علي صديق

علي صديق

علي صديق ولد في ٢٣أكتوبر ١٩٢٣ وكان والده السيد فرج من كبار التجار والأعيان ،وكان الابن الرابع في الترتيب تلقى تعليمه في مدينة الزقازيق ثم التحق بجماعة الإخوان المسلمون وكان من رعيلها الأول ورفيقا للإمام حسن البنا إنضم إلى المجاهدين في حرب فلسطين عام ١٩٤٨ وتميز بشخصيته القوية والقيادية مما جعله قائدا لفصيلة كانت من ابرز انتصاراته على العدو قيامه بتفجير موكب مدرعات تابع للقوات الصهيونية كان قائدا في معارك الفدائئين بالقناه عام ١٩٥١ قبل جلاء الإنجليز عن مصر وقام يتفجير قطار إنجليزي محمل بالجنود والسلاح عند قرية الكاب قرب بورسعيد تعرض للاعتقال مرات عديدة في عهد الملك فاروق الأول وجمال عبد الناصر تحمل التعذيب والتنكيل به حتى افرج عنه بعد نكسة ١٩٦٧ بعد سنوات بالمعتقل سرد سيرته في كتابه الإخوان المسلمين بين إرهاب فاروق وعبدالناصر عن دار الاعتصام سافر بعدها لدولة الكويت وعمل بوزارة التربية والتعليم ومكث بها حوالي ٢٠ عاما حتى عاد لمصر توفي عام ١٩٩٢ متأثرا بمرض طويل له من الأبناء ولدين وإبنه أيمن وياسر وسحر ويكيبيديا

عدد الأخبار كل يوم من ولمدة حوالي شهر واحد
من أهم المرتبطين بعلي صديق؟
أعلى المصادر التى تكتب عن علي صديق
تدوينة عن الثورة والإنترنت وما فعلاه بجيلنا أحمد شهاب الدين ٢١ سبتمبر ٢٠١٧ «اتخرجنا من الجامعة، ودخلنا سوق العمل، حصلت ثورة ٢٠١١، بدأنا نقطع شوط في شغلنا، حصلت ثورة ٢٠١٣، وأول ما فكرنا في الجواز جا قرار التعويم، احنا جيل منحوس.» هكذا رأى صديق صحفي يبلغ ٢٨ عامًا مشوار جيله في الحياة العملية، في ما لا يختلف كثيرًا عن المسار الاجتماعي والنفسي. ربما لم يتعرض جيل سابق لمؤثرات دراماتيكية متناقضة ومتعاقبة مثلما تعرض هذا الجيل، من الإسلام السياسي والتشدد الوهابي القادم من جزيرة العرب، إلى التحرر والإباحية القادمين من شبكات الإنترنت، زلزال يناير ٢٠١١، اضطرابات وأحلام احتجاجات السنوات التي أعقبتها، تلك التي حفرت في نفسي الأثر الأعمق.. ألا تتفق معي يا علي؟ طرحت السؤال على صديق صحفي يبلغ ٢٧ عامًا ويعمل في صحيفة موالية للنظام، وعلى قدر كراهيته للنظام السياسي الحالي كان التزامه في عمله لاحتياجه للمرتب الذي يكاد يكفي احتياجاته، وذلك بعد حملة شرسة للنظام على كثير من منافذ الإعلام المستقل والمعارض. يذكّرني موقف علي بشخصية إليوت في مسلسل «مستر روبوت»، وكان يعمل مهندسًا للأمن الرقمي نهارًا في شركة «إي كورب»، المسيطرة على تفكير الناس وكأنها صورة لـ«الأخ الأكبر»، وفي الليل يعمل قرصانًا رقميًا ضد الشركة ذاتها، كما يتزعم حركة راديكالية ضد النظام المالي الأمريكي باسم «فَك سوسايتي»، في فصام يجسد أزمة جيل يتمرد على عالم، ساهم هو نفسه في صناعته مضطرًا لضيق خياراته، أو لإشباع طموحه ومتطلبات حياته. ولكن بعيدًا عن الازدواجية، فعلي يعتبر نفسه من «المحظوظين الناجين» بين أبناء جيله، فزملاء الجامعة يعملون إما في مصانع أو في مهن متواضعة، والمحظوظ منهم سافر الخليج، في جهاد مرير لإنشاء حياة عائلية لائقة. عصر الإنترنت انطلقنا لسوق العمل في أواخر العقد المنصرم، ووقتها برزت ظاهرة المدونات، وتابع كثيرون منا مدونات مثل «الوعي المصري» لوائل عباس، التي كانت جريئة في نقدها لشخصيات مهمة في نظام مبارك، كما كانت تجسيدًا للفضاء الذي أتاحته الشبكة العنكبوتية. لن تعرف الأجيال القادمة ماذا يعني اختبار المرء لشبكة الإنترنت للمرة الأولى؛ الهزة المفاجئة عندما يتصفح الشاب «جوجل» للبحث عن أي شيء، غير مصدق أن بإمكانه العثور على ما يريد، الأغاني التي يحبها، الكتب التي يعشق قراءتها، حتى المواقع الجنسية؛ تخيل ما تشاء، ابحث عنه جيدًا، وستشاهده. كان بعض الأهالي يحاولون جاهدين حبسنا داخل المنزل، بعيدًا عن الشارع سيء السمعة، وكانت هناك دائرة لا تنتهي من محاولات الفرار من البيت، ثم ما يتبعها من العقاب. ولكن الأمر اختلف بعد ظهور الحاسوب الشخصي والإنترنت، حيث باتت الجلسة في المنزل تعني أشياء كثيرة؛ التحدث إلى أجنبيات، لعب الفيفا، مشاهدة الأفلام الجنسية، قراءة الكتب، الاطمئنان على الأصدقاء، تعلم مهارة كتابية أو لغوية، كل ذلك وأنت جالس في مكانك. من هذه الحالة خرجت تجربة المدونين الأوائل. المدونات في نظام مبارك في هذا الوقت، كان النظام يسخر من المدونين الأوائل، بوصفهم محبوسين في العالم الافتراضي، ولا يفقهون في السياسة المرتبطة بـ«الواقع» شيئًا. يقول وائل عباس «متحفظ على ما قلته من أننا أسرى العالم الافتراضي، لأن في الواقع وفي الحقيقة، تجربة التدوين المصرية تحديدًا بتتميز عن باقي تجارب التدوين في العالم، في إيران أو في السعودية أو في الدول الأخرى، فإن المدونين كان لهم، زي ما أحد المدونين أصدقائي قال، ‘رِجل على الإنترنت ورِجل تانية في الشارع’». «رجل على الانترنت ورجل ثانية في الشارع»، عبارة تصلح لوصف علاقة جيلنا بالتكنولوجيا، فهو لم يبن من التكنولوجيا سجنًا يحبسه، قدر ما جعل منها منطلقًا لتحقيق ما يريد في الواقع. عن طريق الإنترنت عرفنا الكثير من العلاقات والصداقات التي كانت مستحيلة من دونه، وكثرت الصداقات العادية القادمة من التكنولوجيا. وطرح جيلنا تساؤلاته عن هذا الشكل من التعارف هل يمكن للفرد الزواج بفتاة عرفها من مواقع الدردشة، هل يثق فيها، هل تتحدث مع العشرات من الشباب غيره؟ وهي التساؤلات ذاتها التي حملتها الفتيات، اللاتي رأين في هذه المواقع مساحات للتعارف مع الشباب وتحسين فرص الزواج. كل هذا مصحوبًا بانعدام اليقين الذي لازم تلك الطريقة من التعارف. مع هذا، لم نتكيف تمامًا مع التكنولوجيا، فقد فصلتنا بعض الشيء عن نظرة آبائنا إلى الحياة، التي نراها مغلقة تمامًا، ولكنها في الوقت نفسه، لم تجعلنا متمردين جذريًا على تلك الحياة. أبعدنا