مدى مصر

لم تعلن «التايمز» عن الترحيل، والذي جرى في ٢١ فبراير الماضي، أملًا في أن يكون هناك سوء تفاهم يمكن حله. لكن الجريدة أُخبرت من قِبل دبلوماسيين أن بِل أصبحت شخص «غير مرغوب فيه» بالنسبة للجانب المصري، ولن يسمح لها بالعودة إلى البلاد. فيما أشار التقرير إلى إنذار السلطات المصرية للمراسلين بأن عملهم سيكون تحت المراقبة، فضلًا عن اتهامهم بأنهم «يريدون تقويض البلد». وقالت «التايمز» إنها «تستنكر هذه المحاولات لتخويفنا وكبح تغطيتنا، ويتماشى هذا مع الأجواء القمعية التي خلقها الرئيس السيسي للصحافة». وقد حاولت الجريدة الحصول على تعقيب من السفارة المصرية في لندن، فضلًا عن وزارة الخارجية المصرية، أو المركز الإعلامي بها، لكن لم تقدم لها أي من هذه الجهات إفادات حول «ترحيل بِل». ونشرت الجريدة مقالًا اليوم، أيضًا، لبِل ترو، بعنوان «أعشق مصر لكني لا استطيع العودة إليها ولا أحد يعرف لماذا»، وقالت إن ميكروباص يستقله خمسة أفراد أمن بملابس مدنية أوقفوها فور انتهائها من الحوار التي كانت تُجريه، ثم توجهوا بها إلى قسم شرطة، فجرى استجوابها لمدة ٧ ساعات، وهُددت بأن تخضع لمحاكمة عسكرية، بحسب المراسلة.
أوضح شهود عيان لـ «مدى مصر» أن التفجير وقع نحو الساعة الحادية عشرة والنصف صباحًا. ووقع بالقرب من المنطقة الآثرية، وعلى مقربة من فندق تابع للقوات المسلحة، وبجوار مركز تجاري شهير بالمنطقة كذلك، ولم يسلم الأخير من آثاره، فتهشمت أجزاء من الواجهة الزجاجية للمركز. وقال سائق التاكسي سعيد حسن لـ «مدى مصر» إن التفجير أدى لتأثر سيارة من نوع الكابينة المزدوجة كانت ضمن قوة التأمين المصاحبة لموكب مدير أمن الإسكندرية، حسب تعبيره. وكان حسن متواجدًا بموقع الحادث، وقد أوقف سيارته بالمنطقة ليتناول طعام إفطاره، وقد تأثرت سيارته بشكل بالغ من آثار التفجير. فيما قال عامل البناء إبراهيم عثمان، الذي تصادف تواجده بمقر عمله القريب من موقع الحادث، لـ «مدى مصر» إن المكان تحول إلى كتلة من النيران والدخان الكثيف الذي منع الرؤية، وبدأ الأمن في منع المواطنين من الاقتراب. وأوضح حارس عقار بالمنطقة، أنه تمكن من رؤية شخصين من الحرس الخاص لمدير أمن الإسكندرية وقد أصيبا، موضحًا أن إصابتهما كانت احتراق وجهيهما بالكامل، حسب تعبيره.
