تقرير معهد كاتو(CATO) للحرية الاقتصادية الدولية – ٢٠١٨ "واقع ومستقبل العراق"

أكثر من ٥ سنوات فى المدى

د. أحمد عبد الرزاق شكارة
   نشر معهد كاتو تقرير الحرية الاقتصادية في العالم للعام 2018 حيث ركز أهتمامه على قياس درجة دعم السياسات والمؤسسات الرسمية للحرية الاقتصادية عالمياً شملت اقليم منطقة الشرق الأوسط وشمالي أفريقيا (مينا- MENA) والعراق من ضمنه . إن الركائز الاقتصادية المحورية  التي توضح معنى مضمون الحرية الاقتصادية شملت موضوعات رئيسة يمكن تحديدها بالصورة التالية : حرية الاختيار والتكييف لما يطرح من بدائل وخيارات إقتصادية ، حرية دخول الأسواق الاقتصادية والتنافس على الامتيازات الاقتصادية العالمية بكل اقتدار وكفاءة ، كذلك أمن المواطن وحرمة ملكيته الخاصة إعطيت لها اهتمامات خاصة.
ضمن هذا الإطار العام حدد مقياس كاتو للحرية الاقتصادية للعام 2018 )42( بنداً استخدمت لتشكيل ملخص المؤشر الذي على ضوئه تحدد طبيعة ودور الحرية الاقتصادية عالمياً ، إضافة لقياس مدى توفر الحرية الاقتصادية وماهية الدرجات التي يستند عليها عند بحث تصنيف مواقع الدول قوة وضعفاً حيث تتم عبر خمسة أبعاد أو مساحات رئيسة تجيب عن تساؤلات مهمة حول الشؤون المتعددة والمتنوعة للاقتصاد السياسي لدول العالم. النقاط الخمس الأساسية هي: أولاً : الحجم الحكومي والمقولة تشير إلى أنه "كلما إزدادت النفقات المالية و تصاعدت نسب الضرائب ، وتم إقامة مشروعات تجارية خاضعة لسلطة الدولة كلما إتسع حجم صناعة القرار الحكومي على حساب مساحة الحرية الفردية ما يعني تقلص الحرية الاقتصادية عموما. ثانياً : النظام القانوني وحقوق الملكية: متضمنا حماية الاشخاص وحقوق ملكياتهم حيث تعد ركنا أساسيا للحرية الاقتصادية وللمجتمع المدني معا. ثالثاً : الاستقرار المالي : يعد مسألة حيوية إذا ما أريد حماية الاموال من أن تفقد قيمتها كنتيجة مثلا لارتفاع نسبة التضخم التي تؤثر سلبا على قيمة الاجور والمدخرات . من هنا، فإن صيانة الاموال وحسن التصرف بها يؤد بالضرورة لحماية حقوق الملكية وغيرها من إجراءات تدفع بالتنمية اشواطا متقدمة. لعل من المناسب الاشارة إلى ان التضخم لايعني فقط إرتفاع الاسعار بل ان حالة التضخم ذاتها قد تتسم بعدم التيقن من نتائجها ، ما يعني صعوبة التخطيط السليم لمستقبل تعززه الحريات الاقتصادية الفاعلة والمؤثرة على نهج التنمية الاقتصادية المستقلة والمتوازنة. رابعاً : حرية التجارة الدولية : تعني ببساطة حرية التبادل التجاري –بيعا ـ شراءا – ابراما لعقود وغيرها من عمليات جوهرية ملازمة للحرية الاقتصادية التي قد تتاثر هي الاخرى سلبا عندما تتخذ بعض الدول إجراءات تحرم دولا معينة من التبادل التجاري المنفتح والمتوازن ، أو في حالة فرض بعض الدول سياسات تجارية حمائية كالتي تفرضها الولايات المتحدة –عهد ترامب أنموذجا- على الصين والاتحاد الاوروبي ودول اخرى في العالم –مثل اقليم مينا (الشرق الاوسط وشمال أفريقيا). خامساً: تطبيق نظم بيروقراطية تضع خطوطا حمراء بصورة تعليمات أو لوائح تقليدية تعيق حرية التجارة الدولية بكل اشكالها وصورها ووسائلها أو أدواتها. مؤشر الحرية الاقتصادية في العالم يشير في أحد جوانبه الرئيسة إلى مدى أهمية بل وضرورة إعمال تكييف قانوي جديد يمنح المرأة إمكانية التخفيف من وطأة الفارق الاجتماعي- الاقتصادي مع الرجل في ميادين وساحات العمل ينطبق الأمر خاصة على الدول التي تمارس قانونيا أوفعليا التمييز ضد حقوق المرأة ولعل ما يقع في اقليم مينا (الشرق الاوسط وشمال افريقيا) نماذج متنوعة ومتعددة يمكن توضيحها في مقالات أخرى . من منظور مهم مكمل يتيح مقياس درجة الحرية الاقتصادية في العالم منذ اول اصدار له في عام 1996 إمكانية حقيقية للدول في مقارنة اوضاعها ، سياساتها ودور مؤسساتها بغيرها من دول العالم المتقدم وذلك