عبد العظيم حماد

عبد العظيم حماد

عبدالعظيم حماد (١٩٥٠ في مصر) هو كاتب صحفي مصري. شغل عدة مناصب صحفية مرموقة على مدار تاريخه المهني. حصل على بكالوريوس العلوم السياسية من جامعة القاهرة. عمل كمحرر ومعلق سياسي منذ عام ١٩٧٣ ، سواء في الإذاعة والتليفزيون أو في مجلة أكتوبر أو في جريدة الأهرام. كان مديرا لتحرير الأهرام الدولي في أوروبا ، وكبيرا لمراسلي الأهرام في منطقة وسط أوروبا. له مؤلفات وأبحاث وكتابان مترجمان ودراسات دولية متنوعة. شغل منصب رئيس تحرير جريدة الشروق ثم مدير تحرير جريدة الأهرام.تم تعيينه في ٣٠ مارس ٢٠١١ كرئيس تحرير لجريدة الأهرام. ويكيبيديا

عدد الأخبار كل يوم من ولمدة حوالي شهر واحد
من أهم المرتبطين بعبد العظيم حماد؟
أعلى المصادر التى تكتب عن عبد العظيم حماد
صحوة الموت.. الفصل الأخير في رواية يوليو ١٩٥٢ عبد العظيم حماد ١٧ أكتوبر ٢٠١٧ ينشر «مدى مصر»، بالاتفاق مع الكاتب، مقدمة كتاب «صحوة الموت.. الفصل الأخير في رواية يوليو ١٩٥٢»، لعبد العظيم حماد، والصادر مؤخرًا عن «دار الشروق»، ويضم مقالات سبق نشرها على موقع «مدى مصر»، على مدار عام ونصف. من المُسلَّمات في علم السياسة أن نظام الحكم في مجتمع ما يماثل الهيكل العظمي بالنسبة للجسد الحي. وبما أن الجسد الحي الطبيعي ينمو باطراد، فإن هيكله العظمي يجب أن يزداد طولًا وعرضًا، ليتسع لهذا النمو، وإلا فإن الجسد يترهل، وتتباطأ مشيته، ثم يفقد تمامًا القدرة على الحركة، وهو ما يتطلب التدخل الطبي لتقوية العظام، وضبط نمو الجسم مع نموها. لهذا تتغير الدساتير، أو تُعدّل من حقبة إلى أخرى في بلدان العالم التي تسير في طريق التطور، لاستيعاب القوى والمتغيرات والمصالح المستجدة، وهذا ما يسمى بـ«الإصلاح»، غير أن الأهم من تغيير أو تعديل الدساتير هو اقتناع الفاعلين السياسيين في المجتمع المدني بضرورة هذه التعديلات أو تلك التغييرات، وجدواها، بما يكفي لتوافر إرادة الالتزام بها، بوصفها البديل لانفجار العنف، أو الثورة، وإلا الصراع غير المنضبط، أو الثورة، وإلا تحول النظام والمجتمع معًا إلى دولة فاشلة، أو على طريق الفشل. ومن مسلمات علم السياسة أيضًا أن لكل مجتمع سياسي في حقبة معينة من التاريخ مشكلة كبرى تتفرع منها المشكلات الأخرى، ففي العصر الإغريقي مثلًا كانت المشكلة الأكبر هي مشكلة الوحدة المبتغاة بين الكيانات المتناثرة المسماة بـ«دول مدنية»، حتى جاء المقدونيون، ولم يكونوا إغريقيين أصلًا، وفرضوا الوحدة بالاستعمار. وفي أوروبا الغربية كانت المشكلة الكبرى في النصف الثاني من القرن التاسع عشر هي مشكلة الصراع الطبقي، التي أفرزتها الثورة الصناعية، وتمكن النظام الرأسمالي. وفي أواخر ذلك القرن، وحتى قرب منتصف القرن العشرين، كانت المشكلة الأولى في أوروبا هي مجابهة النزعة العسكرية الألمانية، أما بعد الحرب العالمية الثانية فأصبحت مشكلة أوروبا هي حماية الديمقراطية من الانقلابات الشيوعية في الداخل، ومن التفوق العسكري السوفييتي «الشيوعي» في الخارج. أما مصر – التي لم تكن ولن تكون استثناء من قوانين التاريخ – فقد تباينت