مكافحة الإرهاب خلال مدة السيسي الأولى تقدم رغم التمسك بالنمط التقليدي عمر سعيد ٢٣ مارس ٢٠١٨ بدأت ولاية رئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسي بالتزامن مع تطور كبير شهده واقع الجماعات المسلحة العاملة في مصر، هو مبايعة تنظيم «أنصار بيت المقدس» لـ «داعش» وإعلان تحول اسمه إلى «ولاية سيناء» الموالية لـ«الخليفة أبو بكر البغدادي». وانتهت ولاية السيسي مع تطور من الجهة المقابلة بإعلان عمليات «سيناء ٢٠١٨» الشاملة. في الدلتا، نشط عدد من المجموعات الصغيرة وانتهجت العمل المسلح. بدأت ولاية السيسي بعشرات العمليات المتفرقة التي استهدفت بالأساس أكشاك وأبراج الطاقة. ومرت في المنتصف بعملية اغتيال للنائب العام. وشارفت الولاية الثانية على البدء مع خفوت لافت للعمليات المُنفذة من قبل هذه المجموعات. وفي سيناء، سادت تكتيكات رد الفعل على معظم تحركات قوات الأمن. وفي حين كانت أغلب العمليات العسكرية السابقة في سيناء، كسلسلة عمليات حق الشهيد، تستمر دون سقف زمني واضح، فكانت العملية الأخيرة مختلفة، سواء من ناحية الجهات المشاركة، حيث تشارك فيها أغلب أسلحة القوات المسلحة وقطاعات الشرطة، أو من ناحية النتائج، إذ سقط عشرات القتلى من صفوف المسلحين. ومن ناحية رد فعل الجماعات المسلحة، كانت الأمور مختلفة كذلك، حيث اكتفت بعمليات متفرقة تستهدف مركبات عسكرية، وعدد أقل نسبيًا من الضحايا من صفوف قوات الأمن. تبقى معضلة قياس نتيجة المواجهة بين الدولة والتنظيمات المسلحة في غياب الأهداف التكتيكية لدى الطرفين. غير أن عدد من المسارات يمكنها المساعدة في تحديد رؤية ما أقرب للدقة في تشخيص هذه المواجهة. وربما يساعد المسار الأمريكي على هذا القياس.
«سلم نفسك» «قهوة سادة» مقلوبة ما بين مسرحيتين للمخرج خالد جلال، إحداهما نقدت الدولة فأحبها الجمهور، والأخرى نقدت المواطن فحضرها السيسي. هبة عفيفي ٢١ مارس ٢٠١٨ لم تكن مسرحية «سلم نفسك» الاختيار التقليدي ليشاهدها السيسي مع ضيفه الأمير محمد بن سلمان ولي العهد السعودي أثناء زيارته للقاهرة مطلع هذا الشهر، فهي ليست فيلمًا وثائقيًا يسرد إنجازات الرئيس أو مكتسبات الحرب على الإرهاب، كغيرها من الأفلام التي تنتج خصيصًا للعرض في المناسبات التي يحضرها الرئيس، كما أنها ليست عرضًا كلاسيكيًا كالذي دعا السيسي ضيوفه إليه فيما مضى، وإنما هي مسرحية كوميدية بالأساس، وهي مشروع تخرج الدفعة الثالثة من ورشة تمثيل مركز الإبداع الفني التابع لصندوق التنمية الثقافية. وهو متاح مجانًا للجمهور على مسرح مركز الإبداع بالأوبرا. دخلت المسرحية متوجسة، فلابد أن تكون أقرب للبروباجاندا السياسية حتى يختارها السيسي ليشاهدها مع ضيفه، ولكنها خالفت توقعاتي. عدا مشهد النهاية الذي بدا لي أنه تم إقحامه في اللحظة الأخيرة تماشيًا مع متطلبات الجمهور «الرئاسي»، ومع أن المسرحية نجحت بالفعل في تمرير أفكار متماشية مع النهج العام لخطابات الرئيس، إلا أن ذلك كان من خلال اسكتشات مسلية وجيدة الصنع، وبشكل غير فج بالمرة. تقع أحداث المسرحية في مدينة فاضلة مستقبلية، يظهر فيها إنسان مصري من العصر الحالي، فتُرفع درجة الطوارئ القصوى تخوفًا من أن