عبد اللطيف البغدادي

عبد اللطيف البغدادي

عبد اللطيف البغدادي عبد اللطيف البغدادي (٢٠ سبتمبر ١٩١٧ - ٨ يناير ١٩٩٩) عسكري وسياسي مصري، شغل منصب وزير الحربية في الفترة (١٩٥٣ - ١٩٥٤). من أعضاء تنظيم الضباط الأحرار ومجلس قيادة ثورة يوليو ١٩٥٢. ويكيبيديا

عدد الأخبار كل يوم من ولمدة حوالي شهر واحد
من أهم المرتبطين بعبد اللطيف البغدادي؟
أعلى المصادر التى تكتب عن عبد اللطيف البغدادي
النوادي الرياضية في معركة التدجين عبد العظيم حماد ٣٠ أغسطس ٢٠١٧ يستحسن النظر لأزمة الثقة الناشبة مؤخرًا بين أعضاء الأندية الرياضية وبين وزارة الشباب والرياضة على مستويين؛ الأول هو تراث نظام يوليو ١٩٥٢ في الهيمنة على كل مؤسسات المجتمع وتقويض استقلالها الذاتي، والثاني هو اعتبار هذه الأزمة حلقة جديدة في سلسلة متصلة من الأزمات أدخل النظام الحالي نفسه والبلاد كلها فيها. فيما يتعلق بتراث يوليو سبق للكاتب أن استخدم تعبير «تعقيم المجتمع» لوصف حرص نظام الضباط على وأد فكرة التنظيم الأهلي المستقل عن السلطة في مصر، وتصفية أو إخضاع وتدجين الموجود منها، من الأحزاب السياسية والنقابات العمالية والمهنية، إلى جمعية الرفق بالحيوان، وجمعية منتجي البطاطس، كما قيل حرفيًا في تلك المناسبة. في حديث مع الكاتب جرى مؤخرًا، قال المفكر والمؤرخ والقاضي سابقًا طارق البشري إن التنظيم المستقل في دولة يوليو يشبه «الشرك بالله» عند الموحدين، مضيفًا أن نظام الضباط لا يكره الإخوان المسلمين لأنه يكره الإسلام، ولكن لأنه يكره الاستقلال التنظيمي، بغض النظر عن كفاءة الاخوان من الناحية السياسية من عدمها. لم تكن النوادي الرياضية يومًا استثناء من هذا المخطط الواعي، بل كانت في مقدمة المؤسسات التي حرص نظام يوليو على السيطرة عليها منذ تحول للشمولية الكاملة في أواخر خمسينيات القرن الماضي وأوائل الستينيات، حين أطيح بأحمد عبود باشا من رئاسة النادي الأهلي في العام نفسه الذي أُمّمت فيه شركاته ومصانعه، وكذلك أطيح بعبد اللطيف أبو رجيلة باشا من رئاسة نادي الزمالك في نفس الوقت الذي أُمّمت فيه شركاته وصودرت فيه ثروته، وجيء بلواء الشرطة صلاح دسوقي محافظ القاهرة، والمقرب من الضباط الأحرار، رئيسًا للنادي الأهلي بالتعيين، أما نادي الزمالك فقد جيء بالمهندس حسن عامر، شقيق المشير عبد الحكيم عامر، رئيسًا له بالتعيين هو الآخر. كانت هذه مجرد البداية، التي اكتملت برئاسة المشير عامر نفسه للاتحاد المصري لكرة القدم، ورئاسة حسين الشافعي عضو مجلس قيادة الثورة لاتحاد الفروسية، ورئاسة عبد اللطيف البغدادي عضو المجلس لاتحاد الكروكيه، ورئاسة الفريق سليمان عزت قائد البحرية للنادي الأوليمبي السكندري وأوليمبي القنال في نفس الوقت، وكذلك جاء الفريق أنور القاضي ليرأس نادي الاتحاد السكندري، ثم جرى الأمر على هذا النحو، أو على نحو قريب في سائر النوادي والاتحادات