عبد العظيم حماد

عبد العظيم حماد

عبدالعظيم حماد (١٩٥٠ في مصر) هو كاتب صحفي مصري. شغل عدة مناصب صحفية مرموقة على مدار تاريخه المهني. حصل على بكالوريوس العلوم السياسية من جامعة القاهرة. عمل كمحرر ومعلق سياسي منذ عام ١٩٧٣ ، سواء في الإذاعة والتليفزيون أو في مجلة أكتوبر أو في جريدة الأهرام. كان مديرا لتحرير الأهرام الدولي في أوروبا ، وكبيرا لمراسلي الأهرام في منطقة وسط أوروبا. له مؤلفات وأبحاث وكتابان مترجمان ودراسات دولية متنوعة. شغل منصب رئيس تحرير جريدة الشروق ثم مدير تحرير جريدة الأهرام.تم تعيينه في ٣٠ مارس ٢٠١١ كرئيس تحرير لجريدة الأهرام. ويكيبيديا

عدد الأخبار كل يوم من ولمدة حوالي شهر واحد
من أهم المرتبطين بعبد العظيم حماد؟
أعلى المصادر التى تكتب عن عبد العظيم حماد
أحزابنا من الداخل المصري الديمقراطي الاجتماعي نموذجًا عبد العظيم حماد ٢٩ أكتوبر ٢٠١٧ رغم الاقتناع الكامل بمسؤولية السلطة الحالية، مثل سابقاتها، عن ضعف الأحزاب السياسية أو إضعافها، فإن ذلك لا ينفي مسؤولية الأحزاب نفسها، وغالبية قياداتها وأعضائها، عن بعض هذا الضعف أو الإضعاف. وبما أن تغير موقف السلطة من الأحزاب، ومن الحياة السياسية عمومًا، ليس في متناول هذه الأحزاب، على الأقل في الظرف الحالي، فإن الدور الأولَى بالرعاية الآن من قِبل الأحزاب مجتمعة، ومن كل حزب على حدة، هو معالجة أسباب القصور الذاتية، ولو من باب أضعف الإيمان. في السطور التالية نستعرض تجربة حزب كان واعدًا، وكان مؤثرًا، بل وكانت الحياة السياسية المصرية، ولا تزال، في حاجة إليه، وهو الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي، الذي تأسس في زخم ما بعد ثورة يناير ٢٠١١ مباشرة، إذ عُقد مؤتمرُه التأسيسي (الفعلي لا الرسمي) في مارس ٢٠١١ بنقابة الصحفيين، وشهد إقبالًا واسًعا من النخب المهنية، والكوادر ذات الخبرات السياسية القديمة والحديثة، ومن عدد كبير من رجال الأعمال المؤمنين بالديمقراطية الاجتماعية، وكذلك من المثقفين ورجال الأعمال الأقباط الرافضين، بحق ووطنية، للانكماش الطائفي، أو الاحتماء بالسلطة، أو بكبار أثرياء الأقباط المتفاهمين مع السلطة، كل هذا إلى جانب الاقبال الواسع من شباب ثورة يناير في القاهرة وسائر المحافظات. بهذا الزخم تمكَّن الحزب، في الأشهر الأولى من تأسيسه، من استقطاب أكثر من ٧٠ ألف عضو، ثم تمكَّن من إنشاء هيكله التنظيمي بسرعة قياسية، ولكن بانتخابات ديمقراطية من القاعدة للقمة، وهو الأهم. كذلك تمكن «المصري الديمقراطي الاجتماعي» من تأسيس فروع له في أغلب المحافظات، وحل في المرتبة الثالثة بين الأحزاب المدنية في الانتخابات البرلمانية لعام ٢٠١١ ٢٠١٢، بعد «الوفد» و«المصريين الأحرار»، وبفارق ضئيل عن الحزبين الآخيرين، مع أنه كان الأحدث تأسيسًا والأقل تمويلًا. هنا لا يصح الاحتجاج بأن حزب «المصريين الأحرار» قد تأسس أيضًا في تلك الفترة