إبراهيم عبد السيد.. راعي الإصلاح خارج عباءة البابا (الحلقة الأولى)

ما يقرب من ٦ سنوات فى التحرير

في زمن البابا الراحل الأنبا شنودة الثالث، عانت بعض الشخصيات الكنسية من العزل أو الإبعاد أو التشهير بسبب آرائها أو أفكارها مثل القس إبراهيم عبد السيد، ودكتور جورج حبيب بباوي، والأب متى المسكين، والأنبا إجريجوريوس أسقف الدراسات العليا، والأنبا إيساك الأسقف العام، أو لأمور إدارية مثل الراهب أغاثون الأنبا بيشوي الذي كان سكرتيرا للبابا الراحل، والأنبا تكلا أسقف دشنا، ولكن بعد أن جرت في نهر الكنيسة مياه كثير خلال السنوات الماضية، وصولا لواقعة قتل الأنبا إبيفانيوس رئيس دير الأنبا مقار، هل يمكن أن تراجع الكنيسة مواقفها من هؤلاء، في عهد البابا الحالي الأنبا تواضروس الثاني؟

الشواهد تؤكد تغير موقف الكنيسة الرسمي تجاه دير أنبا مقار وبعض هذه الشخصيات، لكن البعض الآخر لا يزال الموقف منهم كما هو، فخلال الفترة التي تولى فيها الأنبا باخوميوس مطران البحيرة قائمقام البابا، بدأ التوجه يختلف بعودة الأنبا تكلا أسقف دشنا للصلاة وسط الأساقفة قبل اختيار البابا الجديد، وبعد مجيء البابا تواضروس صدرت قرارات من البابا والمجمع المقدس بعودة الأنبا تكلا والأنبا إيساك الذي انتقل ليكون أسقفا عاما في البحيرة، وسمح بتداول كتب الأب متى المسكين وخصص جناحا بمعرض الكتاب في الكاتدرائية في 2013 بعد إقامته لأول مرة في عهد البابا تواضروس.. فهل تعيد الكنيسة النظر تجاه المغضوب عليهم والمتهمين بالهرطقة في عهد البابا شنودة؟

القس إبراهيم عبد السيد

كلمات مشهورة، دائما ما كان يتم ترديدها حول علاقة الكنيسة بالدولة في عهد البابا شنودة وهي «تم اختزال المسيحيين في الكنيسة كمؤسسة، والمؤسسة في الأكليروس من كهنة وأساقفة، وهم تم اختصارهم في شخص البابا»، أي أصبح البابا هو ممثل المسيحيين والكنيسة الذي يملأ الصورة، ومع ذلك أتيحت مساحة لبعض الكهنة للظهور والوعظ مثل القمص داود لمعي، راعي كنيسة مار مرقس بمصر الجديدة، والذي كان له اجتماع أسبوعي يتابعه كثيرون في الكنيسة وعبر وسائل التواصل الاجتماعي، بل ويصل الأمر لأن يلقي عظة ويجلس بجواره أسقف بحجم الأنبا رافائيل، كما في فيديو ينتقد فيه مهرجان «احسبها صح» الذي تنظمه الكنيسة الإنجيلية، إلا أن هذه المساحة لم تتح لكثير من الكهنة مثل القس إبراهيم عبد السيد. 

تم إبعاد القس إبراهيم عبد السيد، عام 1992، شفهيا ودون محاكمة ولم يتعرض للعزل أو الشلح من رتبته الكهنوتية وهو حي وبعد وفاته، وكان يحصل على راتبه ككاهن حتى وفاته، بعد أن «كتب عدة كتيبات عن الفروق العقائدية بين المذاهب المسيحية، وده اللي كان البابا شنودة نفسه بيدرسه للطلبة في الكلية الإكليريكية»، وفقا لمصدر يعرف الكاهن الراحل عن قرب.

من قواعد الكنيسة إذا وقع شخص في خطأ عقيدي خاصة في سلك الكهنوت، يتم عقد مجمع لمناقشته في أفكاره ومحاولة توضيح الأمور أمامه، وإذا استمر على رأيه يتم عزله كما حدث قديما مع أريوس في مجمع نقية، وهو ما لم يحدث مع القس إبراهيم عبد السيد، وغير خفي أن أي صوت مختلف أو غير مرغوب فيه، كان يتم معاقبته من قبل سكرتير المجمع المقدس الأسبق الأنبا بيشوي، الذي اختاره البابا شنودة لهذا المنصب منذ خروجه من التحفظ بدير الأنبا بيشوي عام 1985م وظل به حتى رحل عن عالمنا في 17 مارس 2012.

خلال الفترة التي أبعد فيها عن الخدمة بالكنيسة فتح العديد من الملفات التي تخص الكنيسة عبر مجموعة من الكتب الهامة، وجميع ما تحدث عنه تعاني منه الكنيسة الآن مثل أزمة الرهبنة وجمع الرهبان لتبرعات وامتلاك بعضهم أرصدة في البنوك ومقتل الأنبا إبيفانيوس أسقف ورئيس دير الأنبا مقار، والأحوال الشخصية التي تفاقمت في نهاية عهد البابا شنودة، ومن هذه الكتب: "البدع والهرطقات خلال عشرين قرنا"، "بطل الوحدة الوطنية سرجيوس"، "المحاكمات الكنسية"، "أموال الكنيسة من أين؟ وإلى أين؟"، "المعارضة من أجل الإصلاح الكنسي"، "البطريرك القادم ممن يختار؟.. ومن الذي يختاره؟.. وكيف؟"، "السلطان الكنسي أبوة لا إرهاب"، "الوحدة الوطنية وحقوق الإنسان"، "متى يعود الحب المفقود في الكنيسة القبطية؟"، "الرهبنة في الميزان"، "أموال الكنيسة من يدفع؟.. ومن يقبض؟"، "الأحوال الشخصية.. رؤية واقعية"، "الإصلاح الكنسي عبر العصور"، "الإرهاب الكنسي". 

خصومة البابا شنودة، مع القس إبراهيم عبد السيد لم يدفع ثمنها الأخير فقط، بل أسرته أيضا، وحتى الآن عندما أصدر البابا يوم وفاته في 30 أغسطس 1999، قرارا خلال زيارته لأمريكا بمنع الصلاة على جثمانه، وأغلقت كنيسة تلو الأخرى البابا في وجه جثمانه، أبرزها كنيسة السيدة العذراء أرض الجولف التي أغلقت بالجنازير الحديد وقتها، إلى أن وصلت الأسرة مع الكاتب والمفكر كمال زاخر والراهب أغاثون الأنبا بيشوي إلى كنيسة المدافن في أرض الجولف، وصلى عليه الراهب أغاثون الأنبا بيشوي، الذي أبعده البابا شنودة ولم يعزله أيضا أو يجرده، وفي ذلك الوقت عرض الدكتور القس منيس عبد النور، رئيس الكنيسة الإنجيلية وقتها، أن يُصلى عليه في إحدى الكنائس الإنجيلية، وكذلك عرضت الكنيسة الكاثوليكية، لكن في النهاية تمت الصلاة عليه داخل كنيسة قبطية. 

اليوم وبعد مرور 19 عاما على رحيله أصبحت عناوين كتبه بالفعل تعبر عن مشكلات تعاني منها الكنيسة، فهل تعيد الكنيسة في عهد البابا تواضروس الثاني النظر في موقفها غير الرسمي من الكاهن الراحل؟ بل وتنظر إلى أسرته التي تدفع حاليا ثمن عدم مواجهة الفكر بالفكر بل بالعزل؟ 

شارك الخبر على