مدى مصر

ارتفاع ضحايا حادث «أسمنت أسوان» إلى ٣ وفيات.. وحبس ٨ عاملين للتحريض على الإضراب عثمان الشرنوبي ٢٨ يوليو ٢٠١٧ ارتفع عدد المتوفين إثر حادث بمصنع ميدكوم أسوان للأسمنت إلى ٣ فجر اليوم، بعدما لقى المهندس طارق محمد نوح مصرعه متأثرا بجراحه، في حادث جرى الأحد الماضي أثناء إجراء عمليات الصيانة بالمصنع، فيما أمرت النيابة العامة بحبس ٨ من العاملين بالمصنع ٤ أيام على ذمة التحقيقات في تهم تتعلق بالإضراب عن العمل. وكان العاملون بالمصنع قرروا الدخول في إضراب عن العمل عقب الحادث والبقاء بسكنهم المرفق بالعمل، حتى تحقق الإدارة إجراءات السلامة بالمصنع، ولكنهم فوجئوا أمس الخميس بقوات الشرطة تقتحم سكنهم، وتلقي القبض على ٢٥ عاملا، ولاحقًا أطلقت سراح ١٧ وأبقت ٨ قيد الاحتجاز، بحسب رجب أحمد محمد، أحد العاملين. وقال «محمد» لـ«مدى مصر» إن العاملين أصابهم «هلع» عندما شاهدوا الحادث، وأخرجوا بأنفسهم جثة زميلهم متفحمة، مؤكدا أن إجراءات الأمان السليمة كانت ستحول دون وجود ضحايا في أقسام المصنع المعرضة للخطر أثناء تنفيذ أعمال الصيانة. وأوضح «محمد» أن عطل في أحد المعدات أدى إلى احتباس مواد شديدة الحرارة في أحد أقسام المصنع، وبينما كانت أعمال الصيانة تعمل على تحريرها، وقعت هذه المواد في القسم الذي تواجد فيه العاملون ودرجة حرارتها تصل إلى ١٢٠٠ درجة مئوية، مشيرا إلى إن إجراءات السلامة كان من شأنها أن تمنع وجود العمال بهذا القسم. وأضاف «محمد» أن إدارة المصنع لم تعيرهم أي اهتمام طوال الأسبوع، وبعد قدوم الأمن وإصرار العاملون على مصاحبة زملائهم المقبوض عليهم لمعرفة مصيرهم، هددت الشركة العاملين، أن أي عامل يترك مقر الشركة سيجب عليه توقيع استقالة، وهو ما أكدّه المحامي وائل سليم، أحد المحامين الذين حضروا التحقيقات مع العاملين المحتجزين. وقال «سليم» لـ«مدى مصر» إن النيابة أمرت بحبس الـ٨ عمال ٤ أيام على ذمة التحقيقات بحلول فجر الجمعة، ووجهت لهم تهم تعطيل وسائل الإنتاج والتحريض على الإضراب واستخدام وسائل العنف والتهديد مع موظفين عموميين. وقال محمود نور، أحد العاملين بالمصنع، إن زملائه المحتجزين قيد التحقيق هم رجب بدري وأحمد بدري ومحمد علي وسراج صديق وأحمد محمد عبدالعزيز وسيد ناجي وأمين عبدالحميد وهاني فرغلي. والمتوفون هم العاملان طارق أنور وعلي إبراهيم والمهندس طارق نوح، الذي توفى فجر اليوم، وهو الموظف بشركة «أسيك» المشغلة للمصنع، وكان توفي يوم الثلاثاء الماضي، العامل علي إبراهيم داخل مستشفى أسوان الجامعي، متأثرا بإصابته التي أصيب بها في الحادث، بينما توفي عامل آخر وقت الحادث على الفور بعد تفحم جثته، إثر سقوط المادة الحارقة عليه. وأوضح المحامون والعاملون الذين تحدّث معهم «مدى مصر» أن المهندس طارق نوح كان نقل من مستشفى أسوان إلى أخرى بالقاهرة وأن الحروق طالت ٩٥% من جسده.
«حسم» تكذّب «الداخلية» وتنفي مقتل أعضاء بـ«الحركة» مدى مصر ٢٨ يوليو ٢٠١٧ نفت حركة «حسم» المسلّحة صحّة ما صرحّت به وزارة الداخلية المصرية في الأيام الماضية بشأن قتل عناصر من الحركة في حملات أمنية، وقالت إن التصريحات «محض كذب» وزعمت أن الأمن يعجز عن إدراك أعضاء «حسم». وكانت الحركة، التي نشطت منذ منتصف العام الماضي، تبنّت عدة عمليات استهدفت فيها قوات من الجيش والشرطة. وأصدرت وزارة الداخلية عدة بيانات الشهر الجاري أعلنت فيها أنها قتلت العديد من عناصر الحركة. وقالت «حسم» في بيان نشرته أمس الخميس إن الحركة لا تخجل ممن قتل من أعضائها، ووصفت الأرقام المعلنة في بيانات الداخلية بـ«الكاذبة»، كما وصفت عمليات الأمن بأنها «تصفية وقتل ممنهج». وجاء آخر بيان للداخلية بخصوص قتل أفراد من التنظيم يوم الأحد الماضي، حيث أعلنت أنها قتلت ٨ أفراد من الحركة في اشتباك مسلح بمحافظة الفيوم، وأنها قبضت على ٥ آخرين في محافظتي الجيزة والشرقية، فيما كان آخر قتيل نعته «حسم» على حساب مرتبط بها على تويتر، هو أحمد سويلم، في ١٢ يوليو. وتبنّت الحركة مطلع شهر يوليو عملية اغتيال ضابط الأمن الوطني إبراهيم عزازى شريف، الذي لقى مصرعه أمام منزله في محافظة القليوبية يوم الجمعة ٧ يوليو بعد إطلاق مسلحون أعيرة نارية عليه. وعُرفت حركة «حسم» خلال السنة الأخيرة بتبنيها لعدد من عمليات العنف المسلح، بينها استهداف منطقة جاورت كمين شرطة في شارع الهرم في ديسمبر الماضي. وأدت إلى مقتل ٦ شرطيين بينهم ضابطين.وأيضا محاولة اغتيال القاضي أحمد أبوالفتوح بتفجير سيارة مفخخة قرب منزله في ضاحية التجمع الخامس في نوفمبر الماضي. كما نَفَذَت الحركة محاولة اغتيال النائب العام المساعد زكريا عبد العزيز عثمان، باستهداف موكبه قرب منزله في سبتمبر الماضي، وحاولت اغتيال مفتي الجمهورية السابق علي جمعة، وذلك بالقرب من منزله في مدينة ٦ أكتوبر في أغسطس الماضي، فيما بدأ نشاط «حسم» في منتصف يوليو الماضي بعملية مقتل الرائد محمود عبدالحميد، رئيس مباحث طامية بمحافظة الفيوم، وكانت محافظات الجيزة والفيوم وبني سويف هي النطاق اﻷساسي للعمليات السابقة للحركة.
إحالة ٢٣٥ من مشجعي نادي الزمالك بالإسكندرية للنيابة العسكرية مدى مصر ٢٧ يوليو ٢٠١٧ قررت نيابة غرب الإسكندرية الكلية إحالة ٢٣٥ من رابطة مشجعي نادي الزمالك «أولتراس وايت نايتس» للنيابة العسكرية اليوم الخميس، بحسب المحامي محمد حافظ. وقال حافظ لـ «مدى مصر» إن النيابة العامة اعتبرت أن النيابة العسكرية هي المختصة بمباشرة التحقيق نظرًا لإلقاء القبض على المتهمين من استاد برج العرب التابع للقوات المسلحة باعتباره منشأة عسكرية. وكان مشجعو نادي الزمالك قد قُبض عليهم، من محيط استاد برج العرب، عقب مباراة ناديهم مع أهلي طرابلس الليبي في بطولة دوري أبطال أفريقيا، في ٩ يوليو الجاري. وألقت قوات الأمن القبض على مجموعتين وقتها، الأولى مكونة من ٢٦١ مشجعًا، واجه ٢٦ منهم حيازة تذاكر يشتبه في كونها مزورة، وهؤلاء لم تتم إحالتهم للمحاكمة العسكرية اليوم. وضمت المجموعة الثانية الـ ٢٣٥ مشجعًا، الذين يواجهون اتهامات بالانضمام وتولي قيادة جماعة مؤسسة على خلاف أحكام القانون، واستخدام الإرهاب كوسيلة لتحقيق غرض الجماعة، والترويج لأفكار تلك الجماعة ومنع مؤسسات الدولة من ممارسة أعمالها، وحيازة مفرقعات (شماريخ)، واستعمالها بطريقة من شأنها تهديد حياة الأشخاص وتعريضهم للخطر، والجهر بالصياح لإثارة الفتن، والتعدي على رجال الشرطة بالضرب ومقاومتهم أثناء ممارسة عملهم. مما نتج عنه إصابات في صفوفهم، واستعراض القوة، وإهانة رجال الشرطة بالقول بسبب ممارسة عملهم، والإتلاف والتخريب العمدي للأموال الثابتة والمنقولة. وقال حافظ لـ «مدى مصر» إنه تم منع المحامين من الاطلاع على ملف القضية، والتي يغيب عنها أي أدلة أو أحراز تثبت تورط المتهمين فيما هو منسوب إليهم. ويتيح قانون القضاء العسكري إحالة المدنيين لمحاكمات عسكرية حال ارتكابهم جرائم تقع ضمن نطاق ما يسمى بالمنشآت العسكرية، وهي المباني الواقعة تحت سيطرة القوات المسلحة. كان الرئيس عبد الفتاح السيسي قد أصدر في أكتوبر ٢٠١٤ مرسوماً بقانون بشأن حماية وتأمين المنشآت العامة المدنية يُلزم فيها القوات المسلحة بمعاونة قوات الشرطة في حماية المنشآت العامة ومؤسسات الدولة، ومنها محطات وشبكات وأبراج الكهرباء وخطوط الغاز وحقول البترول وخطوط السكك الحديدية وشبكات الطرق والكباري «وغيرها من المنشآت والمرافق والممتلكات العامة وما يدخل في حكمها». وانتقد حقوقيون القانون الجديد وقتها، معتبرين إياه توسيعًا لقاعدة المحاكمات العسكرية للمدنيين، وهي الممارسة التي توسعت السلطات في استخدامها منذ اندلاع ثورة ٢٥ يناير ٢٠١١، حيث تمت إحالة آلاف المدنيين للمحاكمات العسكرية. وتزامن ذلك أيضًا مع تصعيد أمني مكثف ضد روابط مشجعي الأندية وبالأخص رابطتي مشجعي أولتراس أهلاوي وأولتراس وايت نايتس.
