جامعة الروح القدس ورابطة كاريتاس لبنان نظمتا المؤتمر العالمي للسلام والشبيبة "كن السّلام المفقود"

أكثر من ٥ سنوات فى تيار

نظمت جامعة الرّوح القدس – الكسليك ورابطة كاريتاس لبنان المؤتمر العالميّ للسّلام والشبيبة بعنوان: "كن السّلام المفقود، برعاية غبطة البطريرك الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي رئيس مجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك، ممثلاً في ختام المؤتمر بسيادة المطران ميشال عون، على مدى يومين، في حرم الجامعة الرئيسي في الكسليك.
 
وقد أتى هذا المؤتمر نتيجة إيمان كل من الرابطة والجامعة أن الشباب هم أساس في مجتمعاتهم وقادرون على التغيير. الشباب هم سفراء للسلام في مختلف المجالات التي هم جزء منها. لذلك، في إطار اتفاقية التعاون بين الرابطة والجامعة، وعبر برنامج الالتزام المجتمعي والشبيبة في الخدمة الاجتماعية، تمّ توحيد الجهود لتنظيم مؤتمر حول الشبيبة والسلام، هدفه الوصول إلى توصيات تساعدهم على نشر السلام. أما المجالات التي تمّ العمل عليها فهي التربية، الرياضة، الفنون، التطوّع، السياسة، البيئة، الدين، التكنولوجيا، المسرح، وأهداف التنمية المستدامة.
 
وتضمن اليوم الأول من المؤتمر ورش عمل شارك فيها طلاب جامعة الروح القدس، مسؤولو وشبيبة كاريتاس لبنان، ومسؤولون من مختلف الجمعيات والحركات الشبابية في لبنان. وقد ناقش حوالي ال450 شخصًا موضوع تأثير السلام في المجالات المختلفة المذكورة سابقًا، خلال ورش عمل أدارها مدرّبون ومتحدّثون محليّون وأجانب. وفي ختام ورش العمل صدرت  ثلاث توصيات عن كل مجال.
 
أما في اليوم الثاني من المؤتمر فكانت الدعوة مفتوحة لمختلف الناشطين الاجتماعيين، الجمعيات الأهلية، طلاب من مختلف الجامعات، والشبيبة المهتمين على التغيير في مجتمعاتهم، شبيبة كاريتاس لبنان، صحافيين، وشبيبة أجانب، الذين وصل عددهم إلى 500 شخص. وجرى عرض التوصيات التي تمّ التوصّل إليها في اليوم الأول من قبل المدربين والمتحدثين. كما تمّ جمعها ونشرها.
هذا وتخلل المؤتمر نشاطات فنيّة وثقافية مختلفة، بهدف تشجيع الشبيبة والإضاءة على نشاطاتهم، إضافة إلى شهادات حيّة. 
 
حفل الختام الرسمي 
واختتم المؤتمر بحفل رسمي حضره إلى المطران ميشال عون، ممثل وزير الدفاع في حكومة تصريف الأعمال يعقوب الصرّاف وقائد الجيش العماد جوزيف عون العميد الركن بشارة الخوري، ممثل وزير الإعلام في حكومة تصريف الأعمال ملحم الرياشي السيد إيلي أبي طايع، رئيس جامعة الروح القدس – الكسليك الأب البروفسور جورج حبيقة، سفيرة الفيليبين في لبنان ليا بازيننغ رويز، رئيس رابطة كاريتاس لبنان الأب بـول كــرم، المديرة العامة للرابطة د. ريتا رحيّم، عميد كلية الفلسفة والعلوم الإنسانية في الجامعة الأب البروفسور جان رعيدي، رئيسة قسم العلوم الاجتماعية في الكلية د. ميرنا المزوق، والمسؤول عن قسم الشبيبة في الرابطة بيتر محفوظ، إضافة إلى ممثلين عن الشخصيات السياسية والأمنية، والمشاركين في المؤتمر وفعاليات روحية وحزبية وإعلامية وتربوية وبلدية واجتماعية...
 
