تحوّلات الشكل وتمرّداته.. في أعمال النحّات "عادل رشيد"

حوالي ٦ سنوات فى المدى

حسن عبدالحميدستبقى مقولة ذلك الحكيم الصيني القديم الذي يرى أن بإمكان الكاتب أو الفنّان " أن يآسر السماء والأرض- معاً- داخل قفص الشكل " ماثلة، شاخصة في خواص فهم أثر مقدار تحوّلات عموم الأشكال التي تنتهجها أخيلة المبدعين من سلالة المتمرّدين على ركود السائد ومَلل المألوف، بإتجاه توضيح عمق العلاقة الواجبة بالوصول إلى روح وقيمة المضمون، الذي سيتلاقى - حتماً- لدى هؤلاء المبتكريّن في حسم أمر الهدف الذي يصبون إليه من خلال مخارج ومسارب تلك المواقف الفكريّة و الجَماليّة، وبما يُعزز و يُديم من قيمة الفن في صنع وتأثيث الحياة على أتم وجه أو بقدر المستطاع. تفرضُ مهام دراسة تأريخ الفن، طُرقاً مختلفةً من حيث تتبع خيوط ذلك التلاقي المنطقي ما بين وظيفة الفن، وما بين حقيقته الماثلة وفق ذلك الأختيار العضوي لطبيعة عمل الفنّان، فعلى مدار-مثلاً- تتبع الحركات الفنيّة أو مدارسها كالإنطباعيّة أو التكعيبيّة أو السوريالية، ترانا نجد عدم تعاقباتها -بالضرورة- على توالي ذلك السياق التأريخي لحالات تطوّر الفن و تحديثاته الواقعيّة، فثمة دخول وخروج في بنيّة وأنساق تداخلات وتعاشقات واثبة على صعيد التجارب الفردية للفنّان المخلص والمحرّض حتى في اطار إنتمائه لهذه الجماعة أو تلك، وهذه أو تلك الحركة أو المدرسة، ولنا - ايضاً على سبيل المثال- في إنهماكات " بيكاسو" المختلفة و المتنوّعة ليس في الرسم فحسب، بل حتى في النحّت و" السيراميك " ما يشّد من عزيمة أواصر التعامل مع الفنون بمجملها من حيث طبيعة النظر وحجم كميات المغامرة التي تسكن تلك الذوات الخلّاقة و المبدعة . شكلّت التوثيقات البصرية في مجمل أعمال النحات " عادل رشيد" - تولد / بغداد 1976 دبلوم معهد الفنون الجميلة / قسم النحت ، بكالوريوس رسم/ أكاديمية الفنون الجميلة/ بغداد 2003-2004- جملةً من تصوّرات حسيّة تكاد أن تكون آنيّة مدعمة بنفس تصميمي وتتابعي في جوهر ذلك النسق الذي يُحيي فيه علاقاته التفاعليّة داخل الكتلة الواحدة، سعيا لخلق حواراً داخليّاً " ديالوج " تتفاوت فيه درجات الصمت ومستويات الحوار الهامس تبعا للّحظة التي تغمر روح الفناّن و تجلّياته ، حتى لتشعره يستغني-إضطراراً- عن أصل " الماكيت " التخطيط الأولي عندما ينغمس في ينابيع بهاء وصفاء روح تلك اللحظات العفويّة والتلقائية، من أجل الحصول على مبتغاه و من خلال لذة الحفول بصدق درجات حرارة التعبير الداخلي الذي يُنفّذ من مرجله منحوتاته بهذا التحاور والتباري ما بين الذات و ما بين قيمة العمل الفني المنجز، وبغض النظر أن كان قد مهّد وعبّد الطريق لافكاره -عموماً- عبر تلك التخطيطات وبعدم و جودها أصلاً، فان نبض العاطفة هو المهيمن و السائد المحسوس في نفوس مخلوقات " عادل رشيد " سواء الآدمية منها " المرأة "-غالباً- أو الحيوانيّة " الثور" دائماً . تختلف المواد التي يُعالج فيها و يبني أهدافه هذا النحّات الحاصل على العديد من الجوائز والتقيمات إبرزها " جائزة نقاد الفن /2007" و " جائزة عشتار للشباب /2011 " ثم جائزة الإبداع العراقي في محال النحت للعام/2014والتي تمنحها وزارة الثقافة- دائرة العلاقات الثقافيّة العامة" تبعاً لحقيقة أفكاره و زهو تطلعاته الذهنية بخواصها العاطفيّة الصرفة - في الأعم الأغلب- تبعاً لما متوفر منها وما متاح وفق مقتضات التنافس ما بين مقومات أعماله، تلك التي تباهت بإستعماله للخشب كعمل و و ظيفة حرفة وشهية تذكير ببعض منجزات ما ترك النحّات الكبير الراحل " محمد غني حكمت " من تشابهات أو تأثيرات هذه الأعمال على "عادل" حتى