"بول بيتي" الفائز بجائزة المان بوكر أصــرخ في كــل اتجــاه

أكثر من ٧ سنوات فى أخبار اليوم

كتب - نصر عبد الرحمن

فاز الكاتب الأمريكي "بول بيتي" بجائزة مان بوكر للروايات باللغة الإنجليزية هذا العام عن روايته "الخيانة"، التي فاز عنها بجائزة الكتاب الوطني الأمريكي فى منتصف هذا العام.

ولد "بيتي" في لوس أنجليس عام 1962، وحصل على ماجستير في الكتابة الإبداعية من جامعة بروكلين، ثم حصل على ماجستير في علم النفس من جامعة بوسطن. أصدر "بيتي" ديوانه الأول "المصرف الكبير يأكل المصرف الصغير" عام 1990، ثم أصدر ديوانًا آخر في العام التالي.

انشغل "بيتي" في عروض إلقاء شعر بعدة قنوات تليفزيونية، ونال منحة من مؤسسة الفن الحديث، وفى عام 2001، قرر كتابة الرواية، فأصدر روايته الأولى "تعثر خطو الولد الأبيض"، التي استقبلها النقاد بحفاوة، لأنها كشفت عن مولد موهبة روائية لديها القدرة على التعبير عن مشاكل وأزمات الأمريكيين من أصل أفريقي في الولايات المتحدة، وما يتعرضون له من تفرقة عنصرية حتى الآن. أصدر "بيتي" روايتين هما؛ "الحجر البركاني"، و"أرض النوم"، قبل إصدار رواية "الخيانة" عام 2015.

أكثر الأفكار التي يكتب عنها "بول بيتي" هي العرق والتعصب، ونفسية البشر، والطموح والفشل، وسطوة التاريخ على الحاضر. يرى بعض النقاد أنه فتح أفقًا أكثر رحابة للتعبير باستخدام لغة وتعبيرات من خارج السياق الأدبي المألوف، ومع ذلك، يرفض تصنيف نفسه أو الانتماء إلى حركة أدبية بعينها. تُعالج رواية "الخيانة"؛ آخر رواياته، الموضوع المطروح للنقاش على الساحة الأمريكية على الدوام: التفرقة العنصرية.

يتجدد الحديث عن هذه القضية كلما انفجرت موجة غضب نتيجة تعرض مواطن من ذوى البشرة السوداء للضرب أو القتل على يد الشرطة، السخرية هي إحدى الطرق التي يتعامل بها أصحاب البشرة السوداء مع تلك الانتهاكات المُتكررة، وهناك الكثير من النكات المنتشرة بينهم للسخرية من تلك الانتهاكات.

فتحت رواية "الخيانة" هذا الجرح بقوة، وسخرية شديدة يتفجر منها الضحك، لدرجة أن رواد موقع تويتر نشروا مئات العبارات والجُمل من الرواية باعتبارها نكاتًا. ويقول "بيتي" إن السخرية هي وسيلة الانتقام لأشخاص يتسمون بسرعة الغضب وهشاشة الذات. وهذا جزء من حوار معه حول الرواية وحول رؤيته للكتابة.

< متى بدأت في كتابة رواية الخيانة؟

- في أواخر عام 2009.

< ما دفعك إلى كتابتها؟

- كنت أقوم ببحث منذ فترة طويلة، وطالعت عدة صحف من حقبة الثلاثينيات بالصدفة، وقرأت عبارة "تم إطلاق الرصاص على ثلاثة من السود، أو الزنوج، أو الملونين أثناء فرارهم من مكان الجريمة" فقلت لنفسي: "يا إلهي، لم يذكروا حتى الأسماء"، لقد صدمني ما أعرفه بالفعل، يحدث هذا الهراء على الدوام، وهناك حادث شخصي دفعني لكتابة الرواية لكنى لا أرغب في الحديث عنه.

< لماذا صورت المحكمة العليا بهذا الشكل الساخر في الرواية؟

- لم أقصد القول إنها مؤسسة سخيفة، رغم أنها تصدر قرارات سخيفة، ولكن الأمر كان وفق تصوري الشامل للنظام.

