الإمارات وإليزابيث الثانية.. محطات تاريخية
ما يقرب من ٣ سنوات فى الإتحاد
شعبان بلال وأحمد عاطف (أبوظبي)
عمت أجواء الحزن، أمس، العالم فور إعلان وفاة الملكة إليزابيث الثانية عن عمر ناهز 96 عاماً قضت منها 70 عاماً على عرش المملكة المتحدة. وللراحلة دور بارز وأصيل في ترسيخ علاقات الصداقة المتينة التي جمعت المملكة المتحدة ودولة الإمارات العربية المتحدة منذ عهد القائد المؤسس المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، والتي عكستها رسائل التعزية من صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة «حفظه الله»، وصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي «رعاه الله»، عبر حسابيهما في تويتر، معبرين عن خالص تعازيهما للعائلة المالكة والشعب البريطاني الصديق. وشكلت الزيارات الرسمية واللقاءات المباشرة بين قادة دولة الإمارات والملكة الرحلة محطات فارقة أسهمت في تعزيز أطر التعاون المشترك بين المملكة ودولة الإمارات.وفي عام 1969، استقبلت الملكة إليزابيث الثانية المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، باعتباره حاكماً لأبوظبي بحفاوة بالغة وأهدته وساماً بريطانياً من الدرجة الممتازة.
وفي فبراير من عام 1979، استقبلت الإمارات الملكة إليزابيث الثانية في زيارتها الأولى للبلاد باحتفالات رسمية وشعبية حافلة كان في مقدمة مستقبليها المغفور لهما الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، والشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، وأعضاء المجلس الأعلى. وشكلت الزيارة التي قام بها المغفور له، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، إلى بريطانيا في الثامن عشر من يوليو عام 1989، حدثاً تاريخياً على صعيد العلاقات بين البلدين، وكانت لها انعكاساتها على مجمل القضايا الدولية في ذلك الوقت.وصلت الملكة إليزابيث الثانية مع زوجها الأمير فيليب دوق أدنبره في نوفمبر 2010 إلى أبوظبي في ثاني زيارة رسمية لها إلى الإمارات العربية المتحدة منذ 1979، أسهمت في تعزيز العلاقات الثنائية بين بريطانيا ودولة الإمارات. وخلال زيارتها الثانية لدولة الإمارات حرصت على زيارة جامع الشيخ زايد الكبير، للتأكيد على أهمية الحوار بين الأديان وقبول الآخر.وأزاحت الستار وقتها، عن النموذج المصغر للمتحف الوطني للإمارات، وهو من تصميم المهندس المعماري البريطاني لورد فوستر.
وفي 30 أبريل 2013، بدأ المغفور له الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رحمه الله، زيارة رسمية إلى المملكة المتحدة، استمرت يومين، تلبية لدعوة من الملكة إليزابيث الثانية، واكتسبت الزيارة بعداً مهماً في تطور العلاقات الإماراتية- البريطانية، عكسه اللقاء الذي جرى بين المغفور له الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان «رحمه الله»، والملكة اليزابيث خلال مأدبة الغداء التي أقامتها جلالتها تكريماً لسموه في قصر «ويندسور» وتطرق إلى عدد من القضايا الإقليمية والدولية. وتولت إليزابيث الثانية العرش في عام 1952، وباتت أطول ملوك بريطانيا جلوساً على العرش، متجاوزة في ذلك الملكة فيكتوريا. فيما قادت بريطانيا في أوقات بالغة الصعوبة تلت الحرب العالمية الثانية مروراً بالعديد من الأحداث والتحولات التي شهدتها بريطانيا والعالم خلال 7 عقود كاملة. وفور إعلان وفاة الملكة إليزابيث الثانية، دخلت المملكة المتحدة فترة حداد رسمية سيتم خلالها تأجيل جزء كبير من الأحداث والفعاليات الرسمية المجدولة، كما سيتم تنكيس أعلام الاتحاد البريطاني.
