مدى مصر

مصرع ٣٦ راكبًا وإصابة١٢٣ آخرين في حادث تصادم قطارين بالإسكندرية مدى مصر ١١ أغسطس ٢٠١٧ أعلنت وزارة الصحة والسكان مساء اليوم عن وفاة ٣٦ راكبا وإصابة ١٢٣ آخرين في حادث تصادم قطارين ركاب بعد محطة قطار قرية أبيس(٢) أمام المعهد الأزهري بين عزبة الموظفين وعزبة الشيخ بمنطقة خورشيد بالإسكندرية. وأوضح الدكتور أحمد الأنصاري، رئيس هيئة الإسعاف، إنه فور وقوع الحادث تم دفع ٧٥ سيارة إسعاف مجهزة. وقال الدكتور خالد مجاهد، المتحدث الرسمي لوزارة الصحة والسكان، إن سيارات الإسعاف نقلت ٢٢ جثمانا إلى مشرحة كوم الدكة، و٩ إلى مشرحة صدر المعمورة، و٥ إلى مشرحة رأس التين، فيما نقل المصابين إلى مستشفيات رأس التين، والجمهورية التابعين للوزارة، ومصطفى كامل العسكري، والشرطة بالإسكندرية ، والميرى. وكان حادث تصادم بين قطارين، عند منطقة أبيس شرق الإسكندرية، وقع عصر اليوم، ما أسفر عن مصرع ٣٦ راكبا وإصابة ١٢٣، ولم يتضح حتى الآن أسباب الحادث فيما كلف النائب العامة جهات التحقيق بسرعة التحقيق في الحادث. وأعلنت هيئة السكك الحديدية اصطدام قطار «رقم ١٣» إكسبريس (القاهرة الإسكندرية) بمؤخرة قطار «رقم ٥٧١» (بورسعيد الإسكندرية) بالقرب من محطة خورشيد على خط (القاهرة الإسكندرية). وقالت ألفة السلامي، المستشار الإعلامي والمتحدث باسم وزارة التضامن الاجتماعي، إن غادة والي وزيرة التضامن كلفت فريق الإغاثة في الوزارة التضامن بالتواجد في مشرحة كوم الدكة لأنتظار الجثامين، وكذلك في جميع المستشفيات لعمل بحث الحالة لكل مصاب. وأضافت إن الوزارة جاهزة لتوفير كافة وسائل الدعم والمساندة بمجرد حصر أعداد الضحايا والمصابين، وصرف التعويضات بعد إعلان وزارة الصحة وهيئة السكة الحديد الحصيلة النهائية للمتوفين أو المصابين، موضحة أنه سيتم تحديد تعويضات المصابين كل حسب حجم إصابته. وكان تقرير سابق صادر عن وحدة سلامة النقل، التابعة لوزارة النقل والمواصلات، ذكر أن أن متوسط حوادث القطارات بالسكة الحديد يبلغ ٥٥٠ حادثا سنويًا، ما بين «جسيمة» تشهد قتلى ومصابين، و«خفيفة» لا ينتج عنها ضحايا.
بين منَع «النقابة» لإعلاميين ووقَف «المجلس» لبرامج.. كيف «ستنظم» الدولة الإعلام؟ كتبت مي شمس الدين وهبة عفيفي ١٠ أغسطس ٢٠١٧ أعلن كلٍ من المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام واللجنة المؤقتة لتأسيس نقابة الإعلاميين، مؤخرًا، عن عقوبات ضد عدد من الإعلاميين والمؤسسات الإعلامية كذلك. جاءت أسباب توجيه العقوبات عبر توجيه اتهامات فضفاضة تراوحت بين «تكرار مناقشات تُضَرّ بالأسرة والمجتمع» أو «مشاهد وحوارات تحمل ايحاءات غير مقبولة». قرارات المجلس واللجنة جاءت خلافًا للقانونيْن المؤسسيْن لهما سواء في تنظيم شؤون الإعلام المسموع والمرئي والصحافة المطبوعة والرقمية بالنسبة للأول أو تأسيس نقابة للإعلاميين وإصدار ميثاق شرف إعلامي كمهمة أساسية للجنة. مما يُنذر بفرض رقابة لاحقة على المحتوى الإعلامي، فضلًا عن تضارب محتمل بين سلطتَي الكيانين. فيما فرضت «اللجنة» عقوبات دون أن تعلن عن لائحة تنظم عملها أو طبيعة المخالفات والعقوبات المفروضة حتى الآن، وَجَهَ «المجلس» عقوبات بمنَع برامج بمجرد إصداره لائحته التنفيذية أمس الأربعاء. وكان رئيس اللجنة المؤقتة لتأسيس نقابة الإعلاميين حمدي الكنيسي قد أعلن، في مطلع أغسطس الجاري، عن وقف الإعلاميتَين ريهام سعيد ودعاء صابر لمدة ثلاثة أشهر، وتوجيه إنذار لكلٍ من الإعلامييْن سعيد حساسين ومحمد الغيطي. وجاء قرار وقف ريهام، المذيعة بقناة النهار، نتيجة لعرضها قصة سيدة متزوجة وعشيقها، وهو ما وصفه الكنيسي في بيان بأنه «يُعد استغلالًا لحالة شاذة في المجتمع المصري بما يتنافى مع المعايير المهنية والأخلاقية». أما دعاء صلاح، مقدمة برنامج «دودو شو» على قناة النهار، فكان قرار منعها بسبب عرضها لفكرة اختيار الأمومة خارج إطار الزواج وهو ما اعتبره البيان «تجاوزًا أخلاقيًا ومهنيًا في الترويج لمثل هذه الأفكار غير الأخلاقية والغريبة عن مجتمعنا، والتي تهدم وتحطم كيان الأسرة المصرية». فيما جاء إنذار سعيد حساسين بسبب اشتباك ضيفيْن في برنامجه «انفراد» على قناة العاصمة. وقد أَنذر محمد الغيطي بسبب تناوله في برنامجه اتهامات فساد لوزارة الزراعة اعتبرها بيان اللجنة «بدون مستندات ودون سند قانوني مما يعد تجاوزًا مهنيًا وأخلاقيًا جسيمًا». فيما أعلن المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام عن قرارات بوقف البرامج السابقة لمدة شهر، بالإضافة إلى برنامج «تلاتة في واحد» على قناة On E. وذلك بعد موافقته أمس، الأربعاء، على لائحته التنفيذية. وقد هدد المجلس بسحب ترخيص قناة «إل تي سي»، التي تعرض برنامج «صح النوم» للإعلامي محمد الغيطي. وكان الرئيس عبد الفتاح السيسي قد أصدر قانون نقابة الإعلاميين، في أول يناير الماضي، والذي ينَصّ على تشكيل لجنة مؤقتة تكون مهمتها إصدار ميثاق شرف إعلامي وتأسيس نقابة للإعلاميين، وتستمر لمدة ستة أشهر من تاريخ أول اجتماع لها. وتختتم مهمة اللجنة بعد اختيار الجمعية العمومية لأول مجلس نقابة منتخب. وتصدر الجمعية العمومية للنقابة اللائحة الداخلية بناء على اقتراح مجلس إدارة النقابة خلال مدة لا تتجاوز ستين يومًا من انتخابه. وقد نظمت اللجنة المؤقتة، المكونة من ١١ إعلاميًا تمّ تعيينهم من قِبل مجلس الوزراء، أول اجتماع لها في مارس الماضي. وقد حدد القانون أن يكون انتخاب مجلس النقابة خلال ستة أشهر من أول اجتماع للجنة التأسيس. وبدلًا من أن تتخذ اللجنة خطوات جادة نحو تأسيس النقابة بدأت في إصدار قرارات عقابية، أغلبها يختص بمنَع إعلاميين من العمل. وذلك دون أن تكون هناك لائحة تنفيذية تحدد المخالفات والعقوبات المفروضة في حال ارتكابها. عقوبات بلا نصوص قانونية وقال طارق سعدة، وكيل نقابة الإعلاميين، لـ «مدى مصر»، إن اللجنة بصدد إعداد لائحة تنفيذية توضح التجاوزات وعقوباتها إلا أنه في غضون ذلك «هناك بعض المخالفات الصريحة والواضحة والتي لا تحتاج إلا لقرار حاسم من مجلس إدارة النقابة». و أشار إلى أن أعضاء اللجنة يتخذون قرارت العقوبات بالتصويت في اجتماعات «وفق رؤية المجلس، لحين وجود نصوص واضحة». وأضاف سعدة «مذيعة تهدم القيم الاجتماعية وتدعو لتهالك البناء الاجتماعي.. ده محتاج تحقيقات؟ هذه حالة تلبس أمام كل قطاعات المجتمع». وأوضح سعدة أن اللجنة تُبلغ إدارة القنوات بالقرار مكتوبًا، وفي حالة عدم امتثال إدارة القناة تتوجه إلى المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام الذي من شأنه توقيع العقوبة المناسبة على المؤسسة الإعلامية. من جانبه قال الخبير الإعلامي ياسر عبد العزيز إن النقابات المهنية هي المنوط بها معاقبة المتجاوزين من أبناء المهنة حسبما ينَصّ الدستور، لكن أداء للجنة النقابية المؤقتة يتجاوز قاعدة قانونية أخرى وهي أنه لا توجد عقوبة بدون نص، حسبما أكد عبد العزيز، وأضاف «مطلوب إصدار المواثيق والمعايير ولائحة الجزاءات، وبعد ذلك نقوم بتوقيعها.. وليس بشكل اعتباطي غير مدروس». فيما قال محمود عثمان، المحامي بمؤسسة حرية الفكر والتعبير، إنه لا يجوز للجنة المؤقتة لتأسيس النقابة أن تصدر أي عقوبات ضد إعلاميين ليسوا من أعضائها. كما أن اللجنة لم تُصدر اللوائح الخاصة والمنظمة للعمل. وأضاف عثمان «يحق للإعلاميين الطعن على هذه القرارات أمام مجلس الدولة بمنتهى السهولة، خاصة أنها تمثل انتهاكًا جسيمًا لحرية التعبير». وقد ساهمت القرارات الصادرة عن المجلس الأعلى للإعلام من زيادة الرقابة الموجهة ضد المحتوى والعمل الإعلاميين، فضلًا عن توقيع عقوبات بسبب ممارسة مهنة الإعلام، وذلك دون وجود ميثاق شرف إعلامي، إلى جانب توجيه عقوبات للإعلامي والقناة في الوقت نفسه عن المحتوى الإعلامي الواحد. فيما أوضح عضو المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام حاتم زكريا لـ «مدى مصر» أنه لا يوجد أي نوع من التضارب بين عمل المؤسستَيْن. وأضاف «النقابة تُعاقب الأفراد وسلوكهم الإعلامي، بينما يتوجه المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام للمؤسسات مثل إدارات القنوات والشبكات من أجل ضبط الأداء الإعلامي. بالنسبة للنقابة، من الطبيعي أن تكون هناك بعض (اللعبكة) بسبب أن اللجنة (المؤقتة) ما زالت في بداية عملها، وتعمل على صياغة لوائحها بالإضافة إلى صياغة ميثاق الشرف الإعلامي». تضارب بشأن الميثاق وكان ميثاق الشرف الإعلامي مجالًا آخر للتضارب في الصلاحيات بين المجلس ولجنة التأسيس، وقال مصدر بالأخيرة لـ «مدى مصر»، في وقتٍ سابق، إن أي مشروعات تعدها لجنة المعايير وميثاق الشرف الإعلامي بالمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام تعَبَرَ فقط عن «الرأي الخاص لرئيس اللجنة»، وأن اللجنة المؤقتة لتأسيس النقابة هي فقط المعنية بإعداد ميثاق الشرف الإعلامي. بينما أكد الكنيسي، رئيس اللجنة، أن «إصدار كود أخلاقى حق لنقابة الإعلاميين لا المجلس الأعلى للإعلام». في حين نَصّ قانون نقابة الإعلاميين على أن تكون مهمة لجنة التأسيس إصدار ميثاق للشرف الإعلامي، والذي يُعمل به بصورة مؤقتة، وتقره الجمعية العمومية خلال مدة لا تتجاوز شهرًا من تاريخ انعقاده. فيما قال ياسر عبد العزيز إن هناك تضارب في اختصاصات كلٍ من المجلس الأعلى للإعلام ونقابة الإعلاميين مما أدى لتوقيع عقوبات مزدوجة على قنوات. وأضاف موضحًا «الحل هو الامتثال للقواعد، فيحتفظ المجلس الأعلى بحق مساءلة وسائل الإعلام وتوقيع العقوبات عليها ويقتصر دور النقابة على الأعضاء تقتصر عقوباتها على الأفراد وليس وسيلة الإعلام». وكان السيسي قد أصدر قانون المجلس الأعلى للإعلام في ديسمبر من العام الماضي. وقد بدأ الأخير نشاطه، في يونيو الماضي، بتقديم عدة بلاغات للنائب العام ضد إعلاميين، فضلًا عن المطالبة بحذف مشاهد من أعمال الدراما الرمضانية. فيما اعتبرت مؤسسة حرية الفكر والتعبير في تقريرها الربع السنوي عن حالة حرية الفكر والتعبير في مصر، الصادر اليوم، الخميس، أن المجلس الأعلى للإعلام قد أصبح «محورًا لانتهاك حرية الصحافة والإعلام»، فضلًا عن تنصيبه لنفسه كجهة رقابية جديدة، في إشارة إلى تطبيق غرامات على القنوات الفضائية إبان عرض مسلسلات رمضان. وأشار التقرير أيضًا إلى تجاوز النقابة لصلاحياتها باستصدار عقوبات ضد الإعلاميين. وأضاف التقرير «تثير هذه المواقف قلق كبير حول غَلبة المنحى الرقابي المحافظ على أداء واهتمام نقابة الإعلاميين، بدلاً من الاهتمام بوظيفتها الأساسية في رعاية مصالح الإعلاميين والدفاع عنها، وخاصة أن مرحلة تأسيس النقابة تتطلب نقاشات مستمرة حول تحديد إجراءات الانضمام لها وحجم الاشتراكات وتنظيم انتخاب قيادات النقابة». وقال مصطفى شوقي، رئيس وحدة حرية الإعلام والصحافة بالمؤسسة، إن لجنة تأسيس النقابة تستمر في ممارسة أدوارًا خارجة عن أدوارها الأساسية مثل الدفاع عن مصالح وحقوق العاملين في مجال الإعلام والمشاركة في إصدار ميثاق شرف إعلامي، بينما يكون المجلس الأعلى للإعلام هو جهة المحاسبة والمساءلة. وأضاف شوقي «يتزامن ذلك مع معاناة النقابة من مشاكل في التأسيس مثل كيفية انضمام الأعضاء لها والمشاكل التي يعاني منها العاملون في مجال الإعلام من شروط عمل تعسفية بدون عقود أو تأمينات. من الظاهر أنه يوجد مَيَل واضح للتقرب من السلطة من خلال محاولة السيطرة على كل ما يخرج على الشاشة». وفيما اعتبر شوقي أن المجلس الأعلى أصبح معنيًا أكثر بمراقبة المحتوى الإعلامي، وذلك أكثر من ضبط عشوائية المشهد ككل. وهو الأمر الذي يتطلب وضع الأُطر والسياسات العامة. وقد توقع أن يؤدي ذلك التضارب بالإضافة إلى المَيَل نحو الرقابة المتزايدة إلى التأثير على المحتوى الإعلامي. وأشار شوقي تحديدًا إلى تصريحات الرئيس عبد الفتاح السيسي في مؤتمر الشباب الأخير في الإسكندرية حول الحاجة إلى نشر «فوبيا» ضد سقوط الدولة. وأضاف «هذا توجيه واضح لطبيعة ما يجب أن تتناوله الشاشات. سوف تخلق هذه السياسة تزايد مرعب لمعدلات الرقابة الذاتية، حيث ستخلق كل مؤسسة إعلامية خطوطًا حمراء لنفسها، وبالتالي نصبح أمام عملية تأطير موجهة لكل ما يجب أن يتناوله الإعلام سواء سياسيًا أو أخلاقيًاأو مجتمعيًا».
