ملتقى الشارقة للسرد يبحث في الرباط مآلاتِ الرواية ..النشرة الثقافية..

أكثر من ٥ سنوات فى أونا


الدار البيضاء في 24 سبتمبر /العمانية/ اختتم ملتقى الشارقة للسرد، أعمال دورته

الخامسة عشرة في العاصمة المغربية الرباط، والتي شهدت مشاركة 60 أديباً وأديبة

من دول عربية وأجنبية، قدموا دراسات نقدية، وأوراق عمل ناقشت تحولات الشكل

الروائي وجماليات الرواية الجديدة، فضلاً عن تسجيل شهادات إبداعية لروائيين

عرب أضاءوا فيها خفايا تجاربهم السردية.

وتركّزَ السؤال الأبرز خلال الملتقى، حول مدى هيمنة الرواية على بقية الأجناس

الأدبية. وجاء ختام الملتقى في محورين، بحث الأول في "الرواية التفاعلية"، والثاني

في "الظواهر الجديدة في الرواية العربية".

وشارك في المحور الأول: د.زهور كرام (المغرب)، ود.جمال ولد الخليل (

موريتانيا). حيث استهلت كرام الحديث حول الرواية الرقمية قائلة إن الكتابة الأدبية

عندما ظهرت في علاقة بالوسائط التكنولوجية، "أعادت طرح السؤال حول: ما

الأدب؟"، مضيفة أن هذا السؤال يتجدد مع ظهور وسائط جديدة يتجلى من خلالها

الأدب، وأننا "نُفكر في الأدب في تجلّيه التكنولوجي ونحن نستحضر مسارات انتقال

الأدب من الشفهي إلى الورقي".

وأوضحت الناقدة أن رواية "على بعد مليمتر واحد فقط" للكاتب المغربي عبد الواحد

استيتو، هي أول رواية مغربية عربية تُكتب عبر منصة "الفيسبوك" فصلاً بفصل،

وأن القراء شكّلوا عنصراً جوهرياً في تحديد مسارها، وبناء توقعات أحداثها، وتوجيه

مصائر شخصياتها، وصياغة خطابها، ثم تحقيقها عملاً روائياً.

أما د.جمال ولد الخليل فقدّم دراسة بعنوان "الرواية الرقمية بين المفهوم والتأسيس"،

أوضح فيها مفهوم الرواية التفاعلية بقوله إنها نمط من الفن الروائي "يقوم فيه المؤلف

بتوظيف الخصائص التي تتيحها تقنية النص المتفرع والتي تسمح بالربط بين

النصوص سواء أكانت نصاً كتابياً أم صوراً ثابتة أم متحركة أم أصواتاً حية أم

موسيقية أم أشكالاً جرافيكية متحركة أم خرائط أم رسوماً توضيحية أم جداول".

وأشار الباحث في ورقته إلى أن التجربة العربية في التفاعل مع الأدب الرقمي ما

تزال في بدايتها، على الرغم من مرور عقدين على ظهور الروايات الرقمية وغيرها.

وأكد أن الإبداع الرقمي في حاجة إلى المزيد من التراكم الإبداعي نصوصاً وتجارب،

وأن احتكاك الأدب بالتكنولوجيا أدى إلى ظهور الرواية التفاعلية، وأن انفتاح هذا

الأدب على المتلقي يمنحه الحرية في الإبحار، وهو "ما لا يمتلكه متلقي النص

الورقي".

وفي المحور الثاني تحدث د.ضياء الكعبي (البحرين)، ود.عبد الله ولد سالم (

موريتانيا). حيث رأت الكعبي أن كثافة الاشتغال على الخطاب الصوفيّ لشخصيات

ذات سطوة رمزية اعتباريّة مثل جلال الدين الروميّ وابن عربيّ، تعدّ من الظواهر

اللافتة للانتباه في الرواية العربيّة الجديدة.