عمال النظافة بالجامعة الأمريكية ينهون اعتصامهم بعد استعانة الإدارة بالشرطة مدى مصر ٢٧ يوليو ٢٠١٧ قرر عمال النظافة بالجامعة الأمريكية إنهاء اعتصامهم والخروج من الحرم الجامعي وقبول التسوية المطروحة من إدارة الجامعة، مقابل تنازل الإدارة عن المحاضر المحررة ضدهم بالاعتداء على الجامعة. وساد جو من القلق والتوتر أمس، الأربعاء، داخل اعتصام العمال، خشية إلقاء القبض عليهم من داخل الحرم، خاصة بعد التصعيد الأخير الذي قامت به إدارة الجامعة بأن حررت محاضر شرطية ضد العمال المعتصمين، وسلمت الشرطة قائمة بأسمائهم، في سابقة لم تحدث في الجامعة الأمريكية التي شهدت اعتصامات عديدة خلال السنوات الماضية. أعطت إدارة الجامعة العمال المعتصمين، منذ ١٦ يوليو الجاري، مهلة حتى الثالثة من مساء أمس للرد عليها بقبول أو رفض التسوية المعروضة عليهم في مقابل عدم تجديد عقودهم، وإلا ستعتبر الجامعة أن التسوية مرفوضة من قِبلهم، وستقوم «بإبلاغ السلطات المعنية أسماء العاملين الذين سيظلون بالحرم الجامعي بشكل غير قانوني»، وفقًا للبيان الصادر عن إدارة الجامعة أمس. وكانت الإدارة قد قررت عدم تجديد عقود العمل لنحو ١٧٠ من عمال النظافة، والتعاقد مع شركتين خاصتين للقيام بأعمال النظافة، بداية من الصيف الجاري. وعرضت على العمال مكافأة استثنائية قدرها ستة أشهر لأصحاب العقود محددة المدة، وهم أغلبية العمال، مع منحهم شهادات خبرة، فيما عرضت على أصحاب العقود المفتوحة، وهم أقلية، تعويض شهرين عن كل سنة خدمة، مع وعد بتنظيم الشركتين مقابلات عمل مع العمال المنتهية عقودهم لتوظيف من يصلح منهم، إلا أن العمال رفضوا التسوية برمتها، واعتصموا داخل مقر الجامعة في التجمع الخامس. وطالب العمال خلال الاعتصام بعودتهم للعمل والتراجع عن قرار عدم تجديد عقودهم، أو في الحد الأدنى أن يتم تعويضهم بمكافأة شهرين عن كل سنة خدمة. وتتراوح سنوات خدمة العمال بين ٦ و٩ سنوات، وبعضهم يتجاوز ذلك. وقالت شيرين عماد، إحدى الموظفات الإداريات بالجامعة، إن العمال حصلوا على وعد شفهي من نائب رئيس الجامعة، إيهاب عبد الرحمن، صباح اليوم، الخميس، بأن الإدارة ستتنازل عن المحاضر المحررة ضد العمال، وأن العمال الذين استمروا في الاعتصام سيحصلون على نفس التسوية المطروحة من الجامعة، في مقابل إنهاء الاعتصام ومغادرة الحرم الجامعي. وأضافت «عماد» أن العمال غادروا الحرم الجامعي إلا أنهم مستمرون في التجمع أمام السور الخارجي في انتظار أن يتأكدوا من التنازل عن المحاضر، وحضور أحد موظفي الشؤون القانونية لمباشرة التوقيع على التسوية. وطالت اجتماعات العمال حتى ساعة متأخرة من مساء أمس لاتخاذ قرار بالاستمرار في الاعتصام من عدمه، وسط توتر تسبب فيه انخفاض أعداد المعتصمين وقبول بعضهم بالتسوية. وكانت الجامعة قد فرضت على من يقبل التسوية المعروضة من الإدارة أن يوقع خطابًا بذلك أمام إحدى بوابات الجامعة لضمان خروجه من الاعتصام. وذلك بعدما قامت الإدارة بإرسال رسالة نصيّة على هواتفهم المحمولة في ساعة مبكرة من صباح أمس تخبرهم أن الجامعة قررت منحهم أجازة مدفوعة الأجر لحين إشعار آخر، وأن دخولهم الجامعة غير مسموح به، وأن بطاقات التعريف الشخصية الخاصة بهم قد أوقفت عن العمل. وأدى منع دخول عمال النظافة للحرم الجامعي في التجمع الخامس، وكذلك ميدان التحرير إلى انخفاض أعداد المعتصمين بشكل كبير، حيث لم يتمكن نحو ٢٥ عاملًا من الدخول لمقر الجامعة بالتجمع الخامس، كما لم يتمكن نحو ٣٠ آخرين من دخول مقر الجامعة بالتحرير. وحررت المجموعتين محضرين بقسمي شرطة التجمع الخامس وعابدين، لإثبات منعهم من دخول مقر عملهم، على أن يقوم العمال بإرسال صور من هذه المحاضر إلى مكتب العمل ووزارة القوى العاملة. وكانت الجامعة قد بررت قرارها بعدم تجديد عقود العمال والتعاقد مع شركتين خاصتين برغبتها في تحسين الخدمة المُقدمة داخل الجامعة، مضيفة في بيان صدر يوم ١٧ يوليو الماضي أنه «قمنا بدراسة وافية لكل الاختيارات المطروحة لتحسين الخدمات بحرم الجامعة ورفع مستوى الكفاءة، وقد كان جليًا أن أسلوب تشغيل هذه الخدمات بشكلها الحالي لم يعد قابلاً للاستمرار». ولم تفصح الجامعة حتى الآن عن الشركتين اللتين تعاقدت معهما. ويقول أحمد هاشم، أحد المتحدثين باسم العمال المعتصمين، إن «الإدارة خفضّت عدد العاملين بالنظافة من نحو ٣٧٠ عاملًا في ٢٠٠٨ إلى ١٧٠ عاملًا الآن، رغم زيادة أعباء العمل بعد بناء الحرم الجديد في التجمع الخامس وافتتاحه في ٢٠٠٨»، كما ذكر أن إحدى الشركات الخاصة التي تواصلت معها إدارة الجامعة قدّرت أن عدد العمال المطلوبين لتولي أعمال النظافة في مبنى كلية الهندسة والعلوم يبلغ ٥٠ عاملًا، بينما يقوم به نحو ١٥ عاملًا فقط من العمال الحاليين. وداخل الاعتصام، عبر العديد من العمال عن غضبهم من أسلوب تعامل الجامعة معهم. فقال أحدهم «أنا مش بفكر في الـ١١ يوم اللي قضيناهم في الاعتصام. لكن بفكر في العشر سنين اللي اشتغلناهم وفي الآخر نترمي زي الكلاب». وكان هاشم قد قال لـ«مدى مصر» في وقت سابق إن المكافأة المعروضة من الجامعة تبلغ في المتوسط نحو ١٥ ألف جنيه، «مبلغ ميشتريش تلاجة دلوقتي»، بحسب هاشم. ولا يتوقع العمال أن تقوم الشركتان اللتان ستتوليا أعمال النظافة في الجامعة بتوظيف أي منهم. وفسّر أحد العمال المعتصمين ذلك بأن الشركة الخاصة لن توظف أي من العمال بعد كل «المشكلات» التي أثاروها، في إشارة لإقدامهم على الاعتصام. كما يتوقع العمال أن تفضل الشركتان الخاصتان توظيف أفراد أصغر سنًا، لضمان قبولهم رواتب وامتيازات أقل.