الوطنية الزائفة حكم الكتالوج والأخ الأكبر محمود الشريف ١٠ أغسطس ٢٠١٧ «المعلومة قبل أي شيء آخر»، تلك هى قاعدة أجهزة الاستخبارات فى العالم أجمع، ولكن في الحقيقة، فلا تهم صحة المعلومة وجدواها طالما أنها تتفق مع مصلحة من يروج لها. حيث تبني سيناريوهات كاملة على قاعدة من المعلومات الزائفة والمفبركة، لرسم خطوط عامة وأولية لسياسة يجب أن تتبع وفق هذا البناء. لضمان نجاح هذه العملية المعقدة نسبيًا، تلجأ السلطة أو جهاز المخابرات إلى «الشريحة المثقفة» التي تكن لها الولاء، لا لاعتبارات «وطنية»، بقدر ما هو لاعتبارات المصالح المادية المباشرة التي تأتي بالنفع لتلك «النخبة المثقفة التنويرية» و«الوطنية». وتصبح مهمة هذه الفئة هي تغليف المعلومة وإخراجها ضمن النسق القومي والسياسي، سواء جاءت المعلومة في طورها الجديد للتوجيه لفعل معين وإما للنهي عن إتيان آخر. وتحدث عملية التغليف والإخراج تلك في سياق بروباجندا إعلامية وأعمال درامية وسينمائية دعائية، لتصل في نهاية المطاف لسيادة «المواطن» الجالس أمام التلفاز يشاهد مبتهجًا بحقه «الممنوح» في «المعرفة». لا يتعلق الأمر ببلد أو دولة بعينها، بل بكتالوج تعمل وفقه جميع الدول وأنظمة الحكم، متقدمة أو نامية، ملكية أو ديكتاتورية شمولية عسكرية أو ديمقراطية برلمانية شكلية. والهدف الرئيسي لهذا «الكتالوج» هو السيطرة على عقول المواطنين، عبر تشكيل وصياغة وعي يتوافق مع مبدأ «سيادة القانون» الخاص بالطبقة الحاكمة، التي تسيّر هذا المبدأ وتحظره على نفسها، فالقانون في رؤيتها هو مجموعة القواعد الثابتة التي تربي بها الدولة – أو الجهاز المؤسسي والإداري للطبقة الحاكمة – مجموع المواطنين. وعليه، فإن اخترقت هي تلك القواعد، لا ينطبق عليها القانون، ويُردُّ هذا عادة لاعتبارات الأمن القومي، ولوجود خطة «استخباراتية» من «الدولة المُربِيّة» لضرب الأعداء في مقتل، حتى وإن كان واضحًا للكفيف قبل المبصر أن ذاك الفعل هو في حقيقة الأمر خدمة للأعداء! وإن كنت أحد مواطني هذا الكتالوج، فعليك استقبال المعلومة، سواء في صيغة الأمر أو النهي، دونما تفكير أو نقد، وإن شككت مجرد شك في أهلية من يمسك بزمام السلطة في هذا الكتالوج، أو في أحقية هذا النظام المجتمعي والطبقى فى البقاء، فمصيرك إما الإخفاء أو السجن أو القتل عن طريق التصفية. بين الشرق والغرب، المخابرات واحدة! تختلف مسميات أجهزة الاستخبارات من دولة إلى أخرى، كما تختلف في أسباب نشأتها، والتي ترجع لمكونات النظام الاجتماعي الحاكم نفسه والظروف المادية والموضوعية التي أدت لإحداث انقلاب اجتماعي في بلد أو إقليم ما، يدفع بالنظام الجديد للإمساك بزمام السلطة. بعد ثورة أكتوبر ١٩١٧ شُرع في تأسيس جهاز استخبارات للدولة السوفيتية الناشئة وقتذاك، وهو ما عرف فيما بعد باسم «الكي جي بي»، وكان الهدف الرئيسي من تأسيسه هو التصدي لمحاولات إجهاض الثورة من قبل الدول الاستعمارية الأوروبية الكبرى المتحالفة مع بقايا النظام القيصري السابق، فى فترة الحرب الأهلية الروسية بين الجيشين الأحمر والأبيض. إلا أنه، وبعد نهاية الحرب الأهلية، أصبحت المهمة الرئيسية لهذا الجهاز هي ترسيخ الديكتاتورية الستالينية، وحكم الفرد أو الحزب الواحد المغلف بشعارات التضامن الأممي والعمالي، لتبرير سحق حركات الاحتجاج العمالية والاجتماعية، التي تقع خارج حدود الاتحاد السوفييتي، ولا تتفق مع خط النظام الستاليني. استمر هذا طيلة الحرب الباردة حتى انهيار المنظومة الستالينية بأكملها فى ١٩٨٩. وبالمثل أيضًا المعسكر المضاد، فنشأة وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية «السي آي إيه»، أتت بعد ما أسفرت عنه الحرب العالمية الثانية من تقسيم للعالم ومقدراته بين طبقاته الحاكمة، لتجد الولايات المتحدة نفسها حاملة للواء الإمبريالية العالمية ما بعد الحرب. لم تختلف البروباجندا التي استُخدمت وقتذاك عن اليوم، وهى إيجاد عدو معين يهدد «الأمن القومي الأمريكي» والسلام العالمي، سواء كان هذا العدو موجودًا بالأساس أم لا، فتارة هو العدو الأحمر وتارة الإرهاب ثم الإسلام الراديكالي. وكل هذه البروباجندا مغلفة في النهاية بذات الروح الوطنية الزائفة وتضخيم الذات الأمريكية وحلمها. وكم من الأفلام أُنتجت لترسيخ هذا المفهوم، المتناقض في واقع الأمر مع تاريخ تدبير الإنقلابات العسكرية فى العالم الثالث ودعم تلك النظم بكل قوة، أو حتى تدريب أجهزة مخابرات لدول أخري كما حدث في الاشتراك مع الموساد في تدريب جهاز «السافاك» في نظام الشاه العسكري في إيران، إلى تدبير احتلال العراق فى ٢٠٠٣ الذي قام على معلومات أثبت الواقع عدم وجودها من الأساس. القائمة تطول إذن أيها الأخ الأكبر! البداية في مصر «القاهر» و«الظافر»! وبالقياس على منطقتنا العزيزة، فنشأة أجهزة الاستخبارات ومسارها التاريخي فى دولها، تتماثل مع النشأة والمسار التاريخي للأنظمة الرثة التي حكمت هنا طيلة عقود. اعتمدت نشأة أجهزة مخابرات الدولة المصرية ما بعد يوليو ١٩٥٢، فى تمكين ركائزها، على نفس الكتالوج المكرر، ولكن لاختلاف الظروف التاريخية والاجتماعية والسياسية، فالروح الوطنية هنا لم تكن زائفة وحسب، بل مشوشة بدرجة كبيرة أيضًا، فكان الاعتماد في البداية على دعاية صاروخي «القاهر» و«الظافر» لردع الإمبريالية والاستعمار وعصابات الكيان الصهيوني وتحقيق الوحدة، قبل أن يحدث تحول كبير فى مضمون تلك الدعاية بعد كامب ديفيد، لتُصوّر من وقتها إلى اليوم تبعية مصر للسياسة الأمريكية والصهيونية، بوصفها دور مصر «الاستراتيجي» فى حماية أمنها القومى ودعم «السلام» فى المنطقة للقضاء على «أهل الشر». ثم تلجأ المخابرات العامة المصرية في النهاية للبحث عن شركة علاقات عامة أمريكية للترويج للنظام المصري الحالي، وعلى رأسه السيسي بوصفه حليفًا إستراتيجيًا هامًا لإدارة ترامب. الإجابة ليست نموذجية دائمًا أيها الأخ الأكبر كثيرًا ما صادف المرء أثناء مراحل تعليمه المختلفة تلك الجمل المطعمة بالحس الوطني الزائف، أو مواضيع التعبير التي يطلب منه كتابتها عن «مجد الوطن» وتقدمه الذي لن يأتي بدون شباب الأمة، الذين هم «عمادها» و«صلاحها» و«سعدها». ومن يكتب خارج هذا النموذج، ولمجرد تفكيره على غير ما يريد منه الأخ الأكبر التفكير، يصبح «مُسخة» الفصل. ينشأ مفهوم «الأخ الأكبر» من مرحلة المدرسة، وقد يكون «أمين الفصل» أو «العصفورة»، كما كان يُسمى حين يكون المدرس خارج الفصل، أو «المدرّس» عندما يكون «حضرة الناظر» جالسًا فى مكتبه، أو «حضرة الناظر» نفسه عندما يمر في جولة على الفصول. فالأخ الأكبر هنا لا يراقبك فقط، بل يضع لك قالبًا من الوطنية على هيئة مناهج دراسية أتت إليه من أخ أكبر منه، لتلبسها في هدوء ودون شوشرة. لا يجب على المرء مثلًا حلَّ مسألة هندسية بطريقة غير التي أرشده لها الأخوة الكبار، حتى لو كان المنطق الرياضي البحت، وكذلك معطيات المسألة نفسها، تسمح باتخاذ طريق مغاير. لنفترض مثلًا، وبتجريد تام، أنك مواطن في الدولة «س»، تعمل عدد ساعات العمل الرسمية وغير الرسمية، وتقرأ الصحف الرسمية وتتابع البرامج الحوارية التي تبث الخطاب «الوطني» للدولة، وتصدق كل ما يقال لك دون بحث أو نقد أو مجرد تفكير بأبسط القواعد المنطقية، هنا يصبح نمط حياتك نفسه هو الإجابة النموذجية على ما تريد الدولة سؤالك عنه، من دون أن تسألك مباشرة. ولكن كيف سترد على الدولة «س» إن هجّرتك من منزلك عنوة بحجة البناء المخالف أو الرغبة في بناء مشروع استثماري سياحي في منطقتك، وسيعود بالنفع عليها؟ المنطقي أنك ستثور ضد هذا الأمر وستواجهه، ولكن حينها ستخرج من إطار «الإجابة النموذجية» وستقع تحت طائلة قانون الطبقة الحاكمة للدولة، وستوصم بـ«الخائن» و«المرتزق» و«الخارج عن الأعراف الوطنية»، تمامًا، كما حدث عندما وجد الطالب «المسخة» حلًا مغايرًا للمسألة الهندسية المطروحة عليه. هكذا كان الأمر بعد ثورة يناير ٢٠١١ وكافة ثورات الربيع العربي. فجميع النظم التي حكمت لعقود اعتمدت على هذا فى الحفاظ على مكوناتها بعد انحسار مد الانتفاضات. إجابتك النموذجية عن تأييدك لنظام «الثورة المضادة» تأييدًا أعمى هي الضمانة الوحيدة للحفاظ على أمنك الشخصي، بالإضافة لعدم تململك من غلاء الأسعار أو نهب الثروات أو سحق أي رأي خارج السرب، أو تبعية القرار لمنظومة الحكم العالمية. فثورة يناير والربيع العربي لم يكونا الإجابة النموذجية لأسئلة ومناهج ومواضيع تعبير نظام مبارك وأقرانه. حتى لو كانت الثورة هي الإجابة الصحيحة، فهي لن تجد للترويج لها ما لدى الأولى من متاريس إعلامية وأجهزة مخابرات ونفوذ مالى لطبقة أوليجاركية مالية حاكمة، كما لن تجد مؤتمرًا تلو المؤتمر تتحذلق فيه مجموعة من المتسلقين بوصفهم «شباب الغد» – أو «شباب الجيل»، لن تفرق – أمام الأخ الأكبر «المحلي» من أجل إرضاء إحساسه بالزهو والترويج لتعليماته وقوله الزائف بوصفه وحيًا سماويًا خطر للحاكم بأمر الله في لحظة شرود، وهي أمور طالما اتصف بها أى ديكتاتور يعمل وفق كتالوج مخابراته الداخلية، وبدعم من الإدارة الأمريكية ومخابراتها. ليس من الغريب إذن أن يصبح الترويج المتزايد لتوسيع التطبيع مع الكيان الصهيوني «مسألة أمن قومي» في رؤية من يعملون على تسيير هذا الكتالوج. ولما كانت الثورة المصرية وثورات الربيع العربي لم تنجح بعد في هدم النظم الطبقية الحاكمة بكل ركائزها البالية، وتأسيس مجتمع جديد قائم على انعدام الطبقية والتبعية للغرب، فسيبقى هذا الكتالوج قيد العمل. وأيًا يكون ما يكتب أو ما يؤخذ من مواقف، فسيوضع على ميزان الوطنية الخاصة، ووفق مبدأ «سيادة» القانون الخاص بتلك المنظومة. وأي منفذ يخرج منه ما لا يتفق مع هذا الخط المتبع، ومصلحة من يسيّره، فسيكون مصيره الحجب والمنع، لأن الإجابة ليست نموذجية كما يريدها الأخ الأكبر وزبانيته. ولا تصبح هناك قيمة للحديث عن المنجز البشري التاريخي الذي أدي لظهور هذا المنفذ أو ذاك، أي الثورة المعلوماتية وحرية تداول الأراء عبرها. القوة أم الحق؟ «القوة هي التي تنشئ الحق وتحميه»، من القواعد القانونية التي علّمها لنا أحبار القانون في كلية الحقوق. للوهلة الأولى، ورغم منافاتها لجوهر فلسفة القانون، يُخدع المرء بحجية تلك القاعدة، ولكن عندما يضعها أمام أبسط قواعد المنطق سيكتشف زيفها، وأنها وجدت بالأساس للحفاظ على تركيب النظام الطبقي الحاكم. وبتطبيق هذه القاعدة على الواقع المادي واليومي تتضح الصورة بدرجة كبيرة. فالحق في المعرفة منشأه إذن القوة التي يمتلكها، القوة التي يمتلكها من أدوات سيطرة وقمع للحريات ومنظومة اقتصادية وإعلامية مافياوية تعمل على بث رسائل دولة «الأخ الأكبر»، من معلومات مشوشة تنافي الواقع اليومي المفضوح، تلك القوة أيضًا هي ما تعطيه الحق في احتكار المعلومة (المعرفة) وإخفاء كل ما يؤكد الحقيقة، وهي ذات القوة التي تمنحه رداء الوطنية الزائف بحجة محاربة الإرهاب، وإن نظرتَ في المرآة لن تجد سوى صورة الأخ الأكبر أمامك، ذلك إن كنت لا ترى الحقيقة بأم عينك! الروح الشعبية الحقيقية، والثورية بطبيعتها، لا تحتاج لأجهزة مخابرات وبروباجندا إعلامية نظامية حتى تتجلى، وفق «الإجابة النموذجية الوطنية»، لأنها تجلت ببساطة لأكثر من مرة عبر التاريخ المصري، من المقاومة الشعبية للاستعمار الفرنسي والبريطاني، لرفض الهزيمة الكارثية فى يونيو ١٩٦٧، إلى أعظم تجلياتها في ثورة يناير ٢٠١١. وديكتاتور يخاف من الحقيقة هو ديكتاتور كاريكاتوري ليس أكثر، فالإجابة النموذجية التي يبتسم لسماعها مضللة وغير صحيحة أبدًا، ووحدها الإجابة الشعبية هي الأصح، وهي الحقيقة الباقية، والأيام دول. حطموا الأصنام فلن تبقى القيود أبد الدهر.
