أحمد شهاب الدين

أحمد شهاب الدين

أحمد شهاب الدين (بالإنجليزية: Ahmed Shihab-Eldin، مواليد ١٦ سبتمبر ١٩٨٤) كويتي أميركي من أصل فلسطيني. صحفي وكاتب عمود سابق في هافينغتون بوستومقدم سابق في هاف بوست لايف.ولدَّ أحمد شهاب الدين في كاليفورنيا لوالدين كويتيين من أصول فلسطينية. أمضى شهاب الدين طفولته بين الكويت، مصر، كاليفورنيا، والنمسا. خلال طفولته، درسّ في المدرسة الأمريكية الدولية في فيينا، النمسا والكلية الأمريكية بالقاهرة.بدأ شهاب الدين في الولايات المتحدة بفترة تدريب كمنتج أخبار لنيويورك تايمز سنة ٢٠٠٨. لستة أشهر، عمل في الدوحة مع القناة الدولية الإخبارية الجزيرة الإنجليزية. كما عمل أيضًا كمراسل ومنتج لمؤسسة الدوحة للأفلام وساعد في إطلاق مهرجان الدوحة ترايبيكا السينمائي، بقيادة الفريق التحريري على الإنترنت. عمل أحمد لاحقًا كمنتج وسائط متعددة في سلسلة بي بي إس الوثائيقية زاوية واسعة، وكمنتج لنيويورك تايمز. ويكيبيديا

عدد الأخبار كل يوم من ولمدة حوالي شهر واحد
من أهم المرتبطين بأحمد شهاب الدين؟
أعلى المصادر التى تكتب عن أحمد شهاب الدين
عن التصوف وعقاقير الهلوسة (٣ ٣) هل تمكننا رؤية الموتى؟ أحمد شهاب الدين ١٩ مارس ٢٠١٨ سرد نيك ساند برافاسي، جالب عقار الـ«إل إس دي» للعالم، تجربته مع الـ«دي إم تي» بينما منديل قماشي مفروش أمامه؛ القماش له بعدان، يتحرك فتصبح له ثلاثة أبعاد، وبشكل مستقل يتحرك في العمق وعلى السطح، للأعلى وللأسفل. هذه التجربة اختبرتها أنا، في طقس التأمل المعروف بـ«الكاراكاتا»، ولكن بعد مرور ما يقارب الستة أشهر من الممارسة المنضبطة شبه اليومية، حيث تنقسم شعلة الشمعة إلى اثنتين، وتتحرك في العمق والسطح، للأعلى والأسفل، ثم تنكشف أمامك هوة عميقة. هل يمكننا، بترباية أسيد و«دي إم تي»، فهم تجربة التصوف؟ ما الذي يعنيه «التوهم» الذي تحدث عنه المحاسبي؛ أن نشعر بدين الحب مع كل شيء ولكل شيء؟ أن نرى أشخاصًا لا وجود حقيقي لهم كما يرى الأولياءُ الأنبياءَ الذين يملونهم نفحاتهم، ويؤثر فينا ذلك؟ يجيب برافاسي، أو نيك ساند، بأنه لا يعتقد بوجود قواعد عامة لمقاربة رحلة الـ«دي إم تي»، على غرار النظام الغذائي مثلًا؛ فلا استعدادات، ولا وضع خاص للجلوس، ولا ضرورة للانتباه، ولا غير ذلك، ولكن «دي إم تي» هي تجربة الـ«ما وراء»؛ ما وراء الفكر والحواس والأدوات البيولوجية، تمهيدًا للتعامل مع العالم الداخلي. عندما ترحل عبر عوالمك الداخلية، تنفصل عن قواعد الفكر وقيم العالم المادي، ويتسبب استخدام تلك الأشياء، كمعايير للحكم على التجربة، في الارتباك. يؤكد برافاسي أن «أدوات الفكر تحليلية وتقسيمية للغاية. عمليات التعبير والتواصل والتحليل والفكر هي كلها أدوات للجاهل». والجهل الذي يقصده برافاسي هنا ينتمي للعالم المادي وليس للمملكة الروحية. ملامح