بشكل عام، يجب تضمين المساهمات القبطية، سواء القديمة منها أو الحديثة، في مناهج التاريخ بطريقة أكثر اتزانًا. وقد يكون التوسع في بعض المساهمات المذكورة في المناهج السابقة بدايةً جيدة. على سبيل المثال، فمنهج العام ١٩٣٤ قدّم دور الأقباط في ثورة القاهرة الثانية ضد الحملة الفرنسية بزعامة نابليون عام ١٨٠٠، متضمنًا قائمة بأسماء بعض من «أكابر الأقباط» (ر.م ٣٩٠ صفحة ٣٢). كما أوضح منهج العام ١٩٥٤ أيضًا أن البريطانيين، ردًا على ثورة ١٩١٩، عاقبوا واضطهدوا القادة المسلمين والأقباط على حد سواء (ر.م ٩٧ صفحة ١٣٦). وكذلك ذكر منهج ١٩٧٧ أن وفد سعد زغلول إلى مؤتمر السلام في فرنسا، عام ١٩١٩، اشتمل على شخصيات قبطية (ر.م ٢٣١ صفحة ٩٥). وفي وصفه للمقاومة ضد المستعمر البريطاني عام ١٨٨٢، استشهد منهج العام ١٩٧٠ بما ذكره الزعيم والمفكر الإسلامى الشهير محمد عبده من شغف واستعداد كل من المسلمين والأقباط، وقادتهم، للكفاح ضد البريطانيين (ر.م ٢٢٦ صفحة ١٢٠). ٢ الأقباط يُصوَّرون باعتبارهم مضطهدين وسلبيين إلى حد كبير كما ذكرنا، التغطية التفصيلية الوحيدة للأقباط تظهر في القسم الخاص بـ«مصر تحت الحكم الروماني»، وفيها يُصوَّر الأقباط إلى حد كبير باعتبارهم ضحايا طالما تحملوا التعذيب والإذلال. وما يضفي تأثيرًا دراميًا على ذلك هو استخدام صور مرسومة يدويًا لمسيحيين يلقي بهم الرومان للأسود. ويمكن تتبع هذه الصور بالعودة إلى مناهج الستينيات، بل وتستمر هذه الصور في الظهور في كتب المناهج الحالية. ورغم إدراج صور أخرى لأديرة مصرية في الصحراء، وبعض الأيقونات القبطية، فإن هذه الصور المرسومة الناضحة بالعنف، تترك على الأرجح أثرًا عاطفيًا قويًا وعميقًا لدى الطلاب، من شأنه التكريس لصورة الأقباط كضحايا. في ما يتعلق بتصوير سلبية الأقباط، لا تأتي الكثير من كتب المناهج المدرسية، في وصفها للفتح العربي الإسلامي مثلًا (حوالي العام ٦٤١ ميلاديًا)، على ذكر الأقباط أو أي دور قد يكونون اضطلعوا به، فتصوّر هذا الفتح ببساطة بوصفه صراعًا بين الجيوش العربية المحرِّرة وجيوش الرومان المستعمرة. وفي مسعاها لتعزيز الهوية العربية تذهب كتب المناهج الدراسية في الستينيات لأبعد من ذلك حيث تدّعى أن المصريين كانوا عربًا بالفعل قبل الفتح، وبالتالي فإن قلوب المصريين مالت لـ«الانضمام الى الدولة الفتية»، كما أنهم «عملوا على مساندة إخوانهم العرب ضد الحكم الروماني» (ر.م ١٤٥، سنة ١٩٦٠ صفحة ٢٤١)، ولذلك فقد «رحب المصريون بإخوانهم العرب» (ر.م ١٥٢، سنة ١٩٦٧ صفحة ٨٥). الكثير من كتب التاريخ الخاضعة للتحليل هنا، بما فيها الكتب الحالية، تتضمن ذكرًا لبعض استراتيجيات الاحتجاج، الإيجابية والسلبية، التي استخدمها الأقباط في مقاومة الرومان، وهكذا تنسب للأقباط شيئًا من القدرة على أخذ زمام المبادرة. غير أنه حين يتعلق الأمر بمقاومة الفتح العربي الإسلامي والحكام المسلمين والانتفاضات ضدهم، تخلو المناهج من أي ذكر لأي دلالة للأقباط كجماعة وطنية ذات مصالح جماعية، ولديها القدرة على المقاومة