إسلام البحيري

إسلام البحيري

إسلام بحيري باحث مصري ومفكر شاب وهو رئيس مركز الدراسات الإسلامية بمؤسسة "اليوم السابع" حاصل على ماجستير في "طرائق التعامل مع التراث" من جامعة ويلز بإنجلترا. [بحاجة لمصدر] يعمل بمؤسسة اليوم السابع، وهو كذلك مقدم برنامج "مع إسلام بحيري" على "قناة القاهرة والناس" الفضائية، وقد أثار جدلاً كبيراً في الأوساط الدينية والثقافية.تم انتقاده من قبل الأزهر، وتم أيضا وقف برنامجه مع اسلام على قناه القاهره والناس وذلك لانتهاكه الدين الاسلامي (وجه إليه انذار بوقف البرنامج)في نهاية مايو ٢٠١٥ أدانته محكمة مصرية بتهمة ازدراء الأديان وقضت بالسجن لمدة ٥ سنوات مع الشغل والنفاذ. وفي ديسمبر من العام ذاته قررت المحكمة تخفيف الحكم إلى السجن لمدة سنة واحدة. ويكيبيديا

عدد الأخبار كل يوم من ولمدة حوالي شهر واحد
من أهم المرتبطين بإسلام البحيري؟
أعلى المصادر التى تكتب عن إسلام البحيري
«١٩٨٤» المصرية الحرب على الكلمة أحمد القهوجي ٢٨ أغسطس ٢٠١٧ «لم يكن الهدف الوحيد من وراء استخدام اللغة الجديدة هو تقديم وسيط للتعبير عن وجهات نظر أعضاء حزب الاشتراكية الإنجليزية أو عاداتهم العقلية فحسب، بل كان من ضمن الأهداف أيضًا جعل كل طرق التفكير الأخرى مستحيلة. كانت الغاية من وراء وأد اللغة القديمة واعتماد نظيرتها الجديدة ألا يمكن أصلًا التفكير في الفكرة الفاسدة، أي الفكرة التي تخالف مبادئ الحزب، نظرًا لاعتماد الفكر على اللغة... وقد تم التوصل لهذه الغاية من خلال اختراع كلمات جديدة، وبصورة خاصة من خلال حذف الكلام غير المرغوب فيه، وكذلك إسقاط المعاني الثانوية الفلسفية والسياسية عن الألفاظ الباقية.» المقتطفات السابقة من رواية «١٩٨٤» للكاتب الإنجليزي جورج أورويل، وقد نصحتني زوجتي العزيزة هبة بقراءته بعد أن حدثتها عن رغبتي في كتابة مقال يناقش الظاهرة الحالية لتحجيم الفكر وحرية التعبير في الفضاء السياسي المصري، من خلال إفقار اللغة وسجن الكلمة. في هذه الفقرة، يتحدث أورويل عن الغاية من وراء استحداث اللغة الجديدة (Newspeak)، بعد أن فرغ من شرح قواعدها التي تعتمد على الإنقاص التدريجي للمفردات والاختزال المجحف للأفكار من خلال استخدام مصطلحات مبسطة تخرجها عن معانيها الأصلية، وفقًا لخطة مرسومة من النظام «الثوري» الحاكم، وبحيث يتقبل الناس أن اثنين زائد اثنين تساوي خمسة، لعدم وجود المنطق أو الكلمات التي تسمح بالتفكير بكون الإجابة هي أربعة. وقد فاجأني مدى التماثل في الوسائل بين «وزارة الحقيقة» في عالم أورويل الديستوبي، وبين ما يحدث في مصر حاليًا على مستوى الحرب على حرية الكلمة والتعبير، وإن كنت أستبعد طبعًا أن تكون أية خطة مكتوبة وموضوعة بعناية في درج إحدى الوزارات مجدية، بمعنى أنه لا يوجد إطار عام ولكن يوجد نهج يعكف على عملية تقييد اللغة، وبالتالي الفكر، على المستويات السياسية والقانونية والاجتماعية المختلفة، وهو ما يتضح مثلًا