الجانب المظلم من قمر التمويل

over 5 years in الشبيبة

ويليام وايتلا ينبغي لأحد أن يبالغ في تقييم قدرة أهل الاقتصاد على الفهم. فتماما كما كانت شدة التباطؤ العالمي الذي بدأ في منتصف العام 2008 مفاجأة تامة لأغلب خبراء الاقتصاد، كانت أيضا الطبيعة المتصلبة التي اتسم بها التعافي من الأزمة. على نحو مماثل، تبدو التوقعات الاقتصادية اليوم ليست أكثر من استقراء مفعم بالأمل للنمو في الآونة الأخيرة. في الواقع، ليس كل شيء على ما يرام تحت السطح. وإذا اندلعت أي أزمة مالية أخرى، فربما يكون الركود التالي أكثر تكلفة من الأخير، خاصة وأن صناع السياسات سيواجهون قيودا اقتصادية وسياسية غير مسبوقة في الاستجابة لهذه الأزمة.يشعر بعض المراقبين بالارتياح إزاء التحسن الذي طرأ في مرحلة ما بعد الأزمة على التنظيم المالي العالمي، على افتراض أن هذه التدابير من شأنها أن تمنع الضائقة المالية من الامتداد إلى الاقتصاد الحقيقي. وهو موقف غير حكيم. ذلك أن الأسس التحليلية للعديد من «أشكال التحسن» هذه تبدو مهتزة، وقد أثبتت التحديات المحيطة بتنفيذ الضوابط التنظيمية الجديدة كونها هائلة.لعل الأمر الأكثر أهمية هو أن السياسات النقدية المفرطة في التساهل عملت على تشجيع السلوك المالي الذي كان المفترض أن تعمل الهيئات التنظيمية على تقييده على وجه التحديد. ومع تسارع السياسة النقدية بثبات، وضغط السياسات التنظيمية على المكابح بقوة، تصبح النتيجة الأكثر ترجيحا تفاقم حالة عدم الاستقرار.كان الأثر الجانبي الأكثر إثارة للقلق الذي خلفته السياسات النقدية الأخيرة هو الزيادة المستمرة في نسبة الديون غير المالية إلى الناتج المحلي الإجمالي العالمي. ورغم أن أزمة 2008 عرضت علينا الفرصة للتخلص من الروافع المالية، فإن العكس هو ما حدث. فقد تراكمت الديون في مختلف أنحاء العالَم، وكانت الزيادة الأكبر في القطاعات الخاصة في الأسواق الناشئة.كان المفترض أن يشكل التعافي في اقتصادات الأسواق الناشئة جزءا من حل ما بعد الأزمة. والآن أصبحت هذه الاقتصادات جزءا من المشكلة. ولأن قسما كبيرا من هذا الدين المقوم بالدولار أصدره أشخاص غير مقيمين في الولايات المتحدة فإن هذا يعني أن أزمة عملة مكلفة أخرى ربما تكون في انتظارنا.بالإضافة إلى مستويات ديون عالمية متضخمة، يبدو أن أسعار العقارات التي ارتفعت إلى عنان السماء تتجه نحو منعطف، وتظل أسعار الفائدة طويلة الأجل «الخالية من المخاطر» منخفضة إلى حد غير عادي في العديد من الدول. وقد دعت المخاطر الائتمانية والفوارق الفصلية المنخفضة للغاية، إلى جانب قياسات منخفضة إلى حد غير مسبوق للتقلبات، إلى المزيد من السلوك المحفوف بالمخاطر. وإذا اتجهت هذه الفوارق نحو التطبيع، فسوف تكون المخاطر جسيمة.الواقع أن النسبة غير المسبوقة من القروض الجديدة «المتساهلة» (التي تفتقر إلى العديد من سبل الحماية الأساسية للمقرض) تشهد على الإفراط في خوض المجازفات. وهي تعني أيضا أن معدلات استرداد القروض الرديئة (وما يرتبط بها من التزامات القروض المضمونة) قد تكون مرتفعة على نحو غير متوقع. ولأن شركات إدارة الأصول والأسهم الخاصة حلت على نحو متزايد محل البنوك المقيدة بالضوابط التنظيمية كجهات مقرضة، فقد أصبح من الصعب على نحو متزايد رؤية ما يجري من حولنا حقا، وتوقع عواقب التقشف المالي في المستقبل، وخاصة في ما يتصل بالأسواق الناشئة.إذا بدأت الأسواق المالية تشدد من ضوابطها، سواء بشكل عفوي تلقائي أو في الاستجابة لظروف نقدية أشد إحكاما، فهناك سبب وجيه يدعو للقلق بشأن تجاوز الهدف. ونظرا للسياسات النقدية غير التقليدية التي انتهجتها البنوك المركزية الكبرى على مدار العقد المنصرم، فإن عملية «اكتشاف الأسعار» في الأسواق المالية كانت في تضاؤل لفترة طويلة.