أوالتنظيم أوعرض مطالبها. أمثلة ملهمة من الكتب المدرسية الأقدم وبينما تنقل كتب المناهج الأحدث، والحالية أيضًا، قصة احتضان الأقباط للفتح العربي الإسلامي والترحيب الكامل به، تلمّح بعض المناهج الأقدم إلى سرديات قد يكون من المهم إدراجها. بعض هذه السرديات يدور حول الموقف المحايد الذي اتخذه الأٌقباط، وتشرح كيف أن الأمر استغرق من الأقباط وقتًا لتقرير ما إذا كانوا سينحازون للعرب أم الرومان (على سبيل المثال ر.م ٣٣٦ صفحة ٣٥. ر.م ٢٨٥، سنة ١٩٤٠ صفحة ٢٤٨. ر.م ٢١٠، سنة ١٩٥٧ صفحة ٣٨. ر.م ٣٧٦، سنة ١٩٩٠ صفحة ٥٦). بل وتذهب بعض المناهج الأقدم إلى أبعد من ذلك، لتصف الغضب الذي شعر به الأقباط تجاه المقوقس، الحاكم البيزنطي لمصر، نظرًا لجور الاتفاق الذي وقعه مع العرب المسلمين على حقوقهم، ومن ثم تشير إلى استمرار المقاومة من قبل سكان الإسكندرية، وغيرها من المدن، ضد الفتح (ر.م ٢٦٢، سنة ١٩٢٨ صفحة ٤٤٣ و٤٤٧). ٣ حذف الإشارات إلى مظاهر الظلم أو التوترات في ما يتعلق بالنقطة المطروحة أعلاه، تخلو الكتب المدرسية الحالية لحد كبير من أي ذكر للظلم الذي وقع على الأقباط، إلا خلال الحقبة الرومانية والبيزنطية. وعلى نحو مشابه، حيث تحذف الكتب الحالية التوترات أو الصراعات التي دارت بين المسلمين والأقباط. وبينما تظهر بعض التوترات ومظاهر الظلم التي فرضها الحكام المسلمون الأوائل في كتب المناهج الأقدم، فقد صارت تُحذَف بشكل كبير منذ الستينيات. وكذلك، بينما كانت بعض التوترات الطائفية في فترة ما قبل ثورة ١٩١٩ تُذكر في كتب المناهج الأقدم، إلا أنه يجري التغاضي عنها حاليًا. أمثلة ملهمة من الكتب المدرسية الأقدم تشير بعض الكتب المدرسية الأقدم إلى مظاهر الظلم خلال فترة حكم الخليفة العباسي المأمون، والتي أدت إلى اندلاع انتفاضات قام بها كل من «الأقباط والقبائل العربية» على حد سواء في منطقة الدلتا، وقُمعت بعنف (على سبيل المثال ر.م ٢٦٦، سنة ١٩١٢ صفحة ١٠٢. ر.م ٢٥٩، سنة ١٩٢٣ صفحة ٩٣. ر.م ٣٣٧، سنة ١٩٢٥ صفحة ١٠٩. ر.م ٣٣٦، سنة ١٩٣٤ صفحة ٩٦ و٩٧. ر.م ٣٤٢، سنة ١٩٤٩ صفحة ٨٦ و٨٧. ر.م ٢١٠، سنة ١٩٥٧ صفحة ٧٧). ولكن في مقابل هذه السردية، التي اختفت في أوائل الستينيات، تشير بعض كتب المناهج الحالية، بشكل عابر وموجز جدًا، إلى «اضطرار» الخليفة المأمون «لقمع بعض الانتفاضات والصراعات» (على سبيل المثال الصف الثاني الإعدادي (٢)، سنة ٢٠١٣ صفحة ٤٢ و٤٥). وفي ما يتعلق بالتوترات والصراعات الأحدث من ذلك، تذكر بعض كتب المناهج الأقدم النجاح الأوّلي لاستراتيجية الاحتلال البريطاني «فرّق تسدْ»، التي دشّنها السير إلدون جورست، والتي أدت لاحتقان كبير و«تنابذ بالقول» أشعل نزاعًا بين الأقباط والمسلمين (ر.م ٤٦٠، سنة ١٩٣٣ صفحة ٢٥٩. ر.م ٤٨، سنة ١٩٣٧ صفحة ٩٣. ر.م ٤٥١، سنة ١٩٤٨ صفحة ٢٩٦. ر.م ٢٤٣، سنة ١٩٥٩ صفحة ١٧٤). غير أن الكتب المدرسية، بدلًا من ذلك، قد بدأت منذ أوائل السبعينيات في استخدام ثورة ١٩١٩ بشكل حصري من أجل التأكيد على الوحدة الوطنية، متجنبةً ذكر أي من الصراعات أو التوترات الأولية (على سبيل المثال ر.