الرياضية. كان المطلوب هو إبقاء الحركة الرياضية وجماهير النوادي في حظيرة النظام، بما أن كل مؤسسات الدولة والمجتمع قد أُدخلت الحظيرة، أو قُضي عليها من الأصل. وبما أن هزيمة يونيو ١٩٦٧ أوهنت قبضة السلطوية في بعض المجالات، فقد كان لابد لهذه القبضة أن تتراخى كثيرًا على النوادي وعلى الحركة الرياضية، و من ثم عاد أسلوب الانتخاب طريقًا لاختيار رؤساء وأعضاء مجالس إدارات الأندية والاتحادات الرياضية، واللجنة الأوليمبية المصرية، مع استبقاء الوسائل غير المباشرة للتدخل للتأثير في هذه الانتخابات، ومع التدخل الإداري بحل هذا المجلس أو ذاك عند اللزوم. كما أن التطورات السريعة والثورية في الحركة الرياضية الدولية، أجبرت الإدارة الحكومية المصرية للرياضة على الخضوع للقواعد المعمول بها عالميًا، وبمفادها فالرياضة نشاط أهلي غير حكومي، ويجب أن تبقى إداراتها أهلية وديمقراطية، أي أن تتشكل بالانتخابات الحرة، ويؤدي أي تدخل حكومي فيها لقرار بالحرمان من النشاط الدولي في اللعبة أو الألعاب التي تديرها الحكومة بالتعيين، وقد تصل العقوبة إلى وقف النشاط المحلي الرسمي كليًا. أرغمت هذه التطورات الإدارة المصرية، وبعد طول تباطؤ، على إصدار قانون جديد للرياضة يستوفي هذه المعايير، وبما أن الطبعة الجديدة والحالية من نظام يوليو ١٩٥٢ تبدي علنًا حرصها على استنساخ شمولية وسلطوية الحقبة الناصرية، ومن دون انحيازاتها الاجتماعية والتزاماتها الوطنية والتنموية، فقد كان لابد من فتح ثغرات تنفذ منها للسيطرة على الحركة الرياضية ومؤسساتها عند اللزوم، وقطعًا للطريق على أية ديناميات ذاتية من داخل الحركة تشجع على شيء من الاستقلال في هذا القطاع، وتمتد عدواها لقطاعات أخرى. وبالتالي فلا يتسق مع منطق النظام أن تستقل المنظمات الرياضية بسبب المعايير الدولية، في وقت تُحكم فيه السلطة قبضتها على المنظمات والجمعيات الأهلية بالقانون الجديد، وعلى كبريات المؤسسات الإعلامية والصحفية والجامعات والنقابات، وفي وقت تُجهَض فيه محاولات تشكيل نقابات عمالية حرة، فضلًا عن محاصرة الأحزاب وتقزيم البرلمان، وإلغاء مبدأ الأقدمية الموضوعي في اختيار رؤساء الهيئات القضائية، وتقنين حق السلطة التنفيذية في عزل رؤساء الأجهزة الرقابية. كعادتها قدّمت البيروقراطية المصرية للجهات الدولية المعنية قانونًا لا غبار عليه، مدّخرة الثغرات للائحة التنفيذية، وأهمها ثغرتان؛ الأولى اعتبار مجلس الادارة الذي لا يقبل حكم مركز التسويات الرياضية في ظرف ستين يومًا منحلًا، مع تعيين بديل له بالطريق الإداري لحين انتخاب مجلس جديد، علمًا بأن مركز التسويات الرياضية هذا مُعيَّن من الإدارة، وليس محصنًا ضد العزل، أي أن الإدارة ستكون هي الخصم والحكم معًا. أما الثغرة الثانية، فهي العضويات الاستثنائية، ومنح أعضاء فروع النوادي حقوقًا متساوية مع أعضاء الفرع الرئيسي، بما يفتح الباب أمام