محمد البرادعي

محمد البرادعي

محمد مصطفى البرادعي (١٧ يونيو ١٩٤٢) دبلوماسي وسياسي مصري ذو توجه ليبرالي علماني، حاصل على جائزة نوبل للسلام سنة ٢٠٠٥ أثناء عمله في الوكالة الدولية للطاقة الذرية مديرًا لها. وهو مؤسس الجمعية الوطنية للتغيير. ويكيبيديا

عدد الأخبار كل يوم من ولمدة حوالي شهر واحد
من أهم المرتبطين بمحمد البرادعي؟
أعلى المصادر التى تكتب عن محمد البرادعي
سلفيو الإسكندرية وجدل اعتزال السياسة أحمد بدراوي ٣٠ يوليو ٢٠١٧ مع مرور أربع سنوات على تغير الوضع السياسي في يونيو يوليو ٢٠١٣ بدا ما سمي بـ«تحالف ٣٠ يونيو» ذكرى سياسية قديمة تعرضت للتفكيك والتركيب مرات عدة مع كل منحنى سياسي كبير، إلا أن بعض مكونات الحلف آثرت حفظ الحد الأدنى من الاتفاق بينها وبين أجهزة الدولة. ورغم تأميم المجال السياسي العام في مصر بعد مرور أربع سنوات، إلا أن سلفيو الإسكندرية ـ مدرسة الدعوة السلفية في الإسكندرية ـ لم يجيبوا على السؤال الذي ظل طيلة تلك السنوات يوجه لقياداتها؛ لماذا لم تعتزلوا العمل السياسي؟ لا ينطلق السؤال من رغبة في إقصاء الدعوة وذراعها السياسي، حزب النور، عن المشهد السياسي لخلاف أيديولوجي حول خطابهما اليميني، بقدر ما هو إعادة إنتاج لأدبيات الدعوة السلفية التي تتحفظ على المشاركة في العمل السياسي إذا تحول لـ«تحصيل حاصل» بلا تغيير ملموس. «بقاء المجبر» يرى الشيخ علي غلاب، أحد مؤسسي الدعوة السلفية بمطروح وفصلته عمومية السلفية في الإسكندرية من الدعوة في ٢٠١٥، أن دخول الدعوة ثم الحزب في المشهد السياسي خصم من رصيدها الدعوي، وأن على سلفيي الإسكندرية اعتزال السياسة الحزبية والعمل السياسي. علي غلاب وأضاف في اتصال هاتفي مع «مدى مصر» «حزب النور وضعه الآن لا يقارن بما قبل وفقد زخمه السياسي الكبير وتحول لحزب عادي مثل باقي الأحزاب، حتى كتلته البرلمانية عددها أقل، ومرشحي الحزب في مطروح نجحوا بأصوات القبائل». يرى غلاب، أن بقاء الدعوة السلفية في المشهد السياسي هو «بقاء المجبر»، لأن للعمل السياسي حسابات تدفع الشخص للبقاء.موضحًا أن سلفية مطروح لها موقف عام باقية عليه وهو اعتزال السياسة ككل. الصراع بين مجلس الإدارة العام للدعوة في الإسكندرية ومجلس مطروح ممتد من أربع سنوات، منذ بيان غلاب باعتزال العمل السياسي في عام ٢٠١٣، وهو ما أدى لقرار من المجلس العام بتجميد عمل مجلس مطروح، وصولًا لمبادرة المصالحة التي طالبت فيها مطروح الإسكندرية أن تعتبر الخط الدعوي للدعوة السلفية قبل ٢٥ يناير هو الأصل. كما دعا محمد إسماعيل المقدم، أحد أقطاب الدعوة السلفية، في أبريل ٢٠١٥ لترك السياسة التي فرقت البلد، بحسب لقاء جرى بين غلاب والمقدم وأحمد حطيبة وأحمد فريد، والأخيران من مؤسسي الدعوة السلفية الستة. وقال مصدر سلفي مطلع، طلب عدم نشر اسمه لأنه غير مخول له التحدث للإعلام «لا شك أن الدعوة السلفية تعاني من تضييق وتعنت ضدها وهناك بالفعل تضييق في حرية الحركة الدعوية لنا». وأضاف لـ«مدى مصر» «هناك تعنت ضدنا نتيجة للهجوم الليبرالي غير المنصف والهجوم الإخواني، وهو تضييق سببه التطبيق غير السليم للقوانين، وبلا شك حزب النور صوته أصبح خافتًا عن ذي قبل». ويبدو خفوت صوت سلفيي الإسكندرية، منسجمًا مع رغبتهم في عدم تصدر المشهد بعد ٣٠ يونيو، وهو ما يؤكده شريف طه، المتحدث الرسمي السابق لحزب النور، وعضو هيئته العليا في تدوينة كتبها في ١٤ يوليو ٢٠١٣. يقول طه «لابد أن نعترف أن تصدر الإسلاميين بكل فصائلهم للمشهد كان خطئًا استراتيجيًا قاتلًا، وأن الدعوة لانتخابات رئاسية مبكرة ـ قبل عزل مرسي ـ كانت بمثابة تصحيح لهذا الخطأ الذي مثل نزيفًا دعويًا وسياسيًا كبيرًا لم يعد يمكن تحمله، وأن وجود الإسلاميين كجزء من المشهد مع قدرتهم على الدعوة أفضل بكثير من تصدرهم للمشهد مع بُغض الناس لهم». «وعاء الدعوة» منذ الثالث من يوليو ٢٠١٣، تردد لدى عدد من ذوي الاتجاهات والرؤى المناوئة لتيار الدعوة السلفية ولإدارتها للمشهد السياسي، عبارة «هؤلاء بٌرهاميين» تعليقًا على ما يعتبرونه طاعة والتزام حرفي من قواعد الدعوة السلفية بكل ما يصدر عن ياسر بٌرهامي؛ نائب رئيس الدعوة السلفية، من تصريحات. لكن مصدر سلفي، طلب عدم نشر