م ٢٣٠، سنة ١٩٧٣ صفحة ٧٢. ر.م ٤٢٣، سنة ١٩٨٤. ر.م ٤٣١، سنة ١٩٩٣ صفحة ١٥٢ و١٥٣. الصف الثالث الإعدادي (١)، سنة ٢٠١٣ صفحة ٩١. الصف الثالث الإعدادي (١)، سنة ٢٠١٦ صفحة ٨٣). يحتاج الطلاب للتعرف على مظاهر الظلم الماضية والحالية، والتوترات وأسبابها وجذورها، للتعلم منها، بالإضافة إلى النماذج التاريخية للتسامح والتعايش السلمي لاستلهامها. على سبيل المثال، تشرح بعض الكتب المدرسية الأقدم، بتفصيل كامل، كيف شارك المصريون بنشاط وعلى اختلاف أديانهم، بالذات خلال حكم الفاطميين والإخشيديين، في بعض أعياد المسلمين والمسيحيين، مثل عيد الغطاس، الذي تضمن النزول معًا إلى نهر النيل، واستقلال القوارب، وإضاءة المشاعل، وارتداء الملابس الجميلة، والإعداد لمآدب طعام جماعية (على سبيل المثال ر.م ٣٤٢، سنة ١٩٤٩ صفحة ١٠٥. ر.م ٨٧، سنة ١٩٧٦ صفحة ٥٥ و٥٦. ر.م ٩٠، سنة ١٩٨٦). إرساء نهج بديل لعل توفير مساحة أوسع للحقبة القبطية، علاوة على تضمين بعض من المادة المحذوفة المشار إليها أعلاه، يمثلان تحسنًا كبيرًا، لكنه لن يكون كافيًا بأي حال، إذا كنا نتطلع إلى تاريخ شامل يحفز على التفكير النقدي أيضًا. في ما يلي محاولة لتقديم نهج بديل ممكن، وإطار سردي مستلهم جزئيًا من بعض كتب المناهج الأقدم. يشدد النهج المُقترح هنا على الاستمرارية الثقافية للشعب المصري على مر التاريخ، ودراسة تطور جوانب معينة من الثقافة، أو استمرارها، أو تغيرها مع الوقت في ظل عوامل متعددة مثل توالي الحكام المختلفين، ونشوء أووفود ديانات جديدة، وتفاعلات المصريين مع الشعوب والحضارات الأخرى، تلك التفاعلات التي تسهّلها ظواهر مثل التجارة والهجرة. للتوضيح، فهذا النهج لن يتوقف عند عرض التأثيرات في اتجاه واحد؛ تأثير الفن والعمارة عند قدماء المصريين على الفن القبطي مثلًا، وإنما سيحاول أيضًا إظهار استمرارية مثل هذه التأثيرات الثقافية، من خلال تسليط الضوء على التأثير القبطي على الأشكال اللاحقة من الفن والعمارة الإسلاميين. من شأن مثل هذا النهج أيضًا أن يسلط الضوء على القواسم المشتركة ذات المعنى والأهمية بين المصريين، مع عدم إنكار الاختلافات الحقيقية. على سبيل المثال، تُبرز الكتب المدرسية الحالية بعض العادات المشتركة والمستمدة من استمرارية الحضارة المصرية القديمة، مثل لعبة السيجا المصرية القديمة، والتي لا تزال تُمارس في بعض مناطق الريف المصري، أو احتفالات شم النسيم السنوية (على سبيل المثال ر.م ٢٨٥، سنة ١٩٤٠ صفحة ١٩٦. الصف الأول الثانوي، سنة ٢٠١٣ صفحة ٦١. الصف الأول الثانوي، سنة ٢٠١٦ صفحة ٤٨). وسارت كتب مناهج الثلاثينيات والأربعينيات، بتوجهاتها القومية المصرية، أبعد من ذلك، عبر تركيزها على أبعاد أهم وأكثر أساسية، مثل الأصول المشتركة للنظم العقائدية والممارسات الدينية لدى المصريين على اختلاف أديانهم الحالية. ولم يقتصر هذا التركيز فقط على تمرير تعليقات تهدف إلى إبراز الممارسات التي استمرت منذ عهود قدماء المصريين، والتى نجدها فى إشارات مثل «كمثل الشيخ والقسيس عندنا» (على سبيل المثال ر.