تغير طفري في تكوين الجمعيات العمومية، التي لها وحدها حق انتخاب مجلس الادارة. سيبدو رفض الجمعيات العمومية في النوادي الكبرى للائحة الحكومية استعلاء طبقيًا، أو أنانية نخبوية ترفض مساواة أعضاء الفروع بأعضاء المقر الرئيسي، كما سيبدو رفض ضم أعضاء استثنائيين حرصًا من الجمعيات العمومية على إبقاء أعضاء كل نادٍ كجماعة مغلقة على نفسها. لكن شبهة الطبقية تنهار أمام حقيقة أن جميع المرشحين للعضوية الاستثنائية ليسوا من طبقة أدنى، بل ربما كان بعضهم من شرائح أعلى في الطبقة الوسطى التي جاء منها كل أعضاء الأندية الكبيرة والشهيرة، والأهم أن هؤلاء المرشحين للعضوية الاستثنائية كانوا هم من سيحصلون على امتياز غير قانوني تفرضه السلطة، حين يُعفوْن من رسم الاشتراك لأول مرة، وهو يصل إلى مليون جنيه في بعض الحالات، ولا يدفعون سوى الاشتراك السنوي المعتاد، ثم مع الوقت يشكلون «لوبي» يدين بصوته الانتخابي لمرشح السلطة التي منحتهم هذا الامتياز. وأما شبهة انعدام المساواة بين أعضاء الفروع والأعضاء الأصليين، فإنها تسقط أمام حقيقة أن هذه الفروع أنشئت بأموال الأعضاء الأصليين، وأن من تقدموا لعضوية الفروع لم يتحملوا أعباء رسوم الاشتراك لأول مرة في المقر الأصلي، ثم إنهم كانوا على علم بكل ذلك وقبلوه، والأهم أنهم لم يطالبوا بتلك المساواة من وزارة الشباب والرياضة، وأن الباب مفتوح لهم للحصول على المساواة إذا دفعوا الرسم المقرر. إذن، فقضية النوادي الرياضية في مواجهة اللائحة الحكومية هي في الجانب الأكبر منها قضية حقوق وحريات في مواجهة السلطة، وليست قضية استعلاء أو انعزال طبقي في مواجهة بقية المواطنين، وسائر الشرائح الاجتماعية. هذه الحقيقة هي ما تفسر الإقبال الكثيف من أعضاء النوادي الكبرى؛ هليوبوليس والأهلي والزمالك والجزيرة في القاهرة، وسموحة في الاسكندرية، على حضور الجمعيات العمومية الطارئة، كلٌ في ناديه، والتصويت الإجماعي لصالح لائحة كل ناد، رفضًا للائحة الحكومية، إذ أن الأعضاء خافوا على هذه المساحة المحدودة التي يمارسون فيها قدرًا من الحرية والخصوصية من التغول السلطوي، المنذر بتغريبهم على المدى الطويل، في مكان ألفوه، وعن تقاليد حرصوا على احترامها، وعن جماعة يعتزون بالانتماء إليها. ولا يصح هنا الجدال بأن وزارة الشباب والرياضة هي نفسها من أتاحت للأندية حرية الاختيار بين اللائحة الاسترشادية الحكومية، وبين لائحة خاصة يضعها كل ناد بشرط إقرارها من جمعية عمومية طارئة، لأن عدم إتاحة هذه الفرصة كان ليعد مخالفة جسيمة للقوانين الدولية للحركة الرياضية، ولأن الحكومة كانت تراهن على تعذر انعقاد الجمعيات العمومية بالنصاب المحدد، بشكل تعسفي، وفي شهر أغسطس المتعارف على كونه «شهر العطلات الصيفية». *** أما عن المستوى الثاني للنظر في هذه القضية، بوصفها حلقة في سلسلة أزمات اختلقها النظام، وعرّض نفسه وعرّض المجتمع