وقالت إن هذه الظاهرة لا تعني أنَّ الرواية العربيّة الحديثة والمعاصرة تخلو من

اشتغالات سرديّة صوفية؛ فهناك نماذج مهمة لمثل هذا الاشتغال، خاصة عند نجيب

محفوظ في بعض رواياته، وعند جمال الغيطانيّ الذي يمثل "كتاب التجليات" بأجزائه

الثلاثة رواية استلهمتْ بعمق خطابَ محيي الدين بن عربيّ ممتزجاً برؤية جمال

الغيطانيّ الإبداعّية.

وأضافت الكعبي أننا نجد مثل هذه الاشتغالات الصوفيّة المعمَّقة في بعض روايات

الروائيّ الأردنيّ مؤنس الرزّاز، وفي بعض روايات الروائيّ الجزائريّ الطاهر

وطّار، خاصة "الولي الطاهر يعود إلى مقامه"، وكذلك في بعض روايات الروائيّ

الجزائريّ واسيني الأعرج ومنها رواية السيرة الذاتية "سيرة المنتهى: عشتها كما

اشتهتني".

وتناول د.عبدالله ولد سالم في ورقته "شعرية الرواية العربية الجديدة"، متخذاً من

روايات موسى ولد ابنو نموذجاً. وأوضح أن أعمال هذا الروائي تتصف بالخصائص

التي تؤهلها لأن تكون نموذجاً للرواية العربية الجديدة، مبرزاً جوانب من الأساليب

التي مكّنت الروائيين الجدد من "تعديل سُنن أسلافهم تعديلاً أعطى فنَّهم مزيداً من

تكثيف التعدد؛ لا في تقنيات السرد فقط، وإنما أيضاً في استدعاء الأجناس، وتغيير

الرؤى في فهم الواقع بدلالاته المختلفة".

وسجلت الكاتبة عبير درويش شهادة حول تجربتها، قالت فيها: "أكتب لأن الكتابة

تمنحني وسط ضجيج العالم خلوة مع عقلي لا مثيل لها، وتجعلني أعيش ألف حياة

وحياة"، موضحة أنها لم تكن تعرف أن "الطفلة المتطلعة لوجوه الآخرين وتحرص

على متابعة خلجات نفوسهم وعاداتهم، وتشيد داخل رأسها الصغير مسرحاً تحركهم

فيه كالدمى" ستكون كاتبة عندما تكبر.

وكان الجانب الفلسفي حاضراً في الشهادات، وفي هذا الصدد قالت الكاتبة فاتحة

مرشيد: "جئت الأدب كما يقصد عطشان نبع ماء، لألبي حاجة ماسّة إلى الارتواء..

الكتابة بالنسبة إلي حياة أخرى داخل الحياة، وفضاء آخر للتنفس وسط الفضاء..

فضاء يمَكّنني من أن أطلق صرختي في وجه العالم كمولود جديد، فأتعلم النطق من

جديد، والمشي من جديد، والبحث والتساؤل والعيش والتعايش والحب والموت من

جديد".

وكان الملتقى قد شهد في يومه الثاني ثلاثة محاور؛ الأول عن "تطور التقنيات

الروائية" وصعود الحالة السردية منذ الرواية الكلاسيكية وصولاً إلى ما وصلت إليه

من تحوّلٍ وانقلاب، وما مرّت إليه من مراحل كانت كفيلة في تطورها. وشارك فيه:

د.عبد العزيز بنّار (المغرب)، ود.سعيد يقطين (المغرب)، ود.سهير المصادفة (

مصر).

وخُصص المحور الثاني لتقنيات الشكل الروائي، حيث نوقشت فيه سمات الرواية

الجديدة، بمشاركة د.فاطمة البريكي (دولة الإمارات)، ولطيفة لبصير (المغرب)،

ود.إبراهيم السعافين (الأردن).

أما المحور الثالث فتناول التداخلات الفنية وتفاعل الرواية مع غيرها من الفنون.

كما قدمت فاطمة المزروعي من دولة الإمارات شهادة إبداعية، وقدم منصور صويم

من السودان شهادة أخرى عن تجربته.

