مدى مصر

أهم ما جرى في اجتماع «تشريعية النواب» لمناقشة «تيران وصنافير» رنا ممدوح ١١ يونيو ٢٠١٧ أنهت لجنة الشؤون الدستورية والتشريعية بمجلس النواب اليوم، الأحد، اجتماعها الأول لمناقشة اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين مصر والسعودية، بتأكيد من الحكومة والبرلمان بعدم الاعتداد بالأحكام القضائية الصادرة ببطلان الاتفاقية، وخاصة حكم المحكمة الإدارية العليا الصادر في ١٦ يناير الماضي، ببطلان الاتفاقية لتضمنها تخلي الحكومة عن السيادة المصرية على جزيرتي تيران وصنافير لصالح السعودية. افتتح رئيس مجلس النواب، علي عبد العال، الاجتماع، بشكر المسؤولين الذين شاركوا في صياغة الاتفاق بين مصر والسعودية من الجيش والجهات السيادية والأمنية، وطالب النواب بإخراج الاجتماع في صورة حضارية، مضيفًا «شخصيًا حرصت على الحضور لكي أكون مستمعًا قبل كل شيء لما يطرح في هذه القاعة من السادة الخبراء والنواب، فموضوع الاتفاقية قد حظي باهتمام غير مسبوق». وخلال الاجتماع الذي امتد قرابة الخمس ساعات، دافع عبد العال عن صحة الاتفاقية، ورفض ما وصفه بـ «اعتداء مجلس الدولة» بمحكمتيه، القضاء الإداري والإدارية العليا، على اختصاصات البرلمان في نظر الاتفاقية، قائلًا «من حارب من أجل الأرض لن يفرط فيها إطلاقًا، والمجلس (البرلمان) يدافع عن اختصاصاته في نظر اتفاقية تيران وصنافير، ولن يعتد بأي أحكام قضائية صادرة، وأي اعتداء من أي سلطة على المجلس هو والعدم سواء». وهو ما أيده وزير شؤون مجلس النواب عمر مروان، قائلًا «هناك أحكام قضائية نهائية أخرى تبطل الأحكام الصادرة من مجلس الدولة والمحكمة الإدارية العليا ونحن أمام عمل رقابى برلمانى متكامل على أعمال الحكومة». وتنص المادة ١٠٠ من الدستور على أن «تصدر الأحكام وتنفذ باسم الشعب، وتكفل الدولة وسائل تنفيذها علي النحو الذي ينظمه القانون ويكون الامتناع عن تنفيذها أو تعطيل تنفيذها من جانب الموظفين العموميين المختصين، جريمة يعاقب عليها القانون...». كان نواب تكتل ٢٥ ٣٠ قد طالبوا خلال الاجتماع بالتصويت على مدى دستورية مناقشة الاتفاقية في ظل وجود حكم نهائي من المحكمة الإدارية العليا ببطلانها، وهو ما رفضه رئيس المجلس وعدد من أعضاء ائتلاف دعم مصر. واتهم عبد العال النواب هيثم الحريري وخالد يوسف وضياء داوود وأحمد الطنطاوي وأحمد الشرقاوي بمحاولة «تخريب» الاجتماع، قائلًا «انتو جايين تخربوا الجلسة، من يومين عارفين الخطة بتاعتكم وأنكم هتيجوا تعملو فوضى في الجلسة، وده اللي حاصل دلوقتى وما يصحش كده»، وهددهم بتطبيق اللائحة وطردهم من الاجتماع. كما دخلت النائبة غادة عجمي، ممثلة المصريين في الخارج في ائتلاف دعم مصر، في مشادة مع النائب عبد الحميد كمال، عضو تكتل ٢٥ ٣٠ عندما طالب رئيس البرلمان بتطبيق المادة ١٠٠ من الدستور، قائلة «فوقوا لنفسكم مش هتمشوا الجلسة على مزاجكم»، وهو ما أيدها فيه عدد من نواب الائتلاف، الأمر الذي أحدث فوضى داخل القاعة، ترتب عليها إيقاف رئيس البرلمان الاجتماع لخمس دقائق، ومطالبته بإخراج الصحفيين وممثلي وسائل الإعلام من القاعة، قبل أن يتراجع عن قراره بعد تدخل النائبين خالد يوسف ومرتضي منصور، حيث وافق على استمرار الصحفيين البرلمانيين، لكنه أصر على خروج كاميرات التليفزيون، التي لم تستطع إلا تسجيل كلمتي رئيسا البرلمان واللجنة التشريعية فقط. بعد استئناف الاجتماع، أعطى عبد العال الكلمة لوزير شؤون مجلس النواب،عمر مروان، والتي بدأها بالتأكيد على اختصاص البرلمان بمناقشة الاتفاقية، قائلًا «نحن أمام عمل برلمانى ورقابة برلمانية على أعمال الحكومة، والرقابة القضائية تختلف تمامًا عن الرقابة البرلمانية المنوط بها مجلس النواب، فلكل دائرة اختصاص»، مستشهدًا بالفقرة الأولى من المادة ١٥١ من الدستور يمثل رئيس الجمهورية الدولة في علاقاتها الخارجية، ويبرم المعاهدات، ويصدق عليها بعد موافقة مجلس النواب، وتكون لها قوة القانون بعد نشرها وفقًا لأحكام الدستور». وطالب مروان النواب بالإنصات إلى أعضاء اللجنة الفنية المعنية بتعيين الحدود لمعرفة الإجابة عن أسئلتهم واستفساراتهم، قائلًا «هذه اللجنة مشكلة من مؤسسات الدولة المشهود لها بالنزاهة والكفاءة وتضم وزارتي الدفاع والداخلية وممثلين عن القضاة، لإبرام هذه الاتفاقية مع دولة عربية شقيقة لها مكانة خاصة لدى المصريين». ومن جانبه، قال النائب إيهاب الخولي، أمين سر لجنة الشؤون الدستورية والتشريعية، إن اللجنة ستعاود الانعقاد في تمام الحادية عشر من صباح غدًا الإثنين، لتستمع إلى مجموعة أخرى من الخبراء للإجابة على كافة التساؤلات المرتبطة باتفاقية ترسيم الحدود، وتبعية جزيرتي تيران وصنافير، مضيفًا لـ«مدى مصر» أن اجتماع الغد سيُسمح خلاله بحضور أعضاء البرلمان من خارج اللجنة التشريعية، ولكن اجتماع الثلاثاء سيتم قصر حضوره على أعضاء اللجنة فقط، حيث سيتداول خلاله أعضاء اللجنة قرارهم النهائي تجاه الاتفاقية، ويعدوا تقريرهم بشأنها للعرض على الجلسة العامة. حضر الاجتماع أيضًا سامح شكري، وزير الخارجية، وعدد من لواءات القوات المسلحة، إلى جانب الدكتور صلاح فوزي، أستاذ القانون الدستوري وعضو لجنة الخبراء العشرة لكتابة دستور ٢٠١٤، والدكتور عاصم الدسوقي، أستاذ التاريخ الحديث، وقد أكدوا جميعا على سعودية الجزيرتين. قال وزير الخارجية في كلمته إن سعودية جزيرتي تيران وصنافير محسومة بقرار من الرئيس مبارك في يناير من عام ١٩٩٠، مضيفًا أن اتفاقية ترسيم الحدود بين مصر والسعودية، تم توقيعها بعد ١١ جولة من التفاوض بين مصر والسعودية، مشيرًا إلى أن لجنة التفاوض استندت إلى خطاب صادر عن عصمت عبدالمجيد، وزير الخارجية الأسبق، في ٣ مارس ١٩٩٠ لنظيره السعودي، بشأن موافقة مجلس الوزراء على إعادة تيران وصنافير للسعودية، بناء على دراسة أعدها عبدالمجيد، ومفيد شهاب، وزير الشؤون القانونية والمجالس النيابية اﻷسبق، قائلًا «العملية الفنية للحدود البحرية بين مصر والسعودية يمثل إجراء كاشف للوضعية القانونية للقرار رقم ٢٧ الصادر من الرئيس مبارك في عام ١٩٩٠». واختتم وزير الخارجية كلمته بإخبار النواب بتوصل الخارجية المصرية إلى اتفاق مع نظيرتها الإسرائيلية، بموجبه تحل السعودية محل مصر في اتفاقية كامب ديفيد فيما يتعلق بالجزيرتين. وفي كلمته خلال الاجتماع، أكد العميد شريف العسال، رئيس شعبة المساحة البحرية بالقوات البحرية، أن «المفاوضات مع السعودية بدأت في يناير ٢٠١٠ وليس كما أشيع في مواقع التواصل الاجتماعي أنها بدأت قبل ثلاثة أشهر قبل توقيع الاتفاقية»، مضيفًا أن المفاوضات استمرت ٦ سنوات على مدار ١١ جولة تفاوض، وآخر جولة كانت في مارس ٢٠١٦ قبل توقيع الاتفاقية بشهر واحد. ودلل العسال على سعودية الجزيرتين بقربهما للسعودية بمسافة ٨٠٠ متر وبعدهما عن مصر مسافة ٤٥٠٠ متر، إلا أنه عاد وقال إن المسافة والقرب لا تحسم السيادة. «نكسة ١١ يونيو»، هكذا وصف النائب هيثم الحريري عضو تكتل ٢٥ ٣٠ اجتماع اللجنة التشريعية، مضيفًا لـ«مدى مصر» أنه لم يكن يتوقع أن تتحد السلطتين التشريعية والتنفيذية إلى هذا الحد للتفريط في الأرض. وتابع الحريري «لم تكن مناقشات موضوعية وإنما هراء وتواطؤ فج لتمرير الاتفاقية بدون أدني منطق»، موضحًا أن الحكومة جاءت للبرلمان بخبراء للتأكيد على سعودية الجزيرتين، دون إتاحة المجال للخبراء الآخرين الذين يدللون على مصرية الجزيرتين بوثائق وخرائط تسبق تأسيس السعودية، وكأننا داخل مجلس النواب السعودي وليس المصري»، موضحًا «سألت رئيس البرلمان هل واجبنا هو إثبات سعودية الجزيرتين أم إثبات مصريتهم؟ فرد بمنح الكلمة للنائب مصطفي بكري ليتحدث خلال ما يقرب من ساعة عن سعودية الجزيرتين، والتأكيد على كلامه بالإشارة إلى مستندات أثبت القضاء عدم صحتها»، مضيفًا «البرلمان سيمرر الاتفاقية خلال أقل من أسبوع، وسيذكر التاريخ دور الدكتور علي عبد العال في التفريط في جزيرتي تيران وصنافير للسعودية». وستعاود اللجنة الانعقاد صباح غدًا الإثنين لاستكمال المناقشة، تمهيدًا لإعداد تقرير بالرأي القانوني لها في طريقة إقرار الاتفاقية، وما إذا كان إقرار البرلمان يتطلب استفتاء الشعب عليها، أم موافقة البرلمان فقط، أم أنها تندرج ضمن الاتفاقيات التي يحظر إبرامها لتضمنها مخالفة للدستور أو تخلي عن جزء من إقليم الدولة، حسبما تنص المادة ١٥١ من الدستور.