اسمه، قال لـ «مدى مصر»، إن فكر ورؤية ياسر بٌرهامي، متجذرين في صفوف قطاعات واسعة في الدعوة السلفية، خاصة رؤيته لتأصيل الواقع بشكل شرعي، وذلك لكونه منذ فترة الهجمة الأمنية في التسعينيات عام ١٩٩٤، الأكثر حركة ونشاطًا، ومعظم الموجودين هم من تلاميذ الشيخ، وهو لا يؤثر في قرارات الدعوة بكلمته المسموعة، لكن بطبيعة الحال، هو بذل جٌهد تربوي تلقاه على يده كثيرون، وبناء شخصيات رجال الصف الثاني والثالث في الدعوة، كان لبرهامي تأثيرًا كبيرًا عليهم، وفق المصدر. ياسر برهامي يرى الدكتور ياسر برهامي، نائب رئيس الدعوة السلفية، والذي يدير فعليًا الدعوة بعد ٢٥ يناير، أن مشهد الدعوة السلفية بعد ٣٠ يونيو، يؤكد أن وجودها عامل من أعظم عوامل استقرار المجتمع المصري. ويقول في مقابلة مع «مدى مصر» «بقينا للحفاظ على ما بقي من العمل الإسلامي البناء غير الصدامي، ورفضنا الصراع الصفري الذي حاول البعض فرضه على العمل الإسلامي وعلى المجتمع، فجاء بأسوأ النتائج، ونحن كدعوة سلفية مازلنا نمثل جزءًا أساسيًا من قضية الاستقرار في المجتمع، وفي بذل الجهد في الإصلاح الهادئ والبناء، وحتى لو لم يعرف المجتمع أهمية دورنا، فنحن نعمل في كل طبقات المجتمع». ويشير برهامي إلى أن من فقدته الدعوة من كوادرها بعد الثورة هم من انضموا لها بعد الثورة، وليس من أبنائها الأصليين فالفقد محدود، وقواعد الدعوة مازالت متماسكة. وحول مؤتمرات الدعوة السلفية الموجهة ضد الشيعة، يقول برهامي «أوقفنا المؤتمرات ولم يعد من الممكن عملها لوجود اضطراب أحوال، فالوضع قبل ٣٠ يونيو غير ما بعدها، خاصة مع استهداف الأماكن والعمليات الإرهابية». ويؤكد برهامي أن مشاركة حزب النور في اجتماع الثالث من يوليو ٢٠١٣، كانت بطلب من المجلس الأعلى للقوات المسلحة، وهو اجتماع دُعيت له كل القوى للنظر فى مستقبل البلاد، بما فيهم الإخوان المسلمين وحزب الحرية والعدالة والأزهر والكنيسة، لكن الإخوان اعتذروا، «وذهبنا للاجتماع بهذا الاعتبار وهو النظر في المستقبل، وكان لدينا أمل أن يوكل الأمر للدكتور مرسي، ويطلب منه عمل انتخابات رئاسية مبكرة ليتم حل الأمر بدون تعطيل للدستور، لكن سبق السيف العزل وكان الأمر قد انتهى، ووافقنا على ذلك لوجود مخاطر ضخمة جدًا على البلد، ورفضنا الصدام»، يوضح برهامي. يرى برهامي أن كل الأحزاب بما فيها حزب النور تعرضت لضعف، لكن النور تعرض لهجمة «شرسة جدًا» من جميع الفرقاء الموجودين، وتعرض لأزمات ومواجهات مع الأمن وقت الانتخابات البرلمانية، لكن هو مازال موجودًا بشكل قوي في الحياة السياسية، خاصة وأن القضاء حكم أكثر من مرة ببطلان الدعاوى القضائية بحل الحزب. وأكد أن الحزب هو حزب سياسي له مرجعية هي الشريعة الإسلامية وهي منصوص عليها في الدستور. وعن دور الدعوة السلفية في حماية الهوية الإسلامية والصحوة الإسلامية، وانتشار ظواهر الإلحاد وموجات أخرى، قال «التغريب وحملات الإلحاد مستوردة من الخارج، وينفق فيه أموالًا ضخمة جدًا من منظمات معروفة الهوية، والدعوة السلفية موجودة على الأرض وتبذل كل ما في وسعها، والأمور التي تحدث فيها شد وجذب، وليس الوضع السياسي هو المؤثر فيها بالدرجة الكبرى». يقول أحمد الشحات، عضو شاب بالدعوة السلفية، في مقال بعنوان «لماذا لا ينسحب السلفيون من المشهد السياسي؟»، إن اعتزال السياسة وانسحاب الإسلاميين يزيد المشهد فسادًا، فوجود الإسلاميين هو عقبة أمامهم، والانسحاب خسائره فادحة. وأضاف «أما قلة عدد نواب الحزب في البرلمان، فهو نتيجة لإحجام الناس عن المشاركة، ونحن لسنا مسؤولين عن ذلك، وجزء أيضًا بسبب ما تم من إقصاء لإضعاف قوة حزب النور في المجلس، وهو ما يدفعنا للاستمرار في الدعوة لتوثيق وتقوية القاعدة الشعبية لنا». ويوضح الشحات «عدد نوابنا في البرلمان أقل من أن يكون رقم مؤثر، لكنهم لهم فعالية، ومواقف واضحة، وعلق الحزب على بيان الحكومة ولم يقبله، ورفض قانون القيمة المضافة، وقانون الخدمة المدنية، وقانون تجريم الختان، وقانون بناء الكنائس، والحزب وجوده غير ديكوري ولم يتحول لأداة يمرر من خلالها النظام ما يريد»، حسب قوله. ولهذا انتخب السلفيون السيسي في مايو ٢٠١٤، حين قررت الدعوة السلفية وحزب النور انتخاب الرئيس