م ٧، سنة ١٩٣٦ صفحة ٥٢. ر.م ٢٥، سنة ١٩٤٩ صفحة ٤٠)، بل أنه سلط الضوء كذلك على تشابه واستمرارية الكثير من المعتقدات الأساسية عبر هذه الأديان، مثل الإيمان المصري القديم بالحياة الأخرى ويوم الحساب، والذي أشار إليه منهج مدرسي للعام ١٩٣٦ بـ«يوم القيامة»، مستخدمًا نفس الكلمة التى يتداولها المسيحيون والمسلمون المصريون المعاصرون (ر.م ٧ صفحة ١٠٥ و١٠٦). لكن هذه السردية تتعارض مع بعض الكتب المدرسية الحالية مثل كتاب الصف الأول الإعدادي (١) للعام ٢٠١٦، التي تقدّم منطق «الحياة الأخرى» كسبب دفع المصريين القدماء لتبني المسيحية، بينما لا تبرز مثلًا أنه كان بالفعل جزءًا أساسيًا من معتقدات المصريين القدماء، وربما كان سببًا هامًا في جاذبية المسيحية واعتناقهم لها. ولكن خطر نهج الاستمرارية الثقافية المقترح هنا يكمن في إمكانية تعزيزه الشعور بالتعالي والفوقية بين الطلاب المصريين في مواجهة آخرين، أو في مواجهة أقليات غير ذات أصول مصرية، مثل اللاجئين أو المهاجرين القادمين حديثًا إلى البلاد. لذلك، لابد أن يقترن هذا النهج بتطوير المهارات البحثية التاريخية والممارسات النقدية. ويعتمد تطوير المهارات التاريخية النقدية بصورة كبيرة على الطريقة التي يُدرّس بها التاريخ. ونظرًا لمركزية الكتب الدراسية في الفصول المدرسية المصرية، فإن الأمر يعتمد على الطريقة التي تُقدم بها السرديات التاريخية في تلك الكتب إن كانت حقائق نهائية تُدرّس وتُحفظ بشكل سلبي، أم سرديات مصحوبة بتفسيرات ورؤى متنافسة. كتب مناهج التاريخ الحالية تسرد ، إلى حد كبير، منظورًا واحدًا للتاريخ بصوت سلطوي نادرًا ما يحفز الطلاب على التساؤل والبحث بأنفسهم عن سرديات تاريخية بديلة. ولمعالجة ذلك، يمكننا هنا، مرةً أخرى، الاستلهام من المناهج المدرسية الأقدم. على سبيل المثال، وعلى النقيض من المناهج التي تُرجع الفضل في توحيد مصر للملك مينا بمفرده، فمنهج التاريخ للعام ١٩٣٠ مثلًا يشير لصعوبة إقرار إذا ما كان مينا وحده هو المسؤول عن توحيد مصر العليا والسفلى، أم أنها كانت عمليةً تدريجيةً تطلبت جهود العديد من الملوك المتعاقبين، ليلقي المنهج بذلك ببعض ظلال الشك على تلك السردية الهامة، وبالتالي يساعد الطلاب على تقييم ديناميكية التاريخ وبنيانه وتفسيراته (ر.م ٢٧٢، سنة ١٩٣٠ صفحة ٢٩). وأخيرًا، كان المفكر المصري البارز طه حسين قد شارك في كتابة بعض مناهج التاريخ، التي قدّم فيها المؤلفون للطلاب قائمةً من المصادر التاريخية الأولية، لتشجيعهم على الاشتباك النقدي مع هذه المصادر، وتفسيرها، وربما استخلاص سردياتهم التاريخية الخاصة (على سبيل المثال ر.