من التوجيهات الرئاسية للإعلام بخلق «فوبيا من سقوط الدولة»، ما يعني بالتبعية إخراج كلمات مثل «مظاهرة» و«مطالب» و«إصلاح» و«ثورة» من دائرة «المفكَّر فيه»، وإدخالها في دائرة الممنوعات اللغوية، وبالتالي تكريس رؤية أحادية للعالم ترى الواقع والأحداث وفق عقلية «اسمعوني أنا بس». ماهية الحرب يقول الفيلسوف الألماني هيردر إن اللغة ليست مجرد وسيلة للتعبير عن الفكر، بل هي أيضًا القالب الذي يتشكل فيه الأخير، وبالتالي فإن «كل أمة تتكلم كما تفكر، وتفكر كما تتكلم»، وقد ساهم العالِم السوفييتي ليف فيجوتسكي في تأكيد ما سبق من خلال أبحاثه في علم النفس التي ربطت بين استيعاب اللغة لدى الطفل من جهة، ونموه الفكري من جهة أخرى. استحضار الأراء السابقة لا يعني أني أنكر عجز الكلمات أحيانًا عن التعبير عما يجول بخاطري، ولكن كلمة «كمبيوتر» أو «طائرة» مثلًا تثير في ذهني وذهنك معاني ومفاهيم محددة وواضحة قد يعتبرها ساكن القرن الخامس عشر شيطانية. اللغة إذن تحكم الفكر بدرجة أو بأخرى، ومن هذا المنظور تصبح اللغة مسألة سياسية بامتياز، تسعى السلطة الحاكمة لتقنينها والسيطرة عليها، فلا ننسى إشارة إنجيل لكون جريمة المسيح التي صُلب لأجلها كانت ازدراء الشريعة اليهودية، أي أن كلماته، بما حملته من معان، هدّدت النظام السياسي والاجتماعي السائد آنذاك، بما استوجب قتله. كما أن عملية «التتريك» التي قامت بها الدولة العثمانية تشهد على هذه الرغبة السياسية في السيطرة على الوعاء اللغوي والثقافي للشعوب المستضعفة، وهو ما يذكّر بما قامت به الإمبراطورية الفرنسية في مستعمراتها من سحق اللغات المحلية وإحلال الفرنسية محلها. ما يحدث حاليًا في الفضاء السياسي المصري هو امتداد للسوابق التاريخية التي تريد أن تحكم الفكر من خلال تقييد الكلمة، ولا أدل على ذلك من حجب الحكومة المصرية لعدد من المواقع الإلكترونية، بدعوى نشرها أخبارًا كاذبة، دون تقديم أدلة محددة تدين هذه المواقع، وفي محاولة لتجفيف مصادر الكلمة غير الرسمية. من نفس المنظور يمكن تحليل مشروع القانون المقترح لحظر نشر أي أخبار أو معلومات تتعلق بالمؤسسة العسكرية إلا بتصريح كتابي من القيادة العامة للقوات المسلحة، وهو تعنت يضرب التناول الصحفي الموضوعي في مقتل، ولا يختلف عن ذلك ما حدث لإبراهيم عيسى أو منظمات المجتمع المدني أو الدعاوي القضائية ضد حسام بهجت وإسماعيل الإسكندراني وباسم يوسف، ولعل الأخير أخطرهم لأن برنامجه كان أكثر اختراقًا للبيت المصري، ولأن فكرته قامت على كشف التناقض في كلمة السلطة. يوضح ما سبق الغاية من الحرب على الكلمة؛ ترسيخ نسخة رسمية في قراءة الأحداث لا يأتيها الباطل لا عن يمينها ولا عن شمالها، وتختلط هذه الغاية مع ماهية الحرب بحيث يصعب الفصل بينهما، وفي سبيل ذلك تحرك السلطة الحاكمة مجموعة من الأدوات التي تساعدها على تحقيق هذه الغاية. أدوات الحرب اذا كانت اللغة ترسم حدود الفكر، فان أول أداة لتحجيم