لعبة جديدة.. وأقنعة أخرى

أكثر من ٥ سنوات فى التحرير

ها هي (القرية) أصبحت بين عشية وضحاها، رمزا للتحضر والحضارة، والنور والتنوير والاستنارة، بل والتكنولوجيا والكونية، وصرنا نسمع ليل نهار تعبيرات من قبيل: العالم أصبح (قرية) كونية وقرية إلكترونية.. والكون (قرية) تكنولوجية مصغرة!

هكذا تغيرت النظرة.. وممن؟ من الذين طالما روجوا في بداية المد (الاستعماري) البريطاني والفرنسي والأمريكي والإيطالي للشرق المعذب بعذوبته في الأيام الخوالي! مع التحفظ على كلمة الاستعمار، فهي كلمة سياسية مغرضة روجوا لها وسوقوها ولا يزالون، فلا هم يعمرون ولا هم مستعمرون.. إنهم مصاصو دماء الشعوب..

كانوا يصفوننا بأننا مجتمع زراعي متخلف.. لا يستطيع الانتقال إلى مجتمع صناعي متطور، وكانوا يسوقون فكرة (ضرورة ) و(حتمية) و(بُـديّة) الانتقال من مجتمع القرية والفلاحين والمزارعين، مثلما يسوقون الآن لعبة (العولمة) و(الشرق أوسطية) و(الكونية)..

راحوا يعزفون على مسألة القرية التي هي رمز للتخلف وأن المدينة تخون القرية دائما، حتى صارت وهما كبيرا تجسد في كثير من الأذهان التي يسهل انقيادها، وشبحا جميلا في وجدان الذين انطلت عليهم اللعبة، وكم من الألاعيب البهلوانية تنطلي علينا.

ولجأوا في ذلك إلى الكثير من الوسائل والأدوات المشروعة وغير المشروعة والشرعية واللا شرعية حتى انتهوا من مص الدماء الشرقية، وامتصاص خيرات الشرق، وإفريقيا على وجه التحديد، وامتلأت بطونهم وجيوبهم ومصانعهم وقبعاتهم بخيرات الأرض الثالثة أو العالم المسمى بالثالث على حد زعمهم !

حتى إذا فرغوا من ارتشاف الدماء النقية الذكية المشبعة بالطهر والبراءة والمجبولة على الخير والسكينة والوداعة، وفضوا بكارتها وبراءتها وطهارتها، مالوا وانحرفوا 180 درجة عن مقولاتهم البشعة في باطنها والبراقة في ظاهرها، و(حولوا رحلهم) عن القرية بقيمها وقممها، وأصالتها وأصولها، وجذورها وبذورها، إلى لعبة سياحية وموضة عصرية، تتغذى على (الكافيار)، و(الهامبورجر) و(الكنتاكي)، وتنام على أشرطة الفيديو وتصحو على ثقافة الساندويتش والنسكافيه، وهي التي كانت تصحو قبل أذان الفجر وتكاسل تعبير (الحركة بركة) و(النور في البكور) ولم يعد الصبح يتنفس كما ينبغي أن يكون!!!!

تحولت الأرض المنتجة المبدعة الفياضة بالخيرات والخبرات.. إلى بطن مستهلك، وسوق مهلكة، ونفس بغيضة، واشتروا لها من يروج لها بثمن بخس دولارات معدودة!

وأصبحنا نرى القرية.. هي التي تخون المدينة!

فصار الفلاح ابن الأرض الطيبة يتناول فطوره في الفراش الوثير، ويتمطى ويتغطى في (الضحى العالي) وكيف لا وهو يسهر الليل أمام شاشة الفيديو، وأولاده يلعبون (البلاي ستيشن) وصارت الفتاة تخضب وجهها البريء بالمساحيق.. و(الجينز) أصبح هو (الكاكي) وأدوات الزراعة أصبحت ميكنة الكاوبوي وديزني لاند!

صارت القرية أمل المدينة.. والهروب إلى القرية موضة وعصرية! واقتناء (بيت) أو (دار) أو (عشة) في القرية السياحية واحدة من أكبر الأماني لدى سكان كوكب المدينة!!!

أهي عودة إلى الطبيعة؟ إلى الأصل؟ إلى السكينة؟ إلى البراءة؟

أم أنها لعبة جديدة.. وأقنعة أخرى؟

لك أن تفهمها كما تشاء..

وسلام على البراءة..

وسلام على الذين فضوا غشـاء براءتـنا!!!

ذكر فى هذا الخبر
شارك الخبر على