نقاط حول المقاومة والعنف فلسفة «الطعن» وأخلاقه شادي لويس بطرس ٢٧ يوليو ٢٠١٧ في الثاني من نوفمبر عام ٢٠١٤ أصيب أربعة إسرائيليين بعمليات طعن متفرقة في مستوطنتي «ريشون لتسيون» و«نتانيا»، بالقرب من تل أبيب، نفّذها فلسطينيون، وذلك بعد ساعات من مقتل شاب فلسطيني وإصابة آخر، بعد ما أطلق جنود الاحتلال النار عليهما على حاجز أمني شمال جنين، بعد أن حاولا طعن أحد الجنود. بدأت وقائع ذلك اليوم سلسلة من عمليات الطعن والدهس، وبشكل أقل من إطلاق النار في الأراضي المحتلة وداخل إسرائيل. لكن، وكما قوبلت تلك العمليات باحتفاء بين الكثيرين في مصر، إلا أن أصواتًا، كانت خافتة في البداية، سرعان ما انطلقت وعبّر أصحابها عن رفضهم للعمليات في مجملها، وفي حالات أخرى عن إدانة للهجمات التي استهدفت مدنيين، وربما قبل البعض على مضض باستهداف المدنيين، لكن سقوط ضحايا من الأطفال وكبار السن كان أمرًا لا يمكن التغاضي عنه بالنسبة لهم. وصل الجدل مؤخرًا إلي درجة غير مسبوقة من الحدة، على خلفية أزمة المسجد الأقصى الأخيرة. ورغم وصول الخلاف لحد التشهير على شبكات التواصل الاجتماعي، والتحريض على الأذى البدني، وحتى الوعيد باللجوء للمحاكم، إلا أن هذا لا ينبغي أن يصرفنا عن النظر في الجدل ودفوع المنخرطين فيه. فالأمر وإن بدا متعلقًا بالقضية الفلسطينية، ووسائل مقاومتها، وهي شأن الفلسطينيين وحقهم، إلا أنه أيضًا يتعلق بأسئلة أكثر عمومية عن العنف وأخلاقياته، في علاقته بـ«حالة الاستثناء»، سواء كانت المقاومة أو الثورة والحرب، وغيرها، كما يتأسس على جدل أوسع لطالما شغل نظريات العلوم السياسية وفلسفة القانون والأخلاق، لا فيما يتعلق بالعنف السياسي فقط، بل وأيضًا فيما يخص منطق الاجتماع الإنساني، وجوهره. كانت الثورة الفرنسية، ومعها ثورة هايتي، ولاحقًا الثورة الروسية، هى الوقائع التاريخية التي تأسست عليها نظريات العنف السياسي كما نفهمها اليوم، والتي ألهمت حركات التحرر في العالم الثالث بعد الحرب العالمية الثانية، لكن التبعات شديدة الدموية لعهد الرعب في الجمهورية الفرنسية، ومذابح الثورة في هايتي، مع ملايين الضحايا في العهد الستاليني، كل هذا كان كفيلًا بفرض تنظيرات معارضة للعنف، تستلهم تجارب المقاومة السلمية، وعلى رأسها نضال التحرر الوطني في الهند. ففي مقابل تنظيرات جورج سيرويل عن الطبيعة الخلّاقة للعنف، ودوره في إنقاذ الجماعة البشرية، وكتابات فرانتس فانون التي أطّرت العنف السياسي، بوصفه جوهر عملية التحرر ومحركها، حيث «الاستعمار هو العنف في وضعه الطبيعي، وينتهي فقط حين يُواجَه بعنف أعظم»، فإن تنظيرات نابذة للعنف، مثل كتابات الفيلسوفة الألمانية حنا آرندت رأت في العنف نفيًا للسياسة، حيث قد ينجح العنف، وفق رأيها، في تحقيق أهدافه، لكن فقط على نحو اعتباطي، حيث لا يمكن التنبؤ بنتائجه، وإن كان التغير الأكيد القادر على تحقيقه هو إنتاج عالم أكثر عنفًا، تتراجع فيه القدرة على الفعل. لكن سؤال العنف لا يتعلق بالضرورة بالفلسفة الغربية، ووقائع تاريخية من الماضي، فبعد سقوط سور برلين، وتداعي أنظمة الكتلة الشرقية واحدًا وراء الآخر، وإعلان المنظّر الأمريكي فرانسيس فوكوياما عن نهاية التاريخ، والانتصار النهائي للديقراطية الليبرالية، فإن خطاب التغيير السلمي هيمن على الساحة السياسية وتنظيراتها الفكرية عالميًا، وكان أحد أهم تجلياته هو «الثورات الملونة». كان لمنظمات المجتمع المدني وجمعيات حقوق الإنسان والروابط الأهلية، أن تأخذ مكان الميلشيات المسلحة، في مقاومة المحتل أو الأنظمة الاستبدادية، وأن تصبح ساحات المحاكم، والمؤتمرات الحقوقية، وميادين الاحتجاج السلمية هي ساحة المعارك، لا الأحراش أو قرى الجبال كما في الماضي. لكن وإن كانت ثورات «الربيع العربي»، ابنة هذا الخطاب، إلا أن مآلاتها، كما يرصد جلبير الأشقر في كتابه «انتكاسة الثورات العربية»، كانت أيضًا أحد تجليات هشاشة هذا الخطاب، ومحدودية فاعليته. هكذا فكما كان عنف الجماهير في جمعة الغضب، ثم التصدي للعنف في «معركة الجمل»، النقطتين الأكثر حسمًا في إنجاح الثورة المصرية في تحقيق هدفها المرحلي بإزاحة مبارك، فالعنف أيضًا كان معضلة الثورة، فمنذ اللحظات الأولى كانت هتافات «سلمية» تتصاعد، سواء بدوافع تكتيكية لتحاشي عنف الأمن، ولاجتذاب تعاطف محلي ودولي أيضًا، أو لأسباب مبدئية تلتزم بخطاب التغيير السلمي وثوراته الملونة. لكن وإن تجاوزنا سؤال اعتماد العنف أو نبذه كوسيلة للفعل السياسي، فإننا نجد النصيب الأكبر من الجدل يدور حول حدود العنف وأهدافه. فمع التسليم بحق المقاومة في استخدام العنف، بل وضرورته أيضًا في وجه فظائع الاحتلال، فإن الاعتراضات تتباين بين عدم مشروعية استهداف المدنيين، أو لا أخلاقية استهداف الأطفال وكبار السن، مصحوبة بأسئلة عن تعريف «المدني»، وإن كان هذا التعريف ينسحب على المستوطنين أم لا. يقود الانجرار لمناقشات تقنية حول نصوص القانون الدولي ومعاهداته المنظِّمة للصراعات المسلحة، إلى تغييب المعضلات الأكثر جوهرية. فالمقاومة بحكم الضرورة، مثلها مثل الثورة، هي فعل استثنائي وخروج على القانون القائم. وإشكالية تقنين الاستثناء ليست بالأمر الجديد، بل لطالما كانت المعضلة الأساسية لفلسفة القانون. يدفع فيلسوف القانون الإيطالي جورجيو آجامبين، في كتابه «حالة الاستثناء – الإنسان الحرام»، بتلك المعضلة إلي حدها الأقصى، مجادلًا بأن حالة الاستثناء، أي تعطيل القانون في حالات الطوارئ وفرض الأحكام العرفية المتضمَّنة في قوانين الدول الحديثة، أصبحت هي القاعدة. فاحتواء القانون على نصوص تسمح بتعطيله ونفيه، يبدو كمعضلة عصيّة على الحل، لا تنتهي فقط بتعميم حالة الاستثناء وتحويلها لحالة دائمة، بل وأيضًا إلى تحطيم منطق «القانونية» نفسه. وفيما يبدو تحليل آجامبين معنيًا بفهم علاقة القانون بالسلطة، فإن أطروحته عن «حالة الاستثناء» تثير معضلات تتعلق بالثورة والمقاومة كحالات للاستثناء، وبإشكالية تقنينهما. فكيف للمقاومة، التي هي بالضرورة حالة للاستثناء، وخروج عن القانون، أن تكون موضوعًا للقانون، ونطاقًا لإلزاميته؟ وخاصة حين تمارَس ضد احتلال، يرى القانون الدولي أن استمراره وممارسته خروج على القانون وخرق لمعاهداته وتحد للإرادة الأممية؟ ألا ينتهي هذا بحالة الاستثناء، أي الاحتلال، إلى وضع الحالة الدائمة، وتداعي منطق القانونية بمجمله مرة أخرى؟ ولو تخلّينا، بدافع الجدل، عن مسألة القانونية في علاقتها بالمقاومة، فما سيبقى أمامنا هو سؤال أخلاقياتها، والذي لا يتعلق بالضرورة بالأخلاق بمعناها المثالي، أي بنسبتها إلى نص ديني، أو بمحددات طبيعة إنسانية أصلية تتعلق بالفرد أو الجماعة البشرية. فهيجل الذي يمكن الادعاء بأن فلسفته عن الأخلاق، كان لها تأثير عميق على الفلسفة الحديثة بكافة مدراسها إلى اليوم، يستعين بلفظة ألمانية لوصف الأخلاق، لا يوحي معناها بالوجوب، أي بـ«الواجب» و«غير الواجب»، بل بمفهوم العادة والتقليد أو المتفق عليه. لا يعتمد هيجل مفهومًا للأخلاق يقوم على فكرة التعاقد الاجتماعي الذي تحتّمه الضرورة والجزع من حالة التوحش البدائية، أو الاتفاق الطوعي أو الإلزام القسري على حد حرية الفرد لصالح المصلحة العامة، بل بتأطير الأخلاق كعلاقة اجتماعية وعلائقية بين أضداد تحكم صراعاتهم. إلا أنه في الوضع القائم للفلسطينيين، والذي حرمهم جميعًا من الاعتراف بدولة لهم، أو بمجتمع طبيعي، أو حتى بوضع قانوني غير استثنائي لهم كأفراد، وفي ظل ممارسات شديدة القسوة والبربرية، وعلاقة إخضاع تدور في اتجاه واحد، تبدو محدّدات «الأخلاقية» بمفهوهما الهيجلي، والتي تفترض حدًا أدني من الندية المبدئية بين أطرافها، غير متوفرة. لا يعني هذا أن ممارسات المقاومة «فوق أخلاقية»، أو أن المنخرطين فيها غير قادرين على الفعل الأخلاقي وعكسه، بل أن الحكم الأخلاقي عليها، من خارجها، يواجه معضلة تشبه معضلة تقنين الاستثناء القانوني، فكيف لنا الحكم أخلاقيًا على ما نُفي عمدًا خارج نطاق الأخلاق وإمكانها!؟ في النهاية، لا أبتغي هنا تبرير العنف ولا إدانته بأي حال، ولا نفي قانونية أو أخلاقية حدود بعينها للمقاومة أو أهدافها، وكذلك ولا التأكيد عليها، بقدر ما هي محاولة لطرح معضلات تتعلق بالعنف والمقاومة، وأسئلة حولهما. ومع هذا، وحتى ولو قبلنا جدلًا باستحالة إخضاع المقاومة للقانون والأحكام الأخلاقية، ولو افترضنا أن جوهر ما نراه اليوم من عمليات هو محاولة لنزع القشرة الأخلاقية عما هو لا أخلاقي بالأساس، بهدف الاعتراف بالحق في الوجود، والرجوع إلي نطاق الأخلاقية، فما أظنه هو أن المنخرطين في المقاومة، وبحسب أي شكل يتخذونه لها، يظلون مسؤولين تجاه أنفسهم، لا تجاه الآخرين، عن عدم الاستسلام أمام توحش خصمهم، والانقلاب في النهاية على شاكلته.