مشكلاتها السياسية الكبرى من حقبة إلى أخرى منذ تأسست دولتها الحديثة على يد محمد علي باشا، في أعقاب جلاء الحملة الفرنسية. في عصر محمد علي كانت المشكلة الكبرى هي بناء الدولة المركزية القوية القادرة على حماية نفسها من الأطماع الأوروبية، ومن الخضوع المباشر مرة أخرى للدولة العثمانية، وقد تطلب ذلك جملة من السياسات أهمه تصفية المماليك، وإخضاع البدو، والتنمية الاقتصادية، وإدخال التعليم الحديث. ومنذ أواخر عهد الخديوي إسماعيل أصبحت المشكلة الكبرى هي وقف التدخل «الأوروباوي» في شؤون مصر، جنبًا إلى جنب مع مطلب الحكم الدستوري النيابي. وبعد الاحتلال البريطاني كان من الطبيعي أن تكون المشكلة السياسية الكبرى في مصر هي الجلاء أو الاستقلال، وذلك جنبًا إلى جنب مع المطلب الدستوري النيابي، الذي يُطلق عليه الآن «الاستحقاق الديمقراطي» غير أن سنوات ما بعد الحرب العالمية الثانية أضافت مطلب العدالة الاجتماعية، لتصبح مشكلة مصر الكبرى مثلثة الأضلاع. أدى فشل النظام الدستوري الليبرالي في مواجهة هذا الثالوث إلى استيلاء ضباط الجيش على السلطة في يوليو عام ١٩٥٢، وتحققت في البداية إنجازات كبرى على طريق التحرر الوطني والعدالة الاجتماعية، ولكن «الديمقراطية» أصيبت في مقتل لم تستفق منه حتى يوم المصريين هذا. وبالطبع فكلنا نعلم – والعهد لا يزال قريبًا – أن نظام ضباط يوليو أنهى شرعيته بيده بهزيمته أمام إسرائيل في يونيو ١٩٦٧، فهكذا اعترف مؤسس النظام جمال عبد الناصر، حين تعهد بإعادة الأمر للشعب مرة أخرى بعد إزالة آثار العدوان، وذلك في خطاب عدوله عن التنحي، وقبول الاستمرار في منصبه استجابة للمظاهرات الشعبية. ومن المؤكد أن الانتصار في حرب أكتوبر ١٩٧٣ أعاد قسطًا كبيرًا من الشرعية المفقودة إلى نظام يوليو ١٩٥٢ تحت رئاسة أنور السادات، ولكن سرعان ما ثبت أن بنية النظام نفسها لم تعد صالحة للاستمرار، وهكذا أنهى السادات عصر التنظيم السياسي الواحد، وبدأ عهدًا تعدديًا تجريبيًا. وبغض النظر عن مدى إخلاص السادات لمبدأ التعددية من عدمه، فإن ذلك كان اعترافًا بأن العمر الافتراضي لنظام الضباط، قد انتهى، علمًا بأن التجربة سرعان ما أثبتت أن السادات كان يريد التعددية مظهرًا لا جوهرًا، كما سيرى القارئ في فصول الكتاب، وهذا أيضًا ما حرص عليه حسني مبارك خليفة أنور السادات، وهذا ما يبدو أيضًا أنه الإطار المرجعي للعهد الرابع من نظام يوليو ١٩٥٢. *** بسبب هذا الجمود، اندلعت ثورة يناير ٢٠١١، لتثبت أن الهيكل العظمي الذي يشكله هذا النظام للجسد السياسي المصري، بات أضعف كثيرًا من أن يطلق لهذا الجسد حرية الحركة، والنمو، بل إن هذا الجسد تمرد مرة أخرى – وبسرعة فائقة – على القفص الحديدي الجديد الذي حاولت جماعة الإخوان المسلمين حشره فيه، مع بقاء هيكله العظمي ضعيفًا وعاجزًا في كل مكوناته، لكن هنا وقع الالتباس الكبير، فقد أدى اندلاع الصراع بين غالبية المجتمع بقادة الدولة العميقة وبين جماعة الإخوان المسلمين وحواشيها، إلى أن يتصدر هذا الصراع المشهد السياسي كله، ومن ثّمَّ توارت (مؤقتًا) المشكلة الأصلية، التي هي بناء