< لماذا استخدمت السخرية في مُعالجة أمرا حساسا مثل قضية العنصرية؟

- أنا لا أجلس وأقول لنفسي إنني سوف أكتب بطريقة ساخرة، ولكن هذا هو أسلوبي بوجه عام، حتى وأنا أكتب الشعر، ربما أستخدم هذه الطريقة كي يلتف الناس لما أقول. هذه هي طريقة فى الحياة، أسخر من نفسي ومن الأشياء التي أهتم بها لكي أجد طريقة أفضل للتعبير، ومن العجيب أن هذه الطريقة تنجح معى.

< هل تعتقد أن كونك كاتبًا أسود البشرة نعمة ونقمة فى ذات الوقت؟

- من الصعب الإجابة على هذا السؤال، ولكن الأمر يعتمد على الموقف الذى تواجهه. لا أعتقد أن العِرق أو الطبقة الاجتماعية تخضع لثنائية نعمة أو نقمة. حاولت فى روايتى أن أطرح مساحة أوسع لتناول الأمر من تلك الثنائية، ولطريقة نظرنا للأمور. حين نضجت، بدأت أشعر بما يُسمى بالكبرياء الأسود، الذي جاء كرد فعل لفكرة احتقار الذات وكل هذا الهراء. أتذكر أثناء دراستي الجامعية أن فعل شخص أسود شيئًا مُشينًا، فقال لى صديق: "أنا أشعر بحرج شديد"، سألته

عن السبب، وكانت إجابته أن ما فعله الشخص الأسود سوف يسيء لنا جميعًا. لقد وصل التفكير بالبعض إلى هذا الحد. هناك خيط فى الرواية عن المنافسة بين السود؛ حين يتواجد مجموعة من السود فى حجرة، يظن كل واحد منهم أنه أكثر السود الموجودين وسامة، وليس أكثر الأشخاص الموجودين وسامة.

إنه نوع من المنافسة المحصورة بين السود لأن نظرتهم لأنفسهم تكونت نتيجة أفكار سادت لفترات طويلة. حدثنى صديق يدرس الفلسفة عن شيء يُمسى جدلية السيد والعبد؛ حيث يعرف العبد عن السيد أكثر ما يعرف السيد عن العبد. كونك أسود البشرة قد يكون نعمة فى هذه الحالة، لأن مجال رؤيتك أوسع، فأنت ترى الجانبين بوضوح.

< كنت أجرى حوارًا مع بول مونى، ولاحظ أن الناس لا يتحدثون عن الرئيس أوباما بالاحترام الكافى، ما رأيك فى هذا الأمر؟

- أعتقد أن الأمور اختلفت الآن، وهناك قدر صحى ومقبول من عدم الاحترام، فلا يجب التعامل مع المناصب على أنها أمر سحري أو مُقدس، ولكنى أظن أن عدم الاحترام تضاعف لأن أوباما أسود البشرة.

< هل تعتقد أن الكتاب من ذوى البشرة البيضاء يكتبون عن المشاكل العرقية بنفس طريقة الكتاب من ذوى البشرة السمراء؟

- أعتقد أنهم يفعلون هذا، ربما بطريقة غير واضحة تمامًا. أظن كذلك أن مهمة الكاتب هى تناول المشاكل الاجتماعية، سواء كانت عرقية أو مشاكل أخرى، ولا يكتب بالضرورة عن خبرة شخصية أو أزمة يمر بها.

< تكتب عبارات قصيرة تشبه النكات في بنيتها، هل تتعمد هذا، وهل تراجع ما تكتب كثيرًا كى تكتب جملًا على هذا النحو؟

- طوال الوقت. أراجع ما أكتب كلمة كلمة. أحرص على المراجعة والعودة إلى ما كتبت. أكتب عدة صفحات، ربما خمس صفحات ثم أتوقف وأعيد كتابتها من جديد. لا أواصل كتابة صفحات جديدة حتى أشعر بالرضا التام عن الخمس صفحات. وبعد أن أتقدم فى الكتابة، أتوقف وأراجع مرة أخرى لأتأكد أن ما كتبت قد أصبح أكثر إحكامًا، وأستغرق في كتابة المسودة الأولى لأي عمل وقتًا طويلًا، بعدها أتوقف عن الكتابة لمدة ستة أشهر، أقضيها فى التفكير فيما كتبت، قبل أن أدفع بالمسودة إلى "كولن ديكرمان"، المحرر الخاص بى، والذي عادة ما يُقدم لى اقتراحات جيدة. بعدها أعيد النظر في النص، وأمزق أوصاله مرة أخرى وأحذف منه دون أن أنتقص من المعنى.

