الشخصية العراقية في زمن الطائفية

أكثر من ٥ سنوات فى المدى

  -دراسة علمية-
 د. قاسم حسين صالح
توضيح
يقصد بالشخصية العراقية هنا، الشخصية النمطية أو المنوالية الشائعة في المجتمع العراقي، ما يعني أن هنالك أكثر من نمط أو نوع أو صنف من الشخصية في المجتمع العراقي. ويقصد بزمن الطائفية.. المرحلة التاريخية التي تبدأ في العام 2003. *من عادتي انني استطلع آراء الأكاديميين والمثقفين والإعلاميين في الظواهر الاجتماعية. وكنت قد دعيت في (27 آب 2018) من (دار معنى) لإلقاء محاضرة بعنوان (الشخصية العراقية من السومرية الى الطائفية) فتوجهت عبر ثلاث صفحات في الفيسبوك بهذا السؤال:
ما الذي حصل للشخصية العراقية في زمن الطائفية؟شارك في الإجابة أكثر من 140، إليكم نماذج منها: • د. هيثم هادي نعمان الهيتي: الشخصية العراقية بزمن السومرية كانت تعبّر عن الحضارة الإنسانية أما في زمن الطائفية، فتعبّر عن الولاء الضيق والمتخلف، والتساؤل كيف تحولت عبر التاريخ؟• سلام السعدي: أصبحت بلا هوية وطنية وافتقدت روح المواطنة وصارت فقيرة اجتماعياً وحاقدة وأنانية.• نورسل قوشجي زاده: لم تحصل غير المذلّة والإهانة وتفتيت الشعب بوسائل العنف والقسوة، ولم يبق من قيمة المواطنة غير انتظار الموت البطيء. • علي الخزاعي: تعيش سلسلة أزمات وضغوطاً وصراعاً مستديماً بسبب غياب الهوية الوطنية، وبروز هويات نفعية اقترنت بالضعف والتشرذم لتؤسس حالة اغتراب مدعومة بالفوضى واللا معنى.• د. عبد الكريم الموزان: لا عجب، لأنها وليدة الشخصية البدوية العربية الجاهلية العليلة.• الشيخ المستشار ماجد البديري: انهكتها الحروب والحصار والحرمان، فسهل تشويه منظومتها القيمية، والأخطر انحراف رموز دينية وعشائرية ونخبوية وانغماسها بالفساد المادي والأخلاقي.• رغد السهيل: تعرّت وظهرت على حقيقتها، وتوالت عليها الحروب لتعريها اكثر لتصبح شخصية متناقضة لا تستقر على حال.• عبد العزيزججو: طحنت بالفقر لحد الموت جوعاً، وتساوى عندها الحياة والموت، وانخفضت مقومات القيم الإنسانية كالمرؤة والصداقة، وجعلت العراقي متقوقعاً على نفسه .• طائر الفلامنكو: سحقت وانعدمت ملامحها. لاتوجد لديها ثوابت، خائفة مترددة متشككة ماكرة بخبث.• د.علي نفل: اصبحت انانية متمركزة على الذات وفاقدة للأمان، مندفعة نحو مغريات الحياة وتحقيق الأحلام بأية طريقة وكأن الحياة مقامرة كبرى.• سعاد السامر: لما نهضت الدجاجة من سلة البيض وفقس.. خرج كل بأصله، من هو برحمها جرى وراءها، ومن هو مدجّن خرج يتخبط، وبعض البيض فاسد أصلاً.• عباس الأسدي: وصف الشخصية العراقية بمختلف الأوصاف السلبية (تجني)، فنحن منها وإليها، وفينا من لم يتمترس بطائفة أو جهة أو عنوان.• عمر الأمين: الشخصية العراقية مسخت وتم تشويهها ببرنامج علمي مدروس ابتدأ بفرض الحصار صعوداً الى مرحلة نهب مؤسسات الدولة في 2003 وصولاً الى تنمية الحس المذهبي وإبراز مظلومية فئة وتحميل الأخرى من حيث لا تعلم هذه المظلومية وانتهاءً بتشكيل حكومات بنيت على أسـس طائفية من قبل تجار أزمات ومتلاعبين بمشاعر الشعب.• سبتي المخزومي: انقلاب على الذات، متناقضة تدعي التدين لكنها تسرق، تدعو الى الفضيلة لكنها تفعل الفواحش، ساستها هم الأسوأ.. معممون في الداخل لكن اغلبهم رواد ملاهٍ وحانات في الخارج.• قاسم موزان: يفضل تصحيحها الى الشخصية العربية لأن باقي الاثنيات العرقية والدينية لم تساير عنف وتوجهات الفرد العربي في استحضار مكنوناته المكبوتة وتفجيرها في سنوات غضب غبية للانتقام من الآخر.• سعد فتح الله: الشخصية العراقية مشوهة منذ بدء الحياة على الأرض. آلاف الانبياء والرسل أرسلوا لهذه الكائنات ولم يغيّروا مافي أنفسهم. هل تجيبني الى من تُرسل الرسل؟ لماذا لم يرسلوا الى أوروبا والصين مثلاً؟. هي الطينة فاسدة أصلاً .