عنوان كتاب ترامب

أكثر من ٧ سنوات فى التحرير

نقول في بلادنا "الكتاب يتقري من عنوانه"، وفي حالة الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب، كان له العديد التصريحات التي أثارت الذعر خلال حملته الانتخابية سواء في ما يتعلق بالمسلمين ورغبته في منعهم من دخول الولايات المتحدة، أو توعده بالعودة لوسائل التعذيب والإيهام بالغرق لمن يشتبه في تورطهم بالإرهاب كما فعل الرئيس الأمريكي السابق جورج دبليو بوش، وكذلك وصفه للمهاجرين من المكسيك ودول أمريكا اللاتينية أن غالبيتهم تجار مخدرات ومغتصبون للنساء، وعنصريته الواضحة ضد الأمريكيين من أصول سوداء، وألفاظه السوقية البذيئة بحق المرأة، والتعامل معها على أنها سلعة للاستمتاع في الأساس بحكم أنه رجل ملياردير ثري ومشهور يستطيع الحصول على ما يشاء.

طبعا كل من يسمون أنفسهم بالخبراء والمحللين، خاصة ممن يهللون لانتصار ترامب على اعتبار أن تعامله مع النظم الديكتاتورية في المنطقة سيكون أفضل من سلفه المثقف المتعجرف باراك أوباما ولن يزعجهم بالحديث عن حقوق الإنسان، يقللون من شأن تصريحاته في الحملة الانتخابية، ويؤكدون أن سلوكه أثناء تولي منصب الرئاسة سيكون مختلفا بحكم ما سيتلقاه من نصائح وتقارير من مؤسسات الدولة الأمريكية الضخمة، كالبنتاجون ووكالة المخابرات المركزية الأمريكية ووكالة الأمن القومي ووزارة الخارجية وغيرها.

ولكن ماذا لو أن كل من سيتلقى منهم الرئيس المنتخب ترامب النصح والتقديرات متعصبون، عنصريون يؤمنون باستعراض القوة الأمريكية ويتبنون ما هو أسوأ من مواقفه التي عبر عنها أثناء حملته الانتخابية؟ كتاب ترامب الذي يقرأ من عنوانه، والمتمثل في مستشاريه وكبار المسئولين الذين من المتوقع أن يختارهم ليشكل بهم حكومته، لا يمكن سوى أن ينبئ سوى بأننا مقبلون على أوقات شديدة الصعوبة في تعامل الولايات المتحدة مع العالم الخارجي، ومع منطقة الشرق الأوسط تحديدا التي تعتبر المصدر الرئيسي للمشكلات والاضطرابات التي يأتي منها الإرهاب والمهاجرون، خاصة في وقت يتحدث فيه العديد من المسئولين الغربيين والأمريكيين عن الحاجة لإعادة رسم خريطة دول المنطقة.

وكانت "أول القصيدة كفر" عندما عين ترامب المدعو ستيف بانون كبيرا لمستشاريه في البيت الأبيض، وذلك بعد أن تولى إدارة حملته الانتخابية بنجاح. بانون هو المدير التنفيذي لموقع "بريتبارت نيوز" والذي يعتبر الموقع الأكثر شعبية بين أنصار اليمين الأمريكي، ويدافع علنا عن "تفوق العرق الأبيض"، ويعادي المسلمين صراحة باعتبار أن هناك مشكلة في دينهم تدفعهم للإرهاب، ودافع بقوة عن قيام منظمة أمريكية بتنظيم معرض لصور الرسول صلى الله عليه وسلم في ولاية تكساس في أعقاب حادثة الهجوم على صحفيين ورسامين جريدة شارلي إبدو الفرنسية. ولم يكن المسلمون والعرب الأمريكيون هم فقط من عبروا عن صدمتهم وشعورهم بالرعب من تعيين بانون في منصبه، ولكن أنصار الديمقراطية والتعددية في أمريكا، وعلى رأسهم المرشح الديمقراطي السابق في سباق الرئاسة، بيرني ساندرز الذي طالب بإقالة بانون فورا من منصبهم.