من اﻷرشيف تيران وصنافير عن الدولة والأرض والسلطة القائمة عليهما طارق عبد العال ٩ يناير ٢٠١٧ لما كان الفقه الدستوري قد اتفق على أن الدولة تتكون من عناصر ثلاثة، هي إقليم وشعب وسيادة أو سلطة تمارس مهام الحكم فوق إقليم الدولة بالنيابة عن الشعب، ولما كان أهم ما يميز السلطة التي تمارس الحكم وتدير شؤون أي بلد من البلاد هو حرصها على حماية حدود الدولة، وممارسة مهام السيادة الوطنية فوق هذا الإقليم، فلم يرد بالتاريخ المعاصر ما يمثل شبيهًا بما يحدث الآن بخصوص قضية الجزيرتين المصريتين تيران وصنافير، من التخلي طواعية عن جزء من أرض الدولة تحت مسمى «إعادة ترسيم الحدود». وللتذكير، ففي عام ١٩٨٢ خاضت القوات البريطانية حربًا لمدة عشرة أسابيع ضد قوات دولة الأرجنتين التي حاولت احتلال جزر فوكلاند وممارسة سيادتها عليها تحت زعم تبعيتها لها، ورغم بعد المسافة بين حدود بريطانيا وتلك الجزر، والمقدَّرة بحوالي بثمانية آلاف ميل بحري، ولكن بريطانيا خاضت الحرب دفاعًا عن سيادتها وملكيتها لها. ولكن السلطة المصرية عقدت اتفاقًا بين المملكة العربية السعودية وبين جمهورية مصر العربية بمقتضاه تكون جزيرتا تيران وصنافير ضمن حدود السعودية، رغم البعد التاريخي والوثائقي العميق والذي يؤكد على وقوع هاتين الجزيرتين ضمن حدود الدولة المصرية، وأقل تدليل على ذلك هو ما جاء باتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل، ولم يكن للسعودية أي حضور أو ذكر فيها. ومن القواعد القانونية المستقرة أن البينة على من أدعى، وهو ما يعني أن على الدولة السعودية التدليل بنفسها على خضوع هاتين الجزيرتين لسيادتها، ولكن الأمر يسير عكس المنطق القانوني، حيث أن السلطة المصرية هي من تسعى للتأكيد على تبعية هاتين الجزيرتين للسعودية، وهو ما يثير الدهشة والتعجب. وقد سلكت هيئة قضايا الدولة الممثلة لدفاع الحكومة المصرية كل الطرق أمام محكمة القضاء الإداري، لإثبات تبعية الجزيرتين للسعودية، ولكن حكم محكمة القضاء الإداري، في الدعويين رقمي ٤٣٧٠٩ و ٤٣٨٦٦ لسنة ٧٠ قضائية، جاء ببطلان توقيع ممثل الحكومة على اتفاقية ترسيم الحدود بين مصر والسعودية، الموقعة في أبريل سنة ٢٠١٦، والمتضمنة للتنازل عن الجزيرتين لصالح المملكة العربية السعودية، وقد تطرقت أسباب الحكم إلى ما يؤكد مصرية هاتين الجزيرتين. ثم جاء القرار الأخير للحكومة المصرية، بموافقتها على هذه الاتفاقية وتصديرها لمجلس النواب المصري، قبيل صدور حكم محكمة القضاء الإداري في الطعن المقدم من الحكومة المصرية ضد أفراد الشعب الممثلين في هذه الخصومة القضائية دفاعًا عن مصرية هاتين الجزيرتين. ومنذ صدور حكم القضاء الإداري، سارت الأمور من قِبل السلطة المصرية على نحو غير مفهوم، وبطريقة تبعد كل البعد عن صميم مصلحة الشعب الذي تمثله، فقد اتخذت سبيلًا غير قانوني في الاستشكال على تنفيذ الحكم أمام محكمة الأمور المستعجلة غير المختصة، والأنكى أن يتصدى هذا الفرع من أفرع القضاء للفصل في الدعوى ويقضي بوقف تنفيذ الحكم، بل وأن تسير على نفس النهج المحكمة الاستئنافية، بتأكيدها صحة ما صدر من محكمة أول درجة، مما اضطر محكمة القضاء الإداري للتعليق على ما صدر من محكمة الأمور المستعجلة، بقولها في الإشكال المقدم إليها رقم ٦٦٩٥٩ لسنة ٧٠ قضائية «فإن ما صدر من محكمة الأمور المستعجلة بالقاهرة في القضية رقم ١٨٦٣ لسنة ٢٠١٦ مستعجل القاهرة بجلسة ٢٩ ٩ ٢٠١٦ من وقف تنفيذ للحكم المستشكل فيه لا يعدو أن يكون محض لغو، وهو والعدم سواء، ولا قيمة له، ولا يمثل أدنى عقبة في تنفيذ الحكم المستشكل فيه والاستمرار في تنفيذه، انطلاقًا من اتفاق المحكمة الإدارية العليا ومجلس الدولة عمومًا، المحدد بنفس المادة ١٩٠ من الدستور، من أن مجلس الدولة يختص دون غيره بالفصل في المنازعات الإدارية، ومنازعات التنفيذ المتعلقة بجميع أحكامه». وبالفعل، فقد تخطت الحكومة المصرية كل ذلك، بموافقتها على هذه الاتفاقية التي أرسلتها لاحقًا لمجلس النواب المصري، وكأنها تريد زيادة الأمر تعقيدًا، أو الاعتماد على ما تملكه من زخم يفوق أغلبية البرلمان، من خلال تكتل «دعم مصر» الداعم لكل تصرفاتها. ولكن لماذا لم يوقع رئيس الدولة بذاته على تلك الاتفاقية، إعمالًا لصلاحياته الدستورية الواردة بنص المادة ١٥١ من الدستور المصري الأخير، والقاضية بأن «يمثل رئيس الجمهورية الدولة في علاقاتها الخارجية، ويبرم المعاهدات»، ولماذا جعل رئيس مجلس الوزراء هو من يوقع عليها، وذلك على خلاف ما تواتر عليه العمل في هذا الشأن؟ أعلم أن الدستور المصري الأخير، في مادته ١٤٨، قد منح رئيس الجمهورية سلطة تفويض رئيس مجلس الوزراء لممارسة بعض الصلاحيات، ولكن هذه المادة الدستورية قد انتهت بجملة «على النحو الذي ينظمه القانون». إذن فهناك حدود يجب أن ينظمها القانون لللتفويض في الاختصاصات الرئاسية. وبمطالعة الجريدة الرسمية لم نجد أي قانون صادر بتفويض رئيس مجلس الوزراء بمباشرة هذا الاختصاص. فعلى سبيل المثال، أصدر رئيس الجمهورية بتاريخ ٢٢ ١١ ٢٠١٦ قرارًا جمهوريًا برقم ٧٦ لسنة ٢٠١٦، بتفويض المهندس شريف إسماعيل، رئيس مجلس الوزراء، لمباشرة اختصاصات رئيس الجمهورية المنصوص عليها في قانون الخدمة المدنية، والمتعلقة بالأحكام الخاصة بالتعيين في وظائف المستويين الممتازة والعالية، وكذلك قرار رئيس الجمهورية رقم ٣٨٧ لسنة ٢٠١٥ بتفويض رئيس مجلس الوزراء لممارسة بعض الاختصاصات الخاصة بالتصرف في بعض أملاك الدولة. هذه نقطة أولية في موضوع هذه الاتفاقية، ولكن الأهم منها هو ما يتعلق بالحدود الدستورية في شأن المعاهدات المتعلقة بالتنازل، حتى ولو أُُطلق عليها اسم مختلف، كما هو الحاصل بتسميتها «اتفاقية ترسيم الحدود». وقبل الدخول في هذه المنطقة المثيرة، فهناك تساؤل رئيسي عن توقيت إرسال الحكومة هذه الاتفاقية إلى مجلس النواب، فلماذا لم تنتظر الحكومة حتى صدور حكم من المحكمة الإدارية العليا كما هو متوقع خلال هذا الشهر؟ هل تتعمد السلطة التعكير المستمر للمياه التي لم تكن راكدة، وكيف يكون ذلك وهناك شباب يقضون من أعمارهم خلف القضبان بتهمة التظاهر في يوم الأرض للحفاظ على مصرية هاتين الجزيرتين؟ أم أن السلطة تعمدت خلق احتكاك ما بين السلطة القضائية المنظورة أمامها القضية، والسلطة التشريعية، بإحالتها الاتفاقية إليها قبل أيام من صدور الحكم؟ ومن الناحية الدستورية، فقد جاء نص المادة الأولى من الدستور المصري لسنة ٢٠١٤ ليقضي بأن «جمهورية مصر العربية دولة ذات سيادة، موحدة لا تقبل التجزئة، ولا ينزل عن شئ منها». ومن هنا فإن ما يلي من مواد الدستور يجب أن يسير على هدي هذه المادة ذات الأسبقية في الترتيب، ثم جاءت لتنظم لهذا الأمر المادةُ ١٥١ من ذات الدستور والتي تتكون من ثلاث فقرات. الأولى يمثل رئيس الجمهورية الدولة في علاقاتها الخارجية، ويبرم المعاهدات ويصدّق عليها بعد موافقة مجلس النواب، وتكون لها قوة القانون بعد نشرها وفقًا لأحكام الدستور. وهذه الفقرة تتناول الأصل العام في اختصاص رئيس الدولة بإبرام المعاهدات، وتقف حدود الرئيس عندما يبدأ دور مجلس النواب، سواء كان بالموافقة أو الرفض. الثانية وتجب دعوة الناخبين للاستفتاء على معاهدات الصلح والتحالف وما يتعلق بحقوق السيادة، ولا يتم التصديق عليها إلا بعد إعلان نتيجة الاستفتاء بالموافقة. وهو ما يؤكد على أن هذه النوعية من المعاهدات الواردة بالفقرة الثانية لابد من موافقة الشعب نفسه عليها، بصفته الأصيل وصاحب المصلحة، وليس من خلال ممثليه البرلمانيين. الثالثة وفي جميع الأحوال لا يجوز إبرام أية معاهدة تخالف أحكام الدستور، أو يترتب عليها التنازل عن أي جزء من إقليم الدولة. وهذا رأس الأمر وعموده، إذ أرى أن التوقيع على اتفاقية ترسيم الحدود، بما تضمنته من التنازل عن جزيرتي تيران وصنافير، يخضع لما جاء بهذه الفقرة الثالثة، وذلك لسببين دستوريين؛ أولهما هو المخالفة الصريحة لما جاء بالمادة الأولى من الدستور (لا تقبل التجزئة، ولا ينزل عن شئ منها)، وثانيهما هو ما جاء بذات الفقرة الأخيرة من المادة ١٥١ (أو يترتب عليها التنازل عن أي جزء من إقليم الدولة). وهذه هي خلاصة الموضوع من الناحية الدستورية، وخلاصة حدود السلطة التنفيذية في هذا الأمر، وهو ما يعني بطلان التوقيع على مثل هذه الاتفاقية، بل وعدم جواز حتى عرضها على مجلس النواب أو على الاستفتاء الشعبي. وأرى أن هذه فرصة عظيمة قدمتها الحكومة لأعضاء البرلمان لاستعادة ثقة الشارع السياسي فيه في أمر جلل، وخطر محدق وشيك بمصلحة الشعب بأسره، ورغم تيقني النظري، وفقًا لما سبق بيانه، من خروج هذه الاتفاقية عن صلاحية المناقشة، إلا أنني أرى أنها مناسبة جد عظيمة لأن يخرج أعضاء مجلس النواب من بوتقة السلطة وشرنقتها، وذلك بانحيازهم للصالح العام وصالح الشعب، حتى ولو اقتضى الأمر تقديم استقالتهم الجماعية.
أحزاب ونشطاء يعلنون خطة تحركهم للاحتجاج على مناقشة البرلمان لـ«تيران وصنافير» مصطفى محيي ١١ يونيو ٢٠١٧ نظم عدد من القوى والأحزاب السياسية مؤتمرًا صحفيًا اليوم، الأحد، بمقر حزب الدستور بالدقي لرفض مناقشة البرلمان اتفاقية «تيران وصنافير». شارك في المؤتمر أحزاب الدستور والمصري الديمقراطي الاجتماعي والعيش والحرية والتحالف الشعبي الاشتراكي ومصر القوية وتيار الكرامة وحركتا الاشتراكيون الثوريون و٦ أبريل. ومن الشخصيات العامة، شارك حمدين صباحي وخالد علي، المرشحين الرئاسيين السابقين، والمستشار هشام جنينة والنائب البرلماني السابق محمد أنور السادات، وخالد البلشي، الوكيل السابق لنقابة الصحفيين، وجورج إسحاق، عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان، وعبد الجليل مصطفى والسفير معصوم مرزوق، بالإضافة إلى رؤساء الأحزاب المشاركة في المؤتمر، بالإضافة إلى حضور العشرات من نشطاء الأحزاب والحركات السياسية، فيما غابت القنوات التليفزيونية المصرية عن التغطية. وأعلن خالد البلشي، باسم المشاركين في المؤتمر، إنهم سيبدأون اعتصاما تبادليًا داخل مقرات الأحزاب بداية من الغد، وأن مقر حزب التحالف الشعبي الاشتراكي في القاهرة ومقر «الدستور» في الإسكندرية سيستضيفا الاعتصام غدًا. فيما سيبدأ عدد من الصحفيين اعتصامهم داخل مقر نقابتهم يوم الثلاثاء، بالتزامن مع اعتصام آخر داخل مقر حزب تيار الكرامة في القاهرة. وأضاف البلشي أن هناك دعوة ستوجه قريبًا بـ«مسيرة كُبرى أثناء الجلسة العامة لمجلس النواب التي ستناقش الاتفاقية»، بالإضافة إلى دعوة المواطنين لرفع أعلامًا مصرية تحمل شعار «تيران وصنافير مصرية» من شرفات منازلهم. وقال حمدين صباحي، المرشح الرئاسي السابق، إن «بيع تيران وصنافير مهانة لمصر وقنبلة موقوتة للسعودية لكنها مكسب صافي لإسرائيل ومن وراءها». وأضاف «عندما وقّع النظام على هذه الاتفاقية قبل سنة قلنا إنه فقد شرعيته الأخلاقية. اليوم، عندما يُصر النظام على دهس إرادة الشعب والشباب الذين تظاهروا في الميادين، وتحدى الدستور والقانون واستقلال القضاء وتاريخ مصر وحرمة دماء الشهداء، فإن شرعيته الدستورية والقانونية قد سقطت». وتابع «اعلموا أن اليوم الذي سيُعلن فيه أن البرلمان سيصدق على هذا العار.. هو اليوم الذي ستنزل فيه الحركة الوطنية بكل أحزابها وشرفائها إلى ميدان التحرير دفاعًا عن الأرض». ومن جانبه قال خالد علي «الدولة تعني أرض وشعب وسيادة. لا يوجد في النزاعات ما يسمى بالملكية. والسيادة معناها أن تمارس الدولة كافة الحقوق والسلطات على الأرض باعتبارك حاكم لها». وتساءل علي «أليس رفع العلم المصري على تيران وصنافير مظهر من مظاهر الملكية والسيادة، أليس قتال جنودنا على الجزيرتين والدفاع عنهما مظهر من مظاهر السيادة والملكية. أليس توقيع الاتفاقيات الدولية والإقليمية [التي تخص الجزيرتين] مظهر من مظاهر السيادة والملكية. أليس إصدار قرارات [تخص الجزيرتين] وبناء أقسام شرطة وسجل مدني خاص بهما مظهر من مظاهر الملكية والسيادة». وتابع «أين كانت الحكومة طوال فترة نظر الدعوى في المحكمة! وماذا تفعل الآن غير أنها تترافع في الإعلام». مضيفًا «تيران وصنافير مصرية بحكم القضاء، ولا يملك مجلس النواب تعريضهما لخطر». وختم كلمته قائلًا «من يتنازل عن تيران وصنافير اليوم سيتنازل عن سيناء غدًا.. ولن يكون ذلك إلا على أجسادنا وحريتنا». فيما قال خالد داوود، رئيس حزب الدستور، إن «حملة الاعتقالات على شباب الأحزاب، والتي وصلت نحو ٤٠ شابًا حتى الآن، جاءت في إطار التمهيد لتمرير الاتفاقية بالبرلمان»، وطالب وسائل الإعلام المختلفة بالتركيز على هذه الحملة الأمنية. كانت الشرطة قد بدأت حملة اعتقالات في صفوف أعضاء الأحزاب المدنية خلال شهر مايو الماضي، ووجهت النيابة إلى معظم من أُلقي القبض عليهم اتهامات بـ«إساءة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي لإهانة رئيس الجمهورية ومؤسسات الدولة». ومن جانبه، قال البلشي «لأول مرة، نحن أمام نظام يستبيح الأرض وهذا ليس غريبًا عليه»، مضيفًا أن «تمرير الاتفاقية هو إعلان سقوط شرعية هذا النظام». فيما قال مدحت الزاهد، رئيس حزب التحالف الشعبي الاشتراكي «لا نرفع شارات الحداد، وإنما نطلق شرارة جديدة للمقاومة. ويمكننا أن نختلف على شكل النظام السياسي والاقتصادي، لكن الأرض هي الثابت التاريخي الذي يفصل بين الشرفاء والخونة». وأضاف الزاهد «شهدنا فصولًا مأساوية من تزوير الوثائق والأدلة من قِبل النظام لإثبات سعودية الجزيرتين»، متابعًا «التاريخ والجغرافيا والشهداء هي حقائق تاريخية لا يغيرها القضاء أو البرلمان أو غيره، مع احترامنا للجميع». وقال محمد سامي، رئيس حزب تيار الكرامة، إن الأحزاب والحركات المجتمعة اليوم ستشكل لجنة دائمة للتعامل مع الأمر، مضيفًا أنها «لجنة مفتوحة لكافة القوى الوطنية». وأكد سامي أن تحركات هذه القوى السياسية ستكون في القاهرة والمحافظات وأن «كافة الاختيارات مفتوحة»، مضيفًا «مصر ليست عزبة ولا تخضع لإرادة شخصية. والحركة الوطنية ستستعيد حيويتها». واتهم فريد زهران، رئيس الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي، الرئيس عبد الفتاح السيسي بالمسؤولية عن الأزمة الحالية، قائلًا «أي حديث عن مسؤولية النظام أو الحكومة هو حديث مُجهّل. والرئيس السيسي هو من يتحمل وحده مسؤولية التفريط في التراب الوطني وتهديد الدولة المصرية، بخلق صدام بين القضاء والبرلمان». وأضاف زهران أن هناك ضغوطًا أمنية على نواب البرلمان الرافضين للاتفاقية، متابعًا «أُحيي كل نائب سيقف أمام كل ما يتعرض له من ضغوط وإهانة وأقول لهم أن معركتهم فائزة، وسنعتبر هذه الأرض مُحتلة إذا ما تم تسليم الجزيرتين». ونشر «مدى مصر» تقريرًا أمس بعنوان، «تيران وصنافير الحكومة تستعد للتسليم.. والبرلمان يستعد للمناقشة»، رصد فيه الترتيبات التي تتخذها السلطة السياسية لضمان موافقة البرلمان على تمرير الاتفاقية، بما فيها تعرض بعض النواب للضغوط. وقال محمد أنور السادات، العضو السابق بمجلس النواب، ڤي كلمته بالمؤتمر إنه يتوقع أن يظهر «نواب مستقلون ومحترمون يرفضون الاتفاقية داخل البرلمان». فيما قال المستشار هشام جنينة إن ما حدث «هو التفريط الثاني في التراب الوطني بعد قرية أم الرشراش التي تنازلنا عنها لإسرائيل وأصبحت تحمل اسم إيلات». وتساءل جنينة «ما الذي تستطيع الحكومة تقديمه في البرلمان ولم تقدمه أمام القضاء الإداري، قبل أن يصدر حكمه بمصرية تيران وصنافير». وأعلن السفير السابق معصوم مرزوق خلال كلمته عن دخوله إضرابًا مفتوحًا عن الطعام لحين تراجع السلطات عن تمرير الاتفاقية أو «خروج الشعب المصري لمنع التفريط في الجزيرتين». وقال الناشط السياسي هيثم محمدين كلمة بالنيابة عن من تعرضوا للاعتقال على خلفية مظاهرات الدفاع عن الجزيرتين، جاء فيها إن «أي تواجد سعودي على الجزيرتين سيتم التعامل معه باعتباره احتلال عسكري، وسنخوض معركة تحرير ضده». وبدأت اللجنة التشريعية بمجلس النواب اليوم، مناقشة اتفاقية «تيران وصنافير»، ومن المفترض أن تستمر المناقشة لمدة ثلاثة أيام قبل عرض قرار اللجنة على الجلسة العامة للبرلمان.