نفسها، لأن التيار الذي يمثله هذا الحزب كان له وجود تنظيمي قبل ثورة يناير، وإن لم يكن رسميًا، كما كان لديه تمويل سخي سابق التجهيز والتراكم. لهذه الميزات، مضافًا إليها الأسلوب الديمقراطي في قيادة العمل الحزبي، كان أداء الحزب لافتًا للأنظار بشدة في الفترة القصيرة التي عاشها ذلك البرلمان، ما أهّله ليكون رقمًا مهمًا في معادلة الحياة السياسية المصرية، حيث لعب دورًا أساسيًا في «جبهة الإنقاذ» ضد ديكتاتورية حكم الإخوان، وفي الحشد الجماهيري ليوم ٣٠ يونيو، ثم شارك بقوة في حكومة ما بعد ٣٠ يونيو، إذ كان رئيس تلك الحكومة، الدكتور حازم الببلاوي، وكذلك نائبه، الدكتور زياد بهاء الدين، من قيادات الحزب البارزة. كما كان رئيسه الدكتور محمد أبو الغار، ومعه الدكتورة هدى الصدة، إحدى القيادات الحزبية الكبيرة آنذاك، من أعضاء «لجنة الخمسين» التي وضعت مشروع الدستور الحالي، وكان الاثنان ممن عارضوا بقوة النص الذي يبيح المحاكمات العسكرية للمدنيين. كما حقّق الحزب وجودًا ملموسًا في النقابات المهنية، خاصة نقابتي المهندسين والأطباء، ولا يزال نجاح الحزب في هاتين النقابتين مطّردًا. ما الذي جرى إذن ليتسبب في سلسلة النكسات التي ألمت تباعًا بـ «المصري الديمقراطي الاجتماعي»، ليستقيل كثير من قياداته الكبيرة والمتوسطة، وكثير من أعضائه العاديين، ولينسحب كثير من مموليه؟ الإجابة البديهية هي أن الانقلاب السلطوي على تحالفات وتفاهمات ووثائق ٣٠ يونيو ٢٠١٣، هو ما أوقع المصري الديمقراطي الاجتماعي في هذا المأزق، مثله مثل كل الأحزاب «الجادة»، وكل منظمات المجتمع المدني «الجادة أيضًا». ورغم بديهية هذه الاجابة، أي صحتها، فهي ليست موضوعنا اليوم، إذ أننا التزمنا في بداية المقال بالتركيز على الأسباب الداخلية، أو الذاتية، بحثًا عن سبل لمعالجتها. يرى فريق مهم من المؤسسين أن أولى النكسات تولّدت عن أول انتخابات أجريت لتشكيل الهيئات القيادية، إذ أن الكتلة التي كانت متمرسة بالعمل السياسي من قبل تأسيس الحزب ترابطت ووجّهت أصواتها لمرشحيها، الذين فازوا بأغلب المقاعد في كل تلك الهيئات، في حين لم تنتبه لهذا الأغلبية غير المتمرسة، ولم تتكتّل وراء مرشحين بعينهم، فتفرقت أصواتها، ليذهب بعضها الى مرشحي «الكتلة المتمرسة»، أي الكتلة اليسارية في الحزب. وطبقًا لذلك الرأي فإن ما حدث، وإن كان طبيعيًا في أية انتخابات ديمقراطية، إلا أن نتائجه العملية كانت سلبية، لأنها أخافت بعض رجال الأعمال الأقل يسارية، وجدّدت هواجس القيادات القبطية، ورجال الأعمال الأقباط، من التهميش في الحزب الذي رأوه أملًا في المشاركة السياسية المتجاوزة للطائفية والتكتلات القديمة. ومع أن رئيس الحزب في ذلك الوقت، الرجل الفاضل الدكتور محمد أبو الغار، قد حاول تدارك المشكلة، باستخدام حقه المقرر في اللائحة الداخلية في تعيين بعض أولئك ممن لم يُوفَّقوا في الانتخابات في مختلف هيئات الحزب، إلا أن الجرح كان قد أصاب الجسد، وأين؟ في الوجه. حيث وقع هنا الانسحاب الأول المؤثر من عضوية الحزب. كانت تلك فتنة صغرى، قياسًا إلى ما جاء بعدها من فتنة كبرى داخل الحزب، حول تزكية ترشيح وانتخاب وزير الدفاع المشير عبد الفتاح السيسي رئيسًا للجمهورية، فقد انقسم الحزب هنا من القاعدة إلى القمة لكتلتين الأولى، وهي الأغلبية بقيادة الأسماء البارزة، متفائلة بالسيسي، أو تفضل مسايرة الزخم الشعبي الهائل المؤيد للرجل، وبينهم الطامحون للترشح للبرلمان تحت لافتة «المنقذ الجديد»، وبالقطع كان بينهم أيضًا الحذرون، ولكن غير المستعدين للتصادم مع ذلك الزخم الشعبي. أما الكتلة الثانية، وأغلبها من الشباب المؤيدين للاتجاه اليساري الذي سبقت الإشارة إليه عند حديثنا عن الانتخابات الحزبية، فكانت متوجسة من تأييد السيسي «على بياض»، خوفًا من اختراق الثورة المضادة لنظامه، ومن احتمال عودة السلطوية الإقصائية. كان الحل الوسط الذهبي الذي اختاره المؤتمر العام للحزب هو ترك الحرية لأعضائه في التصويت في الانتخابات الرئاسية، كلٍ وفق ما يستريح إليه ضميره. ولكن هذا الحل الذي أُقرَّ ديمقراطيًا لم يرض لا هؤلاء ولا أولئك، فانسحب عدد كبير من الداعين لمبايعة السيسي، من الصفوف الوسطى، كما انسحب عدد كبير من المتوجسين، ونعى هؤلاء وأولئك على الحزب عدم قدرته على اتخاذ موقف حاسم في لحظة فارقة، وتناسى الفريقان أن هذا ظرف استثنائي، بل وبالغ الاستثنائية، أما الأعضاء المحتجون الأهدأ أعصابًا، فقد فضلوا تجميد أنشطتهم عن الخروج النهائي. ولكن الانقسامات استمرت تضرب هنا وهناك، خاصة بعد أن جاءت الأيام بأسوأ مخاوف المتوجسين من عودة السلطوية وفردية القرار ومحاصرة الأحزاب وتصنيع الانتخابات البرلمانية على النحو الذي جرت به، لتفرز البرلمان الحالي. كان رئيس الحزب، الدكتور محمد أبو الغار، وهو يقترب من أواخر السبعينيات من عمره (المديد بإذن الله) قد أُرهق من هذه الانقسامات، ورأى اعتزال الحياة السياسية، وأعلن ذلك مبكرًا، مرجئًا إياه لما بعد انعقاد المؤتمر العام «العادي» للحزب لانتخاب قيادة جديدة، وهذا ما حدث. لكن هذه الانتخابات تسببت في مشكلة أكبر، إذا كان التنافس يدور حول اتجاهين؛ الأول المهزوم كان يرى تحويل الحزب إلى حزب نخبوي، في انتظار تغير الظروف العامة ليعود حزبًا جماهيريًا، أما الاتجاه الذي كسب الانتخابات فكان يرى الإبقاء على الطابع الجماهيري للحزب، والاستمرار في مقاومة قيود السلطوية على الأحزاب والحياة السياسية عمومًا. تطابق كذلك هذا الانقسام بين «النخبوية» و«الجماهيرية» مع الانقسام السابق ذكره حول الموقف من تزكية وترشيح السيسي رئيسًا للجمهورية، فحدث نوع من التصويت العقابي ضد ممثلي الفكرة النخبوية. وعلى أي حال، فقد غادر معظم رموز الاتجاه المهزوم، وأنصارهم، صفوف الحزب فور إعلان النتيجة، ولأن فارق الأصوات بين الفائزين والخاسرين