المزوق
استهل الحفل الختامي بكلمة تقديم للإعلامي فادي شهوان، ثم كانت كلمة لمزوق عرضت فيها لأرضية Civic Engagement platform التي من خلالها جرى توقيع التعاون بين الرابطة والجامعة. وقد أتى هذا المؤتمر نتيجة هذا التعاون. وشرحت مكوّنات هذه الأرضية ومنها تدريب وتعليم كل طلاب الجامعة مكونات الالتزام المجتمعي والعمل الاجتماعي في الجامعة وخارجها والمشاريع الريادية الاجتماعية.
محفوظ
أما محفوظ فقال: "نحتفل من خلال هذا المؤتمر باليوم العالمي للسلام، والذي يصادف في ٢١ ايلول من كل عام، وهذا للتأكيد على أهمية هذا اليوم والتشديد على دور كل واحد منا في صنع السلام. كن السلام المفقود، هذا عنوان المؤتمر الذي من خلاله نريد القول للشبيبة أن كل واحد منهم هو قطعة في صنع السلام". وأكد "أن هذه هي دعوة شبيبة كاريتاس الذي بلغ عدد المتطوعين فيها ٧٥٠ شابًا وشابة يتخطون كل الصعوبات من أجل نشر رسالة السلام والمحبة والعيش المشترك".
 
الأب كرم 
ثم تحدث الأب كرم الذي قال: "حرب، موت، قتلى وجرحى، مهجّرين، مشرّدين، نازحين، أمراض، آلة السلاح والتخريب، استغلال وتحرّش، استباحة الكرامات، تجارة غير شرعيّة، دمار، تخلّف وتقوقع، تراجع، يأس، ألم، إذلال، قهر وعذاب... كلّها ثقافة السلام المفقود. إعمار، حياة، بحبوحة، خلق، إبداع، صحّة، إنسانيّة، كرامة الشخص البشري، تقدّم، أَمل، انفتاح، رؤية، ثقافة وحضارة، رجاء جديد، احترام الآخر والمعتقَد، حوار، تضامن، محبّة، فنّ، إبداع، عدالة... كلّها مبادرات لترسيخ ذهنيّة السلام الموعود".
 
ونوّه بهذه المبادرة "لأنّ ما يحتاجه شرقنا المتألِّم هو السلام المفقود، وأنتم ستشكّلون منذ هذه اللحظة السلام الموعود. إنّها مبادرة أولى بالتعاون مع القيّمين والمسؤولين في الجامعة، خاصّة بعد توقيع مذكّرة التعاون بهدف تطوير وتفعيل أنشطة مشتركة في مجالات عدّة منها الاجتماعية والثقافيّة والتعليميّة والروحيّة والتطوّعيّة".
 
واعتبر أنه "إذا كان السلام المفقود مرتبطًا بمصالح سياسيّة ضيّقة، فإنّ السلام الموعود يبدأ بمبادرات شبابيّة فيها الحياة والأمل. فالسلام يبدأ أوّلاً وآخراً عبر تغيير الذهنيّات"، متوجهًا إلى الشبيبة بالقول: "لا تتهاونوا يوماً في لعب دوركم الحقيقي، فلا تتزلّموا لأحد، ولا تتحمّسوا عاطفيّاً لأيّ كان، ولا تسمحوا بأن تباع كرامتكم، ولا أن تنقادوا كالغنم، ولا أن كونوا مجرّد أعداد في مصالح ضيّقة، ولا أن تكونوا هامشيّين. اعرفوا أنّ من يتساهل بالقليل القليل يتهاون بالكثير الكثير. إنّ النتيجة الحتميّة لِما وصلنا إليه في لبنان والشرق الأوسط عموماً هي انسحابنا من خلق تغيير جذري في مسار ما يرسَم لنا. قِفوا وقفة جريئة فيها العزّ والكرامة والحزم لقَول كلمة لا أمام من يستبيح مفهوم السلام العادل والراسخ والواقعي".
وأضاف: "في كاريتاس المحبّة، الشبيبة هم صميم أنشطتها ولهم الأولويّة. نشجّع الجميع إلى الانضمام إلينا في العمل التطوّعي الذي يشّكل نواة جماعة مؤثّرة للتغيير في المجتمع، ولنشر ثقافة المحبّة والتضامن، ولولادة مفاهيم صحيحة وحقيقيّة للأخوّة والمواطَنَة بين الناس. تعالوا نساهم في بدء ورشة بناء حضارة لبنان السلام، إذ كلّ واحد منكم هو حجر أساس لا بديل عنه في السلام الموعود. عيشوا المحبّة بمفهومها الخدماتي الصحيح ليسود السلام. ولنكن مرتبطين بقوّة بالسلام. السلام هو المطلب الضروريّ لتتمكّن الدول من التطوّر والازدهار. فبدل الدخول في صراعات مرهقة ومدمّرة، كما يحصل اليوم في منطقتنا ونتائجه التهجير والدمار والبؤس والمجاعات، على المسؤولين السياسيّين عندنا أن يسعوا بضمير حيّ إلى نشر وتعزيز ثقافة العدالة والسلام، فهما قيمتان سماويّتان أوصانا بهما الله، فدعوتنا في شرقنا العزيز تكمن في تعايشنا بسلام واحترامنا لبعضنا البعض خاصّةً لمعتقداتنا الدينيّة".
 
