مستشار المفتي الإسلام السياسي سبب انتشار الإلحاد (حوار)

أكثر من ٥ سنوات فى التحرير

حوار: باهر القاضي/ وتصوير: هاني شمشون

تستعد «الإفتاء»، خلال الأيام المقبلة، لإطلاق مؤتمرها العالمي الذي يأتي بعنوان «التجديد في الفتوى النظرية والتطبيق»، بحضور أكثر من 60 مفتيا من مختلف دول العالم العرب والإسلامى، ذلك الحدث الذى يعول عليه كثيرون فى القضاء على ظاهرة فوضى الفتاوي.

«التحرير» أجرت حوارًا مع الدكتور إبراهيم نجم، مستشار مفتى الجمهورية، للوقوف على استعدات الدار لعقد مؤتمرها الدولى، ولمعرفة آليات مواجهة فوضى الفتوى، وأسباب انتشار الإلحاد بين الشباب، وعلاقة الإسلام السياسى بتنامى ظاهرة الإلحاد فى المجتمعات، والدول المسيطرة على المراكز الإسلامية بالخارج، وعلاقة تلك المراكز بانتشار التظرف، وإلى نص الحوار.

لماذا عنونت الإفتاء مؤتمرها بـ«التجديد في الفتوى النظرية والتطبيق»؟

فى الحقيقة أن دار الإفتاء المصرية، تقود الجهود العلمية لدور وهيئات الإفتاء فى العالم، بحكم أن الدار هى التى أنشأت الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم ومقرها القاهرة، والمعنية بقراءة المشهد الإفتائي وتحدياته فى كل ربوع العالم، لذلك جاء اختيار عنوان المؤتمر المقبل، محط أنظار وتفكير القائمين على المشهد الإفتائي، ومن ذلك الباب رأت الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء بالعالم ضرورة العمل وبقوة على مناقشة ذلك الأمر، بعدما أصيبت الفتوى بالعديد من العوامل التى أدت إلى انتشار ظاهرة فوضى الفتوى.

ونأمل فى فعاليات المؤتمر المقبل أن يحدث طفرة فى عالم الإفتاء المعاصر، من خلال أبحاث وجلسات نقاشية على نطاق واسع فى حضور المفتين من دول العالم لمناقشة التجديد للفتوى.

وكيف سيعالج المؤتمر التجديد في الفتوى ما بين النظرية والتطبيق؟

المؤتمر يستهدف الوقوف على ما يتعرض للفتوى سواء من قريب أو بعيد، بحضور ممثلين مفتين من أغلب دول العالم العربى والإسلامى، ومن أهداف المؤتمر تحقيق فرض التجديد الإفتائي، ومعرفة المشكلات في عالم الإفتاء المعاصر، وذلك من خلال شقين للعملية الإفتائية.

الشق الأول «النظرى» ويقوم على وضع الأسس المنهجية والضوابط العلمية للتجديد، والشق الثانى: ويهتم بتنزيل الأطر والمفاهيم النظرية على الواقع من جميع الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وكذلك الدولية وعلاقة الدولة بدول العالم والمنظور الإفتائي له بفتاوى معاصرة تراعي مستجدات العصر ومتطلباته والواقع والحياة على مستوى الأفراد والدول.

كيف يتناول المؤتمر قضية «الإلحاد» التي انتشرت مؤخرا بمعدلات كبيرة؟

فى الواقع مسالة الإلحاد، تعد من القضايا التى باتت خطرا يواجه الشباب، وذلك بسبب انفتاح الشباب الكبير على مواقع التواصل الاجتماعي، الأمر الذى صاحب معه أن الشباب باتوا أكثر عرضة للأفكار والشبهات والمفاهيم المغلوطة عبر قنوات الاتصال المباشر.

أما مسألة معالجة الإلحاد، فإن دار الإفتاء كان لها السبق فى تدشين وحدة ليس للرد على الإلحاد والملحدين بحسب، بل مهمتها تتبلور فى الرد على جميع الشبهات من خلال كوادر شبابية مزودة بالمؤهلات والدورات التدريبة فى كيفية التواصل مع الشباب وكذلك مواقع التواصل الاجتماعي وتمكينهم بالخبرات النفسية والاجتماعية ومختلف العلوم الشرعية التى تؤهلم للرد على جميع الشبهات بالحجة والإقناع وليس بالأسلوب الرجعي القديم.

