مدى مصر

«مراسلون بلا حدود» تبدي قلقها من سيطرة «المخابرات» على مؤسسات إعلامية في مصر مدى مصر ٥ سبتمبر ٢٠١٧ أبدت منظمة «مراسلون بلا حدود»، اليوم الثلاثاء، قلقها مما اسمته سيطرة رجال أعمال مقربين من الحكومة وأجهزة المخابرات على عدد من المؤسسات الإعلامية المصرية، وذلك في تقرير بعنوان «مصر حينما تبسط المخابرات سيطرتها على الإعلام». وقالت المنظمة، ومقرها باريس، إن «رجال المخابرات أقرب إلى وسائل الإعلام من أي وقت مضى»، مشيرة إلى استحواذ عدد من رجال الأعمال المعروفين بصلاتهم بالأجهزة الأمنية على عدد من الوسائل الإعلامية، موضحة بالوقت ذاته أن استحواذ السلطات المصرية على المشهد الإعلامي متواصل بشكل مطرد بل ويطال حتى وسائل الإعلام المقربة من النظام. وأشارت المنظمة إلى أنباء عن استحواذ شركة فالكون على قناة الحياة المملوكة لرجل الأعمال ورئيس حزب الوفد السيد البدوي، وهي الشركة التي وصفتها المنظمة بـ «المتخصصة في الخدمات الأمنية والتي يرأسها المدير السابق لقطاع الأمن في اتحاد الإذاعة والتليفزيون اللواء خالد شريف، وهو أيضاً وكيل سابق للمخابرات الحربية». وربطت المنظمة بين صفقة الاستحواذ على قناة الحياة وبين توقف بث برامج القناة في وقت سابق بسبب مديونيات للحكومة، ما أرته «مراسلون بلا حدود» نوعًا من الضغط على «البدوي»، الذي رفض نواب حزبه الموافقة على اتفاقية جزيرتي تيران وصنافير في الأشهر الماضية. كما أشار التقرير إلى استحواذ رجل الأعمال أحمد أبوهشيمة، المعروف بعلاقاته مع أجهزة الأمن المصرية، على قناة أون تي في، بالإضافة إلى ملكيته لأربعة مؤسسات صحفية مصرية على رأسها اليوم السابع وصوت الأمة وعين وموقع دوت مصر. وذكر التقرير فصل عدد من الصحفيين العاملين بجريدة اليوم السابع، بسبب آرائهم المتعلقة بقضية تيران وصنافير، الأمر الذي انتهى بعودة ١٥ من المفصولين لعملهم واستمرار فصل ثلاثة صحفيين آخرين. ويأتي التقرير بعد أيام قليلة من وقف طبع عدد يوم الأحد من جريدة البوابة، التي يرأس تحريرها الصحفي وعضو مجلس الشعب عبد الرحيم علي، المقرب من الحكومة والمعروف بتأييده لإدارة الرئيس عبد الفتاح السيسي. وقالت الجريدة في بيان لها إن قرار وقف طبع الجريدة بمطابع الأهرام يعود إلى تقرير منشور بالصفحة الأولى للعدد الموقوف طباعته يتناول تساؤلات لوزارة الداخلية حول هروب وزير الداخلية الأسبق حبيب العادلي من تنفيذ حكم بالحبس. وتلا بيان البوابة حملة من صحف حكومية ضد «علي»، اتهم فيه بالإساءة للأمن. وأشار تقرير «مراسلون بلا حدود» أيضاً إلى قناة DMC التي وصفها بـ «صوت المخابرات»، التي «تحصل من السلطات الأمنية على تصاريح التصوير في أماكن وأحداث، فيما تُواجَه طلبات وسائل الإعلام الخاصة الأخرى بالرفض. كما تُعرف قنوات هذه الشبكة ببثها مقابلات تُقدَّم على أنها حصرية بينما لا تنطوي في الواقع إلا على تكرار للخطاب الأمني الذي يتبناه النظام في محاربة جماعة الإخوان المسلمين»، حسب التقرير. كما أدانت المنظمة ارتفاع عدد المواقع الصحفية المحجوبة داخل مصر، ومن بينها الموقع الخاص بالمنظمة.
«النجم الساطع» يعود بعد توقف ٨ سنوات.. و«مكافحة الإرهاب» أهم محاور التدريب مدى مصر ٥ سبتمبر ٢٠١٧ أعلن المتحدث الرسمي باسم القوات المسلحة، اليوم الثلاثاء، عودة مناورات النجم الساطع، المشتركة بين الجيشين المصري والأمريكي، بعد توقفها منذ العام ٢٠٠٩، وذلك بعد تغيير طبيعة التدريبات لتركز على عمليات مكافحة الإرهاب والتطرف والتدريب على كافة سيناريوهات التهديدات المختلفة حاليا، في ظل الحرب التقليدية وغير النظامية. وقال المتحدث العسكري في بيان «تستضيف مصر فاعليات التدريب المصري الأمريكي المشترك النجم الساطع ٢٠١٧، والذي من المقرر أن ينفذ بقاعدة محمد نجيب العسكرية ، ويستمر التدريب خلال الفترة من ١٠ ٢٠ سبتمبر ٢٠١٧ (..) ومن المقرر مشاركة عناصر من القوات الأمريكية في التدريب الذي سيتناول موضوعات التعاون الأمني ومكافحة الإرهاب والتطرف والتدريب على كافة سيناريوهات التهديدات المختلفة في القرن الحادي والعشرين في ظل الحرب التقليدية وغير النظامية». وكان «مدى مصر» نشر في أبريل الماضي تقريرًا كشف فيه تفاصيل زيارة وزير الدفاع الأميركي جيمس ماتيس إلى القاهرة، وكان على رأسها محادثات لاستئناف المناورات، على أن يتغير نطاقها ليشمل مكافحة الإرهاب. وتعد «النجم الساطع» واحدة من أكبر المناورات العسكرية، وبدأت بمشاركة مصرية أمريكية فقط في عام ١٩٨١، وتم الاتفاق على أن تقام في الخريف كل سنتين بدءًا من العام ١٩٨٣، قبل أن تتوقف بين عامي ١٩٨٩ و١٩٩٣، لظروف حرب تحرير الكويت، وبعد استئنافها توقفت مرة أخرى عام ٢٠٠٣ بسبب الحرب اﻷمريكية في العراق، لتستأنف ثانية وتكون آخر نسخة منها هي نسخة العام ٢٠٠٩، لتتوقف بعد الثورة المصرية في يناير ٢٠١١ وحتى اﻵن. وكان الحساب الرسمي للسفارة الأمريكية على موقع تويتر نفى يوم ٨ أغسطس الماضي، عودة مناورات النجم الساطع، وذلك ردًا على سؤال وجهه للسفارة المحلل السياسي لسياسات الشرق الأوسط زاك جولد. وردت السفارة وقتها قائلة عبر حسابها «الخبر غير دقيق. لا يوجد إعلان رسمي عن عودة مناورات النجم الساطع». وفي سياق مشابه، من المقرر أن يشهد إقليم كراسنودار، جنوبي روسيا الشهر الحالي، تدريبات تكتيكية مشتركة بين القوات المصرية والروسية، تشارك فيها وحدات من القوات الجوية من البلدين للتدريب على قضايا الاعتداء الجوي واقتحام المدن والإنزال المشترك.
التاكسي الأبيض يلاحق أوبر وكريم بـ«خدمة تاكسي واتس» محمد حمامة ٥ سبتمبر ٢٠١٧ في محاولة لتجاوز أزمات الأعوام اﻷخيرة خصوصًا مع انتشار تطبيقات طلب سيارات التنقل مثل «أوبر» و«كريم»، أطلق خمسة من سائقي التاكسي اﻷبيض في القاهرة مبادرة جديدة لتنظيم المعاملات مع الركاب عبر نظام داخلي بدائي يعملون على تطويره. وكما يشير اسم المبادرة «خدمة تاكسي واتس»؛ فهي تعتمد على تطبيق المحادثات اﻷشهر «واتس آب». يُرسل العميل طلبًا للحصول على تاكسي عبر «واتس آب» قبل موعد رحلته بنصف ساعة على اﻷقل مصحوبًا بموقعه. يتم استقبال الطلب على رقمي هاتف بواسطة أحد مؤسسي المبادرة الخمسة، الذي يقوم بدوره بتوزيع الرحلة على أقرب السائقين إلى الموقع المحدد. يستقل الراكب سيارته تشترط المبادرة أن تكون مكيفة ويتم الحساب على أساس عدّاد اﻷجرة الرسمي. وفي حالة حدوث مشكلة بين الراكب والسائق، يتدخل أحد المؤسسين عبر الهاتف لحل الخلاف أثناء الرحلة. يعرف مؤسسو المبادرة مواقع التاكسيات التابعة لهم عبر جروب منفصل على «واتس آب» أيضًا يشارك فيه السائقون أماكنهم بشكل دوري. محمد عبد المطلب، ٤٢ عامًا، أحد المؤسسين، يحمل شهادة بكالوريوس من كلية التجارة، ويعمل سائقًا على تاكسي أبيض منذ أعوام، يقول لـ«مدى مصر» إنهم بدأوا مشروعهم بـ ٢٥ سيارة تاكسي، ووصلوا حتى اﻵن إلى ١٢٠، موضحًا أن عملية اختيار السائقين تتم تحت إشرافهم الشخصي المباشر، مراعين التنوع الجغرافي للسائقين. بعد كل رحلة، تطلب إدارة المجموعة من الراكب تقييم رحلته. وفي حالة تكرار الشكاوى، يتم استبعاد السائق المسؤول عنها. لم تكن هذه هي المحاولة اﻷولى لمواجهة الواقع الجديد الذي فرضه عملاقا تطبيقات الانتقال في مصر «أوبر» و«كريم» على سائقي التاكسي اﻷبيض. يعمل في أوبر مصر أكثر من ٥٠ ألف سائق، باستثمارات ضختها الشركة في السوق المصري بلغت ٢٥٠ مليون جنيه في العام الماضي، بحسب إميل مايكل، مسؤول اﻷعمال في «أوبر». كما يعمل في «كريم» عدد مماثل من السائقين، وبحجم أعمال يبلغ نصف مليار دولار. أثرت التوسعات الكبيرة للشركتين على عمل سائقي التاكسي اﻷبيض، ما تسبب، في بعض الأحيان، في خلافات واشتباكات بين سائقي أوبر وكريم من ناحية، وسائقي التاكسي اﻷبيض من ناحية أخرى. خرج سائقو التاكسي في مظاهرات حاشدة في مارس من العام الماضي احتجاجًا على أعمال الشركتين. كما رفع عدد منهم دعوى قضائية لوقف نشاطهما. لكن في النهاية، قبلت الحكومة تقنين عمل الشركتين في أبريل الماضي، وأصبحت أعمال أوبر وكريم أمرًا واقعًا. سبق مباردة «تاكسي واتس» محاولات أخرى استخدمت تطبيقات مماثلة ﻷوبر وكريم، لكنها تعتمد على سيارات التاكسي اﻷبيض مثل «العربي كار» و«وصلني». لكن هذه التطبيقات لم تتمكن من تحقيق انتشار كبير. يرى عبد المطلب أن خدمات التوصيل مثل أوبر وكريم ومثيلاتها تبدأ في الفشل بسبب خططها للانتشار في السوق المصري. يشير إلى ازدياد شكاوى المستخدمين المنتظمين للتطبيقات ﻷسباب تتعلق بسوء الخدمة المقدمة أو ضياع المقتنيات أو حوادث التحرش. «في مصر، مش بيدرسوا المنظومة كويس بسبب رغبتهم في الانتشار الواسع السريع»، يقول عبد المطلب. بالنسبة إليه، فإن اﻷفضل للشركات الكبيرة استهداف فئة معينة من الركاب حتى تتمكن من تقديم الخدمة بشكل جيد بدلًا من التشتت بين فئات مختلفة دون التمكن من إرضاء الجميع. «يستحيل على هذه الشركات أن تستحوذ على السوق بأكمله»، يقول عبد المطلب. وبدأت بعض الشركات العاملة في الانتباه لهذا. ربما لهذا السبب قررت شركة كريم دمج ٤٢ ألف سائق تاكسي أبيض في خدمة منفصلة عبر تطبيقها. العامل المشترك بين أوبر وكريم وكل المشروعات اﻷخرى هو رغبتها في هذا الانتشار السريع والعمل بشكل متسع. يشرح عبد المطلب أن مبادرتهم تختلف عن هذا التوجه. «خدمة تاكسي واتس» تعتمد على التوسع القاعدي البسيط وتستهدف فئة محددة من الركاب تختلف عما تستهدفه باقي الخدمات. حتى اﻵن، لا يوجد مكتب أو تطبيق مركزي لتوزيع الرحلات وإدارة الشكاوى وخدمة العملاء. يقوم المؤسسون بإدارة وتوزيع الرحلات وتسجيل بيانات العملاء وتلقي الشكاوى أثناء قيادة سياراتهم. يقول عبد المطلب أنهم يطمحون إلى تأسيس شركة للتوسع في أعمالهم، لكنه يشير إلى أنهم لا يرغبون في تعجل اﻷمر. الخطة الرئيسية هي الاستمرار في العمل لمدة ستة شهور أخرى وتقييم التجربة قبل البدء في خطوات تأسيس الشركة أو التوسع في النشاط.
