رحيل عطا عبد الوهاب صاحب سلالة الطين وآخر عشاق فرجينيا وولف

أكثر من ٥ سنوات فى المدى

متابعة: المدى
يعد عطا عبد الوهاب أحد أبرز المترجمين الذين استهوتهم الرواية الحديثة وخصوصاً أعمال فرجينيا وولف التي قدم العديد منها كان من أبرزها السيدة دالاواي وفلاش والامواج ، وسيرة حياة ، كما ترجم رواية فوكنر نور في آب وعيد متنقل لهمنغواي وكتاب حنا ارندت " في الثورة " واصدر عدداً من المؤلفات ابرزها سلالة الطين وهي سيرة ذاتية ، وصورة قلمية للأمير عبد الإله ، وديوان شعر بعنوان أعوام الرماد 1972-1982 قال عنه : "كتبت قصائد هذه المجموعة في السجن، ومع أن الشاعر قد غادر السجن الذي كتب فيه، إلا أن قصائده استمرت سجينة بعده كل هذا الزمن. ولذا فإن أبرز ما يميزها انشغالها العميق بالحرية وتوقها للانعتاق. إنها نصوص نوستالجية تفتح نفسها على الماضي وعلى الطفولة مثلما تفتح نفسها على الحلم".ويعد عطا عبد الوهاب من الدبلوماسيين المخضرمين ، فقد خدم في سلك الخارجية منذ العهد الملكي في الخمسينات والعهود الجمهورية التالية، وبعد تغيير النظام عام 2003 عين سفيراً للعراق في الأردن، قبل أن يتقاعد من رحلة طويلة في الوظيفة الحكومية زادت على الستين عاما .ولد الكاتب والمحامي، السفير ، المترجم، الشاعر عطا عبد الوهاب في بغداد عام 1924، تخرج من كلية الحقوق في بغداد عام 1944، زاول العمل في القضاء أولاً ثم انتقل الى وزارة الخارجية عام 1950. وأصبح عضواً في مكتب العراق الدائم في الأمم المتحدة في نيويورك. كما مثل العراق في لجان الجمعية العامة لا سيما في اللجنة القانونية.انتقل عطا عبد الوهاب في عام 1955 الى السفارة العراقية في بيروت بدرجة سكرتير أول، ومن ثم جرى نقله الى الديوان الملكي في بغداد بمنصب السكرتير الخاص للملك فيصل الثاني والأمير عبد الاله.بعد ثورة 14 تموز 1958 بقي عبد الوهاب في بغداد ومارس مهنته الأساسية وهي المحاماة. لكنه اضطر إلى مغادرة العراق الى لندن بعد سيطرة البعثيين على السلطة في عام 1968 وإلقاء القبض على أخيه الوزير في العهد الملكي بتهمة العمالة للغرب.وفي زيارة عمل الى الكويت اختطفته المخابرات العراقية من الفندق الذي يقيم فيه. وأقتيد في عملية بوليسية مثيرة (يورد تفاصيها في مذكراته سلالة الطين) الى بغداد ليدخل قصر النهاية، السجن الرهيب في قسوة ما يلاقيه نزلاؤه من السياسيين والمعارضين و"الأعداء"، من تعذيب وحشي ومحاكمات شكلية تودي بالكثير منهم الى الإعدام أو السجن لفترات طويلة.جرى تعذيبه هناك بقسوة وصدر عليه الحكم بالإعدام، بقي ينتظر التنفيذ في زنزانته لخمس سنوات. ثم خفف عنه الحكم الى السجن المؤبد، أطلق سراحه بعد ثلاث عشرة سنة. خلال فترة اعتقاله الأولى نفذوا حكم الإعدام بشقيقه، الوزير السابق زكي عبد الوهاب.سلالة الطين'' سيرة مأساة ذاتية عاشها المؤلف العراقي عطا عبدالوهاب في إحدى مراحل حياته المتعددة، فبعد تخرجه في كلية الحقوق في بغداد، في أربعينيات القرن الماضي عمل قاضياً في سلك القضاء، ثم انتقل إلى السلك الدبلوماسي فعمل في المكتب الدائم للأمم المتحدة في نيويورك، ثم انتقل في ربيع 1957 إلى الديوان الملكي في بغداد للعمل سكرتيراً خاصاً للملك فيصل الثاني وللأمير عبد الإله، وقد ظل هناك حتى يوم 15 تموز 1958 حين تغير نظام الحكم، فجرى فصله