نظام سياسي ديمقراطي تنافسي يحكمه القانون، ولا يقوم على تراتبية فئوية تمليها معايير القوة السياسية غير المستمدة من دستور ولا قانون، نظام تسوده قيم المواطنة، وعدم التمييز لأي سبب كان، ويخضع للمساءلة. ولأن الكاتب ممن يعتبرون أن جماعة الإخوان، وسائر فصائل الإسلام السياسي، هي قوة من الماضي، وأنه مهما يطل الزمن فهي إلى تحول ونضج أو إلى زوال، فإن قضية بناء نظام جديد بديل لنظام يوليو هي الأوْلى دائمًا بالاهتمام، أو على الأقل يجب ألا يدفعها الصراع مع الإسلام السياسي إلى مرتبة متأخرة، وما هذا الكتاب إلا مساهمة متواضعة في هذا السياق. الكتاب في الأصل سلسلة مقالات مستطردة نُشرت في موقع «مدى مصر» على امتداد عام ونصف العام، حتى شهر نوفمبر عام ٢٠١٦، وترد هنا عبر أبواب ثلاثة، هي على التوالي «الأساطير المؤسسة»، و«الجيش والمجتمع»، و«البحث عن خلاص». يتعين في ختام هذه المقدمة أن أتقدم بالشكر للقائمين على موقع «مدى مصر»، أولئك الشباب الواعدين الملتزمين بصحافة مهنية ومستقلة وتقدمية، وإلى القراء والأصدقاء الذين استقبلوا هذه المقالات «متفرقة»، على نحو أشعرني بالتشجيع دومًا، كما يتعين عليّ أن أشكر «دار الشروق»، التي أسعدني ترحيبها بنشر هذا الكتاب.
هل يتجدد «الارتباط البنّاء» بين أمريكا وجماعة الإخوان؟ عبد العظيم حماد ٢٢ سبتمبر ٢٠١٧ حتى الولايات المتحدة الامريكية لديها دولتها العميقة، التي ترى ما قد لا يراه الرئيس، وتفرضه عليه، ليس بالانقلاب طبعًا، ولكن بمنطق المصلحة القومية. في الأسابيع القليلة الماضية، تواترت مؤشرات عديدة على مراجعات في السياسة الامريكية في الشرق الأوسط، ليس فيما يخص القضية الفلسطينية، ولكن فيما يتصل بالعلاقة مع جماعة الإخوان المسلمين، في سياق الصراع مع الإرهاب الإسلامي السني، والصراع مع النفوذ الشيعي المكتسح بقيادة إيران. كانت القاهرة وحلفاؤها الإقليميون، السعودية والإمارات العربية المتحدة، وجماعة خليفة حفتر في ليبيا وكذلك إسرائيل، ينتظرون قرارًا أمريكيًا بدمغ جماعة الإخوان بـ«الإرهاب»، طبقًا لوعود الرئيس دونالد ترامب، وتعهدات فريق حملته الانتخابية، ولكن ما حدث كان العكس تمامًا، فلم تعد قضية وضع الإخوان المسلمين على قائمة المنظمات الإرهابية مطروحة من الأصل، وإنما أصبحت الأولوية لخفض المعونات الاقتصادية والعسكرية لمصر أو تأجيلها. وكان التفسير الرسمي لهذا القرار في الكونجرس ووزارة الخارجية الأمريكية، هو الانتهاكات الحكومية المصرية لحقوق الإنسان، واضطهاد المجتمع المدني، والسياسات الاقتصادية المنحازة ضد تنمية القطاع الخاص، فيما زاد عليها ركس تيلرسون، وزير الخارجية الأمريكية، مطلب التقدم نحو الديمقراطية. كنا قد كتبنا قبلًا أن الانتصار على تنظيم داعش في العراق، وانتصار نظام بشار الأسد في سوريا، بمساعدة روسيا وإيران وحزب الله اللبناني، قد أوجدا فراغًا سياسيًا وتنظيميًا وعسكريًا في منطقة المشرق العربي على حساب الإسلام السني، وفي مصلحة الإسلام الشيعي، وكنا قد كتبنا أيضًا أن مشروع إقامة حلف سني في منطقة الشرق الأوسط بقيادة السعودية