اعتداءات «السبيكة» بالعريش.. بين الصدفة والخيانة مراد حجازي ٥ سبتمبر ٢٠١٧ في السابعة والنصف من صباح الأربعاء، ٩ أغسطس الماضي، ومن عدة نقاط في قلب مدينة العريش، استقل موظفو وعمال شركة النصر للملاحات الميكروباصات التي تقلهم إلى مقر الشركة، والتي تقع في منطقة صحراوية غرب المدينة. تجتاز الميكروباصات ستة ارتكازات أمنية لكي تتمكن من الخروج من العريش، وبعد آخر ارتكاز أمني (الميدان) بقليل كان ينتظرها شيئًا مرعبًا. أحد العاملين، الذي رفض ذكر اسمه، تحدث لـ«مدى مصر» عن الواقعة «بعد اجتياز حاجز «الميدان» وبالقرب من منطقة «الحصيني» فوجئنا بعدد من المسلحين يقيمون حاجزًا خاصًا بهم على الطريق الدولي. استوقفوا ميكروباص الشركة وصعد أحدهم وطَالب الجميع بإخراج بطاقات الرقم القومي وقام بجمعها، وكان بحوزتهم كشف كبير مدون به أسماء أشخاص مطلوبين لديهم». تقع منطقة «الحصيني» التي أقام أمامها المسلحون حاجزهم في منتصف المسافة بين حاجز «الميدان» الأمني ومقر الشركة، وتبعد عن كلاهما بضع كيلو مترات. في نفس اليوم، كانت سيدة أخرى من أهالي مدينة العريش، تستقل ميكروباص آخر، في طريقها إلى محافظة الإسماعيلية. بدأت رحلتها من موقف العريش، وبعد اجتياز حاجز «الميدان» الأمني، مرت على حاجز المسلحين في «الحصيني»، ولكنهم لم يستوقفوا السيارة، وسمحوا لها بالمرور بدون النظر في هويات الركاب، تقول السيدة التي رفضت الإفصاح عن هويتها. وأضافت أن القدر أنقذ معظم من في السيارة من موت محقق بعد أن فوجئت بأن معظم رفقاها فى رحلة السفر أمناء شرطة، وفي حالة اكتشاف هويتهم يعتبروا «صيدًا ثمينًا» للمسلحين. وبمجرد مرورهم من الحاجز أخرج أمناء الشرطة هواتفهم المحمولة وأبلغوا أصدقائهم من أفراد الأمن بعدم المرور على حاجز «الميدان» «علشان في بعده كمين للتكفيريين». اتفق الموظف في شركة النصر للملاحات، الذي تحدثنا معه، وكذلك السيدة، التي كانت في طريقها إلى محافظة الإسماعيلية، على أن المسلحين كانوا ثمانية أفراد لديهم شعر طويل ويرتدون الزي العسكري للجيوش «المُموه» وبحوزتهم سيارة دفع رباعي ودراجات نارية. ولكن تجرية موظف الشركة على الطريق كانت مختلفة. فقد أنزل المسحلون أحد العاملين، ويدعى حسام، وانهالوا عليه بالضرب المبرح، «ما اضطرنا للتدخل في محاولة لفهم سبب الاعتداء. فكانت الإجابة هادة شغال مع الجيش. ومن ثم وضعوه في سيارة الدفع الرباعي، وسمحوا لنا بالمرور»، يقول الموظف. بعد فترة قصيرة من وصول سيارات العمال إلى مقر الشركة في الدقائق القليلة التالية للثامنة صباحًا، فوجئوا بذات العناصر المسلحة التي كانت تقيم الحاجز تقتحم الشركة، بحسب رواية الموظف. يسرد لنا موظف آخر ما حدث حينها قائلًا إن أول مk سألوا عن مكتبه هو مدير الشركة، ضابط قوات مسلحة متقاعد برتبة عميد، ولكنه لم يكن موجودًا لأنه كان قد سافر إلى القاهرة قبلها بيوم، لافتًا إلى أنه من المعتاد أن يسافر المدير يوم الأربعاء من كل أسبوع، ولكنه هذه المرة سافر يوم الثلاثاء. ويتابع «بعدها قاموا بإحضار العاملين الذين يبيتون في مقر الشركة، ومعظمهم من البدو، ومهمتهم هي حماية المقر ليلًا، وطالبوهم بإشهار هوياتهم، وتم مطابقتها بقائمة أسماء كانت بحوزتهم. بعدها قاموا باختطاف اثنين منهم»، انضما إلى حسام، المختطف من حاجز «الحصيني». ويؤكد الموظف أن عدد من اقتحموا مقر الشركة ستة أشخاص، بالإضافة إلى اثنين في الخارج يقفان على الطريق الدولي لرصد المنطقة. وأثناء وجود المسلحين داخل مقر الشركة سمع الجميع صوت «رصاصة» قادم من الخارج، بعدها صاح أحد المسلحين «أرقدوا أرقدوا»، كلمة بلهجة سيناوية تعني انبطحوا. «بعدها سمعنا صوت وابل من الرصاص، خرجنا وجدنا أربعة جثث على الطريق الدولي»، يقول الموظف، الذي أضاف «لحظات واختفى المسلحون ومعهم الثلاثة أشخاص الذين اختطفوهم». تبين بعد ذلك أن الجثث الأربعة لملازم أول بالقوات المسحلة، تابع لسلاح المهندسين، وثلاثة أمناء شرطة تابعين لقسم مدينة بئرالعبد، كانوا في طريقهم إلى مديرية الأمن في مدينة العريش لإنهاء بعض الأوراق الخاصة بهم، وجمعتهم الصدفة بالضابط في أحد الكمائن الأمنية على الطريق الدولي في مدينة بئر العبد، وعرض توصيلهم في طريقه بسيارته الملاكي، ليلقوا جميعًا مصرعهم على الطريق. يوم الخميس ١٠ أغسطس، نشرت وكالة رويترز خبر تبني تنظيم الدولة الإسلامية حادث مقتل أربعة رجال أمن في مدينة العريش على يد أفراد التنظيم في شمال سيناء «ولاية سيناء» الذي بايع تنظيم الدولة في نوفمبر عام ٢٠١٤. بعد الواقعة بعد اختطافهم بأيام، أفرج المسلحون عن أحد الثلاثة. وفي ٢٣ أغسطس، بعد السابعة مساءً، حضرت سيارة ملاكي إلى ميدان العتلاوي وألقت بجوال كبير وغادرت المكان. تفحص الأهالي الجوال ففوجئوا برأسين بشريين لشابين من الثلاثة المختطفين. تمكن الأهالي من التعرف على إحداها، وهي لحسام حسين محمود النجار، والرأس الأخرى لشاب من قبيلة الجريرات. ميدان العتلاوي هو الساحة المفضلة لـ«ولاية سيناء» في العريش لتنفيذ الإعدامات، حيث أعدم التنظيم فيه العديد من المدنيين سواء رميًا بالرصاص أو ذبحًا بالسكين، وذلك لاتهامهم بالتعاون مع قوات الأمن والجيش. في ٢٥ أغسطس، وعقب صلاة الجمعة، ظهرت عناصر «ولاية سيناء» مرة أخرى في منطقة «الحصيني» واستوقفوا العديد من الأهالي وفحصوا هوياتهم الشخصية، واختطفوا مجددًا ثلاثة أشخاص من ذات القبيلة «الجريرات» واتجهوا نحو جنوب العريش. وكسابقاتها من الوقائع، صبت أجهزة الأمن جام غضبها بعد الحادث على الأهالي في محيط المنطقة، فانطلقت الحملات الأمنية تعتقل المشتبه بهم. يوم الخميس التالي لحادثة الشركة، رفض جميع العاملين التوجه إلى مقر عملهم. وأكد أحد العاملين أنهم يعلمون السيناريو الذي سوف يحدث، وأن قوات الأمن سوف تحضر إلى مقر الشركة وتقوم بإلقاء القبض على عدد كبير من الموظفين والعاملين كمشتبه بهم. وأضاف أحد هؤلاء العاملين أن ذلك ليس محض افتراض، ولكنه حدث قبل ذلك، فمنذ قرابة شهرين حضر اثنان من المسلحين إلى مقر الشركة وسرقوا سيارة دفع رباعي، وحاولوا الهروب بها من خلال صعودها على جبل من الرمال يقع أمام مقر الشركة، ولكن السيارة تعطلت بهم. بعد ذلك تركوها مكانها وحضرت مدرعة أمنية عقب مغادرتهم بلحظات، وليلًا تم إحضار لودر كبير وانتشال السيارة من بين الرمال. في صباح اليوم التالي، فوجئ الجميع في الشركة بحضور حملة أمنية واعتقال ستة من العاملين والموظفين، أُخلي سبيل أربعة منهم، وظل اثنان قيد الاحتجاز حتى الآن. عقب واقعة اقتحام الشركة من قبل المسلحين في ٩ أغسطس، حذر عبد القادر مبارك، الصحفي والباحث في التراث السيناوي، في تدوينة له على صفحته الشخصية بموقع فيسبوك من رد فعل الأمن على الأهالي في محيط منطقة الحادث في منطقتي «السبيكة» و«الميدان»، واعتقال عدد كبير منهم، وكذلك اعتقال العاملين بشركة النصر للملاحات. وأشار مبارك إلى أن العناصر «التكفيرية» هي عناصر مسلحة، وأن الأهالي عُزل من السلاح «فلا تطالبنا بمواجهتهم»، موجهًا كلامه إلى أجهزة الأمن متسائلًا «أين الدوريات الشرطية عندما أقام المسلحون حاجزهم على الطريق الدولي أكثر من ساعة؟». صدفة أم خيانة؟ تبنى «ولاية سيناء» عملية اغتيال جديدة في سيناء، ربما جاءت بطريق الصدفة، نفس الصدفة التي أنقذت أمناء الشرطة في ميكروباص المدنيين من القتل، والتي أنقذت مدير شركة النصر للملاحات من الاختطاف والمصير المجهول على يد المسلحين، هي نفس الصدفة التي جمعت أمناء شرطة قسم بئر العبد مع الضابط صاحب السيارة. ولكن الاشتباه في الصدف القاتلة يشوبه أيضًا تساؤلات حول الخيانة. في شهر يونيو من العام الماضي، نشرت عدة مواقع إخبارية مصرية تقارير تفيد بالقبض على شبكة من أمناء الشرطة العاملين في شمال سيناء تم تجنيدهم من قبل تنظيم «أنصار بيت المقدس أو ولاية سيناء»، وأنهم يفشون معلومات عن تحركات أفراد الأمن. ولكن تقرير جريدة «الشروق» المصرية كان الأكثر تفصيلًا، حيث ذكر أن أميني الشرطة المتهمان كانا يرصدان تحركات رجال الأمن ونوعية تسليح كل قوة أمنية، وأنهما كانا يستخدمان ستة شرائح اتصالات مختلفة للتواصل مع العناصر الإرهابية، وجاء ذلك الكشف بعد عدة حوادث إرهابية طالت عدد من قيادات جهاز الشرطة في مدينة العريش. هل هي الصدفة أم الخيانة ما يقف وراء عمليات قتل على يد مسلحين، يذهب ضحيتها رجال أمن يتنقلون بذيهم المدني خارج سياق خدمتهم؟ ومن أشهر الحوادث التي وقعت في شمال سيناء وكانت تحمل بين طياتها هذا التساؤل، مذبحة رفح الثانية في شهر أغسطس عام ٢٠١٣، التي قُتل فيها ٢٥ مجندًا من قوات الأمن المركزي التابعين لمعسكر الأحراش في مدينة رفح، بعد أن استوقف مسلحون حافلتين كان المجندون يستقلونهما في زيهم المدني أثناء عودتهم من الأجازة، في طريقهم إلى مقر المعسكر. وكذلك حادثة اغتيال نائب مأمور قسم «القسيمة» في وسط سيناء أثناء سيره بسيارته الملاكي في مدينة العريش يوم ٢٤ يوليو ٢٠١٦. وفي ٢٤ يناير الماضي قُتل خمسة جنود تابعين للقوات المسلحة أثناء عودتهم من الأجازة إلى معسكرهم في مدينة «الحسنة» في وسط سيناء، وكانوا يستقلون سيارة ملاكي وتم إيقافهم وقتلهم رميًا بالرصاص، بعدها حظرت أجهزة الأمن سير الجنود والضباط والأقباط على الطريق الأوسط في شمال سيناء لاعتباره منطقة خطرة.
استمرار احتجاز ٢٤ مشاركًا في مسيرات «يوم التجمع النوبي» بأسوان.. والنيابة لم تصدر قرارًا بشأنهم مدى مصر ٤ سبتمبر ٢٠١٧ يستمر احتجاز ٢٤ من النشطاء النوبيين لليوم الثاني منذ القبض عليهم أمس، الأحد، بأسوان خلال مشاركتهم في مسيرات «يوم التجمع النوبي». وفي حين أكد المحامي عبد العاطي أبو ترس، عضو لجنة الحريات بنقابة المحامين في أسوان، لـ «مدى مصر»، على تواجد المحتجزين بمعسكر قوات الأمن بمنطقة الشلال بمحافظة أسوان، أوضح المحامي أحمد رزق أن النيابة «أجرت تحقيقًا مع المحتجزين اليوم، الإثنين، دون أن تُصدر قرارًا بشأنهم حتى الآن». وكانت الشرطة قد ألقت أمس، الأحد، القبض على ٢٤ متظاهرًا في أسوان، خلال مشاركتهم في مسيرات ضمن «يوم التجمع النوبي»، الذي تضمن تنظيم مسيرات بالمدينة من أجل تجديد المطالبة بحق العودة، الذي نَصّت عليه المادة ٢٣٦ من الدستور. ومن جانبه قال المحامي عبد العاطي أبو ترس لـ «مدى مصر» إن قوات الأمن قد احتجزت المقبوض عليهم، منذ الأمس، في معسكر قوات الأمن بمنطقة الشلال خارج حدود مدينة أسوان، إلا أنها لم تُعلم المحامين بمكان الاحتجاز، مما أدى لعدم حضورهم للدفاع عن المحتجزين خلال تحقيقات النيابة اليوم، الإثنين. فيما قال المحامي أحمد رزق، عضو لجنة الحريات بنقابة المحامين في أسوان، لـ «مدى مصر» إن تحقيقات النيابة تضمنت اتهام المحتجزين بـ «التحريض على التظاهر»، و«تعطيل وسائل المواصلات العامة»، و«التظاهر بدون ترخيص»، فضلًا عن «توزيع منشورات»، وذلك دون صدور قرار بشأنهم حتى الآن. وكان من ضمن المحتجزين المحاميَيْن محمد عزمي ومنير بشير، رئيس الجمعية المصرية للمحامين النوبيين. وكان من المتوقع أن تتحرك مسيرات «يوم التجمع النوبي» أمس، الأحد، نحو حديقة «درة النيل» على كورنيش أسوان، إلا أنها كانت قد تحوّلت إلى «ثكنة عسكرية» بسبب التواجد المكثف لقوات الأمن، حسبما أوضحت بسمة عثمان، شقيقة المُحتجَز محمد عثمان، لـ «مدى مصر». وقالت بسمة إن التجمع كان قد انتقل إلى ميدان الجزيرة بجوار نادي المهندسين، وغنَّى المشاركون الأغاني النوبية على دقات الدفوف، مما جعل قوات الأمن تتحرك نحو الوقفة؛ وتعدّت على المشاركات والمشاركين بالضرب، ثم ألقت القبض على ٢٤ منهم. ومن جانبها قالت الناشطة النوبية فاطمة إمام لـ «مدى مصر» إنها تعتبر خطوة القبض على ٢٤ من المشاركين في تجمع الأمس «تصعيدًا غير مسبوق من قِبل الحكومة». وأضافت « الدولة مستمرة في التسويف والتعنّت في الملف النوبي. وأن النوبيين استهلكوا جميع السُبل السلمية من أجل أن ينالوا حقهم الدستوري سواء من خلال وقفات سلمية أو المشاركة في لجنة وزارة العدالة الانتقالية (التي كان يترأسها إبراهيم الهنيدي في حكومة إبراهيم محلب العام قبل الماضي) لوضع مشروع قانون العودة وإعادة التسكين، الذي لا يزال في درج الوزارة». في سياق متصل كان أشرف العشماوي، المستشار القانوني لوزير العدالة الانتقالية السابق إبراهيم الهنيدي، قد صرح لـ «مدى مصر»، في وقت سابق من العام الجاري، إنه كان قد شارك في إعداد قانون متكامل يضمن عودة النوبيين إلى أراضيهم، وقال «فوجئت بأن القانون دخل الأدراج شأنه شأن غالبية القوانين التي أعدتها الوزارة». وتنص المادة ٢٣٦ من الدستور على أن «تكفل الدولة وضع وتنفيذ خطة للتنمية الاقتصادية، والعمرانية الشاملة للمناطق الحدودية والمحرومة، ومنها الصعيد وسيناء ومطروح ومناطق النوبة، وذلك بمشاركة أهلها فى مشروعات التنمية وفى أولوية الاستفادة منها، مع مراعاة الأنماط الثقافية والبيئية للمجتمع المحلى، خلال عشر سنوات من تاريخ العمل بهذا الدستور، وذلك على النحو الذى ينظمه القانون. وتعمل الدولة على وضع وتنفيذ مشروعات تعيد سكان النوبة إلي مناطقهم الأصلية وتنميتها خلال عشر سنوات، وذلك على النحو الذى ينظمه القانون». وكان الرئيس عبد الفتاح السيسي قد أصدر، في ٢٠١٤، القرار رقم ٤٤٤، الذي قضى بإعلان جزء من المناطق الحدودية كمناطق عسكرية لا يجوز للمدنيين العيش فيها أو الاستفادة منها، والذي شمل ١٦ قرية من قرى العودة النوبية. وكانت مجموعة من النشطاء النوبيين قد تقدمت بطعن أمام مجلس الدولة، العام الماضي، ضد القرار. وقد أوصت هيئة مفوضي مجلس الدولة، في أغسطس الماضي، بإلغاء القرار ٤٤٤. وقالت، في تقريرها، إنه عمل إداري وليس سياديًا. ويطالب النوبيون بالعودة إلى ضفاف بحيرة ناصر جنوب البلاد استنادًا لتعرضهم، تاريخيًا، لموجات من التهجير. وقد بدأت الموجتان الأولى والثانية، في عامي ١٩١٢ و١٩٣٣، بالتزامن مع تعلية سد أسوان خلال فترة الاحتلال البريطاني لمصر، وكانت المرة ثالثة، بين عامي ١٩٦٣ و١٩٦٤، خلال فترة حكم الرئيس جمال عبد الناصر بالتزامن مع بناء السد العالي.