الحالي، عبد الفتاح السيسي، وزعت الدعوة السلفية في المساجد التابعة لها ورقة بعنوان «إلى أبناء الدعوة السلفية .. لماذا اخترنا السيسي؟!» وشرحت فيها حيثيات قرارها بدعم السيسي عبر معسكرات مغلقة لتوضيح الصورة لقواعدها. تقول الدعوة «علينا أن نحافظ على ترابطنا وتماسك كيان الدعوة والالتفات حول القيادات، نعم اخترنا السيسي كمرشح، لكه اختيار نسبي وليس مطلق، نشارك في الانتخابات لدعم الدولة» ورأت الدعوة أن «السيسي ليس له أيديولوجية فهو ليس ماركسي أو يساري أو يميني أو إسلامي، بلا هوى سياسي، ولا يميل لفصيل سياسي معين، وليس بأيديولوجية تتعارض مع الدستور من ناحية تطبيق الشريعة الإسلامية بتدرج وإصلاح المنظومة الأخلاقية، ويعي خطر إيران والمد الشيعي، ولا يدور في فلك دولة بعينها، وهو الأقدر على التعامل مع مؤسسات الدولة، وعمل مصالحة وطنية، ومشاركتنا هي من أجل المصلحة العامة». رفضت الدعوة خيار المقاطعة. وقال وقتها مسؤول الدعوة السلفية في الإسكندرية، محمود عبد الحميد إن «المقاطعة تعني تفتيت قوة الدعوة السلفية وتفكيك قواعدها، وتصنع عداء مع مؤسسات الدولة، وتؤدي لسوء علاقة مع الرئيس القادم، وتضيع مستحقات واستحقاقات حزب النور في صنع القرار». محمود عبد الحميد وأضاف عبد الحميد «الضمانة في وجودنا على الأرض أن يكون أبناء الدعوة متماسكين على قول رجل واحد، وبالتالي تصبح ككيان لك حساب، المهم تبقى قوة مؤثرة على الأرض، وتقدر تاخذ مقاعد كثيرة في البرلمان». وهو ما يفسر لماذا غضبت الدعوة والحزب بعد خسارتهم أكثر من ٥٠% من مرشحيهم في البرلمان، الأمر الذي وصل لتهديد الحزب بمقاطعة المرحلة الثانية للانتخابات. لفت عبد الحميد «كتلتنا التصويتية كإسلاميين ٧%، وحصدنا ٧٠% من الأصوات في الانتخابات الماضية، وعلينا أن نشارك في الانتخابات الرئاسية بالتصويت لكي نحصر كتلتنا التصويتية الحالية، نحن ممثلي التيار الإسلامي في الدولة الآن، والكيانات الإسلامية الأخرى أصبحت ضعيفة ومهلهلة، لا بد من الحفاظ على تواجدنا، وإلا تعرض العمل الإسلامي لضربة قوية، والعمل السياسي هو وعاء للحفاظ على الدعوة السلفية، بدونه الدعوة تنهار، ولو تفرقنا لن يصبح لنا قيمة». عن قرار انتخاب السيسي، يقول برهامي «كنا نبحث عن الممكن والمتاح وليس المثالي والمطلوب. وفي ذلك الوقت، كان الأقدر أن يمر بالبلد من أزمتها مقارنة بالمرشح المنافس، لا شك أنه لم يكن سوى اختيار الرئيس الحالي». لكن برهامي رفض الربط بين انتخاب السلفيين للسيسي ودعم قراراته، قائلًا «ليس هناك علاقة بين اختياري للرئيس الحالي، وأن أكون موافق على كل قراراته، وإن كانت القرارات الاقتصادية في الحقيقة ناقصة وليست خاطئة، والخلل الذي فيها هو سببه عدم رعاية الطبقات الفقيرة وعدم مراعاة وسائل أخرى لزيادة موارد الدولة قبل رفع الأسعار، ولابد من تعويض الفقراء، والحكومة هي التي اتخذت هذه القرارات». يقول الباحث في شؤون الجماعات الإسلامية، أحمد زغلول إن موقف النور بالاستمرار في العمل السياسي يأتي طبيعيًا في السياق الوجودي للحزب، ويشرح «باختصار حزب النور يرفض أن يعود لما كان عليه قبل ٢٠١١، على الرغم من نظرته الرافضة أساسًا لفكرة الخروج عن الحاكم، لكنه لا يريد أن يعود ليبقى تحت سيطرة ضابطًا في أمن الدولة، وأن تتعرض قياداته للاعتقال والانتهاك في كل ظرف ومكان. هو يسعى بدأب لأن يكون هو الطرف الديني في المعادلة السياسية المصرية. وهذا يتطلب منه العديد من الأمور، على رأسها دعم الدولة، وفي هذا تفسير لموقف الحزب في دعم اتفاقية التنازل عن جزيرتي تيران وصنافير للسعودية. «الدعوة السلفية ومعها حزب النور يراهنا على استقرار النظام، ويران أن أي تهديد للنظام هو تهديد وجودي لهم»، يقول زغلول. كان أحد أبرز المواقف التي أعلنها حزب النور وأيد فيها موقف الدولة، موقفه الأخير من أحقية السعودية في السيادة على جزيرتي تيران وصنافير. إذ قالت لجنته القانونية «إننا وبعد تقييم القرائن والأدلة، وتحقيق الوثائق القانونية الصالحة للإثبات أو النفى لتبعية الجزر، والتي ليس منها قطعًا الأطالس، أو الكتب المدرسية، ونحوهما، وبعد التفريق بين أعمال الإدارة والحماية، وأعمال السيادة، وبعد إعمال قواعد الترجيح، ترجح