< هل تعتبر نفسك كاتبًا ساخرًا؟

- كلا، على الإطلاق. أنا أكتب فقط وبعض كتاباتي مُضحكة. لقد اندهشت حين تناول الجميع مع روايتى باعتبارها رواية كوميدية. تقبلت الأمر ولكنى تمنيت أن يعتبروها تراجيديا كوميدية على الأقل. صحيح أن الرواية تحتوى على الكوميديا، ولكنها تحتوى كذلك على حزمة من الأمور الأخرى. من السهل الاختباء خلف الكوميديا وعدم التطرق إلى موضوعات أخرى. على أى حال، هذه هى طريقتى فى الكتابة ومن الصعب تغييرها، ولا أعتبر نفسى كاتبًا ساخرًا بكل تأكيد.

< هل تكتب وأنت تتخيل القارئ، وتشعر أنك تخاطبه وتريد إقناعه؟

- أظن أنني أفعل هذا، لكنني لا أنشغل بالأمر كثيرًا أثناء الكتابة. قالت لي صديقة ذات مرة إن أغلب جمهوري من غريبي الأطوار؛ تقصد المعنى الإيجابي للكلمة. هناك نوع خاص من غريبي الأطوار يُقدرون ما أكتب.

< هل تشعر بضغوط أثناء الكتابة، وتشعر بضرورة اعتماد بنية نمطية لروايتك، أو وضع شخصيات من ذوى البشرة البيضاء؟

- كلا، كلا، كلا. سأكون أشبه بالمسلسلات الهزلية "سيتكوم"؛ حيث تجد شخصية بيضاء بلا جدوى في مسلسل للسود، أو شخصية سوداء فى مسلسل لذوى البشرة البيضاء من أجل مُغازلة الجمهور. لا أفكر بهذه الطريقة على الإطلاق، ولا تخطر بتفكيري حتى. لا يعجبني بناء الرواية بطريقة مُعينة كى تعجب قرّاء بعينهم. صحيح أن هذه الأعمال تحظى باهتمام القراء، لكنى أعتبرها نوعًا من التجارة الرخيصة. أتمنى ألا أفعل هذا، وأعتقد أنني لا أفعله. لا أستهدف لفت انتباه القارئ الأبيض، ولكنى أتمنى أن يكون قرائي غريبي الأطوار من كافة الأعراق. لا أستبعد أى قارئ، فأنا أصرخ وأتمنى أن يسمع الجميع صراخي. أثق فى وجود آذان تسمع، وأتمنى أن يكون عددها بالآلاف، لذلك لا أقصر صرخاتي على اتجاه واحد.

< هل تشعر بالخوف أو بوجود خطر حقيقى أثناء الكتابة؟

- أجل، وجزء من هذا الخوف ينبع من انتقادي لبعض الأشياء التي أحبها أحيانًا، مثل انتقادي لحركة الحريات المدنية، أو بالأحرى بعض الجوانب السلبية فيها، فأنا أحترمها وأقدر دورها. أشعر بخطر كتابة أشياء عن نفسي لا أرغب أن يطلع عليها أحد، ولكنى أجازف وأكتب عن نفسي وقد يكون المزاح والسخرية طريقة لإخفاء الحقائق التي تخصني فلا يُدرك القارئ أنني أتحدث عن نفسي، أو يعرف وجهة نظري الحقيقية من بين السطور. هناك خطر الإفصاح عما بداخلك، وخطر المراوغة ومحاولة إخفاء مشاعرك وأفكارك. أخشى كذلك أن أكتب دون وعى ما قد يسعد مجموعة بعينها، وأقول لها ما تريد أن تسمع رغم ثقتي أنني لن أفعل هذا.

 

ذكر فى هذا الخبر
شارك الخبر على