السيسي يُشكل المجلس القومي لـ «مواجهة الإرهاب والتطرف» ويضم أحمد عكاشة ومحمد صبحي وفاروق جويدة كتب مدى مصر ٢٦ يوليو ٢٠١٧ أصدر الرئيس عبد الفتاح السيسي اليوم، الأربعاء، قرارًا بتشكيل «المجلس القومي لمواجهة الإرهاب والتطرف» وتحديد صلاحياته، وذلك بعد الإعلان عنه قبل ثلاثة أشهر. ونشرت الجريدة الرسمية القرار الذي حمل رقم ٣٥٥ لسنة ٢٠١٧ منذ قليل. ويهدف المجلس الجديد إلى «حشد الطاقات المؤسسية والمجتمعية للحد من مسببات الإرهاب ومعالجة آثاره»، حسب نص القرار. ويشمل في تشكيله عددًا من الشخصيات العامة من بينهم الفنان محمد صبحي، واللواء فؤاد علام، رئيس جهاز أمن الدولة السابق، ومستشار رئاسة الجمهورية للشؤون الدينية أسامة اﻷزهري، إضافة إلى علي جمعة مفتي الجمهورية السابق، والشاعر فاروق جويدة، والكاتب الصحفي عبد المنعم سعيد، ووزير الثقافة الأسبق محمد صابر عرب، والطبيب النفسي أحمد عكاشة، والمحامي رجائي عطية، ورئيس الهيئة العامة للاستعلامات ضياء رشوان، وهدى عبد المنعم لبيب، عضو المجلس الأعلى للإعلام، والكاتب الصحفي هاني لبيب مرجان، والخبير الأمني خالد عكاشة. كما يضم تشكيل المجلس وزراء الداخلية، والخارجية، والدفاع والقائد العام للقوات المسلحة، والتربية والتعليم، والتعليم العالي والفني، والأوقاف، والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، والشباب والرياضة، والتضامن الاجتماعي، والعدل، وورئيس مجلس الوزراء، ومجلس النواب، وشيخ اﻷزهر والبابا تواضروس الثاني ورئيس جهاز المخابرات العامة ورئيس هيئة الرقابة اﻹدارية، بصفاتهم. وكان السيسي قد أعلن عن تأسيس المجلس، في أبريل الماضي، خلال خطاب، ضَمّ أعضاء مجلس الدفاع الوطني، وذلك بعد هجوم استهدف كنيستَين في طنطا واﻹسكندرية أثناء احتفالات اﻷقباط بأحد السعف. وكان تنظيم «ولاية سيناء» قد أعلن مسؤوليته عن التفجيرين، اللذين جاءا بالتزامن مع العيد المسيحي الذي يأتي في اﻷحد اﻷخير قبل عيد القيامة، وذلك بعد أربعة أشهر من تفجير كنيسة البطرسية في القاهرة في ١١ ديسمبر الماضي. ويختص المجلس بتشكيل استراتيجية شاملة لمواجهة اﻹرهاب، ودراسة التشريعات المتعلقة بمكافحة اﻹرهاب، وإقرار «الخطط اللازمة لتعريف المجتمع الدولي بحقيقة التنظيم اﻹرهابي»، دون تحديد التنظيم المقصود. كما يختص المجلس بمتابعة تنفيذ إجراءات التحفظ على أموال الكيانات اﻹرهابية، وهي القرارات التي تصدر عن محاكم الجنايات، فيما يعد تجاوزًا لدور اللجنة المسؤولة عن التحفظ منذ ٢٠١٤، والتي صدرت أحكام قضائية، من مجلس الدولة، تطعن في شرعيتها. وبحسب القرار، ينعقد المجلس بناءً على دعوة رئيس الجمهورية مرة كل شهرين، أو كلما دعت الحاجة. وتصاعدت المواجهة بين الدولة ومجموعات متنوعة من المسلحين بسبب استمرار الهجمات على عدد من اﻷهداف داخل سيناء وخارجها. واستهدف تنظيم ولاية سيناء عددًا من الكنائس المصرية والأديرة والتي أسفرت عن مقتل العشرات من اﻷقباط.
الداخلية مقتل أربعة من المتهمين في تنفيذ حادث البدرشين كتب مدى مصر ٢٦ يوليو ٢٠١٧ أعلنت وزارة الداخلية اليوم، الأربعاء، عن مقتل أربعة مُتّهَمين بالتورط في حادث الهجوم على القوة اﻷمنية بالبدرشين في منتصف الشهر الجاري، وذلك بعد تبادل ﻹطلاق النار أثناء محاولة القبض عليهم في «وكر» يقيمون فيه، بحسب بيان نشرته الوزارة ظهر اليوم. وأوضح البيان أن القتلى اﻷربعة هم حسن محمد أبوسريع عطا الله، وعماد صلاح عبد العزيز محمد جمعة «من مُنفِّذي الحادث»، وأحمد ربيع أحمد عبد الجواد، وعبد الرحمن محمد عبد الجليل محمد الصاوى. وقد «شاركا فى رصد تحركات القوة الأمنية المستهدفة»، حسب البيان. في حين نشرت صحيفة البوابة أمس، الثلاثاء، خبرًا عن القبض على أحمد ربيع ع.، وسنه ٢٨ عامًا، وذلك خلال مداهمة أحد المناطق الصحراوية بالجيزة، والتي كان يختبئ فيها، ووصفه الخبر بأنه «العقل المُدبر لحادث البدرشين». فيما أعلنت الشرطة، أمس، أيضًا عن القبض على ثلاثة متهمين متورطين في حادث البدرشين، دون الإعلان عن الأسماء لحن نهاية التحقيقات، وذلك عقب مداهمة منازلهم، بحسب ما نقلت صحيفة المصري اليوم عن مصادر أمنية. وكانت مجموعة مسلحة قد هاجمت قوة أمنية صباح الجمعة قبل الماضي، مما أسفر عن مقتل خمسة من قوات الشرطة بمنطقة أبو صير في البدرشين. وكان ثلاثة أشخاص مجهولين يستقلون دراجة نارية أطلقوا أعيرة من سلاح آلى كان بحوزتهم على أحد سيارات القول اﻷمني، ما تسبب في مقتل أمين شرطة وفرد شرطة وثلاث مجندين، حسب بيان صدر عن وزارة الداخلية في ١٤ يوليو الجاري. وكانت صحيفة الأهرام قد نقلت عن مصادر أمنية السبت قبل الماضي، خبرًا عن تصفية اثنين من منفذي الهجوم في منطقة صحراوية قريبة من موقع الهجوم. واشتدت الحملة اﻷمنية ضد عناصر الحركات المسلحة، وأعلنت وزارة الداخلية خلال اﻷيام الماضية عن مقتل عدد من المُسلحين خلال حملات أمنية مختلفة عدة مرات. وكان آخر هذه الحملات اﻷحد الماضي فقد أعلنت الداخلية عن مقتل ثمانية من المُسلحين وصفتهم بأنهم ينتمون جميعًا لحركة «حسم». وتشابهت العملية في أسلوبها مع عمليات حركة «حسم»، والتي نفذت عددًا من العمليات خلال الفترة اﻷخيرة. ولم تعلن أي جهة مسؤوليته حتى الآن. وكانت وزارة الداخلية قد أعلنت، يوم الجمعة الماضي، عن قتلها لشخصَين خلال تبادل لإطلاق النار بالفيوم، ووصفتهما بأنهما من تنظيم «حسم»، وذلك بعد ساعات من مقتل مجند بالشرطة وإصابة ثلاثة آخرين في استهداف لعدد من سيارات الشرطة في محيط دائرة قسم شرطة ثان الفيوم، مساء الخميس الماضي. وكان التنظيم قد أعلن تنبنيه للمسئولية عنها يوم الجمعة الماضي. وقد ذكرت وزارة الداخلية في بيانٍ، قبل أيام، أن القتيلين هما محمد سعيد عبد الباسط محمود (مواليد ١٠ ٢ ١٩٨٧)، وأحمد إيهاب عبد العزيز محمد (مواليد ١٩ ٧ ١٩٩٧).