لدينا تبعية الجزيرتين للمملكة العربية السعودية». بقاء وجود استمرار السلفيين في المشهد السياسي إذًا هو معركة إثبات وجود أو معركة بقاء، في مشهد لو اعتزلوه ربما يخسرون تلك المكاسب التي حصدوها بوجود ١١ نائبًا لهم في مجلس النواب الحالي، بعد أن كانوا في المرتبة الثانية في برلمان ٢٠١٢. يقول زغلول «بعد ٣٠ يونيو ٢٠١٣ تغير مشهد الجماعات السلفية بشكل كبير. مجموعات مثل الجبهة السلفية وحازمون، وجماعات أخرى ملتفة حول حازم صلاح أبو إسماعيل، اختفت تمامًا. منها من ضم على من تبقى من الإخوان المسلمين، ومنهم من مال في اتجاه الجماعات المتطرفة، ومنهم من اعتزل العمل السياسي تمامًا. وبقى على السطح حزب النور فقط، ومن ورائه الدعوة السلفية، على الرغم من التضييقات التي تعرض لها في مسألة مثل الخطابة في المساجد أو حتى الدعوات التي وجهها البعض لحل الحزب باعتباره حزب ديني». ويتابع «في ظل الدعاية التي كونها الإخوان المسلمين بتصوير الحرب ضدهم هي حربًا على الإسلام، كان لزامًا على الدولة أن تُبقى طرفًا مثل حزب النور في المشهد السياسي. بالطبع بقاء الحزب طرفًا في المعادلة السياسية كبده الكثير من الخسائر، على سبيل المثال هبوط تمثيله البرلماني من ٢٥% في برلمان ٢٠١٢ إلى ١.٥% في برلمان ٢٠١٤، مع الوضع في الاعتبار تغير قوانين وطريقة الانتخابات بالطبع». لا يملك السلفيون في الوقت الراهن الانسحاب من المشهد السياسي لتجنب الدخول في صدام مع السلطة الحالية، ينتهي باستئصالهم بالكلية وربما تهديد وجودهم الدعوي. ومع ذلك، لوح السلفيون بخيار الانسحاب، بعد اجتماع الثالث من يوليو ٢٠١٣ حين تواترت أنباء عن ترشيح الدكتور محمد البرادعي، نائب رئيس الجمهورية الأسبق لرئاسة الحكومة، بوصفه عدوهم الفكري اللدود، بجانب تلويح آخر بالانسحاب من المرحلة الثانية لانتخابات البرلمان الحالي في نهاية ٢٠١٥، أو حتى التلويح بحل الحزب والانسحاب من المشهد السياسي كاملًا. لكن السلفيون بوصفهم الوحيدين من تيارات الإسلام السياسي الذين بقوا في المشهد، فقدوا كثيرًا من زخمهم ووجودهم البارز في المشهد السياسي الحزبي والعام، رغم محاولاتهم للتأكيد على أن حزبهم سياسي وليس دينيًا، ما ظهر في اضطرار الحزب الدفع بكوادر قبطية ونسائية على قوائمه الانتخابية، برغم ما رأته الدعوة السلفية من مخالفة ذلك للشرع والدستور حسب فتواها. طوال أربع سنوات، حاول النور التأكيد كل حين على أنه حزب لكل المصريين وأن من بين أعضاء الحزب مسيحيين ـ دون أن يكشف عن عددهم ـ وذلك برغم خروج الدكتور محمد إسماعيل المقدم، أحد مؤسسى مدرسة الدعوة السلفية بالإسكندرية، إبان أزمة تأسيس حزب الوطن في نهاية ٢٠١٢، ليقول إن «الأصل بقاء ما كان، وأن النور هو الذراع السياسي للدعوة السلفية، ولا مجال للمجاملة في هذا». المعنى نفسه أكده الأمين العام السابق للنور، طارق فهيم، بقوله إن الحزب جزء من الدعوة، وهو الإبن الشرعي لها، وهو إن لم يكن ابنًا لها فهو ابن حرام. ويقول يونس مخيون، رئيس الحزب إن النور مفتوح للجميع وأن تسميته بحزب النور السلفي هو خطأ. حاول «مدى مصر» التواصل مع قيادات حزب النور، للتعرف على رؤيتهم حول الجدل بشأن العمل السياسي في ظل تجربة السنوات الأربع الماضية، إلا أن جميعهم فضلوا الاستمرار فيما سموه بإجازة إعلامية، وفضل البعض عدم التصريح أو التعليق على المشهد الحالي، واصفين إياه بأنه لا يسر أحد ولا يستحق عناء التعليق عليه حتى.
القوى الديمقراطية ونظام ٣٠ يونيو عن الأمل واليأس في الفعل السياسي لينا عطاالله ١ يوليو ٢٠١٧ مرّت أربع سنوات على نهاية حكم الإخوان المسلمين في ٣٠ يونيو ٢٠١٣. تغيرت خلالها الكثير من اﻷوضاع السياسية والاجتماعية في مصر. وفي هذا التوقيت نرصد ما طرأ على علاقة شركاء ٣٠ يونيو، نبحث ما وصلت إليه علاقة كلٍ من المسيحيين، والأزهر، والسلفيين، والقوى المدنية مع النظام الحاكم. «عندما يكون هناك فراغ في السلطة المُهيمنة، عليك أن تتجاوز الشعور بالاكتئاب وأن تقوم بكمين. ولكن عليك أن تكون صبورًا. هذه هي السياسة.. الصبر». هكذا حكت فاطمة صادغي، أستاذة العلوم السياسية بجامعة أزاد الإسلامية في إيران، قبل أيام من ٣٠ يونيو ٢٠١٣. كانت صادغي تتحدث عن الوضع في