ومصر، وبمساندة إسرائيل، وتحت الرعاية الامريكية، قد انهار لأسباب كثيرة، أبرزها الحصار الرباعي العربي لقطر، والذي شاركت فيه السعودية والإمارات والبحرين ومصر، إذ أدى هذا الحصار لقيام ما يشبه التحالف بين قطر «العضو المؤسس في مجلس التعاون الخليجي» وبين إيران، التي أنشئ هذا المجلس أصلًا لحفظ التوازن ضدها. ليس هذا فقط ولكن تركيا المرشحة دائمًا لدور قيادي في عالم الإسلام السني انضمت هي الأخرى إلى التحالف القطري الإيراني، وبذلك اختلطت الأوراق، وتصارعت المصالح فيما بين الدول السنية نفسها. من يملأ ذلك الفراغ «السني» في المشرق العربي أمام هيمنة الإسلام الشيعي، من حدود أفغانستان حتى ساحل المتوسط السوري اللبناني، وكيف؟ الواضح أن الحكومات السنية في الخليج ومصر تراهن على قدراتها الذاتية، بالتحالف مع الولايات المتحدة الأمريكية، أو أنها تسعى لإقناع واشنطن بإحياء فكرة الحلف السني بمن يرغب، ولكن الواضح أيضًا أن الولايات المتحدة غير مقتنعة بالمشروع كاستراتيجية وحيدة، وإلا لما أقدمت في هذه اللحظة بالذات على خفض معوناتها لمصر، وعلى مطالبة القاهرة باحترام حقوق الإنسان، وتعديل قانون الجمعيات الأهلية، والتقدم نحو الديمقراطية، التي تعني من بين ما تعنيه فتح باب المشاركة السياسية للجميع، عدا جماعات العنف والإرهاب. وبما أن واشنطن تراجعت عن دمغ جماعة الإخوان المسلمين بـ«الإرهاب»، فإن هذه الجماعة ستكون من القوى المطلوبة مشاركتها في بلدانها، من خلال عملية «التقدم نحو الديمقراطية»، وهي العملية المطلوبة الآن أمريكيًا في مصر، وعلى لسان وزير خارجية أمريكا نفسه، وضمن شروط الكونجرس لاستمرار المعونة للقاهرة بالمستويات السابقة. هل كانت القيادة التاريخية للجماعة (أي ما يسمى حاليًا بـ«جناح محمود عزت») تراهن على أن يومًا سيأتي تعيد فيه واشنطن ارتباطها بالإخوان، وترى أن المصلحة الاستراتيجية الأمريكية تتطلب هذا الارتباط، ومن ثم تعود الولايات المتحدة فتضغط على أصدقائها من رؤساء وملوك الشرق الأوسط لدمج الجماعة مرة أخرى في الحياة السياسية؟ هذا الرهان هو التفسير الوحيد المعقول لتمسك تلك القيادة التاريخية بمبدأ «سلمية الصراع السياسي» مع النظام المصري على وجه الخصوص، بعد كل ما جرى منذ ٣ يوليو عام ٢٠١٣، في مواجهة تمرد الكثيرين من شباب الإخوان، المعروفين باسم «جبهة محمد كمال»، على مبدأ «السلمية» هذا. ويبدو أن جبهة عزت تلقت منذ وقت مبكر تأكيدات من الدولة الأمريكية العميقة بأن واشنطن ستعود للارتباط البنّاء معهم، عندما تحين الفرصة المناسبة، بشرط الالتزام الصارم بنبذ العنف. بدون هذا التفسير، فإنها تكون مجرد حماقة أن يضحّي شيوخ الجماعة بقبول مثل هذا الانشقاق الواسع بين صفوفهم، وتمرد كل هذه الأعداد الضخمة عليهم. ربما تبدو هذه التطورات مفاجئة لكثيرين، ولكنها لن تبقى كذلك عندما نستعرض التاريخ الطويل لعلاقة التعاون بين جماعة الإخوان والولايات المتحدة، منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، فقد كان هناك بالفعل تعاون وثيقٌ وحارٌ ضد الشيوعية في حقبة الحرب الباردة من ناحية، وضد