وختم: "سعينا اليوم، من خلال هذا المؤتمر، هو تحقيق مبادرة خرق واقعيّة تبرهن عن قدرة الشبيبة في دعم وتعزيز دور السلام وأهميّته ونشره في العقول والأذهان والمناهج التربويّة وفي التنشئة الجامعيّة. فلنعمل سويّاً للاستفادة من مبادرتكم لنحقِّق النتائج المرجوّة. فلكي لا يبقى كلامنا حِبر على ورق وتصاريح رنّانة، أطلب من كلّ واحد منكم ومن المجتمع المدني أن يقوم بفعل التزام شخصي أمام الله وضميره الحيّ، كي يبدأ منذ الآن بأخذ توصيات اليومين المنصرمين كنهجٍ دائمٍ لتطوير قدراتنا وجهودنا بغية تنمية قدراتنا الإنسانيّة والبشريّة في سبيل السلام الموعود، فنبني الجسور ونزيل الحواجز المعرقلة".
الأب حبيقة
من جهته، أعرب الأب البروفسور حبيقة عن سعادته العارمة بلقائه الشبيبة معتبرا إياهم "الموجة الخضراء التي ستجدّد وجه هذا الشرق المتجعّد بالويلات والمآسي". كما نوّه بأهمية اتفاقية التعاون التي وقعت سابقًا بين الجامعة والرابطة، لافتًا إلى "أن الجامعة هي رأس الحربة في الدفاع عن حقوق الإنسان وكرامته، وعن عظمة الصيغة اللبنانية وفلسفتها، وعن عظمة الإنسان اللبناني عبر التاريخ. فالجامعة تنصّب ذاتها في خدمة الكنيسة وخدمة المجتمع اللبناني بكل طوائفه وعائلاته الروحية". 
وشدد على أهمية موضوع المؤتمر معتبرًا "أن السلام هو ضالة الإنسان الكبرى. في أولى صفحات سفر التكوين، يطالعنا مشهد يختزل تاريخ البشرية بأكمله: قايين يقتل أخاه هابيل. هذا هو التاريخ الفاجع ضمن العائلة الواحدة، الذي يرمز إلى تاريخ الإنسان المجزأ، التاعس، النازف، والكارثي. يقول أحد علماء الاجتماع الفرنسيين "الشعوبُ السعيدةُ لا تاريخ لها"، لماذا؟ لأنه عندما يكون الإنسان سعيدًا، يذوب في لحظات الهناء ولا يُدوِّن أيّ شيء. وهنا نتساءل بحق، هل هناك من شعوب لم تكتب تاريخها؟ نجاوب بدون تردد بالنفي. جميع الشعوب كتبت تاريخَها، فإذًا جميع الشعوب تعيسة، لأن التاريخ دائمًا مأساوي". 
 
وأضاف: "الكارثة الكبرى عند الإنسان، هي أنه من دون الآخر لا يمكنه أن يعيش، وبدون الآخر لا وجود له، ومع الآخر مأساة الوجود. إنها معضلة. والأكثر إيلاما أننا نعيش في معادلة لم نخترها وليس لدينا أي دور فيها. من منا اختار والده أو أمه أو عائلته أو بلده أو لغته أو ثقافته أو حضارته أو دينه أو إيمانه؟ فلماذا البشر يتصارعون على شيء لم يقوموا باختياره؟ الله أعطانا الزمن لنحقق ذاتنا ولنعيشه بسعادة مع الآخر. غير أن الحكمة البشرية، القائمة على منطق القوة والقهر والسيطرة والتطويع، حولت زمن الإنسان الى تاريخ مأساوي". 
 