تيران وصنافير الحكومة تستعد للتسليم.. والبرلمان يستعد للمناقشة أسمهان سليمان ١٠ يونيو ٢٠١٧ «أسابيع قليلة قد لا تصل إلى شهرين»، هذه هي المدة المتبقية على بدء تسليم جزيرتي تيران وصنافير للسعودية، بحسب تقدير مصدر حكومي مصري، قال لـ «مدى مصر» إن التسليم سيكون نهاية للملف الذي بدأت القاهرة في تحريكه مؤخرًا عبر مجموعة من الترتيبات والإجراءات، وهو التقدير الذي يتماشى مع ما ذكرته مصادر دبلوماسية خارجية عن معلومات تم إبلاغها لقوات حفظ السلام المتواجدة على الحدود المصرية الإسرائيلية عن قرب تسليم الجزر، كما يتوافق مع مشاهدات أخرى تم تداولها في مصر مع اقتراب مجلس النواب من مناقشة اتفاقية إعادة ترسيم الحدود البحرية بين مصر والسعودية، والتي كان من آثارها تخلي مصر للمملكة عن الجزيرتين. وتستعد لجنة الشؤون الدستورية والتشريعية في البرلمان لمناقشة الاتفاقية في ثلاث جلسات، أيام اﻷحد والاثنين والثلاثاء من اﻷسبوع المقبل. وكان رئيس البرلمان علي عبد العال قد أحال الاتفاقية للجنة في العاشر من أبريل الماضي، بعد أربعة أشهر من وصولها للبرلمان من رئيس الوزراء شريف إسماعيل. المصدر الحكومي المصري المطلع على ملف تيران وصنافير، والذي طلب عدم ذكر اسمه، قال إن ترتيبات الحكومة بدأت قبل أسابيع، باجتماعات رفيعة المستوى بين كبار المسؤولين التنفيذيين في الدولة، لتحقيق هدفين، أولهما ضمان تمرير الاتفاقية في البرلمان بأغلبية مريحة، مع غلق الباب أمام محاولات التصعيد السياسي من بعض النواب، سواء بالاستقالة من البرلمان رفضًا للاتفاقية، أو عبر تحركات سياسية أخرى. فيما كان ضمان عدم حدوث أي تحركات سياسية شعبية على اﻷرض في حال مرر البرلمان الاتفاقية، هو الهدف الثاني لهذه الترتيبات. البرلمان.. الخيار اﻷسهل «السادة أعضاء لجنة الشئون الدستورية والتشريعية، يرجى حضور اجتماعات اللجنة المقرر عقدها… على النحو التالى … يوم الأحد ١١ من يونيو… يومى الإثنين والثلاثاء ١٣،١٢ من يونيو ٢٠١٧… وذلك لنظر طريقة إقرار اتفاقية تعيين الحدود البحرية بين جمهورية مصر العربية والمملكة العربية السعودية». كانت هذه هي الرسالة التي نشرها النائب هيثم الحريري، والتي حملت توقيع رئيس اللجنة، بهاء أبو شقة. أتت تلك الدعوة بعد اجتماعات عقدتها الحكومة مع أعضاء في البرلمان خلال اﻷيام الماضية، بحضور وزير الشؤون القانونية والمجالس النيابية اﻷسبق مفيد شهاب، لتوضيح وجهة نظر الحكومة المؤيدة لسعودية الجزيرتين. وبحسب المصدر الحكومي الذي تحدث لـ «مدى مصر»، فقد شهدت الاجتماعات التي حضرها رئيس الوزراء، ورئيس البرلمان، ومسؤولون حكوميون وممثلي التحالفات البرلمانية الداعمة للدولة قلقًا واضحًا من قبل البرلمانيين من تمرير الاتفاقية، دفع بعضهم لرفض التصويت عليها بالاسم بشكل قطعي، ما رد عليه رئيس البرلمان بوعد أنه سيعمل على تفادي التصويت بالاسم. كان النائب أحمد طنطاوي، عضو ائتلاف ٢٥ ٣٠ قد أشار اﻷسبوع الماضي إلى قرار الهيئة الوطنية للإعلام، نهاية الشهر الماضي، بوقف قناة صوت الشعب التي تبث جلسات البرلمان، بدعوى تحقيقها خسائر مالية، وربط بينه وبين قرب مناقشة اتفاقية إعادة ترسيم الحدود البحرية، وذلك في سياق حديثه عن أزمة حجب عدد من المواقع الإخبارية، والتي اعتبر أيضًا أنها خطوة قد يكون لها علاقة بمناقشة الاتفاقية، ومحاولة تقليل الأصوات الإعلامية المناهضة لتنازل مصر عن الجزيرتين. وتزامنًا مع قيام عدد من الصحف المصرية خلال اﻷيام الماضية بنشر تقارير صحفية تحوي ما وصفوه بوثائق تدعم سعودية الجزيرتين، قام مجلس الوزراء بنشر تقرير أعده مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار، بعنوان «أبرز التساؤلات ونقاط التحفظ حول اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين مصر والسعودية»، وهو التقرير الذي حوى دفاعًا عن قرار توقيع الاتفاقية، ومحاولات حثيثة لإثبات أحقية السعودية في جزيرتي تيران وصنافير. من جانبه، قال مصدر برلماني لـ «مدى مصر» إن الحكومة ترغب في تمرير الاتفاقية بأغلبية كبيرة، لم يستبعد المصدر الوصول لها في ظل «ضغوط وتهديدات أمنية كبيرة تمارس حاليًا على برلمانيين كانوا عازمين على رفض التصويت لصالح الاتفاقية؛ لإجبارهم على دعمها»، حسبما قال، مضيفًا إلى ذلك التزام عدد كبير من النواب «بالأجندة الرسمية للسلطة التنفيذية»، فضلًا عن آلية التصويت، الذي لا يتم إلكترونيًا ولكن عبر رفع الأيدي «بصورة عشوائية للغاية». فيما قال المصدر الحكومي إنه خلال أحد الاجتماعات الحكومية – البرلمانية اﻷخيرة، اعتبر رئيس الوزراء أن تخلي البرلمان عن الدولة في هذا التوقيت الصعب هو أمر «لا يمكن قبوله»، دون توضيح للمعنى المقصود من هذه الجملة. وأضاف المصدر أن أحد تلك الاجتماعات شهد أيضًا اقتراح نائب برلماني أن تعلن الدولة عن حزمة المساعدات السعودية السخية التي وعدت بها مصر، قائلًا «ما السعودية هتبسطنا، فنقول للناس علشان ينبسطوا». ورغم ذلك، لم يستبعد المصدر البرلماني أن يعلن عدد من النواب رفضهم للاتفاقية، تفاديًا للعواقب القانونية التي قد تكون مزعجة على المدى الطويل. وسبق ﻷعضاء في هيئة الدفاع عن مصرية تيران وصنافير أن تحدثوا عن أنهم سيلاحقون قانونيًا كل من وقّع أو روّج للاتفاقية، بما في ذلك رئيس الجمهورية. كان المحامي خالد علي، أحد أعضاء الفريق الذي قبلت محكمة القضاء الإداري دعواه ضد توقيع الاتفاقية، وآخرين، قد أقاموا في وقت سابق طعونًا تطالب بوقف وإلغاء قرار إحالة الاتفاقية لمجلس النواب، وهي الدعاوى التي حجزتها هيئة مفوضي الدولة بمحكمة القضاء الإداري، يوم الخميس الماضي، لكتابة التقرير بالرأي القانوني فيها. كما أقام علي دعوى قضائية أمام محكمة القضاء الإداري، لإلزام رئيس الجمهورية بحل مجلس النواب وفقًا للمادة ١٣٧ من الدستور ووقف جلساته، لتمثيله خطرًا على الأمن القومي وسلامة أراضي البلاد، بعدما أحال اتفاقية تعيين الحدود البحرية للجنة التشريعية تمهيدًا لمناقشتها. كانت تقارير إعلامية قد تحدثت عن حالة من الارتباك بين نواب البرلمان بسبب مناقشة الاتفاقية، وتأثيرها على شعبيتهم من جهة، وعلاقتهم بالنظام من جهة أخرى، ما قد يدفع بعضهم للغياب عن جلسات مناقشة الاتفاقية. فيما قال محمد أبو الغار، مؤسس الحزب المصري الاشتراكي الديمقراطي، ورئيسه اﻷسبق، عبر صفحته على فيسبوك إن وفدًا برلمانيًا من النواب الذين سبق وأعلنوا رفضهم للاتفاقية سيسافر إلى واشنطن اليوم السبت، حتى لا يكون رفضهم للاتفاقية مشجعًا لغيرهم من النواب، وهو ما وصفه بالحل الأمني اللطيف. وسافر فجر اليوم إلى العاصمة اﻷمريكية بالفعل وفد برلماني برئاسة رئيس لجنة العلاقات الخارجية أحمد سعيد، ومعه رئيس لجنة الشؤون العربية سعد الجمال، ورئيس لجنة التعليم جمال شيحة، ورئيس لجنة الإدارة المحلية أحمد السجينى، ووكيلا لجنة العلاقات الخارجية طارق رضوان وكريم درويش، وأمين سرها طارق الخولي، وعضو لجنة الشؤون الاقتصادية بسنت فهمى، واﻷعضاء آمنة نصير، وداليا يوسف، وسوزي رفلة، وعماد جاد والذي هاجم الحكومة أكثر من مرة بسبب الاتفاقية، كما سبق وتوقع استقالة ٤٠ إلى ٥٠ نائبًا في حال مرر البرلمان الاتفاقية. كان تكتل ٢٥ ٣٠ قد أصدر أمس اﻷول بيانًا رافضًا لمناقشة الاتفاقية في البرلمان، «ليس لأن الأرض المصرية لا يجوز النقاش في التنازل عن جزء منها وحسب، ولكن أيضًا احترامًا لدولة القانون، ولمبدأ الفصل بين السلطات، واحترامًا لحجية أحكام القضاء الذي فصل في هذه الإتفاقية وحكم بإلغائها واعتبارها والعدم سواء، ولا يمكن التعلل بأن هذا الحكم قد صدر من قضاء غير مختص إلا إذا قضت المحكمة الدستورية العليا بذلك، وفي هذه الحالة نقبل أن نناقش الاتفاقية مع تمسكنا بما جاء بحيثيات الحكم من أسانيد تثبت مصرية الجزيرتين». قبل أن يصدر ائتلاف دعم مصر بيانًا أمس الجمعة قال فيه إن «حالة الاستقطاب والتخوين السائدة من بعض النواب ضد الاتفاقية، ومحاولة احتكار الوطنية وتوزيع صكوك وشهادات الدفاع عن الأرض المصرية وسياسة فرض الرأي بالصوت العالي، أمر غير مقبول ولن يرضى به الائتلاف ولا نوابه، كما لن يرضى الائتلاف بممارسة الضغوط على النواب وترهيبهم بالشعارات التي لا تعبر عن حقائق الأمور»، مؤكدًا أن هذه الاتفاقية شأنها شأن أي اتفاقية أخرى سينظرها المجلس وفقا لأحكام اللائحة الداخلية، وسيناقشها في حضور الخبراء والمتخصصين وسنكون حريصين على سؤال جميع الأسئلة اللازمة لتوضيح الصورة لاتخاذ القرار السليم، وأعلن الائتلاف في بيانه أنه «يثق في المؤسسات التي قامت بالتفاوض والصياغة لسنوات طويلة»، مشيرًا إلى أن المسائل السياسية «تقدرها مؤسسات الدولة السياسية طبقا لما يتوافر لها من معلومات ومستندات والتي قد لا تتوافر أمام الجميع، ولهذا السبب توجد مؤسسات منتخبة دورها اتخاذ القرار وتحمل المسئولية السياسية». في الوقت نفسه توقع المصدر الحكومي الذي تحدث مع «مدى مصر» أنه في حال تأكدت السلطة التنفيذية من إمكانية تمرير الاتفاقية من قبل البرلمان سيتم اتخاذ قرار بمد حالة الطوارئ لثلاثة أشهر إضافية، لتفادي اندلاع أية مظاهرات غاضبة ضد تسليم الجزيرتين، وتحدث كذلك عن خطة أمنية شديدة تم إقرارها تحسبًا ﻷي رد فعل من الشارع «الأمر جاري النظر فيه من الجانب الأمني لتقدير دقيق حول ردة الفعل المحتملة شعبيًا ومدى محدوديتها أو اتساعها». وأعلن الرئيس عبد الفتاح السيسي حالة الطوارئ في البلاد لمدة ثلاثة أشهر، بدأت في العاشر من