جواهر السينما المصرية «ضربة شمس»، في الذكرى الأولى لخان ياسمين زهدي ٢٦ يوليو ٢٠١٧ تصعب رؤية المشهد الافتتاحي لفيلم «ضربة شمس» لمحمد خان دون التفكير في جان لوك جودار، خصوصًا فيلمه الكوميدي لعام ١٩٦١ «المرأة هي المرأة». المحيط مشابه بالتأكيد شقة صغيرة بحوائط بيضاء، مليئة بالأغراض الغريبة، وعاشقين يافعين منهمكين في مزاح خفيف. ورغم المشاعر القوية التي يتبادلانها بوضوح، نستشعر من البداية أنهما ليسا على نفس الموجة. المتوازيات بين خان وجودار لا تنتهي هنا. فكلاهما كانا ضمن رواد حركتين ثوريتين غيرتا صناعة السينما في مصر وفرنسا على التوالي. تأسست الواقعية الجديدة في مصر والموجة الجديدة الفرنسية على قيم فنية وجمالية مختلفة، ولكن كليهما سعى لتغيير طريقة صناعة الأفلام، وبدأ كل منهما بمجموعة من الفنانين الشباب الذين باستجلاب رؤيتهم الفريدة للعالم في أفلامهم نجحوا في تحقيق ذلك بالفعل. وكما احتوى «المرأة هي المرأة» (وهو ثاني فيلم روائي لجودار، سبقه فقط بـ«حتى انقطاع النفس» في ١٩٦٠) على الكثير من العناصر الأسلوبية التي رسّخت فيما بعد للتأثير الباقي لمخرجه على تاريخ السينما، ففي «ضربة شمس»، فيلم خان الروائي الأول، تمكننا رؤية الملامح المميِّزة، التي أكسبت أعماله اللاحقة مكانتها الفذّة في السينما المصرية، وهي تظهر وتبدأ في التبلور. يمتد الفيلم ليعرض بضعة أيام في حياة شمس (نور الشريف)، وهو مصور يعمل بجريدة، ولكنه، مدفوعًا بشغفه للصور الفوتوغرافية وكل ما يمكنها الكشف عنه، بالإضافة لفضول يكاد يكون طفولي، كثيرًا ما ينحرف عن مساره، ليجد في صوره قصصًا أعمق من تلك التي يُكَلَّف بتغطيتها. توقعه تلك النزعة المغامِرة مع حبيبته سلوى (نورا) في المشاكل، وتبدأ في تحريك أحداث الفيلم، حين تصير صورة يلتقطها شمس في حفل زفاف، دليلًا يقوده لجماعة من المجرمين تهرّب الآثار خارج البلد. هنا ندرك أننا لا نشاهد فيلمًا رومانسيًا منطلقًا على نسق «المرأة هي المرأة»، وأنه في واقع الأمر فيلم حركة تشويقي. رغم أن خان لم يصبح أبدًا أستاذًا في هذا النوع بالذات، وأن الفيلم الذي كتبه فايز غالي يعد ناقصًا في كثير من الأحيان، تحديدًا فيما يخص التصوير المسطّح لشخصياته «الشريرة» ومطاردات السيارات ومشاهد العراك فقيرة التنفيذ، إلا أن «ضربة شمس» يعد إنجازًا مهمًا لأكثر من سبب. فإلى جانب فيلم «العوامة ٧٠» (١٩٨٢) لخيري بشارة، يشار لـ«ضربة شمس»، باعتباره العمل الذي أطلق موجة «الواقعية الجديدة». كما أنه يعد البداية الحقيقية لإحدى أكثر الشراكات الفنية ثراء وعطاء في مصر، وهي الشراكة السينمائية بين خان ومدير التصوير سعيد شيمي. ورغم أن صداقة عمر جمعتهما وأدت لتعاونهما سابقًا في فيلم خان القصير «البطيخة» عام ١٩٧٢، إلا أن «ضربة شمس» كان أول تجربة يقدمان فيها أهم خصال الواقعية الجديدة على نطاق واسع، فقد صوّرا جميع المشاهد الخارجية وهي تمثّل غالبية مشاهد الفيلم في مواقع حقيقية، ولأول مرة تكون القاهرة، في كامل ارتباكها المُهلِك، المسرح الذي تنفرج عليه الأحداث؛ نرى الشخصيات تتنقل من حي مألوف إلى آخر عبر شوارع مكتظة وجسور قديمة وطرق سريعة مقفرة وكباري علوية عملاقة. كما أنه من الآمن النظر لشمس باعتباره أول متمردي خان، الأبطال قليلي الحظ وغير التقليديين الذين نجدهم في قلب أفلامه، ويعلقون في ذاكرتنا لعيوبهم وفشلهم أكثر من أي شيء آخر. في البداية، يكون اهتمام شمس بعصابة المهرّبين مدفوعًا بالفضول فقط، وربما بالرغبة في الحصول على سبق صحفي. ولكن حين يطلق أحد أفراد العصابة النار على زميله فتحي (فاروق فلوكس)، متسببًا في موته، يتحول الأمر إلى مسعى شخصي نحو العدالة. يرفض شمس الاعتماد على جهود الشرطة أو حتى التعاون معها، رغم أن صديقه المقرب مراد (حسين الشربيني) هو المحقق الرئيسي في القضية. وبينما مراد شخص خيّر بالمعنى الكلاسيكي؛ شجاع، ذو ضمير حي وحس حذر، فشمس بعيد جدًا عن الكمال؛ مندفع، عديم التركيز، مغرور، ولكن نزيه. ينصدم حين يكتشف أن مراد أرسله إلى حفل الزفاف في البداية عن قصد لأنه كان يعلم أن بعض أفراد العصابة سيكونون هناك، وكان في حاجة إلى عين شمس الرهيفة تجاه التفاصيل الخفية. كذب صديقه عليه، واضعًا الواجب قبل الولاء، وهو بالنسبة لشمس أمر لا يغتفر. ولذا فبعد مواجهتهما الأخيرة، حين نرى شمس مصابًا ومرهقًا، يسير بتثاقل مع سلوى على كوبري المشاة الممتد فوق ميدان التحرير في طريقهما إلى البيت، لا نشعر بالانتصار، بل بهزيمة محرِّرة. شمس منكسر، ولكنه فعل الصواب. يتشابه في ذلك الكثير من أبطال خان اللاحقون. حين تُسرَق كل ممتلكات هند وكاميليا (١٩٨٨)، ينتهي بهما الأمر يضحكان؛ فلا يزال لديهما جمال البحر وابنتهما أحلام. وحتى وهي تنتحر وتقتل في آن واحد، تحظى نوال في «موعد على العشاء» (١٩٨١) براحة هادئة مصدرها أنها فعلت ما يجب عليها فعله؛ حرّرت نفسها. في «الحريف» (١٩٨٣)، عندما يسجل فارس هدفه اللاهث الأخير، يعلن في استسلام «زمن اللعب راح. » وتستجمع منى، زوجة الرجل المهم (١٩٨٧)، الجرأة اللازمة لتركه، فقط لتجلب معها مأساة مدوية. والرقصة الموعودة، والسعيدة والواثِقة، لهيام في «فتاة المصنع» (٢٠١٤)، تنبع في واقع الأمر من ألم عميق. تأسرنا تلك الشخصيات المحبَطة؛ ففي المساحة الرمادية التي زرعها خان فيها وتركها لتنمو، يوجد فيض من الألوان وعدد هائل من الاحتمالات. كثيرًا ما تكون مكاسبهم هي خسائرهم، وتتشابك انتصاراتهم مع هزائمهم في وثاق دائم. لا توجد مطلَقات، بل تعقيد، كالمدينة التي نقلها إلى الشاشة في شغف، يفرض نفسه، ويحيّر، ويبقى. تلك هي تركة محمد خان، وقد بدأت بـ«ضربة شمس». ترجمة ياسمين زهدي
الجامعة الأمريكية تنذر عمال النظافة المعتصمين بقبول شروط إنهاء الخدمة قبل «إبلاغ السلطات» مدى مصر ٢٦ يوليو أمهلت إدارة الجامعة الأمريكية اليوم، الأربعاء، عمال النظافة المعتصمين بمقرها بالتجمع الخامس حتى الساعة الثالثة مساء اليوم للرد عليها بقبول أو رفض التسوية المعروضة عليهم في مقابل عدم تجديد عقودهم، وإلا ستعتبر الجامعة أن التسوية مرفوضة من قِبلهم، وستقوم «بإبلاغ السلطات المعنية أسماء العاملين الذين سيظلون بالحرم الجامعي بشكل غير قانوني»، وفقًا لبيان صادر عن إدارة الجامعة اليوم. كانت إدارة الجامعة الأمريكية قد أعلنت عزمها عدم تجديد عقود عمال النظافة خلال هذا الصيف، والتعاقد مع شركتين خاصتين للقيام بأعمال النظافة في مقري الجامعة بالتحرير والتجمع الخامس. وعرضت الجامعة على العمال تسوية، ضمّت بنودها الحصول على ستة أشهر مكافأة استثنائية للعمال أصحاب العقود محددة المدة (وهم الأغلبية من العمال) بغض النظر عن مدة الخدمة، وشهرين عن كل سنة خدمة للعمال أصحاب العقود مفتوحة المدة (وهم الأقلية). كما عرضت الجامعة منح العمال المنتهية عقودهم شهادات خبرة، واتفقت الإدارة مع الشركتين الخاصتين على عقد مقابلات مع العمال لاختيار من يصلح