الإنترنت عن جيل آبائنا بعشرات الأعوام، مقارنة بالفارق بين جيلهم وجيل الأجداد، ولكنه في نفس الوقت لم يطبعنا بطبعه، لم يترك بصمة كافية على عقولنا لتجعلنا أقدر على قطع صلتنا بمن قبلنا. المشهد المبهر جاءت ثورة ٢٥ يناير، لتتورط شرائح من جيلنا فيها، رافعين شعارات إنسانية. أبهرنا المشهد؛ حشود لا تنادي بحكم الإسلام، ولكن بالحرية والعدالة الاجتماعية. تحولت الـ١٨ يومًا من تجمع سياسي مطالب بإسقاط النظام إلى حالة اجتماعية وفردية. لم يُلاحَظ وجود حالات من التحرش الجنسي في الميدان. لا تزال مطبوعة بذاكرتي صورة الميدان وهو مقسم في الفجر بين من يؤدون الصلاة جماعة، وبين شباب وفتيات يردّدون الأغاني الوطنية ويرقصون عليها. هربت فتيات من منازل أسرهن للالتحاق بالثورة، وواصل بعضهن هذه المسيرة من «التمرد» لتعملن في المجال الحقوقي والصحفي. تحمس علي صديقي للثورة كثيرًا، كما حكى لي وكما رأيت أنا أيضًا حينها، وامتن لاختياراته التي قادته للقاهرة، ليشارك في هذا الكرنفال الاحتجاجي، وارتفع سقف طموحاته لحياته الشخصية ولبلاده، فانضم لحركات شبابية عدة، وأخذ يخطط لإنشاء مركز لحقوق إنسان، ولكن في النهاية لا شيء؛ بدت الحركات السياسية غير قادرة على استيعاب هذا التدفق الجماهيري إليها، وتوظيفه لتحويل الحراك الثوري العفوي إلى نشاط سياسي منظم، وفي نفس الوقت، فإن معظم علاقات الحب التي شهدتها انتهت هكذا، كأن الطرفين كانا موقنين أن الأمور لن تستمر. العديد من الأصدقاء القادمون من الريف حيث الإحساس البسيط والواضح بالحياة والبشر، كانت الثورة بالنسبة لهم كل شيء؛ الصداقات والجنس والعمل والحلم والعائلة. أخذت صدمة الإحساس بالواقع المعقد منهم وقتًا طويلًا؛ في البداية شعروا بنفور كبير لعدم وجود الحالة المثالية التي حلموا بها في المدينة، ثم بدأوا يفقدون إيمانهم بالبشر وقرروا أن يكونوا عمليين وأكثر اهتمامًا بحياتهم المباشرة، وقد تستمر تلك الحالة معهم مدى الحياة. يضاف لهذا عنصر مهم وسائل التواصل الاجتماعي. يكشف تحليل نشرته صحيفة «واشنطن بوست» لبيانات وسائل التواصل الاجتماعي، في فترة «الحراك الثوري» بعد سقوط مبارك، عن إسهامها في نشر الاستقطاب، بطريقة قوّضت الانتقال الديمقراطي. استنتج التقرير أن مشاركة الناس على وسائل التواصل استدعت ردود الأفعال الأكثر تطرفًا، وحرّضت الناس على الانقسام لمجموعات متشابهة ومنغلقة، كما غذت في الوقت ذاته خوف كل مجموعة من الآخرى. الحرب على الإرهاب بعد عام ٢٠١٣ خفتت حالة ميدان التحرير، وكأنها الثورة التي لم تكن، بتعبير مجلة «تايم». زادت موجة محاربة الإرهاب التي سدّت الأفق السياسي. بدأت أنا وعلي، مع الكثير من أصدقائنا، نغرق في مشاكلنا الخاصة، كما عانى شباب كثيرون في الميادين من مشاكل نفسية عديدة، بسبب حجم الدم والقتل الذي اختبروه. شخصيًا، عانيت من اكتئاب حاد استمر ثلاثة أعوام بسبب مقتل