يتسبب وجوده في نشر الآفات التي بالتأكيد يمتلئ بها، والتي اندثرت من المدينة. يصمم «القائد الأعلى» للمدينة والقيادات الأمنية على قتل الإنسان المتسلل تفاديًا لشروره، ولكن تعارضهم قائدة الفريق العلمي، التي ترى أن على المدينة علاجه وليس قتله. وفي سبيل اكتشاف طريق العلاج تَفتح الملفات المختلفة في عقله لتأخذنا لاسكتشات تمثل كل منها خطيئة أو آفة من آفات المجتمع المصري الحالي، حتى تصل إلى الملف الوحيد الإيجابي في النهاية. تتبع المسرحية التركيبة التي عرف بها المخرج خالد جلال، وهي اسكتشات تتطرق كل منها لمشكلة اجتماعية، وذلك في إطار قصة عامة. تقترب الاستكتشات من مدرسة محمد صبحي التي تترَّحم على تدهور الأخلاق وتدهور حال الأمة، إلا أن مسرحيات جلال تتضمن قدرًا لا بأس به من التجديد، خاصة لاعتماده على مواهب ناشئة، يدين الكثير منهم بانطلاقه بعد ذلك لمسرح خالد جلال. رغم توجسي اندمجت مع الاسكتشات التي كانت مبتكرة ومتقنة ومضحكة وبإيقاع محبوك، ما جعلني أميل للتغاضي عن الواعظ الأخلاقي الواضح فيها، حتى جاء مشهد النهاية، وأصبحت الرسالة مباشرة أكثر من قدرتي على التغاضي. قبل ذهابي لمشاهدة العرض، لم أكن ملمِّة بأعمال المخرج، إلا أني عندما ذكرت اسمه أمام بعض الأصدقاء، وجدتُ رد فعل ينم عن انبهار وتقدير، بسبب ارتباط اسمه في ذاكرتهم بمسرحية «قهوة سادة»، التي فضلًا عن طزاجتها الكوميدية في ذلك الوقت (٢٠٠٨)، كانت تعتبر جريئة إلى حدٍ ما، ما دفعهم للاندهاش أن يكون صانعها، هو نفسه من فناني البلاط الآن. ظاهريًا، تبدو المسرحيتان من نفس المدرسة، إلا أن فارقًا طفيفًا في مضمون الرسالة، جعل الأولى تعتبر مسرحية جريئة تواجه السلطة، والثانية مناسبة للعرض أمام الرئيس السيسي وضيفه الملكي. تبدأ مسرحية «قهوة سادة» بمشهد عزاء ونحيب حدادًا على اندثار القيم الممثلة في كل اسكتش. بالرغم من عدم توجيهها أصابع اتهام صريحة للدولة، إلا أن اسكتشات قهوة سادة كانت تظهر المواطنين كضحايا للمشاكل المعروضة، ملمّحة في بعضها باللوم على السلطة والدوائر التابعة لها. فمثلًا في أحد الاستكتشات نرى رجال الأعمال في الجامع يدعون الله، بشكل يُظهر انفصال همومهم عن هموم المواطن، فيشكو أحدهم بطء سيارته الفارهة، أو حيرته في تصميم حمام السباحة الجديد، وآخر، يُلمح لفساده الشخصي، يدعو بأن يستقر المزاد عليه بعد أن «عمل اللي عليه»، ورشى اللجنة بأكملها، وآخر يدعو أن يتمكن من شراء الهرم وأبو الهول، في إشارة لفساد الخصخصة، بينما يسخر اسكتش آخر من انبطاح مصر أمام السيطرة الخليجية، فيظهر رجل خليجي يصمم على إقحام أبطالًا خليجيين على كل قصص البطولة في التاريخ المصري. بالنسبة للشباب، كانت «قهوة سادة» متعاطفة مع صعوبة ظروفهم. في أحد اسكتشاتها مثلًا تصوّر شبابًا متطلعًا لأحلامه على متن مركب هجرة غير شرعية قبل أن يغرقوا. في آخر نرى غلاء الأسعار الذي يجعل كل متطلبات الحياة أحلامًا صعبة المنال، بداية من إيجاد مكان للسكن، للخدمات الطبية، وحتى دفن الموتى. أما في «سلم نفسك»، فحدثت معالجة مختلفة لنفس الموضوع، بحيث تلقي اللوم على المواطن وليس الحكومة، فتختار الحديث عن «التبذير» بدلًا من الحديث عن غلاء الأسعار، فنرى سيدة تُرهق زوجها بطلبات غير منطقية، وفي نهاية المشهد بعدما نتعاطف معه نجده هو الآخر يحمل ١٠ تليفونات محمولة، بما يتماشى مع فحوى الخطاب الرئاسي بطلبه من المواطنين طوال الوقت أن يرشدوا صرفهم ويتحملوا بجَلد التدهور المستمر للحالة الاقتصادية. في اسكتش آخر نرى برنامجًا تليفزيونيًا بعنوان «انت عايش ليه؟»