بسبب «هروب العادلي» عدد «البوابة» لم يُطبع مدى مصر ٣ سبتمبر ٢٠١٧ أعلنت جريدة «البوابة» عن امتناع مؤسسة «اﻷهرام» الصحفية المملوكة للدولة عن طباعة عدد اليوم، اﻷحد، من الجريدة اليومية الخاصة حسب بيان نشرته على موقعها أمس. وأكدت على أن القرار جاء بعد رفض «البوابة» لطلب «جهات معينة»، دون أن تُحددها، بحذف تقرير منشور على صفحتها الأولى بشأن «استمرار هروب وزير الداخلية الأسبق حبيب العادلي»، وذلك حسب البيان. وتضمن عدد الجريدة، الذي لم يُطبع، تقريرًا بعنوان «من الداخلية إلى العادلي كل سنة وأنت طيب يا باشا»، في إشارة لعدم تنفيذ الوزارة لحكم حبس حبيب العادلي رغم إدانته، في أبريل الماضي، بالحبس لسبع سنوات سجنًا مشددًا. وقد نُشر التقرير على موقع «البوابة»، فضلًا عن تقارير أخرى، من العدد المصادر، حول هروب المساجين. وكانت جنايات القاهرة قد أصدرت حكمها بحق وزير الداخلية الأسبق في القضية المعروفة بـ «فساد الداخلية»، وأصبح حبسه وجوبيًا، لكنه لم يحضر جلسة النطق بالحكم وتمكن من الهرب، ولم تتمكن سلطات تنفيذ اﻷحكام من ضبطه حتى اﻵن. وقد اعتبرت الجريدة أن مصادرة عددها، وعدم طباعته، بعد رفضها لحذف التقرير بـ «أساليب القفز على القانون». وحذرت، في بيانها، من «التصرفات غير المسؤولة من جانب بعض الأجهزة الأمنية». كما أكدت إدارة «البوابة» على احتفاظها بحقها القانوني «فى اتخاذ ما تراه من إجراءات لمواجهة تلك التصرفات غير العقلانية»، حسبما جاء في البيان. ويحصن الدستور المصري الصحف من المصادرة أو اﻹغلاق، وتنص المادة ٧١ من الدستور على أن «يحظر بأي وجه فرض رقابة على الصحف ووسائل الإعلام المصرية أو مصادرتها أو وقفها أو إغلاقها. ويجوز استثناء فرض رقابة محددة عليها في زَمن الحرب أو التعبئة العامة. ولا توقع عقوبة سالبة للحرية في الجرائم التي ترتكب بطريق النشر أو العلانية». في حين تمنح المادة الثالثة من قانون الطوارئ، رقم ١٦٢ لسنة ١٩٥٨، الحق لرئيس الجمهورية «متى أعلنت حالة الطوارئ أن يتخذ بأمر كتابي أو شفوي التدابير الآتية الأمر بمراقبة الرسائل أيًا كان نوعها، ومراقبة الصحف والنشرات والمطبوعات والمحررات والرسوم وكل وسائل التعبير والدعاية والإعلان قبل نشرها وضبطها ومصادرتها وإغلاق أماكن طباعتها». وكان الرئيس عبد الفتاح السيسي قد أعلن حالة الطوارئ في البلاد لمدة ثلاثة أشهر في أبريل الماضي، وذلك عقب حادثتي كنيستي طنطا والإسكندرية. وفَوَّضَ رئيس مجلس الوزارء بصلاحيات رئيس الجمهورية بشأن حالة الطوارئ. وكان البرلمان قد وافق، في يوليو الماضي، على مَدّها لمُدة مماثلة. وفي حين لم تحدد «البوابة» طبيعة الجهات التي طالبت بحذف التقرير، لم يصدر أي بيان رسمي من مؤسسة «الأهرام»، الجهة المسؤولة عن طباعة الجريدة. كما لم تُعلن نقابة الصحفيين أو المجلس الأعلى للإعلام وهيئته الوطنية للصحافة عن موقف بشأن عدم إصدار عدد اليوم من الجريدة. واعتبر عضو مجلس نقابة الصحفيين محمود كامل أن مصادرة الصحف «أصبحت أمرًا غير مقبول، مؤكدًا أن هذه المرة الرابعة التي تصادر فيها الجريدة، ولو ظللنا على هذا النمط سيكون عدد المُصادر من الصحيفة أكثر من المطبوع بنهاية العام»، حسب موقع «البوابة». كما أشار كامل إلى أن مجلس النقابة سيجتمع يوم الثلاثاء المقبل لنظر الشكوى المقدمة من عبد الرحيم علي رئيس مجلس إدارة الصحيفة. وكانت «البوابة» قد تعرضت لأزمة مشابهة، في أبريل الماضي، وذلك بعد اتهامها لوزير الداخلية مجدي عبد الغفار بالتقصير في حماية كنيستي طنطا والإسكندرية. وقد طالبت الجريدة، وقتها، بمحاسبة وزير الداخلية، وذلك تحت عنوان «حاسبوه قبل أن تحاسبوا». وقد نشرت الجريدة بيانًا على موقعها، في ٨ من شهر أبريل الماضي، أكدت فيه على مصادرة عددها من جانب «الرقيب في المطبعة»، حسب البيان. وهو الأمر الذي تكرر مع عدد اليوم التالي له.
في حبّ ميرفت أمين (تدوينة) عمر خليفة ٢ سبتمبر ٢٠١٧ في أحد مشاهد فيلم حسين كمال الشهير «ثرثرة فوق النيل»، والقائم على رواية نجيب محفوظ، تكتب الصحفية سمارة (ماجدة الخطيب) تأملات حول سائر شخصيات الفيلم، ومنها الفتاة سناء التي تصفها سمارة بكونها «الجيل الضائع. لا ثقافة ولا تربية». ورغم المسحة الأخلاقية الرجعية التي غلفت رسم شخصية سناء في الرواية والفيلم، وربطها بين التحرر الجنسي والضياع، فإن تلك الجملة تلتقط شيئًا هامًا، ليس عن سناء، وإنما عن الفتاة التي جسّدت شخصيتها في الفيلم ميرفت أمين. كان ذلك من أوائل الأفلام التي ظهرت فيها ميرفت أمين، والتي ساهمت في ترسيخ صورتها الطاغية في سبعينيات القرن الماضي. ميرفت هي الجيل الضائع، سينمائيًا وقوميًا ومجتمعيًا. ماذا ستفعل أجيال من الممثلات المصريات بعد فاتن حمامة وسعاد حسني؟ ماذا ستُبقي لهن نكسة ٦٧؟ فاتن حمامة وزميلاتها لم يكنّ ممثلات فقط. كنّ مجازات واستعارات لأشياء أبعد من فيلم هنا أو مشهد هناك. ذاك زمن لم يكن فيه ربط المرأة بالوطن مكررًا ومألوفًا لحد الابتذال كما هو الحال الآن. مصر امرأة، كما يشير كتاب الباحثة الأمريكية بيث بارون. المصريون، كبعض الشعوب الأخرى، تخيلوا وطنهم امرأة؛ أمًّا في أحيان كثيرة، وحبيبة أيضًا، منذ ثورة ١٩١٩ وما تلاها. انعكس تأنيث الوطن هذا على علاقة المصريين (والعرب) بالشخصيات النسائية العامة، ومنها نجمات السينما. لم يكن التقسيم الساذج الذي شاع في السينما المصرية، بين القديسات (وعلى رأسهن فاتن) ونجمات الإغراء كهند رستم وهدى سلطان، مجرد مسألة أخلاقية، فطبيعة الأدوار التي أسندت لفاتن غلب عليها الضعف ومسكنة الأنثى التي تحتاج لرجل كي يحافظ عليها ويحميها. ومن يقرأ التعليقات التي رافقت عرض فيلم صلاح أبو سيف «لا أنام» في دور السينما المصرية، والذي كسرت فيه فاتن صورتها العامة، يفاجؤه رد فعل الجمهور الغاضب على دور فاتن في الفيلم، الجمهور الذي يكشف عن مماهاة كبيرة بين فاتن حمامة الحقيقية وأدوارها على الشاشة. فاتن هي مصر كما يريدها أغلب المصريين؛ لا تَخْدِش ولا تُخْدَش. جاءت سعاد حسني طبعًا، وأحدثت ما أحدثته من معان في الوطن المرأة في ستينيات القرن الماضي، مما لا يسع المجال لذكره هنا، لكن نكسة ٦٧ أجهضت ذلك التطور الطبيعي لحضور المرأة السينمائي وتعقيده. النكسة قتلت مصر، وكسرت زعيمها التاريخي. وإذا كان الوطن الحقيقي ذاته ضائعًا، فأي امرأة تلك التي سيماهيها به الناس؟ الأثر الإيجابي للنكسة على السينما المصرية كان أن تحررت المرأة من أن تكون رمزًا. المرأة في السينما المصرية في السبعينيات هي المرأة فقط، وبالنسبة لي، هي ميرفت أمين. في أفلام السبعينيات كان على ميرفت أن تحضر على الشاشة فقط كي يبدأ إغواؤها وسحرها. ليس ثمة سرد يبرّر انجذاب الرجال لها. لا قصة حب تنمو وتتطوّر. تفتح ميرفت الباب وتدخل كي يشهق الممثل الذي معها، ويشهق معه الجمهور. فتنتها أراحت المخرجين وكتاب السيناريو من تطوير الأحداث وتعقيدها. خلافًا لنجلاء فتحي التي أعادت تمثيل أدوار الخمسينيات القائمة على قصص حب مستحيلة يتخللها عذاب الفراق والشوق والانتظار، فإن ميرفت كانت العنوان الفوري لعلاقة ملتهبة لا مجال فيها سوى لجسدها الأخاذ كي يفرض حضوره الذي لا يقاوم على من أمامها. تجسد ذلك المشاهد الأولى التي تظهر فيها في أفلامها. في «الحب تحت المطر»، تدخل الاستديو فيترك الممثل خطيبته لأجلها. في «ثرثرة فوق النيل»، تظهر في أول مشاهدها فيلغي أحمد رمزي جلسة التصوير ويصطحبها للبيت. تقتحم مكتب محمود ياسين في «غابة من السيقان» فينتهي كل شيء. وحتى في أدوارها الأكثر براءة في «أبي فوق الشجرة» و«الحفيد»، فإن الفيلم يبدأ بعد قصة الحب، لا قبلها. أية قصة هذه التي ستبرّر انجذاب الرجال لميرفت؟ محظوظة ميرفت أمين. هي ليست استعارة ولا مجازًا لشيء. لا تصلح لأن تكون «مصر» ولا سواها. لا تعيش لغيرها في السينما. ميرفت شيطان وملاك معًا، تقفز من صورة لأخرى بسهولة كسهولة الزمن الذي أنتجها. لا تحمل على عاتقها تمثيل أمة. هي الجيل الضائع السعيد بضياعه. أدوارها ذاتية جدًا، رديئة في أحيان كثيرة وجيدة في أحيان أخرى، لكنها فيها كلها ميرفت أمين. وعلى عكس فاتن حمامة التي أبحث في أدوارها عن رموز أخرى خارجها، فإنني في أدوار ميرفت أمين لا أبحث إلا عنها هي فحسب. في «ثرثرة فوق النيل» و«أنف وثلاثة عيون» و«الحفيد» و«غابة من السيقان» و«أعظم طفل في العالم» و«السلم الخلفي» وغيرها، من الصعب أن أتابع الدور ذاته. من الصعب أن تكون ميرفت أمين شيئًا آخر سواها. حضورها الأنثوي الرهيب يخنق تلك المسافة المطلوبة بين المؤدِي والمؤدَّى. لا أدري حتى اللحظة إن كانت ممثلة عظيمة أم لا. لا يعنيني في الحقيقة. فقط ميرفت أمين تعنيني . ميرفت امتحان خطير أمام التزام المرء بأفكار تقدمية هامة قدّمتها لورا ميلفي وسواها حول ما يسمى بـ«تلصص الرجل» و«المتعة البصرية». تعاملت السينما في أغلب مراحلها مع جسد المرأة من منظور الرجل المخرج، الذي كانت كاميراه تتلصص وتدعو المشاهدين لمشاركتها التلصص على جسد المرأة. وتحرر المرأة سينمائيًا هو، في جزء أساسي منه، تحرر من هيمنة المتعة البصرية الذكورية التي تسيطر على الإنتاج السينمائي في العالم. ماذا نفعل مع ميرفت أمين إزاء كل هذا؟ أين نضع الخط الفاصل بين عشق الجسد وتشييئه؟ فيلم «أعظم طفل في العالم» مثلًا تلصصي بامتياز، وهو واحد من أردأ ما أنتجته السينما المصرية. هذه نقطة. لكن النقطة الثانية أنني ممتن لكل لحظة ظهرت فيها ميرفت أمين في هذا الفيلم. المشاهد ذاته يتلصص على كاميرا المخرج الذي يتلصص على جسد ميرفت هنا، يحاول أن يسرق منه الهواء الذي يلفها، يريدها له وحده، يريد القبض على رائحتها، أن يسكن بين نهديها وهي تعريهما وتقبض عليهما في لقطات قلَّ مثيلها في السينما المصرية. رغم كل هذا لم تُصنَّف ميرفت كنجمة إغراء، على غرار ناهد شريف وشمس البارودي، وحتى في شبابها لم تصل لأن تكون فتاة غلاف كبرى كنجلاء فتحي ومديحة كامل. ثمة شيء خاص بميرفت، شيء يحجبها حتى في أشد لحظاتها فتنة، ربما لهذا تواصل العين البحث عنها حتى وهي أمامنا. قد يكون صوتها الخافت الذي تحتاج أحيانًا للاقتراب من الشاشة كي تسمعه. يغيظني صوتها أحيانًا. أشعر أنه لا يعنيها وجودنا كمشاهدين. هي لا تتحدث إلينا. لا تقف أمام الكاميرا لتقول شيئًا. جسدها نص ناطق. لا تحاول أن تغري أحدًا. هي تكون ذاتها فقط. ليس ذنبها أن تكون ميرفت أمين. كيف تحمَّل المخرجون رؤيتها؟ كيف تعاملوا مع جسدها بتلك الاعتيادية التي تسمح لهم بتوقيف المشهد مرارًا وتكرار تصويره؟ اشرح ما يلي ميرفت أمين. التنورة التي تلتف على المؤخرة والفخذين. قلم الحمرة التي يصطك خائفًا بشفتيها. بقية اللعاب على شفاه الممثلين الذين قبلوها. المسافة التي تفصل بين ركبتيها والشورت الذي ترتديه. الجزمة التي ارتدتها في «أنف وثلاثة عيون». راحة يديها حين تلتف على أعناق عشاقها. الخاصرة التي ضغط عليها محمود ياسين. الأظافر المطلية بالأحمر التي اعتصرها أحمد رمزي. كل شبر فيها. كلُ كلٍ فيها. أهم أفلام ميرفت أمين هي تلك التي لم تكن فيها ميرفت أمين. تلك التي لم يكن جسدها محور العالم السردي للفيلم. منحها تقدمها في السن في الثمانينيات وما بعدها فرصة عظيمة سينمائيًا، قلَّل من وهجها، خفف من سطوة صدرها وفخذيها. ما اجتمع جسد ميرفت أمين ونص إلا وكان التلصص ثالثهما. وحين غاب التلصص ظهرت أفلام مثل «زوجة رجل مهم» و«سواق الأوتوبيس» و«الأراجوز»، رغم أن ميرفت لم تكن البطل الأساسي فيها. أفلام هامة طبعًا، لكن المشاهد، في جزء خفي منه، يحنّ إلى ميرفت الأخرى، وربما تكون ميرفت ذاتها تحن إليها. كسبنا سينما، لكننا خسرنا ميرفت أمين. ثمة مشهد معبر في فيلم «غابة من السيقان». يحاول محمود ياسين عبثًا الهروب من سطوتها. يواعدها في النادي وهو متردد، ويخرج مصممًا ألا يراها في اللحظة التي تدخل فيها هي لحديقة النادي. تدرك هي ما يحدث داخل عقله. تقف أمامه بعنفوانها، وهو واقف أمامها كأبله، وتسأله «واقف ليه؟ مش كنت خارج؟ مش كنت هربان؟ ما تهرب.. حد ماسكك؟» ثم تجرُّه من يده. المخاطَب في المشهد ليس محمود ياسين فقط، بل نحن. تتحدانا ميرفت أمين. تراهننا على أن نغمض أعيننا أمامها. أن نهرب من ظلالها. أين نهرب حين نهرب؟ هذه ليست سينما. ليست تمثيلًا لواقع ما. ميرفت تكون، وعلى الكل أن يتعامل مع هذا الواقع الجنوني، تمامًا كما تعامل معه محمود ياسين في الفيلم. «ما تهرب.. حد ماسكك؟» أجل يا ميرفت، ثمة شيء يمسكنا، شيء لا ينفع معه هدم الجدار لبريخت ولا نظريات أرسطو التطهيرية. لا نشاهد ميرفت لنخاف أو نحزن أو نشعر بالسعادة. نشاهد ميرفت كي نشاهدها، فقط.