شخص بجواري بساطور في أحداث العباسية، كنت أعتقد أنه قُتل بالنيابة عني، وأني أنا المقصود، وأصبحت أشاهد الناس في كوابيس متكررة يجرون خلفي بالسواطير. لي أصدقاء كثر لكل منهم حكايته الخاصة في الاكتئاب، البعض غرق في موجة من التصرفات العبثية، كإدمان المخدرات والإباحية، وكثير من زملائي وأصدقائي من ذوي التوجه الفني حوّلوا الاكتئاب إلى حالات مسرحية أو روائية أو شعرية، واتخذوه منطلقًا لرؤية حياة سوداوية بلا أمل. آخرون بدأوا في التردد على عيادات الطب النفسي، والبعض رغبوا في العمل بأعمال مجهدة تستنزف قدرتهم على التفكير في أمور العمل والحياة، والبعض سافر إلى الخليج أو أوروبا. منذ ٢٠١١ حتى ٢٠١٤ أنشأ بعض الشباب كافيهات في وسط البلد تحوي غرف سينما ومقاهي ثقافية، استطاعت جذب الشخصيات المتشابهة من «الثوريين» ذوي الفكر المنفتح، وكذلك استطاعت فعاليات مثل«الفن ميدان» لمَّ شمل تلك القطاعات المشاركة في ثورة يناير، ولكن السلطات أبت إلا أن تغلق الكافيهات، ووقف فعاليات «الفن ميدان»، وتكثفت الحملات الأمنية على سكان الشقق المفروشة في وسط البلد، ليقف كل منا أمام مشاكله المباشرة، منعزلًا بأوجاعه، مع ذكريات مبهجة ومؤلمة من السنوات الثلاث. ثورة صامتة والآن، ماذا حدث للجيل الذي تربى على «كابتن ماجد» وسلاسل مثل «رجل المستحيل» و«ما وراء الطبيعة»، وشهد بدايات انطلاق الأقمار الصناعية وإنترنت الهاتف والمدونات والفيس بوك وتذوق العالم الرقمي بما فيه من انفتاح غير محدود على ثقافات وتجارب تأملية، وإباحية، والذي هتف وسط الغاز وأمام عربات الأمن المركزي «الشعب يريد إسقاط النظام». صديق لي، مخرج أفلام تسجيلية يبلغ ٣٣ عامًا، ترك مهنة المحاماة منذ عامين، في خطوة فكّر فيها منذ ٢٠١١، حين سأم العمل الذي يتربح منه ومال إلى امتهان ما يحبه، يقول «الناس باتت أكثر جرأة، من يصدق أن الإخوان يجلسون الآن على المقاهي يدخنون الشيشة، ويستمعون إلى الناس بأدب وهم يتندرون على الله والتابوهات!؟ من يصدق أننا لم نعد نقول كلمة ‘زنا’، وإنما ‘جنس ‘و’طلعة’ و’وحايد؟» صديقي المخرج الذي يعيش في قرية من قرى الجيزة وسط عائلة محافظة يرى تلك الظواهر علامات تحلل اجتماعي ليس إلا. يشير تقرير نشرته «فورين بوليسي» إلى «ثورة صامتة» تندلع في مصر، حيث التيار المعاكس للتشدد الديني بات واضحًا؛ سيارات التاكسي لم تعد تشغل القرآن، والفتيات يخلعن الحجاب، وجيل الثورة لا يحضر الصلاة إلا قليلًا، والجيل الأصغر سنًا لم يعد يحترم المشايخ، «وآخرون يذهبون إلى أبعد من ذلك حيث يغازلون الإلحاد». حكايات أميرة ودنيا ومروة في «فورين بوليسي» نجدها بين إخوتنا وأقاربنا وأصدقائنا؛ التمسك بارتداء الحجاب في سن صغيرة جدًا، وخلعه بعد حوالي العشر سنوات، في الوقت الذي يميل الوالدان فيه للتدين والمحافظة. في التقرير، تقول دنيا، التي تبلغ ٣٥ عامًا، واصفة شعورها عندما خلعت الحجاب «أمكنني الشعور بمرور الماء على جسدي... هذا ثاني أفضل شعور بالحرية أحسه بعد سقوط مبارك». هل انتهت الثورة؟ كتاب «المدينة دائما تربح» للصحفي والمخرج عمر روبرت هاملتون، يسلّط الضوء على الحياة المتداخلة للنشطاء، وعبر قصة حب فاشلة لمريم وخالد، فهو يرى أن اللحظة التي نعيشها لا يمكن قياس نجاحها أو فشلها بدقة، لذا اتجه إلى مجال الرواية، فالتركيز على أحداث منفصلة يمنح الرواية الكاتب حرية النظر إلى دواخل من شكلوا أحداث يناير، وهو لا يطرح تساؤلًا حول نجاح الثورة أو فشلها، ولكن هل يمكن تصور أن الثورة لا تزال حية؟ مريم وخليل، بطلا هذا الكتاب، من نشطاء التحرير، كافحا لجعل الثورة حية، ولجعل حبهما مستمرًا، ولكن ماذا حدث؟ انتهت القصة هكذا، بلا نهايات مأساوية، بلا دموع أو صراخ، كأنهما كانا يعرفان أن نهاية علاقتهما حتمية؛ انتهى الحب واستمرت صداقتهما. إذن هل انتهت الثورة؟ بحسب هاملتون فإن تجربة الثورة لا تتعلق بالحلم بنظام مثالي، تتحقق فيه الحرية والعدالة، ولكن بشعور من شكلوها بالضرورة الملحة لفعل شيء ما. ثورة يناير هي «الخبرة المعاشة لتلك الضرورة». أما علي فيرى أن «هناك أشياء تحدث بفضل يناير، مثلًا بدأ الشباب يربطون بين تحكمات الأسرة وقمع الدولة، بين سلطة الكنيسة أو الجامع وسلطة الدولة. الثورة لا تزال موجودة اجتماعيًا بين الشباب. الثورة فتّحت مداركهم كثيرًا.»
«غرباء تمامًا».. الجانب المظلم للقمر محمد جمال ٢٢ أغسطس ٢٠١٧ معروف أن القمر يواجه الأرض طوال دورانه حولها بجانب واحد فقط، في حين أن له جانبًا آخر؛ خفيًا و مجهولًا ومظلمًا لا يمكن رؤيته بالعين المجردة أو التلسكوبات الأرضية. ومثلما هناك نظريات وتكهنات حول تأثير القمر على تقلب المزاج البشري بسبب تأثيره على الكتلة المائية الأرضية بعملية المد والجذر، فأكيد أيضًا أنه يتشارك مع البشر في امتلاك جوانب خفية وسرية لا تظهر لأحد. وفي ليلة ذات طابع خاص، تشهد فيها الأرض خسوفًا كليًا للقمر، تدور أحداث الفيلم الإيطالي «غرباء تمامًا» Perfect Strangers (بالإيطالية Perfetti Sconosciuti) في إطار زمني مضغوط من ساعتين، هما بالضبط الوقت الذي سيستغرفه القمر للمرور بكل مراحل الخسوف ليصل للإظلام الكلي، وهما أيضًا الزمن الذي سيتناول فيه مجموعة مقربة من الأصدقاء عشاءهم على مائدة عامرة بالأصناف الشهية في منزل صديقهم دكتور الجراحة التجميلية «روكو» وزوجته الطبيبة النفسية «إيفا». ويبدو العشاء كمناسبة ينتهزها الأصدقاء، الذين تدور أعمارهم بين منتصف الثلاثينات وأواخرها؛ للهروب من مشاكلهم اليومية مؤقتًا، والاستمتاع بوقت حميم مع الصحبة، يأكلون ويشربون ويدخنون ويضحكون في سخرية غير عابئة بشيء، قبل أن يعودوا لمشاكلهم الاعتيادية التي توجد في أي بيت. روكو وإيفاً مثلاً يواجهان صعوبة في تربية ابنتهما المراهقة «إكس»، بينما تضطر كارلوتا لتحمل