منطقة محررة تجسس دائماً وفي كل مكان

أكثر من ٥ سنوات فى المدى

 نجم والي
أحد الجمل المشهورة لرئيس الحكومة البريطانية الأسطوري، وينستون تشرشل تقول: من يريد النظر إلى مدى بعيد في المستقبل، عليه أن ينظر أولاً إلى الماضي بشكل رجعي. الوصية تلك أخذها على عاتقه وبشكل ممتاز كأنه تبناها الألماني فولغانغ كيريغير، مؤرخ وبروفيسور في التاريخ الألماني الحديث. في كتابه الصادر الجديد عن دار النشر الألمانية المعروفة بيك، صدر له قبل فترة قصيرة كتاب " تاريخ الخدمات الأمنية"، والذي يبحث فيه السيد كريغير عن تاريح الأجهزة الأمنية في العالم لدرجة أنه يعمل مسحاً شاملاً لتاريخ المؤسسة الأمنية هذه التي تثير الرعب عند من يسمعها، لما تحمله من غموض وتهديد، من "الفراعنة في مصر حتى جهاز الأن أس أي في الولايات المتحدة االأميركية".التعرف على حياة العدو هو الشعار الذي رفعته كل الدول في العالم، كما أنه حمل لها أهمية كبيرة، وغالباً ما كان مهمة انجاز ذلك من الأولويات التي لابد أن، تقف على رأس قائمة الانجازات اللوجستية، أو على رأس قائمة الميزانية العامة لكل دولة. أو كما يقول البروفيسور الذي لم يخل بحثه من التشويق، شكل ذلك "نواة نجاح الدول" واستمراريتها في الوجود، ليس في الأزمان الخطرة، أزمان الحروب والعداوات بين الدول، لأن ذلك أمر طبيعي ومفهوم، بل حتى في أيام السلم والصداقات، بل حتى في حالة الأحلاف. ألم تتنصت الأجهزة الأمنية الأميركية على المستشارة الألمانية أنجيلا ميركيل؟ وهل هناك أكثر حليفة وصديقة للأميركان من سيدة أوروبا رقم واحد بدون منازع؟ الأجهزة الأمنية التي سجلت كل مكالماتها من تلفونها النقال ولسنوات طويلة، أرادت أن تعرف كل صغيرة وكبيرة عنها، حتى نوع الطبخات التي تحبها، السباغيتي خاصة!بعض الأحيان يكاد أن يصبح التجسس وبالاً على البعض، كما يروي البروفيسور كيريغير ما حصل لأكسندر الكبير. في كل فتوحاته وغزواته اعتمد الأكسندر الأكبر على التجسس، وكان لا يتحرك إلا بعد أن يكون جواسيسه قد جمعوا له ما يكفي من المعلومات. وما كاد أن يكون عليه وبالاً تقريباً، "هو ظاهرة مرضية مميزة لكل المهنة"، كما يكتب البروفيسور الألماني، عندما تُجمع معلومات خاطئة. بتاريخ 333 قبل الميلاد، وبسبب "تضارب الأحداث" وتشابكها مع بعض، وصلت المعلومات التجسسية بشكل خاطيء لقائد الجيش المقدوني، لقد أخبره عملاؤه، بأن الملك الفارسي وجيشه كانوا ما يزالون بعيداً، لا يشكلون خطراً عليه. بينما الحقيقة كانت أخرى، وهي أن الجيشين الفارسي ووالمقدوني سارا بتقاطع مع بعضهما، إلى درجة أن الاكسندر الكبير كان عليه أن يعيد تشكيل جيشه من جديد "في تشكيلة حربية معاكسة". رغم أنه في النهاية سينتصر.الآن وما يخص مستقبل الحرب التجسسية في الأنترنت والتي انتجت الويستلبلوير الأميركي الهارب واللاجيء في موسكو، أدوارد سنودن، لم يعد أحد بمنأى من التعرض للتجسس. الانترنت حسب قول سنودن تحول أكثر فأكثر إلى ساحة معركة بين الدول. بهذا الشكل تحول عمل الأجهزة السرية من جلب المعلومات إلى عمل هو في الحقيقة سلاح حربي مباشر، كما حصل للهجمة الانترنتية على برنامج الطاقة النووية الإيراني وتخصيب الأورانيوم مثلاً، أو كما حصل عندما تعرضت شركة سوني في هوليوود لقرصنة لفلمها الكوميدي "المقابلة"، الذي يتحدث عن عملية إغتيال مفترضة للديكتاتور الكوري الشمالي. الطريف هو أن الأميركان وعلى لسان رئيسهم باراك أوباما آنذاك تحدثوا عن سلوك لا أخلاقي قامت به كوريا الشمالية، على افتراض منهم أن كوريا الشمالية الديكتاتورية هذه، هي التي كانت وراء سرقة الفيلم مع أفلام ومعلومات أخرى من شركة سوني العملاقة، ونسوا أنهم هم، الأميركان من قاموا (وما يزالون بالتأكيد) بأكبر عملية تجسس ليس على الدول في العالم ورؤوسائها، ولم ينجوا من تجسسهم حتى الحلفاء منهم كما في حالة المستشارة الألمانية أنجيلا ميركيل، بل أنهم تجسسوا حتى على كل المواطنين العاديين في العالم. الحقيقة، بعد نهاية الحرب الباردة اعتقدنا أن بمستطاعنا الأمل بنهاية الأجهزة الأمنية. الحلم لكن انتهى، كما يوضح كريغير: لقد حطم الانترنت ذلك الأمل.

شارك الخبر على