إيران، في ١٢ من يونيو ٢٠١٣، قبل أيام من انتخاب الرئيس حسن روحاني، المعروف باعتداله السياسي، لفترته الرئاسية الأولى، فيما كانت مصر في طريقها لعزل رئيسها الإسلامي في نهاية الشهر نفسه. كانت تتحدث عن مناضلي، ثورة ١٩٧٩ الذين قام الإسلاميون بإقصائهم مسيطرين على الدولة والسياسة والمجتمع والإسلام في فعل يمكن تشبيهه لمسيرة الإخوان المسلمين في مصر بعد ٣٤ عامًا. إذًا كانت لحظة ٣٠ يونيو بمثابة كمين، حسب تعبير صادغي. وقف مسيرة الإخوان لحكم البلاد بشكل منفرد. ولكن مع إقصاء الإخوان من الحكم والحياة السياسية بشكل عام، أَقْصَى آخرون مثل مَن ساهموا في خلق هذه اللحظة، لينتهي حال البلاد على رأسها قائد الجيش، وخلفه المؤسسة العسكرية. بعد مرور ٤ سنوات من اندلاع هذه اللحظة٬ تحدثنا مع بعض الفاعلين السياسيين، وتحديدا بعض صنّاع التيار الديمقراطي الذين كانوا جزء من العملية السياسية في ٣٠ يونيو ٢٠١٣. «فرصة» ولكن وصف محمد أبو الغار، مؤسس الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي، ٣٠ يونيو بأنها كانت «فرصة». وقد مثَلت لحظة استمعت فيها المؤسسة العسكرية لمطالب القوى الديمقراطية. لكنها لم تستغل، جيدًا، لعدم وجود خطة أو تنظيم لحركة ٣٠ يونيو، حسبما أوضح لـ«مدى مصر». كما تحدث عن جبهة الإنقاذ الوطني تحديدا، والتي تشكلت في ٢٠١٢ بعد إصدار الرئيس الأسبق محمد مرسي لإعلان دستوري وَسَع من سلطاته وقال إنها «كانت جبهة قيادات. لم يكن لدينا ثقل على الأرض وبالتالي كنّا في مهب الريح». أوضح أنها كانت تتسم بضعفٍ في التنظيم والقدرة على اتخاذ قرارات تنظيمية من شأنها أن تخلق قوة أكثر تجذرًا خلال التفاوض مع المؤسسة العسكرية، التي قادت المشهد منذ ٣٠ يونيو ٢٠١٣ حتى الآن. كان أبو الغار قد دعا لضم الأحزاب الديموقراطية تحت مظلة واحدة، تشكل تنظيمًا وطنيًا موحدًا، كالذي تَكَوَنَ، في أوائل القرن الماضي، من خلال حزب الوفد. لكن محمد البرادعي، مؤسس حزب الدستور، أحد المظلات السياسية للحراك الديمقراطي بعد ثورة ٢٠١١، كان قد تخوفَ من الفكرة حسبما قال أبو الغار لـ«مدى مصر». من جانبه٬ وصف حسام مؤنس٬ المتحدث باسم حركة التيار الشعبي، التي أسسها المرشح الرئاسي السابق حمدين صباحي في ٢٠١٢، مرحلة ما قبل ٣٠ يونيو بأنها كانت «التقاء المصالح وليس الرؤى»، وأوضح «كانت المصلحة واحدة ألا وهي التخلص من سلطة الإخوان»٬ ولكن لم تكن الرؤية واحدة. على صفحته على «فيسبوك» اشتبك عمرو عبد الرحمن٬ المحلل السياسي والقيادي في حزب العيش والحرية اليساري تحت التأسيس، مع فكرة عدم تلاقي رؤى التيار المدني والديمقراطي قبل أربع سنوات، مقسمًا هذا التيار إلى ثلاثة مكونات أولها «بعض الطامحين لتمثَيل سياسي للفئات الحاكمة القديمة»، وقد حاول هذا المكون جذب المؤسسة العسكرية تجاهه منذ ٢٠١١، في حين اختارت الأخيرة التعاون مع الإخوان المسلمين قبل الانقلاب عليهم. ويضم هذا المكون أحزاب كالمصريين الأحرار والمؤتمر وغيرها. أما المكون الثاني، حسب عبد الرحمن، فهو ما يسميه بـ«معارضة مبارك الجذرية» مثل حزبي الوفد والعربي الناصري وغيرها من الفئات والأفراد المهمشة من مؤسسات الدولة بما فيها ما يسمى بـ«الانتليجنسيا اليسارية القديمة»، ويضم عبد الرحمن إليها البرادعي. فيما مثَل المكون الثالث القوى الاحتجاجية، وفَسَره عبد الرحمن بقوله «هؤلاء قادمون جُدد إلى ساحة الفعل السياسي. من خارج الفئات الحاكمة القديمة ومعسكر معارضة مبارك الجذرية كذلك. وكانوا يقبلون بتمثيل جبهة الإنقاذ لهم. وذلك بناء على ميلهم لعدم التورط في عملية بناء تنظيمات مُستقلة، وقد انتهى بهم الحال إلى قبول أي طرف يتبنى شعاراتهم، حتى ولو كان ينتحلها لتحقيق أغراض لا تمت للديمقراطية بصلة». كما حَمَلَ عبد الرحمن الثلاث مكونات السابقة المسئولية عما تلى ٣٠ يونيو. وقد شَرَحَ ذلك بقوله إن أولها ساهم في تصفية أي إمكانية ديمقراطية في المجتمع عبر استدعائه المُبكر للجيش، بينما صَادَرَت معارضة عهد مبارك بتعاونها مع رموز نظامه والمقربين منهم على تطوّر أي خطاب ديمقراطي في مواجهة الإخوان. وأوضح «على العكس كانت مواجهتهم لهم على أرضية خطاب وطني زاعق. أما المكون الثالث على هشاشته فهو مسئول عبر