وتابع: "من يخلّصنا من هذه الحكمة البشرية المدمرة؟ نحن في زمن الصليب. والصليب في نظر حكمة البشر هو نوع من الحماقة، ولكن هذه الحماقة هي خشبة الخلاص لهذه البشرية التائهة التي تتدافع جذلى في مواكب الانتحار. انظروا إلى تلك الشعوب التي تُنحر يوميا في ساحات الوغى. إلى أين توصلنا كل هذه الحروب؟"
وأكد "أن كل لجوء إلى العنف إنما هو هزيمة نكراء للإنسان. فالكلمة هي التي تميز الإنسان عن الحيوان. والكلمة عند الإنسان هي أرقى تعبير ممكن عن كل شيء. وإذا أسكتنا هذه الكلمة ولجأنا إلى العنف نهوي إلى الحيونة... "
وبعدما تحدث عن لا منطق الحروب وعبثيتها، شدد  الأب حبيقة على أهمية "أن نعيد مكانة الكلمة. نحن كمسيحيين نعترف بأن يسوع المسيح هو كلمة الله الذي تجسد في زمننا البشري.  والقرآن الكريم، هو أيضا يُعرِّف عن المسيح ككلمة الله، ومن روح الله. الحدث الكبير الذي حققه يسوع المسيح هو المصالحة بين الكلمة والحدث. فنحن نفكر بشيء ونقول شيئًا آخر ونعمل أمرا مغايرا. هذا التضعضع الكياني هو منطلق الصراعات والحروب. جميع الذين شنوا الحروب في التاريخ كانوا هاربين من ذواتهم المريضة والمعتلّة".
وانتقل إلى موضوع الديبلوماسية التي نعيشها اليوم والتي تمثل فنَّ التملّق الخادع والكاذب. يقول أحدُ المفكرين إن لو أدرك كلٌ منا ما يفكّرُ به الآخرُ فعليا لانهار العالمُ في لحظة. من هنا دورُ التقيّة وإخفاء الحقيقة وقال: "لماذا لا يكون كلامنا نعم نعم أو لا لا. الكلمة التي تؤنسن الإنسان هي التي تبني السلام. يسوع المسيح أعطانا سلامه الذي هو مختلف كليًّا عن سلام الأمم الكارثي الذي يقوم على المحاذرة والخوف من الآخر وعلى توازن القوى. فأورشليم التي تعني في العبرية "مدينة السلام" لم تشهد يومًا واحدا من السلام، لأنها مدينة التذابح والتناحر، ولأن الذين يدافعون عنها أو يهاجمونها يبنون استراتيجيتهم على مبدأ إلغاء الآخر المختلف". 
 
"فالآخر المختلف عني، يقول الأب حبيقة، هو جزء من ذاتي، وأنا من دون الآخر المختلف لا يمكنني أن أعي غيريتي. الآخر هو طريقي إلى ذاتي وهو الذي يدخل في صياغة هويتي وعندما ألغيه أكون قد ألغيت قسمًا كبيرًا من ذاتي. لقد أتى يسوع المسيح وأعطانا منهجية بناء السلام مع الذات أولا. ومن هناك ينطلق السلام الحقيقي ليتحقق مع الآخرين كنتيجة حتمية". 
 
وخلص إلى أنه "بالرجاء المسيحي الذي لا يخيّب والذي يتضاعف قوة وزخمًا في المحن والمصائب، خاصة في هذا اللبنان المفتور على نوائب التاريخ، نحن اليوم مدعوون إلى أن لا نيأس من أي شيء وأن نكمِّل مسيرة بناء السلام في هذا الشرق المعذِب والمعذَب. والسلامُ الذي سنبنيه يتخذ من الكلمة أساسا له. فالكلمةُ هي الأداة الوحيدة للتواصل بين بشرٍ أُعطوا عقلا وقلبا لتحقيق الإنسانية العاقلة والمُحِبَّة. للحقيقة وجوه متعددة. فنحن لا نرى منها سوى وجه واحد. من هنا سعينا التلقائي إلى إضعاف الآخر وتهميشه ثم إلغائه. كم هو مهم أن نجعل من لبنان واحة فريدة يقطنها عشاق السلام. إن مصدر مصائبنا الرئيس هو أننا نحاول بناء سعادتنا على حطام الآخرين ... فالسعادةُ الحقيقية والمستدامة لن يكون بوسعنا أن نحقِّقها إلا من خلال سعادة الآخرين ... أو أن نكون سعداء معاً أو أن نتعس معا. أو أن نعيش في سلام العاقلين، أو ان نموت أغبياء في حروب عبثية".
المطران عون
 
