بعد تخلي «الصدر» عنه.. العبادي وحيدا في مواجهة «انتفاضة البصرة»

أكثر من ٥ سنوات فى التحرير

شهدت جلسة البرلمان الاستثنائية فى العراق أمس السبت، التى خصصت لبحث أزمة محافظة البصرة، حالة من الأجواء المشحونة بالتوتر، حيث صاحبها مشادات كلامية تحت، بعد أسبوع احتجاجات دموية أسفرت عن مقتل 15 متظاهرا، وإحراق القنصلية الإيرانية ومبان حكومية عدة.

ورغم أن حيدر العبادى كان الأوفر حظا لتولى رئاسة الحكومة، فإن الأمور تغيرت عقب هذه الجلسة وأصبح المشهد السياسى فى البلاد أكثر تعقيدا، بعد أن تخلت التحالفات المقربة منه عنه، حيث طالبه تحالفا "سائرون" بزعامة مقتدى الصدر، و"الفتح" الذى يترأسه هادى العامرى بالاستقالة.

استقالة واعتذار

وأدت الأحداث الدامية فى المحافظة الواقعة جنوب العراق، إلى انقلاب الطاولة على العبادى، بعد أن تخلت القائمتان الرئيسيتان اللتان فازتا فى الانتخابات التشريعية باستقالته والاعتذار للشعب العراقى.

اقرأ أيضا: احتجاجات دامية.. «البصرة» تنتفض و«الصدر» يكشر عن أنيابه 
 

العبادى وجد نفسه وحيدا فى مواجهة الاحتجاجات، بعد أن تخلى عنه تحالفه السياسى مع ائتلاف "سائرون" الذى يتزعمه رجل الدين الشيعى مقتدى الصدر لتشكيل الكتلة الأكبر، وبالتالى أصبحت تسميته لولاية ثانية أمرا صعبا.

وقال المتحدث باسم تحالف "سائرون" النائب حسن العاقولى فى مجلس النواب "نطالب رئيس الوزراء والكابينة الوزارية بتقديم استقالتهم والاعتذار للشعب العراقى".

ولم يقتصر الأمر على الصدر فقط، بل خسر العبادى أيضا ثانى أكبر الفائزين فى الانتخابات، تحالف "الفتح" الذى يتزعمه هادى العامرى المقرب من إيران.

وأعلن المتحدث باسم "الفتح" النائب أحمد الأسدى أن "التقصير والفشل الواضح فى أزمة البصرة كان بإجماع النواب ونطالب باستقالة رئيس الوزراء والوزراء فورا"، مضيفا "سنعمل سريعا خلال الساعات المقبلة لتشكيل الحكومة، نحن سائرون على خط واحد لتشكيل الحكومة الجديدة ولبناء العراق، وواهم من يعتقد أننا مفترقون"، حسب "فرانس 24".

اقرأ أيضا : بعد تسمم الآلاف.. «البصرة» تشهد كارثة إنسانية 

مؤامرة أمريكية

ويتهم الموالون لإيران رئيس الوزراء العبادى بموالاة الولايات المتحدة وتنفيذ أجندتها فى العراق من خلال مؤامرة أمريكية.

لم يقتصر الأمر على "سائرون والفتح"، طالب قيس الخزعلى الأمين العام لحركة عصائب أهل الحق الموالى لإيران، حيدر العبادى بالاستقالة من منصبه على خلفية أحداث البصرة.

وقال الخزعلى فى لقاء صحفى إن "أحداث البصرة تقع ضمن المشروع الأمريكى لتقسيم العراق ولن نسمح لهم بجرنا للاقتتال الطائفى وأنه إذا وصلت الأمور إلى الانفلات الأمنى سيتدخل الحشد الشعبى".

واعتبر أن إصرار العبادى على ترشيح نفسه يعنى "خلاف إرادة المرجعية الدينية، وإرادة الشعب، وما يريده أغلبية أعضاء مجلس النواب، تقديم المصلحة الشخصية على مصلحة البلد، وتهديد الاستقرار والسلم الأهلى، وإدخال العراق فى المحور الأمريكى وإخراجه من سياسة التوازن".

ويرى مراقبون محليون أن تصريحات الخزعلى، التى تصور الأزمة على أنها مؤامرة أمريكية، تسلط الضوء على الأزمة التى انتهى إليها التدخل الإيرانى فى العراق وفشل حكم الأحزاب الدينية، مما دفع إلى تحرك الشارع العراقى، وخصوصا فى المدن والمحافظات المحسوبة على أنها موالية لتلك الأحزاب، حسب صحيفة "العرب".

وتسعى إيران إلى الرد على اقتحام قنصليتها فى البصرة، وما حمله من استهداف مباشر لنفوذها، بتحويل وجهة المعركة نحو إقالة رئيس الوزراء العراقى حيدر العبادى فى خطوة تهدف إلى تحميله مسؤولية الفشل الأمنى من جهة، والفشل فى الاستجابة لمطالب المحتجين فى البصرة، فضلا عن إضعاف حظوظه فى ولاية جديدة، خاصة بعد أن انضم حليفه تحالف "سائرون" إلى المطالبة بإقالته.