م ٣٩٩، سنة ١٩٥٤). ومن شأن تقديم بعض السرديات التاريخية المتنافسة، أو حتى التشكيك بمهارة في بعض السرديات التاريخية، أن يساعد الطلاب على البدء في تطوير مهارات التفكير النقدي، ورؤية ما هو أبعد من التصور الواهم والمتلخص في كون السرديات التاريخية حقيقة واحدة غير قابلة للنقد أو التشكيك. فيسمح ذلك للطلاب بالبدء في تفهم وجود سرديات متنافسة في غالب الأحوال، وأن هذه السرديات إلى حد كبير هي من بناء المؤرخين، الذين استندوا فيها لبحثهم التاريخي، بالإضافة لاجتهاداتهم الشخصية والتي لابد وأن تتأثر برؤاهم وانحيازاتهم الفكرية. بل ويسمح هذا أيضًا للطلاب بأن يكونوا أكثر تقديرًا وتقبلًا واحترامًا للرؤى ووجهات النظر المختلفة. لكتابة هذا المقال، بجزئيه، أتيح لي الوصول إلى الأرشيف بين يناير ومارس ٢٠١٧، وأود التعبير عن امتناني للفريق العامل هناك لحسن ضيافته ودعمه الاحترافي. كما أتوجه بالشكر لهيئة تحرير «مدى مصر»، وأيضًا للأشخاص التالية أسماؤهم، على رؤاهم المفيدة للغاية وردودهم النقدية على نسخ أقدم من هاتين المقالتين فريدة مقار وهديل غنيم ومنى مكرم الله ومها بالي وجويس رفلة. صورة الموضوع القطعة رقم ٣٧٩٧ بالمتحف القبطي بالقاهرة
٢١٠ من مشجعي «الزمالك» يضربون عن الطعام احتجاجًا على قرار النيابة العسكرية باستمرار حبسهم مدى مصر ٢٦ أكتوبر ٢٠١٧ أعلن ٢١٠ من مشجعي نادي الزمالك المحبوسين في سجن الحضرة بالإسكندرية اليوم، الخميس، الإضراب عن الطعام احتجاجًا على قرار المحكمة العسكرية باستمرار حبسهم لمدة شهر مساء أمس، بحسب تصريحات المحامي محمد حافظ لـ «مدى مصر». وأضاف حافظ أن الشباب قد قرروا عدم استلام طعام السجن أو الزيارات التي أرسلها لهم الأهالي اليوم، من من جانبها اعتدت قوات الأمن على بالسجن الشباب بالضرب وحلق شعر رؤوسهم وتهديدهم بتوزيعهم على عنابر الجنائيين في حال رفضهم وقف الإضراب عن الطعام، مما أدى لإحداث إصابات لبعضهم. وأضاف المحامي «استمر تجديد حبس المتهمين لمدة ١٢٠ يومًا على الرغم من دفع التكاليف الخاصة بالتلفيات التي اتهموا بإحداثها باستاد برج العرب، واستمرار إخلاء سبيل عدد من المشجعين المقبوض عليهم في قضايا مشابهة مثل مشجعي نادي الصفاقسي التونسي». كانت نيابة غرب الإسكندرية الكلية قد قررت في يوليو الماضي إحالة ٢٣٦ من مشجعي نادي الزمالك للنيابة العسكرية، عقب القبض عليهم من محيط استاد برج العرب، واحتجاز ٢١٠ منهم في سجن الحضرة، فيما تم احتجاز ٢٦ في مدير أمن الإسكندرية، حيث يواجهون اتهامات بالانضمام وتولي قيادة جماعة مؤسسة على خلاف أحكام القانون، واستخدام الإرهاب كوسيلة لتحقيق غرض الجماعة، والترويج لأفكار تلك الجماعة ومنع مؤسسات الدولة من ممارسة أعمالها، وحيازة مفرقعات (شماريخ)، واستعمالها بطريقة من شأنها تهديد حياة الأشخاص وتعريضهم للخطر، والجهر بالصياح لإثارة الفتن، والتعدي على رجال الشرطة بالضرب ومقاومتهم أثناء ممارسة عملهم. مما نتج عنه إصابات في صفوفهم، واستعراض القوة، وإهانة رجال الشرطة بالقول بسبب ممارسة عملهم، والإتلاف والتخريب العمدي للأموال الثابتة والمنقولة. وبحسب حافظ، فقد اندلعت أمس اشتباكات بين أهالي المقبوض عليهم وقوات الشرطة المصاحبة لهم بمحيط المحكمة العسكرية بالإسكندرية، حيث فقدت أم أحد الشباب وعيها بعد سماع خبر تجديد الحبس، وهو ما أثار حالة من الغضب وسط الأهالي. وأثناء انتظار عربة الإسعاف، قام أحد الضباط بالاعتداء على فتاتين من أهالي المقبوض عليهم بالضرب واستطاع الهروب عن طريق المخبرين المتواجدين قبل التوصل إلى هويته، طبقًا لحافظ.
