العالم يتغير استثمارياً.. البقاء للأكثر تسهيلاً للأعمال

أكثر من ٥ سنوات فى الشبيبة

محمد محفوظ العارضيتكشف القراءة المتأنية لتقرير سهولة ممارسة الأعمال لعام 2019 الصادر مؤخراً عن البنك الدولي أن خريطة العالم الاستثمارية تتغير، وأن مناطق جديدة تتهيأ لتصبح أكثر جذباً لتدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر على حساب المناطق التقليدية التي اقترب بعضها من حدود التشبع، وأصبحت الفرص الاستثمارية فيها شحيحة، ولكن تظل معضلة الأمان الاستثماري، ومدى استدامة الإصلاحات الاقتصادية في هذه المناطق الصاعدة محل تساؤل.والأهم، أين موقع الدول العربية عموماً، والخليجية خصوصاً، من هذه التغيرات الجوهرية في الخريطة الاستثمارية العالمية؟ وهل هي من بين الرابحين أم أن وتيرة التقدم المتحقق من جانب دول منافسة استثمارياً حول العالم أعلى من معدلات الإصلاح الاقتصادي المتحقق عربياً؟تظهر بيانات تقرير سهولة ممارسة أنشطة الأعمال أن اقتصادات المنطقة العربية نفذت 40 إصلاحاً جديداً منذ بداية العام، كما تبين أن 18 دولة عربية سرعت وتيرة الإصلاح الاقتصادي مقابل ما تم إنجازه العام السابق. ودعمت هذه الإصلاحات منشآت الأعمال الصغيرة والمتوسطة ورواد الأعمال، كما دعمت جهود خلق فرص العمل والتوظيف، وتحفيز الاستثمارات الخاصة.ويقيس التقرير سهولة ممارسة الأعمال في 190 دولة حول العالم من خلال 11 مجالاً مختلفاً تضم: بدء النشاط التجاري، استخراج تراخيص البناء، توصيل الكهرباء، تسجيل الملكية، الحصول على الائتمان، حماية مستثمري الأقلية، دفع الضرائب، التجارة عبر الحدود، إنفاذ العقود، تسوية حالات الإعسار وتنظيم سوق العمل.وبالطبع تفاوت ترتيب الدول العربية على قائمة الدول الأكثر تسهيلاً لممارسة الأعمال في العالم، إذ كانت دولة الإمارات العربية المتحدة البلد العربي الوحيدة ضمن مجموعة العشرين اقتصاداً الأولى عالمياً، وحلت في المركز الحادي عشر، وجاءت المغرب في المرتبة الثانية عربياً و60 عالمياً، تلتها البحرين بالمرتبة 62 عالمياً.وبالنسبة لسلطنة عمان، فقد حلت في المرتبة الثامنة والسبعين عالمياً، بينما جاءت في المرتبة الأولى خليجياً في مجال التجارة عبر الحدود والثانية خليجياً في مجال بدء النشاط التجاري، وتقدمت السلطنة مركزين في مؤشر تسجيل الملكية، وحصلت على الترتيب الثاني والخمسين عالمياً في تقرير هذا العام، مقارنةً مع المركز الرابع والخمسين العام الفائت. وإجمالاً، فإنه على الرغم من عدم تقدم السلطنة في الترتيب العالمي إلا أنها تمكنت من المحافظة على النقاط المحرزة في غالبية الأحد عشرة مجالاً التي يعتمد عليها تقرير البنك الدولي في القياس.وبالنسبة لباقي الدول الخليجية، حلت قطر في المرتبة الثالثة والثمانين، ثم المملكة العربية السعودية في المرتبة الثانية والتسعين، والكويت في المرتبة السابعة والتسعين.أما على صعيد باقي الاقتصادات العربية الكبرى، فقد جاءت مصر بالمرتبة 120 عالمياً و12 عربياً، والجزائر في المرتبة 157 عالمياً و14 عربياً.