في رفح.. مدينة الدماء والرحيل مراد حجازي ٣٠ أغسطس ٢٠١٧ مع نهاية يوليو الماضي، انتهت حملة أمنية سيطرت خلالها قوات الجيش على مدينة العريش طوال أسبوعين، عانى خلالها سُكان المدينة من أوضاع شديدة السوء، مليئة بالمعاناة والدماء، وبانتهاء الحملة عادت الاتصالات التي انقطعت طوال الحملة للعمل بشكل جزئي في مدن شمال سيناء الثلاث الكبرى؛ العريش والشيخ زويد ورفح، إلا أنها كانت عودة دامت أيامًا قليلة فقط. وذلك قبل أن تنقطع مرة أخرى عن المدن الثلاثة. مع انقطاع الاتصالات مرة أخرى، توقع سُكان العريش أن تعود الأيام العصيبة مع حملة جديدة، إلا أن الحملة واﻷوضاع السيئة والمعاناة والدماء كانت من نصيب آخر المدن المصرية على الحدود الشرقية؛ رفح. *** يقطن في مركز رفح والـ ١١ قرية التابعة له أكثر من ٨١ ألف نسمة، بحسب آخر إحصاء رسمي، يعود لعام ٢٠١٦، على موقع محافظة شمال سيناء. تناقص العدد بشكل كبير، في السنوات اﻷخيرة، خاصة مع موجات النزوح التي بدأت في نهايات ٢٠١٤، وذلك مع بداية إخلاء الدولة لمنطقة عازلة بعمق ١٠٠٠ متر، في اﻷراضي المصرية المتاخمة لقطاع غزة، وهي العملية التي تم خلالها هدم ٢١٠٠ منزل. ظروف الحياة في مدينة رفح عصيبة بشكل واضح؛ يقول عدد من السُكان إن إمدادات المياه لا تصل نهائيًا إلى أحياء المدينة منذ ثلاث سنوات، فضلًا عن النقص الحاد في مستلزمات المعيشة والمواد الغذائية والخضروات، والتي ارتفعت، مؤخرًا، أسعارها بصورة مبالغ فيها. وصل سعر صفيحة السولار، على سبيل المثال، إلى ٤٠٠ جنيه، وهي الوسيلة التي يعتمد عليها اﻷهالي في توليد الكهرباء لعدد ساعات محدود خلال اليوم. يحاول الأهالي تعويض استمرار انقطاع التيار الكهربائي بالكامل طوال ٦٠ يومًا عبر المولدات. وفيما تشهد رفح، والشيخ زويد، فرضًا لحظر تجوال، منذ أكتوبر ٢٠١٤، ويبدأ في الخامسة مساءً وحتى السادسة من صباح اليوم التالي، يطلب اﻷهالي من السلطات السماح بمرور اﻷغذية، خاصة ألبان الأطفال والدقيق، إلى المدينة. *** في العاشرة من صباح الأحد، ٢٠ أغسطس الجاري، عُزلت مدن شمال سيناء الثلاثة؛ رفح والشيخ زويد والعريش، عن العالم لمدة زادت على ٤٨ ساعة، إثر انقطاع شبكات الاتصال والإنترنت بشكل مفاجئ. في البداية حاول الأهالي معرفة ماذا يحدث، ليتبيّنوا بعد ذلك أن حملة أمنية كبيرة تستهدف رفح. أغلقت جميع الطرق المؤدية للمدينة بسواتر رملية. وأصبح دخول المدينة أو الخروج منها ممنوعًا إلا بالسير على اﻷقدام. يقول «أبو محمد»، أحد سكان رفح، لـ «مدى مصر» إنهم فوجئوا مع بداية يوم ١٩ أغسطس بقيام قوات الأمن بإغلاق الطريق الفرعي، والوحيد، للدخول والخروج من مدينتهم رفح. جرى وضع ساتر ترابي كبير بالقرب من منطقة «ياميت»، في قرية أبو شنار. يشير أبو محمد إلى أن الطريق الدولي الرئيسي مُغلق في وجه اﻷهالي وسياراتهم منذ عام ٢٠١٤. لا تسير عليه سوى الحملات العسكرية أو الأقوال الأمنية أو القوافل الرسمية. يصبح الطريق الفرعي القريب من أبو شنار، القريبة بدورها من ساحل رفح، هو الحل الوحيد للوصول للمدينة. لكن مع الحملة الأخيرة أغلق هذا الطريق نهائيًا. طالت الحملة كل قرى وأحياء مدينة رفح، وبحسب أبو محمد، كان انتشار قوات الجيش على الأرض بشكلٍ غير مسبوق، بداية من ساحل رفح وحتى قرى جنوبها. نقطة الارتكاز الرئيسية للحملة كانت في «أبو شنار» ما أقلق أهل المنطقة، ليقوم عدد كبير منهم بجمع أمتعته والرحيل بعيدًا عن منطقة العمليات خوفًا على أرواحهم. *** لم ينتظر اﻷهالي كثيرًا، ما خافوا منه بدأ في الحدوث سريعًا، في يوم الثلاثاء، ٢٢ أغسطس، سقطت قذيفة مجهولة المصدر على منزل في قرية نجع شيبانة، لتقتل أسرة كاملة من قبيلة الريشات؛ أم عمرها ٤٥ عامًا، وابنتيها (عامان ونصف، و١٤ عامًا). بعدها، وإثر قذيفة أخرى مجهولة المصدر، قُتل شاب وأصيب آخر على أطراف مدينة الشيخ زويد، وأنهت طلقات نارية طائشة حياة شاب آخر في منطقة ياميت برفح. *** في يوم ٢٣ أغسطس أصبحت رائحة الدماء أكثر حضورًا. قررت أربع أُسر في قرية «نجع شيبانة»، جنوبي رفح، أن تتجمع في منزل واحد؛ هربًا من الاشتباكات والحرب المحيطة بهم، إلا أن قذيفة مجهولة المصدر سقطت على المنزل لتنسفه بالكامل مخلفة ٢٤ قتيلًا ومصابًا. أسفر الحادث عن إصابة ١٦ شخصًا؛ ٥ سيدات، وطفلتين كل منهما عمره ١٣ عامًا، وتسعة أطفال دون العشر سنوات، والذين تمّ نقلهم جميعًا إلى مستشفى العريش، التي أكد مصدر من داخلها أن مَن لم يدخل غرفة العمليات من اﻷمهات والسيدات رقد في غيبوبة، فيما بقى اﻷطفال بمفردهم في غرف المستشفى، وبعد يوم واحد توفى طفلين منهما (٣ و١٠ سنوات)، فيما تمّ تحوّيل بعض الحالات إلى مستشفيات خارج شمال سيناء، وتكفل بعض «أهل الخير» بعلاجهم. أحد سُكان القرية، طَلَبَ عدم ذِكر اسمه، قال لـ «مدى مصر» إن ثمانية أشخاص جميعهم سيدات وأطفال، قتلوا في الحال إثر سقوط القذيفة. لم يُنقلوا إلى المستشفى، ودفنهم اﻷهالي في القرية. أكد المصدر أن معظم الأقارب الرجال للقتلى الثمانية معتقلين بالفعل لدى قوات اﻷمن، فيما هرب آخرون من الملاحقات اﻷمنية التي تطال شباب ورجال المنطقة. مصدر آخر في القرية أكد على أن قوات اﻷمن أمرت جميع سُكان القرية بالرحيل الفوري منها. في حين لم يتمكن بعضهم حتى من جمع أمتعته، وبقت القرية خاوية. *** بعد موجات النزوح اﻷولى، في أواخر ٢٠١٤، كانت قرية «الطايرة»، جنوبي رفح، بمثابة ملاذًا لكثير من الأهالي الذين رفضوا مغادرة المدينة كليةً، ليستقروا في القرية الصغيرة آملين أن تكون أكثر أمانًا لهم وﻷسرهم. ولكن في يوم ٢٦ أغسطس تبددت كل أحلامهم في الاستقرار، وصاروا مجبرين على الرحيل من القرية إلى المجهول. يتذكر أحد سكان القرية الراحلين ما جرى قائلًا «حضرت قوات الجيش إلى المكان، وطالبت عدد من السكان بإخلاء منازلهم، لإنشاء كمائن أمنية في محيط القرية، وأمهلتهم ثلاثة أيام، أما باقي الأهالي فقرروا الرحيل النهائي، خوفًا من البقاء في محيط الكمائن الأمنية وما يصاحبها من اشتباكات ورصاص عشوائي». بحسب ساكن «الطايرة»، الذي غادرها الآن، رَحَلَ بعض اﻷهالي تاركين خلفهم كل شيء، وذلك بسبب صعوبة الخروج باﻷمتعة، فضلًا عن تكلفة سيارات النقل، والتي وصلت إلى ١٧٠٠ جنيه من رفح وحتى الإسماعيلية. بينما لا يزال معظم أهل القرية عالقين فيها، بسبب عدم قدرتهم على حمل أمتعتهم ومتعلقاتهم وأثاث منازلهم، بعد إغلاق الطرق الواصلة من قريتهم وحتى الطريق الفرعي الوحيد. شاهد عيان آخر من سُكان رفح قال إن اﻷهالي كانوا يحملون ما يستطيعون من أمتعتهم وأثاثهم في السيارات، التي تمنَع قوات الأمن مرورها حين يصلون إلى الحاجز الترابي، ما يضطرهم لإنزال اﻷمتعة واستئجار عربات كارو لنقل تلك اﻷمتعة إلى الجانب الآخر على مراحل. بحسب ساكن «الطايرة»، الذي غادرها، كانت مدينة الصالحية ومحافظة الإسماعيلية عمومًا هي الوجهة الجديدة لمعظم الأهالي الراحلين، خاصة مَن يعملون منهم في الزراعة، أملًا في الالتحاق بأقاربهم المقيمين في أراضيهم الزراعية هناك، وهروبًا من الملاحقة اﻷمنية التي تطال أهالي رفح والشيخ زويد في أي مكان داخل شمال سيناء. بحسب عديد من المصادر المحلية التي تحدثت لـ «مدى مصر»، فقد استقر لدى أهالي رفح هاجس أن الدولة تحاول بشتى الطرق دفعهم للخروج من قراهم ومدنهم وترك سيناء بالكامل، وهو الهاجس الذي يتأكد لديهم أكثر في ظل تردي اﻷوضاع المعيشية في رفح والشيخ زويد والعريش، واستمرار «الحرب على الإرهاب» منذ أربع سنوات دون أن تبدو لها نهاية قريبة، خاصة مع زحف العمليات الإرهابية من مدينة إلى أخرى. وفيما استنكر اﻷهالي فصل شبكات الاتصال والإنترنت عن مدن شمال سيناء مع كل حملة أمنية، أكدوا أن شبكات الاتصال المصرية لا تعمل في مدينة رفح بالكامل، سوى في مناطق ضيقة جدًا على ساحل المدينة، فيما يستقبل الهاتف المحمول ﻷي شخص يدخل المدينة للمرة اﻷولى رسائل ترحيب من شبكات الاتصال الإسرائيلية، التي تعمل، بمفردها، في رفح. البعض اﻵخر من السكان رأى أن الدولة تحاول التهرب من مسؤوليتها في دفع تعويض لمَن يخلي منزله، على غرار ما حدث وقت الإعلان عن إقامة منطقة عازلة بعمق ١٠٠٠ متر، والتي طالبت الدولة سكانها بشكل رسمي بالإخلاء، على أن تدفع لهم تعويضات. كان إبراهيم محلب، رئيس الوزراء السابق، قد أصدر في أكتوبر ٢٠١٤ قرارًا بإخلاء ٥ كيلومترات في مدينة رفح، وألزم القرار، في مادتيه الثانية والثالثة، الدولة بتوفير مساكن بديلة وتعويضات لمَن يترك منزله في تلك المنطقة. من الكيلومترات الخمس، تمّ إخلاء كيلومتر واحد فقط رسميًا، وتمّ تعويض قاطنيه بقرابة ٦٥٠ مليون جنيه، بحسب بيانات محافظة شمال سيناء، وهو ما لم يحدث مع مَن رحلوا من باقي المدن التي تشهد حربًا على الإرهاب. كانت الإحصائية الرسمية الوحيدة الخاصة بتعداد النازحين هي تلك المُعلنة من محافظة شمال سيناء في أواخر أغسطس ٢٠١٦، والتي قدرت النازحين بـ ١٢ ألفًا و٨٦١ فردًا، موزعين على ٦٨ تجمعًا في مدن العريش، وبئر العبد، والحسنة، بإجمالي ٥٣٢٤ أسرة. *** على طول الطريق الدولي «العريش القنطرة» تتناثر عشرات العشش على جانبي الطريق، جميعها يقطنها نازحون، تركوا منازلهم ومزارعهم وقراهم في رفح والشيخ زويد منذ أواخر ٢٠١٤، بعد زيادة حدة الاشتباكات بين القوات المسلحة وبين ما يعرف بـ «تنظيم ولاية سيناء»، وهو النزوح الذي لم يتوقف منذ ذلك التاريخ وحتى اليوم. ساكن «الطايرة» الراحل عنها وصف فكرة النزوح بـ «العصيبة والقاسية»، وقال «إحنا البدو ارتباطنا باﻷرض اللي اترعرعنا فيها وثيق جدًا، صعب ننفك عنها»، وأضاف «أصعب حاجة إنه ييجي اليوم اللي تنقلع فيه من جذورك». أما ساكن مدينة رفح الذي كان شاهدًا على لحظات رحيل أهلها، وصف الساتر الترابي الذي أقامته قوات اﻷمن على طريق دخول المدينة بأنه كان حاجز يفصل ما بين الذكريات في المدينة، والمستقبل المجهول غربًا. فيما تبقى عبارة «راجع يا رفح» مستقرة على جدار منزل بمدينة شبه خاوية، لم تعد تعرف إلا الرحيل.