التجربة بلا فكر ولا حواس بحسب رؤية برافاسي، فإن تجربة «دي إم تي» تعني الوحدة والشفاء من الانقسام والنزاع وكل تلك الحالات المرضية التي تأتي بها عملية التقسيم. تقع هذه التجربة في الترتيب الأعلى من الواقع، تتجاوز الفكر، ولكنها تنسج صورًا محملة بالرسائل بحسب الحالة الذهنية أو المدخلات البيئية، وتكمن الخدعة في النظر لنمط النسيج وعدم الوقوف أمام الخيوط والألوان. لذا ينتقد برافاسي أي تفسير للترباية من وجهة نظر «عقلية وغير صوفية»، آملًا في توسيع مفهومنا عن الـ«دي إم تي»، واستخدامها في الرحلة إلى ما وراء المشهد الطبيعي الذي نراه ملائمًا. يضيف برافاسي أن أصعب ما في فهم تجربة «دي إم تي»، هو أن الوعي العالمي يتغير ويتوسع بسرعة كبيرة، وما يرعب أي شخص هو اضطرارنا لتوديع سلطة الفكر والحواس، وهما «عكازا العالم المادي»، ولكنهما يشلّان قدرتنا على الحركة في الما وراء الواسع، إنهما مشتتات للانتباه. هذه الأدوات ينبغي عليها السقوط عندما تدخل محيط اللا وعي، وإلا ستجرك للأرض عندما تحتاج للطفو. ولكن ماذا عن الأشخاص الذين نراهم أثناء الترباية؟ التقيت أنا، كاتب هذا المقال، بـ«هندي أحمر» خارج من كهفه بملامح صارمة، ولم يتحدث إليّ. تبادلنا النظر حتى فقدت وعيي، ورأيتني شجرًا وكواكب ونجوم. غيرتني هذه «الهلوسة». جعلتني أكثر شعورًا بوحدة الكون. يشدد برافاسي على أن التساؤل المهم هو حول كيفية حدوث هذه الخيالات أثناء الترباية، وليس مدى «واقعية» ما نراه فيها، ويتساءل «أليس من المنطقي أن نفحص أولًا التصميم البيئي في المكان الذي حدث فيه ذلك، بدلًا من النظر إلى أصول غريبة لما نراه؟» تفسيرًا لهذا، فوقت مشاهدتي لـ«الهندي الأحمر»، كنتُ أسمع مغنيًا يعود بأصوله إلى السكان الأصليين لأمريكا، ويغني كلمات تحرّض على الحياة. أحوال الترباية ومقاماتها يضرب برافاسي مثلًا برحلة روحية عبر الـ«دي إم تي» «وجدت نفسي أجلس على سجاد فارسي، أستمع إلى تسجيل شاران راني يلعب أغنية ‘الحب راجا’ الهندية على آلة السارود، ومعي شخصان مترِبّان. هناك شموع وبخور. أُعدت الغرفة لكي تكون معبدًا للرحلات الروحية عبر الـ’دي إم تي’، وعندما وصلت إلى فضاء رحلتي الداخلية، امتلأت بمشاعر غامرة من الحب والحنان. نظرت إلى أسفل، فوجئت برؤية جسدي يرتدي سروالًا نسائيًا شفافًا، ولا قميصَ علي، وجسمي أنثوي نحاسي اللون، وكذلك صدري وكل شيء. كان لديّ العديد من الأساور على ذراعي، وأجراس على ساقي. نظرت حولي ووجدتني أرقص مع أغنية راجا المغرية لاثنين يلعبون بالسارود والطبلة. وعندما عدت لوعيي لم آسف على شئ سوى أني شهدت جمالًا أشد روعة مما كنت أتخيل.» يحكي برافاسي أنه عاش لثماني سنوات مع أوشو بعد مغادرة المكسيك، ويضيف «ما يحدث في العقل لا يزال يحيطه غموض كبير بالنسبة لأي شخص. العقل عضو مذهل. والجوهري في كل عقاقير الهلوسة