لها، فلنتذكر أولًا هذه السلسلة المطوّلة، بداية من أزمة تيران وصنافير، والتي لا تزال تبعاتها تتداعى لدى الرأي العام، ثم أزمة إضراب عمال المحلة، فأزمة جزيرة الوراق، فأزمة محاولة تعديل الدستور، وأخيرًا أزمة خفض المعونة الأمريكية الذي أُعلن أن سببه هو السجل المحزن للنظام في انتهاكات حقوق الإنسان المصري، وقبل كل ذلك، ومعه وبعده، الأزمات الاقتصادية الطاحنة. هذه الأزمات كلها تندرج في سياق واحد، وهو معاناة النظام المصري في اللحظة الراهنة من أزمة اتصال وحوار وإقناع، رغم كل الصخب البادي على السطح، وأن المعادلة الحالية هي رفض شعبي يتنامى، وفرض سلطوي يتزايد، وكانت هذه هي الدائرة الخبيثة التي وقعت مصر فيها في السنوات الأخيرة من حكم حسني مبارك، إلا أنها جاءت مبكرة في النظام الحالى. إن تساوي قوة الرفض مع قوة الفرض يؤدي إلى الجمود، أما تفوق قوة الفرض فلا يضمن الاستقرار، في حين يجب أن يؤدي تفوق قوة الرفض إلى الاصلاح والتغيير.
السؤال الأهم حول نظام يوليو ١٩٥٢ كيف تحول الإحياء الوطني إلى احتكار سلطوى؟ عبد العظيم حماد ٢٣ يوليو ٢٠١٧ كانت حركة الضباط الأحرار في بدايتها محاولة لإحياء مشروع الدولة الوطنية «الديمقراطية العلمانية» في مصر، وذلك بعد أن وصل هذا المشروع لطريق مسدود مليء بالحفر والتشققات، إلا أن هذه الحركة تحولت – بمرور السنوات وتراكم الانحرافات والنكسات، وبإدمانها للمنهج السلطوي – إلى نظام قائم على الاحتكار الفئوي للسلطة والموارد، بل وإلى نظام أوليجاركي صريح، أي نظام يشرعن حكم «القلة» صاحبة الامتيازات.. فكيف جرى هذا التحول أولًا؟ وثانيًا لماذا لم يكن مقدرًا لحركة الضباط غير هذا المسار؟ وثالثًا لماذا بقي وعي الغالبية من الأجيال الأكبر سنًا في مصر ملتبسًا حول دولة الضباط، بحيث يتكرر نمط الترحيب بكل نسخة جديدة منها، أملًا في أن تكون أفضل من سابقاتها، ودون جدوى؟ أما رابعًا، فما هي احتمالات تحول إجماع الأجيال الشابة من المصريين على إفلاس تجربة يوليو ١٩٥٢، إلى تيار ثم إلى عمل سياسي سلمي منظم للخروج بدولتهم الوطنية من هذه الشرنقة؟! غير أننا نعود و بسرعة إلى ما بدأنا به، وهو أن استيلاء ضباط يوليو ١٩٥٢ على السلطة كان، في دوافعه وفي بدايته، محاولة لإحياء مشروع الدولة الوطنية «الديمقراطية العلمانية» في مصر، وإذا كنا قد وضعنا صفتي «الديمقراطية» و«العلمانية» في الفقرة الأولى، وفي الجملة السابقة مباشرة، بين قوسين، فإن ذلك يعود إلى أن المشروع الوطني المصري الذي تمخضت عنه ثورة ١٩١٩ كان ديمقراطيًا علمانيًا إلى جانب وطنيته، وأن الضباط جعلوا مبدأ إقامة ديمقراطية سليمة أحد أهدافهم، باعتبارهم مجددين لشباب هذا المشروع، كما سيتضح لاحقًا، ومع ذلك فهم لم يكونوا في أية لحظة من وجودهم في السلطة وحتى يومنا هذا، مخلصين للديمقراطية والعلمانية. في كتابه «فلسفة الثورة» يقول جمال عبد الناصر، مؤكدًا