نجيب محفوظ.. انتصار الدراما وشخصيات أهلكها البحث رامي وفا ٣١ أغسطس ٢٠١٧ «الحقيقة بحث وليست وصول» أول دروس بناء الشخصية التي يتعلَّمها دارسو الدراما هي ألا تكره بطلك أبدًا، فمعنى هذا أنك لم تعرفه جيدًا بعد، فكل إنسان يجد لأفعاله، مهما كان سوءها، مبرِّرًا أو حكمة تقف وراءها، وفي أسوأ الأحوال يراها رد فعل لظلمٍ ما يتعرض له. بهذا التناقض تصبح للشخصية أبعاد حقيقية وتزداد تعقيدًا. هذا التعقيد في بناء الشخصيات هو ما يخلق الدراما ويحرِّك الأحداث. وما ينطبق بالطبع على كراهية كاتب الدراما لشخصياته ينطبق كذلك على التعلق بها. كان نجيب محفوظ أستاذًا في بناء شخصياته، ما يجعل إطلاق الأحكام السهلة على أبطاله مستحيلًا، وما يضع بدوره قارئه في حالة شك دائمة؛ هل يكره اللص سعيد مهران أم يتعاطف مع مأساته؟ هل يحتقر محجوب عبد الدايم أم يقدّر ظروفه؟ هل يحترم لهاث عثمان بيومي وراء المنصب أم ينعته بالحمق؟ تدفع حالة الشك هذه القارىء للبحث عن ذاته. وكلمة «البحث» هذه ترتبط في ذهني بأدب محفوظ، فهي كلمة السر في خلق شخصياته. في هذا المقال، أحاول استعراض ثلاثة من أبطال رواياته، يفتِّش كل منهم عن شيء يفتقده، إما بشرف أو بارتكاب الحماقات أو حتى بالتسوّل، لكن ما يجمعهم هو حالة البحث الدائمة هذه، والتي تدفع بثلاثتهم نحو اكتمال مأساتهم. ١ عُمر حمزاوي.. البحث عن النشوة «نشوة الحب لا تدوم ونشوة الجنس أقصر من أن يكون لها أثر» عمر حمزاوي الشحاذ عمر حمزاوي بطل رواية «الشحّاذ»، محام لامع في الخامسة والأربعين من العمر، أصابه الداء الذي ليس له دواء بتعبير المفكر جورج طرابيشي. يكتشف فجأة فراغ حياته من المعني، فيفقد رغبته في العمل، ويُصاب بالسأم بعد أن يكون وصل لكل شيء أراده. هنا تبدأ الأسئلة الكبيرة في الظهور. يذهب لطبيبه الخاص، ويلخِّص مأساته له قائلًا «ليس تعبًا بالمعنى المألوف، يُخيّل إليّ أني لا زلت قادرًا على العمل ولكني لا أرغب فيه. لم تعد لدي رغبة فيه على الإطلاق، تركته للمحامي المساعد في مكتبي، وكل القضايا عندي تؤجل منذ شهر، وكثيرًا ما أضيق بالدنيا، بالناس، بالأسرة نفسها، فاقتنعت بأن الحال أخطر من أن أسكت عنها، وكما هو الحال في كل مرض، يحلو للمريض أن يتصوّر أن له سببًا عضويًا ويأمل أن يجد له علاجًا بحَبّة بعد الأكل أو ملعقة قبل النوم.» حمزاوي الذي كان مناضلًا وشاعرًا وثائرًا، تحول مع الوقت لمحام لامع مشهور شديد الثراء؛ لقد ترك كل ما أحبّ خلف ظَهره، الشعر والثورة والنضال السياسي لم يعودوا عليه بالنفع، فقرر مثل الكثيرين أن يهجر ما لا ينفعه، وأن يحقق انتصارات ملموسة في واقع الحياة مهما كان ثمنها. واليوم يستيقظ حمزاوي من النوم ليكتشف عطبًا في روحِه؛ عطبًا بالكاد يستطيع وصفه للطبيب، الذي لا يمتلك له غير إجابة «الدواء الحقيقي بيدك أنت وحدك». ولأن الأشياء تُدرَك من نقيضها، فكان لأصدقائه دور في إبراز تركيبته المعقدة. هناك مثلًا عثمان خليل المناضل السياسي الذي يرزح في السجن منذ عقدين، والذي مع اقتراب الإفراج عنه، تبدأ الأعراض المَرَضية في الظهور على حمزاوي. أيضًا هناك مصطفى منياوي الذي تحوّل للعمل بالصحافة والتلفزيون، بعد أن كان شاعرًا وفنانًا شغوفًا. هذان الصديقان يمثلان جزءًا من ماضي حمزاوي الذي فرّ منه، بعد أن أعطى ظهره للشعر والنضال، ودهس روحه في طريق تحقيق ما رآه جديرًا به من شهرة وثراء واستقرار، قبل أن تستيقظ روحه فجأة لتسأله عن نفسها، ويبدأ رحلة طويلة في البحث عن دهشة جديدة تعيد إليه الحياة، أو نشوة واحدة تشتعل داخله دون أن تتحول لرماد. حمزاوي، الذي يستمع إلى نصائح طبيبه بالاستجمام في الاسكندرية وممارسة الرياضة وفقدان الوزن، يرسل لمصطفى صديقه قائلًا «أبشر يا عزيزي بأنني أتقدم نحو شفاء جسماني واضح، ولكنني أقترب في الوقت نفسه من جنون طفيف». يزداد جنون حمزاوي عندما يعرف أن ابنته بثينة تكتب الشعر خِلسة. تكتب قصائد رومانسية عذبة محيّرة، تُوقظ الحنين القديم في روحه، ليدرك أن علاجها يكمن في نشوة جديدة أو مغامرة تجدّد دمائها. ولأن مخزونه الروحي قد نَضِب، سواء كان كتابة أو قضية يناضل من أجلها، فلم يعد يمتلك في داخله أطواق نجاته، وصار يبحث عنها في الخارج، متسولًا معجزة تحركه وتُخرِجه مما هو فيه. ومن يتسوّل المعجزات كمن يتسول المال، كلاهما شحاذ. يبدأ حمزاوي، وهو المحامي المشهور، حياته في التسوّل في الملاهي الليلية. يتسول عشق كل امرأة يقابلها، فيتسول حب مرغريت المغنية، ثم يدير الدفة لوردة الراقصة. ولأنه لم يجد في ذلك نشوته، تطول رحلة بحثه عن ذاته، مدركًا أنه كلما انحلت ارتباطاته بالحياة وانفصل عنها، كلما اقترب من النشوة المرجوّة. أحس بذلك في لحظة خلاء في الصحراء، في نفس الوقت الذي كانت زوجته تضع مولودها فيه، كأنها مفارقة بين شخص يدخل للدنيا وآخر يخرج منها. وتتكرر هذه المفارقة عند خروج صديقه خليل من السجن للدنيا، ويقال له إن حمزاوي «تائه يبحث عن روحه»، فيرد في بساطة «أليس هو الذي أضاعها؟» حمزاوي الذي فقد اهتمامه بالشعر، وتخلى عن النضال السياسي، يقرّر أن يصبح خارج التاريخ؛ أن يتلاشى كأنه لم يوجد، بعد أن جرّب تسوّل النشوات بكل أشكالها، واكتشف أن حتى أعظمها، وهي نشوة الحب، لا تدوم. قرّر حتى بعد زواج عثمان بابنته بثينة، في ما يمكن أن نطلق عليه «زواج النضال بالشعر»، أن ينفي نفسه بنفسِه. وعندما تكتمل مأساته وتنتهي رحلته إلى لا شيء، يتذكر بيتًا من الشعر يقول «إذا كنت تريدني حقًّا فلمَ هجرتني؟» في أحد أعداد أخبار الأدب العام الماضي علمتُ من مقالٍ مطول للكاتب محمد شعير عن رواية «الشحاذ»، أن شخصية حمزاوي مستوحاة من شخصية الروائي عادل كامل والذي كان يومًا أحد أعضاء شلة الحرافيش وأكبرهم سنًا. أصدر كامل رواية وحيدة مبشرّة اسمها «مليم الأكبر»، لكنه ترك الكتابة فجأة، واتجه للمحاماة. وعندما سُئل عن سبب عزوفه عن الأدب أجاب «كان الأدب بالنسبة لي حياة، غاليتُ في حبه لدرجة العبادة وأقمته فوق منصة عالية من التقديس،‬ وكانت الصدمة قاسية، ‬مسرحيات لا يعبأ بها المسرح، ‬وروايات نضطّر إلي نشرها بمعرفتنا، ‬ولا يكاد يقرؤها أحد،‬ وأحسست أنني كعروس افتُتنت في زينتها فلما خرجت لملاقاة عريسها لم تجده، ‬ونظرتُ من حولي فوجدت الأدب في ذلك الوقت هو عمل من لا عمل له، ‬عمل العاجزين أو المنحلين من رواد المقاهي، ‬فعزّت عليَّ ‬نفسي أن يكون هذا مصيرها بينما أنا صاحب مهنة قضيت زهرة عمري في تلقّي أصولها، ‬ففعلت ما فعله الشاعر المصري القديم حسين الجزار حين ترك الأدب وفتح محل جزارة. ‬حين أقبلت علي هذه الخطوة كنت أعتقد اعتقادًا راسخًا أن الأدب علامة مرض لا صحة، ‬وأن الإنسان الصحيح لا يفكر في امتهان الأدب، ‬وكنت أقول لنفسي هؤلاء جميعًا عجزوا عن النزول في تيار الحياة الخضم، ‬فقنعوا بالجلوس علي شاطئها يصفون الحياة من بعيد دون أن يعركوها.. ‬والآن، ‬بعد أن بارت المحاماة وبرت معها عدت كما عاد حسين الجزار ‘‬يا ليتني لا عدت جزارًا ولا أصبحت شاعرًا’... ‬فبعد سنوات من التوقف عن الكتابة حاولت أن أعود، ‬لكنني ‬اكتشفت أن قلمي قد صدأ، ‬وأن روحي لم تعد روح كاتب.»‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬.‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬ ٢ عثمان بيومي.. البحث عن الاحترام «ما أشد حيرتي بين ما أريد وما أستطيع» عثمان بيومي – حضرة المحترم عثمان بيومي بطل رواية «حضرة المحترم» هو أكثر شخصيات نجيب محفوظ امتلاءً بالتناقضات. تبدأ مأساته عندما ينبهر بمنصب المدير العام؛ باتساع مكتبه وديكوراته وكراسيه. ينبهر بمكانته الرفيعة وباحترام الموظفين له، فيقرّر في داخله أن هذا هو ما يريده بالضبط، أن يصبح «المدير العام»، ولا شيء آخر. وفي سبيل ذلك، هو مستعد لبذل كل حياته للفوز بهذه المكافآة الكبيرة، التي سيصير بعدها «حضرة المحترم» في نظر نفسه. حضرة المحترم هنا ليس عثمان بيومي الشخص، بل هو المُسَّمى الوظيفي «المدير العام»، المُسَمَّى الذي سينقله إلى مكانة كبيرة يستطيع أن يستريح بعدها. تناقُض شخصية بيومي يتجلّى في كل شيء، فمع كونه يلهث وراء مكانة المحترم، ويفعل كل ما يمكن فعله ليصل إليها، نجده يشعر من حينٍ لآخر بألا معنى للحياة بأكملها، وأن «لا نجاة له إلا بالجنون، الجنون وحده هو الذي يتسع للإيمان والكفر، للمجد والخزي، للحب والخداع، للصدق والكذب، أما العقل فكيف يتحمل هذه الحياة الغريبة؟ كيف يشيم ألق النجوم وهو مغروس حتى قمة رأسه في الوحل؟» وفي موضعٍ آخر نجده يقول «كلّنا يتكلم عن الحياه بثقة كأنما يعرفها حق المعرفة. لولا وجود الله سبحانه وتعالى لكانت لعبة خاسرة لامعنى لها». تتحرك هذه العدمية جنبًا إلى جنب مع سعيه الحثيث إلى مكسب دنيويّ صغير مثل منصب المدير العام، ظنًا منه أن كل هذا الشقاء والألم الذي يتحمله في سبيل تحقيق حلمه، سيُمحى تمامًا عندما ينال مراده. لكن عثمان بيومي الذي كان يترقَّى في سُلمه الوظيفي يومًا بعد يوم، كان ينحدر في سلم الحياة بالمقابل. تزداد سِنُّه وتتضاءل فرصته في العثور على الحب، أو أن يكون له ابن. هو يريد أن يتزوج ولكنه يخشي أن يعطله الزواج أو ألا يعود عليه بفائدة مرجوّة، فكان يوصي دائمًا في رحلة بحثه عن عروس، بأن تكون عائلتها ذات حسب ونسب، قدوةً بمديره العام، الذي كانت زوجته السبب الرئيسي في النعيم الذي يعيشه. يزداد بؤسه وشقاؤه كل يوم، لكنه راضٍ مادام يقترب ولو بخطوة صغيرة من الهدف الأعظم. وحين يتزوج من سكرتيرته وبينهما فارق سن كبير، يفاجئه المرض الذي يجعله طريح الفراش وأقرب للموت منه للحياة. عندها فقط، يزوره وكيل الوزارة ليزف إليه نبأ ترقيته لمنصب المدير العام. وصل عثمان بيومي أخيرًا لما أراد، حقق حُلمَه الأعظم الذي قدَّم من أجله كل ما يمكن من تضحيَّات، لكنه في هذه اللحظة طريح الفراش، عاجز عن مغادرته والذهاب لتسلُّم وظيفته الجديدة، هذه هي لحظة الكشف لعثمان بيومي، هي اللحظة التي يقارن فيها ما بذله بما حصل عليه، شقاء حياتِه بنهايته في سرير المستشفى بمنصب حصل عليه اسمًا فقط، وبلا ولد أو حب حقيقي. هنا يترك محفوظ المساحة للقارئ كي يصبح هو شخصيًا عثمان بيومي، ويتخيل ما يمكن أن يحس به، وكل ما يخبرنا به عن عثمان أنه «من محاسن الصدف أن القبر الجديد قد حاز رضاه تحت ضوء الشمس». ٣ محجوب عبد الدائم.. البحث عن المكسب الشخصي «ليكن بى أسوة حسنة فى إبليس .. الرمز الكامل للكمال المطلق. هو التمرٌد الحق؛ الكبرياءالحق؛ والطموح الحق والثورة على جميع المبادئ» محجوب عبد الدائم القاهرة الجديدة محجوب عبد الدائم أحد أبطال رواية «القاهرة الجديدة» وواحد من أشهر شخصيات محفوظ، نظرًا لمعالجة قصته سينمائيًا في فيلم «القاهرة ٣٠» بدور أداه الفنان حمدي أحمد. محجوب مثال للمهزوم الذي يفقد مع هزيمته كل شيء. يتخلى عن أخلاقه ومبادئه ليتمكن من تحقيق انتصارات يعوّض بها هزائمه، لذا لا عجب أن يكون شعاره في الحياة هو «طز». يرى محجوب أن أي شيء لا يحقّق مكسبًا لا يستحق عناء التفكير فيه، وأن أي شيء يحقق النفع، مهما كان غير أخلاقي، هو جدير بكل المجهود. محجوب الطالب بالجامعة، والقادم من قرية فقيرة لأبوين فقيرين يشعر في داخله بأنه ضحية؛ ضحية الفقر والحظ السيء الذي جعله ابنًا لوالديه. يعيش الحرمان منذ صغره و يتطلَّع إلى حياة أخرى، عازمًا على الوصول إليها مهما كلفه ذلك من متاعب. يشعر بعد انتقاله للقاهرة أن له قدمًا في العالم الجديد، ويودُّ لو يمحو ماضيه بالكامل مع عالمه القديم، ولولا احتياجه لأموال والده لكان تبرأ من أهله تمامًا. يتطلَّع محجوب عبد الدائم إلى حمديس بك ابن عم والدته، الرجل الثري صاحب المكانة الكبيرة. ومع أنه يشعر بالحقد عليه، إلا أنه يحاول بشدة التقرب منه ومن أبنائه، لعلّه يفوز بوظيفة جيدة يبدأ بها بناء مستقبل جديد، لكنّه يفشل في ذلك، لتُضاف تلك الهزيمة إلى سلسلة طويلة من الهزائم في داخله. ومع كل يوم يمر عليه يزداد حقده على المجتمع، فهو فقير ينتقل من منزل لآخر أفقر لأنه لا يستطيع دفع إيجاره. لا يجد وظيفة، بل ويفشل في أن تكون له هوية أو مواقف أخلاقية مثل أصدقائه بالجامعة. يحتقر محجوب عبد الدائم ظروفه وفقره ونفسه ويبدأ في الانكماش لتبدو كل الأشياء أكبر حجمًا منه. ولأنه انكمش لهذه الدرجة داخله ولم يعد لديه كبرياء أو كرامة، ولم يتبق له شيء من قيمه وأخلاقه، يصير مهزومًا هزيمة كاملة، ويسعى فقط للانتصار، وبهذا يصبح أي شيء متوقعًا منه، وهذا ما حدث. يصادف سالم الإخشيدي ابن بلدته، الموظف لدى قاسم بك، والذي يشبهه كثيرًا، فكلاهما يبحث عن مكسبه الشخصي بالشكل الذي يستبيح به كل شيء، ويحاول التقرب له، ويطلب منه وظيفة، فيوافق سالم على شرط أن يتزوج محجوب من إحسان عشيقة قاسم بك، ويسمح له بالاختلاء بها مرة كل أسبوع. ولأنه انهزم هزيمة كاملة، لم يوقظ هذا الطلب ما تبقى منه من مروءة، بل فكر بمنطقه القديم «طز». وجد محجوب نفسه فجأة قريبًا من انتصار كبير يتمناه مقابل تنازل أخلاقي، فيقرر القبول قاطعًا آخر صلاته مع أي شيء يعطّله عن الانتصار الشخصي، مدركًا أنه لا يمكن أن يعود كما كان من قبل، ومقتنعًا في داخله بأن «الشرف قيد لا يغلّ إلا أعناق الفقراء». محجوب مليء بكل مركبات النقص؛ أخذ من الفقر والحرمان شقاءهما وذلهما ولم يتعلَّم منهما الرضا أو الاعتزاز بالنفس، هو ساخط على كل شيء، كاره لكل نعيم لا يجري بين يديه، حاقد على كل ثري لا يعطيه من مالِه، متطلِّع شَرِه إلى كل مكاسب الآخرين، حتى أنه يكره زملاءه أصحاب المبادئ لأنه يشعر بتفوقهم عليه. كل هذه الكراهية التي يحملها محجوب بين ضلوعه تجعله مستعدًا لفعل أي شيء لكي يتحوَّل هو إلى من يحقد عليهم؛ ليستطيع أن يتباهى بغِلّ أمام زملائه القدامى، وبفخر أمام والديه، وأن يخرج لسانه لسنين الشقاء والفقر. ينتهي محجوب فعلًا عندما يرى صورته في عين أبيه الذي يكتشف الأمر برمته، وهذه هي لحظة الهزيمة الكبرى الحقيقة له، فكل ما قدَّم من تنازلات أخلاقية كان من أجل مقاومة ذله الداخلي، من أجل أن يرفع رأسه مفتخرًا بنفسه، وها هو يجد نفسه في أشد لحظات الذل عندما يدرك أبوه أن زوجة محجوب على علاقة برجل آخر بعلمه وتسهيله شخصيًا. في تلك اللحظة، ينهدم كل ما بناه محجوب فوق رأسِه، وتكتمل هزيمته على كل الأصعدة. هكذا بحَثتْ كل شخصية عمَّا ينقصها، وسلَكت كل منها مسلكها في الوصول إليها. عايش محفوظ جميع الشخصيات معايشة كاملة ورسم عوالمها الداخلية بدقة وأقنعنا بتاريخها الشخصي. تحدث على ألسنتهم أحيانًا وترك خيالنا يتحدث معهم أحيانًا. قد تجد في كل شخصية شيئًا منك، وقد تسأل نفسك عمّا تبحث أنت في الحياة، وعما إذا كان من الممكن أن يورّطك بحثك لأن تتسوّل مثل عمر حمزاوي، أو تبدّد عمرك في الشقاء مثل عثمان بيومي، أو تتخلّى عن مبادئك مثل محجوب عبد الدائم؟ أن تسأل نفسك يعني أن الدراما انتصرت، وأن الأدب تخطى حاجز الأوراق ليصفعك شخصيًا.
في رفح.. مدينة الدماء والرحيل مراد حجازي ٣٠ أغسطس ٢٠١٧ مع نهاية يوليو الماضي، انتهت حملة أمنية سيطرت خلالها قوات الجيش على مدينة العريش طوال أسبوعين، عانى خلالها سُكان المدينة من أوضاع شديدة السوء، مليئة بالمعاناة والدماء، وبانتهاء الحملة عادت الاتصالات التي انقطعت طوال الحملة للعمل بشكل جزئي في مدن شمال سيناء الثلاث الكبرى؛ العريش والشيخ زويد ورفح، إلا أنها كانت عودة دامت أيامًا قليلة فقط. وذلك قبل أن تنقطع مرة أخرى عن المدن الثلاثة. مع انقطاع الاتصالات مرة أخرى، توقع سُكان العريش أن تعود الأيام العصيبة مع حملة جديدة، إلا أن الحملة واﻷوضاع السيئة والمعاناة والدماء كانت من نصيب آخر المدن المصرية على الحدود الشرقية؛ رفح. *** يقطن في مركز رفح والـ ١١ قرية التابعة له أكثر من ٨١ ألف نسمة، بحسب آخر إحصاء رسمي، يعود لعام ٢٠١٦، على موقع محافظة شمال سيناء. تناقص العدد بشكل كبير، في السنوات اﻷخيرة، خاصة مع موجات النزوح التي بدأت في نهايات ٢٠١٤، وذلك مع بداية إخلاء الدولة لمنطقة عازلة بعمق ١٠٠٠ متر، في اﻷراضي المصرية المتاخمة لقطاع غزة، وهي العملية التي تم خلالها هدم ٢١٠٠ منزل. ظروف الحياة في مدينة رفح عصيبة بشكل واضح؛ يقول عدد من السُكان إن إمدادات المياه لا تصل نهائيًا إلى أحياء المدينة منذ ثلاث سنوات، فضلًا عن النقص الحاد في مستلزمات المعيشة والمواد الغذائية والخضروات، والتي ارتفعت، مؤخرًا، أسعارها بصورة مبالغ فيها. وصل سعر صفيحة السولار، على سبيل المثال، إلى ٤٠٠ جنيه، وهي الوسيلة التي يعتمد عليها اﻷهالي في توليد الكهرباء لعدد ساعات محدود خلال اليوم. يحاول الأهالي تعويض استمرار انقطاع التيار الكهربائي بالكامل طوال ٦٠ يومًا عبر المولدات. وفيما تشهد رفح، والشيخ زويد، فرضًا لحظر تجوال، منذ أكتوبر ٢٠١٤، ويبدأ في الخامسة مساءً وحتى السادسة من صباح اليوم التالي، يطلب اﻷهالي من السلطات السماح بمرور اﻷغذية، خاصة ألبان الأطفال والدقيق، إلى المدينة. *** في العاشرة من صباح الأحد، ٢٠ أغسطس الجاري، عُزلت مدن شمال سيناء الثلاثة؛ رفح والشيخ زويد والعريش، عن العالم لمدة زادت على ٤٨ ساعة، إثر انقطاع شبكات الاتصال والإنترنت بشكل مفاجئ. في البداية حاول الأهالي معرفة ماذا يحدث، ليتبيّنوا بعد ذلك أن حملة أمنية كبيرة تستهدف رفح. أغلقت جميع الطرق المؤدية للمدينة بسواتر رملية. وأصبح دخول المدينة أو الخروج منها ممنوعًا إلا بالسير على اﻷقدام. يقول «أبو محمد»، أحد سكان رفح، لـ «مدى مصر» إنهم فوجئوا مع بداية يوم ١٩ أغسطس بقيام قوات الأمن بإغلاق الطريق الفرعي، والوحيد، للدخول والخروج من مدينتهم رفح. جرى وضع ساتر ترابي كبير بالقرب من منطقة «ياميت»، في قرية أبو شنار. يشير أبو محمد إلى أن الطريق الدولي الرئيسي مُغلق في وجه اﻷهالي وسياراتهم منذ عام ٢٠١٤. لا تسير عليه سوى الحملات العسكرية أو الأقوال الأمنية أو القوافل الرسمية. يصبح الطريق الفرعي القريب من أبو شنار، القريبة بدورها من ساحل رفح، هو الحل الوحيد للوصول للمدينة. لكن مع الحملة الأخيرة أغلق هذا الطريق نهائيًا. طالت الحملة كل قرى وأحياء مدينة رفح، وبحسب أبو محمد، كان انتشار قوات الجيش على الأرض بشكلٍ غير مسبوق، بداية من ساحل رفح وحتى قرى جنوبها. نقطة الارتكاز الرئيسية للحملة كانت في «أبو شنار» ما أقلق أهل المنطقة، ليقوم عدد كبير منهم بجمع أمتعته والرحيل بعيدًا عن منطقة العمليات خوفًا على أرواحهم. *** لم ينتظر اﻷهالي كثيرًا، ما خافوا منه بدأ في الحدوث سريعًا، في يوم الثلاثاء، ٢٢ أغسطس، سقطت قذيفة مجهولة المصدر على منزل في قرية نجع شيبانة، لتقتل أسرة كاملة من قبيلة الريشات؛ أم عمرها ٤٥ عامًا، وابنتيها (عامان