الثاني هي بإفقار الأولى. يحدثنا بيير بورديو عن نزوع النظام الاقتصادي العالمي، ممثلًا في هيئات دولية مرموقة مثل صندوق النقد الدولي والمفوضية الأوروبية ومؤسسات علمية بمكانة كلية لندن للاقتصاد والعلوم السياسية، لتغيير المعجم اللغوي الاقتصادي، بما يتناسب مع الأيدولوجية النيوليبرالية الأمريكية، فالإمبريالية أصبحت تسمى «عولمة» والاستغلال أصبح «إقصاء»، واختفت من تقارير هذه الهيئات كلمات مثل «رأسمالية» و«طبقات» و«احتكار»، وغيرها من الكلمات التي تعكس الصراعات الاجتماعية أو العلاقات الاقتصادية غير المتوازنة، وهو توجه يرى فيه بورديو نوعًا من الاستعمار الثقافي الرمزي الذي يفرض لغته، وبالتالي مفاهيمه ورؤاه، على الطرف الضعيف. قد يجري إفقار اللغة من خلال الاختزال السطحي للمفاهيم على طريقة «الليبرالية تعني أن تخلع والدتي الحجاب»، فمثل هذا النهج يفرغ الكلمة من حمولتها المعنوية ويدمغها بصيت سيء السمعة يمنع النقاش الحقيقي حولها، كما يكون الإفقار بمنع تداول مجموعة من الكلمات عن طريق تجريم استخدامها، وما يهمني في هذا المجال هو المصدر السلطوي لعملية الإفقار. مع اختلاف المدى والغايات، لنأخذ فرنسا نموذجًا للتدليل على التدخل الرسمي في تقييد اللغة، ولعل المثال الأبرز على ذلك هو تجريم إنكار الجرائم ضد الإنسانية، وبصفة خاصة الهولوكوست، ومعاقبة مرتكبها بالحبس لخمس سنوات وغرامة ٤٥ الف يورو، من خلال ما يعرف بـ«قوانين الذاكرة»، التي يُترك للقاضي فيها تقدير تحقق الجريمة من عدمه. في كتابه «الأساطير المؤسسة للسياسة الإسرائيلية»، شكّك الفيلسوف الفرنسي روجيه جارودي في التحقق المادي للهولوكوست، من خلال الجدل الذي أثاره حول مفهوم «الحل النهائي» الذي اعتمده النظام النازي للتخلص من اليهود، وترتب على ذلك إحالة جارودي لمحكمة الجنايات الفرنسية التي عاقبته على كلماته، من منطلق أن حرية التعبير لا تكفل التشكيك في وقائع متحققة، حتى على مستوى البحث الأكاديمي التاريخي، وأن مجرد الإنكار، ولو بطريق الإشارة، يكشف عن شخصية تعادي السامية وتبرّر لجرائم النازية، أي أن التعبير بكلمات تخالف القراءة الرسمية للماضي يضع صاحبه تحت طائلة المساءلة الجنائية. على نفس المنوال يمكن النظر للجدل المثار حول عبارة «لستُ شارلي»، التي انتشرت بعد الحادثة الإرهابية التي طالت الجريدة الساخرة «شارلي هبدو»، في تعبير من بعض المواطنين عن عدم موافقتهم على المحتوى الذي تقدمه الجريدة. وبصرف النظر عن موقفهم الشاجب للحادثة أو المدافع عنها، فمجموع هاتين الكلمتين ترتّب عليه فصل لاعب كرة سلة من فريقه عقابًا له على سوء فعله، كما فُصل عدد لا بأس به من طلاب المدارس ممن استخدموا هذه العبارة على موقعي تويتر وفيسبوك. كان هذا على المستوى الاجتماعي، أما على المستوى الرسمي، فالمشرع الفرنسي يعاقب على جريمة التبرير للإرهاب، أي التعبير بالكلمات كتابة أو قولًا عن موقف يتضامن مع هذه الأفعال أو