مدى مصر

يوميات السجن – الحياة العادية للمسجون العادي (حلقة ٢) حفلة الاستقبال محمد فهمي ٢٧ أكتوبر ٢٠١٧ في الطريق لسجن طرة، حيث جرى ترحيلي، كنا جميعًا مكدسين في تلك السيارة الملعونة المسماة بـ«عربة الترحيلات»، التي لا تختلف كثيرًا، في نظر أغلب من بداخلها، عن القبر، حيث الحرارة مرتفعة وأكوام من لحوم البشر مكدَّسة فوق بعضها البعض. كانت ملامح الخوف ترتسم على وجوه كل من حولي، وكأنهم يعرفون ما نحن مقبلون عليه، حتى وصلنا إلى ذلك المكان، المعروف بقسوة ضباطه ومخبريه، بأسواره المرتفعة وأسلاكه الشائكة. أما آلامي أنا فكانت من نوع آخر، حيث كنت أشعر بالوحدة والخوف كلما انتقلت من مكان لآخر. وما أن وصلت العربة إلى ذلك المكان الملعون حتى استقبلنا أحد المخبرين، موجّهًا إيانا لبوابة صغيرة عن طريق الصراخ بشكل سريع في وجوهنا، وتُمّم علينا هناك بناء على أوراقنا التي بحوزتنا. وما أن اقتربنا من ذلك الباب الضيق الذي كنا نجهل ما يدور وراءه، حتى سمعنا صرخات مدوية ممن سبقنا من المساجين ممن كانوا يمرون خلف الباب، أوشك جسدي وقدماي لهولها على التوقف عن العمل. عندما اقتربنا أكثر من البوابة وجدنا مجموعة مقنَّعة من الجنود يُطلق عليها اسم «القوة الضاربة»، ممسكين بكابلات كهربائية مجدولة لضرب كل من يدخل، بعد أن يطلبوا منه خلع ملابسه والركض بسرعة. كانوا يقفون على صفين بالداخل؛ بعضهم يضرب بتلك الكابلات وبعضهم بهراوات الشرطة وبعضهم كان يحمل نخلًا صغيرًا وشائكًا، وبعضهم بالأحزمة الجلدية، وهم من الشرطة السرية أو المخبرين، بالإضافة لبعض الشاويشية والسجانين ممن كانوا يضربون بالأيدي والأقدام. كل هذا من خلف الباب، أما خارج الباب فكان الضرب ممنوعًا بسبب تواجد الأهالي القادمين للزيارة. خرجنا من تحت أيديهم ليجري توقيفنا بعد خلع ملابسنا. وبدأوا ينظرون إلينا ويسألون كلًا منا إن كان حُبس من قبل، ويتمعّنون في أجسادنا ليروا إن كان فيها وشمٌ أو دقٌ، حيث يعني هذا أن الموشوم «سوابق». وبدأوا في استجوابنا عن قضايانا، وجميع من معي يتألمون وتسيل دماؤهم. ثم أتى الضباط ووجهوا إلينا نفس الأسئلة والنظرات لأجسادنا، لتبدأ معركة أخرى من التعذيب والاحتفال بقدومنا. جلبوا «الفلكة»، وهي عبارة عن عصي غليظة تُربط بالأقدام وتُلفُّ جيدًا، ويمسكها مخبران اثنان كانا معروفين في المكان ببراعتهما في التعذيب ومسؤوليتهما عنه، حتى أُطلق عليهما اسم «رجال التعذيب». ويقوم رئيس المباحث أو الضابط في احتفالية الدخول، ويضرب كل مسجون حتى يصرخ أنه «مرة» وليس رجلًا، كي يتوقف عنه ضربه. كنا نُضرب على باطن أقدامنا وأطرافها عن طريق كابل الكهرباء المجدول، ويُطلب منا الجري حاملين معنا بطانيتين واللبس الميري، أو «الكَحُول» كما يُسمّى في السجن، ثم نتوجه إلى العنبر حيث يقابلنا مجددًا مسؤولا التعذيب، وفي يد كل منهما ماسورة خضراء من البروبلن، وتُستخدم في أعمال السباكة، وهي مقفولة من الطرفين ومحشوة بالرمال حتى تصبح أثقل وأكثر تأثيرًا أثناء الضرب بها، ونحن لا نزال ننزف دمًا من الاحتفالية السابقة، كانت الكابلات تترك علامات على ظهورنا وتقطّع اللحم تقطيعًا. من هؤلاء؟ هل هم بشر أم كلاب متوحشة تهاجم بشراسة كل من أمامها؟ أين الموت في هذه اللحظات، ولماذا لم يدركني؟ دخلنا على هؤلاء المجرمين ليخلعوا لنا ملابسنا ويكشفوا على مؤخرات الجميع طالبين منا شرب خمس زجاجات، كل زجاجة تحوي لترًا من المياه المخلوطة بمسحوق الغسيل والصابون المبشور والبيريل، وتُسمّى «تركيبة»، وتساعد على استرجاع كل ما في المعدة. وأثناء الشرب يسدّدون الضربات بتلك الماسورة على الظهر، ومن لا يقبل شرب التركيبة يُكتّف ويُكلبش خلفيًا، أي تُمد اليدان على الظهر ويوضع كلبش من الحديد في معصم اليد من ناحية وفي القدم، بعد رفعها، من ناحية أخرى، بينما المسجون نائم على ظهره، ويترك لساعات في هذا الوضع، مُلقى على الأرض بلا ملابس، ويُسكب الماء تحته وعلى جسده ويُضرب بالأيدي على الوجه والظهر. بعد انتهاء احتفالية الضرب والسب والإهانة من جانب هؤلاء الملاعين، نُوجَّه إلى الغرف، أو «الإيراد»، وهو أول مكان يدخله السجناء قبل أن يُوزَّعوا على الغرف بحسب تهمتهم. أتحرك ببطء من الألم، وتسيل الدماء من كل أنحاء جسمي. لا أقوى على الحركة، وكل ما أرغب فيه بعد هذا اليوم العاصف أن أغمض عيني فقط وأن أضمد جراحي. دخلنا إلى طرقة صغيرة مظلمة، متجهين لغرفة مكدسة بالبشر. قطرات من الماء على الباب الحديدي، هواء ساخن يخرج من النضارة ورائحة عرق تهب علينا من الداخل، أكوام من البشر ملقاة على الأرض في تلك الغرف التي يسميها السجناء «مقابر الأحياء». الإيراد الأيام الأولى في طرة وصلت لسجن طرة بعد ثلاثة أشهر من الحبس، قضيت منها شهرين في حبس انفرادي في قسم فاقوس وشهرًا في قسم عابدين. كانت الكهرباء تُقطع عنا كل ليلة بعد أذان المغرب، وكان في الغرفة المجاورة لي أحد شباب الإخوان، وكنت نتبادل الكلام سويًا من خلال النضارة، وهي فتحة صغيرة في الباب الحديدي للغرفة. صحيح أن الفترة كانت عصيبة ولكني حاولت فيها التغلب على وحدتي عن طريق التركيز على استرجاع الذكريات التي مررت بها، حتى أخرج بها خارج هذه الجدران، وحتى لا يسيطر عليّ إحساس الوحدة ولا أقع فريسة له. كنت أحاول الخروج من الغرف المغلقة والأبواب الموصدة. كلما ابتعدت عن بلدتي كلما زاد عندي الشعور بالوحدة والغربة. ماذا فعلت كي يحدث لي كل هذا؟ لا أعرف. أنظر إلى هذا المكان المرعب في سجن طرة فأجده مختلفًا تمامًا عن كل ما مررت به؛ الوضع أسوأ كثيرًا مما ظننت أو سمعت. لا وصف يعبّر عن هذا المكان سوى أنه فعلًا «مقبرة الأحياء». دخلنا «الإيراد»، وهي كلمة تُطلق على الأيام الأولى في السجن. كل من كانوا بالداخل كانوا ينظرون إلينا ويعرفون ما قد تعرضنا له من تعذيب وإهانة، فحالنا لم يكن مختلفًا عن حالهم كثيرًا. لم أسمع سوى أنين وآهات من سبقونا من سكان الإيراد الممتلئ، سواء كانوا إخوانًا أو جنائيين، الجميع هنا كانوا يتألمون. وضعت من على كتفي أغراضي التي أحملها وتقاسمت معها الشقاء. وبحثت عن مكان أرتمي فيه، لا لأنام وإنما لأغيب عن الوعي وأنسى الألم. رآني أحد الأشخاص في حالة يُرثى لها فقام وحمل عني أغراضي ووضعها بجواره مفسحًا لي مكانًا بجواره. خلعت ملابسي كي أغسلها من الدماء، التي لا تزال تنزف من جروح ظهري، ولا أقوى على مجرد لمسها؛ ألم شديد ونار تخرج من صدري. قص الشخص ملابسي وبدأ في سكب الماء الدافئ على ظهري وأنا ممدد على الأرض، وبدأ في تضميد جراحي. سألني عن جريمتي وماذا فعلت، ولكني لم أقدر على الكلام من فرط الألم، وإذ به يوصيني بعدم الكلام مع أي أحد في أمر يخصني. كان من الشرقية أيضًا، وكأنه كان يوصيني لأنه يعرف أننا لن نلتقي ثانية، فبعد يومين سُكّن في عنبر آخر. عرفت فيما بعد أن هناك في الإيراد مرشدين أو ناقلي كلام، أو بلغة السجن «عصافير» ينقلون كل حركة وهمسة تدور هنا إلى المخبرين وضباط المباحث. بدأت أتعافى وأتحرك قليلًا، ولكني التزمت بالنصيحة وبالصمت طول فترة الإيراد. وبدأت أتساءل كيف سأعيش في هذا المكان الملعون. عندما أشرفت مدة مكوثنا في الإيراد على الانتهاء، بدأوا في عرضنا على المستشفى. حيث لا يُسمح لنا بالزيارة إلا لدى خروجنا من الإيراد، أما أثناء بقائنا هناك فلا يُسمح للأهل برؤية ذويهم سوى بإذن من النيابة. بدأت أحاول معرفة كيف يعيش المساجين هنا، حتى أستطيع أنا أيضًا البقاء، دون أن يتملكني الإحساس بالإحباط وحتى أظل واقفًا على قدميّ؛ هنا رأيت من أنهكه المرض، كما رأيت من تغلّب عليه اليأس فحاول التخلص من حياته للأبد. وتذكرت كلمات كنت أسمعها وظلت تترّدد في أذني أثناء حفلة التعذيب. كان هناك من يصرخ متوسلًا «ارحموني، هاموت»، وكانوا يردون عليه، في ثقة شديدة بعدم إمكانية تعرضهم للمحاسبة، قائلين «لو مت مش مشكلة. كل اللي هنعمله إننا هنلفّك في بطانية ميري ونرميك لأهلك بعد ما يدفعوا لنا عشرين جنيه تمنها». بعد مرور خمسة أيام في الإيراد وصل زوار جدد، ولكنهم تعرضوا لتعذيب أشد مما تعرضت له؛ كانت أجسادهم ممزقة، ولونها أزرق داكن، ولم يكن بمقدورهم النوم ولا الحركة من شدة مصابهم. ولفتوا انتباهنا جميعًا من هول ما رأيناه عليهم. علّقنا «شدّادات» في السقف من «داير البطاطين»، وفككنا خمس ملاءات وربطناها في الشدادات ووضعنا كلًا منهم على سرير طائر، عن طريق الملاءات المربوطة في دواير البطاطين، فلن يكون بمقدور الوافدين الجدد النوم على النمر الضيقة، خشية التعرض لأي لمسة، فجراحهم شديدة ومنتشرة في مختلف أنحاء أجسادهم. فيما بعد، عرفت أنهم كانوا مختفين قسريًا لمدة شهرين في موقع أمن الدولة في مدينة نصر، وكانوا يتعرضون للتعذيب لإجبارهم على الاعتراف بأنهم هم من كوّنوا خلية «قناة السويس»، بينما ما هم في الحقيقة سوى طلاب في جامعة الزقازيق، قُبض عليهم أمام الجامعة دون أن يعرف أحد من ذويهم بمكانهم، ولا بتهمتهم حتى. مرت الأيام وجاء وقت تسكيننا، وإذ بي أسكّن في غرفة لا تناسب تهمتي؛ حيازة سلاح دون ترخيص، وإذ بمن معي في هذه الغرفة يطلبون مني أن أكلم أحد المخبرين وأخبره بذلك حتى أُسكّن في غرفة جرائم النفس، لا في غرفة المخدرات. عرضتُ الأمر على المخبرين ولكنهم رفضوا، ثم جاء السؤال الثاني، لماذا أنا في غرفة للجنائيين؟ فلم يجبني أحد، وقيل لي «تسكينك هنا. وأحسن لك تسكت، وماتكلّمش حد عشان ما تتأذيش». عدت إلى الغرفة غير راغب في الكلام مع أحد، فقد تسلل داخلي إحساسٌ بأني سأمكث هنا طويلًا وأن عليّ أن أؤقلم نفسي على هذا الوضع، حتى لا أصاب بالاختناق. وقررت التفريق بين حياتي في الداخل وحياتي في الداخل والاندماج مع من هم معي في الغرفة والسماع لقصصهم وتدوينها، وشَغْل وقت فراغي وتفكيري بالكتابة والقراءة واسترجاع الذكريات. كنت أقرأ الرسائل التي تصلني من الأهل أو الأصدقاء عدة مرات في اليوم الواحد، فلم تكن أمامي خيارات كثيرة لتمضية الوقت. كانت الغرفة مزدحمة جدًا، ولا فرق فيها بين صيف وشتاء، فهي لهيب شديد الحرارة في معظم السنة. في البداية نمت في الطُرقة خلف الباب، وهو ما عُدَّ تكديرًا لي، فكل من يتحرك يدوس على النائم خلف الباب. عانيت كثيرَا حتى رُحّل عدد من المحكومين إلى سجون أخرى، وبدأت مرحلة الحصول على نمرة في الطرقة، والنمرة هي وحدة قياس بحجم «شبر وقبضة» بمقياس السجن، وتُطوى البطاطين حسب مقاس النمرة، وتُغطى بالملاءات. فترة النوم في الطرقة كانت من أسوأ فترات السجن، حيث انتشرت الحبوب في جسمي، ولم أستطع النوم بسببها، لا ليلًا ولا نهارًا، ولا رعاية طبية هناك، كما لا يُسمح لنا بالنزول إلى العيادات. فكنت أسأل من هم أقدم مني عن العلاج اللازم لهذا الأمر. وبدأت أضع العلاج ولكنه لم يجدِ نفعًا، بل استفحل الأمر وكنت أهرش في جسمي لحد تقطيعه، وقيل لي تارة إن هذا بسبب عوامل نفسية، وتارة لأني أُحبس لأول مرة. بدأت التركيز على تكوين صداقات في الغرفة، حتى أستطيع تمضية كل هذا الوقت الذي يطول فيه الليل فيصبح كأنه دهر كامل. كنت أنتظر الصباح بفارغ الصبر حتى يُفتح هذا الباب اللعين وأستمتع ببعض الهواء النقي، وأسلّي نفسي بالوقوف وراء الشَبَك الحديدي متطلعًا للعمارات المنتشرة حول السجن، ولقاطنيها، متمنيًا أن أصبح عصفورًا بجناحين حتى أطير وأعلو فوق هذه الأسوار دون أن توقفني الأسوار أو الأبواب المصفحة. رسوم رنوة يوسف