ونصف، و١٤ عامًا). بعدها، وإثر قذيفة أخرى مجهولة المصدر، قُتل شاب وأصيب آخر على أطراف مدينة الشيخ زويد، وأنهت طلقات نارية طائشة حياة شاب آخر في منطقة ياميت برفح. *** في يوم ٢٣ أغسطس أصبحت رائحة الدماء أكثر حضورًا. قررت أربع أُسر في قرية «نجع شيبانة»، جنوبي رفح، أن تتجمع في منزل واحد؛ هربًا من الاشتباكات والحرب المحيطة بهم، إلا أن قذيفة مجهولة المصدر سقطت على المنزل لتنسفه بالكامل مخلفة ٢٤ قتيلًا ومصابًا. أسفر الحادث عن إصابة ١٦ شخصًا؛ ٥ سيدات، وطفلتين كل منهما عمره ١٣ عامًا، وتسعة أطفال دون العشر سنوات، والذين تمّ نقلهم جميعًا إلى مستشفى العريش، التي أكد مصدر من داخلها أن مَن لم يدخل غرفة العمليات من اﻷمهات والسيدات رقد في غيبوبة، فيما بقى اﻷطفال بمفردهم في غرف المستشفى، وبعد يوم واحد توفى طفلين منهما (٣ و١٠ سنوات)، فيما تمّ تحوّيل بعض الحالات إلى مستشفيات خارج شمال سيناء، وتكفل بعض «أهل الخير» بعلاجهم. أحد سُكان القرية، طَلَبَ عدم ذِكر اسمه، قال لـ «مدى مصر» إن ثمانية أشخاص جميعهم سيدات وأطفال، قتلوا في الحال إثر سقوط القذيفة. لم يُنقلوا إلى المستشفى، ودفنهم اﻷهالي في القرية. أكد المصدر أن معظم الأقارب الرجال للقتلى الثمانية معتقلين بالفعل لدى قوات اﻷمن، فيما هرب آخرون من الملاحقات اﻷمنية التي تطال شباب ورجال المنطقة. مصدر آخر في القرية أكد على أن قوات اﻷمن أمرت جميع سُكان القرية بالرحيل الفوري منها. في حين لم يتمكن بعضهم حتى من جمع أمتعته، وبقت القرية خاوية. *** بعد موجات النزوح اﻷولى، في أواخر ٢٠١٤، كانت قرية «الطايرة»، جنوبي رفح، بمثابة ملاذًا لكثير من الأهالي الذين رفضوا مغادرة المدينة كليةً، ليستقروا في القرية الصغيرة آملين أن تكون أكثر أمانًا لهم وﻷسرهم. ولكن في يوم ٢٦ أغسطس تبددت كل أحلامهم في الاستقرار، وصاروا مجبرين على الرحيل من القرية إلى المجهول. يتذكر أحد سكان القرية الراحلين ما جرى قائلًا «حضرت قوات الجيش إلى المكان، وطالبت عدد من السكان بإخلاء منازلهم، لإنشاء كمائن أمنية في محيط القرية، وأمهلتهم ثلاثة أيام، أما باقي الأهالي فقرروا الرحيل النهائي، خوفًا من البقاء في محيط الكمائن الأمنية وما يصاحبها من اشتباكات ورصاص عشوائي». بحسب ساكن «الطايرة»، الذي غادرها الآن، رَحَلَ بعض اﻷهالي تاركين خلفهم كل شيء، وذلك بسبب صعوبة الخروج باﻷمتعة، فضلًا عن تكلفة سيارات النقل، والتي وصلت إلى ١٧٠٠ جنيه من رفح وحتى الإسماعيلية. بينما لا يزال معظم أهل القرية عالقين فيها، بسبب عدم قدرتهم على حمل أمتعتهم ومتعلقاتهم وأثاث منازلهم، بعد إغلاق الطرق الواصلة من قريتهم وحتى الطريق الفرعي الوحيد. شاهد عيان آخر من سُكان رفح قال إن اﻷهالي كانوا يحملون ما يستطيعون من أمتعتهم وأثاثهم في السيارات، التي تمنَع قوات الأمن مرورها حين يصلون إلى الحاجز الترابي، ما يضطرهم لإنزال اﻷمتعة واستئجار عربات كارو لنقل تلك اﻷمتعة إلى الجانب الآخر على مراحل. بحسب ساكن «الطايرة»، الذي غادرها، كانت مدينة الصالحية ومحافظة الإسماعيلية عمومًا هي الوجهة الجديدة لمعظم الأهالي الراحلين، خاصة مَن يعملون منهم في الزراعة، أملًا في الالتحاق بأقاربهم المقيمين في أراضيهم الزراعية هناك، وهروبًا من الملاحقة اﻷمنية التي تطال أهالي رفح والشيخ زويد في أي مكان داخل شمال سيناء. بحسب عديد من المصادر المحلية التي تحدثت لـ «مدى مصر»، فقد استقر لدى أهالي رفح هاجس أن الدولة تحاول بشتى الطرق دفعهم للخروج من قراهم ومدنهم وترك سيناء بالكامل، وهو الهاجس الذي يتأكد لديهم أكثر في ظل تردي اﻷوضاع المعيشية في رفح والشيخ زويد والعريش، واستمرار «الحرب على الإرهاب» منذ أربع سنوات دون أن تبدو لها نهاية قريبة، خاصة مع زحف العمليات الإرهابية من مدينة إلى أخرى. وفيما استنكر اﻷهالي فصل شبكات الاتصال والإنترنت عن مدن شمال سيناء مع كل حملة أمنية، أكدوا أن شبكات الاتصال المصرية لا تعمل في مدينة رفح بالكامل، سوى في مناطق ضيقة جدًا على ساحل المدينة، فيما يستقبل الهاتف المحمول ﻷي شخص يدخل المدينة للمرة اﻷولى رسائل ترحيب من شبكات الاتصال الإسرائيلية، التي تعمل، بمفردها، في رفح. البعض اﻵخر من السكان رأى أن الدولة تحاول التهرب من مسؤوليتها في دفع تعويض لمَن يخلي منزله، على غرار ما حدث وقت الإعلان عن إقامة منطقة عازلة بعمق ١٠٠٠ متر، والتي طالبت الدولة سكانها بشكل رسمي بالإخلاء، على أن تدفع لهم تعويضات. كان إبراهيم محلب، رئيس الوزراء السابق، قد أصدر في أكتوبر ٢٠١٤ قرارًا بإخلاء ٥ كيلومترات في مدينة رفح، وألزم القرار، في مادتيه الثانية والثالثة، الدولة بتوفير مساكن بديلة وتعويضات لمَن يترك منزله في تلك المنطقة. من الكيلومترات الخمس، تمّ إخلاء كيلومتر واحد فقط رسميًا، وتمّ تعويض قاطنيه بقرابة ٦٥٠ مليون جنيه، بحسب بيانات محافظة شمال سيناء، وهو ما لم يحدث مع مَن رحلوا من باقي المدن التي تشهد حربًا على الإرهاب. كانت الإحصائية الرسمية الوحيدة الخاصة بتعداد النازحين هي تلك المُعلنة من محافظة شمال سيناء في أواخر أغسطس ٢٠١٦، والتي قدرت النازحين بـ ١٢ ألفًا و٨٦١ فردًا، موزعين على ٦٨ تجمعًا في مدن العريش، وبئر العبد، والحسنة، بإجمالي ٥٣٢٤ أسرة. *** على طول الطريق الدولي «العريش القنطرة» تتناثر عشرات العشش على جانبي الطريق، جميعها يقطنها نازحون، تركوا منازلهم ومزارعهم وقراهم في رفح والشيخ زويد منذ أواخر ٢٠١٤، بعد زيادة حدة الاشتباكات بين القوات المسلحة وبين ما يعرف بـ «تنظيم ولاية سيناء»، وهو النزوح الذي لم يتوقف منذ ذلك التاريخ وحتى اليوم. ساكن «الطايرة» الراحل عنها وصف فكرة النزوح بـ «العصيبة والقاسية»، وقال «إحنا البدو ارتباطنا باﻷرض اللي اترعرعنا فيها وثيق جدًا، صعب ننفك عنها»، وأضاف «أصعب حاجة إنه ييجي اليوم اللي تنقلع فيه من جذورك». أما ساكن مدينة رفح الذي كان شاهدًا على لحظات رحيل أهلها، وصف الساتر الترابي الذي أقامته قوات اﻷمن على طريق دخول المدينة بأنه كان حاجز يفصل ما بين الذكريات في المدينة، والمستقبل المجهول غربًا. فيما تبقى عبارة «راجع يا رفح» مستقرة على جدار منزل بمدينة شبه خاوية، لم تعد تعرف إلا الرحيل.
بعد ارتفاعها لـ ٤٠٥ موقعًا.. إدانة أممية للحجب في مصر مدى مصر ٣٠ أغسطس ٢٠١٧ نَشَرَ موقع المندوب السامي للأمم المتحدة بجينيف اليوم، الأربعاء، بيانًا مشتركًا لاثنين من الخبراء المعينين من قِبل مجلس حقوق الإنسان الدولي. وقد أعربا عن «قلقهما البالغ» حيال حجب الحكومة المصرية لمواقع إلكترونية. ووصف البيان قرارات الحجب بـ «الاعتداء المستمر من الحكومة المصرية على حرية التعبير». في حين وصل عدد المواقع المحجوبة في مصر أمس الأول، الإثنين، إلى ٤٠٥ موقعًا، وذلك حسب رصد مؤسسة «حرية الفكر والتعبير» المصرية. فيما رَجَح ديفيد كاي، المقرر الخاص لتعزيز وحماية الحق في حرية الرأي والتعبير، وفيونوالا ني ألوين، المقررة الخاصة المعنية بحقوق الإنسان ومكافحة الإرهاب، أن تكون قرارات الحجب قمعية، وليست من شأنها مكافحة الإرهاب. ويُكلف الخبراء، الذين يُعينهم مجلس حقوق الإنسان في جينيف، بدراسة الأوضاع الخاصة بحقوق الإنسان وتقديم تقارير عنها. وتكون مناصبهم شرفية، ولا يُعد أصحابها من الموظفين بالمجلس الأممي. وقالا الخبيران، في بيانهما، إن قرارات الحجب جاءت في ظل غياب للشفافية، وعدم تحديد «الأكاذيب» التي تنشرها المواقع المحجوبة أو «الأعمال الإرهابية» التي تدعمها. وأضاف البيان «أن منَع الوصول إلى المواقع الإلكترونية بجميع أنواعها، وخاصة المواقع الإخبارية، يحرم كل المصريين من معلومات أساسية من أجل المصلحة العامة». كما انتقد الحجب لكونه يستند إلى تشريعات «مُفرطة» لمكافحة الإرهاب، وذلك فضلًا عن إمكانية خضوعه لرقابة قضائية «محدودة للغاية». وأكد كلٍ من كاي وألوين، في النسخة الإنجليزية من البيان، على أن السلطات المصرية لم تُقدم أي دلائل بأن الحجب يتطابق مع القانون الدولي لحقوق الإنسان. وأوضحا أن الإجراءات يجب أن تُأخذ وفقًا للقانون، فضلًا عن أن تكون ضرورية ومتناسب مع الغرض المطلوب. ويأتي ذلك في حين لم تعلن أي جهة رسمية مصرية عن أسباب الحجب. وكانت قرارات الحجب في مصر قد تزامنت مع نَشَر وكالة أنباء الشرق الأوسط المملوكة للدولة لخبر نقلًا عن «مصدر أمني رفيع المستوى»، في شهر مايو. وقد شَمَلَت ٢١ موقعًا إلكترونيًا داخل البلاد؛ وقد فَسَرَ المصدر ذلك بقوله «تضمينها محتوى يدعم الإرهاب والتطرف ويتعمد نشر الأكاذيب»، وأنه «تمّ اتخاذ الإجراءات القانونية المتبعة حيال هذه المواقع». وقد وصل عدد المواقع المحجوبة في مصر أمس الأول، الإثنين، إلى ٤٠٥ موقعًا بعد حجب ٢٦١ موقعًا من مقدمي خدمات VPN، التي توفر اتصالًا آمنًا بالمواقع المحجوبة، وذلك حسب تقرير «قرار من جهة مجهولة عن حجب مواقع الوب في مصر» الصادر عن «حرية الفكر والتعبير». كما حُجبت، مؤخرًا، مدونتا «منال وعلاء» و«بهية»، وتُعدا من أقدم المدونات في مصر، لتنضما إلى مدونة الصحفي «أحمد جمال زيادة» التي حُجبت خلال الشهر الجاري. ومن المنتظر أن ينظر القضاء الإداري، في ٩ سبتمبر المُقبل، أولى جلسات الطعن الذي أقامه موقع «مدى مصر» ضد قرار الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات بحجب الموقع.