من الخدمة الخارجية·وكتاب سلالة الطين ينقسم إلى ثلاثة أقسام، القسم الأول كُتب في زنزانة الإعدام عام 1973 عن الطفولة والصبا والشباب، أما القسم الثاني فقد كتبه عن التعذيب الذي تعرض له في الزنازين بتهمة وجهت إليه وإلى شقيقه زكي وهي أنهما من الجواسيس، حيث كانت تهمة المخابرات له هي بما أنه عمل سكرتيراً خاصاً للملك فيصل الثاني وللأمير عبد الإله في 1957 إلى ،1958 وبما إنهما جاسوسان فلا بد أنهما جنداه لحساب المخابرات البريطانية، وهكذا كما يقول المؤلف قمت أنا بزعمهم بتجنيد أخي زكي الذي لجأ بعد التعذيب الشنيع إلى الكذب على نفسه لكي يضع حداً لعذابه المهين، و إن كان ثمن الخلاص هذا هو الموت شنقاً وهذا ما حدث، وأردف الكاتب قائلاً: إن الشق الآخر من التهمة هو أنني بعد ذلك عملت مع لطفي العبيدي في قطاع التأمين في الستينيات، وبما أن هذا جاسوس أيضاً فلا بد أنه جندني لحساب المخابرات الأميركية هذه المرة، فقمت بدوري بتجنيد أخي فصرنا نعمل لحساب المخابرات معاً·أما القسم الثالث من الكتاب فيضم تسع حلقات كتبت في بغداد ''، وثمة ملاحق أخرى وهي شهادات كتبها بعض الكتّاب بحق زكي عبد الوهاب·يتحدث الراحل عطا عبد الوهاب في سلالة الطين عن بداية المحنة والمأساة الكبيرة حين ذهب إلى الكويت لتأسيس شركة للتأمين، حيث اختطف من فندق هيلتون على يد مجموعة من المخابرات العراقية الذين كمموا فمه وأشهروا بوجهه المسدسات ودسوا في جيبه قنبلة يدوية وشمموه مخدراً وقادوه إلى سيارة خارجية كما يقاد الأعمى، حيث اخترقت السيارة الظلام حتى وصلوا إلى صفوان والحدود العراقية·· وفي الصباح كانوا في قصر النهاية الذي كان يعرف بقصر الرحاب العائد إلى الأمير عبد الإله ويساكنه فيه الملك فيصل، حيث كان يؤمه الكاتب قبل عشر سنوات صديقاً وهو اليوم يدخله مخطوفاً في ليلة الإسراء و ذكر أنهم جاءوه بقلم و أوراق بيضاء وطلبوا منه أن يجيب عن سؤال واحد هو: متى وكيف جندوك لوكالة الاستخبارات الأميركية؟·كان يترأس المحكمة العقيد وتوت· أوقفت في منصة الشهود ومن أمامي يقف زكي وحين سألني وتوت أن أدلي بشهادتي قلت بهدوء وحزم: هذا الذي يقف أمامكم أخي وهو قدوتي في الحياة، و إنه بريء وكل ما أفاد به غير صحيح، تردد وتوت لحظة، و بعد من أن أفاق بما يشبه الصدمة من جوابي أخذ يصرخ بي قائلاً: بريء ؟'' مع شتائم كثيرة''· وأنت ؟ قلت: بريء أيضاً فاشتدت الشتائم· قال: وهذا الذي قلته في التحقيق؟ قلت: أي تحقيق؟ لم يجر معي تحقيق، وإن كنت قلت شيئاً ففي غيبوبتي، عندئذ طردني شر طردة· ويتحدث المؤلف عن إعدام أخيه زكي الذي يهديه هذا الكتاب فيقول منذ أن استل زكي من نومه فجراً حتى استعادته جثة، لم يره أحد من أهله زهاء ثمانية أشهر ونيف· في تلك الليلة المطيرة كانت أسلاك الهاتف قد انقطعت، ولم يصل السجان إلى بيت زكي ليدعو أهله إلى زيارة الوداع الأخير إلا بعد فوات الأوان· كان حبلهم قد فتك بعنقه، حتى وصيته ظلت معه تنتظر معه فحملها رسول إلى بيته··· وصيته التي يطلب فيها بيع داره الوحيدة لتسديد ديونه، وحين حمل إلى قبره الذي هيأه بنفسه إلى جانب زوجته لم يسر في جنازته إلا الصديق محمد زينل وأحد الأقرباء وأحد الجيران فكانت تلك هي جنازة الخوف التي اختتم بها القدر حياة قل أن يجود بمثلها القدر نفسه·

ذكر فى هذا الخبر
شارك الخبر على