حدث تاريخيزيارة الوالد المؤسس الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، إلى بريطانيا في الثامن عشر من يوليو عام 1989، كانت حدثاً تاريخياً على صعيد العلاقات بين البلدين، وكانت لها انعكاساتها على مجمل القضايا الدولية في ذلك الوقت. واستقبلت بريطانيا وقتها القائد المؤسس، كرجل دولة من الطراز الأول، استطاع أن يجسد اتحاد دولة الإمارات، ويعبر به إلى بر الأمان رغم الأعاصير التي شهدتها المنطقة، كما أنه استطاع أن يقود بلاده إلى المحافل الدولية بثبات وحضور مؤثر.وأعطت المملكة المتحدة للزيارة أهمية خاصة، كون القائد المؤسس ليس من قادة الدول التقليديين، بالنظر إلى حضوره على الساحتين الإقليمية والدولية، واستناداً إلى التطورات الداخلية التي شهدتها دولة الإمارات تحت قيادته، وانعكاس هذا الدور على الساحة الدولية تجاه مختلف القضايا. وأشارت تقارير صحفية نشرت بالتزامن مع زيارة القائد المؤسس إلى بريطانيا عام 1989، إلى أن الخبراء رفعوا للملكة إليزابيث الثانية، تقديراتهم السياسية والشخصية عن القائد المؤسس، وعن دولة الإمارات العربية المتحدة باعتبارها من أهم الدول المؤثرة إقليمياً ودولياً.
وفي تقريرها الأسبوعي للملكة، قالت مارجريت تاتشر رئيسة الحكومة البريطانية وقتها، والذي يقدم عادة كل يوم خميس: «إن قبول صاحب السمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رئيس دولة الإمارات تلبية دعوة الملكة إليزابيث الثانية لزيارة البلاد، يعتبر من أهم الأحداث التي تشهدها بريطانيا هذه الأيام، إذ إن هذه الزيارة ستتكلل بمحادثات سياسية رفيعة المستوى، وعظيمة الأهمية بين وفد الدولة برئاسة صاحب السمو الشيخ زايد شخصياً، والمسؤولين البريطانيين وعلى رأسهم السيدة مارجريت تاتشر».ونظراً لأن زيارة القائد المؤسس، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان لبريطانيا كانت زيارة ملكية، فإن التقاليد البريطانية العريقة تقضي بأن تشرف الملكة إليزابيث الثانية بنفسها على كل صغيرة وكبيرة فيها، وبمعاونة طاقم كبير من المسؤولين البريطانيين والخبراء المتخصصين، فضلاً عن المسؤولين في بلاط «سانت جيمس» العريق المتمركزين في قصر باكنجهام الملكي الذي يقع في قلب العاصمة لندن.
قراءة متأنيةوعند قراءة متأنية لخريطة العلاقات الإماراتية البريطانية تبرز مشروعات عملاقة تبدأ من البحر وتنتهي في الفضاء. وهذا التدفق في الاتجاهين بين البلدين تعززه موجات من الرحلات الإنسانية عبر قنوات السياحة والتعليم والتدريب والثقافة.كما أن العلاقات بين الشعبين الإماراتي والبريطاني تتميز بروابط من الصداقة يدل عليها وجود ثالث أكبر جالية بريطانية موجودة في الإمارات وعدد السائحين البريطانيين الذين يزورون الإمارات وعدد الإماراتيين الذين يقضون إجازاتهم في لندن والمدن البريطانية في تزايد مستمر.الإمارات والمملكة المتحدة تقومان معاً في جانب التعاون الدولي بأعمال مشتركة تسهم في تحقيق الأمن والاستقرار العالمي، إضافة إلى جهودهما المشتركة في أعمال الإغاثة والقضايا المتعلقة برفاهية الإنسان وحقوقه.وجذور العلاقة الضاربة عميقاً في التاريخ تعود إلى أكثر من قرنين بدأت بجسور اقتصادية وتجارية أخذت تمتد يوماً بعد يوم إلى مساحات عديدة ومتنوعة أخرى في الاستثمار والمعرفة والسياحة والتعليم والصحة وغيرها من مجالات التعاون المشترك. وقد بلغت فرص التعاون شأناً بعيداً إلى أن وصلت إلى درجة عقد شراكات وتبادل استثمارات كبرى في مختلف المجالات التي تهم البلدين. وقد حرص البلدان على الحفاظ على قيمة الاحترام كمضمون وممارسة وكجوهر ومظهر، وهي قيمة وفضيلة تعتبر كنزاً عامراً ورصيداً لا ينضب لرفد العلاقات بطاقة متجددة، جعلت الروابط بين البلدين متميزة ذات خصوصية فريدة. وقد ترجم ذلك في معاهدات واتفاقيات وصداقات قائمة على الصدق والإخلاص والحرص على إدراك واعٍ بأهمية المصارحة فيما يدعم الروابط بين البلدين خاصة في القضايا التي تحتاج إلى تفكر وتبادل وجهات النظر مع إدراك الطرفين لحقيقة أن هذه الآراء تأتي من منطلق الالتزام العميق بهذه الصداقة.