منهم للاستمرار في العمل. وبدأ نحو ١٧٠ من عمال النظافة في الجامعة إضرابًا عن العمل منذ يوم ١٦ يوليو الماضي، احتجاجًا على عدم تجديد عقودهم بشكل مفاجئ، ورفضًا للتسوية المطروحة من إدارة الجامعة. ويطالب العمال بإلغاء قرار عدم تجديد عقودهم، أو على الأقل منحهم تسوية لا تقل عن شهرين مكافأة عن كل سنة خدمة. وتتراوح فترات خدمة العمال في الجامعة بين ٦ و٩ سنوات، وبعضهم يتجاوز ذلك. وأرسلت إدارة الجامعة أمس، رسالة عبر البريد الإلكتروني إلى العاملين بإدارة النظافة تمهلهم فيه حتى نهاية الثلاثاء لقبول أو رفض عرض الجامعة. وهي المهلة التي تم مدها اليوم حتى الثالثة مساءً. وتوجه براين ماكدوجال، نائب رئيس الجامعة التنفيذي للشؤون المالية والإدارية، بصحبة عدد من القيادات الإدارية لمقر اعتصام العمال في منتصف الظهيرة. وتحدّث ممثل الشؤون القانونية بالجامعة، إبراهيم وجدي، للعمال قائلًا «الإدراة تُقدّركم وتحترمكم ولا نقصد الإساءة لأحد، ولكن نريد الانتهاء من هذا الموقف دون مشكلات، ونسعى لتخفيف عبء الأزمة عليكم». وأضاف «الإجراءات التي تعرضها الجامعة عليكم سخية جدًا بالمقارنة بما هو مطروح في القانون وعقود العمل الموقعة معكم. وتقديرًا لكم فنحن نمد ميعاد قبول ذلك العرض حتى الساعة الثانية ظهرًا لمن هم موجودون في الجامعة الآن، وحتى الساعة ٤ ظهرًا لمن هم خارجها، وإلا ستعتبر الجامعة أن العرض مرفوض من قِبل العمال». ورد العمال على وجدي بأنه يرفضون التسوية المطروحة عليهم. واستقبل عمال النظافة في ساعة مبكرة من صباح اليوم رسالة نصيّة على هواتفهم المحمولة من إدارة الجام١عة، جاء فيها «برجاء العلم بأن إدارة الجامعة قد قررت منحكم أجازة مدفوعة الأجر ابتداءً من اليوم الموافق ٢٦ يوليو ٢٠١٧، وذلك حتى إشعار آخر. غير مسموح لكم دخول الجامعة في خلال هذه الفترة، كما تم إيقاف بطاقة التعريف الشخصي الخاصة بكم في الجامعة. هذا وسوف تتوقف خدمة النقل ابتداءً من اليوم وطوال مدة أجازتكم». وعلى إثر ذلك القرار بمنع العمال من دخول الجامعة، توجه نحو ٢٥ عاملًا إلى قسم شرطة التجمع الخامس لتحرير محضر إثبات حالة، وبعدها توجهوا لوزارة القوى العاملة لإيداع نسخة منه هناك، بحسب مصطفى مهلل، أحد العمال الذين قاموا بتحرير المحضر. وأضاف مهلل لـ«مدى مصر» أنه عند محاولته وآخرين دخول الجامعة قامت إدارة الأمن بمنعهم، كما سحبت بطاقات التعريف الشخصية من بعض العمال. ولم يتبق داخل مقر الجامعة في التجمع الخامس سوى نحو ٥٥ عاملًا هم المعتصمون منذ أمس. وقال وائل محمد، أحد عمال النظافة في مقر الجامعة بالتحرير، إن نحو ٣٠ عاملًا مُنعوا من دخول مقر الجامعة بالتحرير، ولم يُسمح سوى بدخول مدير إدارة النظافة والمشرف الرئيسي فقط. وقال أحمد هاشم، أحد المتحدثين باسم العمال المعتصمين، أن قسم شرطة عابدين يرفض حتى الآن تحرير محضر للعمال الذين مُنعوا من دخول مقر الجامعة بالتحرير. وينتظر العمال أمام القسم حتى الساعة الخامسة لحين حضور المأمور. وفي حالة عدم تحرير المحضر، سيرسلون تلغرافًا للنائب العام بالواقعة. وأشار هاشم إلى أن وفدًا من وزارة القوى العاملة ومكتب العمل زاروا العمال المعتصمين أمس، واطلعوا على موقفهم ووعدوا بالتدخل. وخلال الأيام الماضية، بدأ عدد من العمال قبول التسوية المطروحة من قِبل الجامعة. ويُقدّر هاشم عدد العمال الذين قاموا بالتوقيع على خطاب إنهاء الخدمة بنحو نصف عمال النظافة في المكان. وقال أحد العمال الذين قاموا بالتوقيع، تحفظ على ذكر اسمه، إن إدارة الموارد البشرية كانت تجتمع مع العمال فرادى لعرض تسوية الستة أشهر عليهم، مضيفًا أنه قبل التوقيع على التسوية. وأضاف العامل أن عدد من العمال بالفعل قاموا بصرف مُكافآتهم، إلا أنه شخصيًا لم يتمكن من صرف شيك المكافأة الصادرة له يوم الإثنين الماضي بسبب وقف صرفه من قِبل الجامعة. وأوضح أنه حتى ظهر يوم الإثنين كان العمال الذين وافقوا على التسوية يصرفون الشيكات الخاصة بهم، إلا أن الإدارة اتخذت قرارًا بوقف صرف الشيكات مؤقتًا، لحين إضافة «معاش إضافي» للشيك، وهو المعاش الذي كان يدفع العمال مبلغًا شهريًا من أجورهم للحصول عليه في نهاية الخدمة. وكانت الجامعة قد بررت قرارها بعدم تجديد عقود العمال والتعاقد مع شركتين خاصتين برغبتها في تحسين الخدمة المُقدمة داخل الجامعة، مضيفة في بيان صدر يوم ١٧ يوليو الماضي أنه «قمنا بدراسة وافية لكل الاختيارات المطروحة لتحسين الخدمات بحرم الجامعة ورفع مستوى الكفاءة، وقد كان جليًا أن أسلوب تشغيل هذه الخدمات بشكلها الحالي لم يعد قابلاً للاستمرار». يقول هاشم إن «الإدارة خفضّت عدد العاملين بالنظافة من نحو ٣٧٠ عاملًا في ٢٠٠٨ إلى ١٧٠ عاملًا الآن، رغم زيادة أعباء العمل بعد بناء الحرم الجديد في التجمع الخامس وافتتاحه في ٢٠٠٨»، كما ذكر أن إحدى الشركات الخاصة التي تواصلت معها إدارة الجامعة قدّرت أن عدد العمال المطلوبين لتولي أعمال النظافة في مبنى كلية الهندسة والعلوم يبلغ ٥٠ عاملًا، بينما يقوم به نحو ١٥ عاملًا فقط من العمال الحاليين. وفي سياق متصل، وقع نحو ٥٠٠ من أعضاء هيئة التدريس والطلاب والعاملين في الجامعة على بيان يدين قرار الجامعة بعدم تجديد عقود عمال النظافة، ويطالب بوقف القرار وتجديد العقود وإعداد خطة بالتعاون مع العمال لتحسين الخدمة المقدمة في الحرم الجامعي. كما أصدر اتحاد الطلاب بالجامعة بيانًا، جاء فيه «يؤكد اتحاد الطلبة بالجامعة الأمريكية بالقاهرة على تأييده التام لعمال النظافة المعتصمين، ويعلن رفضه لقرار الإدارة المفاجئ والتعسفي بإلغاء قسم النظافة الحالي بأكمله مع عدم تجديد عقود ١٧٠ عامل نظافة والاستعانة بمقاول خدمات خارجي للقيام بأعمال النظافة عوضًا عن العمال الحاليين».
مصير «كشك الفتوى» يتحدد بعد عيد الأضحى صحفية «مدى مصر» تستفتي بالـ«المترو».. والشيخ يؤكد على أهمية «الكشك» بالقرب من الناس كارولين كامل ٢٥ يوليو ٢٠١٧ تصدح الأغاني من إذاعة المترو الداخلية التي تبث برامج «نجوم إف إم» في محطة الشهداء، وتبدو حركة الركاب هادئة في الساعات الأولى من النهار، وعلى رصيف اتجاه الجيزة يبرز «كشك» معدني صغير بجوار جدارية لعمال سكة حديد يحملون عدتهم وفي طريقهم لإصلاح عطل ما، الكشك بالكاد يكفي مكتب وأربعة كراسي وأعداد كبيرة من كتب دينية متراصة، ومروحة صغيرة للتهوية. الكشك للجميع يجلس بالكشك عادة اثنان أو ثلاثة مشايخ، أمامهم دفتر ضخم يدونون فيه بيانات بطاقة الرقم القومي لطالب الفتوى، وبعد أن ينتهي يدونون ملخص فتواه ويوقع أمامها المواطن ورقم هاتف، ولا يُسمح بدخول أكثر من فرد واحد حتى يتسنى لكل شخص حرية الحديث، بينما يُعلق رجل مسن يستند على عكاز «إن المكان ينقصه (دكة) يجلس عليها كبار السن في انتظار دورهم الذي قد يطول». يغطي صوت الأغاني المنبعث من الإذاعة الداخلية على الأصوات كافة، فُيغلق الشيخ محمد الشباك حتى ُينصت جيداً لطالب الفتوى، ونظراً لتحفظهم في التعامل مع وسائل الإعلام، وإصرارهم على رؤية تصريح التسجيل أو التصوير أو كارنية المؤسسة، اضطررت كمراسلة لـ «مدى مصر» التقدم لطلب فتوى كمواطنة مصرية. توجهت بسؤال عن «مدى جواز تبرع المسلمين بأموال الزكاة لفقراء دون معرفة هويتهم الدينية في ظل الأزمة التي تواجه المجتمع حالياً وضرورة التكافل الاجتماعي؟»