اليابان الناجحة

أكثر من ٥ سنوات فى الشبيبة

أدير تورنريقول معظم الناس إن النموذج الياباني في الاقتصاد فقد تماسكه. فمنذ 1991، بالكاد وصل معدل النمو إلى 0.9 % مقابل 4.5 % خلال العقدين الفائتين. وأدى النمو البطيء، والعجز المالي الكبير، ووصول نسبة التضخم إلى ما يقارب الصفر، إلى ارتفاع ديون الحكومة من 50 % من الناتج الوطني الإجمالي إلى 23 6% من الناتج الوطني الإجمالي. وتضمنت سياسة أبينوميكس، وهي مجموعة من الإصلاحات أعدها نائب رئيس الوزراء شينزو آبي عند صعوده للسلطة قبل ست سنوات، وُعوداً بالزيادة من معدل التضخم بنسبة 2%. لكن عاملي انعدام الفوائد والتيسير الكمي الشامل اللذين داما لمدة خمس سنوات حالا دون الوفاء بتلك الوعود. ويشير معدل الخصوبة المحدود في 1.4، ومعدل الهجرة الذي يقترب من الصفر إلى احتمال تراجع القوى العاملة بنسبة 28 % في غضون الـ50 سنة المقبلة، مما سيؤدي إلى ارتفاع تكلفة الرعاية الصحية لكبار السن وارتفاع مهول في نسبة العجز المالي، الذي وصلت قيمته بالفعل إلى 4 % من الناتج الوطني الإجمالي.إن الرفع من الضرائب وتقليص نفقات الدولة للحد من العجز المالي كلها عوامل ضرورية لتفادي أزمة ديون. كما أننا في حاجة إلى إصلاح بنيوي للرفع من معدل النمو الهزيل.وبالرغم من كل هذا، فالاعتقاد السائد حول الفشل المزعوم للنموذج الياباني قد يكون في غير محله. إذ رغم أن تراجع النمو الديموغرافي يفرض تحديات كثيرة، قد يتضمن أيضا بعض المزايا الإيجابية. كما أن ديون اليابان أكثر استدامة بكثير مما قد يبدو عليه الأمر.بالفعل، لقد تراجع نمو الناتج المحلي الإجمالي في اليابان مقارنة مع أغلب الدول المتقدم الأخرى، ويحتمل أن يستمر هذا التراجع؛ نظرا للانخفاض التدريجي لعدد السكان. لكن أهم شيء تعتمد عليه رفاهية البشر هو معدل الناتج الوطني المحلي للفرد، وفي ما يخص هذا الأمر، فإن معدل النمو السنوي الذي بلغ 0.65% في اليابان خلال عشر سنوات منذ 2007 هو نفس معدل الولايات المتحدة الأمريكية لكنه يفوق 0.39% في بريطانيا و0.34% في فرنسا- وهي نسبة لا بأس بها بالنسبة لبلد بدأ بمستوى عيش يعتبر من بين الأعلى في العالم. صحيح أن معدل نصيب الفرد الواحد في الولايات المتحدة الأمريكية نما بوتيرة أسرع خلال السنوات الـ25 الأخيرة، لكن اقتصاد اليابان لم يتضرر جراء الارتفاع الهائل للامساواة التي بسببها بقي العديد من العمال الأمريكيين يتقاضون نفس الأجور خلال تلك الفترة، كما أن معدل الباحثين عن عمل وصل إلى أقل من 3 %. ولأن اليابان توفر الرفاهية لشريحة واسعة من المواطنين، فإن اقتصادها جيد بالمقارنة مع أي اقتصاد آخر. ونظرا لكونها من بين الدول التي تحتل المراتب الأخيرة في معدل الإجرام، فمن المؤكد أن النموذج الاجتماعي الياباني يعتمد على برامج عقلانية. كما أن السياحة ازدهرت في هذا البلد، حيث ارتفع عدد الزوار الأجانب من ستة مليون سائح إلى ما يقارب 20 مليون خلال السنوات الـ15 الأخيرة.طبعا، قد يتحول الوضع الحالي إلى نمو ديموغرافي غير مستدام في المستقبل، وإذا بقي معدل الولادات في اليابان مستقرا في 1.4، فإن التراجع السريع للسكان قد يُوجِد مشاكل خطيرة. وما زاد من هول الأمور هي التحذيرات بشأن انخفاض معدل العاملين مقارنة بالأشخاص المتقاعدين من 2.1 إلى 1.3؛ لأنهم يحددون بشكل عشوائي سن التقاعد في 65 سنة، متجاهلين إمكانية رفع سن التقاعد، وهذا ما تفعله حكومة آبي الآن. ولو ارتفع متوسط سن التوقف عن العمل إلى 70 سنة، لظَلَّ معدل العمال مقارنة بالنسبة للمتقاعدين متدنيا، لكن فقط من 2.1 اليوم إلى 1.8 في العام 2050. وعلاوة على هذا، تحتل اليابان الصدارة عالميا في مجال التكنولوجيا التي تمكّن كبار السن من العمل لمدة أطول، كما أنها الرائد في الروبوتات التي تمكن من تقليص عدد العمال في إنتاج السلع والخدمات. بالإضافة خُلُوِّ النقاشات الوطنية في اليابان، بشكل ملحوظ، من أي مخاوف بشأن كون الروبوتات ستقضي على فرص العمل.وفيما يتعلق بديون الحكومة، وعجزها المالي غير المستدام، فمن المحتمل أن يصاب المتشائمون الذين يحذرون من أزمة لا مفر منها إذا لم تفرض سياسة تقشف في وقت قريب، بخيبة أمل. فقد يكون إجمالي ديون حكومة اليابان 236 % من الناتج الوطني الإجمالي، لكن بعد استخلاص الموجودات المالية التابعة للحكومة، تصبح قيمة صافي الديون أدنى من 152 %، حسب تقديرات صندوق النقد الدولي.لكن هذا لا يعني أننا أقصينا التحديات الكبيرة. فقد تؤدي تكلفة الرعاية الصحية إلى زيادة ارتفاع العجز المالي. كما أن النظرية الاقتصادية تقول، إلى حد ما، إن أرباح السندات يجب أن تفوق نمو الناتج المحلي الإجمالي الاسمي. ولهذا، فقد أصبح مستحَبّا وضع برنامج متوسط الأمد بهدف تقديم بعض الدعم المالي. وفي ظل عدم ارتفاع معدل الولادات، أو عدم توافد، على الأقل، بعض المهاجرين، سيكون ضروريا أن يتماشى التقدم التكنولوجي الذي تسعى إليه اليابان مع مجتمع في طور الشيخوخة.إن التشاؤم السائد بشأن مستقبل اليابان مبالغ فيه. بل ستكون العديد من الدول محظوظة إن كان لديها نفس مشاكل اليابان.رئيس معهد الفكر الاقتصادي الجديد،والرئيس المشارك للجنة انتقالات الطاقة

ذكر فى هذا الخبر
شارك الخبر على