دكروري يطعن أمام «الإدارية العليا» على عدم تعيينه رئيسًا لمجلس الدولة رنا ممدوح ١٠ أغسطس ٢٠١٧ أقام المستشار يحيى دكروري، النائب الأول لرئيس مجلس الدولة، طعنًا أمام المحكمة الإدارية العليا ضد قرار رئيس الجمهورية بتخطيه في التعيين رئيسًا للمجلس. كان الرئيس عبد الفتاح السيسي قد أصدر في ١٩ يوليو الماضي، قرارًا جمهوريًا بتعيين المستشار أحمد أبو العزم، رئيسًا لمجلس الدولة، رغم كونه الرابع في ترتيب الأقدمية بين نواب رئيس مجلس الدولة السابق. ودفع دكروري في طعنه الذي قيدته المحكمة اليوم، برقم ٩٥٢٧٨٩ لسنة ٦٣ قضائية، بعدم دستورية قانون الهيئات القضائية فيما تضمنه من تمكين رئيس الجمهورية من التدخل في تعيين رئيس المحكمة الإدارية العليا، الذي يتولى رئاسة المجلس. وطلب من المحكمة إلغاء قرار السيسي بتعيين أبو العزم وتمكينه من رئاسة المجلس بوصفه أقدم مستشاريه. كانت الجمعية العمومية لمستشاري مجلس الدولة قد رفضت في ١٣ مايو الماضي بإجماع الآراء، الامتثال لقانون الهيئات القضائية الذي يلزمها بترشيح أقدم ثلاثة نواب لرئيس مجلس الدولة السابق، المستشار محمد مسعود، ليختار من بينهم رئيس الجمهورية رئيس المجلس الجديد. ورشحت الجمعية للمستشار يحيى راغب دكروري، صاحب حكم بطلان اتفاقية تيران وصنافير، لرئاسة المجلس. يأتي طعن دكروري بعد أيام من نشر أنباء عن نيته للترشح لرئاسة الجمهورية، وهو ما ردت عليه مصادر مقربة من دكروري لـ «مدى مصر» بأن الطعن يقطع الطريق على التكهنات، ومحاولات بعض القوى السياسية لدفع دكروري للعمل السياسي، مؤكدين على رغبة دكروري في الاستمرار في عمله القضائي حتى بلوغه سن التقاعد في نهاية العام القضائي المقبل، المقرر له ٣٠ يونيو المقبل. وأضافت المصادر، التي فضلت عدم ذكر أسمائها، أن دكروري تعمد طَرق كل السبل القانونية للاعتراض على قانون الهيئات القضائية، وحقه في ترؤس مجلس الدولة، بدءًا من التقدم بتظلم لرئاسة الجمهورية، مرورًا بإقامة الطعن أمام المحكمة الإدارية العليا. وتقدم دكروري في ٢٤ يوليو الماضي بتظلم إلى رئيس الجمهورية طالبه فيه برفع الظلم الواقع عليه والتراجع عن قراره باستبعاده من رئاسة المجلس، قال فيه «تظلمي ليس شخصيًا بل لمنظومة العدالة وشيوخ القضاة يأتون بالأقدمية المطلقة، وهي قاعدة يجب أن تلازم الرئيس كما تلازم الأحدث منه، والمنصب ليس منحة من أحد أو حق لأحد بقدر ما تسمو مسئولياته في أعبائها أمام الله وأمام الوطن وأمام الشعب». وأضاف دكروري في التظلم «قرار سيادتكم بتعيين زميل أحدث مني لرئاسة المجلس متخطياً لي سابقة لم تحدث منذ ما يزيد على سبعين عاماً دون مبرر واضح أو مقتض مقبول بالمخالفة لقاعدة الاقدمية التى استقام عليها التنظيم القضائي وهدمها يؤثر على حسن سير العدالة». ووفقًا للمصادر لم يتلق دكروري أي رد من مؤسسة الرئاسة، ولهذا لجأ إلى الطعن أمام الدائرة الثانية بالمحكمة الإدارية العليا المختصة بالفصل في الطعون التي يقيمها مستشارو المجلس.
عودة ١٥ من صحفيي «اليوم السابع» الموقوفين إلى العمل واستمرار فصل ٣ آخرين مدى مصر ١٠ أغسطس ٢٠١٧ قررت إدارة صحيفة اليوم السابع إعادة ١٥ من الصحفيين إلى العمل بعد إجبارهم على التوقيع على أجازة بدون مرتب لمدة عام ومنعهم من دخول مقر الجريدة بسبب مواقفهم المؤيدة لمصرية جزيرتي تيران وصنافير. واستثنت الإدارة من هذا القرار ثلاثة صحفيين آخرين تقدموا بشكوى رسمية ضد الجريدة لنقابة الصحفيين، بحسب عبدالرحمن مقلد، أحد الصحفيين الثلاث. وقال مقلد لـ «مدى مصر» اليوم، الخميس، إنهم يتابعون تطورات قضيتهم مع نقابة الصحفيين، بانتظار انتهاء نقيب الصحفيين، عبدالمحسن سلامة، من مراسم عزاء شقيقته حتى يستجيب لطلب سبعة من أعضاء مجلس النقابة لعقد اجتماع عاجل للمجلس من أجل مناقشة أزمة الصحفيين الثلاثة، وهم ماهر عبد الواحد ومدحت صفوت، بالإضافة إلى مقلد، مع الجريدة. رفض الصحفيون الثلاث في وقت سابق عرض إدارة الجريدة بإعطائهم أجازة بدون مرتب لمدة عام، وهو ما أدى لإبلاغ الإدارة الصحفيين بفصلهم شفاهة. وأدانت ثمانية مؤسسات حقوقية في بيان اليوم، الخميس، الخطوات التي اتخذها شركة إعلام المصريين المالكة لجريدة اليوم السابع والمطبوعات التابعة لها ضد الصحفيين الذين يعبرون عن آراء سياسية معارضة، وهو ما اعتبروه «انتهاكًا صارخًا للحق في حرية التعبير عن الرأي، وتشكل انتهاكًا لخصوصية هؤلاء الصحفيين عبر عملية أشبه بمراقبة حساباتهم الشخصية ومطالعة الآراء التي يُعبِّرون عنها، الأمر الذي يُمثِّل تهديدًا لحرية الصحافة لما يحمله من إلزام للصحفيين بتبني مواقف ووجهات نظر سياسية بعينها». وأضاف البيان «نحن أمام حالة فصل تعسفي تحكمها على الأرجح توجهات سياسية لا تُعد معيارًا لتقييم أداء الصحفيين، الأمر الذي طال صحفيين آخرين في مواقع إخبارية أخرى تابعة لشركة إعلام المصريين مثل موقع “دوت مصر” ولم نتمكن بعد من حصر عدد حالات الفصل على خلفية إجراءات مشابهة». كانت إدارة الجريدة قد نشرت بياناً في وقت سابق جاء فيه أن المستشار القانوني للصحيفة، أنور الرفاعي، سيتقدم بشكوى لنقابة الصحفيين يطالب فيها بإحالة ثلاثة صحفيين من المؤسسة إلى لجنة التأديب بدعوى «إساءتهم لليوم السابع» و«التآمر مع مؤسسة إعلامية تابعة لحزب الله اللبناني»، في إشارة إلى صحيفة الأخبار اللبنانية، والتي نشرت تقريراً عن فصل الزملاء بعنوان «الصحافة المصرية في إجازة قسرية» وأكد عدد من العائدين للعمل لـ «مدى مصر» عودة الموقوفين، إلا أنهم رفضوا الإدلاء بأي تفاصيل حول قرار العودة. وقال مصدر مقرب للصحفيين لـ «مدى مصر» في وقت سابق إن رئيس تحرير اليوم السابع، خالد صلاح، فسّر الإجراء المتخذ ضدهم بقوله «ينفع تبقى بتشتغل في المصري اليوم وتشتم لابوار»، في إشارة إلى ملكية أسرة رجل الأعمال صلاح دياب لكل من مؤسسة «المصري اليوم» وكذلك سلسلة محلات لابوار للحلويات. وتابع صلاح، بحسب المصدر «في اليوم السابع، لا يجوز لك أن تشتم الدولة أو رئيس الجمهورية أو تنتقدهما». طلب «مدى مصر» من صلاح وقتها، عبر رسالة نصيّة، تعليقًا على قرار الفصل، إلا أن رده جاء مقتضبًا «هتكتب الحقيقة؟»، ولم يرد بعدها على اتصالاتنا الهاتفية. ويمتلك رجل الأعمال، أحمد أبو هشيمة، حصة حاكمة في «اليوم السابع»، عن طريق شركته «إعلام المصريين»، التي استحوذت أيضًا على صحيفة «صوت الأمة» وموقع دوت مصر وصحيفة عين الفنية وشبكة قنوات «ON TV» و٥٠% من أسهم شركة مصر للسينما، وكذلك وكالة «بريزينتيشن» للدعاية والإعلان.
بعد تعدّيل قانون «القومي لحقوق الإنسان» .. مخاوف بشأن أداء المجلس مستقبلًا كتب مصطفى محيي ٩ أغسطس ٢٠١٧ أصدر الرئيس عبد الفتاح السيسي، أول أغسطس الجاري، القانون رقم ١٩٧ لسنة ٢٠١٧ بتعديل بعض أحكام القانون رقم ٩٤ لسنة ٢٠٠٣ بإنشاء المجلس القومي لحقوق الإنسان. وقد أدت التعديلات إلى تزايد المخاوف بشأن الأداء الخاص به مستقبلًا؛ ففي حين اعتبر عضو المجلس جورج إسحاق أن التعديلات في مجملها متوزانة، قال ناصر أمين، المحامي الحقوقي والعضو بالمجلس أيضًا، لـ «مدى مصر» أن القانون سيؤدي إلى الانتقاص من استقلالية «القومي لحقوق الإنسان». وقال جورج إسحاق لـ «مدى مصر» إنه «بالمقارنة بقانون تأسيس المجلس رقم ٩٤ لسنة ٢٠٠٣، تعيد التعديلات الاستقلالية للمجلس مرة أخرى». ويأخذ إسحاق على التعديلات الأخيرة أنها لم تُتح لأعضاء المجلس زيارة السجون وأقسام الشرطة وأماكن الاحتجاز بالإخطار. وإبقاء الأمر على ما هو عليه، بما يجعل الزيارات تُنظم بعد استئذان النيابة العامة والتنسيق مع وزارة الداخلية، وهو ما يؤدي لأن تكون غير ذات قيمة، بحسب إسحاق. بينما اعتبر ناصر أمين أن التعديلات تمسَّ استقلال المجلس بدرجة كبيرة لعدة أسباب من بينها طريقة اختيار أعضاء المجلس. وتنص المادة الثانية مكرر «أ» من التعديلات على أن يبدأ مجلس النواب عن طريق اللجنة العامة باختيار المرشحين لعضوية «مجلس حقوق الإنسان» في ضوء ترشيحات المجالس القومية والمجلس الأعلى للجامعات والمجلس الأعلى للثقافة والنقابات المهنية وغيرها من الجهات. ويُختار الأعضاء بموافقة أغلبية أعضاء البرلمان، ويصدر رئيس الجمهورية قرارًا بتعيينهم. واعتبر أمين أن ذلك يُخضع المجلس لرقابة البرلمان بشكل مباشر، والعكس هو ما يجب أن يحدث. وأوضح أن لجان البرلمان بقراراتها يجب أن تكون خاضعة لرقابة المجلس القومي لحقوق الإنسان. وأضاف أمين أن التعديلات الجديدة تُخضع المجلس لرقابة الجهاز المركزي للمحاسبات، في حين لا تمنحه التعديلات صلاحيات أكبر لممارسة مهام عمله، وعلى رأسها زيارة أماكن الاحتجاز بشكل مفاجئ، وهي النقطة التي طالب بها أعضاء المجلس أكثر من مرة. وتابع أمين قائلًا «رغم أن قانون تأسيس المجلس كان سيئًا مما أدى إلى حصوله على تقييم B من اللجنة التنسيقية للمؤسسات الوطنية لدعم وحماية حقوق الإنسان في الفترة السابقة على ثورة ٢٥ يناير إلا أنه رغم تقييد القانون له حَصَلَ على تقييم A من الهيئة نفسه لأن أداء المجلس في عامي ٢٠١١ و٢٠١٢ كان مُستقلًا إلى حد كبير وقتها». وأضاف أمين أن التعديلات الأخيرة قد تؤدي إلى انخفاض التقييم مرة أخرى بنهاية هذا العام، في حين توقع إسحاق ألا يتأثر تقييم المجلس. وتعمل اللجنة التنسيقية الدولية للمؤسسات الوطنية لتعزيز حقوق الإنسان وحمايتها، بشكل مستقل عن الأمم المتحدة. وقد أسست، في ١٩٩٣، باعتبارها كيانًا قانونيًا بموجب القانون السويسري. وتضم في عضويتها عدد من المؤسسات الوطنية والإقليمية، من ضمنها المجلس القومي لحقوق الإنسان المصري فضلًا عن عضوية مؤسسات أخرى بأفريقيا والأمريكتين وآسيا وأوروبا والمحيط الهادي. في حين تدعم المفوضية السامية لحقوق الإنسان المؤسسات الوطنية والإقليمية، وتُعمل على تركيز عمل هذه المؤسسات على قضايا الحماية الأساسية مثل منع التعذيب، والمعاملة المهينة، وحالات الإعدام بإجراءات موجزة، والاحتجاز والاختفاء التعسفيين، أو حماية المدافعين عن حقوق الإنسان. وذلك من خلال قسم المؤسسات الوطنية والآليات الإقليمية بالمفوضية السامية. وتعتمد «اللجنة التنسيقية» على للمبادئ المتعلقة بمركز المؤسسات الوطنية، والمعروفة باسم مبادئ باريس لسنة ١٩٩٣ في تقييم أداء أعضائها. ويعني التقييم A لأي من المؤسسات الوطنية في اللجنة الامتثال التام لمبادئ باريس، وتحصل تلك المؤسسة على حق الحديث والمشاركة في هيئات حقوق الإنسان الأخرى. ومن المنتظر أن يبدأ مجلس النواب في إجراءات تشكيل إعادة تشكيل مجلس جديد خلال ٣٠ يومًا من تاريخ العمل بالتعديلات الجديدة على القانون أو من تاريخ أول انعقاد للبرلمان إذا لم يكن منعقدًا، وذلك وفقًا لما ينص القانون الصادر في أول الشهر الجاري. فيما أشار إسحاق إلى أن المجلس، بتشكيله الحالي، سيُعد تقريرًا خاصًا عن أعماله، ومن المنتظر أن يُنشر بنهاية الشهر الحالي. في حين سينشر تقريرًا عامًا عن أعماله طوال السنوات الماضية في شهر أكتوبر المقبل.