أنها تضعنا على المسار الروحي لإيجاد صِلاتنا واتصالاتنا الفردية مع الله. قادتني مخدرات الهلوسة لمقابلة راجنيش [أوشو] وجون برني وسان فرانسيسكو.» الترباية غير موضوعية ينتقد برافاسي فكرة «التحلي بالموضوعية» لدى معالجة موضوع «روحانية عقاقير الهلوسة»، فبالنسبة له، تتبنى الطريقة الموضوعية في وصف الواقع أفكارًا عقائدية جامدة، صالحة للعقل لدى تعامله مع الواقع. تفيدنا الحجج الفكرية في عالم الحياة العملية للتواصل والبقاء الاجتماعي، أما الرحلة الباطنية للأشخاص، فلا علاقة لها بالواقعية ولا الموضوعية. يقول برافاسي إن أحد أهم وصيتين في المؤسسة الدينية التي أنشأها مع آخرين في ستينيات القرن الماضي، والمسماة «رابطة الكشف الروحي»، كانت أنك «لن تغير وعي شخص آخر بدون رضاه»، بمعنى أن إعطاءك لشخص ما جرعة دون إخباره بالبعد الروحي لها هو خطيئة. «دعونا ننظر إلى تغيير وعي شخص ما بإذنه ومعرفته، عندما يدخل شخص إلى حقل الوعي لاكتشاف الله والوحدة والصحة والإلهام والجمال والحب، أو للعثور عليهم، عندما يلتزم الشخص بالتأمل أو بعمل ما، أو يتعاطى مخدر الهلوسة بطريقة واعية أو هادفة، يكون هذا وعد المرء لنفسه. هذه تجربة شخصية للغاية، وتحدث بين قلب أو عقل الشخص وبين ربه، ولا شخص آخر.» ولكن هل يستطيع المرء الوصول وحده، أم يحتاج إلى معلم؟ يقول برافاسي «ربما تسأل شخصًا ما المساعدة، شخصًا يعرف عن هذه الرحلة أكثر منك. هذا الشخص قام بالرحلة من قبل، يعرف كيف يبحر في طريقه بلا خوف وعثرة. هذا الشخص لا يعرف مَسَارك.» ولكن برافاسي يستدرك قائلًا إن حضور الحب والسكينة، عندما يمر عبر مناطق مجهولة داخلك، يكون مفيدًا لك، وإذا أردت فهي رحلتك أنت وفكرتك وحريتك، وعليك التحلى بالمسؤولية عنها. هذه ليست حالة اجتماعية، حتى لو كنت في حالة من العناق الحميمي، تظل هي رحلتك الداخلية مع الحب، وما الآخر هو سوى مرآة أو صديق أو رفيق أو مساعد. الترباية ضد الرسوم وأهل الظاهر ينتقد برافاسي بشدة التجارب المعملية لعقاقير الهلوسة المستمدة من الفطر، على غرار الـ«دي إم تي» والـ«إل إس دي»، فهو يرى أنه عندما يجهّز أحدهم «أجندة وبرنامجًا له فكرة مسبقة، فهو يفرض نوعًا من الرحلة العقلانية في تجربة الهلوسة، حيث البيئة التي جرت تهيئتها في النهاية يجب أن تتفق مع اللوائح والقواعد النفسية والطبية وحتى الحكومية. وحتى لو أدار شخص برنامجًا يريد عبره توضيح كيف أن استخدام هذه المواد مساعد ومفيد، فالحقيقة أن البرنامج، مهما كان، يتحكم بطريقة يتداخل فيها مع طبيعة التجربة، وبعض هذه البرامج في البيئة العيادية قد تنتج نتائج هامة، ولكنها في النهاية لن تلمس إلا جزءًا ضئيلًا من الحقيقة، ممّا هو ممكن، حيث الجزئي لا يخضع للكلي.» ويوضح أكثر «ميدان البحث الروحي العميق والكلي لا يكشف لك نفسه من الوهلة الأولى. السلطة