البصرة والفراغ السياسي

ورغم تدابير اتخذها العبادى منها استبدال قائدى الجيش والشرطة فى المحافظة وفرض حظر التجول فيها، قلصت اضطرابات البصرة حظوظ رئيس الوزراء العراقى لتولى المنصب لولاية ثانية.

اقرأ أيضا : تمزق «النصر» يهدد بقاء العبادى على رأس الحكومة العراقية 

وبدأت الجلسة الطارئة التى عقدها البرلمان العراقى أمس لمناقشة الوضع فى البصرة بمشادة بين حرس العبادى وحرس البرلمان وانتهت بمشادة بين رئيس الوزراء ومحافظ البصرة أسعد العيدانى.
واعتبر العبادى الذى حضر الجلسة مع عدد من الوزراء المعنيين، أن أزمة البصرة سببها الفراغ السياسى داعيا إلى إبعاد المحافظة عن هذا الصراع الذى يمكن أن يتحول إلى صراع مسلح.

وأمام نحو 172 نائبا حاضرا من أصل 329، قال إن "البصرة عامرة وتبقى عامرة بأهلها والخراب فيها هو خراب سياسى"، مضيفا، أن "مطالب أهل البصرة هى توفير الخدمات، يجب أن نعزل الجانب السياسى عن الجانب الخدمى، هناك مظاهرات هم أنفسهم أدانوا أعمال التخريب والحرق".

وأعرب العبادى بحسب "السومرية نيوز"، عن أسفه لاستغلال جلسة البرلمان لغير الهدف الذى عقدت من أجله، حيث تم انتهازها بشكل سافر كفرصة للتسقيط.

وقال "بالرغم من توضيحنا الحقائق وبالأرقام وطرح قرارات مجلس الوزراء أمام مجلس النواب، والتى ستنعكس إيجابا على وضع محافظة البصرة وبدء العمل بها، إلا أنه تم انتهاز الجلسة بشكل سافر كفرصة للتسقيط وتوفير ظروف جديدة للتحالفات التى تتشكل على أساسها الحكومة المقبلة".

اقرأ أيضا : هل ينجح العبادى فى امتصاص الغضب الشعبى بـ3 مليارات دولار؟ 

وتلاسن العبادى مع محافظ البصرة أسعد العيدانى، فى المؤتمر الوطنى العراقى، عندما شكا الأخير مخاطبا رئيس الوزراء: "إلى هذا اليوم لم نتسلم واردات البترودولار".

ونقلت شبكة "رووداو" عن العيدانى قوله إن "محافظة البصرة تحترق، وما سمعته من الوزراء وكأن البصرة فى عالم آخر"، وتابع قائلًا: "كنت أقول دائمًا إن قائد الشرطة مرتش، ولكن دون جدوى"، ورد رئيس الوزراء على العيدانى بالقول: "أنت مكانك فى البصرة، وليس فى بغداد".

وفشلت الجلسة البرلمانية الاستثنائية فى تقديم حلول للأزمة الناشبة، فبدلا من وضع حد لتلك الأزمة، تحولت الجلسة إلى نقاش وتراسن بين النواب والمسؤولين الحكوميين.

أستاذ العلوم السياسية فى جامعة بغداد الدكتور خالد عبد الإله أكد أن ما يحدث فى البصرة يدخل فى إطار الصراع السياسى ما بين كتل متنافسة حول تشكيل الحكومة المقبلة كما يدخل فى إطار تشكيل الكتلة الأكبر، موضحا أن "الصراع السياسى وصل إلى مراحل خطيرة لأنه ليس صراعا على السلطة فقط بل هو صراع على النفط وعلى الموانئ وتقاسم المغانم والمكاسب وبالتالى فإن الحل يكمن فى إبعاد جميع المؤثرات للأحزاب السياسية العراقية بما فيها التدخلات الإقليمية والدولية"، بحسب "الشرق الأوسط".

اقرأ أيضا : العبادى والصدر.. تحالف «عابر للطائفية» من أجل الحكومة العراقية 

وتشهد مناطق متفرقة من العراق منذ عدة أشهر تظاهرات ضد الحكومة وصلت إلى ذروتها خلال الأيام الأخيرة، لا سيما فى محافظة البصرة الغنية بالنفط التى تشهد انتفاضة شعبية غاضبة، تطالب بتوفير الخدمات وفى مقدمتها الماء الصالح للشرب والكهرباء، لكن الأمور اتخذت منحى تصعيديا اعتبارا من الأسبوع الماضى على خلفية أزمة صحية غير مسبوقة فى البصرة، مما أدى لاتساع الاحتجاجات التى أدت إلى سقوط عشرات القتلى والجرحى بين المتظاهرين.

شارك الخبر على