واللافت أن جيبوتي جاءت بين أحد أفضل الاقتصادات العربية إصلاحاً، إذ نفذت ست خطوات إصلاحية أساسية كان من أبرزها نظام الشباك الواحد لتيسير بدء النشاط التجاري، إضافة لتخفيض تكاليف نقل الملكية وحوسبة سجلات الأراضي، كما يعتبر تحسين إمكانية الحصول على الائتمان، بتوسيع مظلة ما يمكن استخدامه كضمان في المشاريع، من أبرز الإصلاحات التي دفعت بجيبوتي لتكون من بين أفضل 10 اقتصادات قامت بالإصلاح حول العالم.وفي المقابل، حلت بعض الدول العربية في مراكز متأخرة ضمن الترتيب العالمي إذ جاءت اليمن في المرتبة 18 عربياً و187 عالمياً، تلتها ليبيا في المرتبة 17 عربياً و186 عالمياً، تلتهما سورية في المرتبة 179 عالمياً و16 عربياً.وعالمياً، فإن هناك تغيرات متسارعة في خريطة الإصلاحات الاقتصادية والتي سيكون لها تأثير متوقع على حركة تدفق الاستثمارات الدولية في المديين المتوسط والطويل، رغم أن اقتصادات كبرى مثل الصين والهند والبرازيل ما زالت تتقدم بخطى ثابتة في هذا المجال، إذ تعتبر الصين أحد أفضل عشرة بلدان في تطبيق الإصلاحات هذا العام، وارتقت أكثر من 30 مركزاً لتتبوَّأ المرتبة السادسة والأربعين في التصنيف العالمي، فيما أصبحت الهند أفضل اقتصادات جنوب آسيا تصنيفاً، وارتقت 23 مركزاً لتحتل المرتبة السابعة والسبعين عالمياً، بينما سجَّلت البرازيل أكبر عدد من الإصلاحات في منطقة أمريكا اللاتينية والبحر الكاريبي، بتقدمها في أربعة مجالات.واللافت للانتباه أن نحو ثلث العدد الإجمالي العالمي للإصلاحات التنظيمية لممارسة أنشطة الأعمال أجريت في اقتصادات أفريقيا جنوب الصحراء، تحديداً 107 إصلاحات، وهو عدد قياسي غير مسبوق تاريخياً من الإصلاحات في القارة السمراء، التي أصبحت مهيأة الآن أكثر من أي وقت مضى لاستقبال المزيد من تدفقات الاستثمارات الأجنبية المباشرة.ويلاحظ أيضاً أن بلدين اثنين من منطقة شرق أوروبا وآسيا الوسطى انضما إلى قائمة أفضل عشرة بلدان تطبيقاً للإصلاحات، وهما جمهورية مقدونيا، واحتلت المركز العاشر في القائمة، وجورجيا التي ارتقت مركزين لتحل في المرتبة السادسة.ومن هنا يمكن التأكيد أن العالم يتغير من حولنا استثمارياً، وبوتيرة تفوق التوقعات أحياناً في بعض البلدان الصاعدة كقوى جذب جديدة للتدفقات الاستثمارية العالمية، وهو ما يتطلب من الدول الخليجية المضي قدماً في تعزيز مسيرة التنويع الاقتصادي الرامية للخروج من عباءة النفط، حفاظاً على ما تحقق في سنوات سابقة من معدلات نمو جيدة في القطاعات غير النفطية لأنها المهيأة أكثر من غيرها للحصول على نصيبها المستحق من كعكة التدفقات الاستثمارية العالمية الباحثة عن فرص جيدة وملاذات آمنة.والخلاصة أن العالم يتغير استثمارياً وفي المستقبل القريب سيكون البقاء على خريطة تدفقات الاستثمارات العالمية للأكثر تسهيلاً لممارسة الأعمال.رئيس مجلس الإدارة التنفيذي في إنفستكورب،ورئيس مجلس إدارة بنك صحار

ذكر فى هذا الخبر
شارك الخبر على