«مصري معاصر».. الهروب من آلام الواقع إلى ذكريات الزمن الجميل (فيديو)

أكثر من ٥ سنوات فى التحرير

في 37 شارع طلعت حرب بوسط البلد، بساحة START HAUS CAIRO؛ قدّمت فرقة "نوت" للرقص المعاصر، المكونة من 4 فتيات ومثلهم من الشباب، ليلة أمس الأربعاء، عرض "مصري معاصر"، ضمن الدورة الثانية من مهرجان BREAKING WALLS، المُقام في الفترة من 7 إلى 17 سبتمبر، والذي يتضمن عروض وورشات عمل وحفلات موسيقية لفرق مصرية وعالمية، ويتجاوز التقليدية عن طريق تقديم عروضه في أماكن أكثر اختلافًا ومغايرةً من تلك التي يُعقد فيها المهرجانات والمحافل الفنية.

رافقنا "نوت" خلال التدريبات والبروفات السابقة للعرض مباشرةً، شاهدناهم أثناء بناء الديكور وخلق مكان آمن للتعبير الفني، شاهدنا إصرار الراقصين والراقصات وتوترهم وثباتهم وانفعالاتهم، يتعبون ويتذمرون ولكنهم يستمرون بالرقص، يرسمون طريقهم من خلال الحركة محاولون إيجاد فسحة للتأمل، ويقدّمون لوحات راقصة تستند على العلاقة بين ماضي مجتمعهم المشرق والمسار الأليم الذي مروا به في واقعهم المُتسم بالفوضى، ساعين للوصول إلى التوازن النفسي والجسدي والعاطفي، وإيجاد الجمال في التفاصيل الصغيرة.

وما أن يبدأ العرض حتى تصرح إحدى الراقصات: "أكتر وقت بحس فيه إني حرة ومش مضطرة أرضي حد وأنا برقص"، ويتضمن العرض عدة أغاني لا زال صدى بهجتها يلمس الداخل فينا حينما نسمعها، إلا أنها خرجت من أفواههم حاملةً لآسى الحاضر الذي نعيشه، ترى إحداهما تبكي وهي تشدو على أنغام حزينة بـ"يا مصطفى يا مصطفى.. أنا بحبك يا مصطفى"، وأخرى تردد وعيونها مليئة بالشجن والحنين إلى الماضي: "من حبي فيك يا جاري، يا جاري من زمان بخبي الشوق وأداري، لا يعرفوا الجيران"، وثالثة تُغني "العتبة جزاز والسلم نايلو في نايلو"، ورابع يُنهي العرض الذي تجاوزت مدته 60 دقيقة، بأغنية "سكر حلوة الدنيا سكر" بنفس الأسلوب.

في "مصري معاصر" ترى التجسيد لعدة أزمات مجتمعية راهنة، ومنها معاناة الفتيات من التحرش في الشوارع، والتضييق من الأهل على البنات تحديدًا دون الأبناء، وكذلك الكثير من العادات السيئة التي نتبعها في الشوارع والمواصلات، والتنمر الذي يقع ضحيةً له الكثيرين، ورفض الآخر، ويصل بنا العرض أيضًا إلى أزمات سياسية، كالصراع على الكراسي حتى من الذين لا يستحقوها وليس لديهم إلا مصالح شخصية وأجندات يسعون لتحقيقها، أو أغراض خبيثة تضر بمصلحة الوطن، كل ذلك من خلال رقصات عنيفة تنُم عن الغضب والكره والدفاع عن غريزة البقاء التي ينتصر فيه الأقوى.

مؤسس الفرقة والمهرجان حازم حيدر، يُحدثنا عن العرض، قائلًا: "العرض اسمه (مصري معاصر)، ببساطة كنت بحاول أجمع ما بين الماضي والكائن المصري المعاصر وأزماته، الماضي من خلال اللبس وطريقة الحركة والرقص والأغاني، والمعاصر من خلال معاناة كل شخص، واقتحام المساحات الشخصية، والمعاناة اللي بنعيشها سواء في الشارع أو البيت أو الحي والحارة، (مصري معاصر) يجمع بين الألم الدفين وحلمنا الأبدي (يا ريتنا كنا عايشين في أبيض وأسود)، والمعاناة المعاصرة التي نعيشوها".

الراقصة سارة خليل، تقول لـ"التحرير" إن مشاركتها في العرض هي الأولى لها في أي عرض رقص معاصر، وتُضيف: "أنا بحب أي شكل من أشكال الفن عامةً، بدأت من التمثيل بالمسرح، وبعدين اشتغلت مع حازم حيدر في عرض قبل ده، اسمه (هدوء نسبي)، وكان عرض مسرحي مش رقص، وبعدين هو عرض عليّا المشاركة في العرض ده فوافقت، كان عندي تخوف لأني عمري ما رقصت قبل كده، لكن حازم عنده قدرة إنه يخلي اللي بيشتغل معاه مرتاح، وواحدة واحدة البروفات كملت والعرض ظهر للناس".

بينما تقول مارينا منير، إنها بدأت رقص معاصر منذ 3 سنوات، وتُتابع: "برقص مش بصورة منتظمة، اشتغلت في BREAKING WALLS مع حازم السنة اللي فاتت، وأنا بحب الرقص بكل أنواعه"، وعن "مصري معاصر" تُضيف: "بنجسد لناس عايزين يعيشوا حياة زمان بحلاوتها بس بأخلاق دلوقتي، الناس حاليًا بتعمل تصرفات غريبة وبتقول على ده تحضر، العرض بيورينا الفرق ما بين زمان ودلوقتي، بنغني أغاني زمان بس بطريقة دلوقتي، بنصارع على حاجات وهي في الحقيقة ولا حاجة، وهي أصلًا مش بتاعتك وفي النهاية بتمشي وتسيبها، عيشنا الحالة كاملة، العرض مكنش رقص وبس، العرض كان كمان تمثيل وغنا كل حاجة، واتأثرنا أوي بالعرض".

إنجي مراد تُخبرنا أنها في الأصل ممثلة مسرحية، ولكنها في نهاية 2011 قررت أن تتعلم فن آخر بجوار التمثيل، تقول: "حضرت وقتها ورش رقص معاصر، ومن الوقت ده حتى الآن وأنا بحضر ورش، وده العرض التالت ليّا مع حازم حيدر، وكنت معاه في نفس المهرجان السنة اللي فاتت، وأنا حاليًا مفيش أي حاجة في حياتي غير إني برقص وأمثل، مش عارفة أعمل أي حاجة في حياتي غير كده"، وعن العرض تُضيف: "العرض بيتكلم عن أن المصري زمان كان أسعد من دلوقتي، رتم الأغاني بطيء وحزين مع إن نفس الأغاني هي اللي كانت بتدينا بهجة زمان، هما زمان كانوا أسعد مننا، كانوا بيلبسوا ويرقصوا براحتهم، مفيش الكلاكيع اللي عندنا دلوقتي".

العرض الراقص كان بالنسبة لنا، تجربة فنية حية وتفاعلية حقيقية، بدأ بمجموعة تساؤلات عن الهوية والوجود والحياة والماضي والحاضر، والتي حولها الراقصون أمام الجمهور من أفكار على أوراق بيضاء إلى حركات هستيرية تنتقل إلى الجسد المستغرق في عالمه الخاص، ذلك العالم الذي يُعبر من خلاله عما مضى، وعما هو آني وقادم.

ذكر فى هذا الخبر
شارك الخبر على