بمناسبة اليوم العالمي للاختفاء القسري، نعيد نشر مقال عبد الرحمن جاد «روابط دي مايو».. من الدكتاتورية الأرجنتينية إلى الفاشية المصرية ١٦ يونيو ٢٠١٥ «في الواقع إنه يوم عيد الأمهات، لأننا تمكننا بعد ٣٥ عامًا من رؤية القتلة وراء القضبان.. إنه إنجاز للأمهات». هيبيه دي بونافيني، مديرة منظمة «أمهات بلازا دي مايو». في ٣٠ أبريل ١٩٧٧، في ذروة القمع الدكتاتوري، احتشدت مجموعة من أمهات المفقودين للمرة الأولى في ساحة «بلازا دي مايو» أمام مقر الرئاسة الأرجنتينية في بوينوس أيرس، مطالبة بإعادة أبنائها وبناتها، ومنذ ذلك التاريخ، بدأت الأمهات بالتجمع كل خميس وعلى رؤوسهن وشاح أبيض اعتمدنه كشعار لهن. كان هذا الوشاح، الذي أصبحن بفضله معروفات في العالم أجمع، مطرزًا بأسماء أبنائهن الذين فُقدوا في عهد الدكتاتورية. في سنة ١٩٨٧، انقسمت المنظمة التي تعتبر رمزًا من رموز الدفاع عن حقوق الإنسان في الأرجنتين إلى مجموعتين، وسميت المجموعة الأولى الأكثر استقلالية «أمهات بلازا دي مايو.. الخط المؤسس»، وبقيت منظمة صغيرة تُعنَى حصرًا بالدفاع عن حقوق الإنسان. أما المجموعة الثانية؛ فاكتسبت طابعًا سياسيًا وأصبحت في عهد الرئيس نستور كيرشنر منظمة غير حكومية تضم ستة آلاف موظف، وتعنى ببناء المساكن والمستشفيات في كل أنحاء البلاد . على جانب آخر من العالم، في مصر، هناك روابط أسرية تشكلت في طوابير الزيارات داخل السجون، وعلى عتبات المحاكم، وأمام مراكز الشرطة.. أعلنت عن نفسها بتشكيل حركات اجتماعية ترتكز على وحدات صغيرة لا مركزية. فهل ستكون بداية حركة اجتماعية جديدة في مصر تؤثر في صانعي القرار، أم ستكون هذه الروابط مجرد منتديات للطرح والتنفيس عن معاناتهم ومعاناة أبنائهم في السجون؟! هذه الحركات الاجتماعية الصغيرة غلب عليها الطابع النسائي؛ فهي مكونة من أمهات وأخوات المحتجزين والمحتجزات على خلفيات سياسية. لم يتقابلوا في بهو أحد الفنادق أو في إحدي القاعات، ولكن مقابلاتهم كانت في طوابير الدخول وأثناء انتظار ميعاد الزيارة داخل السجون المختلفة، يشكون في تلك الفترة أوضاعهم المأساوية، يشكون آلام الفراق وشظف العيش والعائل الوحيد للأسرة يقبع داخل أسوار السجن، فهو أسير الحبس الاحتياطي، أو حكم عليه بثلاث سنوات على خلفية قانون «التظاهر».. يأتي وقت الزيارة فيفترقون للحظات ثم يعُودون للحديث مرة أخرى ولكن يزداد الحديث مرارة عند معرفتهم بما حدث معهم ليلة أمس، وقد تعرضوا لحملة مداهمة من قبل أفراد الشرطة والاعتداء بالضرب ومنع الطعام وتجريدهم من ملابسهم ليبيتوا ليلة سوداء.. «من حكايات أهالي المحتجزين عن الأوضاع في السجون». هي تلك الروابط التي لم يُعلن عن تأسيسها في نقابة «الصحفيين»، أو مقار الأحزاب، ولكن أُعلن عن تأسيسها على الأرصفة أمام مراكز الشرطة ومجمعات المحاكم وفي معهد الأمناء بطرة، ينتظرون نزول أبنائهم من عربة الترحيلات للعرض على القاضي وينتظرون في شغف خروج المحامي من قاعة المحكمة ليقول لهم براءة أو إخلاء سبيل.. ولكن دائمًا ما يخيب الظن! قررت تلك الروابط الصغيرة الخروج للمجتمع ومشاركة الناس والعالم همومهم، معلنين رفضهم الأوضاع التي يتعرضون لها أثناء زياراتهم، وما يتعرض له ذووهم داخل أسوار السجون، تلك التدابير والإجراءات البسيطة مثل المشاركة في المؤتمرات الصحفية، والتواصل مع المنظمات الحقوقية، والتصوير مع الشبكات الإعلامية حتى غير المرئية منها، التوجه الى السوشيال ميديا وإنشاء صفحات على مواقع التواصل الاجتماعي يسلكونها من مبدأ الأخذ بالأسباب، وهي بالنسبة لهم مكسبًا رغم عدم إحداث أي تأثير من جانب متخذي القرارات. استفادت تلك الروابط من تكنولوجيا الاتصالات في التعبير عن مشكلاتهم، وكان هدفهم من استغلالها إعلان مقاومة ورفض الأوضاع عن طريق صفحات «الفيس بوك» لمشاركة ما يحدث معهم ومع ذويهم داخل السجون، فعندما تكتب في خانة البحث «رابطة أسر» سيظهر أمامك رابطة أسر …. وباقى الاسم «اسم السجن، أو المحافظة التي ينتمي إليها السجن جغرافيا»، مثل رابطة معتقلي سجن العقرب، ورابطة أسر معتقلي البحيرة، ورابطة أسر معتقلي السويس. لم يتوقف الأمر عند أسر المعتقلين فحسب؛ حيث انضمت إليهم رابطة أكثر بؤسًا، وهي «رابطة أسر المفقودين.. المختفين قسرًا». في شهر مايو من العام الماضي، كنت على موعد مع أحد أهالي المختفين قسريًا لإعداد بحث عن منهجية الاختفاء القسري في مصر بعد الثلاثين من يونيو، كان محمد عبدالسلام والد عبدالحميد، وهو أحد المختفين قسريًا منذ فض اعتصام «رابعة العدوية»، يقدم بلاغًا للنائب العام عن اختفاء ابنه؛ حيث فقد الاتصال به أثناء عملية فض الاعتصام، في هذا اليوم وجدت عددًا من الأهالى قادمين للسبب نفسه لتقديم بلاغات عن اختفاء ذويهم ولكن في أحداث متفرقة، ومن خلال الحديث اكتشفت أنهم قد تعرّفوا إلى بعضهم البعض أثناء انخراطهم في إجراءات كتقديم البلاغات وأثناء البحث عن ذويهم في السجون المختلفة، يتحركون سويًا من أجل هدف مشترك يجمعهم. مد ذلك الهدف بينهم أواصر علاقات اجتماعية هدفها التواصل سويًا من أجل اتخاذ جميع الطرق والسبل للتواصل مع المنظمات الحقوقية والتحاور مع شخصيات عامة، وتنظيم مؤتمرات صحفية. فكانوا يتجمعون مرة أسبوعيًا لعقد مقابلة مع إحدى المنظمات أو تقديم بلاغات جماعية للنائب العام، أو التواصل مع الشبكات الإخبارية أو حضور مؤتمر صحفي تنظمه إحدي المؤسسات. وبالفعل قد حضرت معهم أحد المؤتمرات بعنوان «مصر تبحث عن أبنائها المفقودين»، داخل نقابة الصحفيين في سبتمبر ٢٠١٤، وكان عددهم ١٢ أسرة من الصعيد والدلتا والإسكندرية والسويس والقاهرة، وكان المؤتمر عن المختفين قسريًا منذ أحداث ثورة يناير، بمشاركة حملة «هنلاقيهم»، وتحدث الأهالي ووالد الطالب عبدالحميد عن معاناتهم خلال رحلة بحثهم عن ذويهم وما تعرضوا له من نصب، وكذلك استهلاكهم ماديًا وصحيًا، إلى أن توفي منذ بضعة أيام لتفقد الرابطة أحد أعضائها المقهورين. لكن كل تلك المعاناة قد أفرزت لنا حركة اجتماعية من نوع جديد؛ تقع خارج إطار السياسة المتمثلة في الأحزاب السياسية. وهذه الحركات لا تطرح استراتيجيات للوصول إلى السلطة، فغايتهم الوحيدة هي التأثير في صانعي القرارات. كما أنها لا تلتزم بإطار تنظيمي فكل ما تسعي إليه هو لفت انتباه العالم من حولهم لقضاياهم، مثل ما فعلت أمهات «دي مايو» في الأرجنتين، ولكن في الوقت نفسه لم تتميز تلك الروابط في اتخاذ آليات جديدة سوي أنها انتقلت من الأحاديث الثنائية إلى الاتجاه لتعريف المجتمع بما يواجهونه وهذا شيء إيجابي من وجهة نظري. و يبقى السؤال ماذا لو انتظمت هذه الروابط في إطار تنظيمي يجمعها مع بعضها البعض، له قيادة مركزية تتبنى تطبيق آليات كتلك المتبعة في حملات المناصرة والحشد والضغط بأساليبها المتنوعة؟ هل سيكون بمقدورها أن تصل إلى ما وصلت إليه «دي مايو» من الوصول إلى ذويهم المفقودين؟ أم ستشكل تلك المطالب من المعاملة الكريمة الإنسانية خلال زيارات السجون عبئًا على صانع القرار؟
مجلس الدولة يُصدر بيانين لتفسير حُكم «الحدود البحرية بين مصر وقبرص» خلال ٢٤ ساعة رنا ممدوح ٣٠ أغسطس ٢٠١٧ أصدرت محكمة القضاء الإداري أمس، الثلاثاء، حُكمًا بعدم اختصاصها نَظَرَ دعوى وقف وإلغاء الاتفاقيتين لتعيين الحدود البحرية بين مصر وقبرص. وقد أصدر المكتب الإعلامي لمجلس الدولة بيانَيْن رسميَيْن لتفسير الحكم، منذ صدوره. فَسَرَ البيان الأول، الذي صَدَرَ بالأمس، الثلاثاء، حكم الدائرة الأولى برئاسة المستشار بخيت إسماعيل، بعدم اختصاص المحكمة في الفصل لكون الاتفاقيات تدخل ضمن أعمال السيادة التي تخرج عن اختصاص القضاء الإداري. في حين أشار البيان الثاني الصادر اليوم، الأربعاء، أن الحكم تضمن عدم اختصاص المحكمة بنظر إلغاء الاتفاقيتين لكونهما صدرا بقانون وأن الحكم لم يتعرض لمسألة السيادة. وذلك دون أن ينفي ما تضمنه البيان الأول من اعتبار الاتفاقيات من أعمال السيادة التي لا تختص بنظرها محكمة القضاء الإداري. وتعود وقائع القضية إلى أغسطس من العام الماضي، عندما رُفعت للمطالبة بوقف تنفيذ وإلغاء اتفاق تحديد المنطقة الاقتصادية الخاصة، والذي صدر قرار رئيس الجمهورية برقم ١١٥ لسنة ٢٠٠٣ بإقرارها. فضلًا عن إلغاء الاتفاقية الإطارية بين البلدين بشأن تنمية الخزانات الحاملة للهيدروكربون، وقد صَدَرَ قرار رئيس الجمهورية رقم ٣١١ لسنة ٢٠١٤ بشأنها. وقد حصلت «مدى مصر» على نَصّ الحكم، لتبيّن أسباب عدم تصدي المحكمة للدعوى، وذلك لانتهاء التصديق عليهما ونشرهما في الجريدة الرسمية كقانونَيْن ضمن قوانين الدولة. وقالت المحكمة، في حكمها، إن الطعن على الاتفاقيتين بعد نشرهما يعد طعنًا على قانونين صدرا من السلطة التشريعية. مما لا يجعل المنازعة في هذه الحالة من المنازعات الإدارية التي تختص بها محاكم مجلس الدولة. ولا يجوز التعرض لها إلا بطريق الطعن عليها بعدم دستوريتها طبقا للإجراءات المقررة لذلك في قانون المحكمة الدستورية العليا، حسبما جاء في نَصّ الحكم. وكانت محكمة القضاء الإداري قد قَضَتَ، في يونيو من العام الماضي، ببطلان اتفاقية تعيين الحدود البحرية بين مصر والمملكة العربية السعودية لتضمنها التنازل عن جزيرتي تيران وصنافير لصالح المملكة، وهو الحكم، الذي أصدر المستشار بخيت إسماعيل، صاحب حكم الأمس، حكمَيْن بإلزام الحكومة بتنفيذه. من جانبه قال أحد نواب رئيس مجلس الدولة، والذي فَضَلَ عدم ذِكر اسمه، لـ «مدى مصر» مُفسرًا ما جاء في البيان الأول «إن تعمد استخدام الحكم الصادر بشأن اتفاقيتي الحدود البحرية بين مصر وقبرص، ليكون في وضع مقارنة مع الحكم الصادر، في ٢١ يونيو ٢٠١٦، والذى قضى ببطلان توقيع ممثل الحكومة المصرية على اتفاقية تعيين الحدود البحرية بين مصر والسعودية». كما أضاف أن ذلك يعُد إعلانًا بأن محاكم مجلس الدولة تراجعت عن اختصاصها في الرقابة على مشروعية إجراءات إبرام الاتفاقيات الدولية، وهو ما لم يحدث. كما أوضح المصدر لـ «مدى مصر» أن محكمة القضاء الإداري برئاسة المستشار بخيت إسماعيل لم تقضِ بعدم اختصاصها بالفصل في الاتفاقيات الدولية بشكل عام، وهو ما جاء في البيان الأول الصادر عن رئيس مجلس الدولة، وإنما قَضَتَ بعدم اختصاصها بنظر دعوى بطلان اتفاقيتي تعيين الحدود بين مصر وقبرص لكون كل واحدة منهما صدرت بقانون، والطعن، في هذه الحالة، يستلزم إقامة دعاوى جديدة. وستكون الجهة المختصة بنظرها حينها المحكمة الدستورية العليا، وليس محاكم مجلس الدولة. ومن جانبه قال مصدر بالأمانة العامة لمجلس الدولة لـ «مدى مصر» إن البيان الأول تسبب في حالة من الغضب داخل مجلس الدولة، وذلك بعد اعتراض عدد من مستشاري محكمة القضاء الإداري على ما جاء فيه. الأمر الذي أوحى بأن القضاء الإداري تراجع عن اختصاصه في الرقابة على مشروعية إجراءات إبرام الاتفاقيات الدولية، وهو ما أكدت عليه وسائل الإعلام بنشرها للبيان الأول، حسبما أوضح المصدر. وكان السفير إبراهيم يسري وآخرون قد أقاموا دعوى قضائية، في أغسطس ٢٠١٦، ضد كلٍ من رئيسي الجمهورية ومجلس الوزراء، فضلًا عن وزيري الخارجية والبترول بصفاتهم. وذلك للمطالبة بوقف تنفيذ وإلغاء اتفاق تحديد المنطقة الاقتصادية الخاصة، والذي وُقَعَ في القاهرة بتاريخ ١٧ فبراير ٢٠٠٣، بين حكومتَي مصر وقبرص. وقد صدر قرار رئيس الجمهورية برقم ١١٥ لسنة ٢٠٠٣، وقد صُدق عليه في ١٢ أبريل من العام نفسه. كما تضمنت الدعوى وقف تنفيذ وإلغاء الاتفاقية الإطارية بين مصر وقبرص بشأن تنمية الخزانات الحاملة للهيدروكربون الموقعة في القاهرة في ١٢ ديسمبر ٢٠١٣. وقد صَدَرَ قرار رئيس الجمهورية رقم ٣١١ لسنة ٢٠١٤ بشأنها وقد تم التصديق عليها في ١١ سبتمبر ٢٠١٤. ودَفَعَت الدعوى بأن الاتفاقيتَيْن ترتب عليهما استحواذ قبرص، وإسرائيل كذلك، على حقول غاز طبيعي، وذلك بمساحات ضخمة شمال شرق البحر المتوسط. في حين لا تبعد الحقول المُستحوَذ عليها عن دمياط بمسافة ٢٠٠ كيلومتر، لكن المسافة بينها وبين حيفا تصل إلى ٢٣٠ كيلومترًا. كما أشارت الدعوى إلى أن الخرائط القبرصية توضح أن حقل «أفروديت» في جبل إراتوستينس يدخل في عمق منطقة امتياز نيميد، التي كانت مصر قد منحتها لشركة «شل»، ثم تراجعت عنها دون مبررات منطقية أواخر عام ٢٠١٥. وفي سياق متصل، كان الرئيس عبد الفتاح السيسي قد استبعد، في يوليو الماضي، المستشار يحيى دكروري صاحب أول حكم ببطلان اتفاقية تعيين الحدود البحرية بين مصر والسعودية، من رئاسة مجلس الدولة بدلًا من إعمال مبدأ الأقدمية المعمول به. وكان السيسي قد أصدر قانون الهيئات القضائية، في أبريل الماضي، والذي يمكنه من اختيار رؤساء الهيئات القضائية، بما فيها مجلس الدولة، وذلك بدلا من التصديق على اختيار مستشاري المجلس لأقدم مستشار به. وقد أصدر السيسي القرار الجمهوري رقم ٣٤٧ لسنة ٢٠١٧ باختيار المستشار أحمد أبو العزم لرئاسة المجلس رغم كونه الرابع في ترتيب الأقدمية بين نواب رئيس مجلس الدولة. الصور لبيانَي المكتب الإعلامي لمجلس الدولة عن حكم القضاء الإداري الصادر في ٢٩ أغسطس ٢٠١٧