كامل الوزير يلتقي «أهالي الوراق».. والسيسي يطمئنهم هاتفيًا «لا يمكن تهجيركم.. نريد تطوير الجزيرة» كتب مدى مصر ٩ أغسطس ٢٠١٧ عَقَدَ رئيس الهيئة الهندسية بالقوات المسلحة اللواء كامل الوزير لقاءً أمس، الثلاثاء، مع وفد من أهالي جزيرة الوراق بمقر الهيئة. وصَرَّح، خلال لقائه مع الأهالي، أنه لا توجد أي مخططات لتهجير الأهالي من الجزيرة، وأوضح أن المطروح هو مشروع لتطويرها وتنميتها دون تهجير للسكان، حسبما قال مسعد حامد، أحد سكان الذين حضروا اللقاء، لـ «مدى مصر». وأوضح حامد أن الوزير أكّد على أن القوات المسلحة هي المسؤولة عن مشروع تطوير الجزيرة لـ«صالح أهلها»، حسبما قال في اللقاء. وسيتمّ الحفاظ على الكتلة السكنية داخل الجزيرة كما هي، مع إزالة بعض المنازل المتناثرة على أطرافها، وتعويضهم بمساكن بديلة داخل الكتلة السكنية، وذلك بغرض تجميع السكان في منطقة واحدة لتطويرها، حسبما أكّد حامد لـ «مدى مصر». وقد أوضح أن الهيئة الهندسية ستكون مسؤولة عن شَقَّ طرق جديدة بالجزيرة وتطوير البنية التحتية وإنشاء مدارس جديدة. فيما أشار حامد إلى أن رئيس الهيئة الهندسية كان قد ألمح إلى وجود إمكانية لطرح جزء من أراضٍ على الجزيرة لمشاريع استثمارية. وخلال لقاء أمس، أجرى الوزير اتصالًا تليفونيًا مع الرئيس عبد الفتاح السيسي، وقد تحدث الأخير إلى الأهالي مُباشرة عبر مُكبر الصوت في الهاتف. وقال السيسي، بحسب حامد، «إحنا هنا لخدمتكم ولسنا ضدكم. وأنتم أولادنا وأهلنا ولا يمكن تهجيركم. لكننا نريد تطوير الجزيرة». وكان الرئيس عبد الفتاح السيسي قد طالب الحكومة، في شهر مايو الماضي، بضرورة استعادة أراضٍ مملوكة للدولة التي تم التعدي عليها. وأشار، في خطابه الشهر الماضي، إلى جزر النيل، ومن بينها جزيرة الوراق على وجه التحديد، بقوله «جزيرة موجودة في وسط النيل، مساحتها أكتر من ١٢٥٠ فدان مش هذكر اسمها وابتدت العشوائيات تبقى جواها والناس تبني وضع يد. لو فيه ٥٠ ألف بيت هيصرفوا فين؟ في النيل اللي إحنا بنشرب فيه؟». وأضاف «الجزر الموجودة دي تاخد أولوية في التعامل معاها». وقال مسعود حامد لـ «مدى مصر» « إن الوزير قال لنا إنه سيتم الحفاظ على الأراضي الزراعية، وستشتري القوات المسلحة ممَن يريد البيع، وكذلك ستعوّض مَن يريد الخروج من الجزيرة بوحدات سكنية بديلة خارجها». وأضاف حامد أن ما طُرح، في اجتماع أمس، كان بمثابة عرض سريع لما تعتزمه الدولة، وأن المخطط التفصيلي لتطوير الجزيرة لم يُعرض على السكان حتى الآن. وكانت صحيفة الوطن قد نشرت، أمس، صورة من مجموعة المطالب التي تقدّم بها الأهالي للواء كامل الوزير. وتضمنت المطالب ضرورة الإفراج عن الشباب المحبوسين على ذمة المظاهرات الرافضة لإزالة بعض المساكن من «الوراق». وكانت الشرطة قد ألقت القبض على ١٧ من أهالي الجزيرة خلال مظاهرات شهدتها الجزيرة الشهر الماضي، ومازالت النيابة تجدد حبسهم حتى الآن. وأصرّ الأهالي خلال اللقاء بتمسكهم بالتواجد على الجزيرة ورفضهم التفاوض بشأن ذلك، والمطالبة بتعويض أسرة سيد حسن الجيزاوي، الذي لقي مصرعه أثناء اشتباك الأمن مع أهالي الجزيرة منتصف الشهر الماضي، بحسب صحيفة «الوطن». كما أكّد الأهالي أن جميعهم يقيمون على الجزيرة وفقًا للقانون، وفي حالة أن الدولة أرادت استرداد الأراضي التي طرحها النهر، والمشغولة بالسكان بموجب حق الانتفاع منذ أكثر من ٥٠ عامًا، فمن الضروري تعويضهم بأراضٍ بديلة داخل الجزيرة وليس خارجها، وكذلك تعويضهم ماديًا عن المباني. كانت قوة من الشرطة مع مسؤولين من وزارات الأوقاف والري والزراعة قد شرعوا في تنفيذ ٧٠٠ قرار إزالة لتعديات على أراض الدولة، في ١٦ يوليو الماضي، حسب بيان صادر عن وزارة الداخلية وقتها. ونشبت اشتباكات بين قوات الأمن والأهالي الذين اعترضوا على أعمال الإزالة. وأدت الاشتباكات إلى مقتل مواطن وإصابة ١٩ آخرين بحسب تصريحات وزارة الصحة وقتها، في حين أُصيب ٣٧ من أفراد الشرطة، بحسب بيان الداخلية. وأعلن محافظ الجيزة، اللواء كمال الدالي، في ١٧ يوليو الماضي، أن الدولة نجحت في تنفيذ ٣٠ من قرارات الإزالة، مضيفًا أن المحافظة ستجتمع مع الأهالي قريبًا لتوضيح أنه لا توجد خطط لإزالة مساكن الجزيرة بأكملها وأن القرارات اتخص التعديات على أراضي الدولة فحسب.
بيتان من زجاج من قتل ياسين؟ عن «صنايعية مصر» لعمر طاهر و«بيت الزجاج» لبريان ألكسندر هديل غنيم ٩ أغسطس ٢٠١٧ كتابان صدرا في توقيت واحد تقريبًا، الأول بعنوان «صنايعية مصر»، واشتريته أثناء زيارتي للقاهرة في يناير الماضي، والثاني بعنوان «بيت الزجاج»، واستمعت إلى حوار مع مؤلفه بريان ألكسندر في الراديو، فذكرني بفصل محدد من كتاب عمر طاهر. استعرت كتاب ألكسندر من المكتبة العامة، ووجدته يتناول قصة بلدته الصغيرة لانكاستر بولاية أوهايو الأمريكية، والتي اعتبرت بعد الحرب العالمية الثانية نموذجًا للمدينة الأمريكية المثالية، ثم أصبحت الآن نموذجًا للتعاسة التي تعيشها ولايات كثيرة في الوسط الأمريكي، حيث تفشى إدمان الهيروين بين سكانها البيض الذين تراجعت أوضاعهم الاقتصادية وسقطوا من الوعي الأمريكي في الخطاب العام المتمركز حول المدن الأمريكية الكبرى على الساحلين الشرقي والغربي. إلى أن جاءت الانتخابات الرئاسية الأخيرة وانتخب أغلب هؤلاء المنسيون ترامب. ومن خلال مقابلاته مع عدد كبير متنوع الأعمار من سكان لانكاستر، ومن خلال تتبع تاريخ مصنع الزجاج الشهير بها، يرصد المؤلف التحول المأساوي الذي أصاب المدينة عبر عدة عقود. أما كتاب عمر طاهر، فرغم أنه لا يدعي بأنه يقوم بأكثر من استعراض «مشاهد من حياة بعض بناة مصر في العصر الحديث»، إلا أنه من الصعب قراءته والإفلات من الشعور بالمأساة العامة التي أصابت تطور الحياة في مصر أيضًا. يتناول الكتاب عددًا من رجال الصناعة في مصر، ومن بينهم محمد سيد ياسين الذي أسس أول مصنع حديث للزجاج في مصر عام ١٩٣٣، بدعم من طلعت حرب، فحقق نجاحًا كبيرًا وتفوقت منتجاته المحلية على منافسة الواردات الأجنبية، بل وصارت تُصدَّر خارج مصر أيضًا. وبينما يفرد ألكسندر أكثر من ٣٠٠ صفحة لمناقشة أثر مصنع الزجاج على أحوال مواطني المدينة الصناعية المُشيّد بها، فلا يتعدى الفصل المخصص لزجاج ياسين في كتاب عمر طاهر أكثر من بضع صفحات يتعلق أكثرها بمسيرة «ملك الزجاج ضد الكسر» نفسه. رغم اختلاف طبيعة الكتابين، إلا أن تجربة المصنعين تثير أسئلة أوسع، فقد قام مجتمع لانكستر بأسره حول مصنع «أنكورهوكنج» للزجاج، الذي كان الأكبر والأشهر والأعرق في الولايات المتحدة الأمريكية، وكان يوظف ما لا يقل عن خمسة آلاف من العمال والموظفين الذين يعيشون في حالة من التوازن والوئام الاجتماعي، حيث يرتاد نائب رئيس الشركة والمديرون نفس البارات التي يرتادها العمال ويلعبون البلياردو سويًا، وتنخرط زوجاتهم في العمل الأهلي والمدني؛ في حملات التوعية الصحية وتحسين الخدمات التعليمية والمرورية وإصلاح الأرصفة، وما إلى ذلك. وبينما يختم عمر طاهر فقرته عن مظاهر ازدهار زجاج ياسين بجملة واحدة هي «ثم قامت الثورة»، قاصدًا ثورة ١٩٥٢، ليوحي بها للقارئ أن النهاية الدرامية لهذا النجاح كانت بتأميم الدولة للمصنع وتحويله إلى «شركة النصر لصناعة الزجاج والبلور»، فقد توصل بريان ألكسندر إلى أن الشرخ الذي أصاب بلدته بدأ عام ١٩٨٧، حين اشترت شركة «نيويل» العملاقة مصنع الزجاج في عملية استحواذ تجارية. وكان من ضمن القرارات التي اتخذتها الشركة المالكة الجديدة فصل طاقم المديرين التنفيذيين بأكمله، ونقل المقر الرئيسي من مدينة لانكاستر إلى مدينة كولمبس عاصمة أوهايو. صحيح أن العمال وغيرهم من الموظفين لم يشعروا بتأثير مادي مباشر من جراء هذا القرار، إلا أنهم فقدوا شعور العائلة الواحدة الذي كان يميز المصنع والبلدة أيضًا، فقد خسرت لانكاستر النشاط الأهلي والمدني الذي كان يقوده ويساهم به قطاع مهم من نخبتها، لأن أعضاء طاقم الإدارة الجديد أقاموا في مدينة كولمبس، ولم تعد لانكاستر أبدًا لما كانت عليه في ذلك العهد. يخبرنا «صنايعية مصر» أن التأميم كان قاسيًا على محمد بك ياسين، حتى أنه مرض وتوفي عام ١٩٧١، ولا نعرف بالتحديد أثر قرار التأميم على حياة عمّال المصنع. فقط يمكننا، كما فعل المؤلف، القفز إلى وعينا المعاصر كمواطنين ومستهلكين لمنتجات مصانع وشركات القطاع العام، لنلاحظ غياب أكواب ياسين من بيوتنا، وتدهور أحوال سائر الشركات المماثلة بسبب ضعف الكفاءة الاقتصادية، أو الفساد الإداري الذي أدى لتكبدها خسائر طائلة. ولكن يبدو من التجربة الأمريكية أن الكفاءة الاقتصادية وتحقيق الأرباح لم يمنعا تدهور أحوال المدينة وانهيار مستوى المعيشة بين سكانها. فقد تعاقبت على ملكية مصنع «أنكور هوكنج» شركاتُ الأسهم الخاصة، التي لم تهتم سوى بتحقيق أعلى الأرباح على المدى القصير، واستمر العمل ربما بكفاءة أكبر، وارتفعت العوائد المالية، ولكنها عوائد وأرباح تكافئ المستثمرين والمديرين ولا تبالي بالعمال والموظفين وسكان المدينة، بل ولا تبالي بالمنتَج ذاته. يقول ألكسندر إن الرأسمالية «الأبوية» التي تأسست عليها مدينته اختفت وحلت محلها رأسمالية الهندسة المالية. لذلك كان العنوان الفرعي لكتابه «بيت الزجاج» هو «اقتصاد الـ١٪ وانهيار مدينة أمريكية نموذجية». وفي ظل ذلك التطور الرأسمالي تراجعت أجور عمال المصنع من ٢١ دولارًا في الساعة في الثمانينيات إلى ١٢ دولارًا في الساعة حاليًا، وتراجع عددهم من خمسة آلاف إلى أقل من ألف عامل. ومع تفشي الإحباط غياب الترابط المجتمعي انتشر الإدمان بنسب مفزعة، وارتفع عدد الموتى كل يوم بسبب الإفراط في التعاطي، تاركين أطفالهم ما بين الجدود ودور الرعاية. كيف نحكم إذن على تجربة مصنع ياسين في مصر وغيره من المشروعات الاسنثمارية من هذا المنظور المجتمعي؟ لا بالنظر له كمبنى ومنتج وأرقام تصدير ومعدلات ربح، وإنما بحساب تأثيره في حياة العاملين فيه وأثره في المجتمع المقام به. يحتوي ملحق الصور بكتاب «صنايعية مصر» على صورة لواجهة المصنع مع لافتة مكتوب عليها «مصانع الزجاج الأهلية.. محمد بك ياسين وشركاه». لم يكن ملك الزجاج المصري يهدف فقط لتحقيق الربح، وإنما كانت لديه رؤية مجتمعية ورغبة في بناء مؤسسة. يحكي عمر طاهر كيف انتقل ياسين من مجال المقاولات إلى مجال الصناعة، وكيف وجد الفكرة في «لمبة الجاز»، يحكي عن اهتمامه بنقل التكنولوجيا الأوروبية والاستعانة بالخبرات الأجنبية لحين اكتمال تدريب العمال المصريين، ثم كيف جعل من مصنع الزجاج بشبرا الخيمة مؤسسة ملحقة بها ملاعب وحمامات سباحة ، بل ومسرحًا لعمال المصنع يضم فرقة تمثيلية من بينهم. كما يشير مصدر آخر لمدرسة فنية كانت ملحقة أيضًا بالمصنع، ولا أدري إن كانت بُنيت في عهده أو في عهد ملكية الدولة، وهي على أي حال مغلقة الآن، كما أُغلق المصنع نفسه لعدة سنوات عندما كان على وشك البيع والخصخصة، قبل أن تعيد الدولة فتحه من عام ونصف تقريباً، بعد أن خصصت له ٢٥٠ مليون جنيهًا، حسب ما جاء في حوار مع المدير العام للشركة. جرى تسريح جميع العمال الذي عارضوا قرار بيع المصنع ضمن سياسة الخصخصة في عهد مبارك، وعُيّن مكانهم ٤٠٠ شابًا هم كل القوة العاملة حاليًا. ومع حقيقة أن المصنع لا يزال خاسرًا بنسبة ٥٠%، فإن هذا يثير التساؤلات عن الأسباب الحقيقية لإصرار الدولة على امتلاك المصنع وإدراته وضخ الأموال العامة فيه من صندوق «تحيا مصر». لسنا في حاجة لدفاعات أيديولوجية عن مزايا الرأسمالية ومزايا الاشتراكية وملكية الدولة، فقد ثبت أن المجتمعات تنكسر في ظل أي نظام اقتصادي يخدم مصلحة فئة معينة ولا يرعى المصلحة العامة، سواء كانت فئة رجال المال والأعمال، أو فئة ضباط الثورة وكبار موظفي القطاع العام. لكننا في حاجة إلى تحقيق على غرار دراسة بريان ألكسندر، يبحث في تاريخ مصنع ياسين وشركة النصر للزجاج، عبر الإدارات المختلفة التي تعاقبت عليهما، لتقييم السياسات الناجحة والفاشلة في سياقنا المجتمعي. ما هي القرارات التي أدت لتراكم الخسائر وغضب العمال وتدهور مستوى الإنتاج؟ وما هي الرؤية التي كانت مطروحة وراء بيع المصنع للقطاع الخاص؟ هناك تحقيقات صحفية منشورة منذ عام ٢٠٠٦ تتحدث عن فضائح بيع أرض المصنع بأسعار زهيدة للغاية، وبيع الماكينات بالمجّان دون تقديم ضمانات للمشتري ليزاول النشاط الصناعي. أي أن مصنع ياسين كان عرضة لأن يتحول إلى فندق أو مطعم ياسين السياحي. نريد معرفة قصص عمّال وموظفي مصنع ياسين وشركة النصر، كيف انعكس ما حدث بالمصنع على حياتهم وحياة أسرهم؟ خبرونا عن صنايعية مصر من سكانها الحاليين، عن ياسين الصنايعي الصغير، عن ياسين الذي قُتل ولا يعرف أحد من قتله. أما ياسين بك فيكفيه ارتباط اسمه بالزجاج الجيد في أذهان المصريين للأبد، لسبب بسيط لا علاقة له بمصير مصنعه، وإنما بفضل «مسحراتي» فؤاد حداد وسيد مكاوي «بافطر معاكم وأسمع دعاكم آمين آمين، ما إشربش إلا الماء وإلا في إزاز ياسين».
«المهندسين» تطالب بالكشف عن مكان احتجاز ٧ من أعضائها متهمين في «انقطاع الكهرباء بمطار القاهرة» مدى مصر ٩ أغسطس ٢٠١٧ تقدمت نقابة المهندسين، الإثنين الماضي، ببلاغ للنائب العام في واقعة إلقاء القبض على سبعة من أعضائها متهمين بالتورط في قطع التيار الكهربائي بمطار القاهرة الدولي في ٢٧ يوليو الماضي. وقالت النقابة في بلاغها، الذي نشرت نسخة منه على صفحتها بفيسبوك إنها لم تستطع الوقوف على أسباب القبض أو طبيعة التهم الموجهة لهم أو معرفة مكان احتجازهم حتى الآن. وطالبت النقابة النائب العام بسرعة الكشف عن مجريات التحقيقات مع المهندسين السبع، بالإضافة إلى معرفة التهم الموجهة إليهم. وأوردت النقابة شكاوى من أهالي المهندسين المقبوض عليهم تفيد بتعرضهم للإكراه خلال التحقيقات، بالإضافة إلى عدم حضور محامين للدفاع عنهم. وقال محمد الروبي، المستشار الإعلامي للنقابة، لـ«مدى مصر»، إن المهندسين سيمثلون أمام نيابة النزهة غدًا، الخميس، في العاشرة صباحًا. كانت النقابة قد أفادت في بيان سابق أن التهم الموجهة للمهندسين «سياسية» واصفة إياها بالخطيرة. وأضاف البيان إن النقابة «إذ تجدد استنكارها للأسلوب الذي تم التعامل به مع واقعة ميناء القاهرة الجوى، تعلن أنها لن تتوانى عن الوقوف خلف زملائها المهندسين، مطالبة بإجراء تحقيق عادل وسريع يشمل الجوانب الهندسية والفنية لأسباب انقطاع التيار الكهربائي، ويبتعد عن استسهال إلقاء التهم السياسية في واقعة نصفها بالخطيرة ويجدر الاهتمام بها على نحو علمي». ويشير بيان النقابة إلى التصريحات الصادرة عن الإعلامية لميس الحديدي مقدمة برنامج «هنا العاصمة» على قناة «سي بي سي» الفضائية، حيث أشارت إلى خطورة انقطاع التيار الكهربائي عن منشأة حيوية بأهمية مطار القاهرة الدولي. وأضافت «أي حد ممكن يحط قنبلة أو متفجرات ويعمل اللي هو عايزة، لأن الكهرباء قاطعة وكاميرات المراقبة واقفة، وسير الشنط واقف، ما حدث هو فشل أو اختراق وعبث عن عمد وإفساد وكلا الأمرين أسوأ من الآخر». وأفادت جريدة اليوم السابع في ٣٠ يوليو الماضي أن النائب العام، نبيل صادق، قد أمر بإلقاء القبض على ١١ من مسئولي الصيانة بمطار القاهرة الدولي ١٥ يومًا على ذمة التحقيقات بسبب انقطاع التيار الكهربائي عن صالة ٣ بالمطار، وذلك بعد يوم واحد من تصريحات الحديدي.
تحرير سعر دقيق الخبز المدعم.. ما الجديد؟ عثمان الشرنوبي ٩ أغسطس ٢٠١٧ «مبروك لمصر ومبروك لنا جميعا إن احنا استطعنا أن نضع منظومة قابلة للإدارة وقابلة للرقابة»، هكذا عبر وزير التموين، علي مصيلحي، في مؤتمر صحفي، عن تفاؤله بالنظام الجديد لإنتاج الخبز المدعم الذي بدأت الوزارة تطبيقه الأسبوع الماضي. تقوم المنظومة الجديدة لإنتاج الخبز المدعّم على تحرير أسعار القمح والدقيق في عملية البيع والشراء بين الأطراف الثلاث لعملية الإنتاج (الحكومة والمطاحن والمخابز)، بهدف القضاء على عمليات التهريب التي كانت تحدث في المنظومة السابقة. وقال مسؤولو الوزارة إن النظام الجديد يعفي الحكومة من مسؤولية مراقبة جميع مراحل إنتاج الخبز المدعّم، وإنه سيرفع من جودة الخبز، بعد أن حظيت المنظومة السابقة بانتقادات واسعة أعقبت اتهامات بالفساد وعدم الكفاءة في السنوات الماضية. في المقابل، شكا بعض أصحاب المخابز من اشتراط المنظومة الجديدة دفع ثمن الدقيق بسعر السوق الحر مقدمًا في وقت تتقاعس فيه وزارة التموين عن دفع مستحقات متأخرة للمخابز، وشكى البعض الآخر من صعوبة تدبير النقود اللازمة لتسديد ثمن الدقيق، وعدم صرف حصصهم نتيجة لذلك، مما أثّر على توفير الخبز للمواطنين. يعرض «مدى مصر» أهم ملامح النظام الجديد لشراء وبيع قمح ودقيق الخبز المدعم؛ الهدف منه، وأثره في الأيام الأولى لتطبيقه. النظام الجديد الدفع مقدمًا بأسعار السوق تمر عملية إنتاج رغيف الخبز المدعم عبر المسار التالي وزارة التموين (ممثلة في هيئة السلع التموينية) توفر القمح سواء المحلي بشرائه من الفلاحين أو المستورد. تورد الوزارة الأقماح إلى المطاحن (العامة والخاصة) لطحنها وتحويلها إلى دقيق. يحصل المخبز على الدقيق من المطحن بحصة محددة (تختلف من مخبز لآخر حسب الطاقة الإنتاجية). يحصل أصحاب البطاقات التموينية على الخبز من المخابز بحصة محددة (خمسة أرغفة للفرد في اليوم). في منظومة الخبز المدعم السابقة، كان حصول المطاحن على الأقماح والمخابز على الدقيق تتم وفقًا لنظام «بضاعة الأمانة»، أي أن الوزارة تبيع للمطحن حصته من القمح وتدفع له مقابل نظير عملية الطحن، دون أن يدفع المطحن للوزارة شيء. بدوره يشتري المخبز حصته المقررة من الدقيق دون أي مقابل نقدي. يقول ممدوح رمضان، أحد المتحدثين باسم وزارة التموين، لـ «مدى مصر» إن عملية توريد القمح للمطاحن وبيع الدقيق للمخابز كانت في المنظومة القديمة تتم وفق عملية محاسبية تتم على الورق فقط، دون أن تدفع المطاحن أو المخابز أي مبالغ نقدية. يُفصل محمد سويد، متحدث آخر لوزارة التموين، في تصريحات لـ «مدى مصر» إن الوزارة كانت تحسب ثمن طن القمح المباع للمطحن بألفي جنيه، فيما كان سعر طن الدقيق المباع للمخبز بـ٢٦٠٠ جنيه، في حين أن سعره في السوق الحر نحو ٤٧٠٠ جنيه. يوضح سويد أن إجمالي تكلفة إنتاج رغيف الخبز المدعم تقدر بنحو ٦٥ قرشًا، يدفع المواطن منها خمسة قروش، وتدعمه الدولة بـ٦٠ قرشًا، ويتضمن هذا الدعم ٥٠.