«الداخلية» تعلن مقتل ١٣ مسلحًا باشتباكات في طريق أسيوط الخارجة مدى مصر ٢٧ اكتوبر ٢٠١٧ أعلنت وزارة الداخلية مقتل ١٣ مسلحًا إثر مداهمة قامت بها قوات اﻷمن لأحد مقراتهم بأحد المزارع على طريق أسيوط الخارجة، بحسب بيان نشرته الوزارة قبل قليل. المداهمة جاءت بعد أسبوع من سقوط ١٦ قتيلًا في صفوف الشرطة إثر هجوم نفذه مسلحون على قوات الشرطة أثناء عملية مداهمة لهم في منطقة صحراوية قرب طريق الواحات البحرية، وهو موقع مختلف عن عملية اليوم، ويقع في الشمال منه في الصحراء الغربية. وذكر بيان «الداخلية» أنها نشطت المصادر المتعاونة معها ودفعتهم لـ«رصد أية معلومات حول أماكن تردد وتمركز العناصر المشتبه فيها، خاصةً الواقعة بمزارع الاستصلاح الكائنة بالمناطق النائية بمحافظات الجيزة والوجه القبلي باعتبارها ملاذ آمن لهؤلاء العناصر للاختفاء والتدريب والانطلاق لتنفيذ مخططاتهم العدائية». وأفاد البيان أن معلومات قطاع اﻷمن الوطني كشفت عن موقع المجموعة المستهدفة، وجرت مداهمة المزرعة عقب الحصول على إذن من نيابة أمن الدولة. لكن أفراد المجموعة أطلقوا النيران على قوات الشرطة، ما دعا الشرطة إلى الاشتباك، الذي أسفر عن مقتل المسلحين، ولم تحدد هوياتهم بعد. ولم يوضح بيان الداخلية التنظيم الذي تنتمي إليه المجموعة التي تم استهدافها اليوم، وما إذا كانت هذه المجموعة على علاقة بهجوم اﻷسبوع الماضي. وأضاف البيان أن قوات المداهمة عثرت على أسلحة وأحزمة الناسفة وبعض اﻷوراق التنظيمية في الموقع. من ناحية أخرى، نشرت مجلة النبأ التابعة لتنظيم الدولة اﻹسلامية خبرًا مقتضبًا عن هجوم اﻷسبوع الماضي في عددها الصادر أمس، ولم تعلن تبني التنظيم للعملية. لكن أحمد كامل البحيري، الباحث في الجماعات المسلحة بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، يعتبر أن اﻹشارة إلى الهجوم في مجلة الدولة اﻹسلامية ولو حتى بشكل مقتضب يشير إلى أن الهجوم يقع ضمن اختصاصه. وأوضح «البحيري» لـ «مدى مصر» أنه بمتابعة اﻷعداد السابقة للمجلة يتضح أنها لا تنشر أي أخبار عن أي عمليات نفذتها مجموعات من خارج تنظيم الدولة أيًا كانت. وأضاف «البحيري» أنه يتوقع ألا تعلن أي جهة مسؤوليتها ﻷن الهجوم كان عملية رد فعل تصدى فيها المسلحون لمداهمة شرطية، وليس عملية خططوا لها ونفذوها. «التبني يكون في الفعل وليس رد الفعل»، يقول «البحيري». وتنوعت اﻵراء حول الجهة التي يحتمل وقوفها وراء الهجوم، وتنحصر في أحد جهات ثلاث، هي تنظيم «المرابطون» التابع للقاعدة، والذي يتزعمه ضابط الصاعقة السابق هشام عشماوي، أو تنظيم الدولة اﻹسلامية، أو حركة حسم. وشهدت منطقة الصحراء الغربية تواجدًا وعمليات سابقة لتنظيمي «جنود الخلافة» الموالي لداعش، و«المرابطون» الموالي للقاعدة. وجاء في تحقيقات نيابة أمن الدولة بقضية الهجوم على «أتوبيس أقباط المنيا» في مايو الماضي، أن تنظيم «جنود الخلافة» تحت قيادة عمرو سعد هو المسؤول عن الهجوم الذي أدى إلى مقتل ٢٤ قبطيًا وإصابة ١٦ آخرين، بالإضافة إلى مسؤولية التنظيم عن تفجير الكنيسة البطرسية في القاهرة بديسمبر ٢٠١٦، وكنيستي المنيا والإسكندرية في أبريل ٢٠١٧. وأن عناصر التنظيم تلقت تدريباتها على عملية «أتوبيس أقباط المنيا» في منطقة قريبة من موقع العملية بالصحراء الغربية. كما قام تنظيم «المرابطون» بعملية استهدفت تمركز للقوات المسلحة بواحة الفرافرة في يوليو ٢٠١٤، ما أسفر عن مقتل ٢٨ ضابطًا ومُجندًا. ويقود التنظيم ضابط الصاعقة المفصول من الخدمة في ٢٠١١ هشام عشماوي، الذي انضم إلى تنظيم «بيت المقدس» في سيناء قبل إعلان التنظيم البيعة لأبو بكر البغدادي. وانشق عشماوي عن «بيت المقدس» بعد انتقاله إلى ليبيا وأسس تنظيمًا جديدًا مواليًا للقاعدة باسم «المرابطون». وتلقى أفراد التنظيم تدريبهم على عملية الفرافرة في الصحراء الغربية أيضًا.
مجدي عبد الغفار «الناجي الأكبر» من العمليات الإرهابية عمر سعيد ومصطفى محيي ٢٥ أكتوبر ٢٠١٧ «اوعوا حد يقول اللي حصل تقصير أمني»، قالها رئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسي مخاطبًا الشعب في ديسمبر ٢٠١٦، تعليقًا على حادث تفجير الكنيسة البطرسية بالعباسية، والذي راح ضحيته ٢٩ شخصًا. وبعد أربعة أشهر ، وعقب تفجير كنيستي مار جرجس بطنطا والمرقسية بالإسكندرية تمت مصادرة جريدة البوابة ليومين متتاليين، ١٠ و١١ أبريل، لمطالبتها بـ «محاسبة» وزير الداخلية مجدي عبد الغفار على ما اعتبرته تقصيرًا أمنيًا. وقد أدى التفجيران لمقتل ٥٠ قتيلًا. بعد حادث «طريق الواحات»، يوم الجمعة الماضي، لم يناقش رئيس الجمهورية إن كان هناك تقصيرًا أمنيًا أم لا، فيما اكتفى بتأكيده على بسالة رجال الشرطة، وذلك خلال اجتماعه مع القيادات الأمنية، الأحد الماضي، فيما لم تتطرق التغطيات الإعلامية إلى مسؤولية وزير الداخلية عن دماء أفراد وزارته الذين قُتلوا، ١٦ بحسب بيان الوزارة، وأكثر من ٥٠ بحسب تقارير إعلامية أخرى. غير أن الحادث اﻷخير يبدو نقطة انطلاق لمناقشة موقع وزير الداخلية من المحاسبة، عبر مراجعة سريعة لولايته، باستعراض لأهم الهجمات التي تعرضت لها قوات الشرطة، فضلًا عن العمليات الإرهابية الكبرى التي فشلت الداخلية في منعها، والتي أظهرت القيادة السياسية رغمًا عنها تمسكًا واضحًا بعبد الغفار، ربما لم يحظ به سابقيه. كان تعيين اللواء، المتقاعد، مجدي عبد الغفار وزيرًا للداخلية في مارس ٢٠١٥، وذلك إحياءً لتقليد قديم تنازلت عنه القيادة السياسية منذ ثورة يناير، بأن يكون الوزير آتيًا من قطاع «مباحث أمن الدولة»، «اﻷمن الوطني» فيما بعد. وهو ما خلق أملًا في تحسن قدرة اﻷجهزة المعلوماتية في الوزارة على ممارسة عملها، بشكل يساهم في حصار الجماعات المسلحة، بعدما ترأس الوزارة منذ يناير ٢٠١١ خمسة وزراء كانوا يعملون قبل توليهم للمنصب في قطاع اﻷمن العام. بخلاف التساؤلات حول تأخّر محاسبة الوزير، تسبب حادث «طريق الواحات» في إعادة حالة من السخط في الوزارة، كانت قد بدأت مع تولي عبد الغفار للوزارة، في مارس من العام قبل الماضي. وهو ما فسره ضابط كبير في الوزارة، رفض ذِكر اسمه، بقوله «منذ عودته من المعاش للوزارة عمل الوزير على وأد حالة الأمل التي اجتاحتنا. كان همه الأول الثأر من كل الضباط الذين أهملوه عندها أُحيل للتقاعد، فأخرج بعضهم من الخدمة. وأحال البعض الآخر إلى أعمال هامشية. هنا تأكد أن الرجل يخوض معارك شخصية أولًا، ثم يأتي كل شيء في المقام الثاني». ميدانيًا؛ بدأت ولاية عبد الغفار بشكل ساخن منذ اللحظة الأولى، فبعد ثلاثة أشهر فقط، استطاعت مجموعة مسلحة اغتيال النائب العام السابق هشام بركات بتفجير سيارة مفخخة في منطقة مصر الجديدة. جرت عملية الاغتيال في منطقة مؤمنة بشكل كبير لتواجد منشآت عسكرية وسيادية بها. وعلى الرغم من إلقاء القبض على المجموعات المتورطة في العملية، إلا أن ذلك لم ينف نجاح عملية اغتيال أحد أكبر قيادات الدولة في قلب عاصمتها. وفي ٣١ أكتوبر من العام ٢٠١٥، تمكن تنظيم «ولاية سيناء» من تفجير طائرة روسية في وسط سيناء، بعدما أقلعت من مطار شرم الشيخ، مما أسفر عن مقتل ٢٢٤ شخصًا. وكان للحادث تبعات سلبية على السياحة في مصر. اللافت في الأمر أن التنظيم تبنى الحادث، وفي وقت لاحق، أعلنت السلطات الروسية ومصادر مخابراتية أمريكية عن تصفية المجموعة المسؤولة عنها، إلا أن الحكومة المصرية لا تزال ترفض الاعتراف بأن الحادث كان نتيجة لعمل إرهابي. كما طالت الضربات الإرهابية في عهد عبد الغفار مقار مؤسسات دينية مسيحية، أدت إلى مقتل عشرات من المواطنين المسيحيين. البداية كانت في ديسمبر الماضي بالتفجير الانتحاري داخل الكنيسة البطرسية، الملاصقة لمقر الكاتدرائية بحي العباسية، أحد أكثر المقار المسيحية تأمينًا في مصر، مما أدى لمقتل ٢٩ شخصًا وإصابة ٤٩ آخرين. بعدها، وفي أبريل الماضي، نجح انتحاريان في تفجير نفسيهما في كنيستي مار جرجس بطنطا، والمرقسية بالإسكندرية، في يوم عيد أحد السعف، مما أدى إلى مقتل أكثر من ٤٥ شخصًا، وإصابة ١٢٦ آخرين، ونجا من انفجار «المرقسية» البابا تواضروس الثاني الذي كان قد غادر الكنيسة قبل الانفجار بدقائق. وامتد استهداف المواطنين المسيحيين إلى هجوم مسلح على أتوبيس كان يقل عددًا من المواطنين المسيحيين في طريقهم لزيارة دير «الأنبا صموئيل» في محافظة المنيا، والذي أسفر عن مقتل ٢٨ شخصًا. وبخلاف استهداف المقرات الدينية والمواطنين المسيحيين، استهدفت التنظيمات المسلحة مقري بعثتين دبلوماسيتين في القاهرة الكبرى في يوليو ٢٠١٥. فقد تعرض مبنى القنصلية الإيطالية بوسط القاهرة للتفجير مما أسفر عن تضرر أجزاء من المبنى ومقتل أحد المارة وإصابة ١٠ آخرين. كما قُتل مجند وأصيب ثلاثة آخرين بينهم شرطيان عندما أطلق مسلحون يستقلون سيارة النار على رجال شرطة مكلفين بحراسة سفارة النيجر بالجيزة. أما الهجمات المسلحة اﻷكثر تكرارًا وتنوعًا، خلال العامين الماضيين، فكانت الهجمات المُستهدِفة للقوات الشرطية نفسها، خاصة التي نفذها تنظيم «حسم» المُسلَّح، والتي تدعي الداخلية اعتقال العشرات منه، وذلك ضمن القضية