متى المسكين.. قوض سلطان «الكهنة» وعاداه البابا شنودة (الحلقة الثالثة)

أكثر من ٥ سنوات فى التحرير

في زمن البابا الراحل الأنبا شنودة الثالث، عانت بعض الشخصيات الكنسية من العزل أو الإبعاد أو التشهير بسبب آرائها أو أفكارها مثل القس إبراهيم عبد السيد، والدكتور جورج حبيب بباوي، والأب متى المسكين، والأنبا إغريغوريوس أسقف الدراسات العليا، والأنبا إيساك الأسقف العام، أو لأمور إدارية مثل الراهب أغاثون الأنبا بيشوي الذي كان سكرتيرا للبابا الراحل، والأنبا تكلا أسقف دشنا، ولكن بعد أن جرى في نهر الكنيسة مياه كثير خلال السنوات الماضية، وصولا لواقعة قتل الأنبا إبيفانيوس رئيس دير الأنبا مقار، فهل يمكن أن تراجع الكنيسة مواقفها من هؤلاء في عهد البابا الحالي؟ 

اقرأ أيضا: 

إبراهيم عبد السيد.. راعي الإصلاح خارج عباءة البابا (الحلقة الأولى) 

​الراهب أغاثون.. سكرتير البابا الذي ثار له الشعب ضد شنودة (الحلقة الثانية) 

الأب متى المسكين أحد أشهر الذين عاداهم البابا شنودة، حدث تغير في الموقف منه برسامة أسقف لدير أنبا مقار، وسمح بتداول كتبه بمعرض الكتاب في الكاتدرائية 2013، بعد إقامته لأول مرة في عهد البابا تواضروس، إلا أنه تم منعها بعد ذلك بسبب رفض الأنبا موسى المسؤول عن المعرض بعض كتبه الممنوعة في عهد البابا شنودة.

متى المسكين في سطور

هو يوسف إسكندر المعروف، ولد عام 1919 بمدينة بنها بمحافظة القليوبية وكان من عائلة غنية، تخرج في كلية الصيدلة عام 1943، اشتغل في المهنة حتى سنة 1948، وكان يمتلك صيدلية في دمنهور لكنه سمع صوت الإنجيل وأطاعه وباع كل ما يملك ووزعه على الفقراء ولم يحتفظ إلا بثمن تذكرة الذهاب، وتوجه للرهبنة بدير الأنبا صموئيل بجبل القلمون، في مغاغة، في عام 1950 ترك الدير وتوجة إلى وادى الريان للتوحد، وانضم إليه 7 رهبان آخرين في عام 1960، وزاد العدد إلى 12 راهبا في عام 1964، انتقل ورهبانه عام 1969 إلى دير أنبا مقار بوادي النطرون، وتوفي يوم الخميس 8 يونيو عام 2006. 

اقرأ أيضا:
رغم وفاته.. صفحات تهاجم الأب «متى المسكين» 

بداية علاقة متى بشنودة

لأن التاريخ طويل وممتد في العلاقة والتفاعل بين شخصيتين من أهم الشخصيات التي جاء​ت في تاريخ الكنيسة في القرن الـ20، فإن التقرير يرتكز على بعض المحطات الفارقة في العلاقة بينهم، وأولها ما ذكره الكاتب والباحث كمال زاخر، في إحدى المقالات بعنوان «كتاب يصنع حراكا» داخل كتابه الجديد «الكنيسة صراع أم مخاض ميلاد؟.. ضوء فى نهاية النفق» -تحت الطبع- ويتحدث المقال عن كتاب حياة الصلاة الأرثوذكسية للأب متى، 1952.

وأوضح أنه «لا يمكن أن يستقيم البحث وراء فهم موضوعى لما يجرى بيننا اليوم، من مواجهات بين فرقاء، ونحن نقترب من نهاية العقد الثانى من القرن الـ21، بغير أن نقرأ ملابسات البدايات التى شهدتها سنوات 1948 ـ 1954، ما بين رهبنة د.يوسف إسكندر "الأب متى المسكين" ورهبنة أ.نظير جيد "الأنبا شنودة الثالث"، ويمكن أن نجد عنها الكثير، سواء من شهادتهما عنها، أو من شهادات معاصريهم برؤى مختلفة».

فالكتاب كان الأول لمتى المسكين بعد رهبنته بـ4 سنوات، واستشهد خلاله بمقولات لآباء كنيسة الروم الأرثوذكس (كرسي القسطنطينية قديما وورثه بعد احتلال العثمانيين الروس واليونانيين)، وهو ما وجه أصابع الاتهام بالهرطقة للأب متى فيما بعد على هذا الكتاب، من قبل البابا شنودة. 

