عصير أطباء الفلاسفة

أكثر من ٧ سنوات فى التحرير

كتبت منذ أيام عن فوز دونالد ترامب برئاسة أمريكا، وقلت إنه شرير قصص سوبرمان، الذى انتصر على البطل الخارق فى نهاية المطاف، ولم أكن أتصور أن الصورة الخيالية يمكن أن تصل إلى هذه الدرجة من التطابق مع الواقع، فبعد نشر المقال بساعات أخبرنى شاب من العائلة، يدمن قراءة القصص المصورة، أن الشرير الأساسى فى حلقات سوبرمان، واسمه ليكس لوثر، سبق له أن ترشح بالفعل فى إحدى تلك القصص لرئاسة أمريكا وفاز بها رغم أنف سوبرمان، لتبدأ سلسلة من الأحداث الشريرة التى يديرها لوثر من فوق مقعده فى المكتب البيضاوى بالبيت الأبيض!

فى نفس المقال كنت قد أوضحت أن شخصية البطل الخارق الأمريكى الذى يحمى القيم الإنسانية العليا أكذوبة جميلة ليس لها أى أساس من الصحة على أرض الواقع. فأمريكا لا تساند الحركات التحررية فى العالم، بل تقف دائمًا ضد إرادة الشعوب. يكفى أن تنظر لمناصرتها لإسرائيل وإسقاطها لسلفادور إليندى فى تشيلى واغتيالها له ولتشى جيفارا من قبله وحمايتها لديكتاتوريي العالم الثالث، طالما كان بقاؤهم يدعم استمرار مصالحها. انظر أيضًا لتغلغل العنصرية فى نخاعها، الذى يؤكده انتخابها لرئيس يحتقر المرأة والملونين ويضطهد الأقليات العرقية والدينية، ويعلن عن اعتزامه طرد المهاجرين من بلد يعتمد فى نهضته على الهجرات واحتضان من فقدوا الأمل فى حياة كريمة فى أوطانهم الأم لكى يفجر طاقاتهم الإبداعية على أرضه. قلت نصًّا: إن سياسة اضطهاد الهاربين من الاضطهاد التى يتبناها ترامب تتناقض تمامًا مع فكرة الحلم الأمريكى التى قامت عليها نهضة ذلك البلد.

العجيب أن لأوسكار وايلد مقولة حوارية شهيرة أخرى لا تقل طرافة عن عبارة "أمريكا هى البلد الوحيد الذى عبر من الهمجية إلى الانحلال مباشرة دون أن يمر على مرحلة الحضارة". يقول وايلد فى تلك الحوارية القصيرة متسائلاً: عندما يموت الأمريكيون الطيبون يذهبون إلى باريس، فإلى أين يذهب الأمريكيون الأشرار؟ ويجيب ساخراً: يبقون فى أمريكا. أى أنه يقصد أن أمريكا هى الجحيم. الغريب أن المقولة العكسية لها تمامًا تجدها فى تراثنا الفرعونى فى بردية بكتاب الموتى تقول: إن الأشرار الذين تكون قلوبهم أثقل من ريشة ماعت فى ميزان حسابهم يذهبون إلى عالم الظلمات، أما الأخيار الذين تكون قلوبهم أخف منها فإنهم يعودون إلى مصر. أى أن مصر هى جنة الله التى يعد المصريين بها، أى مفارقة تلك!

لا توجد عندى ذرة شك فى أن أوسكار وايلد كان يعارض تلك المقولة الفرعونية بخفة ظل وذكاء، وكنت أتمنى أن يعيش بيننا فى هذه الأيام ليرى أمريكا يحكمها معمر القذافى وموبوتو سيسيكو وكيم إيل سونج وولده وإيميلدا ماركوس وعيدى أمين وغيرهم من الديكتاتوريين أطباء الفلاسفة مضروبين جميعًا فى الخلاط.

للأسف لن تشرب أمريكا عصير أطباء الفلاسفة المضروبين فى الخلاط وحدها بل سيتجرعه العالم معها.. فبلا هناء وبلا شفاء للجميع.

شارك الخبر على