إحذر عدوّك... ال FORTNITE عدوّك!

أكثر من ٥ سنوات فى تيار

لارا الهاشم -
 فيما ينشغل المجتمع في ألعاب الكبار، ينغمس الصغار في عالم خاص بهم يُدخلهم أحيانا في متاهات يجهلون تداعياتها. هذه هي حال المراهقين الذين يتعلقون بألعاب إلكترونية توصلهم أحيانا إلى حد الإدمان، وآخرها لعبة ال FORTNITE التي غزت البيوت منذ 25 تموز ال 2017، من دون تفرقة بين صغير وكبير أو بين شاب أو صبية.
قاعدة هذه اللعبة هي الإقتتال حتى الرمق الأخير ليبقى في النهاية شخص واحد أو فريق واحد على قيد الحياة. تسمح ال FORTNITE باللعب الإنفرادي أو ضمن فريق من أربعة أشخاص يتواصلون عبر الإنترنت. تبدأ اللعبة عندما تحطّ طائرة تقلّ مئة شخص في نقطة معيّنة على خارطة. كلّ أربع دقائق تصغُر مساحة الخارطة وعلى اللاّعبين البقاء ضمن هذه المساحة حتى لا يموتوا. الجولة قد تستمرّ لدقيقة واحدة فقط إذا مات اللاّعب ما إن حطّت الطائرة أو كحد أقصى لنصف ساعة. لكن الإدمان يبدأ عندما يكمل الأشخاص المبارزة ولو بلاعبين جددٍ لاختبار قدرة الفرد أو الفريق على الصمود، فيمضون أكثر من خمس ساعات متسمّرين أمام ال PLAY STATION أو الهواتف الذكية. و تكمن خطورة هذه اللعبة في إمكانية تحميلها على أي جهاز إلكتروني وبشكل مجاني.
من يقرأ ملخّص قواعد هذه اللعبة قد لا يرى فيها آفة، لكن أكثر من يتحسّس خطورتها هم أهالي الأولاد في عمر المراهقة الذين وصلت شكاواهم إلى TAYYAR.ORG .
تخبرنا سلوى أن بكرَها، إبن الستة عشر عاما كان يمضي ساعات في لعب ال FORTNITE وكانت تلاحظ سهره حتى الثالثة فجراً من خلال مراقبة ال ‘LAST SEEN’ على ال "واتساب"، وعندما كان يستيقظ صباحاً للذهاب إلى المدرسة كانت تبدو ملامح التعب واضحة على وجهه. تضيف سلوى أن ابنها كان ينوي اختيار الفرع العلمي في الصف الثاني الثانوي لكن تراجع علاماته نتيجة السّهر، أدّى إلى اختياره الفرع الإجتماعي- الإقتصادي ما أثّر على مستقبله المهني. فهو كان ينوي التخصّص في الهندسة الزراعية، أما اليوم فهو بات يبحث عن الإختصاص الذي يتلاءم مع علاماته التي تراجع معدّلها من 14/20 إلى 10/20. حاولت سلوى إقناعه بضرورة التخفيف من ساعات اللّعب لكن من دون جدوى، إلى أن أُضطرّت مع بداية العام الدراسي في 27 أيلول إلى حجب الجهاز الإلكتروني الذي يلعب من خلاله. هذا الأمر خلق حالة انزعاج لديه وهو ما اضطُرّها إلى التعويض عليه بساعات قليلة في محل مخصّص للألعب الالكترونية خلال عطلة نهاية الأسبوع.
قصّة سلوى لا تختلف كثيرا عن قصة جوانا. فنجلها إبن الخمسة عشر عاما يواظب على هذه اللّعبة منذ عام تقريبا حتى وصل إلى حد الإدمان مع إمضاء سبع ساعات متواصلة أمام الشاشة، و صار يستيقظ من النوم لمتابعة اللّعب. لاحظت والدته تأثير ذلك على مزاجه، بحيث أصبح عصبياً وبارداً وغير قابل للنقاش. هذا عدا عن تحوّله إلى مراهق إنعزالي بعض الشيء، يفضّل البقاء في المنزل إن لم يخلُق له أهله المشاريع. حاولت جوانا تدريجيا الحدّ من هذا التعلق بال FORTNITE فوضعت نظاما لساعات الّلعب بحيث لا تتخطى السبع ساعات تُقسّم على ثلاثة أيام، من الجمعة والأحد، ثم عمِدت على تقليص ساعات اشتراك الإنترنت في المنزل. ولما صارت اللعبة متاحة عبر تطبيق يتمّ تحميله عبر الهاتف، لجأت إلى الحدّ من استخدام ابنها للهاتف. لكن ذلك لم يخفّف من تعلّقه بها.