كان مجرد بضع عشرات من الأعضاء، فإن الكتلة المغادرة كانت هائلة بكل المقاييس، خاصة وأن منهم بعض كبار المتبرعين، فلم يعد هناك مفر من تصدُّع بنيان الحزب. ثم جاءت بعدها أزمة «تيران وصنافير»، وكان تأثيرها المباشر على الحزب المصري الديمقراطي أنها وضعته في دائرة المستهدفين من أجهزة الأمن، في القاهرة والمحافظات، لأن عددًا كبيرًا من شبابه كانوا ضمن المتظاهرين المحتجين على تسليم الجزيرتين للسعودية، ولأن الموقف الرسمي للحزب كان التمسك بمصريتهما. كان لابد لهذا الاستهداف بالطبع أن يؤدي لمشاكل للحزب، كان أهونها، ورغم سوء الوضع المالي للحزب، هو توفير أموال الكفالات القضائية لشبابه المعتقلين، فضلًا عن تفاوت التأييد لأساليب المواجهة، ومنها الحفاظ على قدر من الاتصال بالسلطات الرسمية، أو تصعيد الضغط الجماهيري، والتنسيق مع هذه القوة السياسية أو تلك، وكانت لكل ذلك تبعات إنسانية وسياسية على الجميع، وبالتالي على الحزب. ثم جاءت الأزمة الأخيرة، ومحورها الموقف من الاستعدادات للانتخابات الرئاسية القادمة، إذ اعترض البعض على مشاركة رئيس الحزب فريد زهران في الاتصالات الاستطلاعية، التي قيل إنها تستهدف تكوين جبهة معارضة لتأييد مرشح منافس للرئيس السيسي. ورغم أن رئيس الحزب صرّح للصحف ووسائل الاعلام، وفي اجتماعات حزبية، بأنه ملتزم بقرارات حزبية سابقة تحدد القوى الشرعية الأخرى التي يمكن التشاور أو التنسيق معها، وبأن ما طالب به، ويصر عليه، هو انحصار مهمة الجبهة المقترحة في التركيز على الضمانات المطلوبة لانتخابات حرة ومنافسة مفتوحة، وليس الاتفاق على اسم مرشح، رغم كل هذا فإن أعضاء مهمين رأوا أنه كان ينبغي الحصول على موافقة مسبقة حول مبدأ الانضمام إلى هذه المشاورات من عدمه، وأنه كان على رئيس الحزب إطْلاع المكتب السياسي والمكتب التنفيذي والأمانة العامة أولًا بأول على مجريات النقاش، ولذلك أعلن هؤلاء الأعضاء استقالاتهم. وهناك مجموعة أخرى من الأعضاء كانت تضغط على قيادات الحزب لاتخاذ قرار بالإنضمام إلى مؤيدي الأستاذ خالد علي، الذي أعلن فعلًا نية الترشح في انتخابات الرئاسة القادمة، ولما لم يجد هؤلاء الأعضاء استجابة قرروا الاستقالة. ما سبق كله كان تفاعلات داخلية لم تفرضها السلطة على الحزب، الذي لا يزال منيعًا حتى هذه اللحظة على الانقلابات الداخلية المرتبة من قبل أجهزة الأمن، وهو ما نرجو له الاستمرار. وبالتالي لا يمكن اعتبار هذه التفاعلات من مظاهر وأعمال الاضطهاد والحصار الحكوميين للأحزاب، وإنما هي من الأسباب الذاتية للضعف، حتى وإن عادت جذور بعضها إلى الممارسات السلطوية، كأزمة تيران وصنافير، أو كحالة الفتنة الكبرى حول ترشح السيسي وانتخاباته. فالحال هنا هو مجرد انعكاس غير مباشر لوطأة السلطة، وليس فعلًا مباشًرا كالاعتقالات أو تزوير الانتخابات أو عرقلة مصالح الأعضاء التي بلغت حد إغلاق مكتبة يملكها رئيس الحزب نفسه، بصفته