أبريل الماضي، وذلك في أعقاب تفجير كنيستي مار جرجس والمرقسية في طنطا والإسكندرية، ما يعني انتهائها في العاشر من يوليو المقبل. كانت قوى سياسية قد أعلنت خلال اليومين الماضيين تصديها بكافة السبل السياسية السلمية والدستورية لمناقشة مجلس النواب لاتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع المملكة العربية السعودية، «بكل ما تمثله الاتفاقية من عدوان على الدستور والقانون وإهدار لأحكام القضاء وتغول غير مسبوق لإرادة السلطة وأجهزتها على كافة المؤسسات، محملين البرلمان ومعه السلطة التنفيذية ممثلة في رئاسة الجمهورية والحكومة المسؤولية الكاملة عن الإصرار على استكمال خطوات هذه الجريمة في حق الوطن والشعب، ودعت كافة القوى والنقابات والهيئات والمنظمات وجماهير الشعب، للقيام بكل ما تستطيعه للتصدي لمحاولات تمريره». كانت الإعلان عن توقيع اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين مصر والسعودية في أبريل ٢٠١٦ قد تبعه موجة من التظاهرات المعترضة على ما تضمنته الاتفاقية من تنازل مصر عن جزيرتي تيران وصنافير، وهي التظاهرات التي شهدت القبض على كثيرين أثناء فضها، وتلاها حملات توقيف واسعة. من جانبه، اعتبر المصدر الحكومي أن البرلمان أصبح «الخيار الوحيد» أمام السلطة التنفيذية حاليًا، وإن كان مساره ليس معبدًا كلية، بالنظر إلى أن «حتى النواب المنتمين للتكتلات الداعمة لكل ما تطرحه الدولة يشعرون بقلق شديد تجاه هذا الملف الشائك، نظرًا لتعرضه لمسألة شديدة الحساسية لدى المصريين وهي اﻷرض». وينتظر حاليًا أن تفصل المحكمة الدستورية العليا في قضية تنازع الاختصاص التي أقامتها هيئة قضايا الدولة لتحديد الجهة القضائية المختصة بنظر قضية اتفاقية ترسيم الحدود البحرية، التي أبطلت محكمة القضاء الإداري توقيع ممثل الحكومة عليها، وهو الحكم الذي أيدته المحكمة الإدارية العليا، بحكم نهائي وبات، معتبرة أن الاتفاقية هي والعدم سواء، قبل أن تقضي محكمة ااﻷمور المستعجلة بإسقاط هذا الحكم واستمرار تنفيذ الاتفاقية. ويبدأ البرلمان في مناقشة الاتفاقية غدًا، دون انتظار فصل المحكمة الدستورية، وذلك رغم تصريحات عفيفي كامل، عضو اللجنة التشريعية بمجلس النواب وعضو ائتلاف «دعم مصر» الموالي للدولة، لـ «مدى مصر» في وقت سابق أن «البرلمان لن يناقش الاتفاقية قبل صدور حكم المحكمة الدستورية العليا»، وتأكيده أن «الأعراف البرلمانية تمنع تصدي البرلمان لأي قضية معروضة على القضاء، وكلمة المحكمة الدستورية العليا هنا ستكون الحكم الفصل لأنها أعلى سلطة قضائية في البلاد». مبارك ورجاله في الصورة بحسب المصدر الحكومي المصري، فقد التقى وزراء ومسؤولون كبار في الدولة خلال اﻷسابيع الماضية، ضمن ترتيبات النظام لتمرير الاتفاقية، مع مسؤولين سابقين كان من بينهم الرئيس اﻷسبق حسني مبارك، والذي قال لمن التقاهم إن قراره في عام ١٩٩٠ بتحديد نقاط اﻷساس المصرية والمناطق البحرية الخاضعة للولاية والسيادة المصرية، كان بطلب سعودي نقله إليه وزير الخارجية آنذاك عصمت عبد المجيد، وأن من قام بصياغة القرار في ذلك الوقت هو الوزير السابق مفيد شهاب، والذي أقنع مبارك، حسبما ينقل عنه المصدر، أن هذه الصياغة تقر فعليًا بحقيقة تواجد سابق قديم للسعودية في الجزيرتين، لكنها لا تنقل لها السيادة عليهما. كما اشتملت لقاءات المسؤولين الحاليين على لقاء مع وزير خارجية أسبق، والذي أبلغهم أنه كان قد أبلغ سعود الفيصل، وزير الخارجية السعودي السابق، أن مسألة تيران وصنافير يجب أن تترك ولا يتم إثارتها، نظرًا لكون قرار مبارك السابق ذكره لا يمنح السعودية حق السيادة على الجزيرتين. وبحسب ما قال، فقد نصح الوزير اﻷسبق من التقاه من المسؤولين الحاليين بالتعامل مع الإصرار السعودي على تسليم الجزيرتين عبر اللجوء للتعهد الرئاسي السابق على توقيع الاتفاقية، بتشكيل لجنة مشتركة تبحث التفاصيل القانونية والتاريخية، على أن يكون عملها علنيًا ومفتوحًا، غير أن رأيه تم إغفاله، وهو نفس ما حدث مع ما قاله الرئيس اﻷسبق حسني مبارك. وبحسب المصدر الحكومي، فإن هناك قطاع لا يستهان به داخل أجهزة الدولة المصرية نصح مؤسسة الرئاسة أن تسعى بقوة لحمل السعودية على قبول تأجيل التحرك في مسألة تسليم الجزيرتين لمدة عام إضافي، على اﻷقل حتى لا تسوء علاقة السلطة التنفيذية بالشارع في عام شهد بالفعل قرارات اقتصادية قاسية، فضلًا عن كونه يسبق انتخابات الرئاسة المقبلة بعام واحد. على أن يتم الاتفاق مع الجانب السعودي على تشكيل لجنة قانونية يكون دورها النظر في في تفاصيل تنفيذ الاتفاقية ومقتضياتها، وهو اﻷمر الذي لم ترحب به السعودية، رغم وساطات عربية كبيرة. وهنا، يقول المصدر «سأندهش كثيرا إن غيرت السعودية موقفها في هذا الشأن، خاصة مع الأخذ في الاعتبار تصريحات محمد بن سلمان حول سعودية الجزر في مايو الماضي، والتي أدلى بها في أعقاب زيارة الرئيس السيسي للسعودية، والتي أعلم أنه أبلغ فيها المسؤولين السعوديين أنه اتخذ قرار إحالة الاتفاقية للبرلمان تمهيدًا لإقراراها، رغم حكم القضاء الإداري الرافض لتسليم الجزيرتين بوصفهما مصريتين بصورة مقطوع بها». تحركات خارجية ومؤشرات للتسليم السعودية تتوقع «الانتهاء من اﻷمر قريبًا»، كان هذا رأي مصدرين دبلوماسيين أوروبيين، التقيا مؤخرًا مع دبلوماسيين سعوديين، في المملكة وخارجها، وتحدثا مع «مدى مصر» طالبين عدم ذكر اسميهما. بحسب أحد المصدرين اﻷوروبيين فإن مسؤولًا سعوديًا رفيعًا قال إن عدم تسليم الجزر سيكون له تبعات لا يستهان بها أبدًا على مسار العلاقات الثنائية بين البلدين، في حين سيفتح التسليم الباب واسعًا أمام دعم اقتصادي وتعاون كبير بين البلدين، يشمل بالتأكيد زيادة واضحة في السياحة السعودية لمصر، وتوسع سعودي في قبول العمالة المصرية. على جانب آخر تحدث مصدر دبلوماسي أجنبي لـ «مدى مصر» عن مخاطبات تم تبادلها بين تل أبيب والرياض، بإرسال مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي خطابًا رسميًا لمكتب ولي ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، يفيد بأن إسرائيل «أحيطت علمًا وتتفهم» الترتيبات الجارية بين مصر والسعودية، والخاصة بنقل السيادة على تيران وصنافير، ورد الرياض بخطاب شكر قصير، لم يحدد المصدر هوية موقعه. كما ذكر المصدر أنه في وقت لاحق لهذا الخطاب، شهدت العاصمة الفرنسية والعاصمة اﻷمريكية لقاءات سعودية إسرائيلية للنقاش حول اﻷمر نفسه. في حين تجري السعودية حاليًا، بحسب المصدر، مفاوضات غير معلنه مع القوات متعددة الجنسيات، حول الترتيبات المحتملة والمنتظرة بعد تسليم الجزيرتين، وذلك رغم الرفض السعودي الحاسم لتوقيع اتفاق تفاهم مع القوات متعددة الجنسيات حول النقطة الموجودة على جزيرة تيران. في الوقت ذاته، وبحسب المصدر الدبلوماسي نفسه، تجري حاليًا تفاهمات مصرية إسرائيلية بتعاون أمريكي، على أن تقوم القوات متعددة الجنسيات بسحب جنودها الموجودين في تيران كلهم أمريكيين إلى نقطة في جنوب سيناء، على أن تتم مراقبة نقطة تيران بواسطة أجهزة إلكترونية أمنية تمد الولايات المتحدة مصر بها، وهو مشابه بشكل ما مع نقل القوات متعددة الجنسيات جنودها من شمال سيناء إلى جنوبها، خوفًا من الوضع اﻷمني، دون غلق نقطة الجنوب، والالتزام بالمراقبة الإلكترونية لها. مصدر دبلوماسي آخر، من دولة تساهم بجنود في قوات حفظ السلام الموجودة على الحدود بين مصر وإسرائيل، قال إن قيادة القوات أبلغت الدولة المشاركة فيها بتسليم محتم قريبًا للجزر، وأن مصر والسعودية أبلغا القيادة أنه سيكون من الممكن بقاء القوات في نقطة تيران لمراقبة المضيق، أو الانتقال لاحقًا لسفينة ترفع العلم الإيطالي، مع احتمال الانتقال لاحقًا لجنوب سيناء. فيما رأى المصدر الحكومي المصري إن إجراءات من نوعية تبادل الخطابات بين الرياض وتل أبيب، والتفاهمات مع القوات متعددة الجنسيات، يمكن أن تسهم في حلحلة اﻷمر على اﻷرض، لكنه اعتبر أن التبعات السياسية لتسليم الجزيرتين تبقى بالغة التعقيد. وذكر المصدر على سبيل المثال أن الخطابات والإجراءات المذكورة لا تنفي عن مصر مسؤوليتها بضمان عدم تعرض إسرائيل لأي أذى من الجزيرتين، ضمن باقي المناطق المقررة في اتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية. وتعد النقطة اﻷخيرة إحدى النقاط التي ينتظر نواب البرلمان إثارتها في اجتماعات مناقشة الاتفاقية، والتي قال المصدر البرلماني إنه بخلاف السؤال عن عدم الاعتداد بحكم المحكمة الإدارية العليا ببطلان الاتفاقية، سيكون أهمها هل ستكون مصر أم السعودية المخولة بالالتزامات الأمنية الخاصة بالجزيرتين والمضايق في ضوء عدم توقيع السعودية اتفاقات مع إسرائيل؟، وكذلك السؤال عن مصير المصريين العاملين في السياحة في الجزيرتين، وإن كانوا سيحتاجون لإذن عمل وكفيل لهم في حال بقوا في أماكنهم. كان المصدر الحكومي قد تحدث عن ما وصفه بعلامات نقل السيادة، التي بدأت بالفعل منذ أسابيع، والتي كان أولها تنسيق السلطات المصرية مع السلطات السعودية قبل استخراج تصاريح الغوص، والتي قال إنها كانت محدودة جدًا، كما قال إن اثنتين من شبكات التليفون المحمول المصرية أصبح التقاطهما في الجزيرتين معتمدًا على خدمة التجوال، التي تقدم لمن هو خارج حدود الدولة. ورغم عدم حسم أيٍ من المصادر الحكومية أو البرلمانية أو السياسية للمدة التي سينهي فيها البرلمان مناقشة الاتفاقية، إلا أن معظمهم اتفق أنها ستكون قبل بدء عطلة عيد الفطر المقبل.