فشله في التعبير التنظيمي والسياسي المُستقل». مشروع تم إحباطه من جانبه أكد شادي الغزالي حرب٬ القيادي السابق في حزب الدستور، على وجود مشروع سياسي ديمقراطي، قبل أربع سنوات. وقد ذَكَرَ مؤتمر «بعد الرحيل»، الذي نُظم في ٢٢ يونيو ٢٠١٣ أي قبل أيام من التظاهرات المطالبة برحيل مرسي. وكان الهدف من التجمع وضع خريطة سياسية لمرحلة ما بعد الإخوان، وسُبل تحجيم موقع المؤسسة العسكرية في معادلة الحكم المستقبلية. أشار حرب إلى عدم حماس جبهة الإنقاذ للمؤتمر، الذي نظم بحضور البرادعي وصباحي٬ وآخرين تولوا مناصب فيما بعد بحكومة حازم الببلاوي التي عينتها المؤسسة العسكرية بعد الإطاحة بمرسي مثل نبيل فهمي، وزير الخارجية الأسبق، وحسام عيسى، وزير التعليم العالي الأسبق. أشار حرب أيضا لهجوم حركة تمرد علي فكرة المؤتمر٬ وهو ما دفع البرادعي وقتها لعقد اجتماع في بيته لعناصر من حركة تمرد من أجل تهدئة الأجواء. لا تمثل ٣٠ يونيو بالنسبة لحرب فرصة استجابت من خلالها المؤسسة العسكرية للقوى المدنية والديمقراطية، فقد أوضح «كان لدينا خطة لتحجيم دور الجيش، لكن هم كان لديهم خطة أيضًا للسيطرة على المجال العام. الفرق أنهم كانوا مطلعين على خططنا». ويتابع «لم يكن ممكنًا أن تقوم المؤسسة العسكرية في تحركها ضد الإخوان المسلمين بدون الفصيل الديمقراطي. كنّا نقود المشهد منذ لحظة الإعلان الدستوري في ٢٠١٢. فجأة قفز (الرئيس الحالي عبد الفتاح) السيسي على (الحراك) وبدأت صوره تملأ الشوارع تدريجيًا فيما قبل يوم ٣٠ يونيو. لكنه لم يمكن ممكنًا أن يتصدر المشهد سياسيًا بشكل مباشر، وبالتالي كان في احتياج لنّا». يدلل مؤنس على وجود خطة للجيش من خلال الإعلان الدستوري، الذي أصدره رئيس الدولة المؤقت عدلي منصور في ٨ يوليو ٢٠١٣،والي لم ينسق محتواه مع أي من القوى الديمقراطية. وكانت اللحظة الفارقة عندما وجه السيسي خطابًا للشعب، في ٢٤ يوليو ٢٠١٣، لدعوتهم لأن يفوضوا الجيش لمواجهة عنف الإخوان. كان البرادعي وقتها قد عُيَن نائب رئيس الجمهورية للشؤون الخارجية وعَلَمَ بخطاب التفويض مثل بقية الشعب٬ حسبما يقول حرب. يعود أبو الغار ليقول إن الدولة المصرية، منذ عام ١٩٥٢، لا تريد تنظيمات وطنية. وأضاف «التنظيم الوحيد الذي كانت تتفاهم معه الدولة هو الإخوان. الفصيل الديموقراطي صعب التفاهم معه لأنه مثقف، وعادة ما يحرج الدولة». والآن إلى أين؟ كان أبو الغار قد اعتزل العمل السياسي وقيادة حزبه في العام الماضي. فيما استقال حرب من حزب الدستور لإحساسه بانعدام الاتساق الأيديولوجي داخل أروقته مما أضعف كيانه. بينما لا يرى أبو الغار ما الدور الذي يمكن القيام به سياسيًا الآن٬ قال حرب «الواقع يفرض علينا الاعتراف بالمسار السياسي الراهن. والمشاركة فيه عن طريق الانتخابات الرئاسية أو غيرها ما هو إلا إضفاء شرعية عليه. علمًا بأن الأمر الواقع شرعية بالأساس». فيما يقف مؤنس الآن على أرضية مختلفة عن موقفه، قبل ثلاث سنوات، عندما قرر صباحي ترشيح نفسه في انتخابات ٢٠١٤ الرئاسية أمام السيسي. كان ذلك رد فعل مباشر لتهميش السلطة العسكرية للتيار الديمقراطي. ولكن الوضع مختلف الآن. يقول مؤنس «نحن أمام رئيس يمكن أن يتعرض للمحاكمة إذا تَرَكَ السلطة بسبب قضية تيران وصنافير ولذا لا أعتقد أن هناك أي شك في استمرار حكمه لفترة تالية». كان السيسي قد صَدَّقَ على اتفاقية تعيين الحدود البحرية مع السعودية، والتي قضت بتنازل مصر عن جزيرتي تيران وصنافير للمملكة، وذلك بعد إقرار البرلمان لها رغم الرفض الشعبي، وحكم الإدارية العليا ببطلانها. يدعو مؤنس لتأسيس جبهة جديدة تضم من هم في الفصيل الديمقراطي، الذين يمكنهم التجمع حول مشروع سياسي يبني ولا يتوقف عند معارضته للوضع الحالي، على حد تعبيره. بينما يدعو حرب لتأسيس حركات احتجاجية أقرب لحشد منضبط حول الخطر المعيشي والخطر القومي المحيط٬ حشد لا يسهل الهجوم عليه أو اتهامه بالعشوائية. في سياق آخر ولكنه متصل تكتب المؤرخة الفلسطينية شيرين صيقلي، بشكل يتلاقى مع حديث صادغي، عن الأمل كفعل سياسي. فتعتبره صيقلي فعلًا يجب أن يستمر في مواجهة الفشل. يُعلق توقعات التغيير والانتصار. أمل لا يرى اليأس نقيضًا، بل رفيقًا لا حيلة في رفقته.
