بريكسيت والاقتصاد العالمي

أكثر من ٥ سنوات فى الشبيبة

محمد العريانلقد استغرقت قضية خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي عامين ونصف. واستولت عملية انسحاب البلد من الاتحاد الأوروبي، بعد عقود من العضوية، على العناوين الرئيسية، وتم تجاهل كل النقاشات السياسية الأخرى تقريباً. وفي هذا السياق، ضاعت كل المناقشات الجادة حول كيفية تعزيز المملكة المتحدة للقدرة الإنتاجية والقدرة التنافسية في وقت الانتعاش الاقتصادي والسيولة المالية العالمية.وفي الوقت نفسه، تضاءلت مصلحة بقية العالم في خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. لقد استمرت مفاوضات المملكة المتحدة مع الاتحاد الأوروبي لفترة طويلة، وتم الإجماع على أن العواقب الاقتصادية ستكون أكثر حدة في بريطانيا منها في الاتحاد الأوروبي، ناهيك عن الدول الأخرى.ومع ذلك، يواجه بقية العالم تحديات كبيرة. تشهد الأنظمة السياسية والاقتصادية تغيّرات هيكلية واسعة النطاق، كثير منها بسبب التكنولوجيا والتجارة وتغيّر المناخ وارتفاع عدم المساواة والغضب السياسي المتزايد. في معالجة هذه القضايا، يجب أن يأخذ صنّاع السياسة في جميع أنحاء العالم تجربة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي بعين الاعتبار.كان خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي مختلفًا للغاية. لم يحدث انقطاع فوري في التجارة البريطانية الأوروبية؛ لأنه لا يمكن استبدال أي شيء بلا شيء. في غياب الوضوح حول نوع خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، استمرت العلاقة الاقتصادية ببساطة «كما هي»، وتم تجنب حدوث انقطاع فوري. اتضح أنه عند وضع توقعات الاقتصاد الكلي والسوق لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي حتى الآن، كان المدى «القصير» مقابل المدى «الطويل» أكثر أهمية من المقاربة «الناعمة» مقابل «الصلبة» (تُشير كلمة «صلبة» إلى انسحاب المملكة المتحدة الكلي والفوضوي من السوق الأوروبية الموحدة والاتحاد الجمركي). السؤال ليس هل ستعرف المملكة المتحدة انهيارا اقتصاديا كبيرا، بل متى سيحدث ذلك.على أي حال، يشهد الاقتصاد البريطاني بالفعل تغيُّرًا هيكليًا بطيئا للغاية. هناك دليل على انخفاض الاستثمار الأجنبي، وهذا يساهم في المستوى غير المشجع للاستثمار في الاقتصاد بشكل عام. علاوة على ذلك، يبرز هذا الاتجاه التحديات المرتبطة بضعف نمو الإنتاجية. وهناك أيضًا دلائل على أن الشركات التي لها أنشطة في المملكة المتحدة قد بدأت في تنفيذ خططها الطارئة لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي بعد فترة طويلة من الانتظار والتخطيط والمزيد من الانتظار. بالإضافة إلى نقل الاستثمارات خارج المملكة المتحدة، ستبدأ الشركات أيضًا في نقل الوظائف. ومن المرجح أن تتسارع هذه العملية حتى لو حصلت رئيسة الوزراء البريطانية، تيريزا ماي، على اتفاقية الخروج التي اقترحتها في البرلمان. تكشف عملية خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي عن المخاطر المرتبطة بالانقسام الاقتصادي والسياسي، وتعطي نظرة عامة لما سيجني الاقتصاد العالمي من تصدع على نحو متزايد إذا استمر هذا الحال: تفاعلات اقتصادية أقل كفاءة، وأقل قدرة على التكيّف، وتدفق مالي عبر الحدود أكثر تعقيدا وأقل سرعة. في هذا السياق، سيحل التأمين الذاتي المكلِّف محل بعض آليات التأمين الموحدة في النظام الحالي. وسيكون من الأصعب بكثير الحفاظ على القواعد والمعايير العالمية، ناهيك عن السعي إلى تحقيق الانسجام والتنسيق الدولي للسياسات.من المرجح أن تتأثر الموازنات المالية والضريبية بشكل متزايد. وستصبح عملية صنع السياسات الاقتصادية أداة لمعالجة مخاوف الأمن القومي (سواء كانت حقيقية أو خيالية). يبقى أن نرى كيف ستؤثر هذه الإستراتيجية على الاتفاقات الجيوسياسية والعسكرية القائمة.وأخيرا، سيحدث أيضا تغيير في كيفية سعي البلدان إلى هيكلة اقتصاداتها. في الماضي، ادعت بريطانيا ودول أخرى على أنها «اقتصادات صغيرة مفتوحة» يمكنها الاستفادة من مزاياها المحلية من خلال إقامة علاقات ذكية وفعالة مع أوروبا وبقية العالم. لكن الآن، يمكن أن يصبح الاقتصاد الكبير والمغلق نسبيًا أكثر جاذبية. وبالنسبة للبلدان التي لا تملك أي خيار -مثل الاقتصادات الأصغر في شرق آسيا- قد توفر الكتل الإقليمية المتماسكة بديلاً فعالا.لقد جعلت سياسات الحزب البريطاني المضطربة من عملية خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي بمثابة نزاع داخلي غامض بالنسبة لبقية العالم. تحمل عملية بريكسيت دروسا مهمة عن الاقتصاد العالمي. لقد ولت الأيام حين كانت العولمة الاقتصادية والمالية المتسارعة وأنماط النمو المترابطة غير قابلة للتحدي. نحن نعيش في عصر من التحولات التكنولوجية والسياسية الضخمة. ومن المحتمل أن تصبح توقعات النمو والسيولة أكثر غموضاً واختلافاً مما هي عليه بالفعل.كبير المستشارين الاقتصاديين في أليانز، وعمل كرئيس مجلسالتنمية العالمي للرئيس الأمريكي باراك أوباما

ذكر فى هذا الخبر
شارك الخبر على