لا تعطي أوامر للرب. السلطة بناء نفعي مؤقت محدود ومنظم، عندما تستخدمها تنتهي منها.» أما من الزاوية العلمية، فيشرح برافاسي أن هناك مفهومًا فيزيائيًا غالبًا ما يحال إلى مبدأ «انعدام اليقين»، ويعني أن فعل الملاحظة نفسه يغير من طبيعة الشيء المُلاحَظ، كما في دراسة الجزيئات فائقة الصغر، وفي حياتنا الاجتماعية يحدث هذا طوال الوقت. لذا، يختلف تأثير الـ«دي إم تي» باختلاف الشخص «الملاحِظ»؛ حسب ما إذا كنت مع صديقتك تقضيان عطلة نهاية الأسبوع، أو في ملهى ليلي، أو في مكان طبيعي، أو في معبد، أو، وكما ينتقد برافاسي كثيرًا، «في معمل لاختبار تأثيرات تلك العقاقير»، حيث تظهر بعض النتائج السلبية. ويظل أكثر الأهداف شيوعًا من وراء استخدام تلك العقاقير هو السعي للحصول على الحب والجمال والبهجة والنشوة والوحدة والتكامل، أي البحث عن كمالنا الداخلي الجوهري. إذا استُخدمت هذه المواد بتلك الطريقة، فهي تستخدم لأفضل شيء فيها، ويجب ألا ننسى أن تلك المواد بريئة مهما كان حجم انتشار التشوهات، فنحن من نتفاعل معها ونعزو إليها تلك الصفات. «التوهم» في الترباية ويتبنى برافاسي مقاربة مختلفة للكائنات الروحانية التي نراها أثناء الترباية، فيما يمكننا تبنيه لتفسير رؤى الصوفيين، في أحوالهم ومقاماتهم، للموتى والأنبياء. يقول برافاسي «دعونا نقارب الموضوع من جانب مهمل. ما الذي يحدث عندما نتعاطى الـ’دي إم تي’ ونصل لحد رؤية الكائنات الخرافية؟ ربما نصل إلى روح الحياة العظيمة المطلقة، ونحن نتفهم هذه التماثلات الرمزية والمتحركة. ربما، وبطريقة حدسية، نفهم شفرة الحياة الكونية، جزيء الحمض النووي، وهناك التريليونات منها في أنحاء الجسم. ربما تكون تلك الكائنات الخرافية هي مجموعات فرعية صغيرة من المعلومات التي نصل إليها، وتبيّن كيف تمكن إعادة توحيد أجزاء من برنامجنا؛ إنها قادمة من مكان ما، فلماذا لا ننظر للأقرب بدلًا من الأبعد؟ يبدو أن بحث الإنسان عن المعرفة بدأ من النجوم مع اليونانيين، وببطء أخذ يعمل بطريقة أقرب وأكثر داخلية، حتى نظرنا أخيرًا إلى الهندسة الوراثية التي تعتبر أساس الحياة. يبدو أن جزيء الحمض النووي، هو أصل روحانيتنا.» يعتمد هذا الجزء من المقال على مقال «الحركة في العالم المقدس للدي إم تي» والمنشور في موقع «سايكدليك فرونتير»، وكتبه نيك ساند برافاسي يمكنك قراءة المقال على موقعنا من خلال الرابط التالي
تدوينة عن الثورة والإنترنت وما فعلاه بجيلنا أحمد شهاب الدين ٢١ سبتمبر ٢٠١٧ «اتخرجنا من الجامعة، ودخلنا سوق العمل، حصلت ثورة ٢٠١١، بدأنا نقطع شوط في شغلنا، حصلت ثورة ٢٠١٣، وأول ما فكرنا في الجواز جا قرار التعويم، احنا جيل منحوس.» هكذا رأى صديق صحفي يبلغ ٢٨ عامًا مشوار جيله في الحياة العملية، في ما لا يختلف كثيرًا عن المسار الاجتماعي والنفسي. ربما لم يتعرض جيل سابق لمؤثرات دراماتيكية متناقضة ومتعاقبة مثلما تعرض هذا الجيل، من الإسلام السياسي والتشدد الوهابي القادم من جزيرة العرب، إلى التحرر والإباحية القادمين من شبكات الإنترنت، زلزال يناير ٢٠١١، اضطرابات وأحلام احتجاجات السنوات التي أعقبتها، تلك التي حفرت في نفسي الأثر الأعمق.. ألا تتفق معي يا علي؟ طرحت السؤال على صديق صحفي يبلغ ٢٧ عامًا ويعمل في صحيفة موالية للنظام، وعلى قدر كراهيته للنظام السياسي الحالي كان التزامه في عمله لاحتياجه للمرتب الذي يكاد يكفي احتياجاته، وذلك بعد حملة شرسة للنظام على كثير من منافذ الإعلام المستقل والمعارض. يذكّرني موقف علي بشخصية إليوت في مسلسل «مستر روبوت»، وكان يعمل مهندسًا للأمن الرقمي نهارًا في شركة «إي كورب»، المسيطرة على تفكير الناس وكأنها صورة لـ«الأخ الأكبر»، وفي الليل يعمل قرصانًا رقميًا ضد الشركة ذاتها، كما يتزعم حركة راديكالية ضد النظام المالي الأمريكي باسم «فَك سوسايتي»، في فصام يجسد أزمة جيل يتمرد على عالم، ساهم هو نفسه في صناعته مضطرًا لضيق خياراته، أو لإشباع طموحه ومتطلبات حياته. ولكن بعيدًا عن الازدواجية، فعلي يعتبر نفسه من «المحظوظين الناجين» بين أبناء جيله، فزملاء الجامعة يعملون إما في مصانع أو في مهن متواضعة، والمحظوظ منهم سافر الخليج، في جهاد مرير لإنشاء حياة عائلية لائقة. عصر الإنترنت انطلقنا لسوق العمل في أواخر العقد المنصرم، ووقتها برزت ظاهرة المدونات، وتابع كثيرون منا مدونات مثل «الوعي المصري» لوائل عباس، التي كانت جريئة في نقدها لشخصيات مهمة في نظام مبارك، كما كانت تجسيدًا للفضاء الذي أتاحته الشبكة العنكبوتية. لن تعرف الأجيال القادمة ماذا يعني اختبار المرء لشبكة الإنترنت للمرة الأولى؛ الهزة المفاجئة عندما يتصفح الشاب «جوجل» للبحث عن أي شيء، غير مصدق أن بإمكانه العثور على ما يريد، الأغاني التي يحبها، الكتب التي يعشق قراءتها، حتى المواقع الجنسية؛ تخيل ما تشاء، ابحث عنه جيدًا، وستشاهده. كان بعض الأهالي يحاولون جاهدين حبسنا داخل المنزل، بعيدًا عن الشارع سيء السمعة، وكانت هناك دائرة لا تنتهي من محاولات الفرار من البيت، ثم ما يتبعها من العقاب. ولكن الأمر اختلف بعد ظهور الحاسوب الشخصي والإنترنت، حيث باتت الجلسة في المنزل تعني أشياء كثيرة؛ التحدث إلى أجنبيات، لعب الفيفا، مشاهدة الأفلام الجنسية، قراءة الكتب، الاطمئنان على الأصدقاء، تعلم مهارة كتابية أو لغوية، كل ذلك وأنت جالس في مكانك. من هذه الحالة خرجت تجربة المدونين الأوائل. المدونات في نظام مبارك في هذا الوقت، كان النظام يسخر من المدونين الأوائل، بوصفهم محبوسين في العالم الافتراضي، ولا يفقهون في السياسة المرتبطة بـ«الواقع» شيئًا. يقول وائل عباس «متحفظ على ما قلته من أننا أسرى العالم الافتراضي، لأن في الواقع وفي الحقيقة، تجربة التدوين