الأزهر ونظام ٣٠ يونيو حذر لا يُعطل المسار مرّت أربع سنوات على نهاية حكم الإخوان المسلمين في ٣٠ يونيو ٢٠١٣. تغيرت خلالها الكثير من اﻷوضاع السياسية والاجتماعية في مصر. وفي هذا التوقيت نرصد ما طرأ على علاقة شركاء ٣٠ يونيو، نبحث ما وصلت إليه علاقة كلٍ من المسيحيين، والأزهر، والسلفيين، والقوى المدنية مع النظام الحاكم. كتبت مي شمس الدين ٣٠ يونيو ٢٠١٧ في حين كان شيخ الأزهر أحمد الطيب، قبل أربع سنوات، شريكًا فاعلًا في مشهد عزل الرئيس الأسبق محمد مرسي. طرأت الكثير من التحوّلات على العلاقة بين الشريك والنظام الذي تشكل على مدار السنوات الماضية. تأتي الذكرى الرابعة لـ ٣٠ يونيو بعد خلاف بين مؤسستَي الرئاسة والأزهر، وقد ظهر جليًا في محطتَين أولهما عدم استجابة الأزهر لطلب الرئيس عبد الفتاح السيسي للتدخل لوقف الطلاق الشفوي. وتجسدت المحطة الثانية في رفضها التزام مشايخها بنص خطبة الجمعة الذي تضعه وزارة الأوقاف. بين المحطتَين صَوَّرَ الأمر كأنه صراع بين مؤسسة تنفيذية تقدمية وأخرى دينية رجعية. حاولت الرئاسة لعب دور مُجدِّد الخطاب الديني والأزهر حظى بدور المُمانع لهذه المحاولات. في حين كانت هيئة كبار العلماء قد تدخلت، في المرتين، لرفض ما طلبته منها السلطة التنفيذية. لكن البذور الحقيقية للخلاف كانت قد بدأت قبل أربع سنوات. تبرؤ من الدم وإعلان مخاوف بالعودة إلى لحظة تشكل ما سمَّى لاحقًا «تحالف ٣٠ يونيو»، والذي ضم فاعلين سياسيين مختلفين، جَمَعَ بينهم اتفاق على إزاحة جماعة الإخوان المسلمين، إلا أن الأزهر بدا مثل شريك حذر. بخلاف جميع الكلمات التي ألقاها كلٍ من محمد البرادعي، البابا تواضروس، جلال المرة ممثل حزب النور، الكاتبة سكينة فؤاد، وغيرهم جاءت كلمة الطيب حذرة. فقد تحدث بشكلٍ واضح عن وجود انقسام سياسي بين «فئتين متخاصمتين»، وأشار إلى ضرورة «عصمة الدماء». كما اعتبر شيخ الأزهر أن إزاحة مرسي عن الحكم «ضرر»، لكنه الأصغر مقارنة بضرر آخر يتمثل في سفك دماء المصريين وقد أوضح، في كلمته، أن «ارتكاب أخف الضررين واجب شرعي»، ثم أعلن أن عزل مرسي كان من أجل الحماية من الضرر الأكبر. في حين قال الباحث في العلوم السياسية بلال عبد الله لـ«مدى مصر» إن خطاب الثالث من يوليو (٢٠١٣) كان لحظة تأسيس للشقاق، ولا يمكن أن يُسمى تحالفًا. كما فَسَرَ تطوّر الخلاف على مدار السنوات الماضية لأن المسار الذي تحركت فيه البلاد لم يلتزم بما أُعلن عنه في خطاب عزل الرئيس الأسبق محمد مرسي. وكانت الشروط إيقاف نزيف الدماء، والتبكير بالانتخابات الرئاسية مبكرة، وتقصير مدة الفترة الانتقالية، حسبما تعبيره. وأضاف عبد الله «يبدو أن الطيب شعر بالغدر والخيانة بعد عدم الاستجابة لمطالبه، وشعر السيسي أيضًا أن (الآخر) يقف على الحياد ويساوي بشكل غير مبرر بين دولة لها شرعية تحارب الإرهاب والقائمين عليه، وبالتالي أصبح وقوف الطيب على الحياد أمرًا غير مقبول. الخلاف بين الطرفين اتخذ طابعًا سياسيًا بالتأكيد، ولكن أيضًا ظهر جليًا بعده الشخصي». في إشارة إلى كلام السيسي للطيب، قبل ما يزيد عن خمسة أشهر يناير الماضي بمناسبة الذكري السادسة لثورة يناير، بقوله «تعبتني يا فضيلة الإمام». وقد كشفت الأحداث المتلاحقة، قبل أربع سنوات، أن الضرر الأصغر لم يمنع الأكبر من الحدوث. بعد أيام من خطاب ٣ يوليو أبدى شيخ الأزهر رفضه، في ثلاث مناسبات، للمسار الذي آلت إليه الأمور. كان أولها إصدار الطيب لبيان شديد اللهجة، في ٥ يونيو، بعد أحداث عنف بين مؤيدي ومعارضي مرسي في ميدان التحرير. قال فيه أن ما يحدث «فتنة تصرَف قواتنا المسلحة الباسلة عن رسالتها الوطنية الأصلية، ونؤكد لكم جميعًا أن الدين والوطنية براء من أي دم يسفك». بعد هذا البيان بثلاثة أيام، ظهر الطيب مرة أخرى، ليُدين بشكل لا يقبل الشك مقتل العشرات من مؤيدي مرسي في أحداث مذبحة الحرس الجمهوري، في ٨ يوليو، وقد وصفهم الشيخ بالـ«شهداء» أصحاب «الدماء الذكية». وطالب بفتح تحقيق عاجل في المذبحة وإعلان نتائج التحقيق وتشكيل لجنة للمصالحة الوطنية، «التي لا تقصي أحدًا، فالوطن ليس ملكًا لأحد، فهو ملك للجميع، بل ويسع الجميع». وبشكل أكثر وضوحًا، اشترط الطيب ضرورة تحديد مدة الفترة الانتقالية، التي يجب ألا تتجاوز ستة أشهر. أما المناسبة الثالثة فقد كانت خطاب الطيب الذي تزامن مع الفضّ الدامي لاعتصامي رابعة العدوية والنهضة، وقال الطيب، في خطابه، إن الأزهر لم يعلم بأخبار فض الاعتصام إلا من خلال وسائل الإعلام. من جانبه فَسَرَ بلال عبد الله الثلاثة مواقف السابقة، وتطوّر الخلاف على مدار السنوات الماضية، لكَوْن الأزهر يتأثر بثلاث قوى، وأوضح ذلك بقوله «هذه القوى هي القاعدة الاجتماعية المحافظة، والنظام الحاكم، وأوساط المثقفين والليبراليين ودوائر الإعلام التي تفاعل