يبررها بأي شكل من الأشكال، ومن المضحك المبكي ما قامت به شرطة مدينة نيس، بناء على هذا النص، من استدعاء طفل عمره ثماني سنوات، تفوه بعبارة «لست شارلي» خلال إحدى الحصص المدرسية، للتحقيق معه في جريمته، فما كان منه الا أن أجاب المحقق بأنه لا يفهم أصلًا معنى كلمة «إرهاب». بعيدًا عن النقد الموجه لمسلك الشرطة الفرنسية في هذه القضية، إلا أنه يعكس وجود محاكم تفتيش لغوية مهمتها الكشف المبكر عن الاختلالات السلوكية للأطفال، وصولًا لتصنيفهم بحسب درجة استعدادهم للانحراف، بتعبير دينيس سالاس. ومع اختلاف المدى والغايات أيضًا، فإن السلطة الحاكمة في مصر تتدخل كذلك لتقييد الفكر، من خلال إفقار اللغة على مستويين اثنين الأول هو تجريم الكلام غير المرغوب فيه من خلال نصوص فضفاضة تعاقب على خدش الحياء العام مثلًا أو ازدراء الدين، وتُفعَّل هذه النصوص في المحاكم، حين تعتبر الدولة أن النظام الاجتماعي قد جرى المساس به، وبناء عليه ترى محكمة جنح مستأنف بولاق أحمد ناجي من هؤلاء «الكتاب ]الذين[ يسعون فى الأرض فسادًا ينشرون الرذيلة ويفسدون الأخلاق بأقلامهم المسمومة تحت مسمى حرية الفكر»، وهو بذلك يهدّد دور المشرع في «حماية للأخلاق والأدب مما يفسدهما، وحماية للمجتمع والكرامة الأدبية للجماعة التى قوامها الدين والأخلاق والوطنية». ولنا أيضًا عبرة في بلاغ الأزهر بحق إسلام البحيري الذي اعتبره «يبث أفكارًا شاذة تمس ثوابت الدين، وتنال من تراث الأئمة المجتهدين المتفق عليهم، وتسيء لعلماء الإسلام، وتعكر السلم الوطني، وتثير الفتن». فمجرد الحديث في نقد التراث ورفع القداسة عن بعض الشخصيات التاريخية لا بد من التصدي له بشدة، لأنه قد يجعل من المقبول نقد وتعرية قداسة شخصيات الحاضر. أما المستوى الثاني فهو إعادة تعريف بعض المفاهيم، بما يخرجها عن دلالتها المعنوية المستقرة كما في مثال «الليبرالية تعني أن تخلع والدتك الحجاب»، فعبارة «تحيا مصر» مثلًا أصبحت غمزة للنظام الحاكم ورأسه، وعبارة «حقوق الإنسان» تستدعي المؤامرات الكونية والتمويل الأجنبي، و«ثورة يناير» تحولت إلى «٢٥ خساير»، بل أن مفهوم «الثورة» نفسه أصبح مقتصرًا على ذلك الحراك الشعبي الذي تقوده أو تدعمه إحدى مؤسسات الدولة (غالبًا العسكرية)، على طريقة «مبارك أول من أيّد ثورة يناير»، بصوت فريد الديب. على أن التجريف المعنوي الأخطر والأعمق قد أصاب مصطلح «الوطنية» الراسخ عبر التاريخ والمتمحور حول مفهومي «الأرض» و«العرض»، وفقًا لعقيدة زرعتها السلطة في وجداننا من خلال الأدوات الثقافية والمناهج الدراسية، بداية من طرد الهكسوس، مرورًا بصلاح الدين الأيوبي وسيف الدين قطز وانتهاء بحرب أكتوبر وملحمة طابا، تلك التي رسخ في الوجدان الشعبي أن التنازل عنها بمثابة تخلي الأم عن أولادها، وفقًا لتصريح حسني مبارك في احدى المقابلات الصحفية، حين مال بجانبه الأيمن الى الأمام قليلا في نفس اللحظة التي ركز فيها المخرج الكادر على