ولكن تعيين بانون كان مجرد فاتحة لاختيارات عديدة مماثلة أكدت كلها أننا نتجه للتعامل مع إدارة أمريكية شديدة اليمينية والعنصرية، على النقيض الكامل من إدارة أوباما الذي أحاط نفسه بمسئولين يعتبرون قضايا الدفاع عن حقوق الإنسان والمرأة جزءا من عقيدتهم السياسية، كما هو الحال بالنسبة لمندوبة الولايات المتحدة في الأمم المتحدة سامنثا باور أو مستشارته لشئون الأمن القومي سوزان رايس. 

فعندما جرى الحديث عن تعيين وزير للخارجية، التقى ترامب بمندوب جورج دبليو بوش السابق في الأمم المتحدة، جون بولتون، الذي كان يروج لاقتراح إغلاق الأمم المتحدة أو التخلص من عشرة من طوابقها الثمانية والثلاثين لأنها غير مجدية، بعد أن عارضت أغلب دولها قرار رئيسه بغزو واحتلال العراق. واقترح بولتون بدلا من ذلك إنشاء ما وصفه "بالأمم المتحدة الديمقراطية" في إشارة إلى نحو خمسين أو ستين دولة صغيرة في أوروبا الشرقية وأمريكا اللاتينية والمحيط الهادي، كانت إدارة بوش تدفع الرشاوي لهم، على شكل معونات، لكي يعبروا عن دعمهم له. وكان بولتون يهاجم الرئيس السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية، محمد البرادعي، بضراوة ويزعم أنه يرفض تأكيد مزاعم بوش بشأن امتلاك العراق لأسلحة نووية، أو أنشطة إيران النووية، لأنه عربي، مسلم واسمه محمد!

كما تم تداول أسماء عدة لكبار الشخصيات اليمينية في الحزب الجمهوري لتولي مناصب هامة في إدارة ترامب، من أمثال رئيس مجلس النواب السابق نيوت جينجريتش الذي لعب الدور الرئيسي في السعي لمحاكمة الرئيس السابق بيل كلينتون وعزله من منصبه، أثناء ما عرف بفضيحة المتدربة مونيكا لوينسكي ويتبنى مواقف شديدة العنصرية تجاه الإسلام والمسلمين، وكذلك عمدة نيويورك السابق رودي جولياني المتهم في العديد من قضايا الفساد والنصب. 
ولمنصب المدعي العام، تم ترشيح عضو مخضرم في مجلس الشيوخ الأمريكي عن ولاية ألاباما اسمه جيف سيشينز، وذلك رغم أن مجلس الشيوخ نفسه كان قد رفض تعيينه منذ سنوات طويلة في منصب قاض فيدرالي بسبب مواقفه العنصرية ضد السود والنساء والمثليين جنسيا، وهو ما أثار نقمة العديد من القضاة الأمريكيين واعتبروا مجرد التفكير في التعاون مع الرجل أمرا مزعجا للغاية.

كما طالب مجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية (كير) ترامب بعدم اعتماد تعيين الجنرال مايكل فلين كمستشار للأمن القومي بسبب "تاريخه الطويل في التصريحات المعادية للمسلمين ولمنظماتهم" واعتباره أن الإسلام دين "سرطاني" يحتوي أفكارا تدعو للقتل وهدر الدماء، وأنه "عقيدة سياسية تختبئ وراء ستار الدين".
وأخيرا، وليس آخرا طبعا، اختار ترامب لمنصب مدير السي آي إيه عضو مجلس النواب مايك بومبيو، وهو ما أثار فزع منظمة الحقوق المدنية الأمريكية، لأن للنائب سجلا طويلا من التصريحات الداعمة للتوسع في التجسس على الأمريكيين ومعارضة إغلاق معتقل جوانتانامو الذي أقامه جورج دبليو بوش. 

هذا هو كتاب ترامب وعناوينه. والآن نقول لأنصاره والمطبلين لانتصاره: إزيكم بقى؟
 

شارك الخبر على