معها الأزهر قبل ٣٠ يونيو لصياغة وثائق فوق دستورية لحماية الحقوق والحريات». إذا قَدَمَ تنازلات للنظام يصب ذلك في صالح الإخوان الذين يتهمون علماء الأزهر بكونهم شيوخًا للسلطان، وإذا قَدَمَ تنازلات لأوساط المثقفين ينعكس ذلك بالسلب على قواعده الاجتماعية التي تنجذب في هذه الحالة للسلفيين، حسبما أكد عبد الله. خطوات نحو استقلال جزئي سيطرت الدولة، ممثلة في وزارة الأوقاف، على جميع المساجد والأئمة. فقد فرضت الوزارة خطبة موحدة، وموضوعًا واحدًا مُحدد بشكلٍ مُسبق، فيما أحالت الكثير من الأئمة للتحقيق في حال مخالفتهم لذلك. كما يعتمد الأزهر بشكلٍ كامل على الدولة في موارده المالية، وقد بلغت ١٢ مليار جنيه العام الماضي. بينما لا زال للأزهر عناصر سيطرة كبيرة على المجال الديني. ومن أهم هذه العناصر قدرته على فرض التوجهات الدينية الخاصة به ومواجهة كل مَن يتحداها. وكانت الشكاوى التي قدمتها المؤسسة الدينية ضد الباحث إسلام البحيري هي السبب المباشر في حبسه لمدة عام بتهم ازدراء الأديان بعد انتقاده الحاد للتراث الفقهي الإسلامي. كما شهدت السنوات الماضية التحقيق مع أستاذ بجامعة الأزهر بسبب آرائه المغايرة والتوسع في محاكمات ازدراء الأديان ضد المعارضين لمناهج المؤسسة الدينية. ويسيطر مجمع البحوث الإسلامية على حركة النشر في كل ما يتعلق بالتراث الإسلامي في مصر، من خلال الرقابة على محتوى ما يُنشر ومصادرة الكثير من الأعمال الإبداعية بحجة مخالفة التعاليم الإسلامية، عملًا بالمادة ٢٥ من قانون الأزهر «يختص مجمع البحوث الإسلامية –في نطاق أغراض الأزهر بكل ما يتصل بالنشر والترجمة والتأليف والبعوث ودعاته وطلابه الوافدين وغير ذلك من العلاقات الإسلامية». من ناحية أخرى كانت أول خطوات الأزهر نحو استعادة استقلاله جزئيًا مع تعديل المجلس الأعلى للقوات المسلحة، في فبراير ٢٠١٢، للقانون رقم ١٠٩ لسنة ١٩٦١. فقد صار تعيين شيخ الأزهر أمرًا يتم بالانتخاب من جانب هيئة كبار العلماء بدلًا من الوضع السابق الذي كان جمال عبد الناصر قد أرساه لتسيطر السلطة التنفيذية على المؤسسة الدينية، وبناءً عليه كان قد قام بإلغاء الهيئة. وكان ناثان براون، الباحث ببرنامج الشرق الأوسط بمركز كارنيجي وأستاذ العلوم السياسية بجامعة جورج واشنطون، قد أوضح لـ«مدى مصر»، في وقت سابق، أن تخوف الدولة من سيطرة محتملة للإخوان وقتها على الأزهر أدى لتمرير هذه التعديلات، ولكنها تعمل بغض النظر عن طبيعة القائمين على الحكم. وأضاف «يكتشف السيسي ذلك حاليًا، مثلما اكتشف مرسي ذلك أيضًا من قبل. التعديل الذي أدى لتغيير في بنية قيادة الأزهر كان مُصممًا لجعل الأزهر مستقلًا عن سيطرة الإخوان، لكنه يعمل كذلك بغض النظر عمَن يشغل منصب الرئيس. جعل التغيير الشيخ [الطيب] أكثر استقلالية مثل المحكمة الدستورية العليا مثلًا. لكن أثر التعديل أصبح أبعد من ذلك، فلقد أعطت التعديلات الطيب [قيادة] مجموعة من كبار العلماء أكسبته مستوى كبير من القوة الرمزية. لقد استدعى الطيب [هيئة كبار العلماء] في السابق في خلاف مشابه مع مرسي بعد اجتماع الأمم المتحدة بخصوص اتفاقية مناهضة العنف ضد المرأة، ومرة أخرى العام الماضي في صراع مع وزارة الأوقاف [حول الخطبة الموحدة]. وأصبحت هذه الحماية القانونية أكثر صلابة بدستور ٢٠١٤، الذي نص في مادته السابعة على استقلال الأزهر، من خلال تحصين منصب شيخه من العزل». أدوات جديدة في الصراع وقد شهد العام الحالي خطوات للسيطرة على الاستقلال الجزئي للأزهر، فقد قَدَمَ النائب محمد أبو حامد للبرلمان مشروع قانون لتغيير طريقة اختيار شيخ الأزهر وهيئة كبار العلماء، لتكون مرة أخرى تحت سيطرة رئيس الجمهورية، إلا أن اللجنة الدينية، رفضت مشروع القانون، لكونه «يستهدف» شيخ الأزهر. وكان أعضاؤها قد زاروا مشيخة الأزهر، في مايو الماضي، ضمن وفد ضم العديد من أعضاء مجلس النواب. وكان علي عبد العال، رئيس البرلمان، قد صرح، في ٨ مايو الماضي، بأن مشروع قانون أبو حامد «صفحة وطويت»، في إشارة إلى وجود «شبهة عوار دستوري»، فيما كشف عن صعوبة استخدام الأدوات التشريعية في هذا الصراع، وهو ما أكده بلال عبد الله بقوله «تبدو الدولة غير قادرة على استخدام الأدوات الدستورية والقانونية في مواجهة الأزهر بسبب وضعه الدستوري، كما يصعب استخدام الوسائل السياسية بسبب القاعدة الاجتماعية القوية للأزهر وقوته المؤسسية المتمثلة في هيئة كبار العلماء». وكان الأزهر قد أعلن عن مشروع قانون لمكافحة الكراهية والعنف باسم الدين، نشر نسخة منه على موقعه الرسمي، قبل أيام، وذلك بعد شهرمن تقديم أبو حامد لمشروع مشابه، في نهاية مايو الماضي. ومن المتوقع أن يبدأ البرلمان قريبًا في مناقشة المشروعين، بحسب جريدة اليوم السابع.
قارن محمد البرادعي مع:
شارك صفحة محمد البرادعي على