وألقى المطران عون كلمة نقل فيها  بركة ومحبة وسلام صاحب الغبطة مار بشارة بطرس بطريرك أنطاكيا وسائر المشرق الكلّي الطوبى، الذي أولاني شرف تمثيله في هذا الفوروم القيّم الذي يساهم في ترسيخ القناعة بأن السلام حاجة ملحّة لمجتمعاتنا، وبأن الشباب مدعوون ليكونوا سفراءً للسلام، وبأنهم قادرون على التغيير من خلال العمل على نشر ثقافة السلام في مجتمعاتهم".
 
وأكد "أن الإنسان، بكونه مخلوقًا على صورة الله ومثاله، يتوق إلى السلام وإلى تحقيق ذاته بعيش المحبة مع أخيه الإنسان. فالسلام بين البشر وبين الدول يرتكز أولاً على الاعتراف الضمنيّ بأن لنا أبًا واحدًا في السماء، وبأن الله أعطانا هذه الأرض لنعيش فيها معًا بسلام، انطلاقًا من إيماننا به، واعترافنا به مصدرًا لكل الخيرات، وعلى أساس احترام الآخر في خصوصيته واحترام الحقوق المتبادلة التي تضمنها الأعراف والقوانين. وبالتالي عندما يغيب السلام، بين الأفراد والجماعات، بسبب الصراعات والأطماع وحبّ المال والسيطرة، تقع الحروب التي ينتج عنها كل أنواع المظالم والشرور، فيقاسي الإنسان ما يقاسيه بسببها من عنف وظلم وفقر وحرمان لأبسط حقوقه الإنسانيّة ولكرامته البشريّة".
 
وشدد على "أن غياب السلام، مع ما يرافقه من استباحة للعدالة وتغليب لمنطق العنف، يقود حتمًا إلى فقدان الرجاء الذي وحده يعطي الإنسان القوة للصمود والمواجهة والاستمرار. والكنيسة، في هذه الحالات كلّها، مدعوة إلى أن تدين العنف، وأن تكون صوت الضمير الذي يحثّ ذوي الإرادات الصالحة على العمل من أجل إحلال السلام، وهي مدعوة في الوقت عينه إلى بعث الرجاء في قلوب ذوي الإرادات الصالحة، وذلك من خلال مبادرات تجسّد أعمال الرحمة وتؤكّد قرب الكنيسة من كلّ إنسان، ومن خلال التذكير المستمر بما يقوله لنا الرب يسوع عندما يكلمنا في إنجيله المقدّس عن السلام الذي ينبع منه والذي يثبّت فينا رجاءً جديدًا أقوى من اليأس بفضل إيماننا وثقتنا به: "قلت لكم هذا ليكون لكم فيّ سلام. ستعانون ضيقًا في العالم، ولكن ثقوا، فأنا غلبت العالم" (يو ١٦، ٣٣)".
 
واعتبر "أن المسيحية في رسالتها وفي ممارستها متلازمة إذًا مع السلام والرجاء، لأنها في جوهرها قامت وتقوم على إعلان البشرى السارة بقيامة الرب يسوع من بين الأموات الذي حقّق السلام الأساسيّ عندما قضى بصليبه على العداوة بين الإنسان وأخيه. "فالمسيح، كما يقول الرسول بولس، هو سلامنا، وقد جعل من الوثنيين وأهل الختان جماعة واحدة، وهدم في جسده الحاجز الّذي يفصل بينهما، أي العداوة، ليخلق في شخْصه من هاتين الجماعتين، بعدما أحلّ السّلام بينهما، إنسانًا جديدًا واحدًا" (راجع أف ٢، ١٤-١٧)".
 