عند هذه المرحلة، تضطر حتى الأسواق المالية «الفعّالة» إلى النضال للتكيف مع التطبيع. وقد شهدنا العديد من المؤشرات التي تدل على عدم كفاءة الأسواق المالية في السنوات الأخيرة، بما في ذلك استمرار الانحرافات مثل انتهاك شروط تعادل أسعار الفائدة المغطاة في أسواق الصرف الأجنبي، ونوبات انخفاض السيولة (التي ترجع جزئيا إلى ضوابط تنظيمية جديدة)، وانهيارات سريعة متكررة. وإلى هذه «المعلومات المعلومة»، يتعيّن علينا أن نضيف «المجهولات المعلومة» المرتبطة بالتجارة الخوارزمية والاستثمار السلبي.الخطر الرئيسي الأخير الذي يهدد الاقتصاد العالمي هو إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، التي تهدد سياسات الحماية التي تنتهجها بإبطاء النمو الحقيقي (المعدل تبعا للتضخم) ودفع معدل التضخم إلى الارتفاع. ورغم أن التوسع المالي في الولايات المتحدة ربما يعوض بشكل مؤقت عن عوائق النمو، فإنه يؤدي أيضا إلى تفاقم الضغوط التضخمية وتقويض استدامة الديون الأطول أجلا. علاوة على ذلك، تعمل كل من سياسات الحماية والتوسع المالي على تعزيز قيمة الدولار، وبالتالي الضغط على المصدرين الأمريكيين والأجانب الذين اقترضوا بالدولار.وما يزيد الأمور تعقيدا أن تصريح ترامب بأنه ليس «متحمسا» لاحتمال ارتفاع أسعار الفائدة يشير إلى انتهاء بنك الاحتياطي الفيدرالي المفرط الامتثال خلف المنحنى التضخمي. وعندما يحدث هذا، فإن الركود يأتي في أعقابه عادة.وأخيرا، تستخدم إدارة ترامب على نحو متزايد الدولار -والقدرة على الوصول إلى مقاصة الدولار والتمويل بالدولار- كسلاح جيوسياسي، فتجازف بشن عمليات انتقامية ضدها بل وربما أيضا تهديد مستقبل النظام النقدي العالمي القائم على الدولار.تعمل كل هذه المخاطر على زيادة احتمالية «الخضوع» الجماعي في مواجهة صدمات المستقبل. الأسوأ من ذلك، إذا شهد الاقتصاد العالمي انتكاسة كبرى أخرى، فإن صناع السياسات سيواجهون صعوبات أكبر كثيرا من ذي قبل في الاستجابة لها. وتعني أسعار الفائدة المنخفضة أوليا أن البنوك المركزية لن تجد مجالا يُذكَر للتخفيف النقدي التقليدي.أما عن السياسات النقدية غير التقليدية، فما يزال هناك الكثير من الخلاف حول فعاليتها. وعلى أية حال، ستفضي التدابير الجديدة إلى زيادة حجم الميزانيات العمومية للبنوك المركزية، والتي يعتبرها كثيرون بالفعل (وخاصة في أوروبا الوسطى) مصدرا محتملا للتضخم في المستقبل.على نحو مماثل، وبصرف النظر عن مزاياها، يكاد يكون من المؤكد أن السياسات المالية ستكون مقيدة بمخاوف القادة من ارتفاع الديون السيادية بسرعة، وخاصة في الاقتصادات المتقدمة الكبرى. فمن المؤكد أن أي عملية إنقاذ أخرى للبنوك من شأنها أن تنتج ردة فعل سياسية عنيفة. ولكن حتى إذا كان بنك الاحتياطي الفيدرالي على استعداد للمجازفة، فإن الأحكام الواردة في تشريع دود-فرانك للإصلاح المالي لعام 2010 يقيد صراحة صلاحية بنك الاحتياطي الفيدرالي في مثل هذه الأمور. ولكن هل تنطبق هذه الأحكام على قدرة بنك الاحتياطي الفيدرالي الفنية على توفير الدولارات للبنوك المركزية الأجنبية -كما فعل على نطاق ضخم في أواخر عام 2008؟ تظل الإجابة غير معلومة.كما ظهر عائق سياسي أكبر في العقد الفائت. ففي حين كانت أزمة 2008 ظاهرة عالمية استحثت استجابة عالمية، فإن نمو المشاعر القومية في العديد من الدول من شأنه أن يعرقل في الأرجح أي تعاون مماثل. فهل يسمح الكونجرس الأمريكي الآن لبنك الاحتياطي الفيدرالي بتقديم قروض بقيمة تريليونات من الدولارات إلى «أجانب استغلاليين»؟أضف إلى هذا صعود الصين والهند، فيصبح من الواضح أن الدور الذي تلعبه الولايات المتحدة في الزعامة العالمية بات أقل وضوحا مما كان عليه قبل عشر سنوات. وإذا تسبب أي انكماش اقتصادي آخر في تغذية المزيد من المكاسب للقوميين وتآكل التعاون الدولي بشكل أسرع، فقد نجد أنفسنا على مسار قديم مألوف وشديد الخطورة.نائب محافظ بنك كندا سابقا، والرئيس الأسبق للإدارة النقدية والاقتصادية في بنك التسويات الدولية، ويشغل حاليا منصب رئيس لجنة المراجعة الاقتصادية والتنموية في منظمة التعاون الاقتصادي والتنميةويليام وايت

Mentioned in this news
Share it on