٦ قرش تذهب للمطحن، و٩.٤ قرش تذهب للمخبز نظير هامش الربح وتغطية تكاليف الإنتاج بعد خصم ثمن الدقيق. في المنظومة الجديدة، أصبح لزامًا على المطاحن دفع ثمن الأقماح التي تتلقاها من الوزارة نقدًا بسعر السوق الحر (٤ آلاف جنيه للطن)، في المقابل تحصل المطاحن من الوزارة على ٥٠٠ جنيه للمطاحن العامة و٤٨٠ جنيه للخاصة، نظير طحن كل طن قمح. كذلك المخابز أصبحت ملزمة بتسديد ثمن الدقيق الذي تحصل عليه من المطاحن نقدًا بسعر السوق الحر (٤٧٠٠ جنيه للطن)، في المقابل تحصل المخابز من الوزارة على ١٨٠٠ جنيه مقابل كل طن دقيق تنتج منه الخبز المباع، نظير تكاليف الإنتاج وهامش الربح. يقول سويد إن هذه الأسعار ستتم مراجعتها كل ثلاثة أشهر لمواكبة حركة السوق، ويفسر الفارق في سعر الطحن بين المطاحن العامة والخاصة بانخفاض تكلفة العمالة لدى الأخيرة. بعد مرور ثلاثة أيام من إنتاج المطحن للدقيق بالكمية والمواصفات المتفق عليها يمكنه الحصول على حصته التالية من القمح مقابل المبلغ المدفوع سابقًا للوزارة. كذلك المخبز، يمكنه الحصول على حصته الجديدة من الدقيق بعد ثلاثة أيام من إنتاجه للخبز بالكميات والمواصفات المتفق عليها نظير المبلغ المدفوع سابقًا للوزارة، وهو ما يعرف باسم «نظام الاستعاضة»، كما يقول سويد. ووفقاً للمنظومة الجديدة، «سوف تحصل المطاحن والمخابز على تكاليف إنتاجها وأرباحها يوميًا بشكل أتوماتيكي، بمجرد أن يبيع المخبز رغيف خبز للمواطن من خلال الكارت الذكي، فإن الـ٥ قروش ستتحول للحساب البنكي للمخبز، بالإضافة إلى ٩.٤ قرش، ويمثل إجمالي هذا المبلغ (١٤.٤ قرش) التكلفة التي تحملها المخبز لإنتاج الرغيف بالإضافة إلى هامش ربحه»، كما يوضح سويد، الذي أضاف أن الأمر نفسه يحدث مع المطحن «بمجرد أن يبيع المخبز رغيف الخبز تتحول ٥٠.٦ قرش إلى الحساب البنكي للمطحن، ويمثل هذا المبلغ تكلفة إنتاج المطحن للدقيق بالإضافة إلى هامش ربحه». ويستهلك إنتاج طن الدقيق ١.٢ طن قمح، وينتج طن الدقيق ١٢ ألف و٥٠٠ رغيف خبز، طبقا لوزارة التموين. وتعد مصر أكبر مستورد للقمح في العالم. ويتطلّب توفير الخبز المدعّم من الدولة شراءها ما يزيد على ٩.٥ مليون طن من القمح في السنة، تستورد منهم نحو خمسة ملايين طن وتشتري ٤.٥ مليون طن محليًا، بحسب البيان المالي لمشروع موازنة العام المالي ٢٠١٧ ٢٠١٨. يشير سويد إلى تغيير آخر في نظام دعم الخبز، وهو أنه «لأول مرة لن تكون المخابز مربوطة بمطحن محدد، فإن لم يكن الدقيق مطابقًا للمواصفات من حقها اللجوء لمطحن آخر»، موضحًا أن ذلك جاء بعد مشاورات مع أصحاب المخابز الذين فضّلوا هذا النظام. المخابز اشتكت يقول سويد إن «النظام الجديد سيحدّ من إهدار الدقيق والقمح لأنه سيغيّر من طريقة تعامل المنتجين مع السلعة لأنهم سيقومون بدفع ثمنها نقدًا». «عندما يحصل المُنتِج على مدخلات الإنتاج دون أن يدفع مقابل لها، فهو لا يحافظ عليها ويستفيد منها بطرق غير مشروعة، مما يؤدي إلى هدر كبير فيها لأسباب كسوء التخزين أو التهريب لتحقيق أرباح زائدة»، على حد قول سويد. واعتبر سويد أن النظام الجديد «سيجبر المطاحن والمخابز على التعامل مع بضاعتهم بطريقة مختلفة لأنهم سيشترونها بمالهم الخاص، وبالتالي سيكونون مضطرّون للحفاظ على جودة منتجاتهم لأنهم هم من سيتحمّلون أي خسارة ناتجة عن سوء جودة بضاعتهم الآن». «المخبز مثلًا عندما يشتري الدقيق من المطحن بنقوده الخاصة، سيصر على أن تكون جودة الدقيق جيدة، خلافا لما كان يحدث من قبل، حيث لم يهتم بذلك لأنه لم يكن يتحمّل الخسارة»، يقول سويد، معتبراً أن «المطاحن والمخابز أصبحوا شركاء بعد أن كانوا وسطاء». يتفق جودة عبد الخالق، وزير التموين الأسبق (مارس ٢٠١١ يوليو ٢٠١٢) وأستاذ الاقتصاد بجامعة القاهرة، مع مسؤولي الوزارة في أن هذا النظام سيخفض من مسؤولية الوزارة للرقابة على مراحل الإنتاج المختلفة. وقال عبد الخالق لـ«مدى مصر» «منظومة الإنتاج شديدة التعقيد وتستيف الورق يصعب السيطرة عليه، ومفتشو الوزارة أنفسهم يتم استقطابهم من قبل المتلاعبين»، مؤكدًا أن إجبار المطاحن والمخابز على شراء القمح والدقيق بالسعر الحر سيقضي على هذه الظاهرة. يوضح عبد الخالق أن الوزارة خلال فترة توليه كانت قد أعدت دراسة تحرير سلسلة بيع القمح بهدف القضاء على ازدواجية الأسعار التي أحدثتها «بضاعة الأمانة» للقمح والدقيق، مشيرًا إلى أن في النظام المتّبع وقت توليه الوزارة «كانت هيئة السلع التموينية توّرد القمح للمطاحن العامة والخاصة كبضاعة أمانة، وتدفع لها عمولة طحن ٤٠٠ جنيه للطن، وكان المخبز يشتري نقدًا طن الدقيق من المطحن بسعر ١٦٠ جنيهًا، بينما كان سعره الحر يصل إلى ٢٦٠٠ جنيه». «خلقت ازدواجية الأسعار حافزًا لتهريب الدقيق من المطاحن والمخابز والتلاعب في ورق ما يتم حصره من إنتاجها، ولذلك كان من الضروري استحداث نظام يقضي على ازدواجية الأسعار، وتوصلت الدراسة إلى أن تحرير الأسعار في سلسلة الإنتاج سيحقق ذلك الهدف»، وفقًا لعبد الخالق. من جانبه، يقول عبد الله غراب، رئيس الشعبة العامة للمخابز بالاتحاد العام للغرف التجارية، لـ«مدى مصر» إن تحرير سعر الدقيق طلب لأصحاب المخابز منذ فترة طويلة، مؤكدًا أن النظام الجديد سيمنع «اللغط والمشاكل» التي كانت تحدث بين الأجهزة الرقابية وأصحاب المخابز، وهو نفس رأي عطية حماد، رئيس شعبة مخابز القاهرة. رغم تصريحات غراب، فقد احتجت آلاف المخابز في أنحاء مختلفة من مصر مع بدء التطبيق مطلع الأسبوع الماضي، نظرًا لعدم توفّر الأموال المطلوبة من الوزارة لصرف حصصهم من الدقيق. إثر الاحتجاج، اجتمع رؤساء الشعب النوعية للمخابز في عدّة محافظات، الثلاثاء الماضي، لمناقشة الوضع. تركزت شكاوى المخابز في صعوبة سداد ثمن الدقيق نقدًا مسبقا كشرط للحصول على حصصها، ما اضطر الوزارة لتأجيل مواعيد الدفع عدة مرات، في الأولى أجلّت الموعد من أول أغسطس، وهو تاريخ بدء العمل بالمنظومة الجديدة، إلى آخر الأسبوع، والمرة الثانية كانت في الخميس اللاحق، حين أعلنت الوزارة مدّ المهلة إلى الأحد اللاحق، وأخيرًا أتى الإعلان عن مدها يومين، إلى أمس، الثلاثاء. يقول عبد الخالق إن تلك الشكاوى تعدّ شواهد لعدم توفير الحكومة التمويل اللازم لنجاح المنظومة الجديدة، مضيفًا أن تطبيق هذا النظام يعدّ جزءًا واحدًا من التحرك تجاه خلق منظومة دعم ناجحة، فهناك محاور أخرى تستوجب التطوير، مثل ضرورة إحكام الرقابة على المخابز، وخلق حوافز مادية تمكّن المخابز من تحقيق عوائد جيدة تثنيهم عن التلاعب، وإنشاء مجمعات مخابز لتوفير تكاليف الإنتاج وتسهيل الرقابة، على حد قوله. وأضاف « في اجتماع مع [الرئيس السابق] محمد مرسي في ٢٠١٢ تحدّثنا عن خطته لحل مشكلات الخبز المدعم ضمن خطة الـ١٠٠ يوم. من يعتقد أن ذلك ممكن لديه شيء من إثنين، إما جهل بالمنظومة، أو أنه تظاهر بالجهل. منظومة دعم الخبز في غاية التعقيد وضبطها ليس بالأمر السهل».
النيابة تؤجل التحقيق مع رئيسي تحرير «المصريون» إلى السبت المقبل مصطفى محيي ٨ أغسطس ٢٠١٧ أجّلت نيابة أمن الدولة التحقيق مع جمال سلطان، رئيس تحرير جريدة «المصريون» الأسبوعية، وشقيقه محمود سلطان رئيس التحرير التنفيذي إلى يوم السبت المقبل، بعدما التقى محامو «سلطان» بممثل النيابة صباح اليوم، الثلاثاء، لاستطلاع أسباب التحقيق وطبيعة الاتهامات الموجهة له. وقال جمال سلطان لـ«مدى مصر» إن ممثل النيابة رفض إطلاع المحامين على أي تفاصيل تخص الاتهامات الموجهة لهما، ووافق على تأجيل التحقيق حتى يوم السبت المقبل. كانت نيابة أمن الدولة أرسلت أمس الإثنين، فاكس إلى نقابة الصحفيين لإخطارها باستدعاء «سلطان» وشقيقه محمود، للتحقيق معهما في القضية رقم ٨٠٣ لسنة ٢٠١٧، حصر أمن دولة. وأخطرت النقابة الزميلين بطلب التحقيق، وقال عضو مجلس النقابة عمرو بدر لـ«مدى مصر» إن محامي النقابة وأحد أعضاء مجلسها سيحضران التحقيق مع الزميلين. وأضاف «سلطان» أن «استدعائه للتحقيق يأتي في سياق عمليات تحرش متصاعدة بمؤسسته الصحفية، بدأت بحجب موقع المصريون، وتعطيل الطباعة أسبوعيًا اعتراضًا على بعض المواد المنشورة، وصولًا إلى وقف طباعة العدد الأسبوعي برمته هذا الأسبوع». كان سلطان أعلن يوم الأحد الماضي امتناع مطبعة الأهرام عن طباعة العدد الأسبوعي من صحيفة المصريون بناء على أوامر من «جهات أمنية مجهولة»، حسب وصفه. كانت السلطات المصرية بدأت في حجب عدد من المواقع الإلكترونية بداية من ٢٤ مايو الماضي. وبلغ عدد المواقع المحجوبة ١٣٣ موقعًا بحسب إحصاء مؤسسة حرية الفكر والتعبير. وضمن المواقع الصحفية المحجوبة مدى مصر والبداية ومصر العربية والمنصة ومصريات وبوابة يناير ومدد وموقع المصريون ودايلي نيوز إيجيبت والبورصة، والمواقع الثلاثة الأخيرة مملوكة لصحف ورقية ذات ترخيص ومازالت تصدر حتى الآن. كما انضم إلى قائمة الحجب عدد من المواقع الحقوقية أهمها موقع الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، وكذلك موقع مؤسسة التحرير للدراسات ومقرها واشنطن، بالإضافة إلى عدد كبير من المواقع القطرية والتركية ومواقع أخرى مرتبطة بجماعة الإخوان المسلمين وحركة حماس.