وجود حماتها بسنها الكبير ومزاجها العصبي في بيتها، جبرًا لخاطر زوجها «لي لي». هناك أيضاً جدال سائق التاكسي «كوسيمو» مع زوجته «بيانكا» بخصوص الإنجاب، ومشاكل مدرب اللياقة البدنية «بيب» مع المَدرسَة التي قررت الاستغناء عنه مؤخرًا بسبب زيادة وزنه. يبدأ العشاء بملاحظة جماعية حول صديق غائب، اكتشفت زوجته خيانته لها مع فتاة من عمر ابنتهما. ويمضي النقاش حول كيف كانت تلك مفاجأة للجميع، فرغم الصلة القريبة التي تجمعهم به منذ الطفولة، إلا أن له أسرارًا لم يعرفوا عنها شيء. تقترح إيفا على المجموعة بإصرار كبير؛ القيام بلعبة جريئة، تبدو ظاهريًا مناسبة لصداقتهم المتينة ومثيرة لعقلياتهم المنفتحة. وهي أن يقوموا بوضع هواتفهم المحمولة في منتصف مائدة الطعام، ويتم قراءة أي رسالة أو تنبيه من أي تطبيق على الجميع بصوتٍ عال، وكذلك الرد على المكالمات أيًا كان مصدرها أو درجة خصوصيتها عبر السماعة الخارجية. في البداية، يعتقد الأصدقاء أن إيفا تمزح، ويحاول روك إثناءها محاججًا بأن ليس كل الناس على قدر من الصلابة ليسمحوا بكشف أنفسهم أمام الجميع، وأن الأمر الذي سيبدأ بلعبة قد يتحول لخطر يكسّر ويدمّر، بينما يعلق بيب أنه سمع ذات مرة أن القاتل المتسلسل يسعى جاهدًا لكي يتم اكتشافه. بدون ممانعة حقيقية، يندمج الجميع في اللعبة، كأنهم مدفوعين برغبة حقيقية في كشف أسرارهم مثل القاتل المتسلسل، أو كأن لديهم عبئًا كبيرًا يرغبون في التخلص منه و البوح بمكنونه مهما كانت العواقب. يُظلِم القمر رويدًا رويدًا .. تُفتتح اللعبة بمكالمة هاتفية قادمة لمضيفتهم إيفا، يكتشف من خلالها الأصدقاء أن الطبيبة النفسية التي تساعد الآخرين على تقبل ذواتهم لديها مشكلة في تقبل ذاتها، حيثُ ستقوم بإجراء عملية تجميل جراحية لتكبير ثديهها. أيضًا يكتشفون أن كارلوتا تحاول إيداع والدة زوجها في دار رعاية للمسنين، وسط ذهول الزوج الذي لم يكن يعلم عن الأمر شيئًا. وهكذا يمضي العشاء عبر عاصفة من السخرية والضحك والآراء المؤيدة والمعترضة، نحو الطبق الرئيسي الأول، بأجواء يسودها ما يبدو «دعمًا» من الجميع لحرية الاختيارات الشخصية، دون أن يعلموا أن تلك البداية مجرد تسخين، وأن الأسوأ لم يأتِ بعد. يُظلِم القمر رويدًا رويدًا .. أثناء الطبق الرئيسي الأول، يستقبل روكو مكالمة من ابنته، التي لا تزال عذراء، تستشيره فيها حول صديقها الذي يرغب في ممارسة الجنس معها. يفهم الجميع من تتابع الحوار، أن الابنة تلجأ للأب، لأنها لا تطيق أمها ايفا ولا عصبيتها، وأن الأب يخفي عليها ذهاب ابنتهما للقاء صديقها، بينما يتعامل هو مع الموضوع بأريحية تدفعه للتأكد منها عن توفر «الحماية» المناسبة في حقيبتها. نعلم أيضًا أن هناك سر آخر يخفيه روكو عن زوجته، هو لجوئه لمعالجة نفسية. ومع أن الصدمة الوقتية تبدو على الأصدقاء مع انكشاف أسرار كل منهم، إلا أنهم يبدون نوعًا من التقبل