محياه عند التلفظ بالتشبيه في قمة الأداء المسرحي. هذا المفهوم الراسخ للوطنية تزلزلت أعمدته حين أثير موضوع التوقيع على اتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع المملكة السعودية لأول مرة، وتشقق سقفه حين طعنت الحكومة بنفسها على حكم بطلان التوقيع على الاتفاقية، وتهدم الصرح على رؤوس من فيه حين ضربت الحكومة عرض الحائط بالحكم النهائي لمجلس الدولة بمصرية تيران وصنافير، وأحيلت الاتفاقية إلى مجلس الشعب الذي صادق عليها في عجالة، وبالتالي أصبح المطالبون بمصرية الأرض «في الأساس خونة ويجب محاكمتهم، لأنهم يعملون من أجل مصالح شخصية لا مصلحة الوطن»، في مشهد عبثي وقع فيه العقل والمنطق رهينة الغوغاء، وأبدى البعض فيه استياءه من ورود اسمه خطأ ضمن النواب الذين قالوا بمصرية الجزيرتين. وفي جميع الأحوال أنهى الرئيس الجدل فيه بتوجيه واضح «مش عايزين كلام في الموضوع تاني»، لأن مجرد الكلام فيه مسلك مرفوض، فما بالك بالتظاهر حوله؟ وقد اكتمل تشويه معنى «الوطنية» حين أصبحت تعني حصريًا موالاة الرئيس والنظام الحاكم في كل همساته ولمزاته، فحين تنتقد أو تعترض، أو بأضعف الايمان تتساءل، تصبح خائنًا وعميلًا وخلية نائمة وطابورًا خامسًا. كان هذا عن الأداة الأولى للحرب والمتمثلة في تقييد الفكر من خلال إفقار اللغة، وهي تعتمد بالأساس على الحذف والتكرار وقصر ذاكرة الشعوب، على أن هناك سلاحًا أخر أقل استخدامًا ويقتضي تحريك طاقات ابداعية أدق، يتمثل في خلق كلمات جديدة تخدم أهدافًا سلطوية وتفرض واقعها الخاص على حركة الفكر. ولعل الإمبراطورية الفرنسية كانت سبّاقة في هذا المجال، فسلطة الاحتلال في الجزائر والمغرب ومدغشقر وهايتي وغيرها وظّفت مصطلحات جديدة هدفت لإخفاء مطامعها الاقتصادية وتغطية أهدافها الاستعمارية، فما قامت به لم يعد استعمارًا، بل «مهمة حضارية.. mission civilisatrice» اقتلعت بها السكان من جذور التخلف، والضريبة الظالمة المفروضة عليهم تصبح «ضريبة تهذيبية..impôt moralisateur» تهدف لتعليم الشعب قيمة العمل في زراعة قصب السكر المستخدم في إنتاج مشروب الرَم، بدلًا من حياة البداءة غير المنتجة رأسماليًا، وأخيرًا فإن الشعب الذي ينتزع حريته بساعديه عليه دفع «ثمن الاستقلال.. prix d’indépendance» عبر إيداع ٨٥% من الاحتياطي النقدي له في البنك المركزي الفرنسي، وهو ما تقوم به حتى اليوم ١٤ دولة أفريقية لم توف بعد دين احتلالها رغمًا عنها. كما أنه، وعلى نفس المنوال، يمكن تحليل مصطلح «الحرب الاستباقية» الذي طالعتنا به النخبة الأكاديمية في الولايات المتحدة تبريرًا لحرب العراق، واعتمده فيما بعد جنرالات الحرب الأمريكيون. أما على مستوى الفضاء المصري، فلن أطيل الحديث كثيرًا عن إثراء معجمنا اللغوي بمصطلحات مثل «مجلس إدارة العالم»، تلك الهيئة الميتافيزيقية التي تارة ما تحيك المؤامرات ضد الدولة المصرية وتسخّر في سبيل ذلك الموجات الكهرومغناطيسية والزئبق