المد القومي العربي بقيادة مصر الناصرية من ناحية أخرى. في هذه العلاقة النشطة، كان الطرف الإسلامي ممثلًا بجماعة الإخوان المسلمين وتنظيمها الدولي والملكيات العربية (السعودية والهاشمية على وجه الخصوص) والجماعات الإسلامية في باكستان ووسط آسيا. ومن المحطات المهمة في هذا الطريق الطويل مؤتمر جامعة برنستون للدراسات الإسلامية، الذي انعقد في عام ١٩٥٣ بتمويل من الحكومة الأمريكية ومكتبة الكونجرس وشركة «أرامكو» السعودية للبترول، وشركة الخطوط الجوية الأمريكية T.W.A ، وشركة «بان أمريكان» للطيران. وطبقًا لأرشيف وكالة الإعلام الدولي بوزارة الخارجية الامريكية، فإن هذا المؤتمر يبدو «على السطح تدريبًا تربويًا وتعليميًا فقط، وهذا مرغوب فيه، ولكن الهدف هو جمع خبراء مسلمين في التربية والعلوم والقانون والفلسفة، ممن يكونون قادرين على التأثير في السياسة من أجل إحداث نهضة إسلامية تقاوم الشيوعية، عن طريق تقديم بديل مقبول لها في أوساط المسلمين.» قائل هذه العبارات هو مظهر الدين صديقي، مؤسس مركز لاهور الإسلامي في باكستان، وكان أحد نجمين كبيرين في مؤتمر برنستون، أما النجم الثاني فكان الدكتور سعيد رمضان مؤسس التنظيم الدولي للإخوان، وزوج ابنة الشيخ حسن البنا مؤسس الجماعة في مصر. بلغت من أهمية ذلك المؤتمر، ومن أهمية جماعة الإخوان، أن الرئيس الأمريكي آنذاك، دوايت آيزنهاور، محرّر أوروبا من هتلر، استقبل أعضاء الجماعة في البيت الأبيض، ودعا سعيد رمضان ليقف بجانبه عند التقاط الصورة التذكارية، وكان آيزنهاور يبلغ من العمر ٦٣ عامًا في تلك اللحظة، فيما لم يكن عمر سعيد رمضان قد تجاوز بعد ٢٧ عامًا! كما يعلم الجميع، فقد كان «الجهاد» الأفغاني ضد الغزو السوفييتي هو المحطة التالية، الأبرز والأكثر فعالية، للتعاون بين الإسلام السياسي السني، وفي القلب منه جماعة الإخوان المسلمين، وبين الولايات المتحدة الأمريكية. وكما يعلم الجميع أيضًا، فإن هذا التعاون تحول لتناقض بعد انسحاب السوفييت من أفغانستان، عندما تجاهل الأمريكيون استحقاقات التنمية وبناء الدولة بعد خروج السوفييت. وقد أخذ هذا التناقض في التصاعد والاتساع، حتى بلغ ذروته المأساوية في هجمات ١١ سبتمبر ٢٠٠١ الإرهابية على نيويورك وواشنطن. ومنذ ذلك اليوم، وحتى عام ٢٠٠٥، اختارت الولايات المتحدة استراتيجية «الحرب الشاملة» ضد الإسلام السياسي، بل واندفع الرئيس جورج بوش الابن إلى حماقة التصريح علنًا بأنه يخوض حربًا صليبية جديدة ضد الإسلام السياسي المسلح، وغزا أفغانستان وبعدها العراق. وبدلًا من أن يؤدي الغزو في الحالتين إلى القضاء على التنظيمات المسلحة للإسلام السياسي ، فقد أدى إلى اتساع الجبهة، وإلى المزيد من التورط الأمريكي، فكان لابد من المراجعة، وهنا جاءت فكرة التمييز بين المعتدلين والمتطرفين داخل تيار الإسلام السياسي الواسع، وبرزت جماعة الإخوان المسلمين أمام صناع السياسة الامريكية بوصفها الأكثر اعتدالًا والأقوى تنظيمًا والأوسع انتشارًا، وفوق كل ذلك فهي الأوثق تعاونًا من قبل مع الولايات المتحدة، على نحو ما ذكرنا توًا. بعد سلسلة من