المعروفة إعلاميًا بقضية «الحراك المسلح». في ديسمبر ٢٠١٦، تمكنت عناصر تنظيم «حسم» من تنفيذ أولى عملياتها، إذ زرعت عبوة ناسفة ملاصقة لكمين ثابت بحي الهرم في محافظة الجيزة، مما أدى إلى مقتل ٦ ضباط و٣ جنود وإصابة ٣ آخرين. واستمر استهداف كمائن الشرطة كنمط مستمر للعمليات المسلحة في القاهرة وخارجها، سواء عن طريق زرع عبوات ناسفة أو الاشتباك المسلح مع أفراد الكمين. ففي ١٧ فبراير ٢٠١٦، قُتل أمين شرطة وأصيب اثنين آخرين في هجوم على كمين أمني بالبدرشين. كما قُتل ٨ من أفراد الشرطة وأصيب ٣ آخرين في هجوم على كمين بالوادي الجديد. وقتل ضابطين وأمين شرطة وأصيب ٣ آخرون في هجوم على كمين بحي مدينة نصر في ٢ مايو الماضي. وبخلاف الكمائن، تكرر خلال اﻷعوام الماضية استهداف مواكب أمنية متحركة. ففي يونيو الماضي، هاجمت عناصر مسلحة سيارة ترحيلات على طريق الأوتوستراد في حي المعادي وأطلقت عليها النيران، مما أسفر عن مقتل ضابط وإصابة ٤ آخرين. وفي الشهر نفسه قُتل ضابط وأصيب آخر في انفجار عبوة ناسفة، زُرعت على جانب الطريق الدائري في مسار سيارة تقلّ قوة من قطاع الأمن المركزي. وفي يوليو الماضي هاجم مسلحون كمين أمني في مركز شرطة البدرشين بمحافظة الجيزة، واستطاعوا الفرار بعد قتل عنصرين من الشرطة و٣ مجندين. وكان شرطيًا قد قُتل وأصيب ثلاثة آخرون في هجوم على سيارة ترحيلات في الفيوم، في ٨ أغسطس ٢٠١٥. ولم يقتصر نشاط المجموعات النوعية على تنظيم «حسم»، إذ نجح تنظيم آخر، هو «لواء الثورة»، في تنفيذ ضربة كبيرة نالت من ضابط رفيع المستوى في القوات المسلحة، وذلك باغتيالهم العميد أركان حرب عادل رجائي، قائد إحدى فرق المشاة بالجيش، أمام منزله في مدينة العبور، فيما انسحبت المجموعة المنفذة من موقع الحادث دون أي ملاحقة. وفي واقعة نوعية، جرت في مايو ٢٠١٦، قُتل ٨ من أفراد المباحث بحلوان، يرتدون ملابس مدنية، أثناء استقلالهم لسيارة ميكروباص.مما أشار إلى أن المسلحين كانوا على علم بخط سير رجال الشرطة. وقبل أيام من الواقعة السابقة، انقطع ٤ ضباط شرطة بقطاع العمليات الخاصة عن العمل، وهو ما جعلهم مثارًا للشكوك، قبل أن تظهر أسماؤهم ضمن أمر إحالة ٢٩٢ شخصًا إلى القضاء العسكري، متهمين بمحاولة اغتيال الرئيس عبد الفتاح السيسي. فيما كشف قطاع التفتيش في وزارة الداخلية عن تعاون بين قيادات وضباط من الوزارة مع مطلوبين للجهات الأمنية في حوادث سابقة. وكان أبرز هذه الحوادث، واقعة التعاون مع عصابة جنائية متورطة في تجارة المخدرات وقتل ضباط شرطة، والتي كشفت التحقيقات فيها عن وجود علاقة بين ١٥ ضابطًا والعصابة، أحدهم لواء من قيادات الوزارة، كان يتقاضى منهم ٣ ملايين جنيه مقابل إبلاغهم عن أوقات الحملات الأمنية المقررة. كان حادث «طريق الواحات»، نهاية الأسبوع الماضي، قد دفع البعض للحديث عن احتمالية وجود تسريب للمعلومات اﻷمنية لمصلحة العناصر المسلحة، بشكل سمح لهم بنصب كمين لقوات اﻷمن، في حين استبعد البعض وجود «خيانة» ما، مكتفين بالإشارة لاحتمال وجود سوء استعداد. ونقلت صحيفة «المصري اليوم» عن مصادر من وزارة الداخلية أن كلًا من قطاع التفتيش والرقابة، والأمن الوطني، والأمن المركزي، والأمن العام فتحت تحقيقًا مشتركًا للبحث عن أوجه القصور المحتملة في العملية، خاصة فيما يتعلق بكفاءة استجواب العناصر التي أرشدت عن مكان العملية، وكذلك عدم كفاءة الاتصالات اللاسلكية. الاستعراض السريع السابق للعمليات الإرهابية التي تمت أثناء تولي عبد الغفار لمنصب وزير الداخلية، لم يشمل العمليات التي وقعت في محافظة شمال سيناء واستهدفت أفراد الشرطة. فرغم أن ما يحدث في سيناء يُدار من جانب جهات أُخرى بخلاف وزارة الداخلية، لا ينفي ذلك تبعية القوات الشرطية في شبه الجزيرة الحدودية للوزارة التي يترأسها عبد الغفار، والتي سقط عدد كبير من أفرادها في عمليات تنوعت بين استهداف دوريات أمنية بعبوات ناسفة مزروعة على جانب الطريق، أو قتل أفراد شرطة أمام منازلهم أو أثناء تحركهم بسيارات خاصة، فضلًا عن استهداف الكمائن الأمنية. كانت الشرطة قد أعلنت في ١٧ يونيو ٢٠١٥ عن مقتل ضابط وإصابة ٣ جنود في انفجار عبوة ناسفة بدورية أمنية بالعريش، وتكرر أسلوب تنفيذ الحادثة نفسه، في شهر أغسطس من العام نفسه، وتسبب في مقتل ضابط ومجند. فيما أسفرت حادثة شهر أكتوبر من العام نفسه عن مقتل ضابط شرطة وإصابة عريف ومجند. وفي حين تكررت حوادث مشابهة، في الأعوام التالية، مما أكد على قدرة العناصر المسلحة في شمال سيناء على رصد تحركات الدوريات الأمنية وتحديد خطوط سيرها. كما أعلنت الشرطة، في ٩ أغسطس الماضي، عن مقتل ضابط وأمين شرطة ومجندين بعد أن هاجمهم مسلحون عقب اجتياز كمين بئر العبد باتجاه مدينة العريش، وكان الأربعة يستقلون السيارة الخاصة بضابط الشرطة. وفي الشهر نفسه، قام مسلحون بإطلاق النار على ضابط شرطة، وذلك أمام منزله بحي الكرامة في العريش مما أدى إلى مقتله، مما يشير إلى معرفة العناصر المسلحة التحركات اليومية لأفراد الشرطة المقيمين في المدينة. وتسببت الهجمات على الكمائن الأمنية في سقوط أعداد كبيرة من القتلى في صفوف الشرطة. فعلى سبيل المثال قُتل ٩ من أفراد الشرطة في هجوم على كمينين أمنيين بالعريش، في ٩ يناير الماضي. في سبتمبر الماضي، هاجمت عناصر مسلحة كمين أمني على طريق القنطرة العريش، مما أدى إلى مقتل ١٨ عنصر من الشرطة، وإصابة الآخرين، مع تمكن العناصر المتورطة في الحادث من الفرار. وعلى الرغم من عدم وجود إحصاءات رسمية أو أُخرى صادرة عن مراكز بحثية عن العمليات الإرهابية التي جرت منذ تولي عبد الغفار للمنصب، في مارس من عام ٢٠١٥، وحتى الآن، إلا أن دراسة سابقة صدرت عن مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، أظهرت أن ٦٠٢ عملية إرهابية كانت قد جرت منذ تولي الوزير الحالي لمنصبه وحتى ديسمبر من العام الماضي.
ترشيح «مدى مصر» لجائزتي «مراسلون بلا حدود» و«مؤشر الرقابة» مدى مصر ٢٦ أكتوبر ٢٠١٧ أعلنت منظمة «مراسلون بلا حدود»، ومقرها باريس، وقناة «العالم الخامسة TV٥» التليفزيونية عن ترشيح «مدى مصر» لجائزة حرية الصحافة لعام ٢٠١٧، وذلك ضمن فئة المؤسسات الإعلامية. وترشّح الموقع لجائرة أخرى تمنحها منظمة «مؤشر الرقابة»، ومقرها لندن. وفي حين سيُعلن عن الفائز بالجائزة الأولى في ٧ نوفمبر المقبل، ضمن فعاليات المنتدى العالمي للديمقراطية بمدينة ستراسبورج الفرنسية، لن تمنح جائزة «مؤشر الرقابة لحرية الصحافة» إلا في أبريل من العام المقبل. وجاء في بيان منظمة «مراسلون بلا حدود»، أن فريقها اختار ١٨ مرشحًا توزّع على ثلاث فئات؛ أولها الصحفيين، والثانية لصحافة المواطن، والأخيرة المؤسسات الإعلامية. وجاءت معايير الاختيار بناءً على المهنية والاستقلال والالتزام بحرية الصحافة. وتضم قائمة المرشحين للجائزة في فئة المؤسسات الإعلامية، وقيمتها ٢٥٠٠ يورو، ستة من المتنافسين مع «مدى مصر»، وهم صحيفة «الوسط» البحرينية، وصحيفة «كمبوديا دايلي»، وإذاعة «جوبيتر» المحلية في مدينة إلاكاكا بمدغشقر، ومجلة «ريو دوسيه» الأسبوعية في المكسيك، ومجلة «فاكتوم» الإلكترونية في السلفادور، وموقع «ميديا سكوب» في تركيا. وجاء في البيان أن «موقع «مدى مصر» يُعد مصدرًا رئيسيًا للأخبار عن مصر للقراء المصريين والأجانب، بما يغطيه من موضوعات شائكة دائمًا ما يتم تجاهلها بواسطة الوسائل الإعلامية الأخرى في مصر». وأضاف البيان أن الموقع، الذي أُسس في ٢٠١٣، تعرض للحجب «بسبب سعيه (نحو) تقديم تغطية صحفية مستقلة. فكان من أوائل المواقع الصحفية التي تمّ استهدافها في مايو الماضي، عندما قررت السلطات المصرية حجب المئات من المواقع داخل مصر، ومن وقتها ينشر المحتوى الخاص به على فيسبوك». وكانت سلطات الاتصالات المصرية قد حجبت، منذ مايو الماضي، عددًا من المواقع الإخبارية من بينها «مدى مصر»، فضلًا عن منصات إلكترونية أُخرى تقدم خدمات تجاوز الحجب. ورصد تقرير «قرار من جهة مجهولة»، الصادر عن مؤسسة «حرية الفكر والتعبير»، مطلع أكتوبر الجاري، وصول عدد المواقع المحجوبة عن المستخدمين في مصر إلى ٤٣٤ موقعًا. فيما تعرضت كل من المؤسسات الأُخرى المرشحة للجائزة، عدا موقع «ميديا سكوب» التركي، لأنماط مختلفة من التضييق من جانب السلطات في بلادها، بحسب موقع «مراسلون بلا حدود». فقد أُغلقت صحيفة «الوسط» بواسطة السلطات البحرينية في ٥ يونيو الماضي بدعوى «التحريض على الانقسام، ومحاولة إفساد العلاقات الدولية البحرينية»، وذلك بعد تضييقات تعرضت لها الصحيفة منذ تأسيسها في ٢٠٠٢. كما أُجبرت صحيفة «كمبوديا دايلي»، التي تأسست في ١٩٩٣، على إيقاف نسختها المطبوعة منذ ٤ سبتمبر الماضي، والاكتفاء بالموقع الإلكتروني، وذلك بعد تضييقات مالية من قِبل الدولة. كما صادرت السلطات المحلية أجهزة البث الخاصة بإذاعة «جوبيتر» المحلية بمدغشقر، والتي تأسست في ٢٠٠٢، وألقت القبض على مؤسسها في شهر مايو الماضي، ووُجهت له اتهامات بـ «التحريض على التمرد». وتعرض صحفيو مجلة «ريو دوسيه» الأسبوعية في المكسيك، ومجلة «فاكتوم» الإلكترونية في السلفادور كذلك، إلى تهديدات عديدة بالقتل بسبب تحقيقاتهم الاستقصائية، فيما قُتل خافيير كارديناس، أحد مؤسسي «ريو دوسيه»، على يد شخص مُلثم في مايو الماضي. كما أعلنت منظمة «مؤشر الرقابة»، ومقرها لندن، عن ترشيح «مدى مصر» لجائزة حرية الصحافة لعام ٢٠١٨ ضمن فئة الصحافة. وسبق أن رُشّح الموقع للجائزة نفسها في الدورة السابقة من ترشيحات المنظمة. وتشمل الجائزة ٣ فئات أخرى هي الحملات، والنشاط الرقمي، والفنون. وتحتفي الجوائز بـ«بالشجاعة والإبداع في مواجهة الرقابة ضمن هذه الفئات الأربعة»، بحسب ما جاء بموقع المنظمة. وستُعلن المنظمة أسماء القائمة القصيرة للمرشحين في ١٦ فبراير ٢٠١٨، فيما سيُعلن عن الفائز في أبريل المقبل. وتوفر منظمة «مؤشر الرقابة» للفائزين منحة تدريب لمدة ١٢ شهرًا لـ«زيادة قدرة الأصوات التي تعمل على مواجهة الرقابة في مختلف أرجاء العالم على التأثير والاستمرارية». وسبق أن رُشّح «مدى مصر» لجائزة «رائف بدوي للصحافة الشجاعة»، والتي تمنحها مؤسسة «فرديرش ناومن للحرية»، لمرتين، كانت الأولى في ٢٠١٥، بينما كانت الأخيرة في يوليو الماضي.