٤٥ يومًا.. أول تجديد حبس لـ هشام جعفر في العام الثالث من السجن دون محاكمة مدى مصر ٢٦ أكتوبر ٢٠١٧ جددت الدائرة ١٥ بمحكمة جنايات القاهرة اليوم، الخميس، حبس الصحفي والباحث هشام جعفر لمدة ٤٥ يومًا على ذمة التحقيقات معه في تهم بتلقي رشوة دولية والانضمام لجماعة أسست على خلاف القانون بالرغم من انقضاء المدة القصوى للحبس الاحتياطي التي ينص عليها قانون الإجراءات الجنائية. بعد قرار تجديد الحبس، أعلنت منار الطنطاوي، زوجة جعفر، عبر حسابها على فيسبوك بدء زوجها إضرابًا مفتوحًا عن الطعام والعلاج اعتراضًا على استمرار حبسه بخلاف القانون. كان جعفر قد أكمل عامين في الحبس الاحتياطي في ٢١ أكتوبر الجاري، وهي المدة القصوى للحبس الاحتياطي بحسب المادة ١٤٣ من قانون الإجراءات الجنائية الذي يضع حد أقصى للحبس الاحتياطي في الجنايات بين ١٨ شهرًا وسنتين. ألقي القبض على جعفر عقب اقتحام قوة أمنية مكتب مدى للتنمية الإعلامية، الذي يديره، في ٢١ أكتوبر ٢٠١٥ وتم احتجازه في سجن العقرب شديد الحراسة على ذمة تهم بتلقي رشوة دولية والانضمام لجماعة أسست على خلاف القانون. وتعتبر حالة جعفر هي الأولى التي يتم فيها تفعيل التعديل الذي أقره الرئيس عبد الفتاح السيسي في سبتمبر ٢٠١٤ على المادة ٧٨ من قانون العقوبات، التي جرمت تلقي التمويل من أي جهة أجنبية «بقصد ارتكاب عمل ضار بمصلحة قومية أو المساس باستقلال البلاد أو وحدتها أو سلامة أراضيها أو القيام بأعمال عدائية ضد مصر، أو الإخلال بالأمن والسلم العام». بحسب التعديل الأخير أصبح جعفر مهددًا بالسجن ١٥ عامًا إذا أدين بتلك التهمة. كانت أسرة جعفر ومؤسسات حقوقية اتهمت السلطات بالإهمال الطبي الذي تسبب في تدهور شديد في صحة الصحفي والباحث المعتقل. يعاني جعفر من ضمور العصب البصري بالإضافة لتضخم البروستاتا. كانت زوجة الباحث، منار طنطاوي، قالت إن السلطات سمحت بشكل متقطع بدخول الفيتامينات التي يحتاجها جعفر للحفاظ على بصره من التدهور السريع بعد منعها عنه تمامًا في أول شهرين من الاعتقال. كما لم تسمح السلطات بدخول النظارات الطبية الخاصة بجعفر سوى بعد مرور شهور على حبسه. اشتكت طنطاوي أيضًا من تأثير حبس جعفر غالبية المدة في زنزانة ضيقة بسجن العقرب لا تدخلها الشمس على تدهور بصره. كانت السلطات نقلت جعفر لمستشفى قصر العيني لمدة خمسة أشهر في ٢٠١٦، إلا أنه بحسب زوجته تلقى رعاية طبية محدودة هناك قبل نقله لسجن العقرب مرة أخرى في أغسطس ٢٠١٦. حذرت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية في تقرير لها العام الماضي من استخدام الحبس الاحتياطي كعقوبة سياسية، وليس كتدبير احترازي كما ينص القانون. أشارت المبادرة وقت نشر التقرير في مايو ٢٠١٦ أن أكثر من ١٤٠٠ مسجون استمر حبسهم دون سند قانوني بعد انتهاء المدة القانونية للحبس الاحتياطي.