صاحب دار نشر. وما دام هذا النوع من المشاكل مصدره داخلي، فيجب أن تكون حلوله داخلية أيضًا. سيكون الاقتراح الأول بالطبع، وهو الاقتراح المتكرر في مثل هذه الحالات، هو تنشيط قنوات الحوار، وتفعيل آليات الاتصال الداخلي. لكن الاتصال الفعال والحوار الديمقراطي لن يؤديا إلى شيء في غيبة الاستعداد المسبق والالتزام الجدي والتمييز بين ما هو مبدئي وما هو فرعي، وبين ماهو استراتيجي وما هو تكتيكي، والتمييز أيضًا بين الحزب «الثوري» الذي لا يعبأ بالقواعد الدستورية والقانونية، والحزب «المعارض»، الذي يجعل من مهامه الرئيسية إلزام السلطة المتجاوزة بتلك القواعد، فلا يتسق مع مبادئه ولا مع منهجه الخروج عليها، وهي حالة الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي. كذلك يجب الالتزام إلى أقصى الحدود بالعقيدة التي بمفادها يكون البقاء داخل التنظيم والإبقاء عليه، وسط التنكر الحكومي للعمل الحزبي والسياسي البالغ حد الاضطهاد، قيمة في حد ذاتهما، ونضالًا سلميًا من أجل الديمقراطية. وليس شرطًا أن يعني هذا البقاء الاستمرار في منصب قيادي، إذا كان الدور المنوط بهذا المنصب في هذا الظرف لا يلبي طموحات شاغله، أو لا يستوعب طاقته، أو لا يتفق مع تحليله الشخصي للموقف، ما دام الخلاف لا يدور حول المبادئ الكبرى للحزب. إن الانسحاب من العضوية هو أسهل الحلول، ولكنه في الوقت نفسه أكثر هذه الحلول تدميرًا للأحزاب، ومن ثم للحياة السياسية، وكان هذا بالضبط، ولا يزال، من أكثر أسباب إجهاض التجربة الحزبية المعارضة في مصر شيوعًا وتكرارًا، وكان هذا بالضبط، أيضًا، أحد أهم أهداف الاستراتيجية السلطوية من محاصرة الأحزاب. إن الاستقالات من الأحزاب، أو الانشقاقات الحزبية، كانت آفة منتشرة في بدايات كل تجربة تعددية في معظم بلدان العالم، خاصة بين الأحزاب اليسارية، ولكن مع مرور السنوات وتوالي الأحداث والتعلم من الأخطاء، تراكمت الخبرات وترسخت التقاليد، فابتُكرت صيغٌ خلاقةٌ لإدارة الخلافات داخل كل حزب، ومنها الصيغة التي تقبل بتعايش أجنحة مختلفة حول سياسات بعينها داخل الحزب الواحد، وتعاونها مع بعض. كما أن من هذه الصيغ بالطبع تجريد الخلافات من الاعتبارات الشخصية قدر الإمكان، ومنها أيضًا ما سبقت الإشارة اليه من التمييز بين الأصلي وبين الفرعي، وبين الاستراتيجي وبين التكتيكي. ليكن واضحًا، في ختام هذه السطور، أن الهدف هنا ليس لوم أحد، ولا الدفاع عن أحد، فإذا كان هناك لوم فهو موجه لنقص خبراتنا السياسية جميعًا، وإذا كان هناك دفاع فهو عن الحزب نفسه، وعن كل الأحزاب، على أمل أن تكون هذه دعوة لجميع الأعضاء في جميع الأحزاب بعدم استسهال الاستقالة أو الانشقاق، وللقيادات والأعضاء المستقيلين من جميع الأحزاب بالعودة إلى الصفوف، لأن الانخراط بقوة في الأحزاب هو خندق الدفاع الأخير، وخط الهجوم الأول ضد أعداء الديمقراطية في مصر، وما أكثرهم، وما أقواهم!