وكانت الغالبية المطلقة من الإجابات الأخرى التي تعدت المئة لأكاديميين ومثقفين تؤكد على هذا التحول الكبير في الشخصية العراقية بزمن الطائفية، واحتقانها بهذا الكم الخطير و(المخيف) من الصفات السلبية.. الأمر الذي يتطلب تقديم اجابة علمية لأخطر ظاهرة اجتماعية في المجتمع العراقي.وجهة نظرنبدأ وجهة نظرنا بتقديم نظرية عراقية في الشخصية نصوغها بالآتي:( تتغير الشخصية عبر الزمن وعبر المواقف،والنظام السياسي له الدور الرئيس في هذا التغيير).كان الاستقلال السياسي(1922) قد نقل المجتمع العراقي من الحالة البدوية والريفية الى الحضرية، فتحولت الشخصية العراقية الى حدّية (marginal personality)، بداخلها رواسب قيمية ريفية، وظاهرها قيم حضرية (علاقات سطحية، استهلاك مظهري، نفاق اجتماعي..) وعاشت حالة تناقض بين افكار حضرية ورواسب ريفية متخلفة، غلبت عليها الهوية العشائرية، العرقية، المناطقية.. استمرت عليها الى 2003. ويعزى السبب الى أن جميع انظمة الحكم (ملكية، جمهورية، عسكرية، شمولية، دكتاتورية، طائفية) اعتمدت الولاء للحاكم الفرد واسرته واقاربه وابناء منطقته، واستهداف الحكاّم تنشئة الاطفال بالولاء لهم وليس للوطن، وبينهم من ساوى بين شخصه والوطن (صدام هو العراق- انموذجاً)، والغاء الرأي الآخر من اجل تحميد وتمجيد وتجميل وتعظيم صورة الحاكم على حساب الصورة الوطنية العراقية.. والمفارقة، أن الحاكم العراقي لم يستفد من اخطاء الذين سبقوه في الحكم ونهاياتهم الكارثية. زمن الطائفيةفي زمن الحكم السياسي الطائفي، استعادت (ش.ع) بقوة ممارسة ما تطبعت به من طبائع التعصب والتحيز والتطرف وعدم احترام الراي الآخر، وزاد عليها غلبة التفكير الخرافي والقدري والدوغماتي (الانغلاق الفكري) في تعاملها مع مشاكلها الحياتية. وصارت تعيش بداخلها حالة خوف من المجهول مصحوبة بتملق او خنوع للحاكم الطائفي.. والأخطر سياسياً فقدانها لعراقيتها الوطنية وخضوعها لتعزيز الحكام الطائفيين التعصب للهويات الفرعية، الطائفية، العرقية، العشائرية، المناطقية، الذي كان موجوداً فيها قبل التغيير 2003، لكن اعراضه ما كانت حادة.. الى انفجاره عام 2005 بعنوان جديد هو صراع الهويات. وأخلاقياً، تتصف الشخصية العراقية بالتزامها بالعبادات (صلاة، صوم..) ولا تلتزم بالقيم الدينية كالصدق وقول الحق، غير أنها كانت تمارسه على استحياء فيما صارت تمارسه علناً زمن الطائفية. والسبب، أن الحكومة والبرلمان، أشاعا فساداً فاحشاً وصيّروه من فعل كان يعدّ حراماً الى شطارة وانتهاز فرصة، والأقبح: تبادل اتهامات الفساد بين معممين، وتناقض افعال مسؤولين (دينيين) في السلطة مع اقوالهم، أوصلت العراقي لحوار داخلي: (اذا اهل الدين "القدوة" ماملتزمين بالقيم الدينية فما الذي يدعوني الى الالتزام بها وقد ضاقت بنا السبل).. نجم عنها انها (خدّرت) الضمير الأخلاقي فشاع لديها الكذب، النفاق، التزلف، واللا حياء. والكارثة الأخلاقية أن احزاب الاسلام السياسي التي تعتمد الاسلام عقيدة ومنهجاً، فاقت جرائم الفساد في زمن توليها السلطة أضعاف ما كانت عليه زمن الانظمة الدكتاتورية، وأوصلت الناس الى أن يتداولوا بسخرية مرّة: كان لدينا علي بابا واحد وأربعون حرامي، فصاروا الآن أربعين علي بابا وآلاف الحرامية، وكان لدينا طلفاح واحد فصار عندنا الآن مئات الطلافيح. وسيكولوجياً، تولدت لدى حكّام السلطة وقادة أحزاب الاسلام السياسي قناعة بأنهم استعبدوا الناس روحياً، وانهم في حوارهم الداخلي يقولون لهم: تتظاهرون ضدنا، ترفضوننا، تشتموننا، تتهموننا بأننا نتحدث بالعدل ونحكمكم بالظلم، ونتباهى بالأمانة ونمارس الخيانة.. فإنكم ستبقون تنتخبوننا لأننا سادتكم وقدركم المحتوم ولا ارادة لكم حتى لو سقناكم الى جهنم، ولا تملكون من وسائل الهرب سوى انكم تغادرون حزبنا هذا الى حزبنا الآخر!.إن مهمة هذه المقالة هي تشخيص ما حدث من سلبيات خطيرة في الشخصية العراقية، فيما ستكون مهمة المقالة المقبلة تحديد الأساليب العلمية لإحياء القيم الايجابية في الشخصية العراقية.

شارك الخبر على