تكلم البابا شنودة عن كتاب الأب متى في كتابه الأول أيضا «انطلاق الروح»، وحينما دخل نظير جيد الرهبنة عام 1945 تتلمذ على يد الأب متى لبعض الوقت قبل أن يغادره ويذهب الراهب أنطونيوس (البابا شنودة) إلى دير السريان. 

بداية العداء
كان الراهبان الشابان من المرشحين للكرسي البابوي بعد عزل البابا يوساب سنة 1954، وقبل أن يتم تعديل لائحة اختيار البابا عام 1957، وعدم انطباق الشروط عليهما بسبب شرط مرور 15 عاما على الرهبنة.

ويذكر زاخر في كتابه الجديد بمقال بعنوان «إرهاصات بعث ملتبسة» أنه «يرحل البابا كيرلس السادس عام 1971، ليترشح الأب متى المسكين والأنبا شنودة أسقف التعليم مجددا للكرسي المرقسي، ومعهما آخرون، ويرسل أسقفان خطابا للرئيس السادات يحذرانه من (الراهب الأحمر)، يشيران فيه إلى أن للأب متى المسكين ميولا شيوعية، وتزامن هذا مع اتجاه نية الرئيس لتصفية الوجود السوفييتى بمصر، فيستبعد من الانتخابات، (!!). وعندما يلتقى السادات بالأب متى المسكين فى أزمة سبتمر 1981 يطلعه على الخطاب». 

اقرأ أيضا:
صراع الأب متى المسكين والبابا شنودة الثالث يعود من القبر 

ما بعد التحفظ

خرج البابا شنودة في 6 يناير 1985، وبدأت مرحلة جديدة من عمر الكنيسة، حيث آلت كل مقاليد الكنيسة في يد البابا، والتي بدأ يختار خلالها من كانوا بجانبه وقت التحفظ للمواقع الكنسية القيادية، مع استبعاد لمن كانوا في اللجنة الخماسية أو من كانوا من نفس دفعته من الأساقفة مثل الأنبا إغريغوريوس أسقف الدراسات العليا، وكانت بينهما مشكلات.

خلال النصف الثاني من الثمانينيات وما بعدها بدأ العداء يزيد فيكتب الأب متى كتبه، ويقابلها البابا شنودة بالرد عليها، وكان من أبرز الكتب التي رد عليها البابا كتاب «الروح القدس» وهو 3 أجزاء، خاصة جزء «الرب المحيي»، بالإضافة لكتاب حياة الصلاة الأرثوذكسية، وكتابي الكنيسة والدولة، والكنيسة الخالدة، وتدور الفكرة الرئيسية لهذهين الكتابين عن فصل الكنيسة والخدمة عن الدولة أو السلطة الزمنية، وهو مبدأ رسخه السيد المسيح «أعطوا ما لقيصر لقيصر وما لله لله»، حين حاولوا أن يورطوا المسيح في مشكلة بسؤاله «أيجوز أن نعطي الجزية لقيصر؟».

وفي هذا الفيديو يرد البابا شنودة على كتاب الروح القدس في إحدى المحاضرات في 30 أبريل 1991. 

وحينما زار البابا شنودة دير الأنبا مقار عام 1996، استقبله الأب متى ورهبان الدير، كما يوضح الفيديو التالي. 

 

 

ترسخت سلطة الأنبا شنودة الروحية على المسيحيين، عبر تثبيت فكرة أن البابا هو صاحب الحق والصوت الوحيد للتعاليم الكنسية، ولا يجب أن يوجد صوت بجانبه إلا الذين يسمح لهم، وترسخت له سلطة سياسية على المواطنين المسيحيين، بعد الصدام القوي مع السادات، وعدد لا بأس به من الأحداث الطائفية، لم تواجهها الدولة بقوة القانون بل عبر تفاهمات وجلسات عرفية، فلجأ المسيحيون للكنيسة للاحتماء، والتي مع الوقت اختزلت في شخص البابا الراحل.

من يتابع كتابات الأب متى سيجد أنها تضع سلطان الكهنة في إطاره في مواجهة سلطان الكهنة المطلق، الذي ترسخ بفعل أمور كثيرة، في السنوات الماضية، كما تفتح بابا للحوار مع الكنائس الأخرى عبر الدراسة والترجمة والبحث لتجاوز الخلافات، وكان له موقف مستنير من المرأة والتناول، وكل هذا يقوض السلطان الذي اتسع، لذا أصبح عداؤه واجبا، فهل تعيد الكنيسة النظر تجاه كتاباته؟ 

اقرأ أيضا:

قتل وانتحار وتجريد.. صراع البابا ورهبان «أنبا مقار» يدخل «فصل الدماء» 
صراع حواريي متى وأبناء شنودة في الكنيسة والسوشيال 
 

شارك الخبر على