الأقباط في مناهج التاريخ المصرية (٢) المناهج الحالية وجواهر مخبأة في المناهج السابقة إيهاب عبده ٢٦ أكتوبر ٢٠١٧ من المهم في البداية الاعتراف بأن كتب التاريخ المدرسية صارت، على مدار العقدين الماضيين، تولي المزيد من الاهتمام للحقبة القبطية، التي تعرّفها بأنها تلك الفترة الممتدة من عام ٣٠ إلى ٦٤١ بعد الميلاد. ويتضمن ذلك ذكرًا لبعض المساهمات القبطية، مثل الأدب والفن القبطي القديم، وهي تطورات مهمة في الاتجاه الصحيح. وكما ذُكر في الجزء الأول من هذا المقال، فبالإضافة إلى أهمية مراجعة السردية التاريخية برمتها، لوقوعها تحت هيمنة منظور عربي إسلامي، فمن المهم أيضًا أن نسكتشف على وجه الدقة أي تاريخ قبطي يُقدّم في المساحة المحدودة المخصصة للأقباط في كتب مناهج التاريخ. عادةً ما يُقدَّم تاريخ المسيحية في مصر تحت القسم الفرعي الخاص بـ«الحكم الروماني لمصر»، مُقتَصرًا في صفحات قليلة، بما لا يتناسب مع حجمه الحقيقي، وبالمقارنة بحقب أخرى. ووفقًا لتحليلي لمكانة الأقباط والحقبة القبطية في الكتب المدرسية لمنهج التاريخ منذ تسعينيات القرن التاسع عشر، تظهر بعض الموضوعات الرئيسية، أسلط الضوء أدناه على ثلاثة موضوعات محورية منها. أما البحث عن سبل التقدم للأمام، فلا يعني فقط تبني إطار جديد بالكامل، بل قد يُستلهم أيضًا من النماذج الأفضل عبر أكثر من مائة عام من المناهج المدرسية. لذا أدرجت بعض البدائل المُستلهَمة من محتوى ونهج بعض كتب التاريخ المدرسية الأقدم. وفي نهاية المقالة، أقترح نهجًا بديلًا قائمًا على هذه الكتب. وتستند هذه المقالة إلى تحليل كل كتب التاريخ المدرسية المتوافرة في أرشيف متحف التعليم التابع لوزارة التربية والتعليم بالقاهرة، والتي تعود إلى العام ١٨٩٠. ١ المساهمات القبطية تُقدَّم في حدود دنيا وبصورة متقطعة تحتوي الكتب المدرسية المصرية على بعض الإشارات الموجزة للرهبنة وأديرة الصحراء، وللشهداء الأقباط في نضالهم ضد الرومان، ولبعض الحِرَف التي برع فيها الأقباط مثل ورق البردي وغزل المنسوجات القبطية المعروفة بالـ«قباطي»، مع إشارات أخرى وموجزة للأدب والفن القبطيين. غير أن هذه المساهمات القبطية لا تُقدَّم بطرق توضح أهميتها أو استمراريتها. وربما تمكن ملاحظة أحد أوضح الإغفالات عن المساهمات القبطية في كتاب منهج الدراسات الاجتماعية للعام ١٩٥٧، والذي خصص أقسامًا كبيرة لتطور حرف الزجاج والأخشاب والجلود والورق والمعادن والمنسوجات عبر التاريخ المصري. في كل من هذه الحرف، يناقش المنهج أشكالها المصرية القديمة وتطورها خلال الحقبة العربية الاسلامية. ومع إشاراته الغزيرة لكل من «العهد الفرعوني والعصور الإسلامية»، لا يأتي الكتاب المدرسي على أي ذكر لأي مساهمات من الحقبة القبطية (ر.م ١٤٧ صفحة ٨٢). وعلى نحو مشابه، يقدم منهج العام ١٩٩٤ ست شخصيات مصرية هامة؛ الملك مينا، وصلاح الدين، ومحمد علي، وسعد زغلول، والرئيسين عبد الناصر والسادات (ر.م ٦٤ صفحة ٩٧ إلى ١١٨). وبصرف النظر عن الملك مينا، فإن الشخصيات الأخرى كلها من المسلمين، وكلها من الرجال. وفي الكتب المدرسية الحالية، وفي ما يتعلق بالمساهمات الحديثة، فباستثناء ثورة ١٩١٩، وبعض الإشارات الموجزة لأهمية انتفاضتي ٢٠١١ و٢٠١٣ في توكيد الشعور بالوحدة الوطنية، لا نقرأ إلا القليل للغاية عن المساهمات القبطية الحديثة. وبالتالى، فمن البديهي أن اقتصار الأقباط وإسهاماتهم، بصورة تكاد تكون حصريةً، في المساحة المحدودة بالأصل والمخصصة لـ«الحقبة القبطية»، يعطي انطباعًا خاطئًا بعدم وجود إسهامات هامة لاحقة جاءت من جانب الأقباط في الأزمنة التالية، بما فيها العصر الحديث. أمثلة ملهمة من الكتب المدرسية الأقدم بشكل عام، يجب تضمين المساهمات القبطية، سواء القديمة منها أو الحديثة، في مناهج التاريخ بطريقة أكثر اتزانًا. وقد يكون التوسع في بعض المساهمات المذكورة في المناهج السابقة بدايةً جيدة. على سبيل المثال، فمنهج العام ١٩٣٤ قدّم دور الأقباط في ثورة القاهرة الثانية ضد الحملة الفرنسية بزعامة نابليون عام ١٨٠٠، متضمنًا قائمة بأسماء بعض من «أكابر الأقباط» (ر.م ٣٩٠ صفحة ٣٢). كما أوضح منهج العام ١٩٥٤ أيضًا أن البريطانيين، ردًا على ثورة ١٩١٩، عاقبوا واضطهدوا القادة المسلمين والأقباط على حد سواء (ر.م ٩٧ صفحة ١٣٦). وكذلك ذكر منهج ١٩٧٧ أن وفد سعد زغلول إلى مؤتمر السلام في فرنسا، عام ١٩١٩، اشتمل على شخصيات قبطية (ر.م ٢٣١ صفحة ٩٥). وفي وصفه للمقاومة ضد المستعمر البريطاني عام ١٨٨٢، استشهد منهج العام ١٩٧٠ بما ذكره الزعيم والمفكر الإسلامى الشهير محمد عبده من شغف واستعداد كل من المسلمين والأقباط، وقادتهم، للكفاح ضد البريطانيين (ر.م ٢٢٦ صفحة ١٢٠). ٢ الأقباط يُصوَّرون باعتبارهم مضطهدين وسلبيين إلى حد كبير كما ذكرنا، التغطية التفصيلية الوحيدة للأقباط تظهر في القسم الخاص بـ«مصر تحت الحكم الروماني»، وفيها يُصوَّر الأقباط إلى حد كبير باعتبارهم ضحايا طالما تحملوا التعذيب والإذلال. وما يضفي تأثيرًا دراميًا على ذلك هو استخدام صور مرسومة يدويًا لمسيحيين يلقي بهم الرومان للأسود. ويمكن تتبع هذه الصور بالعودة إلى مناهج الستينيات، بل وتستمر هذه الصور في الظهور في كتب المناهج الحالية. ورغم إدراج صور أخرى لأديرة مصرية في الصحراء، وبعض الأيقونات القبطية، فإن هذه الصور المرسومة الناضحة بالعنف، تترك على الأرجح أثرًا عاطفيًا قويًا وعميقًا لدى الطلاب، من شأنه التكريس لصورة الأقباط كضحايا. في ما يتعلق بتصوير سلبية الأقباط، لا تأتي الكثير من كتب المناهج المدرسية، في وصفها للفتح العربي الإسلامي مثلًا (حوالي العام ٦٤١ ميلاديًا)، على ذكر الأقباط أو أي دور قد يكونون اضطلعوا به، فتصوّر هذا الفتح ببساطة بوصفه صراعًا بين الجيوش العربية المحرِّرة وجيوش الرومان المستعمرة. وفي مسعاها لتعزيز الهوية العربية تذهب كتب المناهج الدراسية في الستينيات لأبعد من ذلك حيث تدّعى أن المصريين كانوا عربًا بالفعل قبل الفتح، وبالتالي فإن قلوب المصريين مالت لـ«الانضمام الى الدولة الفتية»، كما أنهم «عملوا على مساندة إخوانهم العرب ضد الحكم الروماني» (ر.م ١٤٥، سنة ١٩٦٠ صفحة ٢٤١)، ولذلك فقد «رحب المصريون بإخوانهم العرب» (ر.م ١٥٢، سنة ١٩٦٧ صفحة ٨٥). الكثير من كتب التاريخ الخاضعة للتحليل هنا، بما فيها الكتب الحالية، تتضمن ذكرًا لبعض استراتيجيات الاحتجاج، الإيجابية والسلبية، التي استخدمها الأقباط في مقاومة الرومان، وهكذا تنسب للأقباط شيئًا من القدرة على أخذ زمام المبادرة. غير أنه حين يتعلق الأمر بمقاومة الفتح العربي الإسلامي والحكام المسلمين والانتفاضات ضدهم، تخلو المناهج من أي ذكر لأي دلالة للأقباط كجماعة وطنية ذات مصالح جماعية، ولديها القدرة على المقاومة أوالتنظيم أوعرض مطالبها. أمثلة ملهمة من الكتب المدرسية الأقدم وبينما تنقل كتب المناهج الأحدث، والحالية أيضًا، قصة احتضان الأقباط للفتح العربي الإسلامي والترحيب الكامل به، تلمّح بعض المناهج الأقدم إلى سرديات قد يكون من المهم إدراجها. بعض هذه السرديات يدور حول الموقف المحايد الذي اتخذه الأٌقباط، وتشرح كيف أن الأمر استغرق من الأقباط وقتًا لتقرير ما إذا كانوا سينحازون للعرب أم الرومان (على سبيل المثال ر.م ٣٣٦ صفحة ٣٥. ر.م ٢٨٥، سنة ١٩٤٠ صفحة ٢٤٨. ر.م ٢١٠، سنة ١٩٥٧ صفحة ٣٨. ر.م ٣٧٦، سنة ١٩٩٠ صفحة ٥٦). بل وتذهب بعض المناهج الأقدم إلى أبعد من ذلك، لتصف الغضب الذي شعر به الأقباط تجاه المقوقس، الحاكم البيزنطي لمصر، نظرًا لجور الاتفاق الذي وقعه مع العرب المسلمين على حقوقهم، ومن ثم تشير إلى استمرار المقاومة من قبل سكان الإسكندرية، وغيرها من المدن، ضد الفتح (ر.م ٢٦٢، سنة ١٩٢٨ صفحة ٤٤٣ و٤٤٧). ٣ حذف الإشارات إلى مظاهر الظلم أو التوترات في ما يتعلق بالنقطة المطروحة أعلاه، تخلو الكتب المدرسية الحالية لحد كبير من أي ذكر للظلم الذي وقع على الأقباط، إلا خلال الحقبة الرومانية والبيزنطية. وعلى نحو مشابه، حيث تحذف الكتب الحالية التوترات أو الصراعات التي دارت بين المسلمين والأقباط. وبينما تظهر بعض التوترات ومظاهر الظلم التي فرضها الحكام المسلمون الأوائل في كتب المناهج الأقدم، فقد صارت تُحذَف بشكل كبير منذ الستينيات. وكذلك، بينما كانت بعض التوترات الطائفية في فترة ما قبل ثورة ١٩١٩ تُذكر في كتب المناهج الأقدم، إلا أنه يجري التغاضي عنها حاليًا. أمثلة ملهمة من الكتب المدرسية الأقدم تشير بعض الكتب المدرسية الأقدم إلى مظاهر الظلم خلال فترة حكم الخليفة العباسي المأمون، والتي أدت إلى اندلاع انتفاضات قام بها كل من «الأقباط والقبائل العربية» على حد سواء في منطقة الدلتا، وقُمعت بعنف (على سبيل المثال ر.م ٢٦٦، سنة ١٩١٢ صفحة ١٠٢. ر.م ٢٥٩، سنة ١٩٢٣ صفحة ٩٣. ر.م ٣٣٧، سنة ١٩٢٥ صفحة ١٠٩. ر.م ٣٣٦، سنة ١٩٣٤ صفحة ٩٦ و٩٧. ر.م ٣٤٢، سنة ١٩٤٩ صفحة ٨٦ و٨٧. ر.م ٢١٠، سنة ١٩٥٧ صفحة ٧٧). ولكن في مقابل هذه السردية، التي اختفت في أوائل الستينيات، تشير بعض كتب المناهج الحالية، بشكل عابر وموجز جدًا، إلى «اضطرار» الخليفة المأمون «لقمع بعض الانتفاضات والصراعات» (على سبيل المثال الصف الثاني الإعدادي (٢)، سنة ٢٠١٣ صفحة ٤٢ و٤٥). وفي ما يتعلق بالتوترات والصراعات الأحدث من ذلك، تذكر بعض كتب المناهج الأقدم النجاح الأوّلي لاستراتيجية الاحتلال البريطاني «فرّق تسدْ»، التي دشّنها السير إلدون جورست، والتي أدت لاحتقان كبير و«تنابذ بالقول» أشعل نزاعًا بين الأقباط والمسلمين (ر.م ٤٦٠، سنة ١٩٣٣ صفحة ٢٥٩. ر.م ٤٨، سنة ١٩٣٧ صفحة ٩٣. ر.م ٤٥١، سنة ١٩٤٨ صفحة ٢٩٦. ر.م ٢٤٣، سنة ١٩٥٩ صفحة ١٧٤). غير أن الكتب المدرسية، بدلًا من ذلك، قد بدأت منذ أوائل السبعينيات في استخدام ثورة ١٩١٩ بشكل حصري من أجل التأكيد على الوحدة الوطنية، متجنبةً ذكر أي من الصراعات أو التوترات الأولية (على سبيل المثال ر.م ٢٣٠، سنة ١٩٧٣ صفحة ٧٢. ر.م ٤٢٣، سنة ١٩٨٤. ر.م ٤٣١، سنة ١٩٩٣ صفحة ١٥٢ و١٥٣. الصف الثالث الإعدادي (١)، سنة ٢٠١٣ صفحة ٩١. الصف الثالث الإعدادي (١)، سنة ٢٠١٦ صفحة ٨٣). يحتاج الطلاب للتعرف على مظاهر الظلم الماضية والحالية، والتوترات وأسبابها وجذورها، للتعلم منها، بالإضافة إلى النماذج التاريخية للتسامح والتعايش السلمي لاستلهامها. على سبيل المثال، تشرح بعض الكتب المدرسية الأقدم، بتفصيل كامل، كيف شارك المصريون بنشاط وعلى اختلاف أديانهم، بالذات خلال حكم الفاطميين والإخشيديين، في بعض أعياد المسلمين والمسيحيين، مثل عيد الغطاس، الذي تضمن النزول معًا إلى نهر النيل، واستقلال القوارب، وإضاءة المشاعل، وارتداء الملابس الجميلة، والإعداد لمآدب طعام جماعية (على سبيل المثال ر.م ٣٤٢، سنة ١٩٤٩ صفحة ١٠٥. ر.م ٨٧، سنة ١٩٧٦ صفحة ٥٥ و٥٦. ر.