باليت المدى حمالات الصبر!

أكثر من ٥ سنوات فى المدى

 ستار كاووش
ثارت حفيظة البعض وإنبروا دفاعاً عن إحتشام الشارع العراقي، بعد أن عرضت بعض المحال التجارية، ملابس نسائية بغية جلب إنتباه المشترين. إعترضوا بشدة، وطالبوا بوقف ما وصفوه بالجريمة الأخلاقية، متخيلين أن هذه الملابس هي سبب إنحدار البلد نحو الخراب، وهي التي أبعدت الناس عن الحياء وقادتهم نحو جادة الضلال والرذيلة، فبعرض هذه الملابس قد باع الناس أنفسهم للشيطان، وانقادوا صوب دروب الفسق، وعاثوا بالقيم والتقاليد فساداً وفجوراً. نعم ياسادة هذا ماحصل في بلادنا السعيدة. فكيف يجرؤ أصحاب بعض المحلات المارقون ويحيدون عن التهذيب والورع، وهم يعرضون غير مبالين بعض الثياب النسائية في واجهات محالهم لكسب الزبائن بإسلوب غير شرعي، وطريقة غير لائقة تواطؤوا فيها مع الشيطان. أكاد أن أسمعكم أيها الاصدقاء في هذه اللحظة وأنتم تكررون كلمة شيطان، نعم أيها الأعزاء هو ذات الشيطان الذي أمسك بأَيدي مجموعة من الرعاع ليجعلهم يتحكمون بمقدرات البلد، وهو نفس الشيطان الذي اختبأ فيما بعد في مكان بعيد، قلقاً يلعق أصابع الندم، بعد أن عجز عن مجاراة تلاميذه النجباء. إنتصبت الغيرة عند هؤلاء بعد أن بان لهم المستور وتجرأ أصحاب بعض المتاجر وهم يكشفون الملابس النسائية في وجوه المارة، خارجين عن الملة نحو التيهان في دروب الخناس الرجيم! يعرضون ملابس النساء وحمالات الصدر هكذا مرة واحدة، لغواية الناس، بلا وازع ضمير، خارجين عن جادة الصواب، من أجل ربح حفنة من الدنانير!! فهل هناك كوميديا سوداء أكثر عتمة من هذا؟ أكاد لا أصدق تكرار حدوث مثل هذه التفاصيل في بلدنا الذي إخترع الفنون والكتابة وصناعة الخمر والأعياد، وتفنن في نسج الأزياء وصناعة الحلي والآلات الموسيقية، وظفر الشعر بطرق تظهر جمال انساننا العراقي قبل سبعة آلاف سنة!! فما بال البلاد تنحدر من سيئ الى أسوأ، ولمَ أصبحت الاشياء الجميلة هي الذكريات فقط؟ لِمَ ينشغل عوران البلد بالعورات دون غيرها ويسحقون جمال البلد والناس. حَمَّلوا البلد كل المشاكل والعاهات ويمنعون حمالات الصدر، سرقوا البلاد والعباد ولم يرجف لهم جفن، لكن ملابس نسائية في بعض الدكاكين ترتعد لها كل فرائصهم الذكورية. نعم، فالصدور قد خلقت لِلَّطمِ وليس للتزيين ياعباد الله الصالحين، ومباح أن ينز الدم من الاجساد أثناء التطبير، في حين تُمْنَعُ قطعة قماش تُعين الجسد وتغطيه، ويُحَرَّمُ عرضها في هذا البلد الآمن. الحمد لله إن كل مشاكل البلد قد حُلَّتْ، ويعيش الناس في رغد وسلام وطمأنينة، لا فقر ولا عوز ولا تظليل في وقت الظهيرة، كل شيء هادئ في الميدان الغربي كما قال أخونا ريمارك، ولم يبق سوى مسألة صغيرة عابرة تحتاج الى تشريع سريع، بعدها سيستقيم أمر البلد، وتسير اموره الـى الامام بكل تؤدة وطمأنينة، نعم انها الملابس النسائية أيها الناس، والتي تجرأ البعض ووضعها بكل عنجهية ووقاحة وعدم ضمير في فترينات المحال التجارية، غير مبالين بوضع البلاد الحرج في محاربة الرذيلة والفساد. كنت أنوي اليوم الكتابة عن معرض جياكوميتي الذي زرته البارحة، لكن ليعذرني صانع (الأصنام) العارية هذا، لأن ملابس النساء قد إحتلت الفترينات في البلد، وهي تهدد سلامة ذوق وعفة الناس. ما العمل إذن؟ كما تساءل عمنا لينين. فربما الحل الوحيد يكمن في إلغاء الملابس الجديدة للنساء، فلا أعياد ولا عاداة (دخيلة) تخدش ثقافتنا وتقاليدنا العريقة، ويكفينا السواد الذي عمَّ أرض السواد. ولتجلس النساء في البيوت وتستعمل ملابسها القديمة ولا داعي للتبرج بعد الآن، لأن الذين يغلقون منافذ الحياة بخرافاتهم ليسوا بحاجة الى غواياتكن يانساءنا الطيبات، مادامت هناك حوريات ينتظرن هؤلاء على أحر من الجمر في المستقبل القريب. فلا تبحثن عن حمالات للصدر، بل عن حمالات للصبر الذي لم يبق منه الكثير في هذا البلد.

ذكر فى هذا الخبر
شارك الخبر على