للجوانب التي تمس «الفرد» نفسه، طالما لم تمس علاقتهم به بشكل مباشر، إلى أن تحدث الأزمة الكبيرة التي تكاد تعصف بالعشاء كله عندما يعلمون بميول أحدهم الجنسية ناحية الرجال، فضحته رسائل ومكالمة من صديقه «الرجل» الذي يشتاق لأحضانه وقبلاته. يتلقى الجميع المعلومة بالصمت، ثم يتعرضون له ببعض الهجوم، قبل أن يحاولوا هضم المسألة بكثير من السخرية القاسية، مستخدمين كلمة ثقيلة بالإيطالية لنعت المثلي جنسيًا تحوي إدانة ضمنية. المفاجأة أننا نعلم كمشاهدين أن الصديق المتهم لم يكن كذلك في حقيقة الأمر، بل كان يغطي على صديق آخر، بدّل هاتفه معه، مغامرًا بتهديد زواجه. والغريب كان استمتاعه بمحاكمة الآخرين له، وفكرة أنهم يعاملونه بهذه القسوة، فقط من أجل رسالة أو مكالمة من شخص غريب، فيبدو كأنه هو الذي يحاكمهم. يُظلِم القمر أكثر، ويكاد يختفي.. وبعد طبقين رئيسيين آخرين؛ يفتح الجحيم أبوابه على مصراعيها، عندما يكتشف الأصدقاء أن أحدهم يخون زوجته وأن صديقته قد تكون حامل منه في اللحظة الحالية. أيضاً يكتشفون قيام صديقة أخرى بمغامرة مع شخص مجهول بالنسبة لهم على فيسبوك، تتضمن محادثات بها قدر من الفانتازيا الجنسية، تلجأ إليها كوسيلة للتعويض عن الحرمان العاطفي. وإلى أن نصل لطبق الحلوى، يكون القمر قد اختفى تمامًا، ويكون جانبه المظلم قد واجه العالم بشكل كامل، بالضبط مثلما تجلّت أسرار الأصدقاء وجوانبهم الخفية بالكامل. عند هذه النقطة، يكون سؤالنا، ماذا كان عليهم أن يفعلوا؟ هل كان عليهم أن يبقوا هواتفهم صامتة، ويخفضوا رؤوسهم لأسفل المنضدة ليختلسوا النظر إلى الرسائل والتنبيهات من حين لآخر، متحفظين على صناديقهم السوداء في مأمن ويصرفوا النظر عن اللعبة برمتها؟ أم كان عليهم الاستمرار في لعبة «الأوجه المزدوجة»؟ يلعنوِن مَدرسة بيب التي فصلته من أجل بضعة كيلوجرامات زادها، بينما يتفقون فيما بينهم، في نفس الوقت، على الذهاب للعب كرة القدم بدونه. هل يكملوا اللعبة ليخرجوا أسوأ ما فيهم، وليذهب الجميع إلى الجحيم، بدون الاحتياط لأي تبعات قاسية قد يتحملها أطراف آخرين كالأبناء مثلًا؟ هل الانكشاف التام تفتٌّح وجرأة والاحتفاظ بالأسرار أنانية وجبن؟ ينتهي الفيلم والقمر في السماء مرة أخرى بجانبه المضيء، بينما يهبط الأصدقاء من العشاء إلى سياراتهم وكأن شيئاً لم يكن. يحتضنون بعضهم ويستكملون حياتهم ويكتبون رسائل نصية لعشيقاتهم عشاقهم، وكأن خسوفاً لم يحدث، أو اهتزازاً في درجة شفافيتهم وإحساسهم بالأمان لم يكن. يعرض الفيلم للمشاهد كلا السيناريوهين؛ السيناريو الآمن وتتابعه المتوقع، والسيناريو الأكثر خطرًا وعواقبه. فيلم Perfect Strangers للمخرج الإيطالي «باولو جينوفيس»، محاولة لطرح الأسئلة، وفرصة لمراجعة الذات. لأي مدى تحبسنا أسرارنا دون أن ندري؟ ولأي مدى تركنا لها أنفسنا لتسجننا طواعية؟
قارن علي صديق مع:
شارك صفحة علي صديق على