عبد العظيم حماد ٩ يونيو ٢٠١٧ المقصود في العنوان طبعًا هو الإعلام الموضوعي، أي الإخبار بما حدث أو يحدث، كما حدث ويحدث، التزامًا بحق الرأي العام في المعرفة، دون قيد أو شرط، إلا فيما يتعلق بأسرار الأمن القومي. أما الدعاية والإعلام التعبوي، فإن دولة الضباط في مصر، منذ نشأتها، تعشقهما، وتنفق عليهما ببذخ، وتقودهما بنفسها على كل المستويات، وصولًا إلى رئيس الدولة ذاته. الدليل الأبرز والمستمر على التوجس الدائم لدولة الضباط المصرية من الإعلام، هو تعثر صدور قانون «حرية تداول المعلومات» في العصور الأربعة لهذه الدولة، من عصر جمال عبد الناصر إلى عصر عبد الفتاح السيسي، مرورًا بعصري أنور السادات وحسني مبارك، ثم دأب السلطة على مصادرة المنابر الإعلامية المستقلة أو إغلاقها أو اضطهادها، منذ إغلاق عشرات الصحف بعد ٢٣ يوليو ١٩٥٢، ثم إضعاف ما تبقى منها، وتأميمه في بداية ستينيات القرن الماضي، وحتى المصادرة بأحكام قضائية يومية في عصر السادات، فالمصادرة الإدارية في عصر حسني مبارك وفي العصر الحالي، وصولًا إلى ما حدث أخيًرا من حجب المواقع الصحفية الالكترونية المستقلة، وبالطبع قبل ذلك وبعده اختيار قيادات صحفية وإعلامية كل مؤهلاتها هي السمع والطاعة، والتنافس في استرضاء النظام، وتبرير مساوئه، وتسويق مغالطاته. كل هذا معروف جيدًا في الداخل والخارج، لذا أقدم في هذه السطور أمثلة تطبيقية على تحول هذا التوجس الفطري لدولة الضباط من الإعلام إلى سلوك غريزي، أو إلى وسواس قهري، بما يشير إليه ذلك من ممارسات مضحكة ومحزنة في آن واحد، بما أنها لا تخضع لأي منطق، ولو حتى منطق مصلحة هذه السلطة ذاتها، وبعضها ينطبق عليه المثل القائل «شر البلية ما يضحك». هذه الأمثلة «أقصها كما وقعت، وفي المكان أو الأماكن التي وقعت فيها» على حد تعبير عميد الأدب العربي طه حسين في تقديمه لروايته الشهيرة «أديب»، وهي كلها مما كنت طرفًا فيه، أو شاهد عيان عليه في تجربتي الصحفية. أول قصة تتابعت فصولها طوال المحادثات المصرية الإسرائيلية حول أزمة طابا، حتى صدور قرار هيئة التحكيم الدولية بأحقية مصر في السيادة عليها، وقد جرت هذه المحادثات في عدة جولات، وتنقلت بين عدة مدن عالمية. وفي كل جولة، بل وأحيانًا في كل جلسة، كنت أفاجأ أثناء عملي في صالة تحرير جريدة «الأهرام» بوكالات الأنباء العالمية تبث تقارير عن مجريات أو نتائج الجلسة، منسوبة إلى الوفد الإسرائيلي، أو إلى مصدر في السفارة الاسرائيلية في الدولة التي انعقدت فيها هذه الجلسة أو تلك من المحادثات. عبثًا كنا نحاول الحصول على «الرواية المصرية» من وزارة الخارجية في القاهرة، أو من سفارة مصر في الدولة المعنية، وكان أفضل ما نصل إليه من نتائج هو أن يقبل مسؤول أن يتلقى اتصالنا، ليجيبنا بأنه ليس مفوضًا بالتحدث للصحف، أو أنه لا يملك أية معلومات، فنضطر آسفين في نهاية المطاف إلى نشر الخبر كما ورد من مصدره الإسرائيلي، علمًا بأنه لم تكن هناك مبررات لهذا الصمت المصري، إذ كانت المصادر الإسرائيلية تورد معلومات تسجيلية، كموعد بدء وانتهاء الجلسة الحالية، وموعد ومكان الجلسة التالية، ونادرًا ما كانت المعلومات تتضمن نقاط الاختلاف والاتفاق، وإذا تضمنتها فهي ليست مما يسئ للموقف المصري، إن لم تكن في مصلحته. ولكنه الوسواس النابع من تقليد احتكارالسلطة للمعلومات، والتخوف من الحديث دون إذن صريح من المسؤول الأعلى، وعدم الاكتراث بحق الرأي العام المصري في معرفة ما يجرى، على عكس التزام المؤسسة السياسية الإسرائيلية بإطلاع الرأي العام هناك على التطورات أولًا بأول. هذا التعتيم الذي لم يكن له أي مبرر، كما رأينا، كاد يؤدي إلى كارثة «مهنية» تسيء للصحافة وللدولة المصرية، لولا مجهود فردي لأحد الزملاء، وهو الأستاذ محمد عبد الهادي علام رئيس تحرير «الأهرام» حتى أيام قليلة مضت، وكان وقتها يعمل مندوبًا للطبعة الدولية للأهرام في وزارة الخارجية المصرية، فقد فوجئت جميع الصحف، وكذلك الإذاعة والتلفزيون المصريين، ووكالة أنباء الشرق الأوسط المصرية، ذات يوم (بعد الظهر) بصدور قرار هيئة التحكيم الدولية لمصلحة مصر. لم يكن أحد منا يعلم أن هذا هو اليوم المحدد لصدور الحكم، ولم يكن هناك اتصال بين «الإعلام المصري» والوفد المصري أو السفارة المصرية في دولة المقر لهيئة التحكيم، ولم يكن أحد من كبار الدبلوماسيين المصريين المسؤولين عن ملف طابا متواجدًا في مقر وزارة الخارجية بالقاهرة، بحيث يمكن الحصول على التغطية المناسبة لهذا الحدث الكبير، وذلك إذا تغاضينا عن التقصير المشين المتمثل في عدم إبلاغ الصحف ووسائل الإعلام المصرية مسبقًا بموعد جلسة النطق بقرار التحكيم. هنا تقدم محمد عبد الهادي علام بملف أرشيفي كان يعكف على إعداده بينه وبين نفسه منذ أن بدأ الخلاف بين مصر وإسرائيل حول طابا، حتى يوم صدور قرار التحكيم، وبفضل هذا الملف تمكنت الأهرام من الصدور في اليوم التالي بتغطية مناسبة، وإن لم تكن كافية للحدث، في حين لم تجد الصحف الأخرى، ومحطات الإذاعة والتلفزيون في ذلك اليوم ما تقدمه، سوى ما يرد من وكالات الأنباء العالمية، لتنتظر مرور يوم إضافي أو يومين لإعداد التغطية الموسعة. القصة الثانية هي قصة البطل الشهيد سيد زكريا الملقب بـ«أسد سيناء»، وقد بدأت وقائعها على يدي كمسؤول عن الطبعة الأولى للأهرام، ففي ذلك اليوم، وبعد أن اكتمل إعداد الطبعة وأوشكت المطبعة على الدوران، تلقيت تقريرًا من وكالة الأنباء الفرنسية في ثلاث فقرات، يقول إن صحفيًا إسرائيليًا كان مجندًا في حرب ١٩٧٣، سلّم القنصل المصري العام، في العاصمة الألمانية برلين، البطاقة العسكرية لجندي مصري قتله هذا الصحفي في سيناء أثناء حرب أكتوبر، ومعها أوراق شخصية أخرى لهذا المقاتل. وأضاف التقرير أن الصحفي الاسرائيلي حرص على الاحتفاظ بأوراق الجندي المصري بعد أن قتله، إعجابًا ببطولته الفذة، ثم قال إن سبب الإعجاب هو أن سيد زكريا قاتل بمفرده فصيلة إسرائيلية مكونة من ٢٢ جنديًا، كان هو أحدهم، وقتلهم جميعًا، ولو كان المقاتل المصري رآه لكان قتله هو الآخر، ولكن حسن طالعه أخّره عن الانضمام إلى فصيلته لبضع دقائق أنقذت حياته ومكّنته من قتل البطل المصري من الخلف، ولولا أن الصحفي الإسرائيلي خشي أن يقتله «البطل المصري» لما جاء من خلفه ليقتله. وإعجابًا بهذه الشجاعة النادرة والبطولة الفذة قرر الاحتفاظ بأوراقه، ليذيع قصته على العالم في الوقت المناسب، وانتظارًا لفرصة قد تأتي بها الأيام لإعادة هذه الأوراق إلى عائلة سيد زكريا، ليكون من حق كل فرد فيها الفخر ببطولته. لم يكن تقرير وكالة الأنباء الفرنسية يتضمن اسم هذا المقاتل المصري البطل، كما لم يتضمن بالطبع معلومات عن محل ميلاده أو إقامته. وطبقًا لقواعد العمل الصحفي حاولنا، في الوقت الضيق المتاح لنا قبل صدور الطبعة الأولى للأهرام، التواصل مع وزارة الخارجية المصرية للحصول على هذه المعلومات استكمالًا للقصة، ولكن دون جدوى، فاتصلت أنا شخصيًا بالقنصلية المصرية في برلين، وردَّ عليّ أحد الموظفين هناك، أما القنصل العام (السفيرة عزيزة فهمي حفيدة عبد العزيز فهمي باشا)، فلم ترد إلا في صبيحة اليوم التالي، وكان تفسيري أنها أرادت استئذان وزارة الخارجية في القاهرة للرد علينا، وكان مضمون ردها هو أنها بعثت بأوراق المقاتل الشهيد، التي تسلمتها في حفل استقبال في برلين من الصحفي الإسرائيلي، إلى إدارة الأمن والمراسم بالوزارة بالقاهرة. هل انتبهتم يا أصدقائي القراء إلى المفارقة المحزنة في هذا الفصل الأول في قصة سيد زكريا؟ أقصد أن القنصلية المصرية في برلين، وإدارة الأمن والمراسم في الخارجية، لم تجد في مبادرة الصحفي الإسرائيلي، ولا في روايته عن بطولة الشهيد سيد زكريا، ما يستحق النشر على الرأي العام، بل لم يخطر على بال المسؤولين في الجهتين أن في الأمر ما يستحق، في حين أن الصحفي الاسرائيلي لم يفقد اهتمامه لمدة تزيد على العشرين عامًا بملحمة خصمه المصري، وظل يتحين الفرصة لنشرها على العالم. هذه المفارقة تجسد البون الشاسع بين عقلية وأخرى، وبين نظام وآخر، وبين مجتمع وآخر، لكن للمأساة بقية. لما لم نكن قد حصلنا، في اليوم الأول، على ما نريد من معلومات، فقد قرّرت، كمسئول طبعة، نشر تقرير وكالة الأنباء الفرنسية كما جاءنا، وفي لحظة إلهام أطلقتُ على البطل الشهيد وصف «أسد سيناء»، في عنوان ومتن الخبر المنشور في الصفحة الأولى، ورغم أنه وصف مستحق، فقد كان ذلك هو الحل الذي ارتأيته لتعويض القراء، أو في الحقيقة لإلهائهم، عن عدم تمكننا في الصحيفة المصرية الأولى من ذكر اسم البطل المصري ولا محل ميلاده أو إقامته، ولا مهنته. كان النشر بهذه الطريقة، هو ما فك عقدة لسان المسؤولين في وزارة الخارجية، وبدّد مخاوفهم من مؤاخذة رؤسائهم، وبذلك عرفنا اسم سيد زكريا، وموطنه بمحافظة قنا، والبقية معروفة حتى ظهور فيلم «أسد سيناء» الذي يخلد ذكراه. لكن الشاهد يبقى صارخًا، وهو رسوخ تقليد التوجس من الإعلام، واعتبار أي معلومة «سرًا»، وتأصل عقدة الخوف من الحديث، دون موافقة المسؤول الأعلى، في نفوس المسؤولين الأدنى. نأتي إلى القصة الثالثة، وقد جرت كل وقائعها (وليس بعضها كقصة سيد زكريا) في ألمانيا أيضًا، وكان موضوعها هو رئيس الجمهورية حسني مبارك شخصيًا، ففي أثناء وجوده عام ٢٠٠٤ في أحد مستشفيات ميونيخ، بعد خضوعه لجراحة في العمود الفقري، سرت في العالم كله شائعة بأنه توفي، ونشرت بعض الصحف هذه الشائعة بوصفها تقارير غير مؤكدة، فكان أن اتصل أحد الصحفيين الألمان بالمستشار الإعلامي المصري في برلين، وهو الصديق محمود جعفر، بعد أن أعيته الحيل للاتصال بأحد مرافقي مبارك في ميونيخ، فنفى جعفر صحة الشائعة، وصرّح للصحفي الألماني بأن الرئيس بخير، وأن صحته تتحسن من يوم إلى يوم. نشر الصحفي هذا التصريح، فإذ بالدنيا تنقلب على رأس محمود جعفر، إذ كيف يجرؤ على الحديث عن الرئيس!؟ وصدرت إليه تعليمات مشددة بألا يعيد الكرّة، وإلا عوقب أشد العقاب! أكاد أرى حواجب بعض القراء ترتفع ذهولًا مما يقرأون، ولهم الحق، فأين أخطأ محمود جعفر، إذا كنا نفكر بعقولنا مثل بقية خلق الله؟ العكس هو الصحيح تمامًا، فقد أدى الرجل وظيفته كما يجب، وقال كلامًا صحيحًا، ونفى شائعة كاذبة، تمس حياة رئيس الجمهورية شخصيًا، ومن ثم قطع الطريق على البلبلة في الداخل والخارج، ولكن ما نعتبره نحن صحيحًا، ليس كذلك في عرف السلطة المصرية، التي دأبت على احتكار الإعلام، واحتقاره والتوجس منه في الوقت نفسه، مع سبب إضافي في حالة محمود جعفر ورجال الرئيس، وهو «مالك أنت يا صعلوك بأخبار الملوك»، حتى وإن كنت تنفي صادقًا، وبكل حسن النية، شائعة أن «الملك» لقي حتفه، وحتى إذا كنت تعمل في الجهاز الإعلامي الرسمي المختص دون غيره بالإعلام الخارجي، لكنها عجائب دولة الضباط التي لا تنقضي. *** الأمثلة الثلاثة السابقة على توجس الدولة المصرية من الإعلام، هي مما كنت، بصفتي الصحفية، طرفًا فيها، أو شاهد عيان عليها، كما سبق التنويه، أما ما أعرفه ويعرفه غيري عن طريق السمع أو القراءة، فلا يُعد ولا يُحصي، وبالطبع فكثير من الزملاء كانوا أيضًا أطرافًا في قصص مشابهة، أو شهودًا عليها، لذا ليس مما يستغرب أن الصحافة المصرية فقدت مكانتها، وأن مؤسسات عريقة احتضرت، وأخرى أعرق بدأت طور الاحتضار، وكذلك ليست مصادفة أن التلفزيون المصري هو الآخر انحدر إلى قاع سحيق، وأخيرًا فليس مفاجئًا تمامًا أن تستدير دولة، هذه تقاليدها، إلى وأد أو إجهاض البديل الإلكتروني المهني الواعد، لا سيما إذا كان لديها ما تريد أن تخفيه، وهو كثير، فالشيء من معدنه لايستغرب!