م ٩٠، سنة ١٩٨٦). إرساء نهج بديل لعل توفير مساحة أوسع للحقبة القبطية، علاوة على تضمين بعض من المادة المحذوفة المشار إليها أعلاه، يمثلان تحسنًا كبيرًا، لكنه لن يكون كافيًا بأي حال، إذا كنا نتطلع إلى تاريخ شامل يحفز على التفكير النقدي أيضًا. في ما يلي محاولة لتقديم نهج بديل ممكن، وإطار سردي مستلهم جزئيًا من بعض كتب المناهج الأقدم. يشدد النهج المُقترح هنا على الاستمرارية الثقافية للشعب المصري على مر التاريخ، ودراسة تطور جوانب معينة من الثقافة، أو استمرارها، أو تغيرها مع الوقت في ظل عوامل متعددة مثل توالي الحكام المختلفين، ونشوء أووفود ديانات جديدة، وتفاعلات المصريين مع الشعوب والحضارات الأخرى، تلك التفاعلات التي تسهّلها ظواهر مثل التجارة والهجرة. للتوضيح، فهذا النهج لن يتوقف عند عرض التأثيرات في اتجاه واحد؛ تأثير الفن والعمارة عند قدماء المصريين على الفن القبطي مثلًا، وإنما سيحاول أيضًا إظهار استمرارية مثل هذه التأثيرات الثقافية، من خلال تسليط الضوء على التأثير القبطي على الأشكال اللاحقة من الفن والعمارة الإسلاميين. من شأن مثل هذا النهج أيضًا أن يسلط الضوء على القواسم المشتركة ذات المعنى والأهمية بين المصريين، مع عدم إنكار الاختلافات الحقيقية. على سبيل المثال، تُبرز الكتب المدرسية الحالية بعض العادات المشتركة والمستمدة من استمرارية الحضارة المصرية القديمة، مثل لعبة السيجا المصرية القديمة، والتي لا تزال تُمارس في بعض مناطق الريف المصري، أو احتفالات شم النسيم السنوية (على سبيل المثال ر.م ٢٨٥، سنة ١٩٤٠ صفحة ١٩٦. الصف الأول الثانوي، سنة ٢٠١٣ صفحة ٦١. الصف الأول الثانوي، سنة ٢٠١٦ صفحة ٤٨). وسارت كتب مناهج الثلاثينيات والأربعينيات، بتوجهاتها القومية المصرية، أبعد من ذلك، عبر تركيزها على أبعاد أهم وأكثر أساسية، مثل الأصول المشتركة للنظم العقائدية والممارسات الدينية لدى المصريين على اختلاف أديانهم الحالية. ولم يقتصر هذا التركيز فقط على تمرير تعليقات تهدف إلى إبراز الممارسات التي استمرت منذ عهود قدماء المصريين، والتى نجدها فى إشارات مثل «كمثل الشيخ والقسيس عندنا» (على سبيل المثال ر.م ٧، سنة ١٩٣٦ صفحة ٥٢. ر.م ٢٥، سنة ١٩٤٩ صفحة ٤٠)، بل أنه سلط الضوء كذلك على تشابه واستمرارية الكثير من المعتقدات الأساسية عبر هذه الأديان، مثل الإيمان المصري القديم بالحياة الأخرى ويوم الحساب، والذي أشار إليه منهج مدرسي للعام ١٩٣٦ بـ«يوم القيامة»، مستخدمًا نفس الكلمة التى يتداولها المسيحيون والمسلمون المصريون المعاصرون (ر.م ٧ صفحة ١٠٥ و١٠٦). لكن هذه السردية تتعارض مع بعض الكتب المدرسية الحالية مثل كتاب الصف الأول الإعدادي (١) للعام ٢٠١٦، التي تقدّم منطق «الحياة الأخرى» كسبب دفع المصريين القدماء لتبني المسيحية، بينما لا تبرز مثلًا أنه كان بالفعل جزءًا أساسيًا من معتقدات المصريين القدماء، وربما كان سببًا هامًا في جاذبية المسيحية واعتناقهم لها. ولكن خطر نهج الاستمرارية الثقافية المقترح هنا يكمن في إمكانية تعزيزه الشعور بالتعالي والفوقية بين الطلاب المصريين في مواجهة آخرين، أو في مواجهة أقليات غير ذات أصول مصرية، مثل اللاجئين أو المهاجرين القادمين حديثًا إلى البلاد. لذلك، لابد أن يقترن هذا النهج بتطوير المهارات البحثية التاريخية والممارسات النقدية. ويعتمد تطوير المهارات التاريخية النقدية بصورة كبيرة على الطريقة التي يُدرّس بها التاريخ. ونظرًا لمركزية الكتب الدراسية في الفصول المدرسية المصرية، فإن الأمر يعتمد على الطريقة التي تُقدم بها السرديات التاريخية في تلك الكتب إن كانت حقائق نهائية تُدرّس وتُحفظ بشكل سلبي، أم سرديات مصحوبة بتفسيرات ورؤى متنافسة. كتب مناهج التاريخ الحالية تسرد ، إلى حد كبير، منظورًا واحدًا للتاريخ بصوت سلطوي نادرًا ما يحفز الطلاب على التساؤل والبحث بأنفسهم عن سرديات تاريخية بديلة. ولمعالجة ذلك، يمكننا هنا، مرةً أخرى، الاستلهام من المناهج المدرسية الأقدم. على سبيل المثال، وعلى النقيض من المناهج التي تُرجع الفضل في توحيد مصر للملك مينا بمفرده، فمنهج التاريخ للعام ١٩٣٠ مثلًا يشير لصعوبة إقرار إذا ما كان مينا وحده هو المسؤول عن توحيد مصر العليا والسفلى، أم أنها كانت عمليةً تدريجيةً تطلبت جهود العديد من الملوك المتعاقبين، ليلقي المنهج بذلك ببعض ظلال الشك على تلك السردية الهامة، وبالتالي يساعد الطلاب على تقييم ديناميكية التاريخ وبنيانه وتفسيراته (ر.م ٢٧٢، سنة ١٩٣٠ صفحة ٢٩). وأخيرًا، كان المفكر المصري البارز طه حسين قد شارك في كتابة بعض مناهج التاريخ، التي قدّم فيها المؤلفون للطلاب قائمةً من المصادر التاريخية الأولية، لتشجيعهم على الاشتباك النقدي مع هذه المصادر، وتفسيرها، وربما استخلاص سردياتهم التاريخية الخاصة (على سبيل المثال ر.م ٣٩٩، سنة ١٩٥٤). ومن شأن تقديم بعض السرديات التاريخية المتنافسة، أو حتى التشكيك بمهارة في بعض السرديات التاريخية، أن يساعد الطلاب على البدء في تطوير مهارات التفكير النقدي، ورؤية ما هو أبعد من التصور الواهم والمتلخص في كون السرديات التاريخية حقيقة واحدة غير قابلة للنقد أو التشكيك. فيسمح ذلك للطلاب بالبدء في تفهم وجود سرديات متنافسة في غالب الأحوال، وأن هذه السرديات إلى حد كبير هي من بناء المؤرخين، الذين استندوا فيها لبحثهم التاريخي، بالإضافة لاجتهاداتهم الشخصية والتي لابد وأن تتأثر برؤاهم وانحيازاتهم الفكرية. بل ويسمح هذا أيضًا للطلاب بأن يكونوا أكثر تقديرًا وتقبلًا واحترامًا للرؤى ووجهات النظر المختلفة. لكتابة هذا المقال، بجزئيه، أتيح لي الوصول إلى الأرشيف بين يناير ومارس ٢٠١٧، وأود التعبير عن امتناني للفريق العامل هناك لحسن ضيافته ودعمه الاحترافي. كما أتوجه بالشكر لهيئة تحرير «مدى مصر»، وأيضًا للأشخاص التالية أسماؤهم، على رؤاهم المفيدة للغاية وردودهم النقدية على نسخ أقدم من هاتين المقالتين فريدة مقار وهديل غنيم ومنى مكرم الله ومها بالي وجويس رفلة. صورة الموضوع القطعة رقم ٣٧٩٧ بالمتحف القبطي بالقاهرة
٢١٠ من مشجعي «الزمالك» يضربون عن الطعام احتجاجًا على قرار النيابة العسكرية باستمرار حبسهم مدى مصر ٢٦ أكتوبر ٢٠١٧ أعلن ٢١٠ من مشجعي نادي الزمالك المحبوسين في سجن الحضرة بالإسكندرية اليوم، الخميس، الإضراب عن الطعام احتجاجًا على قرار المحكمة العسكرية باستمرار حبسهم لمدة شهر مساء أمس، بحسب تصريحات المحامي محمد حافظ لـ «مدى مصر». وأضاف حافظ أن الشباب قد قرروا عدم استلام طعام السجن أو الزيارات التي أرسلها لهم الأهالي اليوم، من من جانبها اعتدت قوات الأمن على بالسجن الشباب بالضرب وحلق شعر رؤوسهم وتهديدهم بتوزيعهم على عنابر الجنائيين في حال رفضهم وقف الإضراب عن الطعام، مما أدى لإحداث إصابات لبعضهم. وأضاف المحامي «استمر تجديد حبس المتهمين لمدة ١٢٠ يومًا على الرغم من دفع التكاليف الخاصة بالتلفيات التي اتهموا بإحداثها باستاد برج العرب، واستمرار إخلاء سبيل عدد من المشجعين المقبوض عليهم في قضايا مشابهة مثل مشجعي نادي الصفاقسي التونسي». كانت نيابة غرب الإسكندرية الكلية قد قررت في يوليو الماضي إحالة ٢٣٦ من مشجعي نادي الزمالك للنيابة العسكرية، عقب القبض عليهم من محيط استاد برج العرب، واحتجاز ٢١٠ منهم في سجن الحضرة، فيما تم احتجاز ٢٦ في مدير أمن الإسكندرية، حيث يواجهون اتهامات بالانضمام وتولي قيادة جماعة مؤسسة على خلاف أحكام القانون، واستخدام الإرهاب كوسيلة لتحقيق غرض الجماعة، والترويج لأفكار تلك الجماعة ومنع مؤسسات الدولة من ممارسة أعمالها، وحيازة مفرقعات (شماريخ)، واستعمالها بطريقة من شأنها تهديد حياة الأشخاص وتعريضهم للخطر، والجهر بالصياح لإثارة الفتن، والتعدي على رجال الشرطة بالضرب ومقاومتهم أثناء ممارسة عملهم. مما نتج عنه إصابات في صفوفهم، واستعراض القوة، وإهانة رجال الشرطة بالقول بسبب ممارسة عملهم، والإتلاف والتخريب العمدي للأموال الثابتة والمنقولة. وبحسب حافظ، فقد اندلعت أمس اشتباكات بين أهالي المقبوض عليهم وقوات الشرطة المصاحبة لهم بمحيط المحكمة العسكرية بالإسكندرية، حيث فقدت أم أحد الشباب وعيها بعد سماع خبر تجديد الحبس، وهو ما أثار حالة من الغضب وسط الأهالي. وأثناء انتظار عربة الإسعاف، قام أحد الضباط بالاعتداء على فتاتين من أهالي المقبوض عليهم بالضرب واستطاع الهروب عن طريق المخبرين المتواجدين قبل التوصل إلى هويته، طبقًا لحافظ.
٤٥ يومًا.. أول تجديد حبس لـ هشام جعفر في العام الثالث من السجن دون محاكمة مدى مصر ٢٦ أكتوبر ٢٠١٧ جددت الدائرة ١٥ بمحكمة جنايات القاهرة اليوم، الخميس، حبس الصحفي والباحث هشام جعفر لمدة ٤٥ يومًا على ذمة التحقيقات معه في تهم بتلقي رشوة دولية والانضمام لجماعة أسست على خلاف القانون بالرغم من انقضاء المدة القصوى للحبس الاحتياطي التي ينص عليها قانون الإجراءات الجنائية. بعد قرار تجديد الحبس، أعلنت منار الطنطاوي، زوجة جعفر، عبر حسابها على فيسبوك بدء زوجها إضرابًا مفتوحًا عن الطعام والعلاج اعتراضًا على استمرار حبسه بخلاف القانون. كان جعفر قد أكمل عامين في الحبس الاحتياطي في ٢١ أكتوبر الجاري، وهي المدة القصوى للحبس الاحتياطي بحسب المادة ١٤٣ من قانون الإجراءات الجنائية الذي يضع حد أقصى للحبس الاحتياطي في الجنايات بين ١٨ شهرًا وسنتين. ألقي القبض على جعفر عقب اقتحام قوة أمنية مكتب مدى للتنمية الإعلامية، الذي يديره، في ٢١ أكتوبر ٢٠١٥ وتم احتجازه في سجن العقرب شديد الحراسة على ذمة تهم بتلقي رشوة دولية والانضمام لجماعة أسست على خلاف القانون. وتعتبر حالة جعفر هي الأولى التي يتم فيها تفعيل التعديل الذي أقره الرئيس عبد الفتاح السيسي في سبتمبر ٢٠١٤ على المادة ٧٨ من قانون العقوبات، التي جرمت تلقي التمويل من أي جهة أجنبية «بقصد ارتكاب عمل ضار بمصلحة قومية أو المساس باستقلال البلاد أو وحدتها أو سلامة أراضيها أو القيام بأعمال عدائية ضد مصر، أو الإخلال بالأمن والسلم العام». بحسب التعديل الأخير أصبح جعفر مهددًا بالسجن ١٥ عامًا إذا أدين بتلك التهمة. كانت أسرة جعفر ومؤسسات حقوقية اتهمت السلطات بالإهمال الطبي الذي تسبب في تدهور شديد في صحة الصحفي والباحث المعتقل. يعاني جعفر من ضمور العصب البصري بالإضافة لتضخم البروستاتا. كانت زوجة الباحث، منار طنطاوي، قالت إن السلطات سمحت بشكل متقطع بدخول الفيتامينات التي يحتاجها جعفر للحفاظ على بصره من التدهور السريع بعد منعها عنه تمامًا في أول شهرين من الاعتقال. كما لم تسمح السلطات بدخول النظارات الطبية الخاصة بجعفر سوى بعد مرور شهور على حبسه. اشتكت طنطاوي أيضًا من تأثير حبس جعفر غالبية المدة في زنزانة ضيقة بسجن العقرب لا تدخلها الشمس على تدهور بصره. كانت السلطات نقلت جعفر لمستشفى قصر العيني لمدة خمسة أشهر في ٢٠١٦، إلا أنه بحسب زوجته تلقى رعاية طبية محدودة هناك قبل نقله لسجن العقرب مرة أخرى في أغسطس ٢٠١٦. حذرت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية في تقرير لها العام الماضي من استخدام الحبس الاحتياطي كعقوبة سياسية، وليس كتدبير احترازي كما ينص القانون. أشارت المبادرة وقت نشر التقرير في مايو ٢٠١٦ أن أكثر من ١٤٠٠ مسجون استمر حبسهم دون سند قانوني بعد انتهاء المدة القانونية للحبس الاحتياطي.