أما مدخل الملتقى في يومه الأول، فقد كان حول "جماليات الرواية الجديدة"، وتحدث

فيه د.عبد اللطيف محفوظ (المغرب) مورداً في ورقته 11 ملاحظة انطلاقاً مما أسماه

"الدليل التفكري"، تركزت معظمها حول قراءة عميقة في متون روايات عربية

متنوعة.

وقال محفوظ في هذا الصدد، إنّ الدليل التفكري منظوراً إليه من زاوية تلقي العالم،

يعدّ تحليلاً ممارسياً، يحول الشكل إلى فكرة، ثم يحول الفكرة إلى شكل. وإن هذا

الإجراء، يتطلب في الغالب، استعارة مادة التخييل من نفس مادة الواقع الذي كان

موضوع تلقّيه. وهو ما يفسر تعدد تمظهراته النصية على الرغم من كون المرجع

موحداً (العالم أو الواقع)، ولأنه أساس التمثيل، فإنه، أيضا، أساس الجميل.

وتناول محفوظ 7 نصوص سردية، ناقش فيها الأبعاد الجمالية للرواية، وهي "

عزازيل" ليوسف زيدان، و"شوق الدراويش" لحمور زيادة، و"ساق البامبو" لسعود

السنعوسي، و"حفيد سندباد" لحبيب عبد الرب سروري، و"حذاء فلليني" لوحيد

الطويلة، و"جيرترود" لنجمي حسن، و"الحجر والبركة" لعبد الرحيم جيران.

وعقّب الأكاديمي المصري د.حسين حمودة على ورقة محفوظ، موضحاً أن أهميتها

ترتبط بالمنهج الذي انطلقت منه في معالجة موضوعها المتسع، وبالطريقة التي

التزمتها في هذه المعالجة. فوقفت، منذ البداية، عند التحديد الاصطلاحي لمفردات

عنوانها الاستهلالي "ملاحظات حول جماليات الرواية الجديدة"، وتقصّت الدلالات

المتعددة في المفردات المركزية بهذا العنوان، وقامت بذلك خلال حرص على الانتقال

دائماً من الجزئي إلى الكلي.

وضمن محور "الرواية الجديدة والخصوصية الثقافية"، أجمع عدد من النقاد والكتاب

العرب على أن مفهوم "الرواية الجديدة" ملتبس، لاسيما وأن السرد فن صاحب أفق

مفتوح غير مؤطر، خلافاً للصرامة التي نجدها في الشعر العربي المقفّى المتكئ على

العروض والأوزان التي تحكم سيره.

وشارك في الحديث ضمن هذا المحور: د.معجب العدواني (السعودية)، وفهد حسين

(البحرين(، ورشيد الإدريسي (المغرب).

وأشار العدواني إلى أن مفهوم "الرواية الجديدة" يبدو ملتبساً، ويمكن استبدال الرواية

الراهنة أو المعاصرة أو رواية الألفية الثالثة به. ورأى أن الرواية العربية لم تصل

إلى المستوى التي يؤهلها الآن، في هذه الحقبة، لتكون موازية للرواية الجديدة في

الأدب الغربي.

وفي قراءة مستفيضة حول "الرواية الجديدة"، أوضح الناقد فهد حسين أن مفهوم

العنوان يقودنا إلى إشكالية فلسفية ذُكرت في كتاب "الرواية والزمن"، متسائلاً عن

معنى كلمة "جديدة"؛ هل تعني الرواية التي صدرت في الألفية الثالثة، أم الرواية التي

تتناول قضايا ما بعد الحداثة.

بدوره، أشار الإدريسي إلى أن تسمية "الرواية الجديدة" تسمية ملتبسة، موضحاً: "عند

ذكر هذا التعبير لا يعني ذلك استخدام تقنيات جديدة، بل ربما تكون العودة إلى الرواية

الكلاسيكية نوعاً من أنواع التجديد"، رافضاً هذه التسمية، لأن الرواية فن مفتوح في

أفق واسع ليس له قواعد.

/العمانية/ 174

 

شارك الخبر على