صحوة الموت.. الفصل الأخير في رواية يوليو ١٩٥٢ عبد العظيم حماد ١٧ أكتوبر ٢٠١٧ ينشر «مدى مصر»، بالاتفاق مع الكاتب، مقدمة كتاب «صحوة الموت.. الفصل الأخير في رواية يوليو ١٩٥٢»، لعبد العظيم حماد، والصادر مؤخرًا عن «دار الشروق»، ويضم مقالات سبق نشرها على موقع «مدى مصر»، على مدار عام ونصف. من المُسلَّمات في علم السياسة أن نظام الحكم في مجتمع ما يماثل الهيكل العظمي بالنسبة للجسد الحي. وبما أن الجسد الحي الطبيعي ينمو باطراد، فإن هيكله العظمي يجب أن يزداد طولًا وعرضًا، ليتسع لهذا النمو، وإلا فإن الجسد يترهل، وتتباطأ مشيته، ثم يفقد تمامًا القدرة على الحركة، وهو ما يتطلب التدخل الطبي لتقوية العظام، وضبط نمو الجسم مع نموها. لهذا تتغير الدساتير، أو تُعدّل من حقبة إلى أخرى في بلدان العالم التي تسير في طريق التطور، لاستيعاب القوى والمتغيرات والمصالح المستجدة، وهذا ما يسمى بـ«الإصلاح»، غير أن الأهم من تغيير أو تعديل الدساتير هو اقتناع الفاعلين السياسيين في المجتمع المدني بضرورة هذه التعديلات أو تلك التغييرات، وجدواها، بما يكفي لتوافر إرادة الالتزام بها، بوصفها البديل لانفجار العنف، أو الثورة، وإلا الصراع غير المنضبط، أو الثورة، وإلا تحول النظام والمجتمع معًا إلى دولة فاشلة، أو على طريق الفشل. ومن مسلمات علم السياسة أيضًا أن لكل مجتمع سياسي في حقبة معينة من التاريخ مشكلة كبرى تتفرع منها المشكلات الأخرى، ففي العصر الإغريقي مثلًا كانت المشكلة الأكبر هي مشكلة الوحدة المبتغاة بين الكيانات المتناثرة المسماة بـ«دول مدنية»، حتى جاء المقدونيون، ولم يكونوا إغريقيين أصلًا، وفرضوا الوحدة بالاستعمار. وفي أوروبا الغربية كانت المشكلة الكبرى في النصف الثاني من القرن التاسع عشر هي مشكلة الصراع الطبقي، التي أفرزتها الثورة الصناعية، وتمكن النظام الرأسمالي. وفي أواخر ذلك القرن، وحتى قرب منتصف القرن العشرين، كانت المشكلة الأولى في أوروبا هي مجابهة النزعة العسكرية الألمانية، أما بعد الحرب العالمية الثانية فأصبحت مشكلة أوروبا هي حماية الديمقراطية من الانقلابات الشيوعية في الداخل، ومن التفوق العسكري السوفييتي «الشيوعي» في الخارج. أما مصر – التي لم تكن ولن تكون استثناء من قوانين التاريخ – فقد تباينت مشكلاتها السياسية الكبرى من حقبة إلى أخرى منذ تأسست دولتها الحديثة على يد محمد علي باشا، في أعقاب جلاء الحملة الفرنسية. في عصر محمد علي كانت المشكلة الكبرى هي بناء الدولة المركزية القوية القادرة على حماية نفسها من الأطماع الأوروبية، ومن الخضوع المباشر مرة أخرى للدولة العثمانية، وقد تطلب ذلك جملة من السياسات أهمه تصفية المماليك، وإخضاع البدو، والتنمية الاقتصادية، وإدخال التعليم الحديث. ومنذ أواخر عهد الخديوي إسماعيل أصبحت المشكلة الكبرى هي وقف التدخل «الأوروباوي» في شؤون مصر، جنبًا إلى جنب مع مطلب الحكم الدستوري النيابي. وبعد الاحتلال البريطاني كان من الطبيعي أن تكون المشكلة السياسية الكبرى في مصر هي الجلاء أو الاستقلال، وذلك جنبًا إلى جنب مع المطلب الدستوري النيابي، الذي يُطلق عليه الآن «الاستحقاق الديمقراطي» غير أن سنوات ما بعد الحرب العالمية الثانية أضافت مطلب العدالة الاجتماعية، لتصبح مشكلة مصر الكبرى مثلثة الأضلاع. أدى فشل النظام الدستوري الليبرالي في مواجهة هذا الثالوث