أهمية محوريةوتتميز العلاقات الثنائية بين دولة الإمارات العربية المتحدة وبريطانيا بأنها قوية ومتطورة بالنظر إلى جذورها التاريخية، واكتسبت هذه العلاقات على مر التاريخ أهمية محورية خاصة في شتى المجالات، حسبما أكد خبراء ومحللون ل«الاتحاد». وقال المحلل السياسي والإعلامي المقيم في فرنسا مصطفى طوسة إن العلاقات الإماراتية البريطانية مهمة على المستويات كافة، متوقعاً نقلة نوعية خاصة بعد خروج بريطانيا من تحالف دول الاتحاد الأوروبي بعد «البريكست».طوسة أضاف ل«الاتحاد» أن بريطانيا تحاول مؤخراً تفعيل وتنويع شراكات مع دول المنطقة العربية والشرق أوسطية خاصة دولة الإمارات لأنها تتمتع بقدرة اقتصادية قوية قادرة على جلب الاستثمار ورؤوس الأموال.وأشار المحلل السياسي المقيم في فرنسا إلى أن العلاقة التي تربط الملكة الراحلة إليزابيث الثانية بالإمارات شعباً وقيادة «كانت نموذجية»، لاسيما أن ذلك ظهر جلياً خلال زيارتها التاريخية للإمارات. إلى ذلك، اعتبر أستاذ العلوم السياسية في جامعة «جورج واشنطن» الأميركية الدكتور نبيل ميخائيل، أن العلاقات بين البلدين لها طابع تاريخي طويل من العلاقات المشرفة، موضحاً أن المملكة المتحدة سعت لتعزيز علاقات وطيدة واستراتيجية مع الإمارات، لافتا إلى أن هناك تعاوناً في شتى المجالات المشتركة.
ميخائيل أضاف ل«الاتحاد» أن الملكة الراحلة كانت تُقدر وتثمن دولة الإمارات لما لها مكانة كبيرة، وهو ما ينطبق أيضاً على الملك تشارلز. ومن العاصمة البلجيكية بروكسل، وصف مدير مركز بروكسل الدولي للبحوث والدراسات رمضان أبو جزر العلاقات بين الإمارات وبريطانيا ب «القوية» والتاريخية.ولفت أبوجزر ل«الاتحاد» إلى أن الاتفاقيات الأخيرة بين البلدين تؤكد أن العلاقة ترتقى للاستراتيجية.وأشار مدير مركز بروكسل الدولي للبحوث والدراسات إلى أنه في كل المناسبات تتشارك الدولتان، وظهر ذلك جلياً عند وفاة المغفور له الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، طيب الله ثراه، فكانت بريطانيا من أوّل الدول التي تنكس الأعلام وتفرض مظاهر مشاركة الحزن وهو ما تفعله الإمارات الآن بعد الإعلان عن وفاة الملكة، فيما يمثل لفتة إنسانية للصداقة بين البلدين.ولطالما حرص كبار المسؤولين، في البلدين الصديقين على إعطاء أبعاد أكثر عمقاً وتطوراً إلى هذه العلاقات من خلال اللقاءات القيادية على مختلف المستويات. وتأتي العلاقات المتينة بين الإمارات وبريطانيا، انطلاقاً من حرص البلدين على التمسك بالقيم والمساهمة في الحفاظ على السلام العالمي، وتعملان معاً من أجل ضمان الاستقرار العالمي.