على أن حركة الضباط هي استئناف أقوى وأكثر تنظيمًا وفاعلية لمشروع الدولة الوطنية المصرية «بعد فشل ثورة ١٩١٩، كان الموقف السائد هو الذي فرض على الجيش أن يكون وحده القوة القادرة على العمل، كان الموقف يقتضي أن تقوم قوة يقرّب ما بين أفرادها إطار واحد، يبعد عنهم إلى حد ما صراع الأفراد والطبقات، وأن تكون هذه القوة من صميم الشعب، وأن يكون في استطاعة أفرادها، أن يثق بعضهم ببعض، وأن يكون في أيديهم من عناصر القوة المادية ما يكفل لهم عملًا سريعًا حاسمًا، ولم تكن هذه الشروط تنطبق إلا على الجيش، وهكذا لم يكن الجيش هو الذي حدد دوره في الحوادث، وإنما العكس كان هو الأقرب إلى الصحة، فكانت الحوادث وتطوراتها هي التي حددت للجيش دوره في الصراع الكبير لتحرير الوطن. » ومع أننا لا نريد أن نُستدرج إلى الجدل العقيم حول ما إذا كان نظام ما قبل ١٩٥٢ فشل حقًا، أم لا. فلأسباب منهجية، لا مفر من إثبات فشل هذا النظام، إذ أنه عجز عن إجلاء الاحتلال البريطانى، وعجز عن توطيد الديمقراطية بإدمان إقالة الحكومات وحل البرلمان (٣٠ حكومة في ٢٨ سنة)، كما عجز عن استيعاب الحاجة للعدالة الاجتماعية، والتي طرحت على العالم كله بعد الحرب العالمية الثانية مباشرة. وهناك دليل آخر على فشل نظام ما قبل يوليو ١٩٥٢، وهو عجز النظام عن مقاومة الضباط، بسبب التناقضات الحادة ببين مكوناته، ومنها التناقض الذي افتعله القصر الملكي مع حزب الأغلبية «الوفد»، منذ ثورة ١٩١٩ نفسها، والتناقض بين الوفد وبين أحزاب الأقلية، كما يتجلى في تحالف السعديين بقيادة عبد الرزاق السنهوري باشا، والحزب الوطني بقيادة سليمان حافظ و فتحي رضوان مع الضباط ضد الوفد، بالإضافة للتناقض بين جماعة الإخوان المسلمين، وبين هؤلاء جميعًا، فضلًا عن أن طرد«الملك فاروق» جلب لحركة الضباط شعبية ضخمة، لم يكن بوسع حزب الوفد نفسه تحديها، ويبدو أن النجاح في طرد الملك (كرأس ذئب طائر) أخاف جميع الزعماء الرافضين لحكم الضباط. وكما كتبنا سابقا في عدة مقالات في «مدى مصر»، وغيرها من الصحف والمواقع، وفي مؤلفات أخرى، فإن حقبة السنوات الست الأولى من حكم الضباط ، وحتى الوحدة المصرية السورية عام ١٩٥٨، تحققت فيها إنجازات كبيرة على طريق الإحياء الوطني (ولكن غير الديمقراطى)، فقد جرى إجلاء الاحتلال البريطانى، وكسر احتكار السلاح، وأُممت قناة السويس، وسقطت خطة إدماج مصر في أحلاف عسكرية غربية، وجرى تمصير الشركات والبنوك الأجنبية بعد العدوان الثلاثي ١٩٥٦، وساعدت مصر حركات التحرر من الاستعمار في عدة جبهات، كما تحققت طفرات في ميداني العدالة الاجتماعية والتنمية الاقتصادية، إلى أن أخذت النكسات تتوالى، بسبب التناقضات البنيوية في نظام الضباط من ناحية، وكتعبير عن هذه التناقضات في الوقت ذاته. كانت البداية هي إدماج مشروع الدولة الوطنية المصرية في المشروع القومي العربي في (المشرق)، الذي كان مضمونه