وهل هناك علاقة بين أفكار التيارات الإسلامية وتنامي الإلحاد فى المجتمع؟

نعم، أجرت دار الإفتاء بمعرفة المختصين، دراسة بشأن أسباب الإلحاد، فوجدنا عقب استطلاع الآراء وجود علاقة وثيقة بين انتشار الإلحاد وفشل المشروع السياسى لتلك الجماعات والحركات الإسلامية، لأن تلك التيارات ربطت بين نجاحها الشخصي السياسى بالإسلام، وبالتالى عندما فشل ذلك المشروع، نظر الشباب إلى الإسلام كدين وقيم أنه فشل أن يصبح منهج حياة، وبالتالى ساهمت تلك الرؤية المغلوطة والممنهجة من قبل تلك الحركات الإسلامية والإسلام السياسى  فى انتشار الإلحاد بين أطياف الشباب خلال الآونة الأخيرة، حتى وإن كان بقدر محدود فى بعض البلدان العربية.

قمت بالعديد من الجولات بالخارج.. فماذا عن المراكز الإسلامية هناك وعلاقتها بنشر الأفكار المتطرفة؟

يعيش في أوروبا من المسلمين ما نسبته نحو 6% من إجمالي السكان، واستغلت تلك الجماعات سقف الحريات المرتفع في الغرب بشكل سلبي، إذ كان ذلك المناخ بالنسبة لها فرصة مناسبة لنشر الكراهية والبغضاء بين بني البشر، فحولت هذه الجماعات المتطرفة كثيرًا من المراكز الإسلامية إلى بؤر لإثارة النعرات الدينية والطائفية والسياسية، فيما انطلق عدد آخر من تلك الجماعات لتؤسس أحزابًا تدعو إلى تطبيق الشريعة الإسلامية في المجتمعات الأوروبية.

وبهذا أصبحت معالم التيارات الإسلامية في أوروبا متعددة بتعدد المرجعيات والمؤسسات التي تقف وراء هذه التيارات، فهناك الفضاء السني المُهَيمِن، والفضاء الشيعي الصاعد – خاصة في بلجيكا وهولندا.

وفي الفضاء السني، نجد التيار الإخواني، نجد فروعا عديدة في جميع أنحاء أوروبا للتنظيم الدولي للإخوان المسلمين، والتيار السلفي الوهابي، ولا شك في أن تصحيح الصورة المغلوطة عن الإسلام في الغرب تحتاج إلى مجهود دعوي كبير، وبخاصة بعد انتشار ظاهرة الإسلاموفوبيا في الدول الغربية، وإلصاق كل عمل إرهابي يحدث هناك بالإسلام زورا وبهتانا.

من الذي يهيمن على المراكز الإسلامية في الخارج؟

أصبحت المراكز الإسلامية بمثابة ملاذ ثقافي واجتماعي للمسلمين في الدول الغربية، ومنذ فترة طويلة كان للملكة العربية السعودية اليد العليا في إنشاء وإدارة المراكز الإسلامية التي دخل بعضها أعضاء جماعات إسلامية حركية استطاعوا السيطرة عليها والانطلاق منها، لعمل تنظيمي مدني أوسع، وبعدها دخلت تركيا على خط إقامة المراكز الإسلامية ودعم وتمويل المساجد في أوروبا، فيما يعتبره البعض جزء من مخطط الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لإعادة الاعتبار لتركيا الإسلامية العالمية، وقد ساعدها على ذلك انتشار الأتراك في أوروبا.

ومع مشروع قطر الطموح لتأسيس دور فعال لها في المنطقة والعالم، الذي بدأ مع الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، حاكم قطر السابق، بدأت قطر في خلق وجود لها على الساحة الإسلامية في أوروبا، بداية من تمويل ودعم ترميم وإعادة إعمار الآثار الإسلامية في بعض دول أوروبا الشرقية، نهايةً بإنشاء جملة من المراكز والمساجد، بينها مساجد تُعد الأولى في دول حُرمت الوجود الديني كونها كانت تحت الحكم الشيوعي لفترة طويلة.

وأصبحت تركيا وقطر، هي القوى المسيطرة بشكلٍ رئيس على المساجد والمراكز الإسلامية في أوروبا، بالإضافة إلى جماعات وحركات إسلامية استخدمتها لخلق حالة نفوذ اجتماعي وثقافي وسياسي في بعض الأحيان، كجماعة الإخوان، والتبليغ والدعوة، وجماعات صوفية وسلفية أخرى.