وسام أب لصبي في السابعة عشرة من عمره. فهو و لو يرى أن ابنه يتّسم بكثير من الوعي لكنه لا يخفي خشيته من حالة الإنعزال التي تخلقها ال . FORTNITE فاللعبة، كما يقول ل TAYYAR.ORG تحدّ من ذهن روّادها وتعزلهم عن بيئتهم. يشعر وسام كلّما التقى بابنه خارج غرفة نومه التي يقضي فيها ساعات، أنه يودّ التعرّف إليه من جديد. حتى أن العلاقات الإجتماعية بين الأصدقاء، صار حدودها التلاقي على مساحة ال .FORTNITE يسعى وسام جاهدا لتحديد ساعات لعب ابنه الذي يستفيد من استراحة الدرس، للّعب، ويشچّعه على الإنخراط في مشاريع إجتماعية، لكن ذلك لا ينفي واقع أن ابنه قد يمضي أحيانا أربع ساعات أمام ال FORTNITE.
إن سألت أحد عشّاق اللعبة عن سبب تعلّقهم بها يقولون أنها متنوّعة، فيها القتل والإعمار والأسلحة الممتازة. أما بالنسبة لعلماء النفس فهي اسوأ من أي لعبة سبقتها لأن غالبية الأولاد المدمنين على الألعاب الإلكترونية هم من روادها، كما يؤكد الأستاذ المحاضر في كلية العلوم الطبيعية والتطبيقية في جامعة سيدة اللويزة، البروفسور نظير حاوي، ل .TAYYAR.ORG " فقد وصل عدد لاعبيها الى ١٢٥ مليون شخص في العالم حتى اليوم. خطورتها أنها مجانية ويمكن تحميلها على أي جهاز. أما على الصعيد النفسي، فهي تُشعر أعضاء الفريق الواحد بأنهم متساوون و بأن لا غالب ولا مغلوب وبأن الهدف هو كسر الفِرق الأخرى. ما يخلقُ لدى المراهق ثقةً بالنفس يحتاجها في هذه السنّ، لأن رفاقه في الفريق الواحد هم بحاجة إليه. ومن مساوئها أيضا أنها باتت المعيار في تصنيف الطلاب لبعضهم البعض في الصف. كما تحفّز اللعبة المراهق على تغيير شكله عبر شراء ثياب "online" وعندها تزيد الخطورة مع دفع المال. بنتيجة هذا الإدمان، تتقلّص ساعات نومه ويواجه مشاكل في التحصيل العلمي ويقصّر في واجباته المدرسية. أما ما يفاقم الأمور اليوم فهو إعلان أصحاب اللعبة عن تنظيم كأس العالم في العام ٢٠١٩ ونيّتهم توزيع ١٠٠ مليون دولار على عدد من الفائزين. ما يدفع بالأولاد اليوم ليس فقط إلى اللّعب بل إلى تمضية ساعات في مشاهدة الفرق الأخرى للتعلّم منها واستثمار خبراتها في جولات لاحقة".
في دراسة علمية شارك فيها البروفسور حاوي ونشرت في صحيفة عالمية ‘journal of behavioral addiction’ ، تبيّن للباحثين تلازماً بين الأشخاص المدمنين على استعمال الأجهزة الإلكترونية واضطرابات النوم. فإما أن يناموا متأخرين وإما أن يناموا باكرا ليتمكنوا من اللعب قبل الذهاب إلى المدرسة وإما أن يقطعوا نومهم لإكمال اللّعب.
لكن خطر الإدمان لا يقتصر على ال FORTNITE، اذ يحذر البروفسور حاوي من الاضطرابات التي يخلقها الإدمان على الألعاب الإلكترونية. ففي دراسة شارك فيها أُجريت على عيّنة حجمها ٢٩٦ مراهق ، بمعدّل عمر 16.2 سنة أي في الصفوف الثانوية الأولى والثانية والثالثة، تبيّن أن %٩,٢ يعانون من اضطرابات نتيجة استخدام الألعاب الإلكترونية فيما ٣٥,٧٪ هم في دائرة الخطر. وهو ما يحتّم على الأهل مسؤوليات بوضع ضوابط وتطبيقها على المدى البعيد بحسب حاوي. " تبدأ بتقليص ساعات استخدام الإنترنت، ثم حجب المال عن الولد لشراء ملابس وتغيير شكله في اللعبة والأهم هو لفت نظر الولد على واجباته اليومية وحثّه على القيام بها، لأن هذا الإدمان يعمل بشكل خطير على تغيير نسيج المجتمع. إلا أن نجاح هذه الخطوات يتطلب حزماً من الأهل يُكسبُهم أولادهم على المدى البعيد.

ذكر فى هذا الخبر
شارك الخبر على