هل يستطيع ترامب اغتيال بشار الأسد؟

أكثر من ٥ سنوات فى التحرير

في كتابه المثير للجدل، أكد الصحفي الأمريكي بوب وودوارد، أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، طلب من وزير دفاعه جيمس ماتيس اغتيال الرئيس السوري بشار الأسد، ردًا على الهجوم الكيماوي على مدينة خان شيخون السورية

حيث يذكر وودوارد فى كتابه أنه بعد أن شنت قوات الأسد، هجومًا كيميائيًا على المدنيين في أبريل 2017، اتصل ترامب بماتيس وقال إنه يريد اغتيال "الديكتاتور"، "دعنا نقتله! دعنا نتدخل ونقتل الكثير منهم".

ماتيس أكد للرئيس أنه سيعمل على تحقيق ذلك، ولكن بعد انتهاء المكالمة، أخبر أحد كبار مساعديه: "لن نفعل أيًا من ذلك، سنقوم بالإجراءات المعتادة".

وحتى الآن، لا يزال بشار الأسد على قيد الحياة وبصحة جيدة، وقواته على بُعد أسابيع قليلة من السيطرة على آخر معاقل للمعارضة المسلحة، والفوز بالحرب الأهلية التي استمرت سبع سنوات، وحولت سوريا إلى مشرحة كبيرة.
إلا أن طلب ترامب باغتيال الأسد، دفع مجلة "ناشيونال إنترست" إلى طرح سؤال هام، وهو "ما مدى سهولة أن يصدر رئيس الولايات المتحدة أمرا بقتل زعيم سياسي أو رئيس دولة أجنبي؟".

تاريخ من الاغتيالات

ففي خلال المراحل الأولى من الحرب الباردة، كانت الاغتيالات جزءًا لا يتجزأ من أنشطة وكالات الاستخبارات الأمريكية، حيث كشف تحقيق لجنة "الكنيسة" التي أنشأها الكونجرس في منتصف السبعينيات، للتحقيق في أنشطة وكالة المخابرات المركزية "سي أي إيه"، عن تورط الوكالة في العديد من مؤامرات الاغتيال ضد شخصيات أجنبية على أراض أجنبية.

وكان الزعيم الكوبي فيدل كاسترو، العدو رقم واحد لمجتمع المخابرات الأمريكية طوال الستينيات، وهي الفترة التي ركزت فيها "سي أي إيه" على التوصل إلى طرق مبتكرة لقتل كاسترو أو تحريض شعبه على الثورة ضده.

اقرأ المزيد: ترامب يواجه «الخوف»: لم أصدر أوامر باغتيال بشار الأسد

ووصفت المجلة الأمريكية هذه المؤامرات بـ"الهوليودية"، حيث انطوت إحداها على تسميم أجهزة الغطس الخاصة بالزعيم الكوبي، فيما تضمنت محاولة أخرى، استخدام قلم مسموم لحقن القائد الكوبي بمواد سامة.

كما نظمت وكالة المخابرات المركزية برنامجًا باسم "باونتي"، يشجع المواطنين الكوبيين على قتل كبار المسؤولين في الحزب الشيوعي الكوبي مقابل مبالغ ضخمة.

في حالات أخرى، لم تكن الولايات المتحدة مرتبطة ارتباطًا مباشرًا بمؤامرات الاغتيال، ولكنها كانت تدرك وجود مؤامرة، حيث تم تدبير اغتيال رئيس وزراء فيتنام الجنوبية "نجو دينه ديم" في نوفمبر 1963، من قبل الجنرالات الفيتناميين الجنوبيين.

إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق جون كينيدي، ساعدت بشكل أساسي وحرضت على تغيير السلطة في البلاد، من خلال التزام الصمت حيال محاولة الاغتيال وعدم تنبيه "ديم"، بعد أن سئمت من سلوكه وحالة الفوضى التي ضربت المشهد السياسي الفيتنامي.