«الشيخ جاكسون» قصة رنانة مجوفة من الداخل حسين حسام ٢٦ أكتوبر ٢٠١٧ فيلم «الشيخ جاكسون» دراسة تحليلية لشخصية بطله الشيخ، مستوحاة بصفة رئيسية من التجربة الحياتية لمخرج الفيلم عمرو سلامة، كما صرّح في عدد من المقابلات. يتطرَّق الفيلم لقضايا متعددة كالهوية، والتديّن السلفي، وعلاقتهما بفكرة الموت. ولكن بسبب طبيعة مقاربته الحذرة والمحسوبة بدقة، لا يكاد الشيخ جاكسون يخدش سطح قضاياه. يُفتتَح الفيلم الذي كتب له السيناريو عمرو سلامة وعمر خالد؛ بتقديم شخصيته الرئيسية، الشيخ السلفي الشاب (أحمد الفيشاوي)، وهو يؤم المصلين في صلاة الفجر في المسجد؛ متضرعًا في وصلة بكاء حارة. يفسِّر لنا بعد ذلك؛ حرصه على البكاء في صلواته باقتباس من الحديث الإسلامي (حُرّمت النار على عين بكت من خشية الله). في المشهد التالي، نتابع الشيخ مع زوجته (أمينة خليل) وهو يُريها خاتمه الجديدة ذو الشاشة الرقمية والزِريّن اللذين يسجّل بهما حسناته وسيئاته التي اقترفها أثناء يومه. بهذا الهوس الكمي بهواجس الثواب والعقاب، يؤسِّس الفيلم رؤيته السطحية الساخرة لنمط الحياة السلفي. عندما يعلم الشيخ بخبر وفاة مايكل جاكسون، مثله الأعلى السابق، ورمز مراهقته المضطربة، يهتز داخليًا، وتلعب هذه التفصيلة دور المحرك للأحداث، لأنها تقوم بإزكاء نار الصراع الخامد داخله، ليجد نفسه في مواجهة أزمة هوية مكتملة، ما يدفع حياته إلى التدهور. يبدأ الشيخ في المعاناة من كوابيس متكررة، نتيجة إحساسه بالذنب من ما يُطلِق عليه «انتكاسة إيمانيّة»، بعد أن بات غير قادر على البكاء في صلاته ما يسبب له ضيقًا شديدًا يدفعه لطلب العلاج النفسي، واسترجاع ذكريات الماضي لفهم مشكلته الحالية. بالتالي، ومن خلال المَشاهد التي تعود بنا إلى الوراء، حيثُ نقابل نسخته المراهِقة (أحمد مالك)، يتم تأسيس الصراع الأساسي للفيلم، والذي يتلخَّص في الحب مقابل الخوف. يُمثّل طرفي هذا الصراع والدا البطل الأب مدرِّب الرياضة القاسي حاد الطباع الذي يبدي إعجابه بصدام حسين و احتقاره للمخنثين أمثال (مايكل جاكسون)، والأم الحنون الملائكية التي تعترف لابنها بحبها لجاكسون وتسأله كتمان السر. اختيار أن يكون التبايُن بين المكوِّنيْن الأساسيين المساهميْن في تشكيل شخصية البطل، صارخًا بهذا الشكل، رسَّخ لسطحية المعالجة. بالإضافة إلى أن الاستعانة بالكدواني لتجسيد شخصية الأب الغليظة، دون المجازفة بالاستغناء عن بصمته الكوميدية المعتادة التي يتخلَّلها بعض الملاحظات الفلسفية العميقة، نتج عنها تشويه في تركيبته الدرامية، فتحوّل بدوره لشخصية كارتونية كغيره من الشخصيات التي يمتلئ بها الفيلم. عقب إحدى خلافاتهما العنيفة يتوعَّد الأب ابنه أنه سيكون دومًا رقيبًا عليه، محذرًا إياه من نسيان ذلك، ومجذّرًا داخله إحساسيّ الخوف والذنب اللذين يعاني منهما بعد الوفاة المفاجئة للأم. ولتبرير قرار المراهِق (جاكسون) كما يطلِق عليه أصدقاؤه؛ بالتحوّل لطريق التديّن السلفي المتشدّد، يزج المخرج في إحدى لقطات الفلاش باك، بشخصية خاله السلفي (محمود البزاوي) الذي يستغّل انهياره عقب وفاة والدته، لينصحه بالابتعاد عن طريق أبيه المليء بالمعاصي والذنوب، حتى يتمكّن من اللحاق بأمه في الجنة الآخرة. هذا المشهد النمطي شديد السطحية، هو المبرر الدرامي الوحيد الذي يدفع البطل لاعتناق السلفية وبناء حياته على أساسها لمدة خمسة عشر عامًا، وحتى يصير رجلًا ناضجًا. بتقدٌّم الأحداث يتحول ثقل الفيلم إلى الصراع بين فكرتي الحياة والموت، ممثلتين في صوتين متضادين يتردّدان داخل عقل البطل. أولهما صوت الخطب الدينية السلفية والتي تتوعّد بالنار والعقاب الإلهي. وثانيهما هو الصوت الهادئ الرزين للمعالِجَة النفسية (بسمة) التي تحاول التوصُّل لجذور عقدته وحلّها بدفع مشاكله إلى السطح، والتي يجري توظيف جلساتها مع الشيخ؛ دراميًا، لتلعب دور الوسيلة التوضيحية للأحداث على مدار الفيلم. بعد إدراكها هوسه الشديد بالموت؛ تَطرح عليه الطبيبة السؤال التقليدي المبتذل عن « الأشياء الميتة بداخله والأشياء التي تشعره بأنه مازال حيًا». كون أن هذا السؤال ينجح بالفعل في دفْع الشيخ للغوص في ذكرياته وسرد قصة حياته كاملة، يؤكد على الطريقة السطحية التي حاول بها الفيلم تشريح بطله نفسيًا. كما تتجلّى تلك الرؤية السيكولوجية الفقيرة في أوضح صورها؛ في مشهد نزول الشيخ الى أحد القبور، فبدلًا من أن ينتهز الفيلم تلك الفرصة للغوض لأعماق عقل مشوَّه و مضطرِّب، يقوم بتضمين المشهد فقرة كارتونية تحاكي فيديو كليبات شهيرة لمايكل جاكسون، جاءت فقيرة بدورها، لأن صنّاع الفيلم لم يستطيعوا الحصول على حقوق استخدام موسيقى جاكسون، ما خلّف الإحساس بوجود شيء ناقص. هذه الطريقة في تسخيف المشاعر تسيطر على السيناريو بشكل عام، وهي إحدى نقاط ضعفه. فجميع المشاهد التي تتخذ طابع الجدية في بدايتها، تنتهي دائمًا بنبرة فكاهية ساخرة، ما يجعل الفيلم يعجُّ بإفيهات ساخنة مصطنعة وموزّعة بعناية على جميع مشاهده، بشكل لا يترك للمتفرّج مساحة للانغماس في أية مشاعر حقيقية، رغم محاولة الفيلم الدؤوبة لإقناعنا بحالة الشيخ المتعسّرة. وإكمالًا في خط التسطيح، يأتي مشهد تصالح البطل مع ماضيه بشكل ساذج للغاية، حيثُ يتجه الشيخ إلى منزل طفولته ليستعيد تذكارات مايكل جاكسون القديمة المخبأة من سنين، وهناك يلتقي بوالده الذي تحول الآن إلى شخصية لطيفة، فيتحدث معه ويبوح له الأب بكل ما في صدره، وهكذا يجري التصالح دون أي عمق حقيقي. وكنتيجة لتلك المواجهة السطيحة يتحرَّر البطل بأعجوبة من أحاسيس الخوف والذنب التي أرَّقته طوال حياته، ويتمكن أخيرًا من التصالح مع حبه لمايكل جاكسون، ليتحول إلى الشيخ الراقص الذي يتصدر ملصق الفيلم. من ناحية أخرى، يستخدم عمرو سلامة الألوان كوسيلة تعبير أساسية عن تطوَّر الحالات النفسية المختلفة التي تمر بها شخصيته الرئيسية خلال الأحداث. فيختار درجات لونية شاحبة من تدرجات الأزرق والأبيض والرمادي؛ لمَشاهد الحاضر التي تصوّر حالة البطل المضطربة. بينما على النقيض، يستخدم الألوان الدافئة ذات الطابع النوستالجي، كالأصفر والبرتقالي، لمشاهد الفلاش باك. ولمشاهد المصالحة بين ماضيه وحاضره، يختار باليتة ألوان زاهية ومشرقة ومشبَّعة بالألوان المبهجة، وهي نفسها التي يستخدمها في مشاهد العلاج النفسي، وفي لقائه مع حب مراهقته. في الحقيقة، كان يمكن إذا تم الإخلاص لثيمة «الانتكاس» للنهاية وهي إحدى الثيمات الرئيسية للفيلم، أن ينجح في تقديم معالجَة ذكية لفكرة الانقلاب الجذري المفاجئ من الشيء لنقيضه، والتداعيات الناتجة عنه. ولكن الشيخ جاكسون صبَّ اهتمامه على صنع نهاية مُلفتة أكثر من انشغاله بكيفية الوصول إليها. ويبدو أن الصورة المثيرة لـ «شيخ يؤدي رقصات مايكل جاكسون مرتديًا العباءة البيضاء رمز التدين السلفي» كانت مسيطرة على ذهن المخرج من البداية بشكل كبير، ودفعته لأن يجعل بقية فيلمه مجرّد حيلة، ليصل لهذا المشهد. فبسبب رغبته في التوفيق بين صنع فيلم شخصي، وبين التمتع بنجاح جماهيري؛ حرص سلامة على إبقاء عناصر التكوين الدرامي عامّة ونمطية، ليضمن تفاعل أكبر شريحة من الجمهور معها. ففكك شخصياته وعناصره بطريقة مصنطعة، خالقًا صراعًا وهميًا، ليدفعهم لنهاية معينّة، دون الاكتراث بخلق سياق ينتصر للمنطق. في فيلم «الشيخ جاكسون» تعامل سلامة مع فن السرد القصصي كمعادلة حسابية أو تركيبة كيميائية، فكانت النتيجة فيلمًا غير مقنع، خاليًا من أي عمق وأي صدق. وباختياره اختيارات درامية وإخراجية حذِرة، وتمسّكه بنبرة حيادية، لم يفلح في أن يجعل فيلمه تعبيرًا صادقًا عن أي من شخصياته.