المستهدف هو الوحدة الاندماجية الشاملة، كإرث منحدر من الثورة الهاشمية ضد الدولة العثمانية، وكانت هذه مخالفة صريحة لمشروع ثورة ١٩١٩، التي رفض زعيمها سعد زغلول فكرة وحدة مصر مع أي كيان خارجها، قائلًا للوفد السورى هل يزيد حاصل جمع الأصفار عن صفر؟! ورغم أن تجربة الوحدة المصرية السورية قد سقطت بسرعة، فإنها أبقت السياسة المصرية أسيرة لعقد وصراعات المشرق العربى، كما كتبنا في مكان آخر، وسرعان ما انضمت مشاكل الجزيرة العربية إلى عُقَد المشرق، خاصة بعد إرسال قسم كبير من الجيش المصري لمساندة الثورة اليمنية، وكانت الحرب اليمنية بدورها نكسة هائلة للمشروع الوطني المصري تحت حكم الضباط، فقد أدى الصراع في اليمن إلى حرب عربية باردة، وإلى استنزاف عسكري مصري أمام تحالف عربي دولي مضاد، وإلى استنزاف اقتصادي ابتلع ثمار الخطة الخمسية الأولى، وأوقف الخطة التالية. إذن كان إدماج المشروع الوطني المصري في المشروع القومي العربي تحت قيادة جمال عبد الناصر أول النكسات الكبرى لحكم الضباط. لكن ما ترتب على هذه النكسة كان أفدح، فقد أدت الضغوط الخارجية والنزيف الاقتصادي إلى انفجار التضخم، الذي ترتبت عليه اختلالات اجتماعية، وفي ذات الوقت توقع النظام أن القوى المعادية له في الإقليم وفي العالم، ستحاول استغلال التذمر في الداخل لإسقاطه. وكانت تجربة انفصال سوريا بانقلاب عسكري هاجسًا لا يفارق مخيلة جمال عبد الناصر، ولذا فقد انشغل بتأمين الجيش «سياسيًا»، على حساب الكفاءة القتالية، وأصدر قرارات التأميم لعامي ١٩٦١ و١٩٦٤، بهدف تصفية «الرأسمالية الصناعية الوطنية المصرية»، حتى المتوسط منها والصغير، اعتقادًا منه، أن بإمكانها تمويل انقلاب عسكري عليه، وبذلك تحول النظام إلى سلطوية صريحة، سمّاها جمال عبد الناصر نفسه «حكم العصابة»، أو «دولة المخابرات». لم تكن هذه التأميمات وبالًا على المشروع الوطني المصري بسبب زيادة الاحتقان والانسداد السياسيين فقط، ولكنها كانت وبالًا على التنمية أيضًا بتبديدها لتراكم خمسين سنة من رؤوس الأموال والخبرات الفنية، والمهارات الإدارية. وسط هذا المناخ بالغ التأزم اندلعت الأزمة مع إسرائيل عام ١٩٦٧، مفضية للهزيمة المروعة في الخامس من يونيو من ذلك العام. ورغم أن الانتصار المحدود في حرب أكتوبر ١٩٧٣ كان بإمكانه فتح صفحة جديدة لتقدم المشروع الوطني المصري «الديمقراطي العلماني»، فإن هذه الصفحة سرعان ما طُويت، بسبب تناقض مسارات الحقبة الساداتية ذاتها. وكما كتبنا في مكان آخر، ففي الوقت الذي أُعلنت فيه سياسة الانفتاح الاقتصادى، وتشجيع القطاع الخاص، أُطلقت سياسات تدمير القطاع العام، وشاع الفساد السياسي والإدارى، مؤديًا إلى نهب منظم لثروة البلاد، وفي الوقت الذي تحررت فيه مصر من عقد وصراعات المشرق العربى، اندمجت البلاد بأكثر من اللازم في السياسة الاقليمية والدولية للولايات المتحدة الامريكية، وفي