وأوضحت الإدارة الأمريكية آنذاك لمخططي الانقلاب أنها لن تتجاهل مخططاتهم فحسب، بل أنها ترحب أيضًا بتغيير القيادة إذا أدى هذا إلى استقرار فيتنام الجنوبية.

انتهاك واضح

وتوقفت وكالة المخابرات المركزية عن تنفيذ عمليات الاغتيال بشكل مفاجئ بعد صدور تقرير "لجنة الكنيسة"، حيث أصدر الرئيس الأمريكي الأسبق جيرالد فورد حظرًا على عمليات القتل هذه في أمر تنفيذي صدر في فبراير 1976، وأعاد الرئيس رونالد ريجان تأكيده بعد سنوات في أمر منفصل.

وأشارت المجلة إلى أن حظر الاغتيال مستمر حتى يومنا هذا، حيث ينص قرار ريجان على أنه "لا يجوز لأي شخص يعمل في أو يتصرف نيابة عن حكومة الولايات المتحدة، أن يشارك في، أو يتآمر في عملية اغتيال".

اقرأ المزيد: «الخوف».. كتاب جديد يفضح فوضى بيت ترامب الأبيض

لذلك كان طلب دونالد ترامب قتل الأسد، يشكل انتهاكًا واضحًا لا لبس فيه لقرار حظر الاغتيال، وهو عمل يتعارض مع سياسة الولايات المتحدة التي انتهجتها منذ ما يقرب من أربعين عاما.

ولكن كما يشير المحامون في الحكومة الأمريكية، فإن "الأمر التنفيذي هو مجرد أمر تنفيذي، قد يمنع السلطة التنفيذية من القيام بأمر ما، لكنه ليس قانونا".

وإذا أراد ترامب اغتيال بشار الأسد، أو الزعيم الكوري الشمالي كيم جونج أون، أو المرشد الأعلى للثورة الإيرانية آية الله علي خامنئي، أو الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو، أو أي خصم أجنبي آخر، يمكنه القيام بذلك عن طريق إلغاء الأمر التنفيذي الذي أصدره ريجان واستبداله بآخر، يتوافق مع مصلحته، وأقل تقييدا.

وذلك في حالة ما لم يقرر الكونجرس الأمريكي تحويل "حظر الاغتيال" إلى قانون سارٍ، حينها لن يكون هناك الكثير في طريق إعادة الولايات المتحدة إلى هذه الأعمال مرة أخرى، كل ما هو مطلوب من ترامب هو جرة قلم.

سياسة خارجية كارثية

وأضافت المجلة أن هذا لا يعني أن اغتيال الأسد أو خامنئي أو كيم جونج أون سيكون نهجا جيدا لسياسة الولايات المتحدة الخارجية، بل في الواقع، ستكون لها كارثية.

فعلى سبيل المثال، سيكون اغتيال كيم جونج أون، بمثابة شن حرب من قبل الولايات المتحدة على كوريا الشمالية التي تمتلك نحو ستين قنبلة نووية، ولن يمنع قصف بشار الأسد في دمشق نظامه من الاستمرار في إخماد المعارضة، ولن تقبل موسكو بالقضاء على أهم حليف لها في الشرق الأوسط.

اقرأ المزيد: بعد الهجوم الثلاثي.. تورط شركة بريطانية في تصدير أسلحة كيماوية إلى سوريا

كما أن عودة مثل هذه السياسة من شأنها أن تضع الولايات المتحدة في موقف سيئ للغاية أمام جميع دول العالم، مما يتسبب في المزيد من الخلافات مع أوروبا، وتلقي اللوم من الأمم المتحدة، ومنح خصوم واشنطن دعاية مجانية.

إلا أن "ناشيونال إنترست" ترى أن كل شيء ممكن طالما ترامب مازال في منصبه، حيث يكشف كتاب "وودوارد" أن ترامب رجل لا يهتم بالأعراف والتقاليد والقوانين، فقد يستيقظ الشعب الأمريكي يومًا ما، ليكتشف أن الولايات المتحدة رجعت لاستخدام أساليب الحرب الباردة مرة أخرى.

شارك الخبر على