الاستحقاق الانتخابي والمحاصصة

أكثر من ٥ سنوات فى المدى

 د. علي كاظم الرفيعي *
(المحاصصة) هذه المفردة التي اتسمت بها العملية السياسية بعد عام 2003 ، والتي اتضح أن معناها وأهدافها سيئة وقبيحة شكلاً ومضموناً ، فهي سيئة مهما حاول رموزها ودعاتها تحسين صورتها ، بأضفاء ( مواد تجميل ) لصورتها القبيحة وبأعطائها مسميات أخرى (التوافق ) أو (التوازن) ، وأخيراً وليس أخراً مسمى ليس بجديد هو ( الاستحقاق الانتخابي ) الذي يطرح على الساحة السياسية ، حيث نشهد هذه الأيام ضغوطات داخلية وإقليمية بمناسبة تشكيل الحكومة الجديدة عبر توزيع الوزارات وبعدها الهيئات المستقلة والمواقع القيادية الاخرى في الدولة على حصص للكتل الفائزة التي حازت على أغلب مقاعد في مجلس النواب ، والهدف من ذلك كما هو واضح لكل العراقيين حتى البسيط منهم الحصول على مغانم مالية وما الأحاديث التي يتناولها المواطنون ووسائل الإعلام عن بيع الوزارات والمناصب القيادية الاخرى في أجهزة الدولة إلا مؤشر واضح عن فساد المحاصصة وأبطالها.
استمع العراقيون لخطب وتصريحات عدد من قادة أحزاب السلطة خلال فترة الدعاية الانتخابية أعلنوا فيها أن البلد لن يتقدم اذا استمر العمل بنهج المحاصصة على حساب الكفاءة والمهنة والنزاهة واعترف أحد زعماء هذه الأحزاب بخطئهم وفشلهم وإنهم لم يقدموا شيئاً ملموساً لأبناء الشعب طيلة السنوات المنصرمة ، إلا أن هذا الاعتراف لم يتبلور الى موقف رافض لنهج المحاصصة بل على العكس من ذلك رأينا إصراراً من قبلهم على التمسك بها خلال تقديم اسماء المرشحين للوزارات وبالأخص الأمنية منها ، وهو ما أدى الى تأخير استكمال الحكومة،أما كون المحاصصة سيئة من حيث مضمونها فيتضح ذلك في أمور كثيرة . في مقدمتها إنها تخالف المنطق وأسس العدالة ، المنطق يستلزم أن تكون الخطوات والقرارات السياسية منسجمة مع العقل السليم وفي المحاصصة خروج واضح ومتعمد على ذلك ، كما إنها تخالف قواعد العدالة لأنها تقوم على التمييز وعدم في المساواة في الحقوق والواجبات وإتاحة الفرص أمام جميع المواطنين وهو ما اقتضته الشرائع السماوية ونصت عليه الوثائق والقرارات والدولية والدساتير الوطنية ومنها دستور العراق 2005 الذي نص في أول مادة له في الباب الثاني منه ( م/ 14) على إن العراقيين متساوون أمام القانون دون تمييز بسبب الجنس أو العرق أو القومية أو الأصل أو اللون أو الدين أو المذهب أو المعتقد أو الرأي أو الوضع الاقتصادي أو الاجتماعي . لقد كانت التجربة مريرة في هذا الشأن فقد كشف الواقع خروجاً متعمداً على مبدأ المساواة أمام القانون من قبل أحزاب السلطة التي تتمسك بنهج المحاصصة حتى يومنا هذا ، إذ تم تعطيل قانون مجلس الخدمة الاتحادي الذي شرع عام 2009 ولم يتم تشكيل إدارة هذا المجلس ليتسنى لوزراء ووكلاء الوزارات ورؤساء الهيئات المستقلة والمدراء العامون الذين تبوءوا مواقعهم بالمحاصصة والذين لديهم صلاحيات التعيين من تضخيم جهاز الدولة بموظفين على اعتبارات عائلية ومناطقية ومذهبية فنجد في دائرة واحدة عدد غير مقبول من أفراد عائلة واحدة وما نسبة الموازنة التشغيلية في موازنة الدولة ( 70%) الا مؤشر على ذلك .المحاصصة تكشف عن روح وطبع أناني لمن يتمسك بها أنها تعدم الفرص أمام المواطن والاستئثار بها لأنها لمصلحة فرد أو مجموعة على حساب الآخرين.المحاصصة تؤدي الى تمزيق الخيمة التي تجمع المواطنين وهي خيمة ( المواطنة ) من خلال الهويات الفرعية التي تتمسك بها كهوية الدين أو المذهب أو القومية أو العشيرة أو الحزبية ،وهو ما يؤدي بالنتيجة الى غرس وتقوية روح الكراهية والعداء لدى الفرد تجاه الآخر الذي يختلف معه في الاعتبارات المذكورة . إن الاصرار على التمسك بنهج المحاصصة من قبل الاحزاب المتحكمة في البرلمان والحكومة بذريعة الاستحقاق الانتخابي سيؤدي الى تواصل الفشل الذي يعيشه العراق منذ خمسة عشر عاما ويؤدي بالنتيجة الى مزيد من المآسي والاضرار بحقوق الانسان العراقي ، وقد تصل الامور اذا استمرت على هذا النحو الى المزيد من الكوارث .إن الاصرار على التمسك بنهج المحاصصة أدى ويؤدي الى ابتعاد العمل السياسي عن القيم الاخلاقية وتوسيع دائرة الفساد وتحوله الى ثقافة اجتماعية وفي ذلك خطورة كبيرة على مستقبل البلاد .في المقابل على القوى الوطنية الرافضة لنهج المحاصصة أن تواصل نشاطها بمختلف الصور وهي مدعوة حاليا اكثر من الوقت الذي مضى لتوحيد صفوفها لإفشال نهج الفساد وفضح ثوب الرياء والخديعة ( الاستحقاق الانتخابي ) الذي يتستر به دعاة الفساد عند تشكيل الحكومة الاتحادية والحكومات المحلية ( مجالس المحافظات ) .* الامين العام للتيار الاجتماعي الديمقراطي

ذكر فى هذا الخبر
شارك الخبر على