«١٤ يومًا في العاصفة».. ذِكر ما جَرى في العريش الثلاثاء، ٨ أغسطس ٢٠١٧ مراد حجازي بدءًا من صباح الإثنين، ١٧ يوليو الماضي، ولساعات، حاول خالد نور الاتصال بذويه في مدينة العريش، للاطمئنان على والدته المريضة التي كانت تنتظر الخضوع لعملية جراحية في مستشفى العريش. يعمل خالد، ابن مدينة العريش، في القاهرة، مثل كثير من أبناء سيناء الذين هجروا مسقط رأسهم بحثًا عن لقمة العيش بعيدًا عن الحرب التي تشهدها شبه الجزيرة منذ سنوات، والبطش اﻷمني المرتبط بها. حين فشل خالد في التواصل مع أهله، اعتقد أن شبكات الاتصال تم فصلها في ساعات الصباح كما هو الحال يوميًا منذ أربع سنوات هي عمر حرب الدولة على الإرهاب في شمال سيناء، لكن مع استمرار فشله في التواصل مع اﻷهل بحلول الليل، بدأ القلق يساوره أكثر، قبل أن يعرف عبر حساب أحد أصدقائه على فيسبوك أن اﻷوضاع في العريش ليست على ما يرام، وأن شبكات الاتصال مقطوعة منذ الصباح. لم يتمكن خالد من الاتصال بأسرته إلا في العاشرة من مساء اليوم التالي؛ ١٨ يوليو، حين عادت الاتصالات، ليسمع صوت والدته ويطمئن عليها، يقول «وكأن روحي رجعتلي». قبل أن يتم فصل الشبكات من جديد بعد أقل من ٤٥ دقيقة. *** مدينة العريش هي عاصمة محافظة شمال سيناء، وتضم المدينة ١٥ حيًا سكنيًا وأربع قرى، يقطن بها قرابة ١٨٠ ألف نسمة. ومنذ أكتوبر ٢٠١٤ تعيش المدينة، ومدن أخرى في المحافظة، ظروفًا استثنائية، بعد فرض حالة الطوارئ وحظر التجوال بها، ضمن إجراءات أخرى اتخذتها الدولة في حربها على الإرهاب، ويعيش سكان المدينة منذ ذلك التاريخ وسط حالة حرب بين القوات المسلحة وبين ما يُعرف بتنظيم «ولاية سيناء». وكان آخر تجديد لحظر التجوال هو قرار رئيس الوزراء شريف إسماعيل في ٩ يوليو الماضي، بإعلان حظر التجول في عدد من أماكن شمال سيناء بداية من ١٠ يوليو، وحتى سبتمبر المقبل، على أن يكون الحظر من السابعة مساءً وحتى السادسة من صباح اليوم التالي، على أن تكون ساعات الحظر في العريش بداية من الواحدة بعد منتصف الليل وحتى الخامسة صباحًا، وأتى قرار إسماعيل بعد أيام من الهجوم الذي استهدف ارتكاز أمني في الشيخ زويد، والذي أسفر عن مقتل ٣٠ من ضباط وأفراد القوات المسلحة. ولكن خلال الشهر المنقضي، وتحديدًا بداية من ١٧ يوليو، وحتى نهاية الشهر، عاشت العريش وأهلها ما هو أكثر من الاستثناء، بعد أن تقطعت كل وسائل الاتصال بينهم وبين العالم الخارجي ﻷيام كاملة، فيما كانت تعود لساعة واحدة أو أقل في بعض اﻷيام، بجودة سيئة تزيد من صعوبة محاولات اﻷهالي إجراء مكالمات أو اتصالات إلكترونية. *** قبل أيام من منتصف شهر يوليو توقف عمل جميع مواقع وتطبيقات التواصل الاجتماعي داخل العريش، ومنها «فيسبوك، وواتس آب، وجميع أنواع الإيميلات»، بحسب عدد من مواطني المدينة، الذين قالوا إنهم تواصلوا هاتفيًا مع شركات الإنترنت، دون أن يتلقوا حلولًا أكثر من «اطفي الراوتر وشَغَلُه تاني»، أما من تواصلوا مع فروع تلك الشركات في العريش، فقيل لهم إن اﻷزمة ربما يكون سببها «الضغط على السيرفرات بسبب نتيجة الثانوية العامة». ولكن استمرار حجب تلك المواقع الإلكترونية دفع المواطنين للشك في كونها محجوبة عن المدينة بشكل عمدي، خاصة مع تمكن بعضهم من استخدامها عبر تطبيقات وبرامج تخطي الحجب. وهي الشكوك التي رجح مصدر، يعمل في فرع إحدى شركات الإنترنت بالعريش، صحتها، قائلًا إن «جميع مواقع التواصل الاجتماعي والإيميلات حُجبت بشكل كامل عن محافظة شمال سيناء بداية من ١٠ يوليو الماضي». طوال أسبوعين، كانت ياسمين محمد تنتظر تحسن خدمة شبكات الإنترنت في العريش، لتتمكن من إرسال حوالة ضرورية لإحدى صديقاتها خارج المحافظة، فيما تتذكر يوم ٣١ يوليو قائلة إن الصالة الرئيسية لمكتب البريد الرئيسي بالمدينة كان بها زحام شديد في ذلك اليوم، «الناس كانت فوق بعضها، الكل عايز يلحق يخلص مصلحته قبل ما تفصل الشبكات، وكل دقيقتين خناقة بين الناس وبعضها أو مع موظفين البريد، والناس بتحكي عن همومها مع بعض فى الطوابير قدام الشبابيك، اللي ما دفعش الإيجار، واللي بنته في المستشفى ومحتاج فلوس عشان يعالجها بعد ما استلف من الناس اللي حواليه، وفجأة وبدون مقدمات واحد من الموظفين رفع صوته عشان يسمع الصالة كلها وقال «الشبكات فصلت»، الصمت خيم على المكان، والكل مشي في هدوء وصمت». توقف خدمات البريد كان يعني أن على اﻷهالي السفر أكثر من ٤٠ كيلومترًا إلى مدينة بئر العبد ليتمكنوا من إتمام عمليات الإيداع وسحب الحوالات، لكن تلك لم تكن المشكلة الوحيدة. انقطاع الاتصالات أصاب المدينة بالشلل، توقفت خدمات الجهات الرسمية التي تستخدم الإنترنت، لتلحق خدمات جهات مثل مصلحة الجوازات، والسجل المدني، وخدمة صرف المعاشات، بخدمة مصلحة البريد المتوقفة. كما لم يستطع طلاب الثانوية العامة التقديم إلكترونيًا خلال المرحلة الأولى والثانية للتنسيق من داخل العريش. في الوقت نفسه تأكدت الشكوك المرتبطة بالقطع العمدي لخدمات عدد من المواقع والتطبيقات الإلكترونية بعد تواتر أنباء عن تنفيذ القوات المسلحة حملة مكبرة على مناطق مختلفة جنوب مدينة العريش. بحسب أهالي المدينة، تنتهج سلطات الأمن في شمال سيناء استراتيجية فصل شبكات الاتصال عن مدن المحافظة؛ رفح والشيخ زويد والعريش، في أوقات العمليات العسكرية التي غالبًا ما تكون في ساعات النهار، بدعوى منع الجماعات المسلحة من استخدام تلك الشبكات في تفجير عبواتها الناسفة عن بعد في آليات الأمن. فيما كان انقطاع الاتصالات شبه المستمر مجرد خلفية لواقع أكثر قسوة وبطشًا بالمواطن العريشي، في حرب وجد نفسه فيها ما بين قوات الأمن والمتطرفين المسلحين. مع بداية الحملة اﻷمنية الجديدة، فرضت قوات اﻷمن حالة حظر تجوال على مدار اليوم في جنوب المدينة القريب من الطريق الدائري، المار ببعض الأحياء السكنية والقرى المأهولة بالسكان. ولم يكن وسط المدينة أو طرقها الرئيسية أفضل حظًا من أطرافها، وتحديدًا في محيط الارتكازات اﻷمنية في تلك المناطق. تم إغلاق محيط ارتكاز قسم ثالث العريش بالكامل، والذي يربط عدة طرق رئيسية، منها شارع أسيوط وشارع النافورة، وكذلك أغلق ارتكاز كنيسة العريش، على شارع ٢٣ يوليو الرئيسي وسط المدينة، بالحواجز الحديدية ما أسفر عن شلل تام وسط المدينة، والحال نفسه مع ارتكاز مجلس المدينة والسنترال. كان على جميع السيارات سلك طرق أخرى ضيقة ملتوية، ما أصاب الأهالي بالضيق الشديد. فيما كان اﻷكثر إرهاقًا لهم هو إغلاق الطريق المؤدي إلى مستودع اسطوانات البوتاجاز القريب من المنطقة الصناعية، لأنه يدفعهم للسفر إلى مدينة بئر العبد ليتمكنوا من الحصول على الاسطوانات، التي ارتفعت تكلفتها إلى ٦٠ جنيهًا في الوقت نفسه. *** مع ساعات فجر ١٧ يوليو، حلقت المقاتلات الحربية بكثافة لافتة على ارتفاع منخفض في سماء العريش، كان وقتًا عصيبًا على أهالي المدينة، في ليلة سيطر خلالها الذعر على الجميع، وساءت من بعدها اﻷحوال أكثر داخل المدينة. في الخامسة صباحًا، ومع انتهاء ساعات حظر التجوال اليومي داخل المدينة، استقل حاتم محمد سيارته منتويًا السفر إلى الإسماعيلية لقضاء بعض المصالح هناك. بالقرب من منطقة المساعيد جنوبي العريش فوجئ بعدد كبير من الدبابات والمدرعات العسكرية تغلق الطريق وتمنع السير في المنطقة. حاول سلك طرق أخرى، لكن عند وصوله إلى ارتكاز الميدان، الذي يعتبر بوابة الدخول والخروج من مدينة العريش، اكتشف أنه مغلق وأن الخروج من المدينة ممنوع، وكذلك الدخول إليها، فيما تكدست أعداد كبيرة جدًا من السيارات على جانبي الطريق في الاتجاهين. يتذكر حاتم أن عددًا من المواطنين ممن كانوا يريدون الخروج من العريش قرروا البقاء؛ أملًا في السماح لهم بالمرور، في حين بدأت اﻷمور تسوء بحلول الثانية عشرة ظهرًا، علت أصوات الانفجارات ودوي زخات الرصاص، والتي كانت تُسمع بوضوح قادمة من الجهة الجنوبية؛ فقرر الجميع العودة إلى قلب المدينة. لم تنقطع زخات الرصاص الاحترازي ودوي الانفجارات القوي في كل الأرجاء، وخاصة في محيط الارتكازات الأمنية بالمدينة طوال الوقت، ولكن مع الساعة الثالثة والنصف عصرًا كان من الواضح أن هناك تطورًا أسوأ يحدث. في ذلك الوقت، كان عاطف محمد في طريقه إلى منزله القريب من فندق «سويس إن» على الطريق الساحلي. «كنت دائمًا أسمع عن أفراد مسلحين بيقتلوا أفراد الأمن، لكن لأول مرة أشوفهم قدامي وجهًا لوجه»، بهذه الجملة بدأ عاطف حديثه لـ «مدى مصر»، ليسرد بعد ذلك تفاصيل ما رآه «اللي بيستخدموا الطريق الساحلي متعودين إن مدرعة أمنية تابعة للشرطة بتقف عند نهاية سور الفندق في الجهة الغربية. فجأة جاءت سيارة ربع نقل فيها عددًا من الأفراد المسلحين، وبدون مقدمات فتحوا نيران أسلحتهم الآلية على أفراد الأمن، وكانوا بيكبّروا في نفس الوقت». يتابع عاطف «المشهد الأكثر رعبًا، كان صعود أحد المسلحين فوق المدرعة عشان يرفع علم التنظيم الأسود، وكان في مسلح تاني بيصوره. بعدها المسلحين جمعوا جثث أفراد الأمن المقتولين وحطوهم جوّا المدرعة ورموا جواها قنبلة حارقة». حاول اﻷهالي إطفاء النيران المشتعلة في المدرعة لفترة طويلة، قبل أن يتمكنوا من إخراج جثث الجنود منها، والتي كانت محترقة ومشوهة بفعل النيران، فيما أبدى البعض دهشته من عدم حضور نجدة، حسبما يقول عاطف، خاصة أن كمين «النافورة» الموجود في نهاية شارع البحر يعد قريبًا جدًا من مكان الحادث، كما احتاجت سيارات الإسعاف وقتًا طويلًا للحضور. في النهاية أسفر الحادث عن استشهاد ضابط و٤ جنود وإصابة ٥ آخرين. *** في صباح اﻷربعاء ١٩ يوليو، خرج سليمان محمد من منزله في وسط العريش قاصدًا المدرسة التي يعمل بها جنوبي المدينة. والتي يضطر لاجتياز حاجز المحاجر الأمني للوصل إليها، ولكن في ذلك اليوم لم تجر الأمور بطريقة اعتيادية. «كان يوم مشؤوم» يصف سليمان اليوم، ويتذكر «بمجرد وصولي للحاجز الأمني الساعة ٨ الصبح، انفجرت عبوة ناسفة في عدد من مدرعات الشرطة قُرب أحد المساجد، بعدها انطلقت الرصاصات التحذيرية من كل اتجاه، وسيطر الرعب على كل المواطنين المنتظرين». يستكمل «قوات اﻷمن اضطرت تقفل الحاجز أمام الأهالي، وحضرت سيارات الإسعاف لإجلاء المصابين والقتلي من أفراد الأمن، واستنينا ساعات لحد ما سمحوا لنا بالعبور، سيرًا على الأقدام بدون سيارات، في الوقت ده قررت العودة لمنزلي، لكن مكالمة من مديري أجبرتني على اجتياز الحاجز الأمني والوصول للمدرسة». ويتابع «مجرد ما وصلت لبوابة المدرسة حصل انفجار كبير هز أركان المنطقة، كلنا انبطحنا على الأرض والأسوار منعت الرصاص المتطاير من الوصول إلى أجسادنا، وبعد ساعات، عرفنا إن سيارة مفخخة حاولت اقتحام الحاجز». مصدر داخل مستشفى العريش، أكد لـ «مدى مصر» أن ٣٠ شخصًا من المدنيين وصلوا إلى المستشفي في ذلك اليوم، بين قتيل ومصاب، منهم جثث عبارة عن أشلاء وأخرى محروقة، أما الإصابات فكانت جميعها حروق في جميع أنحاء الجسد. بعد خمسة أيام كاملة، وفي ٢٤ يوليو، نشر المتحدث الرسمي للقوات المسلحة بيانًا بخصوص الحادث، تحت عنوان «إحباط محاولة كبرى لاستهداف أحد الارتكازات الأمنية»، وأرفق مع البيان مقطع مصور لدبابة تدهس سيارة، قبل أن تنفجر اﻷخيرة، التي قال إنها كانت تحمل أفرادًا مسلحين، وقال البيان إن الانفجار نتج عنه «إستشهاد عدد (٧) من أهالى سيناء الشرفاء (ثلاث رجال وسيدتان وطفلان) تصادف تواجدهم بالمنطقة أمام الكمين أثناء وقوع الإنفجار». *** خلال الفترة التي استغرقتها الحملة، وتحديدًا من الثامن عشر حتى الثاني والعشرين من يوليو، تحول حي الزهور شرق مدينة العريش، الذي كان قريبًا جدًا من تمركز الحملة، إلى ساحة حرب، واقتحم الرصاص المتطاير والقذائف مباني الحي ومساكن اﻷهالي. يطل الحي من الناحية الجنوبية على الطريق الدائري ومناطق زراعات الزيتون وصحاري العريش وقرية «المسمي»، التي تعتبر أحد مناطق نشاط تنظيم «ولاية سيناء» فى المدينة. «كنا نسمع أصوات ارتطام الرصاص بأسوار منزلنا من الخارج، والجميع في الداخل في حالة رعب»، هكذا وصف وليد محمد، أحد سكان الحي، «أيام الرعب» كما يسميها، وأضاف «معظم العمارات السكنية في المنطقة عليها آثار فجوات ونقرات نتيجة ارتطام الرصاص بها، خصوصًا القريبة من مدرسة الزهور، والقريبة من مدرسة المعمارية الصناعية»، وتابع «أهالي كتير اضطروا يسيبوا منازلهم لحد يوم ٣٠ يوليو، خاصة بعد اختراق قذيفة شقة بإحدى العمارات»، واختتم قائلًا «الحمد لله ربنا سلم والقذيفة ما انفجرتش، لكن الشقة اتضررت جدا». لم تكن حظوظ قاطني حي الزهور واحدة خلال تلك الفترة، ففي مساء يوم الإثنين ١٧ يوليو، احتفل جاسم الطحاوي بزفافه، وسط أقاربه وأصدقائه. وبعد مرور يومين على حفل الزفاف، وأثناء وجوده داخل شقته أصيب جاسم بطلق ناري طائش مجهول المصدر، ولم تفلح جهود أطباء مستشفى العريش التي تم نقله إليها في إسعافه، ليودع الحياة بأكملها. *** مع نهاية شهر يوليو المنقضي، أنهت القوات المسلحة حملتها اﻷمنية اﻷخيرة، التي وصفتها بأنها المرحلة الرابعة من عملية حق الشهيد، وعادت شبكات الاتصال والإنترنت للعمل بشكل جزئي، كما فتحت الارتكازات الأمنية محيطها لمرور السيارات، معلنة انتهاء اﻷيام العاصفة التي عاشها سكان المدينة، وفيما تستمر الهجمات الإرهابية على قوات اﻷمن في المدينة، وإن كانت بوتيرة أقل، تشهد المدينة حاليًا هدوءًا حذرًا، يخشى «العرايشية» أن يكون هدوءًا يسبق عاصفة جديدة، لا يقطع قلقهم من انتظارها، سوى تذكر تفاصيل ساعات الرعب التي عاشوها الشهر الماضي، وما خلفته ورائها من دماء.
