أفلام منعت من العرض.. ناصر أوقف «الله معنا» لتمجيده نجيب (٤)

أكثر من ٥ سنوات فى التحرير

ثورة 23 يوليو 1952، كان لها تأثيرات كبيرة على كل مناحي الحياة، وباعتبار السينما هي مرآة تغيير المجتمع، فقدت تناولها الكثير من الأعمال، وكان لعدد كبير من الأفلام دور بارز في مباركة الثورة من خلال رصدها وتوثيقها، وكان لفيلم "الله معنا" السبق في تناول الحدث، حيث يُعد من إرهاصات الثورة، وبطولة مجموعة من النجوم، في مقدّمتهم عماد حمدي، فاتن حمامة، محمود المليجي، ماجدة، شكري سرحان، حسين رياض، زكي طُليمات، سراج منير، علوية جميل، استيفان روستي، وغيرهم.

الفيلم من إنتاج شركة مصر للتمثيل والسينما التابعة لبنك مصر، وتم رصد ميزانية قدّرها 40 ألف جنيه لتنفيذه، ووقع الاختيار على المخرج أحمد بدرخان بصفته الأكثر تضررًا من عهد الملكية بسبب فيلمه الوطني "مصطفى كامل"، وعهد بكتابته إلى إحسان عبد القدوس لدوره التاريخي الملموس في العديد من القضايا، وتحديدًا قضية الأسلحة الفاسدة التي أثارها على صفحات مجلة "روز اليوسف"، وكان أول سيناريو يكتبه الأديب الكبير مباشرةً للسينما.

وكغيره من الأفلام التي تناولت قيام الثورة، تناول الفيلم حرب فلسطين 1948، باعتبارها حدثًا رئيسيًا أدى إلى الثورة، وأن الملك فاروق كان وراء صفقة الأسلحة الفاسدة التي بسببها مُني الجيش المصري بالهزيمة على يد جنود الاحتلال، مما أدى إلى غضب بين رجال الجيش، ويتكون تنظيم الضباط الأحرار لكي ينتقموا للوطن، وتنتهي الأحداث بالإطاحة بملك البلاد وتولي الضباط مقاليد الحكم.

وأهمية قضية الأسلحة الفاسدة في الفيلم، أنها تحوَّلت إلى قضية رأي عام، باعتبار أن هناك أكثر من طرف سياسي، ارتبطوا معًا بهذا الأمر، الطرف الأول هم أصحاب الصفقة، والثاني هو الصحفي الذي أثار الموضوع في المجلة، التي يكتب لها، والطرف الثالث ضحايا هذه الأسلحة التي تفجرت فيهم.

وهذا النوع من التعددية في الأطراف صنع عملًا دراميًا متكاملًا، وصراعًا لا بد أن ينتهي لصالح أحد الأطراف، فأصحاب الصفقة يتمثلون في الباشا (محمود المليجي) الذي يحتفظ في خزينته الخاصة بما يؤكد أنها صفقة مشبوهة، ويعضد هذا الباشا رجل السراي زكور باشا، كما أن الملك نفسه يتولى حماية الفساد والمفسدين، لأنه كان شريكًا في صفقات الأسلحة، فكانت السراي تستخدم كل وسيلة لإسكات أي صوت يرتفع، وإخماد أي حركة تقوم، وهؤلاء الأشخاص في الفيلم يلعبون بمقدرات الوطن سياسيًا، وهم يكسبون المنصب والمال والجاه الاجتماعي، ويسعون إلى الاحتفاظ بمقدرتهم على حساب قوت الناس ومصائرهم، بل وعلى حساب مستقبل الوطن نفسه.

أما الطرف الثاني فيتمثل في شخصية الصحفي (شكري سرحان)، الذي يكشف الفساد، ويجعل الأسلحة الفاسدة قضية سياسية عامة، مما يدفع النيابة إلى التحقيق معه، ويصل الأمر إلى السلطات القضائية، وبل عكس إحسان عبد القدوس تجربته المشهورة في هذا الصدد داخل الفيلم.

الطرف الثالث، هناك الضابط أحمد (عماد حمدي)، الذي خطب ابنة عمه نادية (فاتن حمامة)، ولأن دوائر الفيلم لا بد أن تكون مغلقة، فإنها تجعل في هذا العم تاجرًا للأسلحة، فيطلب أحمد من نادية أن تبحث في أوراق أبيها عن دليل يؤكد صلته بها، وتستجيب الفتاة التي كانت قد عاهدته على الكفاح، وتفتح خزانة أبيها وتسرق عقد الأسلحة وتُقدمه إلى خطيبها الذي يُقدّمه إلى الصحفي، فينشره في مجلته، ومن هنا تبدأ خطوط الصراع في التفجر.

أهمية الجانب السياسي هنا في أن الخطوط متشابكة بين الضابط والصحفي ورجال السياسية وتجار الأسلحة، فالضابط عضو في خلية سرية، هي الضباط الأحرار، هؤلاء الذين سوف يقومون بالثورة ويصبحون رجال السياسة. (شاهد الفيلم من هــــــــنـــــــــا)

بدأ تصوير الفيلم مع نهاية عام 1952، واستغرق التصوير أكثر من 6 أشهر، وكان السيناريو الأصلي للفيلم مُعدًّا ليكون قائد الثورة هو اللواء محمد نجيب، وقد كُلِّف الممثل القدير زكي طليمات بتجسيد شخصيته، لذا حضر نجيب بنفسه تصوير بعض مشاهد الفيلم وصافح العاملين وأثنى على المجهود المبذول.

غرض الفيلم الرئيسي هو تمجيد الثورة والتمهيد لعهد جديد، وكان متوقعًا أن لا يجد صناع الفيلم أي معارضة رقابية، لكن لم يكن في الحسبان الصراعات التي دارت داخل أروقة مجلس قيادة الثورة منذ العام 1953 حتى أكتوبر عام 1954، عندما تم عزل اللواء نجيب نهائيًا عن حكم البلاد، ليتولى من بعدها اللواء جمال عبد الناصر.

في تلك الأثناء؛ كان فيلم "الله معنا" قد أُعد للعرض، فتقدم به المخرج للرقابة للتصريح بعرضه، فكان الرد صادمًا للجميع، وهو بمنع عرضه، وذلك بعدما تم رفع تقرير إلى مجلس قيادة الثورة بأن الفيلم يُمجد القائد السابق نجيب، ويُظهره على أنه القائد الحقيقي للثورة.

بعد استقرار الأمور للزعيم الجديد عبد الناصر، عادت قضية "الله معنا" للظهور، حتى تم الأمر مباشرةً من قِبل السلطات ​بإزالة الشخصية التي تمثل محمد نجيب من الفيلم، فقامت إدارة بنك مصر بإقناع مخرجه بدرخان بضرورة إجراء التعديل، وبالفعل تم حذف كل المشاهد التي لعبها زكي طُليمات بالفيلم، وتم رفع اسمه من التترات، فضلًا عن التنويه ببداية الفيلم بأن أحداثه غير حقيقية، وأي تشابه بينها والواقع فهو محض مصادفة.

ورغم إجراء التعديلات، إلا أن الفيلم ظل حبيس المنع، حتى أمر عبد الناصر نائبه أنور السادات بمشاهدة الفيلم وتقديم تقرير عنه، وما أن رُفع التقرير حتى طلب الزعيم مشاهدته بنفسه، وأمر ناصر بعرضه، وحضر العرض الخاص لفيلم "الله معنا" في 14 مارس 1955، بدار سينما ريفولى بالقاهرة.

شارك الخبر على