مجدي عبد الغفار «الناجي الأكبر» من العمليات الإرهابية عمر سعيد ومصطفى محيي ٢٥ أكتوبر ٢٠١٧ «اوعوا حد يقول اللي حصل تقصير أمني»، قالها رئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسي مخاطبًا الشعب في ديسمبر ٢٠١٦، تعليقًا على حادث تفجير الكنيسة البطرسية بالعباسية، والذي راح ضحيته ٢٩ شخصًا. وبعد أربعة أشهر ، وعقب تفجير كنيستي مار جرجس بطنطا والمرقسية بالإسكندرية تمت مصادرة جريدة البوابة ليومين متتاليين، ١٠ و١١ أبريل، لمطالبتها بـ «محاسبة» وزير الداخلية مجدي عبد الغفار على ما اعتبرته تقصيرًا أمنيًا. وقد أدى التفجيران لمقتل ٥٠ قتيلًا. بعد حادث «طريق الواحات»، يوم الجمعة الماضي، لم يناقش رئيس الجمهورية إن كان هناك تقصيرًا أمنيًا أم لا، فيما اكتفى بتأكيده على بسالة رجال الشرطة، وذلك خلال اجتماعه مع القيادات الأمنية، الأحد الماضي، بتأكيده على بسالة رجال الشرطة، فيما لم تتطرق التغطيات الإعلامية إلى مسؤولية وزير الداخلية عن دماء أفراد وزارته الذين قُتلوا، ١٦ بحسب بيان الوزارة، وأكثر من ٥٠ بحسب تقارير إعلامية أخرى. غير أن الحادث اﻷخير يبدو نقطة انطلاق لمناقشة موقع وزير الداخلية من المحاسبة، عبر مراجعة سريعة لولايته، باستعراض لأهم الهجمات التي تعرضت لها قوات الشرطة، فضلًا عن العمليات الإرهابية الكبرى التي فشلت الداخلية في منعها، والتي أظهرت القيادة السياسية رغمًا عنها تمسكًا واضحًا بعبد الغفار، ربما لم يحظ به سابقيه. كان تعيين اللواء، المتقاعد، مجدي عبد الغفار وزيرًا للداخلية في مارس ٢٠١٥، وذلك إحياءً لتقليد قديم تنازلت عنه القيادة السياسية منذ ثورة يناير، بأن يكون الوزير آتيًا من قطاع «مباحث أمن الدولة»، «اﻷمن الوطني» فيما بعد. وهو ما خلق أملًا في تحسن قدرة اﻷجهزة المعلوماتية في الوزارة على ممارسة عملها، بشكل يساهم في حصار الجماعات المسلحة، بعدما ترأس الوزارة منذ يناير ٢٠١١ خمسة وزراء كانوا يعملون قبل توليهم للمنصب في قطاع اﻷمن العام. بخلاف التساؤلات حول تأخّر محاسبة الوزير، تسبب حادث «طريق الواحات» في إعادة حالة من السخط في الوزارة، كانت قد بدأت مع تولي عبد الغفار للوزارة، في مارس من العام قبل الماضي. وهو ما فسره ضابط كبير في الوزارة، رفض ذِكر اسمه، بقوله «منذ عودته من المعاش للوزارة عمل الوزير على وأد حالة الأمل التي اجتاحتنا. كان همه الأول الثأر من كل الضباط الذين أهملوه عندها أُحيل للتقاعد، فأخرج بعضهم من الخدمة. وأحال البعض الآخر إلى أعمال هامشية. هنا تأكد أن الرجل يخوض معارك شخصية أولًا، ثم يأتي كل شيء في المقام الثاني». ميدانيًا؛ بدأت ولاية عبد الغفار بشكل ساخن منذ اللحظة الأولى، فبعد ثلاثة أشهر فقط، استطاعت مجموعة مسلحة اغتيال النائب العام السابق هشام بركات بتفجير سيارة مفخخة في منطقة مصر الجديدة. جرت عملية الاغتيال في منطقة مؤمنة بشكل كبير لتواجد منشآت عسكرية وسيادية بها. وعلى الرغم من إلقاء القبض على المجموعات المتورطة في العملية، إلا أن ذلك لم ينف نجاح عملية اغتيال أحد أكبر قيادات الدولة في قلب عاصمتها. وفي ٣١ أكتوبر من العام ٢٠١٥، تمكن تنظيم «ولاية سيناء» من تفجير طائرة روسية في وسط سيناء، بعدما أقلعت من مطار شرم الشيخ، مما أسفر عن مقتل ٢٢٤ شخصًا. وكان للحادث تبعات سلبية على السياحة في مصر. اللافت في الأمر أن التنظيم تبنى الحادث، وفي وقت لاحق، أعلنت السلطات الروسية ومصادر مخابراتية أمريكية عن تصفية المجموعة المسؤولة عنها، إلا أن الحكومة المصرية لا تزال ترفض الاعتراف بأن الحادث كان نتيجة لعمل إرهابي. كما طالت الضربات الإرهابية في عهد عبد الغفار مقار مؤسسات دينية مسيحية، أدت إلى مقتل عشرات من المواطنين المسيحيين. البداية كانت في ديسمبر الماضي بالتفجير الانتحاري داخل الكنيسة البطرسية، الملاصقة لمقر الكاتدرائية بحي العباسية، أحد أكثر المقار المسيحية تأمينًا في مصر، مما أدى لمقتل ٢٩ شخصًا وإصابة ٤٩ آخرين. بعدها، وفي أبريل الماضي، نجح انتحاريان في تفجير نفسيهما في كنيستي مار جرجس بطنطا، والمرقسية بالإسكندرية، في يوم عيد أحد السعف، مما أدى إلى مقتل أكثر من ٤٥ شخصًا، وإصابة ١٢٦ آخرين، ونجا من انفجار «المرقسية» البابا تواضروس الثاني الذي كان قد غادر الكنيسة قبل الانفجار بدقائق. وامتد استهداف المواطنين المسيحيين إلى هجوم مسلح على أتوبيس كان يقل عددًا من المواطنين المسيحيين في طريقهم لزيارة دير «الأنبا صموئيل» في محافظة المنيا، والذي أسفر عن مقتل ٢٨ شخصًا. وبخلاف استهداف المقرات الدينية والمواطنين المسيحيين، استهدفت التنظيمات المسلحة مقري بعثتين دبلوماسيتين في القاهرة الكبرى في يوليو ٢٠١٥. فقد تعرض مبنى القنصلية الإيطالية بوسط القاهرة للتفجير مما أسفر عن تضرر أجزاء من المبنى ومقتل أحد المارة وإصابة ١٠ آخرين. كما قُتل مجند وأصيب ثلاثة آخرين بينهم شرطيان عندما أطلق مسلحون يستقلون سيارة النار على رجال شرطة مكلفين بحراسة سفارة النيجر بالجيزة. أما الهجمات المسلحة اﻷكثر تكرارًا وتنوعًا، خلال العامين الماضيين، فكانت الهجمات المُستهدِفة للقوات الشرطية نفسها، خاصة التي نفذها تنظيم «حسم» المُسلَّح، والتي تدعي الداخلية اعتقال العشرات منه، وذلك ضمن القضية المعروفة إعلاميًا بقضية «الحراك المسلح». في ديسمبر ٢٠١٦، تمكنت عناصر تنظيم «حسم» من تنفيذ أولى عملياتها، إذ زرعت عبوة ناسفة ملاصقة لكمين ثابت بحي الهرم في محافظة الجيزة، مما أدى إلى مقتل ٦ ضباط و٣ جنود وإصابة ٣ آخرين. واستمر استهداف كمائن الشرطة كنمط مستمر للعمليات المسلحة في القاهرة وخارجها، سواء عن طريق زرع عبوات ناسفة أو الاشتباك المسلح مع أفراد الكمين. ففي ١٧ فبراير ٢٠١٦، قُتل أمين شرطة وأصيب اثنين آخرين في هجوم على كمين أمني بالبدرشين. كما قُتل ٨ من أفراد الشرطة وأصيب ٣ آخرين في هجوم على كمين بالوادي الجديد. وقتل ضابطين وأمين شرطة وأصيب ٣ آخرون في هجوم على كمين بحي مدينة نصر في ٢ مايو الماضي. وبخلاف الكمائن، تكرر خلال اﻷعوام الماضية استهداف مواكب أمنية متحركة. ففي يونيو الماضي، هاجمت عناصر مسلحة سيارة ترحيلات على طريق الأوتوستراد في حي المعادي وأطلقت عليها النيران، مما أسفر عن مقتل ضابط وإصابة ٤ آخرين. وفي الشهر نفسه قُتل ضابط وأصيب آخر في انفجار عبوة ناسفة، زُرعت على جانب الطريق الدائري في مسار سيارة تقلّ قوة من قطاع الأمن المركزي. وفي يوليو الماضي هاجم مسلحون كمين أمني في مركز شرطة البدرشين بمحافظة الجيزة، واستطاعوا الفرار بعد قتل عنصرين من الشرطة و٣ مجندين. وكان شرطيًا قد قُتل وأصيب ثلاثة آخرون في هجوم على سيارة ترحيلات في الفيوم، في ٨ أغسطس ٢٠١٥. ولم يقتصر نشاط المجموعات النوعية على تنظيم «حسم»، إذ نجح تنظيم آخر، هو «لواء الثورة»، في تنفيذ ضربة كبيرة نالت من ضابط رفيع المستوى في القوات المسلحة، وذلك باغتيالهم العميد أركان حرب عادل رجائي، قائد إحدى فرق المشاة بالجيش، أمام منزله في مدينة العبور، فيما انسحبت المجموعة المنفذة من موقع الحادث دون أي ملاحقة. وفي واقعة نوعية، جرت في مايو ٢٠١٦، قُتل ٨ من أفراد المباحث بحلوان، يرتدون ملابس مدنية، أثناء استقلالهم لسيارة ميكروباص.مما أشار إلى أن المسلحين كانوا على علم بخط سير رجال الشرطة. وقبل أيام من الواقعة السابقة، انقطع ٤ ضباط شرطة بقطاع العمليات الخاصة عن العمل، وهو ما جعلهم مثارًا للشكوك، قبل أن تظهر أسماؤهم ضمن أمر إحالة ٢٩٢ شخصًا إلى القضاء العسكري، متهمين بمحاولة اغتيال الرئيس عبد الفتاح السيسي. فيما كشف قطاع التفتيش في وزارة الداخلية عن تعاون بين قيادات وضباط من الوزارة مع مطلوبين للجهات الأمنية في حوادث سابقة. وكان أبرز هذه الحوادث، واقعة التعاون مع عصابة جنائية متورطة في تجارة المخدرات وقتل ضباط شرطة، والتي كشفت التحقيقات فيها عن وجود علاقة بين ١٥ ضابطًا والعصابة، أحدهم لواء من قيادات الوزارة، كان يتقاضى منهم ٣ ملايين جنيه مقابل إبلاغهم عن أوقات الحملات الأمنية المقررة. كان حادث «طريق الواحات»، نهاية الأسبوع الماضي، قد دفع البعض للحديث عن احتمالية وجود تسريب للمعلومات اﻷمنية لمصلحة العناصر المسلحة، بشكل سمح لهم بنصب كمين لقوات اﻷمن، في حين استبعد البعض وجود «خيانة» ما، مكتفين بالإشارة لاحتمال وجود سوء استعداد. ونقلت صحيفة «المصري اليوم» عن مصادر من وزارة الداخلية أن كلًا من قطاع التفتيش والرقابة، والأمن الوطني، والأمن المركزي، والأمن العام فتحت تحقيقًا مشتركًا للبحث عن أوجه القصور المحتملة في العملية، خاصة فيما يتعلق بكفاءة استجواب العناصر التي أرشدت عن مكان العملية، وكذلك عدم كفاءة الاتصالات اللاسلكية. الاستعراض السريع السابق للعمليات الإرهابية التي تمت أثناء تولي عبد الغفار لمنصب وزير الداخلية، لم يشمل العمليات التي وقعت في محافظة شمال سيناء واستهدفت أفراد الشرطة. فرغم أن ما يحدث في سيناء يُدار من جانب جهات أُخرى بخلاف وزارة الداخلية، لا ينفي ذلك تبعية القوات الشرطية في شبه الجزيرة الحدودية للوزارة التي يترأسها عبد الغفار، والتي سقط عدد كبير من أفرادها في عمليات تنوعت بين استهداف دوريات أمنية بعبوات ناسفة مزروعة على جانب الطريق، أو قتل أفراد شرطة أمام منازلهم أو أثناء تحركهم بسيارات خاصة، فضلًا عن استهداف الكمائن الأمنية. كانت الشرطة قد أعلنت في ١٧ يونيو ٢٠١٥ عن مقتل ضابط وإصابة ٣ جنود في انفجار عبوة ناسفة بدورية أمنية بالعريش، وتكرر أسلوب تنفيذ الحادثة نفسه، في شهر أغسطس من العام نفسه، وتسبب في مقتل ضابط ومجند. فيما أسفرت حادثة شهر أكتوبر من العام نفسه عن مقتل ضابط شرطة وإصابة عريف ومجند. وفي حين تكررت حوادث مشابهة، في الأعوام التالية، مما أكد على قدرة العناصر المسلحة في شمال سيناء على رصد تحركات الدوريات الأمنية وتحديد خطوط سيرها. كما أعلنت الشرطة، في ٩ أغسطس الماضي، عن مقتل ضابط وأمين شرطة ومجندين بعد أن هاجمهم مسلحون عقب اجتياز كمين بئر العبد باتجاه مدينة العريش، وكان الأربعة يستقلون السيارة الخاصة بضابط الشرطة. وفي الشهر نفسه، قام مسلحون بإطلاق النار على ضابط شرطة، وذلك أمام منزله بحي الكرامة في العريش مما أدى إلى مقتله، مما يشير إلى معرفة العناصر المسلحة التحركات اليومية لأفراد الشرطة المقيمين في المدينة. وتسببت الهجمات على الكمائن الأمنية في سقوط أعداد كبيرة من القتلى في صفوف الشرطة. فعلى سبيل المثال قُتل ٩ من أفراد الشرطة في هجوم على كمينين أمنيين بالعريش، في ٩ يناير الماضي. في سبتمبر الماضي، هاجمت عناصر مسلحة كمين أمني على طريق القنطرة العريش، مما أدى إلى مقتل ١٨ عنصر من الشرطة، وإصابة الآخرين، مع تمكن العناصر المتورطة في الحادث من الفرار. وعلى الرغم من عدم وجود إحصاءات رسمية أو أُخرى صادرة عن مراكز بحثية عن العمليات الإرهابية التي جرت منذ تولي عبد الغفار للمنصب، في مارس من عام ٢٠١٥، وحتى الآن، إلا أن دراسة سابقة صدرت عن مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، أظهرت أن ٦٠٢ عملية إرهابية كانت قد جرت منذ تولي الوزير الحالي لمنصبه وحتى ديسمبر من العام الماضي.