هل يصبح «الأعلى للإعلام» هيئة رقابية جديدة على الدراما؟ مي شمس الدين ٨ يونيو ٢٠١٧ أعلن المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام أمس، الأربعاء، عن قراره بفرض غرامة قدرها ٢٠٠ ألف جنيه على كل قناة فضائية و١٠٠ ألف جنيه للإذاعات إذا تمّ بث لفظ مُسيء من خلال هذه الوسائل، سواء جاء اللفظ خلال برنامج أو ضمن محتوى الأعمال الدرامية أو الإعلانية. ويتوسع القرار ليشمل سحب ترخيص هذه الوسيلة الإعلامية إذا تكرر البث ولم تلتزم بالعقوبة خلال ٦ أشهر، وسيكون على هذه الوسيلة إعادة إجراءات الترخيص من جديد. تزامن القرار مع نشر المجلس لتقريره الأول عن محتوى البرامج والمواد الإعلانية والدرامية في الثلث الأول من رمضان، والذي تناول انتقادات صارخة لمحتوى هذه المواد لما تحمله من «إيحاءات جنسية» والحض على «سلوكيات مرفوضة» والوقوع في «أخطاء تاريخية وفنية» وحمله لـ«إسقاطات سياسية»، بالإضافة إلى ورود «إساءات للمهن». ويطرح صدور أول تقرير تساؤلًا عن طبيعة دوره في ممارسة الرقابة على المحتوى الإبداعي خاصة مع السماح بعرض كافة الأعمال الدرامية من جانب هيئة الرقابة على المصنفات الفنية التابعة لوزارة الثقافة، وهل يصبح المجلس هيئة رقابية جديدة تمارس الرقابة بشكل لاحق على العرض؟ وقد أشار تقرير المجلس إلى مسلسلات ومشاهد بعينها، وقد حملت انتقاداته طابعًا أخلاقيًا كبيرًا، مثل انتقاد العديد من المشاهد التي تجمع الممثلين والممثلات في الفراش أو مشاهد من مسلسل «عفاريت عدلي علام» حينما ظهرت غادة عادل تحاول احتضان عادل إمام وتقبيله. كما تضمن التقرير الإشارة إلى ارتداء «ملابس مكشوفة» في «الحرباية» أو الإشارة إلى «سلوكيات مرفوضة» مثل «إعطاء دروس مجانية في كيفية تناول المخدرات»، مثلما عُرضَ بمسلسلَي «خلصانة بشياكة» و«الحرباية»، وقد جاء ذِكر العمل الأخير، أيضًا، بسبب «لجوء الفتيات الساقطات لطرق الغش الطبي للعودة إلى بكارتهن مرة أخرى». كما انتقد التقرير بشكلٍ واضح الإسقاطات السياسية الواردة في العديد من الأعمال الدرامية، والتي عرضت بطريقة «مسيئة» مثلما جاء في مسلسل «خلصانة بشياكة» الذي يظهر فيه الفنان أحمد مكي وهو غير قادر على قراءة خطابه بلغة سليمة مما يضطره للارتجال وكيفية تعذيبه لمعارضيه، بالإضافة للإساءات الواردة لرجال الشرطة، بحسب ما جاء في التقرير. من جانبه قال محمود عثمان، المحامي بمؤسسة حرية الفكر والتعبير، لـ «مدى مصر» إن قرار المجلس مَثَل تعديًا صارخًا على الدستور والقانون، بشكلٍ جعل المجلس الأعلى يتخطى سلطاته ليضع نصًا عقابيًا غير وارد في قانون العقوبات وتخطى اختصاصاته بالرقابة على الأعمال الإبداعية بالرغم من اختصاصه بمراقبة الأعمال الصحفية فقط. كما أوضح عثمان أن «تقرير المجلس الأعلى لم يكتف فقط بانتقاد الأعمال الدرامية، بل تجاوز ذلك وبدأ في تقييم محتواها أيضًا، من خلال الإشارة إلى الأخطاء التاريخية والفنية الواردة وهو أمر خارج عن اختصاصاته التي كان معنيًا بالقيام بها من الأساس، خاصة وأن أعضائه غير مخولين بتقييم الأعمال الفنية، فهم ليسوا من العاملين بمهنة الفن بالأساس». من ناحية أخرى حمَل القانون رقم ٩٢ ٢٠١٦ المعني بالتنظيم المؤسسي للصحافة والإعلام في طياته منح سلطات موسعة للمجلس في الرقابة على العمل الإعلامي بأشكاله المختلفة، وليس العمل الصحفي فقط. كما نَصّت المادة الثالثة من القانون في باب أهداف عمل المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام على «ضمان التزام الوسائل والمؤسسات الإعلامية والصحفية بمعايير وأصول المهن وأخلاقياتها وضمان التزام الوسائل والمؤسسات الإعلامية والصحفية بمقتضيات الأمن القومي». وأشارت المادة الرابعة من هذا القانون إلى «وضع وتطبيق القواعد والمعايير المهنية الضابطة للأداء الصحفي والإعلامي والإعلاني بالتنسيق مع النقابة المعنية» دون الإشارة إلى طبيعة هذه القواعد والمعايير. وقال عثمان إن اختصاصات المجلس الواردة في القانون مُبهمة ومتعددة للغاية وهو ما قد يوَسَعَ من رقابته على المحتوى الإعلامي، مضيفًا أن رقابة المجلس على الأعمال الإبداعية ستكون من خلال السيطرة على القنوات التي تقوم بإذاعة هذه الأعمال. وأشار عثمان إلى حكم محكمة القضاء الإداري الخاص بوقف إنشاء غرفة صناعة الإعلام الصادر في ٢٠١٦، والذي أكد على سلطة المنطقة الحرة في منح التراخيص للقنوات الفضائية ومراقبة مدى التزام القنوات بتنفيذ ما ورد بالتراخيص وصولًا إلى سحبها، وهو ما اعتبره المحامي نقطة خطيرة قد تمكن المجلس الأعلى للإعلام من السيطرة على المحتوى الإبداعي عبر الفضائيات. وتوقع عثمان أن تشهد الفترة المقبلة قيام القائمون على الأعمال الدارمية بتحريك دعاوى قانونية من أجل الطعن على قرار المجلس الأعلى للإعلام الذي قد يتسبب في حذف العديد من المشاهد الواردة في الأعمال الدرامية والتليفزيونية وقال موضحًا «لا يمكن رؤية هذا القرار بعيدًا عن التوجه العام للدولة للسيطرة على كل أشكال المجال العام من خلال الرقابة على الأعمال الإبداعية». وفيما يخص الرقابة المفروضة من قِبل هيئة الرقابة على المصنفات الفنية قال خالد عبد الجليل رئيس الهيئة في تصريحات لجريدة المصري اليوم أنه تمّ تطبيق نظام التصنيف العمري على الأعمال الدرامية، مشيرًا إلى أن مسلسل «الحرباية» يعرض حاليًا دون أن يكون مسموحًا بعرضه من جانب الرقابة، وكان المسلسل قد نال النصيب الأكبر من انتقادات المجلس الأعلى للإعلام في تقريره. وأضاف عبد الجليل أن العديد من القنوات لم تلتزم بوضع شارة التصنيف العمري للمسلسلات مما حدا بعبد الجليل إلى تحرير محاضر ضد عدد من القنوات، كما دعا رئيس الرقابة «الأعلى للإعلام» للتدخل. وقال الكاتب آدم ياسين الذي شارك هذا العام في كتابة سيناريو مسلسل «خلصانة بشياكة»، إن الرقابة على المصنفات الفنية تقرأ السيناريوهات الخاصة بالأعمال الدرامية بالكامل وتشاهد حلقات الأعمال أيضًا. لا يوجد مجال لسيطرة الأعلى للإعلام على محتوى هذه الأعمال، لكنه أعتبر أن تقرير المجلس الأول بمثابة «رَدَّة» على حرية الإبداع. وكان مسلسل «خلصانة بشياكة» قد نال نصيبه من انتقادات «الأعلى للإعلام» أيضًا. وأضاف ياسين «هناك نبرة أخلاقية سائدة تدعو للحث على تقديم الفن الهادف الأخلاقي، وهو ما يمثل عودة لنهج الدولة في عقود سابقة حينما احتكر النظام الإنتاج الدرامي بالكامل، إلا أن سيطرة الدولة على المنتج الدرامي تراجعت كثيرًا بدخول القطاع الخاص سباق الإنتاج الدرامي. لكن هذا التوجه لن يستمر ببساطة لأن صناعة الدراما في مصر أصبحت ضخمة ومربحة للغاية، وأي محاولات للسيطرة عليها تعني تدهورًا لن يسمح المبدعون بحدوثه». وكان الرئيس عبد الفتاح السيسي قد طالب أكثر من مرة بالعودة إلى الفن الهادف، وقد ذَكَرَ ذلك في أكثر من مناسبة. وخلال احتفالية بمناسبة عيد الشرطة في يناير ٢٠١٥، كان السيسي قد قال، موجهًا حديثه إلى الفنانة يسرا وأحمد السقا، وكانا ضمن حضور الاحتفالية «محتاجين تبقى تجربتنا ثرية، بقول تاني لينا كلنا حتى للإعلام والتليفزيون والأفلام والمسلسلات مين هيتصدى لده، مين هيعمل الوعي. يا أستاذ أحمد أنت وأستاذة يسرا والله هتتحاسبوا على ده. أيوه هتتحاسبوا، قدموا للناس الأمل، أدوا للناس أمل في بكرة، ونحسن في قيمنا وأخلاقنا وده لن يأت إلا بكم، كل قطاع من قطاعات الدولة له دور، وهنشوف في رمضان الجاي يعني».
أحمد رحال لم أقرأ رواية «واحة الغروب» ولم أتحمس لقراءتها، رغم أن أحداثها تدور في واحد من أحب الأماكن لي داخل مصر، وفي الحقيقة فلم أبدأ الاهتمام بها إلا لدى تداول الأخبار عن استعداد المخرجة كاملة أبو ذكري لتقديمها على الشاشة. ظل الفضول يتملكني؛ كيف ستحوّل كاملة الرواية، مع فريق عمل يقف خلف الكاميرات، وعضواته الأساسيات نساء؟ كيف سيقدمن، وهن بنات المدينة، بيئة صحراوية ومجتمعًا بدائيًا لا يحكمه الا الرجال والسلاح؟ أخذت في رسم تخيلات وأحكام سابقة تبخرت تمامًا بمجرد مشاهدة التتر. متاهة التتر السمعية «سافر حبيبي وجا خلِّي يودعني»، يبدأ تتر مسلسل «واحة الغروب» بمطلع هذا الموال المميز، والذي أحفظ كلماته عن ظهر قلب من «فرش وغطا»، وهو حفل غنائي يحييه أحمد برين والشيخ محمد العجوز في سجال غنائي تتردد فيه آهات الجمهور وتعليقاتهم بوضوح. ولكن الموال في التتر جاء بصوت وائل الفشنى، حفيد المنشد والمقرئ طه الفشني؛ صوت قوي بنغمة مهزومة، مصحوب بموسيقى مسجلة في سلوفاكيا بمصاحبة أوركسترا براتيسلافا السيمفوني المتخصصة في عزف الموسيقى التصويرية للأفلام، كما يوضح تامر كروان، المؤلف الموسيقي للمسلسل. ولكن الموال في التتر جاء بصوت وائل الفشنى، حفيد المنشد والمقرئ طه الفشني؛ صوت قوي بنغمة مهزومة، مصحوب بموسيقى مسجلة في سلوفاكيا بمصاحبة أوركسترا براتيسلافا السيمفوني المتخصصة في عزف الموسيقى التصويرية للأفلام، كما يوضح تامر كروان، المؤلف الموسيقي للمسلسل. ولادة جديدة من رحم الصحراء ولكن هناك دائمًا أملًا في النجاة، يتمثل هنا في ظهور كاثرين في الحلقة الثالثة، مع بداية قصة حب غير معتادة تواجه كل الأعراف وتتغلب عليها، وتنتهي بالزواج غير المبارك من قبل المأذون وحتى من قبل مندوب السفارة الإنجليزية. رغم هذا، يعاود شبح الهزيمة الظهور مرة أخرى، بداية من الحلقة الخامسة، بسبب اشتياق الضابط محمود لنعمة وبحثه عنها في أجساد فتيات ليل أخريات، وهو ما يتزامن مع تكليفه بمهمة في واحة سيوة، باعتباره أول مأمور مصري بعد مقتل المأمور التركي السابق، وهو ما اعتبره محمود حكمًا بالإعدام! أثّرت الخيانة وأمر النقل على علاقة محمود بكاثرين، التي تكتشف أنها لا تعرفه جيدًا، فتقرر الذهاب معه الى واحة سيوة لمحاولة اكتشاف محمود الذى لا تعرفه، وكذلك لاكتشاف نفسها خلال هذه الرحلة الصعبة، وهو ما جاء على لسان دليل الرحلة «الصحرا دي مافيهاش إلا الموت، ولكن لما نغلبه.. الله! ولادة جديدة!» يعلو صوت السفهاء بعد استلام محمود ملف واحة سيوة، وقرار كاثرين بمرافقته، يأخذ الاثنان في القراءة عن الواحة وأهلها. هنا يبدأ خط درامي جديد في المسلسل يرتبط بتاريخ الواحة غير البعيد عن الهزيمة هو الآخر، فأهل الواحة ليسوا في صراع مع الحكومة فقط بسبب الضرائب، لكن هناك أيضًا صراع دائم بين أهالي الواحة الشرقيين والغربيين، ينبع من إيمان كليهما بنبوءة أن أحد الطرفين يتوجب عليه إفناء الآخر لكي تعيش الواحة في سلام، وهو ما جاء في الحلقة العاشرة على لسان راو غير معروف أو محدد «إذا لم تتحقق النبوءة، سوف تكونين أيتها الواحة أرملة منكسة الرأس، تحثو فوق رأسها التراب ويعيش فوق طرقاتك الغرباء في زهو، ويعيش أهلك مطرقين رؤوسهم. مكتوب أنه سوف يعلو صوت السفهاء.»
بعد أسبوعين مازال حجب «مدى مصر» قائمًا ولا نعلم من وراءه حتى الآن دخلت اليوم حالة الحجب المفروضة على «مدى مصر» ومواقع أخرى أسبوعها الثالث دون توضيح لأسبابه أو الجهة القائمة عليه أو أية ملابسات أخرى. وإذ كان قرار «مدى مصر» منذ اللحظة الأولى أن نواصل عملنا الصحفي، ونحاول الوصول إلى قرائنا عبر منصات بديلة، فإننا أيضَا سلكنا الطرق القانونية المتاحة ضد قرارات الحجب وذلك انطلاقا من تمسكنا بحقنا في معرفة ما حدث ورفضه عبر المسار القانوني. وهذا ما قمنا به في الفترة السابقة قدمنا بلاغًا لمكتب النائب العام. حركنا دعوى قضائية أمام القضاء الإداري ضد كلٍ من وزير الاتصالات، ورئيس الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات، من أجل المطالبة بإلزامهما بتوضيح أسباب الحجب، وإلغاء هذا القرار وما ترتب عليه من آثار. تظلمنا أمام الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات. خاطبنا نقابة الصحفيين لمطالبتها بالتدخل لدى الأجهزة المعنية. سوف نوفيكم بالتطورات في بيانات لاحقة، وفي الوقت نفسه تابعوا تغطيتنا. كونّكتنا Two weeks after the block and we still don’t know who’s behind it or why it happened It has been two weeks since Mada Masr and a number of other websites were blocked, a measure that was taken without any meaningful justification, and without any entity claiming responsibility We decided to continue working and publishing, communicating with our audience through alternative media platforms. But we retain our right to understand what happened, and to challenge it legally Accordingly, this is what we have done so far We filed a report with the prosecutor general We filed a complaint with the National Telecommunications Regulatory Authority NTRA We filed a lawsuit at the Administrative Court against the minister of communications and the head of the NTRA, requesting that they reveal the reasons behind the block and reverse it We pleaded with the Journalists Syndicate to take up our case with various authorities We will keep you updated Meanwhile, please keep reading Mada unblockMada
«النقض» تؤيد حكم إعدام ستة في مقتل حارس قاضٍ‎ مدى مصر ٧ يونيو ٢٠١٧ أيدت محكمة النقض اليوم، الأربعاء، حكم إعدام بحق ستة من المتهمين بقتل رقيب شرطة من القوة المُكلفة بتأمين منزل القاضي حسين قنديل عضو هيئة محاكمة الرئيس الأسبق محمد مرسي في قضية الاتحادية. كما عدّلت أحكام محكمة جنايات المنصورة في القضية نفسها والتي صدرت في سبتمبر ٢٠١٥ بحق إثنين منهم ليدانوا بالسجن المؤبد بعد حكم سابق بالإعدام. وقضت النقض بسجن إثنين آخرين لمدة ثلاث سنوات بدلًا من الحبس المؤبد إلى جانب حكمها ببراءة ثلاثة ضمن المتهمين. وقررت المحكمة تأييد حكم الإعدام الصادر بحق كلٍ من خالد رفعت جاد عسكر، وإبراهيم يحيى عبد الفتاح عزب، وأحمد الوليد السيد الشاب، وعبد الرحمن محمد عبده عطية، وباسم محسن خريبى، ومحمود ممدوح وهبة. وتخفيف عقوبة الإعدام إلى السجن المؤبد بحق كلٍ من أحمد حسين دبور ومحمد علي العدوي. وتخفيف عقوبة السجن المؤبد التي أدين بها أيمن قمصان ومحمد عرفات وبلال شتلة لتصبح عقوبتهم السجن لمدة ثلاث سنوات فقط. وقضت براءة كل من محمد فوزي كشك ومصطفى جلال وعلى عاشور وأحمد محسن. وكانت محكمة جنايات المنصورة قررت في سبتمبر ٢٠١٥ إعدام ٩ متهمين والسجن المؤبد لـ١٢ متهمًا والحبس ١٠ سنوات في حق آخرين بتهم القتل العمد مع سبق الإصرار والترصد وحيازة متفجرات وأسلحة وتكوين خلية إرهابية، وارتكاب أعمال عنف ضد قوات الجيش والشرطة. وقال المحامي محسن البهنسي لـ «مدى مصر»أن المتهمين واجهوا تهمًا بتكوين خلية إرهابية هدفها استهداف رجال الشرطة والقضاء بمحافظة المنصورة، وقد اتهم إبراهيم يحيي عبد الفتاح عزب بمقتل رقيب الشرطة، والذي كان مُكلفًا بحراسة العضو اليمين في محاكمة مرسي بأحداث الاتحادية. كما وجهت تهمًا لمتهمين آخرين بمراقبة عدد من رجال الشرطة بمحافظة المنصورة تمهيدًا للتخطيط لاغتيالهم. وأضاف المحامي أن معظم المتهمين اعترفوا بالتهم الموجهة إليهم أثناء التحقيقات الأولية، لكنهم تراجعوا عن الاعترافات لاحقًا، وأكدوا أنها كانت تحت وطأة التعذيب. وتعود أحداث القضية إلى فبراير ٢٠١٤ حينما قام شخصان مجهولا الهوية بإطلاق النيران على الرقيب عبدالله متولي أثناء استقلاله لدراجته البخارية أثناء نزوله من كوبري سندوب بعدما اعترض المهاجمان طريقه بدراجتهم البخارية أيضًا. وأصبح حكم الإعدام بحق المتهمين الستة باتًا ونهائيًا، بعد استنفاذ المتهمون كل مراحل التقاضي. ويعتبر هذا الحكم هو ثالث حكم نهائي بالإعدام ضد متهمين منذ بداية التوسع في إصدار أحكام الإعدام ضد عدد من مؤيدي مرسي في السنوات الأخيرة. كان أولها الأحكام الصادرة ضد مجموعة من المتهمين في القضية التي عرفت بقضية عرب شركس، وقد نفذت أحكام الإعدام بحق ستة منهم في مايو ٢٠١٥. وكان ثاني تنفيذ لحكم إعدام نهائي، الذي نُفذ في ديسمبر ٢٠١٦ بحق عادل حبارة المتهم بتنفيذ مذبحة رفح الثانية التي أسفرت عن مقتل ٢٥٥ مجندًا في شمال سيناء.