من أجل العمل بشكل مستدام نحو الدفع بدورة الاستثمار والنمو الاقتصادي عالياً بالتوازي مع مهمة إحداث تقليص أساسي للفوارق في مستويات الدخل مع العمل الحثيث المستمر بإتجاه التخفيف من معدلات البطالة العالية جدا خاصة بين خريجي الجامعات والمؤسسات العلمية . أكثر من ذلك لابد للسلطات المعنية بشؤون الدولة من أن تنهي أو على الأقل تضيق من مساحة الفقر الشديد الذي يطال فئات وشرائح إجتماعية مهمشة (الاطفال والشباب وكبار السن للجنسين) . من منظور مكمل عُرِفت الحرية الاقتصادية طبقاً لمعهد فريزر Fraser Instituteعلى أنها ترتبط بمدى مايتاح من مرونة وحرية لانتقال موارد البلاد من جهة إلى أخرى وفقاً لإختيارات شخصية عوضاً عن الاعتماد على تخطيط ستراتيجي مركزي للدول . إن العلامة أوالعلامات الفارقة في تقييم مدى أهمية ما ورد من معلومات تفصيلية حول مكونات الاقتصادات السياسية للدول يظهر أن عدداً من الدول قد أحرزت تقدماً ملموساً في ميدان التنمية الاقتصادية والبشرية الشاملة إذ نجحت فعلياً في الاستفادة من محيط الحرية الاقتصادية التي نقلت دولاً معينة من مستوى متدن إجتماعياً- إقتصادياَ نسبياَ إلى مستويات أكثر نضجاَ وتطوراَ حيث إسهام الافراد والجماعات في مشروعات التنمية والتكييف مع المتغيرات أضحى أمراً وارداً بل ومطلوباً . ترتيباً على ذلك تفاوتت الدول أو الاقاليم في مواقعها من التصنيف العالمي الذي أحتله مقياس الحرية الاقتصادية الدولية بدءاً من الأفضل رقم (1) هونك كونك تليها سنغافورة ونيوزلندة ، سويسرا ، أرلندة والولايات المتحدة الاميركية ، أما الأخيرة فنزويلا فقد احتلت الرقم( 162) سبقتها ليبيا ، الأرجنتين ، الجزائر وسوريا. أما العراق فقد دخل التصنيف للمرة الاولى في هذا العام 2018 محتلاً الرقم )152) وهو رقم جد متدني . علماً بإن معظم دول الخليج العربي بإستثناء إيران (130) والمملكة العربية السعودية (103) اتخذت مواقع متقدمة نسبياً : البحرين (30) ، الامارات العربية المتحدة( 37) ، قطر(38). جدير بالملاحظة إن الحالة العراقية إتسمت بالهشاشة والفشل لمدة طويلة كنتيجة للحروب المدمرة التي خاضها العراق 1980-1988، 1990/1991، 2003 مع كل ما ترتب عليها من عقوبات دولية واقليمية قاسية . محيط جيوسياسي معقد وصعب كهذا كان لابد أن يعني أن مناخ الحرية الاقتصادية تراجع كثيراً بشكل مواز لتراجع حالة الأمن والاستقرار السياسي والاقتصادي ما أفقد العراق مزايا حيوية كان من الممكن أن يبني عليها من خلال تخطيط ستراتيجي كفوء بدءاً من توفير الأمن والأمان والاستقرار إلى استنفار واستغلال كافة موارد البلاد الغنية في التنمية البشرية ( كفاءات بشرية متنوعة) لاتقل أهمية عن الموارد الطبيعية من مياه (نهري دجلة والفرات وتفرعاتهما ) وموارد حيوية للطاقة (نفط وغاز طبيعي وغيره) وموارد معدنية أخرى مهمة كالفوسفات والكبريت وغيرها لازالت تمثل قوة كامنة في باطن الأرض يمكن بل لابد من الاستفادة منها مستقبلاً. العراق حالياً بانتظار حكومة عتيدة تخطط جيداً وتنفذ ما وعدت به البلاد من تعزيز مسيرة الإعمار والبناء ضمن إطار ستراتيجي رصين . من النقاط التي يجدر بنا أن نشير إليها ما يلي : أولاً : تحديد رؤية جيواقتصادية –ستراتيجية شاملة لطبيعة النظام الاقتصادي العراقي بما يتناسب مع ظروف العراق وإمكاناته الجغرافية السكانية – الاقتصادية – الاجتماعية والثقافية والتربوية وغيرها. ثانياً: استقطاب كفاءات العراق وتصنيفها وفقاً للتخصصات العلمية والمهنية بصورة تتسق مع مواقعها الميدانية المسقبلية في بناء عراق جديد متطور ينافس أفضل دول العالم على الحصول على أفضل المستويات أو المراتب المتقدمة ليس فقط في مجال الحرية الاقتصادية بل في كل مجالات التنمية الانسانية الشاملة المستدامة. ثالثاً: تأسيس أفضل علاقات التعاون والتنسيبق بين العراق مع دول الجوار