إلى استيلاء ضباط الجيش على السلطة في يوليو عام ١٩٥٢، وتحققت في البداية إنجازات كبرى على طريق التحرر الوطني والعدالة الاجتماعية، ولكن «الديمقراطية» أصيبت في مقتل لم تستفق منه حتى يوم المصريين هذا. وبالطبع فكلنا نعلم – والعهد لا يزال قريبًا – أن نظام ضباط يوليو أنهى شرعيته بيده بهزيمته أمام إسرائيل في يونيو ١٩٦٧، فهكذا اعترف مؤسس النظام جمال عبد الناصر، حين تعهد بإعادة الأمر للشعب مرة أخرى بعد إزالة آثار العدوان، وذلك في خطاب عدوله عن التنحي، وقبول الاستمرار في منصبه استجابة للمظاهرات الشعبية. ومن المؤكد أن الانتصار في حرب أكتوبر ١٩٧٣ أعاد قسطًا كبيرًا من الشرعية المفقودة إلى نظام يوليو ١٩٥٢ تحت رئاسة أنور السادات، ولكن سرعان ما ثبت أن بنية النظام نفسها لم تعد صالحة للاستمرار، وهكذا أنهى السادات عصر التنظيم السياسي الواحد، وبدأ عهدًا تعدديًا تجريبيًا. وبغض النظر عن مدى إخلاص السادات لمبدأ التعددية من عدمه، فإن ذلك كان اعترافًا بأن العمر الافتراضي لنظام الضباط، قد انتهى، علمًا بأن التجربة سرعان ما أثبتت أن السادات كان يريد التعددية مظهرًا لا جوهرًا، كما سيرى القارئ في فصول الكتاب، وهذا أيضًا ما حرص عليه حسني مبارك خليفة أنور السادات، وهذا ما يبدو أيضًا أنه الإطار المرجعي للعهد الرابع من نظام يوليو ١٩٥٢. *** بسبب هذا الجمود، اندلعت ثورة يناير ٢٠١١، لتثبت أن الهيكل العظمي الذي يشكله هذا النظام للجسد السياسي المصري، بات أضعف كثيرًا من أن يطلق لهذا الجسد حرية الحركة، والنمو، بل إن هذا الجسد تمرد مرة أخرى – وبسرعة فائقة – على القفص الحديدي الجديد الذي حاولت جماعة الإخوان المسلمين حشره فيه، مع بقاء هيكله العظمي ضعيفًا وعاجزًا في كل مكوناته، لكن هنا وقع الالتباس الكبير، فقد أدى اندلاع الصراع بين غالبية المجتمع بقادة الدولة العميقة وبين جماعة الإخوان المسلمين وحواشيها، إلى أن يتصدر هذا الصراع المشهد السياسي كله، ومن ثّمَّ توارت (مؤقتًا) المشكلة الأصلية، التي هي بناء نظام سياسي ديمقراطي تنافسي يحكمه القانون، ولا يقوم على تراتبية فئوية تمليها معايير القوة السياسية غير المستمدة من دستور ولا قانون، نظام تسوده قيم المواطنة، وعدم التمييز لأي سبب كان، ويخضع للمساءلة. ولأن الكاتب ممن يعتبرون أن جماعة الإخوان، وسائر فصائل الإسلام السياسي، هي قوة من الماضي، وأنه مهما يطل الزمن فهي إلى تحول ونضج أو إلى زوال، فإن قضية بناء نظام جديد بديل لنظام يوليو هي الأوْلى دائمًا بالاهتمام، أو على الأقل يجب ألا يدفعها الصراع مع الإسلام السياسي إلى مرتبة متأخرة، وما هذا الكتاب إلا مساهمة متواضعة في هذا السياق. الكتاب في الأصل سلسلة مقالات مستطردة نُشرت في موقع «مدى مصر» على امتداد عام ونصف العام، حتى شهر نوفمبر عام ٢٠١٦، وترد هنا عبر أبواب ثلاثة، هي على التوالي «الأساطير المؤسسة»، و«الجيش والمجتمع»، و«البحث عن خلاص». يتعين في ختام هذه المقدمة أن أتقدم بالشكر للقائمين على موقع «مدى مصر»، أولئك الشباب الواعدين الملتزمين بصحافة مهنية ومستقلة وتقدمية، وإلى القراء والأصدقاء الذين استقبلوا هذه المقالات «متفرقة»، على نحو أشعرني بالتشجيع دومًا، كما يتعين عليّ أن أشكر «دار الشروق»، التي أسعدني ترحيبها بنشر هذا الكتاب.
قارن عبد العظيم حماد مع:
شارك صفحة عبد العظيم حماد على