، يطلق الشائعات، و يصدّر الكآبة للمشاهد بعرضه سلبيات، وهو ما يتماشى مع انتقاد الرئبس للإعلام في مواقف كثيرة. هكذا، وبشكل دؤوب تحاول الاسكتشات تسليط الضوء، على فشل المواطن، لا على مشكلة عامة، ولا على فشل حكومي مثل سابقتها. متطرّقة لمشاكل تعتبر فرعية، كالنميمة، إدمان مواقع التواصل الاجتماعي، «الفَتْي»، وغير ذلك، وليست مثل اختيارات قهوة سادة، التي حاولت لفت الانتباه لمشاكل رئيسية في المجتمع المصري. لكن حتى في نقدها للمواطن لم تكن المسرحية متسقة مع مبادئها. فبعد أن تعيب قمع النساء، والحكم الأخلاقي عليهن، تعود في مشهد آخر، يظهر خطورة الأثر المحتمل لاختلاط ذلك الإنسان المتسلِّل بسكان المدينة، بعد ٥٠ سنة، فتدلل على انحدار الأخلاق باحتفاء أب بكون إبنته «شمال» وترتدي ملابس كاشفة، وكون أخرى تعمل راقصة، في إعادة إنتاج لذات الأحكام الأخلاقية التي انتقدتها المسرحية. نجحت المسرحية في تمرير هذه الرسائل باسكتشات مسلية من صنع فريق العمل الموهوب، والتي تضمنت أغاني واستعراضات، علِق بعضها في ذهني لأيام. كان الأداء والكتابة الجيدة جديران بخروجي بانطباع إيجابي عنها، إلا أنها في النهاية اتخذت منحى مفاجئ، أحبطني وصدمني. فبعدما حافظت طوال ساعتين على خط منضبط يسمح بتمرير الرسائل بشكل ذكي، مع الحفاظ على مستوى فني معين، انفجرت ماسورة البروباجاندا في آخر ١٠ دقائق، ما إن نجحت العالِمة أخيرًا في فتح الملف الإيجابي. يفتح الملف على هتافات «تحيا مصر» المرتبطة بحملات دعم الرئيس السيسي، ثم نرى عساكر جيش وبصحبتهم لاعب كرة وفلاحة. يتحدث عسكري لوالدته على التليفون على خلفية موسيقى شديدة الدرامية أقرب للمسلسلات العربية القديمة ويخبرها أن «تخلي بالها» من نفسها، ويوصي أخيه الأصغر أن يرعاها. يدخل بعد ذلك ضابط جيش ليخبر الجنود أنهم سيخيِّمون في هذا الموقع، يسأل أحدهم «هنبات في الصحرا؟ فيجيب الضابط «الأرض دي استشهد فيها أغلى أبناء الوطن» وينتهي المشهد، الذي يغيب عنه الحوار المتماسك والاستعراضات والقيمة الفنية الموجودة في باقي المسرحية. ماذا تمثل الفلاحة؟ لا أعلم. هل لاعب الكرة هو محمد صلاح؟ غير مفهوم. هل لاعب الكرة الذي نفترض أنه محمد صلاح بالإضافة لعسكري الجيش والفلاحة هم فقط ما يمكن الفخر به في البلد؟ يبدو ذلك. بعد المشهد تنتهي المسرحية على أغنية «مفيش مستحيل»، وهي على غرار أغاني إعلانات بيبسي، التي تؤكد للمواطن أن المستحيل مجرد شماعة صنعها لفشله، وأن بمقدرته أن «يعدي من أعلى سور». في النهاية، وبينما يخرج المشاهد من «قهوة سادة» مشفقًا على المواطن من صعوبة الظروف وتفشي الفساد، فإنه يخرج من «سلم نفسك» ناقمًا على نفس المواطن لسلبيته، وجلبه المتاعب لنفسه وفشله في قهر المستحيل. لقراءة التقرير على موقعنا اضغط الرابط التالي