طريق الواحات هل يكون «داعش» هو من فعلها؟ أحمد كامل البحيري ٢٥ أكتوبر ٢٠١٧ في ٢٠ أكتوبر الجاري، شهد الكيلو ١٣٥ بطريق الجيزة الواحات اشتباكات بين قوات الأمن الشرطية وبعض العناصر المسلحة المتطرفة، أثناء محاولة قوات الأمن اقتحام أحد نقاط التمركز لتلك العناصر في صحراء جنوب الجيزة. بناء على بيان وزارة الداخلية، فقد أسفرت المداهمات عن استشهاد ١٦ من قوات الأمن وإصابة ما يقرب من الـ١٣، ولم تعلن الجهات الأمنية بعد أي معلومات عن العناصر المتطرفة التي جرت مواجهتها، مكتفية بوصفها بـ«العناصر الإرهابية». تطرح هذه العملية الأمنية تساؤلات حول الطبيعة التنظيمية لتلك العناصر المتطرفة، وحول سبب سقوط عدد كبير من قوات الأمن أثناء المداهمة. ١ من الفاعل؟ أدت حالة الغموض والارتباك التي صاحبت تلك الأحداث لتضارب المعلومات والأخبار، ما ساعد بدوره على تحقيق الهدف الأساسي للتنظيمات الإرهابية؛ إحداث حالة من الارتباك المجتمعي المصحوب بالخوف. فيما يلي نحاول طرح هذا الارتباك جانبًا، واقتراح سيناريوهات محتملة حول طبيعة العناصر المتطرفة التي جرى استهدافها من قبل قوات الشرطة، من ناحية مدى ارتباطها التنظيمي مع أحد التنظيمات الإرهابية، سواء كانت تنظيمات متطرفة داخلية أو عابرة للحدود. للإجابة على هذا التساؤل، نورد هنا ثلاثة احتمالات يمكن ترتيبها طبقًا لقوة كل منها بناء على بعض المؤشرات. أولًا، الاحتمال المستبعد حسم تداولت بعض وسائل الإعلام بيانًا منسوبًا لحركة حسم تعلن فيه تبعية العناصر المتواجدة في منطقة الاشتباكات لها، ولكن هناك ملاحظات عديدة تضعف من هذا الاحتمال، بل توصله لمرتبة الاحتمالات المستبعدة، ومنها أولًا، البيان المنسوب لحركة حسم لم يُعلن على صفحات الحركة، سواء على موقع تليجرام أو تويتر، وهو ما يضعف من صحة البيان. ثانيًا، بتحليل تكتيكات حركة حسم في مجمل العمليات الارهابية التي نفذتها خلال عام ونصف، نجد أغلب عملياتها الإرهابية تعتمد على مسارين، أولهما إطلاق النار مباشرة على نقاط ارتكاز أمنية أو على مركبات وعناصر شرطية وأمنية، كما حدث لدى استهداف مركبة شرطية أعلى الطريق الدائري بمحافظة الفيوم، ما أسفر عن استشهاد مجند وإصابة أربعة آخرين خلال شهر يوليو من العام الجاري. وثانيهما هو وضع عبوات ناسفة أسفل ارتكازات أمنية ثابتة أو على جانبي الطريق، كما حدث لدى استهداف سيارة للأمن المركزي على طريق أوتوستراد المعادي، ما أسفر عن مقتل ضابط شرطة وإصابة آخر وثلاثة مجندين. يشير هذا لكون تنظيم حركة حسم أقرب للتنظيمات البدائية، من حيث قدرات أفراده وإمكانياته التسليحية والتكتيكية. وبتحليل مضمون عملية المداهمة بطريق الواحات، بناء على المعلومات المتاحة، نجد أن العناصر المتطرفة استخدمت سلاحًا متوسطًا وثقيلًا شمل قذائف آر بي جي وقذائف هاون ومدافع ١٤.٥ مم.. إلخ. ومثل هذا التسليح يحتاج لقدرات خاصة للتدرب عليه. كما أننا نجد، بناء على تحليل بعض تفاصيل العملية، أن العناصر المتطرفة تمتعت بمستوى عال من التدريب والتأهيل والمعرفة بفنون المواجهات والتكتيكات القتالية. ثالثًا، بناء على تحليل عمليات المداهمة التي نفذتها قوات الأمن الشرطية خلال الأشهر الفائتة لأماكن اختفاء عناصر حركة حسم، نجد أن كثيرًا من هذه العناصر تتخفى في أوساط مناطق سكنية بقلب القاهرة. حيث تختلف تكتيكات القتال في المدن السكانية عن طبيعة المواجهة في الصحراء، التي لم تتدرب عليها عناصر حسم. تلك الملاحظات تضعف احتمالية تورط حركة حسم، أو تجعلها احتمالًا مستبعدًا. ثانيًا، الاحتمال الضعيف «المرابطون» بزعامة هشام عشماوي رجّح العديد من المتابعين احتمالية قيام تنظيم «المرابطون»، بزعامة الإرهابي هشام عشماوي، وهو واحد من أهم العناصر المطلوبة لدى قوات الأمن المصرية، خاصة قوات الجيش، حيث عشماوي، الضابط المفصول من القوات المسلحة ومسؤول التدريب بتنظيم بيت المقدس سابقًا، هو من أعلن فك الارتباط التنظيمي عن تنظيم بيت المقدس، بعد مبايعة الأخير لأبي بكر البغدادي (داعش) في سبتمبر ٢٠١٤، وبناء عليه تغيّر المسمى التنظيمي إلى «ولاية سيناء». دفع هذا عشماوي لإعادة التأكيد على الارتباط التنظيمي للقاعدة، واستمرار بيعته لأيمن الظواهري، مع تكوين تنظيم جديد باسم «المرابطون»، ونقل تمركز التنظيم الجديد خارج حدود الدولة المصرية، ليستقر بمنطقة درنة بليبيا، على بعد ما يقرب من ٢٠٠ كيلومترًا من الحدود الغربية المصرية، ونقل نشاطه الإرهابي للمنطقة الغربية خارج حدود سيناء، لسهولة التحرك من ليبيا، مقر التنظيم الجديد، وإليها، بالإضافة لخبرة عشماوي بالمنطقة الغربية لمصر، حيث خدم كضابط بالصاعقة بمنطقة الفرافرة، فخبرته بالمنطقة الغربية وبطبيعة الأرض الصحراوية وبمعلوماته عن نقاط التمركز الأمني لقوات الجيش بالمنطقة، جعلت من تلك المنطقة هدفًا سهلًا لدى تنظيم «المرابطون» بقيادته. دفعت تلك الأسباب البعض لترجيح احتمالية تبعية العناصر في منطقة الواحات لتنظيم «المرابطون»، ولكن بتحليل مسار تحركات «المرابطون»، منذ آخر عملية إرهابية نفّذها التنظيم عام ٢٠١٤ (الفرافرة ٢)٬ والتي انتهت بإصابة عشماوي ومجموعة من العناصر التابعة للتنظيم، نجد عددًا من الملاحظات التي تضعف احتمالية ترجيح هذا المسار، ومنها أولًا، أن تنظيم «المرابطون» يتمركز على مسافة تقترب من ٨٠٠ كيلومترًا من منطقة المواجهة، وهي مسافة كبيرة بالنسبة لعملية نقل الأفراد والمعدات، بجانب المصاعب في عملية تلقي التعليمات بشكل مستمر. ثانيًا، ضعف تواجد العناصر التابعة لتنظيم القاعدة في الداخل المصري، حيث أغلب التنظيمات تتبع داعش تنظيميًا، أما الباقي فتنظيمات متطرفة جديدة خرجت من عباءة اللجان النوعية التابعة للجنة الإدارية للإخوان في الداخل. ثالثًا، لكي تدخل عناصر من تنظيم «المرابطون» إلى البلاد، فهناك ثلاث مسارات. المسار الأول هو جنوب منطقة إمساعد الليبية حتى شمال واحة سيوة، وهي منطقة تقع تحت سيطرة الجيش الوطني الليبي بقيادة حفتر، من الناحية الليبية، ومن ناحية أخرى تعتبر من المناطق الأكثر تأمينًا من قبل الدول المصرية نتيجة دفع قوات الجيش بمعدات حديثة قادمة من روسيا ٢٠١٥، ومن الولايات المتحدة ٢٠١٧، خاصة بمراقبة الحدود في هذه المنطقة الممتدة من جنوب السلوم إلى واحة سيوة، ونتيجة التقارب في العلاقة بين القبائل في هذه المنطقة والقوات المسلحة، ما يساعد على ضبط الحدود بتلك المنطقة. أما المسار الثاني، فهو جنوب واحة جغبوب، وهي النقطة الأسهل بالنسبة للعناصر الإرهابية المسلحة، للتنقل من ليبيا وإليها، وتقع تلك المنطقة تحت سيطرة تنظيم داعش ليبيا، حيث جرت السيطرة عليها من قبل التنظيم بعد هزيمته في معركة سرت على يد قوات البنيان المرصوص خلال شهر يوليو من العام الجاري ٢٠١٧، فقد أشارت بعض التقديرات الليبية والدولية لانتقال مقاتلي داعش إلى جنوب شرق ليبيا على بعد ٣٥ كيلومترًا من الحدود المصرية، ما يضعف احتمالية انتقال عناصر «المرابطون» من هذا المسار، لوقوعها تحت سيطرة داعش. أما المسار الثالث فهو جنوب مصر بالقرب من مثلث العوينات على الحدود المصرية الليبية السودانية، وهو مسار طويل جدًا يتجاوز الألفي كيلومتر، لانتقال عناصر «المرابطون» من درنة في الشمال الشرقي إلى جنوب ليبيا، ثم الانتقال إلى وسط الصحراء حتى صحراء الجيزة، وهو ما يجعل من هذا المسار مستحيلًا بالنسبة لعناصر «المرابطون». رابعًا، رغم ارتفاع قدرات مسلحي تنظيم «المرابطون»، من الناحية القتالية والتكتيكية، إلا أن عدد عناصر تنظيم «المرابطون»، طبقًا لبعض التقديرات الدولية، لا تتجاوز بضع العشرات، ما يصعّب من قدرة التنظيم على الدفع بأعداد إلى هذه المنطقة، نتيجة الضعف العددي لعناصر التنظيم. خامسًا، إذا كانت عناصر تابعة لتنظيم «المرابطون» متواجدة بالفعل بالمنطقة، كانت قوات الجيش هي من ستأخذ مبادرة المداهمة، لأسباب ترجع لمعرفة قوات الجيش بقدرات تنظيم «المرابطون» القتالية من ناحية، ولأهمية التنظيم لدى القوات المسلحة، حيث يعتبر هشام عشماوي، مع ثلاثة من قيادات التنظيم، من أهم العناصر المطلوبة لدى قوات الجيش لأسباب عدة. ثالثًا، الاحتمال المرجّح جنود الخلافة الاحتمال المرجح حول طبيعة العناصر التي تواجدت أثناء عملية المداهمة بصحراء الواحات هو كونهم عناصر تابعة لتنظيم جنود الخلافة، أو ما يُطلق عليه تنظيم «الدولة الإسلامية مصر». ظهر هذا التنظيم في الربع الأخير من العام الفائت ٢٠١٦، ونفّذ العديد من العمليات الإرهابية الكبرى، بداية من العملية ضد كنيسة البطرسية في ١١ ديسمبر ٢٠١٦، وتفجيرات كنيستي مارجرجس ومارمرقس في ٩ أبريل ٢٠١٧، مرورًا بتفجيرات كمين النقب على طريق الواحات، بالقرب من منطقة المداهمة في الكيلو ١٣٥، وانتهاء بالعملية الإرهابية المعروفة باسم «أقباط المنيا»، والتي أسفرت عن مقتل ١٦ قبطيًا بصحراء المنيا في ٢٦ مايو ٢٠١٧. ترجيح هذا الاحتمال يأتي استنادًا لخمسة أسباب السبب الأول أن تلك المنطقة تعتبر موقع نشاط وتمركز لعناصر داعش، والذي بدأ منذ يوليو ٢٠١٥، حيث جرى اختطاف مهندس كرواتي يدعى «توماسلاف سلوبك»، من طريق الواحات، وأعلن تنظيم داعش في أغسطس ٢٠١٥ إعدامه بقطع رأسه. السبب الثاني سهولة انتقال الأفراد والسلاح من ليبيا، نتيجة سيطرة تنظيم داعش على المنطقة المقابلة بالداخل الليبي. السبب الثالث إعلان وزارة الداخلية خلال الأشهر الستة الماضية عن العديد من المداهمات بالمنطقة الصحراوية، الواقعة من جنوب الجيزة وصولًا لصحراء أسيوط، بحثًا عن عناصر تنظيم جنود الخلافة، ما يدل على تمركز هذا التنظيم في تلك المنطقة التي دارت بها اشتباكات الجمعة الماضية. السبب الرابع تنظيم «الدولة الاسلامية مصر» هو من التنظيمات التي تضم عناصر ذات قدرات عالية من حيث التدريب والتسليح، كما ظهر في مجمل العمليات الإرهابية التي نفذها التنظيم خلال عام. وتدل المقارنة بين تسليح ومهارات تلك العمليات الإرهابية وبين المُعلن عنه من معلومات حول المداهمة وتكتيكات صدِّ الهجوم الأمني على تشابه في فنون القتال واستخدام السلاح. السبب الخامس بالإطلاع على نص التحقيقات مع بالمتهمين في عمليات تفجيرات الكنائس المصرية، والمنشورة في وسائل الإعلام، نجد أن أحد المتهمين، وليد أبو المجد عضو تنظيم «الدولة الاسلامية مصر»، قد اعترف بمساعدة الإرهابي عمرو سعد في نقل أسلحة ومواد غذائية لعناصر التنظيم، المتواجدة بصحراء جنوب الجيزة بالقرب من منطقة الواحات، وهي نفس المنطقة التي دارت بها الاشتباكات الأخيرة. وبتحليل مضمون اعترافات المتهم أبو المجد نجد أن أغلب مواقع التنظيم تتمركز في المنطقة الصحراوية الواقعة بين الجيزة والواحات والفيوم. هذه الأسباب الخمسة ترجّح احتمالية تواجد تنظيم جنود الخلافة «الدولة الاسلامية مصر» في منطقة المداهمة التي نفذتها قوات الشرطة بالكيلو ١٣٥ طريق الواحات. ٢ لماذا سقط كل هذا العدد؟ ويأتي التساؤل الثاني حول أسباب سقوط ١٦ ضحية من قوات الشرطة، بناء على بيان وزارة الداخلية، خلال الاشتباك مع العناصر الإرهابية. والرد عليه ينطلق من احتمالين الاحتمال الأول هو تمكن العناصر الإرهابية المسلحة من رصد تحركات قوات المداهمة، بناء على ما جرى إعلانه من تفاصيل حول عملية المداهمة، حيث خرجت قوات أمنية من محافظة الفيوم لإجراء مسح بالمنطقة قبل المداهمة بثلاثة أيام، ما قد يكون سهّل عملية رصدها من قبل العناصر المتطرفة. الاحتمال الثاني يدور حول طبيعة المعلومات التي حصل عليها جهاز جمع المعلومات، فنقص المعلومات قد يؤدي لسيناريو أقرب لما حدث أثناء المداهمة بطريق الواحات، حيث المعلومة المخابراتية لا تعني فقط أماكن اختباء عناصر متطرفة، وإنما تشمل أيضًا أعداد تلك العناصر ونوعية التسليح المتوفر لديها، وبناء على تلك المعلومات يضع ضباط تحليل المعلومة وقيادات العمليات خطة المداهمة، والتي تشمل أعداد القوات وطبيعة العناصر المشاركة والتجهيزات من حيث السيارات ونوعية السلاح المتوافر لدى القوات، بجانب التنسيق مع بعض الأجهزة الأخرى المعنية، مثل القوات المسلحة، لطلب الدعم الجوي أو المساندة البرية منها. من وجهة نظري فالاحتمال الثاني هو الأرجح. فـ«عدم اكتمال المعلومات»، أو بالأحرى «المعلومات المنقوصة» هي ما أدت لوضع خطة اقتحام لم ترتق لمستوى العملية وطبيعتها. ٣ آليات المواجهة ويبقى التساؤل الأخير عن آليات مواجهة التنظيمات الارهابية في المحافظات الحدودية وفي العمق المصري، الدلتا والوادي، وتتطلب هذه المواجهة أمرين. أولًا فهم وتحليل طبيعة وبنية كل تنظيم من التنظيمات الإرهابية، فالحديث عن تكتيكات مواجهة تنظيم ولاية سيناء، بشكل مشابه للحديث عن تكتيكات مواجهة تنظيم «المرابطون»، وبشكل مشابه لمواجهة الكتل السائلة من العناصر الإرهابية وجماعات العنف، هو خطأ في فهم بنية كل تنظيم، وهو ما ينعكس على آليات المواجهة ويضعف احتمالية تحقيق نتائج ملموسة في مكافحة الإرهاب. ثانيًا من المهم الحديث سيكولوجيًا عن تكنيكات مواجهة العناصر الإرهابية ذات الطبيعة الانتحارية، فالطبيعة الانتحارية للإرهابيين لا تهتم كثيرًا بتشديد العقوبات في قانون الإجراءات الجنائية وإعلان حالة الطوارئ، ولكن هذا ينعكس على المجتمع العادي، ويؤثر على المجال العام، بل ويساعد على إحداث نتائج عكسية تهيئ المجال لتلك التنظيمات نحو المزيد من الاستقطاب. وفي النهاية، تظل التساؤلات حول ملابسات واقعة الكيلو ١٣٥ طريق الواحات مطروحة، وتظل السيناريوهات مفتوحة، ورحم الله شهداءنا وحفظ مصر.