ولفت إلى أنه "عندما نشهد ما يقاسيه العالم، والشرق الأوسط خصوصًا، من حروب مدمّرة، وما يعانيه من مظالم تهدّد الإنسان في مصيره ومستقبله، نحن مدعوون كشبيبة ملتزمة إلى المبادرة بعزم وثبات انطلاقًا من قناعتنا بضرورة بناء حضارة السلام والمحبة، دون أن يغيب عن بالنا أننا نرتكز في هذا التحدّي الصعب على رجاد لا يخيّب، لأننا أبناء الإيمان والقيامة. نعم، إن المسيح المنتصر على الموت هو الذي أعطى المؤمنين به أن يحبوا أعداءهم وأن يغفروا للمسيئين إليهم بقوة الروح الذي قبلوه. لقد اختبروا أن قوة الاضطهاد لم تستطعْ أن تنتزع منهم فرح المسيح، الحيّ في داخلهم، ولا الموت أن يسلب منهم الرجاء بالحياة الفضلى. كما أنهم غرفوا من سلام المسيح القائم ما يكفيهم ليصالحوا الأبعدين ويسالموا كلّ إنسان مهما تصلّب قلبه في الشر".
 
وأكد "أنه من هذا الإيمان بقيامة الرب يسوع من بين الأموات، الكنيسة مدعوّة اليوم إلى أن تغْرف الرجاء بصلاة واثقة تستنجد الروح المحيي القادر على تحويل قلب الإنسان وتغيير وجه الكون، والقادر على أن يخلق فينا الإنسان الجديد الذي يحيا ثمار الروح، كما يذكرها الرسول بولس، وهي المحبة، والفرح، والسلام، والأناة، واللطف، والصلاح، والأمانة، والوداعة (راجع غل ٥، ٢٢-٢٣). فعندما نرى أهوال ما يجري من حروب، وعندما ترتفع أمامنا كل أنواع المظالم، وعندما نتشكّك من غياب العدالة البشرية، وعندما نعجز عن عيش المحبة والغفران، نرفع أنظارنا إلى الرب طالبين منه بثقة الإيمان أن يلهم كلّ إنسان وكلّ مسؤول ليعود إلى أصالة المحبة والرحمة والسلام التي وضعها فينا ربّ العالمين".
 
ورأى "أنه انطلاقًا ممّا تقدّم، نفهم أن السلام هو بدون شكّ عطية من الله، ولكنّه في الوقت عينه مشروع نعمل لبنائه من دون أن ينجز بالكامل. فالمجتمع إذا كان متصالحاً مع الله يكون أقرب إلى السلام. غير أن السلام لا يعني غياب الحرب وحسب، إنما هو مسيرة تطهير وارتقاء ثقافي وأخلاقي وروحي لكل إنسان ولكل شعب، مسيرة حيث الكرامة البشرية محترمة بالكامل، إن على المستوى الفرديّ أو على المستوى الجماعيّ. وإذا أردنا أن نكون اليوم من صانعي السلام، لنرجع إلى الله الذي يكلّمنا، وهو يكون لنا المرجع الثابت في بحثنا عن الحرية الحقيقية، ونجد فيه القوة التي لا تنضب، لنوجّه كلّ أعمالنا وأفكارنا لما يؤول إلى خير الإنسان، وبناء مجتمع عادل يقوم على المساواة والمحبة والسلام".
 
وختم المطران عون: "هذه هي رسالتكم أيتها الشبيبة العزيزة في قلب عالم اليوم. فالله يريدكم أن تبنوا العدالة والسلام بسلاح من نوع آخر. هذا السلاح هو سلاح الإيمان الذي يقوّيكم أمام تجربة الانطواء على الذات بسبب الخوف، وسلاح الرجاء الذي يعطيكم الشجاعة في الشدة والمصاعب، وسلاح المحبة الذي يساعدكم على قبول الآخر وزرع ثقافة المحبة والغفران. وفي ضوء كلمة الرب يسوع الذي يقول: "طوبى لفاعلي السلام، فإنهم أبناء الله يدعون"، نحن مدعوون إلى أن نحافظ بكل قوانا على القيم الإنسانية والأخلاقية والروحية التي من شأنها أن تبني مجتمعاً مسالمًا على أسس المحبة والتعاون والإخاء والعدالة".
 
هذا وتخلل الحفل الختامي فيديو مسجّل بصوت السفير البابوي عن موضوع المؤتمر.

شارك الخبر على