الأحمر، وتارة أخرى نسعد بعضوية الرئيس لها، فهذا المصطلح كان صنيعة الإعلاميين ولم يسهم في صنعه مصدر رسمي. المثال الأدق لهذا النوع من الأدوات الرسمية للحرب على الكلمة والفكر هو ابتداع مصطلح «أهل الشر» الذي يستخدمه الرئيس بإفراط، حتى من قبل وصوله للحكم في ٢٠١٤، وهو يعرفهم بقوله «أهل الشر شر يعني!» ومن خصائصهم أنهم ينشطون في مواسم معينة، كما أن شرهم هو السبب في افتقاد السلطة للشفافية في التعامل مع الشعب، فلا تفاصيل خاصة بالميزانية ولا شرح للمشاريع التنموية ولا تصريح بأماكن إنتاج الغاز حتى نتجنب خطرهم، وبجانب قدراتهم العالية على التنصت، فان أيديهم متشعبة في أماكن متعددة، فهم مصدر خطر على المملكة السعودية، وهم بذاتهم ضالعون في اغتيال النائب العام السابق وحادث الطائرة الروسية. تتسع مطاطية العبارة لتنطوي تحت لوائها مشارب مختلفة، سواء قوى دولية أو إقليمية أو حتى معارضة محلية، إلا أنها أصبحت مقدمة منطقية يتداولها الناس بدون تشكيك، وهنا خطورتها على تحجيم الفكر. سلاح الردع تحت عنوان «الحرب على الكلمات»، تنشر مجلة «أوت أند أباوت» الأمريكية عمودًا شهريًا، تحاول من خلاله الدفاع عن اللغة الإنجليزية من التشويه وسوء الاستخدام، ورغم اعتراف كتّابها بصعوبة التحدي، إلا أنهم يدركون أن مدخل الفكر هو اللغة. إن مساحات الحرية في مصر تتناقص بسرعة هائلة في السنوات الأخيرة، وبصفة خاصة على مستوى الرأي العام السياسي والثقافي، فالأقلام تُكسر والأجساد تُسجن والأفلام والأغاني تُمنع، ولا يبقى للروح سوى ميدان الفكر لتعلو فيه على المحظور وتعلن من خلاله تمردها وعصيانها، ومن هنا أهمية المقاومة على المستوى اللغوي التأسيسي، وضرورة مراجعة السلطة حين تؤطر الحاضر بكلماتها ورؤاها، حتى لا يقع إدراكنا فريسة فتنة الكلمات، ونضطر ذات يوم أن نحلم، كما حلم بطل رواية «١٩٨٤» في مذكراته، بزمن يتحرر فيه الفكر وتسود الحقيقة وتُقبل إمكانية الاختلاف بين البشر.
أستاذ «طب الزقازيق» الموقوف عن العمل ينفي صلته بالتدوينات المسيئة للإسلام صفحتي أُخترقت مي شمس الدين ٢٣ أغسطس ٢٠١٧ نفى الدكتور ماهر المغربي، أستاذ الأمراض النفسية والعصبية بكلية الطب جامعة الزقازيق، في تصريحات لـ«مدى مصر»، صلته بالتدوينات المسيئة للدين الإسلامي المنسوبة لصفحته بموقع فيسبوك، والتي بناء عليها اتخذت إدارة الجامعة قرارًا بإيقافه عن العمل وإحالته لمجلس تأديب. كانت إدارة جامعة الزقازيق قررت وقف المغربي عن العمل لمدة ثلاثة أشهر، ومنعه من دخول الجامعة مع إحالته للمجلس التأديبي بسبب عبارات مسيئة للدين الإسلامي منسوبة لصفحته الشخصية على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك. وشمل القرار، الصادر من مكتب رئيس الجامعة، الدكتور خالد عبد الباري، وقف صرف ربع مرتب المغربي، مع رفع الأمر لمجلس تأديب أعضاء هيئة التدريس للنظر في وقف صرف ربع راتبه أم صرف راتبه كاملاً. وبحسب بيان صادر