الدكتور عبد الرضا علي .. الناقد المعلم

أكثر من ٥ سنوات فى المدى

صادق الطريحي
والمعلّمون نفرٌ قليل في هذا الزّمان، وما سبقه وما سيتلوه! فليس المعلّمُ شهادةً تربوية، أو درجة علمية، إنما هو سلوك خفيّ، يظهرُ ساطعاً عند موقف ما، فيقول المعلّم ما يؤمن به، حتّى لو كلفه ذلك حياته أو وظيفته، أو .. ومن هؤلاء المعلمين، أستاذنا الدكتور عبد الرضا علي، وقد شاءت المصادفات الجميلة أن نلتقي معاً في ثلاث مناسبات أدبية متقاربة، الأولى على هامش حفل توزيع جوائز المكتبة الأدبية المختصة في النجف الأشرف، حيث جمعتنا مائدة الغداء مع الوزير الشاعر اللبنانيّ، جوزيف الهاشم، والشاعر يحيى السّماوي، وقد أخذنا الشّعرُ بإشكالاته، إذ رأى الوزير جوزيف الهاشم في كلمته في الحفل، أن الشّعر هو الشّعر المكتوب على وفق نظام الشطرين العربيّ، وجاء من الشّعراء إلى مائدة الطعام من يعترض على ذلك! وكان من أريحية هذا الثلاثي الجميل إنهم استمعوا بودّ إلى هذا الاعتراض، فقال الدكتور عبد الرضا علي : إن النثر فن جميل، وعند المبدع يصير أجمل من الشّعر في الكثير من الأوقات!! فلم لا نسمي هذا الفنان بـ (الناثر)؟ والناثر لا يقل مرتبة عن الشاعر في الأدب الحديث أو القديم، ولنا في تجربة الناثرين الكبيرين، الجاحظ، وطه حسين دليل جميل!!أما اللقاء الآخر فكان في أمسية منتدى نازك الملائكة في اتحاد الأدباء في بغداد، وهي عن (الخيال الشّعبي في الميثولوجيا العربية) وقد حضرها جمع كثيرٌ من تلامذته، وما زال في هذه المحاضرة يستذكر أستاذه علي جواد الطاهر ويسميه (شيخي الطاهر) وكان من تواضعه أنه سألني في مكالمة هاتفية عن رأيي فيما قدم! فقلت، إنني استمتعت أولاً بهذه اللغة الصافية، وبهذا الأسلوب الواضح، وهو ما نفتقر إليه كثيراً، فضلاً عما قدم من تحليل لحديث السعالي والجنّ في المرويات العربية!أما اللقاء الأجمل فقد حدث في أمسية خريفية شائقة في دار بابل للثقافات والفنون والإعلام، للحديث عن تجربته التدريسية والنقدية، وكان من لطفه إنه سمح لي بإدارة الأمسية، تحدث الدكتور المعلّم عبد الرضا علي منطلقاً من طفولته، قائلاً : إنه من أسرة فقيرة، وإنه بدأ القراءة من خلال مجموعة من الكتب القليلة التي يجلبها أخوه الأكبر إلى البيت، وقد جابه الكثير من الظروف الصعبة منها سجنه بعد انقلاب العام 1963 حتى تخرجه في كلية الآداب وهو في عمر الثلاثين!وتحدث الناقد المعلّم أيضاً عن الأثر الذي تركه بعض أساتذته به، فتحدث عن شيخه علي جواد الطاهر، وكيف تعلم منه منهج البحث الأدبي وتحليل النّص، وأشار إلى الدكتور إبراهيم السامرائي، وتحدث عن الدكتورة سهير القلماوي في جامعة القاهرة، وكيف دافعت عنه؛ لأنه جمع بين دراسة الدبلوم العالي (عبد الرحمن مجيد الربيعي بين الرواية والقصة القصيرة) والماجستير (الأسطورة في شعر السياب)، قائلة : إن الطالب الذي يأتي من العراق إلى القاهرة ليدرس في مكانين مختلفين في وقت واحد؛ لهو أفضل من الذين لا يحسنون تخصصاً واحداً!!ثم تحدث عن رؤيته لتدريس العروض، وتخليصه من المعوقات الكثيرة، وضرورة البدء من البحور الصافية، لذلك فقد كلِّف من قبل وزارة التعليم العالي والبحث العلميّ بتأليف كتاب لتدريس العروض، وهو في كلية التربية جامعة الموصل، فألف (موسيقى الشعر العربي، دراسة تطبيقية في شعر الشطرين والشعر الحر) وهو الكتاب الذي أعجب به العروضيّ الشيخ جلال الحنفي، وكتب عنه في الصحف حينها، وسرعان ما تبنت خمس جامعات تدريس الكتاب في مناهجها، وترجم الكتاب إلى الفارسية ويدرس الآن في جامعة مازندران، وفي الوقت نفسه أشاد بالشيخ جلال الحنفي رحمه الله، وبكتابه (العروض)؛ لأنه استطاع أن يغطي المادة العروضية كلها، إلا أنه أخذ عليه رموز التقطيع، مفضلاً رموز الدكتور صفاء خلوصي.وتحدث أيضاً عن مشاركته في تأليف كتاب (في النقد والأدب الحديث) مع الدكتور فائق مصطفى، قائلاً إنهما بذلا جهداً كبيراً لتعليم الطلبة كيفية تحليل النّص الأدبيّ ومعرفة عناصره وكيفية تآلفها، فضلاً عن المعلومات العلمية في المذاهب والأجناس الأدبية.ثم تحدث عن اشتراكه مع الدكتور سعيد الزبيديّ لإعداد كتاب (الجواهريّ في جامعة الموصل كلمات ومختارات) وهو عن زيارة الشاعر الكبير الجواهريّ لجامعة الموصل سنة 1980، وقد أصرّ الجواهريّ على نشر قصيدة رثاء الراحل محمد البكر؛ معللاً ذلك بعلاقة الصداقة الطيبة التي تربطهما، ولكن الكتاب سرعان ما جمعت نسخه من المكتبات من قبل المنظمة السرية وجمهورية الخوف، استناداً إلى كلمة في المرثية فسرت من قبل المنظمة السرية بانها تمس المخلوع صدام حسين!! وأضاف إنه سيعيد طبع الكتاب بصورته التي ظهرت وقت ذاك في أقرب فرصة.وأشار أيضاً إلى مصطلح (قصيدة النثر) وفي رأيه إنّ المصطلح ليس صحيحاً، وأنّ رائد هذه الكتابة في العراق الشاعر حسين مردان أسمى هذه النوع من الكتابة بـ (النثر المركز) وهو الأقرب إلى الواقع، وأنّ الكاتب في هذا الجنس يمكن أن يسمى (ناثر) وأضاف، إنّ القليل جداً من الكتاب هم من القابضين على جمرة هذا الجنس الأدبيّ! ولعل الذين يعرفون آراء الناقد هذه، يعرفون أنّ الدكتور عبد الرضا علي غير متعصب إلى شكل شعريّ! ولو أنّ الوقت يتسع لنا؛ لبقينا نتحدث عنه حتى آخر سطرٍ في الجريدة، فلا يملّ القارئ؛ لأنّ الحديث عن معلمٍ يؤمن أنه ما زال متعلماً، لهو من أجمل الأحاديث.

شارك الخبر على