«حلوة بلادي السمرا».. رائعة بليغ حمدي ووردة
ما يقرب من ٧ سنوات فى التحرير
لا تفوت مناسبة إلا ووجدت أغنية وطنية جديدة، أهداها أحد الفنانين للشعب احتفالًا بأى من المناسبات الوطنية، إلا أن تذكر أسماء تلك الأعمال يعد ضربًا من المحال، ربما لعدم قدرتها على مس مشاعر المواطنين، وذلك على عكس الأغاني التي وثقت لـ«نصر أكتوبر 73»، التي مر عليها 45 عامًا، والتى لاتزال خالدة فى الأذهان، كونها نجحت بالفعل فى اللعب على وتر الحس الوطني لدى الشعب المصري، ومن بين تلك الأغاني تأتي «حلوة بلادى السمرا» رائعة وردة وبليغ حمدي وعبدالرحيم منصور، والتى تحمل خلفها الكثير من الكواليس.
وتعود كواليس تلك الأغنية التي تعاون فيها الثنائي الشاعر عبد الرحيم منصور، والموسيقار بليغ حمدي، اللذين قدما الكثير من الأغاني الوطنية التى وصلت إلى 200 أغنية خلال فترة حرب الاستنزاف، ولكن المختلف فى «حلوة بلادي السمرا» أنها خرجت بعفوية وتلقائية شديدة من شاعر العامية ابن الصعيد، لحظة علمه بالنصر، ففى يوم السادس من أكتوبر، عام 1973، لم يكن أحد يعلم بأن مصر ستشن هجومًا على إسرائيل، وفى الثانية ظهرًا بدأت الطائرات المصرية فى القصف، كان وقتها «منصور» فى بيته، نائمًا بعد أن أقضى يومًا طويلًا مع صديقه «بليغ» داخل مبنى الإذاعة والتليفزيون، فى تسجيل بعض الأغاني، -وبعد أن حلى النوم فى عينه-، إذا باب الشقة يطرق، ليذهب مسرعًا ويفتح الباب ليجد «بليغ» والسعادة تملأ وجه، ويقول: «اصحى احنا عبرنا وانتصرنا».
فى تلك اللحظات أصابت البهجة أيضًا عبد الرحيم منصور، الذي لم يتمالك نفسه وكانه أصبح طفلًا، وتمنى بأن يوجد فى تلك اللحظة داخل بلده مع عائلته بصعيد مصر، وقال: «نفسي كنت أبقى فى البلد دلوقتى.. كنت هامسك الربابة واغني بيها فى كل البلد»، فكانت تلك هى بداية الوحي الذي نزل بكلمات أغنية «وأنا على الربابة باغني»، فطلب منه بليغ حمدي، أن يمسك دفتره ويسجل سريعًا تلك الكلمات.
وانا على الربابة بغني ما املكش غير انى اغنى
وأقول تعيشي يامصر
يا مصر
وانا على الربابة بغني واقول
ما املكش غير غنوة امل للجنود ... أمل للنصر
ليكي يا مصر ليكي يا مصر
الموسيقار بليغ حمدي، لا يريد أن يضيع الوقت، كونه يشعر دائمًا بواجبه نحو وطنه الذي يقدمه من خلال الفن، وبعد أن انتهى عبد الرحيم منصور من كتابة كلمات «حلوة بلادي السمرا» أو «وانا على الربابة باغني»، اتجه الثنائي إلى مبنى الإذاعة والتليفزيون، وذلك من أجل تسجيل تلك الأغنية، ولكنهم فوجئوا بقوات من الأمن تمنعهم من الدخول، ووصل الأمر إلى حدوث تشابك بين الطرفين، ولكن بليغ «العنيد» قرر عدم الرحيل؛ إلا بعد أن يسجل الأغنية، وتدخل حينها وجدي الحكيم، الذى كان يشغل منصب رئيس لجنة التراث بالإذاعة، وقال للثنائي «عبد الرحيم» و«بليغ» بأن ليس هناك أموال لإنتاج أى أغان فى الفترة الحالية.
ولكن المال لم يكن هدفهما، فرد «بليغ» قائلًا: «مافيش قوة في الأرض تمنعني من تقديم واجبي نحو بلادي، ومستعد للتبرع بأجري ودفع كل مصروفات الفرقة من جيبي الخاص»، وبعد تلك الكلمات لم يكن لرئيس لجنة التراث بالإذاعة، سوى الموافقة، ولكنه طلب منهما بأن يعود أولًا لرئيس الإذاعة، بابا شارو، الذى وافق على الفور، وسمح لهما بدخول مبنى الإذاعة والتليفزيون، ودخل الثنائي ومعهما الفنانة وردة الجزائرية.
وتم تسجيل الأغنية التي كتبها عبد الرحيم منصور ولحنها بليغ حمدي وغنتها الفنانة وردة الجزائرية، خلال ساعتين فقط، وتم تركيب الأغنية على فيديوهات أرشيفية للجنود، وخلال ساعات من إذاعتها حققت الأغنية نجاحًا ساحقًا، وأصبح صوتها يعلو كل شيء فى الشارع المصري، وكان «بابا شارو» واقفا مذهولا من روعة الأغنية وأخذ يستمع إليها 3 مرات، وبعدها طلب من وجدى الحكيم، بأن يستدعى بليغ حمدي قائلًا: «هاتولى الواد بليغ يعرفني عملها إزاي»، وجاء بليغ حمدي لمقابلة رئيس الإذاعة، الذي أمر بفتح أحد الأستديوهات من أجل إعادة تسجيل الأغنية مرة ثانية بصحبة الكورال، وتم تصويرها فى ديكور مسلسل للفنان نور الدمرداش.
وهكذا جاءت الأغنية الوطنية الأشهر «وأنا على الربابة باغني» التى لا تزال الأقرب إلى قلوب الكثير من المصريين، ويجدون فيها مصرهم الحبيبة.