الوقت الذي أُلغي فيه نظام الحزب الواحد، حوصرت الأحزاب الوليدة، وشُجّعت جماعات التطرف الديني من جانب السلطة نفسها، وصولًا للحظة أزمة كبرى جديدة لنظام الضباط باعتقالات سبتمبر عام ١٩٨١ واغتيال السادات. البقية معروفة وحية في الذاكرة طوال عهد مبارك، الذي لم تكن شخصيته مسيّسة من الأصل، فجلب إلى السلطة نمط الإدارة الروتينية، ثم أسّس لحكم الأوليجاركية السلطوية بلا أي مضمون اجتماعى، فضلًا عن أن يكون ديمقراطيًا، وصولًا إلى مشروع التوريث، الذي يُعد في حد ذاته تحولًا من أوليجاركية الثروة والسلاح، إلى أوليجاركية عائلات الأثرياء الجدد، فاشتعلت التناقضات داخل مؤسسات الدولة العميقة بذراعيها الأمنيين، ما سهّل نجاح ثورة يناير ٢٠١١ في طورها الأول، قبل أن يبرز حكم جماعة الإخوان المسلمين كجملة اعتراضية، ثم تبدأ نسخة أخرى من نظام يوليو ١٩٥٢، تحت شعار «تجديد المشروع الوطني المصري»، استنادًا إلى قيادة المؤسسة العسكرية، حتى ولو لم تكن هي من تحكم مباشرة، في استمرار واضح لتقاليد يوليو في الحكم باسم الجيش، واستنادًا اليه كمصدر وحيد للقوة السياسية، يُغلق كافة المصادر الأخرى، ولكن دون أن يتولى الجيش نفسه – كمؤسسة الحكم بصورة مباشرة، كما كان الوضع مثلًا في فترة المجلس الأعلى للقوات المسلحة بعد خلع حسني مبارك، أو كما كان الوضع في حالة مجلس قيادة ثورة ٢٣ يوليو ١٩٥٢، قبل عام ١٩٥٦. لا جدال في أن هذه النسخة لقيت ترحيبًا شعبيًا هائلًا في البداية، وهي لا تزال تحظى بنسبة عالية من الترحيب، وإن كانت النسبة مستمرة في الهبوط. ويعود السبب الرئيسي لهذا التأييد إلى كراهية الغالبية لحكم جماعة الإخوان، كما يعود في جزء منه إلى انعدام البديل أو ضعفه، دون أن تتساءل هذه الأغلبية المؤيدة عن دور النظام في وأد أي فرصة تسنح لظهور بديل، أما السبب الثالث فيعود إلى التفكير بالتمني. سردنا فيما سبق الكيفية التي تحول بها نظام يوليو ١٩٥٢ من محاولة مخلصة لإحياء مشروع الدولة الوطنية الديمقراطية العلمانية في مصر إلى حكم سلطوي أوليجاركي، وأجبنا على سؤال «لماذا تظل هذه التطورات ملتبسة في أعين الأجيال الأكبر سنًا من المصريين؟» كما شرحنا أيضًا أهم أسباب فشل مشروع الضباط الوطني هذا، وهو إدماج المشروع الوطني المصري في المشروع القومي العربي، والآن نحاول – بتركيز استعراض بقية أسباب الفشل، أو ما نسميه بـ«التناقضات في بنية نظام الضباط»، والتي قلنا سابقًا إنها جعلت مساراته الفاشلة التالية قدرًا محتومًا. أول هذه الأسباب هي الخصائص النفسية والاجتماعية للضابط العربي «والمصري»، وهي مشروحة في كثير من الكتب العربية والأجنبية، وأغلبها يركز على الإرث المملوكي العثماني لسلك الضباط العرب، غير أن أفضل وأقرب هذه الشروح هو شخصية «حسنين» في رواية «بداية ونهاية» للأستاذ نجيب محفوظ، إذ يعتقد حسنين أن على الكل التضحية من أجله، والعسكرية في