الاتصالات الاستطلاعية، ومحاولات جس النبض مع ممثلي الجماعة من المسلمين الأمريكيين وفي الدول الأوروبية، ثم قيادات الجماعة في الداخل المصري على وجه الخصوص، اعتمدت كونداليزا رايس وزيرة الخارجية الامريكية، في يوم ٢٨ يونيو ٢٠٠٧، سياسة جديدة، ترخّص لدبلوماسييها الاتصال الرسمي بالإخوان المسلمين في مصر والعراق وسوريا وبقية الدول العربية، مشترطة على سفرائها ومساعديها أن تكون البداية هي الاتصال بممثلي الجماعة المنتخبين في البرلمانات والنقابات المهنية، ثم تمتد الاتصالات لتشمل الزعماء الآخرين للجماعة. وسُميت هذه السياسة الجديدة باسم «الارتباط البناء بين الولايات المتحدة وجماعة الإخوان المسلمين». وفي مرحلة تالية، دخل الكونجرس على الخط، ونظم جلسات استماع حول الإسلام السياسي، أسفرت عن توصيات بالانفتاح على جماعة الإخوان، وفي خطوة أكثر طموحًا نُظمّت حوارات بين ممثلين من مسلمي أمريكا لتيار الإخوان مع قيادات يهودية أمريكية تدعو، كما قيل، للسلام في الشرق الأوسط. و جاء الربيع العربي، خاصة ثورة يناير ٢٠١١ المصرية، فتطور الحوار بين واشنطن وجماعة الإخوان لتحديد الشروط المطلوبة أمريكيًا من الجماعة لمساعدتها على الاندماج في الحياة السياسية لبلدان الربيع العربي، خاصة مصر، وكانت هذه الشروط هي الاعتراف بمعاهدة السلام المصرية الاسرائيلية، والالتزام بالانتخابات طريقًا للوصول إلى السلطة، وتعدد الأحزاب، وعدم التمييز في الحقوق السياسية والاجتماعية ضد المرأة والأقليات. وقد وافق الإخوان على هذه الشروط بحذافيرها، وبذلك تكلل الارتباط البناء بالنجاح بنسبة ١٠٠% من منظور كل طرف من الطرفين. بقية فصول القصة معروفة بالطبع، ونقصد وصول الإخوان للحكم في مصر ثم سقوطهم، وفشل الجهود الأمريكية والدولية في إقناع السلطة الجديدة في مصر بحلٍ يُبقي للإخوان دورًا في النظام الجديد، واندفاع أنصار الجماعة للعنف والاعتصام، وعودة الصراع في مصر للمعادلة الصفرية بين السلطة والجماعة. كما أشرنا في بداية هذه السطور، فإن واشنطن بدت مؤخرًا وكأنها تعيد تقييم السنوات الأربع الماضية في مصر، ومن المؤكد أن التهديد الذي يمثله الإسلام الشيعي المسلّح والمنظم والحاكم لعدة دول عربية، فضلًا عن إيران الدولة الأم، أصبح يمثل تهديدًا كامنًا للمصالح الأمريكية، ولإسرائيل وللحكومات العربية السنية، لا سيما بعد هزيمة تنظيم داعش السني المتطرف، التي أصبحت قاب قوسين أو أدنى. وكما كتبنا في مكان آخر، فإن هذه الحكومات غير المستقرة قد لا تكفي وحدها لموازنة وردع هذا التفوق الشيعي الكاسح، وعليه فإذا عدنا إلى ما نقلناه آنفًا عن مظهر الدين صديقي في مؤتمر برنستون عام ١٩٥٣، ووضعنا كلمة «الشيعة» بدلًا من كلمة «الشيوعية»، لأصبح هذا النص تفسيرًا كافيًا لدوافع واشنطن للتفكير في الارتباط البناء مجددًا بجماعة الإخوان المسلمين. وحتى لو كان ترامب قد بشّر في حملته الانتخابية، وفي خطاب تنصيبه بغير ذلك، فالولايات المتحدة، كما قلنا في الفقرة الأولى من هذا المقال، أيضًا فيها دولة عميقة.
قارن عبد العظيم حماد مع:
شارك صفحة عبد العظيم حماد على