عن الدكتور عاطف البحراوي، عميد كلية الطب بجامعة الزقازيق، فإن إدارة الكلية أدانت «المنشورات المسيئة للإسلام» التي قام المغربي بنشرها، ومن ثم قررت اتخاذ الإجراءات القانونية «نظراً لخطورة هذه المنشورات التي أثارت استهجان جميع أعضاء هيئة التدريس بالكلية». وأوضح المغربي لـ «مدى مصر» أن صفحته الشخصية قد تعرضت للاختراق، خاصة مع معرفته المحدودة بمواقع التواصل الاجتماعي بشكل عام. وأضاف «أنشأت حساباً على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك منذ ٢٠١٤، إلا أنني نادراً ما استخدمه نظراً لمعرفتي المحدودة به، وعندما أثير اللغط حول هذه المنشورات المنسوبة إليّ، أحضرت شخصاً على دراية بالعمل بالموقع أكثر مني وطلبت منه وقف الحساب ومسح جميع هذه المنشورات». واستنكر المغربي تسرع إدارة الجامعة في إحالته للتأديب بدون محاولة استبيان موقفه أو سؤاله حول المنشورات المنسوبة إليه، مضيفاً أنه سيبدأ بالتواصل مع إدارة الجامعة لتحديد موقفه «أنا الآن متواجد بالكلية، حيث سيعقد مجلس القسم اجتماعاً طارئاً للنظر في الموضوع وسأوضح موقفي»، يقول المغربي. وقال مهاب سعيد، المحامي بمؤسسة حرية الفكر والتعبير، لـ «مدى مصر» إن من حق جهات التحقيق في الجامعات وقف أي عضو هيئة تدريس لمدة معينة لحين انتهاء التحقيق معه، إلا أن توقيع عقوبة ضد المغربي فيما هو منسوب إليه غير وارد في نص قانون تنظيم الجامعات أو لائحته التنفيذية، مضيفاً «هناك قاعدة قانونية معروفة تقول إنه لا عقوبة إلا بنص، ونشر أفكار خاصة بعضو هيئة التدريس على صفحته الشخصية لا يقابله أي عقوبة في القانون. توجد عبارات مطاطة للغاية للقانون يمكن استغلالها مثل مخالفة الأعراف والتقاليد الجامعية للطلاب، والإساءة لهيبة الأستاذ الجامعي بالنسبة لأعضاء هيئة التدريس. لكن إدانته لنشر أفكاره تحدث فقط إذا استخدم صفحته الشخصية في نشر أسئلة أو أجوبة امتحانات قبل انعقادها». وشرح سعيد أن المعاهدات الدولية الخاصة بالحريات الأكاديمية مثل إعلانات ليما وكامبالا وعمان تتيح للأساتذة الجامعيين التعبير عن آرائهم ليس فقط على صفحاتهم الشخصية، ولكن داخل قاعات المحاضرات أيضاً، مؤكداً أن محاسبة أستاذ جامعي في حالة إساءته للدين الإسلامي تحدث فقط من خلال دعوى جنائية، وبالتالي لا يمكن للجامعة محاسبته إدارياً على جريمة لا يحاسب عليها إلا من خلال الشق الجنائي. ولم يكن كل من عبد الباري أو البحراوي متاحين للرد على تساؤلات «مدى مصر»، إلا أن البحراوي أكد في تصريحات لجريدة اليوم السابع أمس، الثلاثاء، أنه «أحال الأستاذ للتحقيق، فور رصده منشورات تعيب في الذات الإلهية والدين الإسلامي، للتأكد من أن هذه منشورات تخصه أم لا». وتداول مستخدمون على مواقع التواصل الاجتماعي صوراً من أحد المنشورات المنسوبة للمغربي، تقول «سألني أحدهم باكياً بسبب الاعتداء على الأقصى لماذا لم يرسل الله طيراً أبابيل ليقضي على إسرائيل؟ فنحرته»، وأنتهى المنشور بعبارة «ملحد مشكك في قدرة الله». ويرى محمد ناجي، الباحث في برنامج الحريات الأكاديمية بمؤسسة حرية الفكر والتعبير، في تصريحات لـ «مدى مصر»، أن الجامعات المصرية تحولت في الفترة الأخيرة لـ «محاكم تفتيش» لمحاسبة أعضاء هيئات التدريس والطلاب على آرائهم بكل أشكالها، مشيرًا إلى واقعة الدكتورة منى برنس، أستاذ الأدب الإنجليزي بجامعة قناة السويس، التي تم تحويلها لمجلس تأديبي بسبب نشرها مقاطع مصورة على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، تظهر فيها وهي ترقص فوق سطح منزلها. وأضاف «شمل التحقيق منشورات لبرنس على صفحتها الشخصية رأتها جهات التحقيق مهينة للدين الإسلامي وتمجيداً للشيطان. يتحول الفيسبوك تدريجياً لأداة تراقب من خلالها الجامعات أعضاء هيئات التدريس والطلاب. في الفترة الأخيرة استخدمت حسابات مواقع التواصل الاجتماعي في التحقيق مع طلبة عبروا عن آرائهم السياسية أو انتقدوا إدارات جامعاتهم». ويرى ناجي أن تحويل المغربي للتحقيق، يمثل اعتداءً على حرية التعبير وحرية العقيدة التي كفلها الدستور، «والتي لا تشمل فقط الحق في اعتناق أي فكر ديني، ولكن أيضاً الحق في التعبير عنه والجهر به دون مساءلة أو عقاب». في واقعة مماثلة، أوقفت جامعة الأزهر الدكتور يسري جعفر، أستاذ العقيدة والفلسفة بكلية أصول الدين، لمدة ثلاثة أشهر، في نوفمبر الماضي على خلفية تحقيق داخلي اتهمه بالترويج للإلحاد والعلمانية. وقال جعفر في تصريحات سابقة لـ «مدى مصر» إن التحقيق استند على شكوى قدمها ضده أحد الطلاب اتهمه فيها بالترويج للإلحاد والعلمانية، مؤكدًا أن أفكاره «نبت خبيث يجب بتره»، وهو ما رآه جعفر تهديدًا صريحًا وشخصيًا ضده، مضيفًا «كنت أود أن تحاول الجامعة حمايتي من مثل هذه الادعاءات، إلا أن الجامعة للمرة الأولى اتخذت هذه الإجراءات ضدي وقامت بفصلي فصلًا باطلًا من الناحية القانونية، حيث تم إيقاف راتبي أيضًا». وأضاف جعفر «أنا أستاذ فلسفة إسلامية، وما أدرسه يشمل مناقشة الأفكار وطرح الآراء المختلفة ونقدها وتفنيدها، فكيف يتم اتهام أستاذ من أساتذة الأزهر بالإلحاد؟». وشهدت السنوات القليلة الماضية توسعاً في توجيه تهم ازدراء الأديان ضد مواطنين، كان أشهرها صدور حكماً بالحبس ثلاث سنوات ضد الكاتبة فاطمة ناعوت، وذلك بعد انتقادها مراسم ذبح الأضاحي في عيد الأضحى، وفي قضية ثانية، حُكم على الباحث إسلام البحيري بالحبس سنة لإهانة الدين الإسلامي، بعد أن أثارت آراءه الفقهية المثيرة للجدل حفيظة الأزهر الشريف الذي انتقد آراؤه ورفع مذكرة إلى المحكمة متهما البحيري بازدراء الدين الإسلامي والصحابة. ومؤخرًا، قررت إدارة سلسلة محال الحلويات الشهيرة «لابوار» إيقاف اثنين من العاملين لديها وتحويلهما للتحقيق الإداري، وتحرير محضر بقسم عابدين ضدهما، بعد نشر صوراً لمحادثات شخصية بينهما تثبت كونهما ملحدين.
قارن إسلام البحيري مع:
شارك صفحة إسلام البحيري على