الهوية الحضارية والتعددية اللغوية

أكثر من ٥ سنوات فى الشبيبة

صادق بن حسن اللواتيالحديث عن اللغة وتأثيرها على حضارة أمة والعمل على التوازنات السياسية والدينية لهو حديث طويل لا يمكن حصره ضمن هذه المقالة.. فللغة تأثير أيما تأثير على نظم وعقائد أمة ودرجة ثقافتها وشئونها الاجتماعية. واللغة جمع «فعله» من لغوت أي تكلمت وقيل لغي أي هدى من مصدر لغا كما في سورة الفرقان الآية -72 «وإذا مروا باللغو مروا كراما» أي بالباطل ويقول الباحث حبيب محم:د «إن العلماء اختلفوا في تعريف ومفهوم اللغة وليس هناك اتفاق شامل على مفهوم محدد للغة، ويرجع سبب كثرة التعريفات وتعددها إلى ارتباط اللغة بكثير من العلوم، فانتقاء تعريف لها ليس بعملية هينة»:- نذكر منها: يذكر ابن جني في الخصائص ص 33 «أصوات يعبر بها كل قوم عن أغراضهم» وذهب صاحب التحليل اللغوي، د. خليل أحمد عمايرة، ص:56 أنها «ظاهرة اجتماعية تستخدم لتحقيق التفاهم بين الناس»، وجاء في الارتقاء بالعربية في وسائل الإعلام، سلسلة كتاب (الأمة) ص 47 «اللغة وسيلة إنسانية خالصة، وغير غريزية إطلاقاً، لتوصيل الأفكار والأفعال والرغبات عن طريق نظام من الرموز التي تصدر بطريقة إرادية»، من هنا يتبين لنا أن اللغة ظاهرة اجتماعية نشأت بسبب حاجة الإنسان للتواصل مع بني جنسه. وهذه الظاهرة انتجت لنا التعدد اللغوي بين أفراد المجتمع وكونت هوية كل فرد منها واتخذت أبعاداً مختلفة خاصة عندما يتعلق الأمر بالتعدد اللغوي الذي يشير إلى قدرة الفرد بتحدث باللغتين ومنها ننطلق إلى تحقيق الوعي الحضاري الحقيقي من خلال التعدد اللغوي نظراً لضرورته لما يتميز به في إثبات الذات وكفاءته ومعارفه سواء على المستوى الفردي أو المجتمعي ونتيجة لهذا التطلع والرغبة في المعرفة لما تقتضيه ضرورات الاجتماعية وثقافية وغيرها من مجالات الحياة ونحن نعرف أنه كلما تعددت اللغات تعددت معها الحاجة إلى حضورها في ضوء المجالات المختلفة في الدولة فمثلا عندما تفتح الدولة ابوابها للاستثمار الاجنبي فإنها بحاجة الى مرشدين ومترجمين متخصصين في اللغات السائدة عندها وكذلك في الإرشاد الديني وصولا الى النص اللغوي المقروء والمسموع وهذه النقلة الحضارية تحيل في اغلبها الى مجتمع متنوع كما عبر عنه ادوارد تايلور (1917 - 1832)، «إن الكل مركب يشمل العلوم – الدين - التقاليد – العادات - القانون وكل المقدرات التي يكتسبها الإنسان بوصفه عضوا في المجتمع»، والسؤال الذي يطرح نفسه على بساط البحث كيف يمكن الوصول إلى مجتمع متعدد اللغات ذات سمة حضارية؟ سيجيب على هذا السؤال هو ذاك البدوي علي بن الجهم الذي انتقل من بيئة ضيقة إلى بيئة علمية واسعة فهو عندما أراد مدح الخليفة المتوكل العباسي حيث لم تقده قريحته البدوية أحسن من هذا المدح: «أنت كالكلب في حفاظك للعهد/‏ وكالتيس في قراح الخطوب»، وهذه القريحة نفسها قادته عندما القت الحضارة بظلالها وأهدت له دار يسكنها على شاطئ دجلة الى قول حسن في مدح الخليفة قائلا: «عيون المها بين الرصافة والجسر/‏ جلبن الهوى من حيث أدرى ولا أدري»، إذن المظاهر الاقتصادية أيضا طبعت اللغة بطابع خاص في مفرداتها اللغوية، وكذا الناطقون بها في شؤونهم الاجتماعية فلو بحثنا عن الأسر في المجتمعات نجد أن الأسرتين الأب والأم في لغات الأمم ممن وحد بينهما في المفردات فكانت مفردة القرابة واحدة ابن العم – ابن الخال –ابن الخالة- وابن الاخ ولكن عندما انفصل الترابط كانت المفردات العم –الخال- الخالة -الأخ –الأخت وعليه جرت مظاهر الألفاظ في التعظيم من الجمع الى المفرد «ارجو أن تجلسوا» «اجلس سيدي» من هنا يتبين لنا أن الأمم العقلية من خصائصها هو مدى ثقافتها ومستواها الفكري والمنهجي ينبعث صداها في لغتها بعكس الأمم البدائية فهي ضعيفة في التفكير همجية في التعامل انعدام دلالة المفردات ومنه توصل الباحثون الى توصيات تساعد على بناء فرد ذات أبعاد متعدد اللغات منها ضرورة إيجاد معاجم لغوية تساعد الباحث والمهتمين باستعمالها تبعا لسياقات اللغوية المختلفة وهذه المعاجم إن وجدت فإنها نصر معرفي عظيم لنا.إن التعدد الثقافي وتفعيله في وضيعة التعددية اللغوية بحاجة إلى ميزانية وتخطيط تعلن فيه النتائج ومدى تطابقها للأهداف المعلنة عنها في فترة زمنية معينة وهذه التكلفة في إعداد الترجمة -المعلمين- طباعة الكتب إضافة إلى التكلفة في إيجاد وسائل التكنولوجية الحديثة وتحفيز التعليم اللغوي وفتح مجال الإبداع فيه بما يتماشى مع المنجزات العلمية حيث إنه لا يستقيم خطاب المنع والإكراه في ظل الثورة المعلوماتية الهائلة التي لا تعترف بالحدود الجغرافية والسياسية للبلدان وبالتالي يجب تجاوز الهوية المفروضة والهوية المحتملة أو الهوية المنفتحة بالمعنى الذي يتم فيه درء لغة التزام والقسر الهوياتي لصالح أساليب جديدة ومحينة تأخذ بعين الاعتبار إغراءات الهويات واللغات الأخرى.وخلاصة القول إن بناء الهوية الحضارية في ظل التعددية اللغوية كحقيقة واقعية وكظاهرة اجتماعية والتي تسعى لتشكيل الهوية الثقافية الحضارية تماشياً مع المنافع الاستراتيجية بحاجة إلى فتح مراكز للبحوث اللغوية والتخطيط اللغوي.باحث في علم الاجتماع السياسي

ذكر فى هذا الخبر
شارك الخبر على