«العفو الدولية» تدين إخفاء مدرس قسريًا وقتله «خارج إطار القانون» مدى مصر ٨ أغسطس ٢٠١٧ أدانت منظمة العفو الدولية، اليوم الثلاثاء،ما وصفته بـ«القتل خارج القانون» لواقعة مقتل مدرس على يد قوات الأمن المصرية بعد اختفائه قسريًا لمدة ٢٧ يوماً. وذكرت المنظمة في بيان صدر اليوم، أن المدرس، ويدعى محمد عبدالستار، أُعلن عن مقتله في بيان رسمي لوزارة الداخلية في ٦ مايو الماضي، حيث أكد البيان مقتله خلال تبادل لإطلاق النيران مع قوات الأمن التي شنت حملة لإلقاء القبض عليه مع شخص آخر يدعى عبدالله رجب علي، وأن الاثنين من مسؤولى تصنيع ونقل العبوات الناسفة للحركات المسلحة التابعة لتنظيم الإخوان الإرهابى (حسم، لواء الثورة). إلا أن أدلة أخرى، قالت العفو الدولية إنها عثرت عليها، أثبتت أن عبدالستار قد أُلقي القبض عليه من المدرسة التي يعمل بها في محافظة البحيرة في ٩ أبريل، أي قبل ٢٧ يوماً من إعلان وزارة الداخلية مقتله. وأضافت المنظمة أن هذه الأدلة شملت شهادات زملاء لـ «عبدالستار» داخل المعهد الأزهري الذي يعمل به تفيد بحضور مجموعة من الأشخاص يرتدون الملابس المدنية ويستقلون سيارة حمراء لإلقاء القبض عليه من محل عمله. كما اطلعت «المنظمة» أيضاً على دفتر الحضور والانصراف الخاص بالمدرسة والذي يثبت حضور المدرس لأداء عمله صباحاً، بينما كُتب في خانة الانصراف أنه تم إلقاء القبض عليه. كما اطلعت على دفتر تحضير الدروس الخاص بـ«عبدالستار»، والذي ورد فيه أن يوم ٩ أبريل هو اليوم الأخير الذي حضر فيه عبدالستار إلى عمله. كما شملت المستندات أيضاً خطابًا رسميًا من إدارة «معهد عبدالسميع سلومة الأزهري» تفيد بإلقاء القبض عليه من داخل محل عمله، وهي المستندات التي ضمت للعديد من البلاغات التي تقدمت بها أسرة «عبدالستار» للسلطات المعنية للإبلاغ عن اختفائه قسريًا. وقالت نجية بونعيم، مديرة الحملات لشمال إفريقيا بمكتب تونس الإقليمي لمنظمة العفو الدولية، إن «اختفاء محمد عبدالستار ثم وفاته وهو رهن الاحتجاز، هو أحدث واقعة في سلسلة عمليات الإعدام المروِّعة خارج نطاق القضاء في مصر. وعادةً ما يتم الاحتفاء بأعمال القتل غير القانونية هذه باعتبارها دليلاً على نجاح الشرطة في «تصفية الإرهابيين»، ويظل أفراد الشرطة بمأمن لعلمهم أنه ليس هناك ما يدعوهم للخوف من التحقيق في جرائمهم». وتكررت اتهامات متعددة لأجهزة الأمن بإخفاء مشتبه بهم قسريًا قبل الإعلان عن مقتلهم في مواجهات مع الأمن أو اتهامهم في قضايا متعلقة بالإرهاب. ففي حالة مشابهة، قالت «التنسيقية المصرية للحقوق والحريات» أن قوات الأمن قد ألقت القبض على صبري محمد سعيد، في مدينة ٦ أكتوبر يوم ١٨ مايو الماضي، كما نشرت ابنة القتيل على صفحتها الشخصية بموقع فيسبوك بتاريخ ٧ يونيو ما يفيد استمرار البحث عن والدها المختفي قسريًا، إلا أن وزارة الداخلية أعلنت عن مقتل سعيد في مواجهة مع قوات الأمن في ٢٠ يونيو الماضي. وأثارت ممارسات شبيهة غضب الأهالي بمدينة العريش بشمال سيناء في يناير ٢٠١٧، حينما أعلنت وزارة الداخلية في بيان لها عن مقتل عشرة شباب من المدينة في تبادل لإطلاق النيران مع قوات الأمن، فيما أفاد الأهالي أن ستة أشخاص من هذه القائمة على الأقل قد أُلقي القبض عليهم من قبل قوات الأمن من منازلهم قبل فترة كبيرة سبقت مقتلهم.
«نقطة بيضا» لـ«كايروكي» ألبوم جيد لو طُرح قبل الثورة شريف حسن ٧ أغسطس ٢٠١٧ يضع قالب الأغنية السياسية صانعه في أزمة كبيرة، لأن عمله يُقيّم على أساس سياسي قبل تقييمه على أساس موسيقي. هذا ينطبق بالتحديد على الأغنية السياسية المعارضة، وبالأخص عندما تُمنع أو يمارَس التضييق عليها، فلا يجب الاكتفاء بتضمين الأغنية بآراء سياسية إشكالية، وإنما يجب أيضًا تقديم موسيقى وكلمات جيدة ومختلفة عما سبق تقديمها. بعد أن أكدت الصفحة الرسمية لفريق «كايروكي» أن ألبومهم الجديد مُنع ورُفض من الهيئة العامة للرقابة على المصنفات الفنية، وتأكيدهم على أنهم سينشرونه على الإنترنت، طرح الفريق بالفعل، منذ أسابيع قليلة، ألبومه الجديد «نقطة بيضا» على موقع «يوتيوب». أستمع لكايروكي من قبل الثورة، وكانت أغانيهم، كأغلب تيار «الأندرجراوند» وقتها، تحوي رفضًا للمجتمع بتابوهاته وعاداته وتقاليده، بجانب الشق السياسي بالطبع، مثل الأغاني التي تتناول وضع الوطن حاليًا كأغنية «إخناتون»، أو إعادة تقديم أغنية «على المحطة» للشيخ إمام مثلًا. مع اندلاع الثورة وتغير الشكل العام للدولة وللمعارضة، وانتشار تيارات «الأندرجراوند» خارج حيزها الضيق، اختار «كايروكي» تقديم أغان سياسية واضحة مثل «مطلوب زعيم» و«اثبت مكانك» و«إحنا الشعب» أو «السكة شمال»، وغيرها الكثير مما حقق نجاحًا كبيرًا، مستفيدًا من تأثير الثورة والمشاعر المرتبطة بها. والآن، وبعد الفشل السياسي الثورة، وخروجنا من الحالة العاطفية لها، لا يزال كايروكي يقدم لنا ألبومًا يحمل طابع المعارضة والثورة السياسية، كما يتجلى في كلمات الأغاني والتي كتبها كلها مطرب الفريق أمير عيد، باستثناء أغنيتين، هما «اضحك» وكتبتها دعاء عبد الوهاب، و«عم غريب» لحازم ويفي. *** بجانب الأغاني السياسية، قدم الألبوم أغاني اجتماعية وإنسانية، مثل الأغنية العاطفية «ليلى»، وأغنية «اضحك» التي تحمل بعض التفاؤل، و«كنت فاكر» والتي تتكلم عن الأم. في محاولة لتقديم أغنية عن حال الشعب المصري، بصحبة وائل الفشني، جاءت أغنية «عم غريب»، بكلمات مستهلكة تقدّم تصورًا مثاليًا عن الشعب «عم غريب ده أبويا وجدي، عم غريب تسعين مليون، الصبر معلم في قلوبهم مليون خط بمليون لون، وقت الشدة تشوفهم سد، ولا خافوا أبدًا من حد، وأما الدنيا تقسى عليهم، واقفين دايمًا زي أسد»، مع محاولة إضفاء الطابع الشعبي على اللحن الذي لم يحسن استغلال مساحات صوت الفشني بشكل كاف، مكتفيًا بمجرد حضوره، كنوع من أنواع استغلال نجاحه في شهر رمضان، بعد غنائه لتتر مسلسل «واحة الغروب». لا نزال مع محاولات تقديم الشكل الشعبي، ولكن هنا بصحبة طارق الشيخ وأغنية «الكيف»، وهي أغنية تكتفي بتقديم نصائح عن أضرار المخدرات، واللعب على وجود مطرب شعبي شهير، كما فعلها الفريق سابقًا مع عبد الباسط حمودة في أغنية «غريب في بلاد غريبة»، دون تقديم جديد لما يُسمى بـ«الموسيقى الشعبية»، ودون أدنى محاولة لإخراجها خارج إطارها من حيث اللحن والكلمات. موسيقى الألبوم جميلة، في حال سماعها دون الكلام، لكنها جاءت في أغلب الأوقات كخلفية للغناء، أو بمعنى أدق كخلفية لكلمات أمير عيد، الذي واصل تقديم أدائه الغنائي البعيد عن الشكل التقليدي لـ«التطريب»؛ موسيقى جميلة جرى تركيب الكلمات عليها، كل شيء صُنع بمعزل عن الآخر، أو هكذا بدت النتيجة النهائية. *** أغنية «نقطة بيضا»، التي حصدت نسبة مشاهدة تجاوزت المليون ونصف مشاهدة، وجاءت بمشاركة من المطرب عبد الرحمن رشدي، تتحدث عن التخبط الداخلي للإنسان، وعن وجود صوتين متناقضين داخله، فيما يذكّرك بأغنية بلاك تيما «أنا مش فارس ولا فتى أحلام»، ولكن بكلمات طغى فيها الوزن والقافية على معنى الكلام، ومع موسيقى طغت على صوت المغني، فلم أميّز أيًا من كلمات الأغنية إلا بعد قراءتها «فيه صوت جوايا بيناديني من بعيد، سامعه وعارفه كويس بس أنا عامل عبيط، نقطة بيضا ف وسط سواد، إنسان بينادي جماد». وفي نهاية الأغنية يأتينا صوت عبد الرحمن بمقطع لا علاقة له بباقي الأغنية، يخاطب فيه الزمن بعد أن كان يتحدث بضمير «الأنا» عن نفسه في البداية «عجبي عليك يا زمن، فينا مش سائل، وانا اللي أستاهل صدقتك، ومشيت وراك لحد ما سبقتك، بصيت ورايا لقيتني وحيد في وش المدفع مش عارف أرجع». وعلى غرار «نقطة بيضا»، أتت أغنية «هدنة»، ولكن بنطاق أوسع؛ نطاق المجتمع وعاداته وتقاليده. واستكمالًا لأغنية «السكة شمال» التي قدمها الفريق في ٢٠١٤، نجد أغنية «السكة شمال في شمال»، وتتحدث عن الوضع السياسي والمشي «جنب الحيط» والخوف من إبداء الرأي، ولكن على خلاف سابقتها، فقد حاولت ملائمة تصورات ما عن «المزاج الشعبي». يختم كايروكي الألبوم بأغنية «آخر أغنية»، وهي أغنية خطابية وهتافية، تنادي بالحرية بالطبع، وتبدو كما لو كانت كُتبت وقت الثورة، رغم أنها قُدمت للمرة الأولى في ٢٠١٦. بشكل عام، كانت الأغاني السياسية والمعارضة والثورية في الألبوم، أقرب إلى حالة «ما قبل الثورة»؛ رفض عام، خطاب شامل ومطالب واسعة التأويل، وحتى تابوهات المجتمع التي حاول الفريق كسرها، ينتمي أغلبها لتابوهات ما قبل الثورة. فيما كان من المنتظر، بعد مرور كل هذه المدة، أغان أكثر تحديدًا، وأكثر اشتباكًا مع المشاكل والأسئلة السياسية الشائكة التي صادفتنا في الفترة الأخيرة، بداية من الوضع الاقتصادي وحتى مسألة السيادة، كما تبدت مثلًا في قضية الجزيرتين. ورغم منع الألبوم من الطرح في الأسواق، ما أرجعه البعض لأسباب سياسية، إلا أننا لم نجد فيه أغاني عن مواقف سياسية بعينها، وإنما كان الاشتباك السياسي ناعمًا وظاهريًا فقط، حتى النداءات التوعوية، لم تطرح قضايا هامة. اكتفى الألبوم مثلًا بترديد كلمة «الحرية»، مفضلًا البقاء في المنطقة الآمنة، باستخدام الشعار دون مناقشة لتطبيقاته على كافة مستويات الحياة اليومية، مثل الحرية الجنسية والدينية، وغيرها، وكلها مشاكل شائكة وهادمة بحق لتابهوات المجتمع. كل هذا مع استثناء أغنية «ديناصور»، والمذاعة بعد أسبوعين من نزول الألبوم، ويستدعي فيها الفريق «أبو الهول»، ليشهد على ما وصل بنا إليه الحال. وفي الأغنية يجري التشويش على أهم ثلاث كلمات؛ «أراضينا» و«كفتة» و«تحيا مصر»، ربما لسبب أمني، أو في محاولة من «كايروكي» للسخرية من منع المصنفات لبعض أغاني الألبوم، خاصة أن الألبوم موجود على قناتهم الخاصة على يوتيوب. في كل الأحوال يبقى هذا المقطع هو الاشتباك الحقيقي الوحيد مع مشاكل سياسية واضحة، حتى لو كان مجرد اشتباك سريع «بيجيبوا اللي فيهم فينا، بعد ما باعوا أراضينا، قال إيه بيقولوا علينا، شباب ما عندوش انتماء، والمذيع بيقول ماء، ونفس الاسكتش بيتعاد، والكفتة يا ناس بقت علاج، وتحيا مصر تلات مرات.» *** في آخر اتصال لي بديلر للحشيش، وجدت أنه يضع أغنية «الكيف» كرنّة لتليفونه. يدلنا هذا على مدى انتشار الأغنية أولًا، ولكن أيضًا على كون الأغاني التوعوية من هذا النوع لا تغير شيئًا لدى مستمعيها، فأغنية «الكيف» يُغنّى مثلها الكثير في التراث الشعبي، ولم يتغير شيء، تبقى الأغنية في حيز الأغاني الساذجة، مثلها مثل أغاني التوعية على القناة الثالثة في التلفزيون المصري. أعتقد أنه الآن، وبعد أكثر من ست سنوات من الفشل في إيجاد أي بريق أمل، وبعد كل هذه الدماء، وبعد برود الأذهان من الحماس الثوري، فعليك إذا كنت تريد إقناعي بأنك لا تزال واقفًا في أرض المعركة، أن تقدّم لي قضايا حقيقية، وألا تكتفي بالشعارات والجمل العامة واسعة التأويل، فكل ذلك لم يعد مناسبًا الآن. كما أن هناك خلطًا في المفاهيم لدى الفريق، فمن غير المفهوم أن تنادي بالمساواة بين الرجل والأنثى، منتقدًا قبول خطأ الرجل وعدم قبوله من المرأة، كما ورد في أغنية «هدنة» «هي تغلط يدبحوها وتتّاوى، وهو يغلط يقولوا معلش دي شقاوة» بينما تتبنى، في «آخر أغنية»، مجازات ذكورية من عينة «قال ايه بيقولوا عليا خايف! اركن ياض على جنب، وحط أحمر شفايف». الانتشار لا يعني أن المنتج جيد بالشكل الكافي، أو أنه يقدم جديدا في شكل أغنية «الأندرجراوند» والأغنية السياسية والشبابية. كان «نقطة بيضا» ليصبح ألبومًا جميلًا ومهًما، لو كان قد طرح قبل الثورة، أو في بداياتها، لكن ليس الآن، وبعد كل ما حدث.