، موضحة أن سؤالي كمواطنة مسيحية نابع من فضولي لمعرفة هل المساعدة والتبرع بالمال في أذهان بعض المسلمين مشروط بالديانة. ابتسم الشيخ محمد وهو المكلف حينها بالرد على أسئلة الناس، بينما يعمل شيخان في التدوين، في البداية أخبرني أنه من بلد دير مارجرجس الشهير، فأجبته «سنباط»، فصحح لي «سنباط دي بلد القديسة رفقة.. أنا من ميت دمسيس». وتزحزح الشيخ محمد قليلاً على كرسيه ثم قال «لازم تعرفي الفرق بين الزكاة كأموال مخصصة للفقراء، وبين الصدقة، الزكاة تُخصص للفقراء ولا يجوز وهبها للمستشفيات أو أي أماكن عامة ﻷنها تُقدم خدمتها للجميع، وبالتالي ربما يستفيد الأغنياء منها أيضاً، ولهذا يُفضل أن تذهب الزكاة لمن يستشعر المسلم أنهم الأكثر حاجة، أما الصدقة فهي متاحة للجميع ولا يجوز التفرقة في المساعدة بناء على الأديان». استطرد الشيخ محمد وروى قصة حدثت مع عمرو بن العاص بأنه كان يسير في الشارع ووجد متسول مسيحي فلم ُيرض ابن العاص ما يراه، فقال لأتباعه «أخذنا منه الجزية في شبابه، واليوم نتركه يتسول في عجزه، يصرف له وﻷمثاله من المسنين غير القادرين إعاشة من بيت المال». ترددت في أن اخبر الشيخ محمد أني صحفية، خاصة مع تربص المواطنين خارج «الكشك» للإعلام، وظننت أني انتهيت من دوري بعد إجابته، لكنه استطرد في الحديث عن أهمية وجود «الكشك». «هذا المكان الناس لا تعرف أهميته، وممكن يسخروا منه، لكن مهم أن نتكلم مع الناس وجها لوجه في الأسئلة البسيطة التي ربما تكون بديهية، لكن هناك ناس لا تعرفها، تفتكري من يقتلوا المسيحيين سيقتلوهم هم فقط، بكرة يكون الدور علينا، لأننا نقول كلنا في النهاية نعبد آله واحد، والحديث الشريف يقول الإنسان بنيان الله، ملعون من هدم بنيانه، يعني تفتكري لو هدوا الكعبة أو كنيسة القيامة أو المسجد الأقصى، لن نعرف نعوضه، لا نعوضه ونبنيه مرة ثانية، لكن من يقتل إنسان يقدر يعوضه؟! والحديث قال الإنسان ولم يقل المسلم». يختم الشيخ محمد كلامه معي بآيات من الإنجيل من «الموعظة على الجبل» «(طوبى للرحماء ﻷنهم يرحمون) المسيح قال كدا، والقرآن والإنجيل تكلما عن المحبة والسلام فإزاي نكون لا نعبد آله واحد»، يؤمن على كلامه الشيخ الجالس بجواره «عظة الجبل دي من إنجيل متى»، ابتسم لهما وأشكرهما، وأرحل بعد أن وقعت باسمي ودونت رقم هاتفي في الدفتر، وكُتب في خانة السؤال «الزكاة». مجمع البحوث ينتقد السخرية بالرغم من عدم وجود كثافة على «كشك الفتوى» إلا أن من تواجدوا كانوا على حد تعبيرهم في حاجة ملحة لمعرفة إجابات لأسئلتهم، «أنا كنت بروح دار الإفتاء مرة كل شهر تقريبا، المكان هناك مريح ومكاتب منفصلة، تدخلي المكتب تقعدي مع الشيخ وتتكلمي براحتك، أينعم هنا تحسي أنك على المشاع، لكن بصراحة هو في طريقي، والواحد كبر ولازم يراعي ربنا ويسأل دايما» تقول سيدة في منتصف الستينات ربة منزل. بعد أيام قليلة من بدء عمل «كشك الفتوى» وسخرية شريحة من المواطنين من الفكرة وعدم جدواها، نشر الموقع الرسمي لـ «مجمع البحوث الإسلامية» تصريحات للدكتور محيي الدين عفيفي الأمين العام للمجمع، يؤكد فيها أن «كشك الفتوى» خطوة تهدف لمكافحة الأفكار المتطرفة، متسائلاً عن سبب رفض بعض نواب البرلمان، وهجوم بعض المواطنين وسخريتهم منه بدعوى الحرية والتنوير وبحجة أنه ضد الدولة المدنية». وأضاف «عفيفي» أن ما يفعله الأزهر من خلال مجمع البحوث الإسلامية، يصب في مصلحة الوطن والمواطنين، متسائلاً مرة أخرى عن النية الحقيقية لرفض البعض لأكشاك الفتوى؟، قائلاً «لا ندري هل يراد ضرب استقرار الدولة وتقويض الجهود المبذولة في المواجهة الفكرية باسم الحرية والتنوير أم ماذا؟». وزارة النقل تعلن نهاية الكشك «كشك الفتوى» لم يكن قرار وليد اللحظة، حيث سبق وأعلن «مجمع البحوث الإسلامية» في مايو الماضي على موقعه الرسمي في خبر عزمه تقديم خدمة الفتوى في محطات المترو من خلال تواجد فعلي لرجال دين من الأزهر للإجابة على أسئلة الناس، وبالفعل تم بث خُطب وفتاوى في الإذاعة الداخلية لمحطة مترو الأنفاق، وأخيراً وجود رجال الدين في الـ«كشك»، خطوة سبق وأعلن عنها. مصير كشك الفتوى يبدو ليس بالطويل حسب تصريحات الدكتور هشام عرفات وزير النقل في مداخلة تليفزيونية، قال فيها إن «كشك الفتوى» جاء بناء على طلب المواطنين، وأنه من المقرر إغلاقه بعد عيد الأضحى، وهو ما بدا متضارب مع تصريحات مسؤولي الجهات المشاركة في المشروع، حين رفض الدكتور محيي الدين عفيفي الأمين العام لـ «مجمع البحوث الإسلامية» التعليق على تصريحات وزير النقل وقال لـ«مدى مصر» «أرفض التعليق، خاصة أن التجربة مازالت في بدايتها ولا يمكن الحكم عليها الآن». ومن جانبه قال أحمد عبدالهادي المتحدث باسم هيئة مترو الأنفاق لـ«مدى مصر» «شركة المترو وقعت بروتوكول مع مجمع البحوث الإسلامية ينص على تقديم برامج تضمن خطب دعوية من خلال الإذاعة الداخلية للمترو وإنشاء كشك للفتوى في محطة الشهداء». مضيفاً أن البروتوكول نص على انتهاء مدة العقد بعد عيد الأضحى، ولكن تلك التصريحات تتنافي مع تصريحات صحفية سابقة له قال فيها «إن الكشك يوفر على المواطن الذهاب خصيصاً لدار الإفتاء، وأن الشيوخ موجودين في الكشك ﻷعوام مقبلة» دون ذكر انتهاء عمل الكشك بعد عيد الأضحى. البروتوكول الذي ذكره الموقع الرسمي لـ«مجمع البحوث الإسلامية» في مايو الماضي يتضمن التعاون بين المجمع وهيئة المترو على أن يتم بث الدعاوى والفتاوى من خلال الإذاعة الداخلية لخط المترو الثاني، دون أي ذكر لبناء أكشاك للفتوى أو انتهاء مدة البروتوكول بعد عيد الأضحى، فيما أكد الشيخ سيد توفيق مشرف لجنة الفتوى بمترو الشهداء في تصريحات تليفزيونية أن كشك فتوى الشهداء ليس تجربة وإنما واقع، وأنه من المقرر إنشاء أكشاك أخرى الفترة المقبلة في محطات المرج وحلوان فور توفر الإمكانيات المادية التي تحول دون التوسع في الوقت الحالي، على حد تعبيره، موضحا أن شركة المترو تحملت تكاليف إنشاء الكشك. وعن تكاليف إنشاء الكشك قال المتحدث باسم «المترو» لـ«مدى مصر» «لم تدفع الشركة أي مليم في بناء الكشك، وإنما هو تبرع من الشركة المسؤولة عن بناء الأكشاك في محطات المترو». كشك الفتوى الآن في انتظار قرار أما بالاستمرار أو بانتهاء تجربته، وذلك لأنه عقب إعلان وزير النقل انتهاء عمل كشك الفتوى بعد عيد الأضحى، أعاد الموقع الرسمي للمجمع نشر تصريحات للأمين العام للمجمع قال فيها «من المقرر أن تقيم التجربة شهرياً والإعلان عن نتائج التقييم الأولي للتجربة عقب انتهاء موسم الحج» دون ذكر لإغلاق الكشك.