وما هى أبرز المنظمات الإسلامية في الغرب؟

اتحاد المنظمات الإسلامية في أوروبا، وهى أكبر منظمة إسلامية ثقافية على مستوى أوروبا، ينتشر في 28 دولة أوروبيّة، ويضم مئات من المنظمات، تأسس الاتحاد عام 1989، في ماركفيلد، واتحاد المنظمات الإسلامية في فرنسا، وتعد من أكبر الفيدراليات الإسلامية، وتم تأسيسه عام 1983، وتتكون المنظمة من أكثر من 250 جمعية إسلامية على كامل أراضي فرنسا وتنتمي إليها مباشرة، وتشرف كذلك على مساجد عديدة في المدن الكبرى في البلاد.

أما عن «التجمع الإسلامي في ألمانيا»، فقد تغلغلت جماعة الإخوان في ألمانيا بدءا من مسجد ميونيخ الذي تم الإعلان عن إنشائه عام 1963 إذ تستند استراتيجية الإخوان على ثلاث أدوات رئيسة وهي المجلس المركزي للمسلمين في ألمانيا والتجمع الإسلامي في ألمانيا الذي يعد صوت مسلمي ألمانيا حيث تتحكم في نحو 60 مركزا إسلاميا في أنحاء ألمانيا التي يترأسها الإخواني المصري إبراهيم الزيات (صهر صبري أربكان زعيم جماعة ميللي جوروس التركية)، فضلا عن مئات المراكز الإسلامية الأخرى.

وما هى تداعيات اختلاف المراكز الإسلامية على الأقليات المسلمة في العالم؟

انتشرت ظاهرة الإسلاموفوبيا في دول الغرب نتيجة الممارسات السلبية التي تنتهجها بعض المراكز الإسلامية التي تتبنى الفكر المتطرف باسم الإسلام، وهو ما يؤثر بشكل خطير على واقع ومستقبل الأقليات المسلمة في الدول الغربية، فضلا عن  تنامي التمييز العنصري والديني بين بعض شرائح المجتمعات الأوروبية، نظرًا للأيديولوجيات المتطرفة التي تروج لها تلك المراكز ومحاولة تطبيقها في الدول الغربية.

ومن أبرز هذه التداعيات على الأقليات المسلمة في الغرب، وجود جماعات وأفراد على رأس تلك المراكز، ممن يحملون توجهات وأفكارا متشددة ومتطرفة، تسيئ إلى الإسلام والمسلمين، من خلال طروحات تدعو إلى تكفير الآخر ومعاداته، بل ومحاربته، وتدفع الممارسات السلبية التي يقوم بها من يدير هذه المراكز عددًا كبيرًا من الغربيين إلى خلط صورة المسلمين والإسلام بالتطرف والإرهاب في تنميط سلبي لهذا الدين الحنيف.

وكذلك من التداعيات، انتهاز اليمين المتطرف لهذه المراكز المتطرفة وما تروج له من إيديولوجيات في إذكاء روح العنصرية ضد الإسلام والمسلمين سعيا إلى كسب مزيد من أصوات الناخبين وصولاً إلى سدة الحكم.

وما هى آليات دار الإفتاء في التصدى لتلك المراكز فى الخارج؟

تبذل دار الإفتاء المصرية جهودًا مضنية من أجل محاربة التطرف والتشدد في الداخل والخارج، وتصحيح صورة الإسلام التي شوهها المتطرفون وبخاصة في أوروبا، كما تسعى بكل السبل لنشر الفكر الوسطي خصوصا بين الشباب المسلم في الغرب حتى لا يقعوا في براثن الجماعات المتطرفة.

كما تعقد دار الإفتاء لقاءات خاصة مع الشباب في الجامعات والمراكز الإسلامية وغيرها، وهذه اللقاءات تؤتي ثمارها بفضل الله تعالي، حتى إن العديد من الدول الأوروبية طالبت بتكثيف مثل هذه اللقاءات، كما تقوم إدارة التدريب في دار الإفتاء بدور كبير في نشر الوسطية ومواجهة التطرف عبر تدريب المفتين والأئمة من دول مختلفة، ليعودوا إلى بلادهم بفكر وسطي مستنير فيحصنوا الشباب هناك من خطر التطرف.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

شارك الخبر على