المصرية تحديدًا بتتميز عن باقي تجارب التدوين في العالم، في إيران أو في السعودية أو في الدول الأخرى، فإن المدونين كان لهم، زي ما أحد المدونين أصدقائي قال، ‘رِجل على الإنترنت ورِجل تانية في الشارع’». «رجل على الانترنت ورجل ثانية في الشارع»، عبارة تصلح لوصف علاقة جيلنا بالتكنولوجيا، فهو لم يبن من التكنولوجيا سجنًا يحبسه، قدر ما جعل منها منطلقًا لتحقيق ما يريد في الواقع. عن طريق الإنترنت عرفنا الكثير من العلاقات والصداقات التي كانت مستحيلة من دونه، وكثرت الصداقات العادية القادمة من التكنولوجيا. وطرح جيلنا تساؤلاته عن هذا الشكل من التعارف هل يمكن للفرد الزواج بفتاة عرفها من مواقع الدردشة، هل يثق فيها، هل تتحدث مع العشرات من الشباب غيره؟ وهي التساؤلات ذاتها التي حملتها الفتيات، اللاتي رأين في هذه المواقع مساحات للتعارف مع الشباب وتحسين فرص الزواج. كل هذا مصحوبًا بانعدام اليقين الذي لازم تلك الطريقة من التعارف. مع هذا، لم نتكيف تمامًا مع التكنولوجيا، فقد فصلتنا بعض الشيء عن نظرة آبائنا إلى الحياة، التي نراها مغلقة تمامًا، ولكنها في الوقت نفسه، لم تجعلنا متمردين جذريًا على تلك الحياة. أبعدنا الإنترنت عن جيل آبائنا بعشرات الأعوام، مقارنة بالفارق بين جيلهم وجيل الأجداد، ولكنه في نفس الوقت لم يطبعنا بطبعه، لم يترك بصمة كافية على عقولنا لتجعلنا أقدر على قطع صلتنا بمن قبلنا. المشهد المبهر جاءت ثورة ٢٥ يناير، لتتورط شرائح من جيلنا فيها، رافعين شعارات إنسانية. أبهرنا المشهد؛ حشود لا تنادي بحكم الإسلام، ولكن بالحرية والعدالة الاجتماعية. تحولت الـ١٨ يومًا من تجمع سياسي مطالب بإسقاط النظام إلى حالة اجتماعية وفردية. لم يُلاحَظ وجود حالات من التحرش الجنسي في الميدان. لا تزال مطبوعة بذاكرتي صورة الميدان وهو مقسم في الفجر بين من يؤدون الصلاة جماعة، وبين شباب وفتيات يردّدون الأغاني الوطنية ويرقصون عليها. هربت فتيات من منازل أسرهن للالتحاق بالثورة، وواصل بعضهن هذه المسيرة من «التمرد» لتعملن في المجال الحقوقي والصحفي. تحمس علي صديقي للثورة كثيرًا، كما حكى لي وكما رأيت أنا أيضًا حينها، وامتن لاختياراته التي قادته للقاهرة، ليشارك في هذا الكرنفال الاحتجاجي، وارتفع سقف طموحاته لحياته الشخصية ولبلاده، فانضم لحركات شبابية عدة، وأخذ يخطط لإنشاء مركز لحقوق إنسان، ولكن في النهاية لا شيء؛ بدت الحركات السياسية غير قادرة على استيعاب هذا التدفق الجماهيري إليها، وتوظيفه لتحويل الحراك الثوري العفوي إلى نشاط سياسي منظم، وفي نفس الوقت، فإن معظم علاقات الحب التي شهدتها انتهت هكذا، كأن الطرفين كانا موقنين أن الأمور لن تستمر. العديد من الأصدقاء القادمون من الريف حيث الإحساس البسيط والواضح بالحياة والبشر، كانت الثورة بالنسبة لهم كل شيء؛ الصداقات والجنس