وقت قليل جدًا.. عاشه الشهيد الحي عرض مسرحي عن أول شهيد مسيحي لبناني مات دفاعًا عن القضية الفلسطينية عادل عبد الوهاب ٢٥ يوليو ٢٠١٧ «وقت قليل جدًا» هو عنوان العرض المسرحي الأحدث للمخرج المسرحي والفنان البصري اللبناني المعاصر ربيع مروّة، والذي يمكن تصنيفه باعتباره ينتمي للمسرح الوثائقي السياسي، ويتناول فيه مروّة مجددًا تاريخ لبنان المعاصر. يُسرد هذا التاريخ من خلال جسد وصوت لينا مجدلاني، وهي الممثلة الوحيدة في هذا العرض. يدور العرض حول حياة أول شهيد مسيحي لبناني مات دفاعًا عن القضية الفلسطينية، ويقع في المساحة الفاصلة بين بساطة ووضوح هذا التوصيف وبين كل تعقيداته المحشوة بجثث ودمار وحروب واغتيالات وبطولات وهزائم. يمتد وقت ربيع مروة «القليل جدًا»، على مدار خمسين عامًا تقريبًا، يتتبع فيها شخصية واحدة عاشت وشاركت في كل أحداث لبنان المعاصر، وكل القضايا العالقة والتي تتعقد بمرور الزمن بموت وحياة فاعليها وببناء نصب تذكارية وهدمها بتغير قناعات وأيديولوجيات. ديب الأسمر، الذي يدور حوله العرض المسرحي، هو مزيج من عدة شخصيات وعدة هزائم، وهو تجسيد لسذاجة وخطايا المواطن اللبناني المسيّس، والذي لا يعرفه أحد وتجده في كل اللبنانيين، المواطن الذي انخرط مقاتلَا في كل الميليشيات وكره كل الميليشيات، وصنع أسطورته من مقاومة إسرائيل كما نكّل به من كل من حاربوا إسرائيل. يبدأ العرض بدخول لينا مجدلاني لمساحة المسرح السوداء، الفارغة إلا من شاشة مستطيلة معلقة طوليًا على يسار المسرح ومن منضدة مستطيلة في يمين وسط المسرح، لتبدأ مباشرة بذكر تاريخ ٣٠ مارس (آذار) ١٩٧١، باعتباره، كما تقول، تاريخ أول عملية لتبادل الأسرى بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية، وتشرح تفاصيل هذه الصفقة السياسية التي تقوم على مبادلة جثة طيار إسرائيلي بثمانية أسرى فلسطينيين، بالإضافة لجثة اللبناني ديب الأسمر، بطل الحكاية هنا. بينما تسرد لينا قصة ديب، كانت تقوم بفعل مسرحي بسيط؛ تضع صورها الشخصية الفوتوغرافية هي وربيع في إناء مربع يحتوي على سائل شفاف، تطفو الصور وتغرق ثم تتلاشى، ويبقى الكارت كصفحة بيضاء، كالذاكرة الجمعية والشخصية لمجتمع ما. «حكاية شهيد، القصة هاي، عن ديب الأسمر، أول فتى لبناني يسقط شهيدًا من أجل القضية الفلسطينية»، تقول لينا، ثم تحكي عن مشهد المجتمع اللبناني في انتظار جثمان البطل الشهيد، وأثناء هذا تعرّفنا بالشهيد من خلال ذكر معلومات أولية وأساسية عنه، مثل سنة ميلاده وطبقته الاجتماعية وطائفته وتوجهه السياسي والجامعة التي درس بها. هذه معلومات أساسية، ولكن لن يمكن للمشاهد، في مجتمع غير المجتمع اللبناني، ومن خلالها، التعريف كثيرًا بنمط وهوية شخص ما، لأن البشر في غاية التعقيد والاختلاف، ولكن في السياق اللبناني يمكن لهذه المحددات رسم شبح لشخصية نمطية في مخيلة اللبناني، ومع تزويدها ببعض الحوادث والمواقف والصراعات، يمكن له رؤيتها مجسدة في الواقع كشخصية قابلها مواطنون كثر وأثّرت في حياة الكثيرين. خلق ربيع مروّة شخصية ديب الأسمر من معلومات وتتابعات تاريخية وحوادث شخصية مرتبطة بالأحداث السياسية الكبيرة، والجزء الأول من حكايته هو تكوين أسطورة الشهيد الحي؛ يعود جثمان ديب كشهيد يقام له التأبين والمسيرات والاحتفالات الشعبية، وينصب له تمثال في وسط بيروت. وبعد سنتين يعود الشهيد حيًا لم يمت، وتقام له الاحتفالات كمناضل أسير محرر عائد من الموت. يزور الشهيد الحي تمثاله الذي أصبح بفعل الزمن معلمًا من معالم المدينة، وهنا يبدأ الخط الدرامي في التصاعد؛ صراع بين ديب وتمثاله، وصراع بين ما يمثله تمثال ديب لكل فصيل سياسي. بصفة ديب مسيحيًا لبنانيًا ولكن توجهاته قومية عروبية، فهل يمثّل المقاومة الفلسطينية التقدمية أم المشروع القومي اللبناني الذي رآه التقدميون مشروعًا انعزاليًا طائفيًا؟ لا يُشرح هذا في العرض، وإنما يُفهم من سياق الجمل الرنانة على لسان شخصيات، مثل ياسر عرفات، قابلت ديب الشهيد الحي بعد عودته في عملية تبادل الأسرى الثانية. في هذا الجزء يظهر الصراع التراجيدي لديب الأسمر؛ افتتانه بتمثاله ثم خوفه منه وصراعه معه، هو التمثال الذي أصبح أهم منه شخصيًا. ديب الآن أسير محرر، ولكن لا يزال مكتوبًا على التمثال «نصب الشهيد ديب»، وساحة التمثال نفسها أصبحت «ساحة الشهيد ديب». بعد تصالح ديب مع تمثاله، ينشأ صراع آخر محوره هو «لمن الجثة المدفونة في مقابر عائلة ديب؟» وتبدأ رحلة الكشف عن هوية الجثمان المدفون، ثم نقل هذا الجثمان بعد تملص جميع الفصائل المقاومة منه. هذا الجزء يذكّر بملحمة جلجامش في بحثه عن الخلود. ثمة صراع وجودي محوره صورة ديب عن نفسه؛ كيف يراه الآخرون؟ أين الخلود؟ هل وصل للخلود أم أن الناس خلّدوا أحلامهم وانتصاراتهم المتخيلة فيه؟ ينتقل السرد بعدها للحرب اللبنانية الأهلية، ليجعل ربيع تفجير تمثال ديب الأسمر، من قبل مجموعة من حزب الكتائب، هو السبب الرئيسي لاندلاع الحرب. هنا يتضح أكثر أسلوب الكتابة الذي اعتمده ربيع ولينا وفريق العمل، في مزج تواريخ اندلاع أحداث حقيقية بحوادث جديدة ترتبط شخصيًا بديب وتمثاله وما يمثله في هذه اللحظة. ومن السبعينيات والحرب الأهلية اللبنانية ومغامرات ديب بها، إلى التسعينيات ودخوله مع لبنان كله عصر رفيق الحريري والسوليدير والصراع مع الرأسمالية التي غيّرت وجه بيروت، واستهدفت تمثاله الذي تهدم وفُجّر وبُني أكثر من مرة. يدخل ديب حقبة التسعينيات كما دخلها لبنان مستخدمًا لغة وتكتيكات التسعينيات، ويصارعها على نفس الأرضية، ربما كمعظم يساريي الوطن العربي الذين تسربوا بهدوء مع انهيار الاتحاد السوفيتي، إلى هذه الحقبة، ليجدوا لهم مساحات حاضنة مثل الصحافة والفن المعاصر والعمل بالمجتمع المدني. يعرض ديب نفسه كتمثال حي في معرض فن معاصر، بإيعاز وتعاون فني من أحد الفنانين الذين درسوا بأمريكا، وعادوا بأفكار عن الفن المعاصر، وتحديدًا عن «فن الأداء الحي.. performance»، حيث يقيم ديب نصبًا حيًا له في معرض، ليجعل الفنانين يرسمون مساحة نقدية مع تاريخهم. هنا يبدو المخرج ساخرًا من نفسه، أو على الأقل يحمّل نفسه، كفنان معاصر، ومع الآخرين، وزر الشهيد الحي التائه وتمثاله. في تفاعل ديب مع كل القضايا والتحولات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي يمر بها لبنان، مرورًا باغتيال رفيق الحريري كحدث جلل في حياته، يقترب ديب من الفصل الأخير في قصته، فبعد إعلان إسلامه وانضمامه لحركة لمقاومة الإسلامية «حزب الله» وتجدد روح المقاومة مع العدوان الإسرائيلي في ٢٠٠٦، يتغير أسلوب السرد، فتصبح الممثلة لينا مجدلاني هي ديب الأسمر؛ لا تحكي عنه ولا تسرد الأحداث، وإنما تتكلم بضمير المتكلم لتصبح هي صوته. يحكي ديب، بصوت مجدلاني، عن خوضه الحرب المقدسة في سوريا ضد الدواعش والتكفيريين، وكيف أنه «انخدع بالثورات»، وتكشفت له الحقيقة عندما رأى جموع الثوار تحاول كسر تمثال الرئيس بشار الأسد. هنا ربما يناقض ديب نفسه، لأنه وطبقًا للسرد السابق، كان قد سُجن في سوريا بسبب اصطدامه العمدي بتمثال باسل الأسد، الابن الراحل لحافظ الأسد، لأنه شعر بالغبن؛ كيف يقام نصب لشخص قُضي في حادث ويطلق عليه لقب «الشهيد»؟ وربما يكون ما حركه هو السؤال عن الأنصاب والتماثيل؛ من يجب أن يُصنع له تمثال، ومن يجب أن يحظى تمثاله بالتمجيد؟ وبعد انخراط ديب في «الحرب المقدسة» في صفوف حزب الله، وافتتانه بمقام السيدة زينب في سوريا، وتفانيه في الدفاع عن المقام الشريف وتحليقه روحيًا مع قداسة هذا المقام، يحكي عن آخر مهمة له في سوريا، مع سمير القنطار عميد الأسرى اللبنانيين المحرر، والقائد في حزب الله والذي قُتل في اجتماع في غارة إسرائيلية قام بها الطيران الإسرائيلي. تنتهي المسرحية كما بدأت بديب شهيدًا مرة أخرى، أو مفقودًا، شهيدًا ولكن ليس حيًا بشكل معنوي، وبلا إجماع عليه كما حدث في السابق مع سمير القنطار الذي كان رمزًا لمشروع المقاومة، ثم افتقد الإجماع بعدها، حيث استشهد على يد الإسرائيليين، ولكن برفقة النظام الذي ساهم بتحويل الثورة السورية لحرب طائفية، والذي يقصف المدنيين كما فعل الإسرائيليون ويفعلون. يكمل ديب القصة بعد موته قائلًا إنه لدى الكشف عن الجثة يُكتشف أنها ليست جثته. يسرد علينا الأقاويل المختلفة والشائعات حول موته والتي يُحتمل معها أنه ربما لا يزال على قيد الحياة، ولكن المؤكد أن ديب قد اختفى للمرة الثالثة في يناير كانون الثاني ٢٠١٥. «وقت قليل جدًا» هو محاولة ربيع لإثبات فشل المنطقة العربية في إنتاج تراكم نتعلم منه في حياتنا السياسية والاجتماعية، ورغم أن العرض يقوم على التواريخ الدقيقة للأحداث ومزجها مع شخصية خيالية، فلن يمكن للمشاهد بسهولة، إن لم يكن لبنانيًا، إدراك أن هذه الشخصية غير حقيقية. ما فعله المخرج ربيع مروة ببساطة هو تعقب شخصية خيالية في خط تاريخي ممتد من ١٩٧١ حتى ٢٠١٥، ولكنه لم يجهد نفسه في صقلها تاريخيًا ونفسيًا لتصير شخصية ملحمية، أو على أقل تقدير لتقديم مادة درامية عنها. لا يزال بناء شخصية ديب مسطحًا، لأن السرد لا يفصح إلا عن مواقف محددة لشخصية ذات سمات عامة محددة طائفيًا وسياسيًا ومشكَّلة وفق الأحداث التاريخية، فبإمكان المشاهد خلق «ديب» لكل طائفة لبنانية، وكلها ستنتهي لنفس المصير؛ الطائفية والاقتتال وضياع البوصلة. الصورة لـ Jeva Griskjane