نصف قرن على يونيو ١٩٦٧ عقبات التأريخ للهزيمة عثمان الشرنوبي ٧ يونيو ٢٠١٧ ـــــــــــــــــــــــ في شهر أكتوبر عام ١٩٧٥ اجتمعت لأول مرة لجنة رسمية كلفها الرئيس الراحل محمد أنور السادات بكتابة تاريخ الحقبة الناصرية، وبالأخص تاريخ حرب ١٩٦٧. شُكّلت اللجنة برئاسة نائب السادات في ذلك الوقت، الفريق محمد حسني مبارك، وعضوية مجموعة من الصحفيين وضباط كبار بالقوات المسلحة وسياسيين وخبراء وبعض المؤرخين. وأعلن مبارك أن مهمة اللجنة هي كتابة تاريخ علمي وموضوعي عن ثورة ١٩٥٢ في مواجهة الروايات المتضاربة المتداولة في المجال العام في ذلك الحين. في تطوّر نوعي لأسلوب الدولة في اجتهاداتها لكتابة التاريخ، قال مبارك إن السادات أكّد له أن اللجنة سيتاح لها الإطلاع على مواد أرشيفية سرية وسيصرّح لها التحدث مع شخصيات عامة من تلك الحقبة. ولكن المؤرخ عزت عبد الكريم أبدى اعتراضات على اللجنة وريبة حول الغرض وراء إقامتها، وكأنه لم يكن عضوًا فيها، وشدد على أن المؤرخين المصريين نشأوا في ظل مدرسة تاريخية ذات تراث مهني قوي؛ كل ما يحتاج إليه المؤرخون، بحسب عبد الكريم، هو أرشيف قومي فعّال، مثلما يوجد في بلاد كإنجلترا والولايات المتحدة، وإمكانية الوصول لوثائق الدولة التاريخية، مذكرا أن مبدأ «الأمن القومي» موجود في كل بلدان العالم، ولكنه لا يُستخدم كوسيلة للحظر التام على الولوج إليها. انضم مؤرخون آخرون لعبد الكريم في نقده لمحاولة الدولة كتابة التاريخ، وتحول النقد إلى معارضة صريحة، أرغمت مبارك على الرد بأن اللجنة لن تقوم بالحجر على حق الآخرين في كتابة التاريخ، بل أنها تقوم أيضًا بجمع الوثائق وتنظيمها وتصنيفها. تحوّل بالفعل النشاط الأساسي للجنة من التأريخ إلى الجمع والتصنيف، وبدأت في البحث في وثائق مجلس قيادة الثورة والضباط الأحرار ومجلس الوزراء والمخابرات العامة ووثائق أخرى. واتضح بعد بضع سنوات أن اللجنة وجدت صعوبة في تحديد أماكن العديد من الوثائق، وبدأ الاهتمام العام باللجنة يتراجع، واستقال مبارك من رئاستها. بعد اغتيال السادات في ١٩٨١، ومع الاهتمام بقضايا عامة أخرى في السنوات التالية لإنشائها، حُلّت اللجنة في هدوء. منذ ذلك الحين ووثائق الدولة – ومنها وثائق حرب ١٩٦٧ – حبيسة مؤسساتها. يوضح يوآف دي كابوا، الذي سرد قصة نشأة هذه اللجنة في كتابه عن حركات التأريخ المصري المعنون «المتحكّمون في الماضي العربي المؤرخون وكتابة التاريخ في مصر في القرن العشرين»، أن غياب المادة الأرشيفية الأساسية لفترة ما بعد ١٩٥٢ أعطت كُتّاب التاريخ الحرية التامة للكتابة وفقًا لهواهم، ما أدى في النهاية إلى أن الكتابات المتناقضة ألغت بعضها فيما وصفه بـ«دورة مكونة من رواية غير موثقة تنافس رواية أخرى غير موثقة». أرشيف مغلق تتجلى أزمة توفر الوثائق الرسمية في كتابة أحد أهم محطات التاريخ المصري والعربي الحديث هزيمة ١٩٦٧. كثرت الكتابة عن هذه الحرب رغم قصرها من قبل مؤرخين وكتاب غير مصريين، والكثير منهم بالطبع إسرائيليون (برز كتاب مايكل أورين «ستة أيام من الحرب» مثلًا كأكثر الدراسات عن الحرب توثيقًا وتفصيلًا). ولم تخل هذه الدراسات من إشارات عن عدم توفر مواد أرشيفية عربية. فبينما تلتزم بلاد كإسرائيل وإنجلترا وأمريكا بقاعدة رفع السرية عن وثائقها بعد ٣٠ سنة، لا تزال الحكومات العربية تغلق المجال للاطلاع عليها. كان الأرشيف التشيكي مصدر المؤرخ الإسرائيلي، جاي لارون، لأحدث دراسة عن الحرب نشرتها دار نشر ييل يونيفرستي برس في فبراير الماضي بعنوان «حرب الأيام الستة كسر الشرق الأوسط». يقول جاي لارون إن بعض الوثائق التي عُثر عليها في الأرشيف القومي في العاصمة التشيكية براغ كانت مفتاحه لتقديم ورقة تعليقًا على كتاب صدر عن دور الاتحاد السوفييتي في حرب ١٩٦٧، التي أثارت اهتمامه لكتابة الكتاب. ليس من المعتاد أن يلجأ الباحثون في شؤون الشرق الأوسط إلى وثائق أوروبا الشرقية، ولكنها كانت تجربة مثمرة بالنسبة للارون نظرًا لصعوبة الوصول إلى الوثائق الروسية، واستحالة الوصول إلى الوثائق العربية (من المفارقات أن الوثائق الرسمية العربية التي استخدمها لارون في كتابه كانت وثائق سورية استولى عليها الجيش الإسرائيلي عند اجتياحه لسوريا خلال الحرب). وجاءت نفس الإشارة في كتاب سابق لكتاب لارون وهو «حرب ١٩٦٧ العربية الإسرائيلية أصولها وعواقبها» الذي نشر في ٢٠١٢ وحرره المؤرخ الأمريكي وليام روجير لويس والبريطاني الإسرائيلي آفي شليم، أحد مؤرخي إسرائيل الجدد. قال المحرران في مقدمة الكتاب إن هناك عدم تناسق واضح في المصادر الأولية المتوفرة لكتابة تاريخ الحرب. يجبر هذا الوضع المؤرخين على الرجوع إلى مذكرات القادة السياسيين والعسكريين العرب لمحاولة معرفة تاريخ الحرب من منظور البلاد العربية التي عانت أكثر المعاناة جراءها. لكن الاعتماد المنفرد على المذكرات يحمل في طياته جملة مشاكل تواجه المؤرخ في سرد الأحداث التاريخية، فالمذكرات روايات ذاتية هدفها تبرير تصرفات كاتبيها أكثر من كونها سرد يهدف إلى الموضوعية والتوازن، خصوصًا عندما تكون في سياق المسؤولية عن أخطاء، أو في حالتنا، هزيمة مضنية. يظهر ذلك جليًا في مذكرات القادة العسكريين حول أحداث الحرب. أكثر من مرة أكد اللواء عبد الحميد الدغيدي، القائد الجوي المسؤول عن جبهة قناة السويس وسيناء أثناء الحرب، والذي طالته بالطبع اتهامات متتالية حول تدمير أغلب السلاح الجوي المصري في بضع ساعات، أنه كان القائد الوحيد الذي تواجد في غرفة العمليات الخاصة به خلافًا لباقي القادة، وأن الفرقة الثامنة المضادة للمدفعية تحت قيادته كانت «المثل الأعلى في البطولة والإقدام»، وأن المسؤولية الأساسية تقع على رئيس الأركان، محمد فوزي، وقائد الجيش الميداني، صلاح محسن، وقائد المخابرات الحربية، الفريق محمد أحمد صادق، الذين أطلق عليهم في مذكراته لقب «الفرسان الثلاثة». وبدوره، يُلقي محمد فوزي في مذكراته اللوم على قوات الدفاع الجوي لعدم الرد بعد الاعتداء على المطارات دون انتظار أوامر كما تلزم حالة الاعتداء المباشر، وحمّل المخابرات الحربية مسؤولية عدم علمها بجاهزية سلاح الطيران الإسرائيلي الوصول إلى العمق المصري لتدمير مطارات القاهرة والمطارات الجنوبية، واقتصار المعلومات على أن مداها لا يتعدّي مطارات القناة. وهكذا في روايات قادة آخرين مثل قائد القوات البرية، الفريق أول عبد المحسن مرتجي، ورئيس هيئة العمليات الفريق، أنور القاضي، وغيرهم. لكن رغم ذاتية رواياتهم فيمكن لقارئها أن يستشف أسباب الهزيمة، كما يقول المؤرخ خالد فهمي، أستاذ التاريخ الزائر في جامعة هارفرد بالولايات المتحدة. الوثائق كعريضة اتهام قد لا يفهم البعض السبب وراء اعتبار وثائق مر عليها ربع قرن سببًا لقلق أمني أو هاجس للسلطة. يؤكد فهمي أن جميع الشخصيات التي كانت في مراكز القيادة وقت الحرب متوفون الآن، باستثناء شخصية أو إثنين، فليس من شأن سرية الوثائق الحيلولة دون فضح شخصيات بعينها. إنالسبب الرئيسي لحجب وثائق الحرب والوثائق التاريخية عامة في مصر، طبقا لرأي فهمي، هو خوف الدولة من أن يعرف المجتمع ما يجري في أروقة اتخاذ القرار. يرى فهمي أن «مصارين» الدولة المصرية في ذلك الوقت لا تظهر من محاضر اجتماعات مجلس الوزراء أو جلسات البرلمان أو لجان الاتحاد الاشتراكي، بل تتضح طبيعته من خلال علاقات رئاسة الجمهورية والقوات المسلحة والأجهزة المخابراتية ببعضها، وبالتحديد في انقسام القيادة وتناحر أجنحة الدولة مع بعضها. يعطي فهمي، الذي سرد تفاصيل ملابسات قرار تعبئة القوات إلى سيناء في سلسلة تدوينات عن الحرب في مدونته، مثلًا على ذلك بقرار التعبئة الذي اختلف عليه أكبر قيادتين في البلد، وهما الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، والقائد العام للقوات المسلحة عبد الحكيم عامر. فبينما كان ناصر يعرف أن أي معركة مع إسرائيل ستكون خاسرة، كما صرّح في لقاءات عامة وأخرى خاصة للعديد من المقربين منه، كان عامر يحثه على المواجهة، وكان هو من اتخذ القرار الأولي فيها. يختلف مؤرخون آخرون في هذا، تقول لورا جيمس في كتاب لويس وشليم أن عبد الناصر عبّر عن إيمانه أن مصر يمكنها خوض حرب دفاعية ضد إسرائيل. بحسب فهمي، كان عبد الناصر يعلم أن المشير عامر «غير كفئ، فقد هزم في العدوان الثلاثي، وفشل في إدارة الوحدة مع سوريا، وكان يفشل في حرب اليمن، ولكنه أبقى عليه في قيادة الجيش على أي حال». تفسير فهمي لهذا، والذي يقول أنه جليّ في العديد من المذكرات والشهادات وبعض الوثائق المنشورة، هو أن العلاقات الشخصية والولاءات لعبت دورًا كبيرًا في الحفاظ على وضع مؤسسي أدّى إلى الهزيمة. «كانت هناك شلة عامر ومجموعة ناصر، ولا يخفى على أحد أن الكثير من التعيينات كان وراءها حسابات سياسية، فمثلًا اختيار عبد الناصر لفوزي رئيسا للأركان، وكان معروف كراهيته وعامر لبعضهما، جاء لقربه لعبد الناصر في وقت كان يقلق من أسلوب إدارة عامر للجيش باعتباره ملكًا له ويحاول الحد من تدخّل عبد الناصر في إدارته». يرى فهمي أن تلك الولاءات أدت إلى وجود قادة غير أكفاء، وسببت تضاربًا في الاختصاصات والأوامر، كانت وطيدة الصلة بسرعة وفداحة الهزيمة. أعطى فهمي مثالًا على تضارب الخطط قبيل الحرب بين الهجومية والدفاعية، لدرجة أن قائد الجيش الميداني، صلاح محسن، أوفد إلى القاهرة اللواء أحمد إسماعيل علي في ٢٧ مايو للاستفسار عما إذا كانت الاستراتيجية هجومية أم دفاعية – يقول فهمي «الوثائق بمثابة إدانة للنظام، عندما تحقق في مجريات الدولة في فترة ما قبل وبعد الحرب، لا تريدك هذه الدولة أن تكتشف الطريقة المخزية التي تدير بها أمورها». تأريخ مختلف.. أحيانًا بديل لا تخرج معظم الكتابات المؤرخة للحرب عن المألوف في سرد أحداثها وتصاعد التوترات قبلها من قرار التعبئة إلى قرار غلق مضيق تيران إلى هجوم الخامس من يونيو ثم الانسحاب والاحتلال. كتب المؤرخون كثيرًا عن الخطط والصدف ونوايا الأطراف المعنية. وكانت الأسئلة التي حكمت هذه الروايات في شكل ما إذا كانت إسرائيل تنوي الهجوم قبيل الأزمة، ولماذا راهن عبد الناصر على أن الأزمة سيتم احتواؤها من قبل القوى الكبرى. هل حصلت إسرائيل على دعم عسكري مباشر من الولايات المتحدة؟ وهل كان احتلال الضفة الغربية والقدس ضمن الخطة الأولى للإسرائيليين؟ إلخ. وكون هذا السياق العسكري والسياسي من الطبيعي تناوله في التاريخ الحربي، إلا أن تاريخ هزيمة بهذا الحجم والتأثير يستلزم النظر إليه من زوايا مختلفة، وطرح أسئلة أخرى، مثل كيفية تعاملت الثقافة الشعبية مع الهزيمة ومناهضة الوضع القائم بعدها؟ ما الوضع الاجتماعي الذي أدّى إلى هذا الشكل من علاقات القوى بين مؤسسات الدولة وبداخلها؟ ما الأصوات التي يهمّشها الأرشيف، وعلاقات القوى التي يخفيها حتى إن أفرجت الدولة عن وثائقه؟ هل يجب علينا أن نتخلى من الأساس عن الحدود الزمنية التي تفرضها علينا الدراسات التقليدية عن الحرب، فنبدأ دراسة الهزيمة قبل حدوثها، من خلال مثلًا تتبع تطوّر المؤسسات العسكرية والأمنية منذ ١٩٥٢ أو حتى في الحقبة الاستعمارية في مجمل المنطقة؟ في مقال لها بمجلة ميريب، تقول شيرين صيقلي، أستاذة التاريخ المتخصصة في تاريخ الشرق الأوسط الحديث بجامعة كاليفورنيا، إننا يجب أن نتحرر من الفترات الزمنية التي تحكم أغلب الدراسات عن الحرب. وتضيف أنه يمكننا، بدلًا من أن نؤرخ لحركة الفدائيين الفلسطينيين في الستينيات مثلًا، أن ندرسها في الخمسينيات أو الثلاثينيات خلال ثورة فلسطين الأولى، أو في القرن التاسع عشر. يصب طرح صيقلي في اتجاه تحرير تفكيرنا التاريخي من تراث يحدد قاعدته المعرفية، ومن خلال ذلك يمكننا دراسة أشياء كالثورة أو الاحتلال في أزمنة مختلفة، قد لا تكون بالضرورة في سياق الدولة القومية، بل قبل نشوئها لتنظم الحياة الجمعية وقيادة حركة الاستقلال. تقترح صيقلي أيضًا أنه يجب، في دراستنا لأسباب الهزيمة، ألا نقع في براثن تفكير يعزز انعدام فعالية الشعوب في المسارات التاريخية للدول السلطوية، ما تطلق عليه صيقلي تراث معرفي يعزز ثقافة اليأس. تقول صيقلي لـ«مدى مصر» إن تلك الثقافة تصرف النظر عن الصراعات الشعبية التي تعدّ من العناصر المهمة في تاريخ حرب ٦٧. ولذلك، تقترح صيقلي أن تكون أحد الطرق التي من شأنها أن تجدد السرد التاريخي هو اللجوء إلى وثائق أخرى مثل الشهادات الشفهية والأدب والإعلام والخطب، وتضرب مثلًا لما قد تكشفه أغاني الشاعر أحمد فؤاد نجم والملحن والمغني الشيخ إمام عن الحرب عن تاريخ تلك الفترة، والقدرة على سرد واقع لا تحتويه الوثائق الرسمية. يتفق عبد العزيز عز العرب، أستاذ التاريخ بالجامعة الأمريكية في القاهرة، مع صيقلي، قائلًا إن أغنية نجم والشيخ إمام «الحمد لله خبطنا تحت بطاطنا» مثلًا تعكس حالة الإحباط والمرارة من الهزيمة، وهي محاولة لربط الهزيمة بمسبباتها، كسوء إدارة القوات المسلحة، كما يظهر في كلماتها والبيه حاطط في كل حتة مدير ظابط وإن شالله حمار يقول عز العرب إن التركيز على مؤثرات المزاج العام مهمة، والثقافة الشعبية من خلال الأغاني والأفلام والقصص والروايات يمكن استخدامها لدراسة هذا العنصر المهم من الهزيمة، مضيفًا أنه كرّس بالفعل مقرر دراسي يتكون من مصادر أولية ثقافية لهذه الفترة، وكان واضحًا فيها رد الفعل الشعبي على الهزيمة. ويرى عز العرب أن الثقافة يمكن من خلالها أيضًا الوصول إلى استنتاجات عن الفترات محل البحث التاريخي، فمثلًا تظهر دولة المخابرات وعلاقتها بالهزيمة في ديوان «هوامش على دفتر النكسة» لنزار قباني، والذي منعته الرقابة من النشر، ويظهر المزاج العام من خلال قصص قد تعكس الحالة النفسية للشعوب، وهو ما يرى عز العرب أنه يحتّم توثيق شهادات شفهية عن العصر قبل فوات الأوان، مؤكدًا أن كثيرين ممن كانوا واعين وقت الهزيمة ما زالوا على قيد الحياة. تعود صيقلي لتتفق مع عز العرب في أهمية التاريخ الشفهي كمصدر لكتابة تاريخ الحرب، قائلة إن مؤرخي فلسطين استعانوا بهذا النهج في كتابة التاريخ في ظل غياب الوثائق نتيجة الاحتلال، وكانت النتائج مجدية. ويورد دي كابوا في كتابه عن مدارس التاريخ المصرية أن تعنّت الدولة في الإفراج عن الوثائق التاريخية طور اتجاهًا لإقامة مشروعات كبيرة للتأريخ الشفهي. يضيف عز العرب أن المؤرخين كثيرًا ما يهملون فترات مهمة، كالتاريخ الشعبي المرتبط بالهزيمة بين ٦٧ و٧٣، لمجرد أنها تسبقها وتليها أحداث كبيرة، مثل الهزيمة والعبور ثم اتفاقية السلام. ويرى عز العرب أن ذلك حدث مع ١٩٦٨، حيث ظهر أثر الحرب بوضوح في مظاهرات فبراير ونوفمبر الدموية للتنديد بالهزيمة والمطالبة باسترداد سيناء، وهي فترة لم تحظ بالكثير من الاهتمام رغم أهميتها، بحسب عز العرب. يرى دي كابوا أن دراسات «الصدمة» – وهي الشعبة الدراسية الباحثة في الصدمات النفسية الجماعية جراء أحداث كالحرب أو الكوارث الطبيعية أو التعذيب إلخ – مفيدة لدراسة تاريخ ٦٧. يقول دي كابوا لـ«مدى مصر» إنه لا توجد دراسات تفسر كيف تحوّلت «نكسة» إلى ثقافة انهزام في المنطقة أثرت في الملايين من سكانها، وليس في المصريين فقط. يرى خالد فهمي إن المصريين اتخذوا قرارًا جماعيًا بألا يتعاملوا مع الهزيمة، حيث اعتبروها مجرد «نكسة»، وساعدهم إعادة بناء الجيش في وقت قياسي وحرب ١٩٧٣ في تجاوز الحدث، ولذلك لا تأخذ الحرب مكانتها المُستحقة في التاريخ الحديث والمعاصر. ويكون السؤال هنا، سواء كانت فرص التأريخ لهذه الحرب متاحة من خلال الوثائق الرسمية أو من خلال مناهج بديلة تلتقط ما لا يكتب في سجلات الدولة، هل ستختلف مكانة هذه الهزيمة في الوعي الجمعي للشعب؟
محمد يونس ٦ يونيو ٢٠١٧ في مطلع العام الماضي ٢٠١٦، أُطلقت استراتيجية مصر للطاقة ٢٠٣٠، وذلك ضمن وثيقة بعنوان «استراتيجية التنمية المستدامة رؤية مصر ٢٠٣٠». صاحَب إطلاق الوثيقة ترويج كبير لها ولأهميتها، «خصوصًا في هذه اللحظة من تاريخ مصر التي تتطلب مراجعة أهداف التنمية... وتطوير حلول أفضل… لتحقيق آمال الشعب في حياة كريمة... وتحقيق أهداف الدستور في إنجاز الرخاء عن طريق التنمية المستدامة والعدالة الاجتماعية والنمو المتوازن». نصت الوثيقة، وهي آخر استراتيجية للطاقة تخرج للنور حتى الآن، أن الرؤية الاستراتيجية للطاقة تتضمن أن يكون «قطاع الطاقة قادرًا على تلبية كافة متطلبات التنمية الوطنية المستدامة… وتعظيم الاستفادة الكفء من مواردها... وتحقيق النمو الاقتصادي... والعدالة الاجتماعية وحماية البيئة... .مع تحقيق ريادة في مجالات الطاقة المتجدِّدة». وقد حددت استراتيجية الطاقة عددًا من الأهداف والبرامج والمؤشرات لتحقيق وقياس هذه الرؤية. وبمناسبة اليوم العالمي للبيئة، الذي مر بالأمس، يتناول هذا المقال بعض مؤشرات وأهداف الاستراتيجية، خصوصًا المتعلقة باختيار مزيج الطاقة المناسب، لكونه حجر الزاوية في استراتيجيات الطاقة عمومًا، وذلك لقياس مدى توافقها مع الأهداف التي أعلنت الاستراتيجية تحقيقها. طبقًا للاستراتيجية، فنحن نحصل على ٩٦% من طاقتنا من الوقود الأحفوري، على شكل ٥٣ و٤١ و٢ % غاز وبترول وفحم على التوالي، بالإضافة إلى ٤% طاقة متجددة معظمها كهرومائية، ولم تذكر الاستراتيجية كميات استهلاكنا الحالي من مصادر الطاقة، أو معدلات النمو المتوقعة، أو الاحتياجات المطلوبة بحلول عام ٢٠٣٠، ولم تتضمن أي معلومات عن مصادر تلبية هذه الاحتياجات ولا أنواع الوقود، كما لم تُحدّد نسب المزيج المستهدف! من الغريب أن الاستراتيجية، التي خلت من نسب الطاقة الأولية، حدّدت نسب مزيج الكهرباء، دون إيضاح كذلك للمعدلات المتوقعة لنمو الطلب أو الاحتياجات الكلية المستهدفة. وأوكلت هذه المهمة إلى برنامج من المتوقع تنفيذه بين عامي ٢٠١٦ ٢٠٢٠، وسيكون من مهامه إصدار خطة استراتيجية متوسطة وبعيدة المدى للقطاع، تتضمن نِسَب مزيج الوقود الأولي وسياسات ترشيد الطاقة وكفاءة الإنتاج! فعلى أي أسس إذن وُضعت النسب الحالية لمزيج الكهرباء؟ وهل ستُراجَع نسب هذا المزيج بعد تنفيذ البرنامج؟ وما إمكانية تطبيق مزيج الكهرباء الحالي في ظل تطوير استراتيجية أخرى؟ وما جدوى فرض مزيج قوامه محطات فحم ومفاعلات نووية، قبل تصميم استراتيجية وخطة للقطاع يقومان على بيانات دقيقة؟ من أهم أسباب القلق أيضًا أن المزيج المطروح، على الرغم من تنوعه (الفحم ٢٩%، الغاز والبترول ٢٧%، الطاقة المائية ٥%، الشمس والرياح ٣٠% والطاقة النووية ٩%) لن يحقق «التنمية المستدامة»، وهي عنوان الاستراتيجية، وتستوجب مراعاة البعد البيئي والاجتماعي لتحقيق النمو الاقتصادي، أي الطاقة النظيفة والمتوفرة بسعر مناسب. فمن ناحية، يتعارض اعتمادنا على الفحم مع البيئة، لما يمثله من عبء صحي بسبب تلوث الهواء وإجهاد النظام الإيكولوجي، جراء نقله وتخزينه والمخلفات الناتجة عنه، ناهيك عن أهمية الأماكن المُختارة، مثل شواطئ البحر الأحمر والمتوسط، لمحطات الطاقة كثيفة العوادم بالنسبة قطاع السياحة، ومن ناحية أخرى لا يدعم الفحم استقلالية القطاع لاعتماده على استيراد الوقود والتكنولوجيا، بالإضافة إلى الاستهلاك العالي للمياه الذي يختص به الفحم في بلد يعاني فقر الماء ويتوقع المزيد من ندرتها في المستقبل. كما أن التكاليف غير المُدرجة في تكاليف إنتاج الوحدة الكهربية المنتجة من تلك المحطات، المصاحبة لمحطات الفحم والطاقة النووية هي محل جدل واسع، فلا يمكننا إغفال التكاليف الناجمة عن التلوث البيئي، من تشغيل تلك المحطات، باعتبار الكلفة الاقتصادية للمحطات تشمل الآثار غير المباشرة أو بعيدة المدى جراء الانبعاثات الضارة لمحطات الفحم، أو تكاليف دفن النفايات النووية لمئات السنين، وتكهين المفاعلات الذي يستغرق وقتًا يساوي فترة عمل تشغيل المفاعلات. وبالإضافة إلى عامل الأسعار، فهناك صعوبة البدء في توطين التكنولوجيا والاستثمار فيها، حيث لا تمتلك مصر تقريبًا أي مناجم للفحم. ورغم وجود اليورانيوم، إلا أننا أبعد ما نكون عن امتلاك التكنولوجيا النووية، بالإضافة إلي تهديد هذين النوعين لاستقلالية إنتاج الكهرباء، خصوصًا في ظل تقلبات الأسواق وتوترات الأوضاع السياسية. بينما تمتلك مصر مخزونًا هائلًا من الطاقات المتجددة، حيث طبقًا لدراسة لمعهد فرانهوفر أجريت في ديسمبر ٢٠١٦ عن تكلفة إنتاج الوحدة الكهربية المنتجة من مختلف التقنيات في مصر، ستنخفض بحلول العام ٢٠٣٠ تكلفة إنتاج الكهرباء من تكنولوجيا الطاقة المتجددة، وبالتحديد محطات الرياح والخلايا الفوتوفولتية، لتصبح أرخص أنواع الطاقة في إنتاج الكيلو وات ساعة، مع الأخذ في الاعتبار سرعة تطور تلك التطبيقات وزيادة كفاءتها بمرور الوقت مع إمكانية تصنيعها محليًّا، ورغم طموح الاستراتيجية للوصول إلى ٣٠%، إلا أن هذا لا يبدو محتملًا ولا مجديًا في ظل التوسع في الفحم وإدخال الطاقة النووية، فكلاهما كفيل باستنفاد التمويل والموارد المطلوبة للتوسع في الطاقة المتجددة. لم تعكس الإستراتيجية رؤيةً حول التنمية المستدامة، كما افتقرت إلى البيانات والمعلومات، وكنا نأمل مثلًا أن تطرح برنامجًا قويًّا بأهداف كمية محددة لترشيد الطاقة في كافة القطاعات، أو برنامجًا أكثر طموحًا في الطاقة الشمسية والرياح والطاقة الحيوية، واعتبار الغاز الطبيعي، وتحديدًا محطات الدورة المركبة كمرحلة انتقالية، بديلًا عن الفحم والنووي، مع تعزيز الأنماط غير المركزية لإنتاج الطاقة، والتي تساهم في تقليل الفقد الناتج عن التوصيل بالشبكة الأم، وعدم التأثر بالأعطال المتكررة للشبكة، بالإضافة إلى دورها في تنمية مجتمعات نائية.