ولو في حالات من حالات اللاشعور . كما تقف مواد أخرى إلى جنب الخشب الأثير على نفسه وقابليته كالحديد والبرونز و ما يجاورهما من معادن تزيد من تعميق مساراته الوجدانيّة، وفي براعة التنفيذ لبعض المحاولات التعبيريّة كمصدات وتفريغات أضافيّة لما جاء ينشده من وجوه و أجساد بحركات و تنويعات على الكتل أو القطع الخشبيّة التي برع يُعيد منها وعليها رسم و تثبيت ملامح وسمات وعلاقات توثيقيّة تتلائم وقابلية هذه المادة المحدودة والقديمة قِدم وعراقة تأريخ النحّت نفسه، فيما تتسع فُرص التعبير والعزف والنزف على خواص المواد الأخرى، والتي يقترح " عادل رشيد " مواضع و أفكار و مسببّات أخرى عادةً ما تمتثل و تميل لغواية جسد المرأة عبر ليونة و رشاقة الأجراءات التي يبتكرها على قطع الحديد" البليت "- حصراً- لينحت قوام و بعض أجزاء الجسد الأنثوي دون أدنى إهتمام بالرأس أو الوجه، عكس ما يحصل في منحوتاته على الخشب. في مقابل ذلك ثمة تحديثات و تثويرات تجريديّة أضحت تتنازع مع ما كان يُجريه النحّات في توسيع مجال تجربته وحجم مشاركاته في العديد من المعارض والملتقيات داخل و خارج العراق ، فضلاً عن تحدياته الواثقة في تصميم الديكورات لبرامج أحدى القنوات و غيرها من مسارات و تمريرات تتفاوت و حجم الجديّة الواجب توافرها في نحت تجرية أي فنّان ينشد التمّيز و يرمي للتواصل و بلوغ هدفه المرتجى، كما يرجو " عادل " ذلك، على الرغم من تلكؤات شاحبة تصاحب جديّة ذلك السير، من باب أن الموهبة وحدها لا تكفي. ليس من الإتيان بسبب مقنع في شدّ أواصر هذه العلاقة التي يُحدد بها الفنّان جُل اهتمامه بالمرأة كرمزٍ دائمٍ للحياة والخصب و ما بين " الثور" كمعادل موضوعي و تأريخي وحضاري للقوة والتحدي والثبات،غير جدارة الإعجاب بهذاين الكائنين،فضلاً عن جسم الحصان لفتنة ما فيها من أثر جمالي ومسعى تشريحياً مغرياً للكثير من الفنانين وعلى مر العصور. و إذ نفرد هذا الحيّز من المساحة لخصوصية هذا العمل المتفرّد " تحية إلى صالح القره غولي" من حيث إستحقاقٍ لقيمة نحّات عراقي أصيل و نبيل هو الراحل " القره غولي " الذي سجّل وعياً مغايراً في عموم تاريخ النحت العراقي الحديث، بعد أن ظل وفياً، مخلصاً للبيئة وللرموز الذي أستوثق فيها مآثره النحتيّة الشاخصة في ثنايا تحديثات رؤى و مسارات الفن، إنما لكي نثني -ايضاً- لجدارة و جديّة اللفتة النبيهة والبهيّة التي أختصر فيها النحّات الشاب " عادل رشيد " قيمة هذا العمل الذهني والتجريدي و الانساني في عموميات فهم لخصوصية المُهدى إليه وثوابت العمل واللعب على فراغات و فضاءات الشكل المتمرّد الذي أفترضه " رشيد " منفذاً أياه بالواح ومقاطع من مادة الخشب الملوّن بعبث مقصود بمقتربات منحى و اجراء مفاهيمي- تركيبي إلى حد ما يشي و يفيض بروح ممكنات ما كان يرمي " صالح " مع فارق الوضوح بالمواد التي أشتغل عليها وهي معروفة لكل من أقترب من عالم " القره غولي " وخواصه الأثيرية و الأسطورية. لقد مأسس النحات الشاب في سعي وفائه لشاخصٍ وارف الدوحة والظلال بعض من روح ووجدانات عالم أستاذه-حتى وأن لم يدرس ويتتلمذ على يديه- ، وفي ذلك ما يُحفّز للوثوق أكثر بإمكانيات " عادل " و فحص طاقاته الكامنة بترسيم حدود تجربته على نحوٍ أخرى ، يتوق للأبعد من مجرد التفكير بالنحت على إنه رغبة أو محض موهبة، بل تضاف إاليه صدق و نبل مساعٍ ومواقف جمالية و فكريّة تزيد كما أشرنا إليه في مقدمة و إستهلال هذا المقال بما يتعلق بتأريخ الفن ووظائفه المتعددة الذي يشير-هنا- و يبّشر إلى بروز و إنبثاق أسمٍ لتجربة ناضجة، واعدة متمثلةً بالنحّات " عادل رشيد".

ذكر فى هذا الخبر
شارك الخبر على