والعمل والحلم والعائلة. أخذت صدمة الإحساس بالواقع المعقد منهم وقتًا طويلًا؛ في البداية شعروا بنفور كبير لعدم وجود الحالة المثالية التي حلموا بها في المدينة، ثم بدأوا يفقدون إيمانهم بالبشر وقرروا أن يكونوا عمليين وأكثر اهتمامًا بحياتهم المباشرة، وقد تستمر تلك الحالة معهم مدى الحياة. يضاف لهذا عنصر مهم وسائل التواصل الاجتماعي. يكشف تحليل نشرته صحيفة «واشنطن بوست» لبيانات وسائل التواصل الاجتماعي، في فترة «الحراك الثوري» بعد سقوط مبارك، عن إسهامها في نشر الاستقطاب، بطريقة قوّضت الانتقال الديمقراطي. استنتج التقرير أن مشاركة الناس على وسائل التواصل استدعت ردود الأفعال الأكثر تطرفًا، وحرّضت الناس على الانقسام لمجموعات متشابهة ومنغلقة، كما غذت في الوقت ذاته خوف كل مجموعة من الآخرى. الحرب على الإرهاب بعد عام ٢٠١٣ خفتت حالة ميدان التحرير، وكأنها الثورة التي لم تكن، بتعبير مجلة «تايم». زادت موجة محاربة الإرهاب التي سدّت الأفق السياسي. بدأت أنا وعلي، مع الكثير من أصدقائنا، نغرق في مشاكلنا الخاصة، كما عانى شباب كثيرون في الميادين من مشاكل نفسية عديدة، بسبب حجم الدم والقتل الذي اختبروه. شخصيًا، عانيت من اكتئاب حاد استمر ثلاثة أعوام بسبب مقتل شخص بجواري بساطور في أحداث العباسية، كنت أعتقد أنه قُتل بالنيابة عني، وأني أنا المقصود، وأصبحت أشاهد الناس في كوابيس متكررة يجرون خلفي بالسواطير. لي أصدقاء كثر لكل منهم حكايته الخاصة في الاكتئاب، البعض غرق في موجة من التصرفات العبثية، كإدمان المخدرات والإباحية، وكثير من زملائي وأصدقائي من ذوي التوجه الفني حوّلوا الاكتئاب إلى حالات مسرحية أو روائية أو شعرية، واتخذوه منطلقًا لرؤية حياة سوداوية بلا أمل. آخرون بدأوا في التردد على عيادات الطب النفسي، والبعض رغبوا في العمل بأعمال مجهدة تستنزف قدرتهم على التفكير في أمور العمل والحياة، والبعض سافر إلى الخليج أو أوروبا. منذ ٢٠١١ حتى ٢٠١٤ أنشأ بعض الشباب كافيهات في وسط البلد تحوي غرف سينما ومقاهي ثقافية، استطاعت جذب الشخصيات المتشابهة من «الثوريين» ذوي الفكر المنفتح، وكذلك استطاعت فعاليات مثل«الفن ميدان» لمَّ شمل تلك القطاعات المشاركة في ثورة يناير، ولكن السلطات أبت إلا أن تغلق الكافيهات، ووقف فعاليات «الفن ميدان»، وتكثفت الحملات الأمنية على سكان الشقق المفروشة في وسط البلد، ليقف كل منا أمام مشاكله المباشرة، منعزلًا بأوجاعه، مع ذكريات مبهجة ومؤلمة من السنوات الثلاث. ثورة صامتة والآن، ماذا حدث للجيل الذي تربى على «كابتن ماجد» وسلاسل مثل «رجل المستحيل» و«ما وراء الطبيعة»، وشهد بدايات انطلاق الأقمار الصناعية وإنترنت الهاتف والمدونات والفيس بوك وتذوق العالم الرقمي بما فيه من انفتاح غير محدود على ثقافات وتجارب تأملية، وإباحية، والذي هتف وسط الغاز وأمام عربات الأمن المركزي «الشعب يريد إسقاط النظام». صديق لي، مخرج أفلام تسجيلية يبلغ ٣٣ عامًا، ترك مهنة المحاماة منذ عامين، في خطوة فكّر فيها منذ ٢٠١١، حين سأم العمل الذي يتربح منه ومال إلى امتهان ما يحبه، يقول «الناس باتت أكثر جرأة، من يصدق أن الإخوان يجلسون الآن على المقاهي يدخنون الشيشة، ويستمعون إلى الناس بأدب وهم يتندرون على الله والتابوهات!؟ من يصدق أننا لم نعد نقول كلمة ‘زنا’، وإنما ‘جنس ‘و’طلعة’ و’وحايد؟» صديقي المخرج الذي يعيش في قرية من قرى الجيزة وسط عائلة محافظة يرى تلك الظواهر علامات تحلل اجتماعي ليس إلا. يشير تقرير نشرته «فورين بوليسي» إلى «ثورة صامتة» تندلع في مصر، حيث التيار المعاكس للتشدد الديني بات واضحًا؛ سيارات التاكسي لم تعد تشغل القرآن، والفتيات يخلعن الحجاب، وجيل الثورة لا يحضر الصلاة إلا قليلًا، والجيل الأصغر سنًا لم يعد يحترم المشايخ، «وآخرون يذهبون إلى أبعد من ذلك حيث يغازلون الإلحاد». حكايات أميرة ودنيا ومروة في «فورين بوليسي» نجدها بين إخوتنا وأقاربنا وأصدقائنا؛ التمسك بارتداء الحجاب في سن صغيرة جدًا، وخلعه بعد حوالي العشر سنوات، في الوقت الذي يميل الوالدان فيه للتدين والمحافظة. في التقرير، تقول دنيا، التي تبلغ ٣٥ عامًا، واصفة شعورها عندما خلعت الحجاب «أمكنني الشعور بمرور الماء على جسدي... هذا ثاني أفضل شعور بالحرية أحسه بعد سقوط مبارك». هل انتهت الثورة؟ كتاب «المدينة دائما تربح» للصحفي والمخرج عمر روبرت هاملتون، يسلّط الضوء على الحياة المتداخلة للنشطاء، وعبر قصة حب فاشلة لمريم وخالد، فهو يرى أن اللحظة التي نعيشها لا يمكن قياس نجاحها أو فشلها بدقة، لذا اتجه إلى مجال الرواية، فالتركيز على أحداث منفصلة يمنح الرواية الكاتب حرية النظر إلى دواخل من شكلوا أحداث يناير، وهو لا يطرح تساؤلًا حول نجاح الثورة أو فشلها، ولكن هل يمكن تصور أن الثورة لا تزال حية؟ مريم وخليل، بطلا هذا الكتاب، من نشطاء التحرير، كافحا لجعل الثورة حية، ولجعل حبهما مستمرًا، ولكن ماذا حدث؟ انتهت القصة هكذا، بلا نهايات مأساوية، بلا دموع أو صراخ، كأنهما كانا يعرفان أن نهاية علاقتهما حتمية؛ انتهى الحب واستمرت صداقتهما. إذن هل انتهت الثورة؟ بحسب هاملتون فإن تجربة الثورة لا تتعلق بالحلم بنظام مثالي، تتحقق فيه الحرية والعدالة، ولكن بشعور من شكلوها بالضرورة الملحة لفعل شيء ما. ثورة يناير هي «الخبرة المعاشة لتلك الضرورة». أما علي فيرى أن «هناك أشياء تحدث بفضل يناير، مثلًا بدأ الشباب يربطون بين تحكمات الأسرة وقمع الدولة، بين سلطة الكنيسة أو الجامع وسلطة الدولة. الثورة لا تزال موجودة اجتماعيًا بين الشباب. الثورة فتّحت مداركهم كثيرًا.»
قارن أحمد شهاب الدين مع:
ما هي الدول التي تتحدث صحافتها عن أحمد شهاب الدين؟
شارك صفحة أحمد شهاب الدين على