نظره امتياز وسلطة ووجاهة اجتماعية فوق المساءلة، أكثر منها واجب ورسالة. وللحق فإن بعض ضباط يوليو لم يكونوا من هذا النمط، وعلى رأسهم جمال عبد الناصر نفسه، ومثله زكريا محي الدين وعبد اللطيف البغدادي ومجموعة الضباط المثقفين مثل ثروت عكاشة وخالد محي الدين، لكن غالبية الضباط الأحرار، وغالبية رجال الصفوف الخلفية، هم من صبغوا النظام بصبغتهم. يتذكر الكاتب الصحفي والمراسل العسكري العتيد عبده مباشر مواجهة بينه وبين الضابط «الحر»حمدي عبيد، الذي كان محافظًا لكفر الشيخ في وقت انتشر فيه وباء في المحافظة، فيقول إن عبيد انفجر فيه قائلًا كيف تكتب عن وباء في محافظة يقودها محافظ من الضباط الأحرار، الذين لولاهم لظللتم أذلاء للملك والاستعمار؟! ثانيًا كانت غالبية أعضاء مجلس قيادة ثورة يوليو ١٩٥٢ وتنظيم الضباط الأحرار من المتأثرين بالأفكار الوطنية الفاشية للفريق عزيز المصري، وبالأحزاب الفاشية كـ«الحزب الوطني الجديد»، و«مصر الفتاة»، و«الإخوان المسلمين»، ولذلك ظلت الديمقراطية في نظرهم «ترفًا» لم يأت وقته، ولن يأتي أبدًا، كما كان انحدارهم جميعًا من أسر مسلمة سببًا في عدم اكتراثهم بعلمانية الدولة. ومن ثم ورثنا عنهم ظاهرة إبعاد أو ابتعاد الأقليات الدينية عن الحياة السياسية، مع اعترافنا بأن الضباط أقصوا الجميع، ولكن حالة الأقليات تعد إقصاءً داخل إقصاء، لأنها أدت إلى تمييز اجتماعي و ثقافي وإداري مستمر ضد الأقليات. ثالثًا ما كان يراه جمال عبد الناصر بوصفه عنصر قوة في حركته، أي تمثيل كافة التيارات في تنظيم و قيادة الضباط الأحرار، بمعنى وجود ضباط يساريين إلى جانب ضباط يمينيين وإسلاميين مع ضباط وطنيين، كان سببًا رئيسيًا هو الآخر في فشل مشروع الضباط كله، ليس فقط بسبب الصراعات فيما بينهم، ولكن أيضًا بسبب انقلاب كل رئيس على تراث سابقه، فمثلًا قام السادات اليميني بانقلاب على كل منجزات عبد الناصر الاجتماعية والاقتصادية، بل والوطنية «عدا حرب أكتوبر بالطبع»، وهذا ما لا يحتاج لشرح تفصيلي، وقصارى القول هنا إن ضباط يوليو لم يكونوا أصحاب إيديولوجية واحدة، أو إيديولوجيات متقاربة، بل كانوا ذوي إيديولوجيات متناقضة في أحيان كثيرة. *** لكن أكثر ما يؤكد أن نظام يوليو ١٩٥٢، حتى مع محاولة تجديده الحالية، قد وصل بدوره إلى طريق مسدود، هو إجماع الأجيال الشابة في مصر على رفضه، بل وإدانته، وتحميله مسؤولية تدهور أوضاع مصر الداخلية، وضعف مكانتها الدولية، وتبعية دورها الاقليمي، وثبات وعي هذه الأجيال على أن ثورة يناير هي حكم نهائي غير قابل للنقض بانتهاء العمر الافتراضي لهذا النظام، أما ما يتبقى فهو خلق البديل المدني المنظم لقيادة أو استئناف قيادة مشروع الدولة الوطنية الديمقراطية العلمانية في مصر.
قارن عبد اللطيف البغدادي مع:
ما هي الدول التي تتحدث صحافتها عن عبد اللطيف البغدادي؟
شارك صفحة عبد اللطيف البغدادي على