من أجل بلورة نظام إقليمي فاعل وقوي يمكنه من لعب دور تنافسي اقليمي -عالمي يحقق في نهاية المطاف "تنمية وطنية مستدامة". رابعاً: تعزيز علاقات التنمية البشرية عالمياً واقليمياً من خلال أدوار حيوية تلعبها ليس فقط للحكومات الرسمية وإنما مختلف صور وأشكال منظمات المجتمع المدني والتنظيمات غير الحكومية بل وحتى التنظيمات الدولية التي تندرج في إطار الأمم المتحدة ووكالاتها المتخصصة. أو التنظيمات الإقليمية القائمة (الجامعة العربية) التي لازالت خطواتها خجولة وبطيئة الايقاع. خامساً: تطوير خطط الاستثمار الحر "الليبرالي" مع شركات ومؤسسات رصينة معتمد عليها من أجل بناء عراق حديث يتفاعل مع الآخر بصورة فاعلة "دون إفراط أو تفريط بحقوق العراق وحرياته الأصيلة". سادساً : من معرفة تصنيف الدول في مجال الحرية الاقتصادية يتضح لنا أنه ليس بالضرورة أن تكون الدولة متقدمة اقتصادياً بمستويات عليا كي يرتفع تقييمها في مؤشرات التصنيف كما هو حال الولايات المتحدة الاميركية ، بريطانيا ، فرنسا وغيرها . في مقابل ذلك دول وأقاليم مثل هونك كونج وسنغافورة ونيوزلندة لعبت أدواراً حيوية جد متقدمة في بناء دولها مستثمرة مناخ الحرية الاقتصادية- الاجتماعية - السياسية –التقنية بصورة فاعلة. سابعاً: جدير بالاهتمام إن مناخ الحرية الاقتصادية لايرتبط فقط بمحيط الحرية السياسية على أهميته بل مرتبط بمنظومة القيم الحرة إجتماعياً وإنسانياً ما يوفر حصانة معنوية تضاف للحصانة المادية "اقتصادياً- مالياً". ثامناً: مناخ الحرية الاقتصادية لايعني ترك الباب على الغارب لأي شخص أو جهة معنوية تود تخريب منظومة القيم الانسانية والمادية واستغلال الفرص للربح الخاص بصورة بعيدة عن أية محاسبة وشفافية في التعامل. تاسعاً: مجابهة معوقات التقدم بكل صنوفها وصورها مسألة غاية في الأهمية تسهم في النهاية برفع مستويات الدول من مواقع متدنية في إطار مقياس أو مؤشر الحرية الاقتصادية إلى مواقع متقدمة جداً الأمر الذي يعزز مدى الاستفادة من إمكانات –قدرات- الدول ما يرفع من مواقع تصنيفها وهذا ما نأمله أن يحدث عملاً في العراق من خلال تحمل ابنائه مسؤولية بنائه وتنميته الشاملة المستدامة بيئياً ومعرفياً وتعليمياً. عاشراً: مراحل الصراعات والنزاعات المستمرة خاصة الحروب التي خاضها العراق مع جيرانه "لا طائل من ورائها سوى النكبات الإنسانية" التي أضرت كثيرا بالدولة العراقية وأرجعتها القهقرى للوراء أعواماً طويلة نسبياً . مع ذلك فإن تكييف العراق مع مرحلة مابعد داعش تتنظرها مراحل أخرى تسهم بتقليص دور قوى التطرّف والعنف بالتوازي مع نتائج مثمرة للقضاء على مختلف أنواع الفساد ومحاسبة المفسدين بكل ما لدى القانون من قوة تنهي أو تقلص كثيراً من إستمرار حالات الفساد المستشري الذي هو الوجه الآخر للارهاب الذي بات ينخر في جسد الدولة والمجتمع العراقي. دروس الدول الأخرى التي نجحت في التخلص من تداعيات الفساد يجب أن تكون حاضرة في الذاكرة ويعمل على الاستفادة منها. أخيراً مستقبل البلاد سيكون رهناً بمدى تحقق تنمية إنسانية – مدنية ، نوعية عالية القيمة وفقاً للاستفادة من ترجمة الواقع النظري إلى واقع عملي مخطط له جيداً سماته وعناوين مرحلته القادمة بناء عراق أمن مستقر ومزدهر يستفيد أبناؤه جميعاً من ثرواته ويخفف من غلواء الاعتماد على أقتصاد ريعي بإمتياز انتقالا إلى مرحلة اقتصادية حديثة تقنيا "إبداعية في شكلها ومضمونها" تنهض بمتطلبات العراقيين جميعاً وعلى الخصوص تعمل على إنهاء معاناة الفئات المحرومة والهشة من المجتمع خاصة جيل الطفولة الذي آن أوان حمايته وجيل الشباب الذي آن أوان تمكينه وتوفير كامل حقوقه وحرياته الأساسية إذ أن كلاً من جيلي الطفولة والشباب يشكلان ما لايقل –تقديرا- عن 50 إلى 60 في المائة من مجموع السكان في العراق.

ذكر فى هذا الخبر
شارك الخبر على