تمكين الشباب العراقي بحاجة لرؤية ستراتيجية طموحة

أكثر من ٥ سنوات فى المدى

د. أحمد عبد الرزاق شكارة
إذا أخذنا بالحسبان مدى أهمية خطط التنمية البشرية الوطنية في الأعوام 2008 ، 2013 ، 2014 ، 2018 - 2022 ، سنجد أن في قلب هذا الاهتمام مسألة حيوية تمكين الشباب العراقي بكونه الركيزة الأساس في بناء الأمة والوطن. لعل من نافلة القول إن هذه التقارير أعدها البرنامج الانمائي للأمم المتحدة ((UNDP الراعي لها عاهداً في كتابتها إلى خبراء مستقلين بهدف توسيع مساحة اتخاذ القرارات من خلال تفسير وتحليل الرؤى المتنوعة ورصد الوقائع المهمة نسبياً بالاعتماد على بيانات رسمية. المهم أن التركيز غطى فئة الشباب وهي شريحة كبيرة ومهمة جداً من مجمل عدد سكان العراق (40-55 % أو أكثر) عاكساً قدر الامكان وجهات نظرهم ومعبّراً عن اصواتهم في الغد الذي يرنون الوصول إليه.
بداية التوصيف لتقرير التنمية البشرية للعام 2014 تحت عنوان "شباب العراق: تحديات وفرص" تشير إلى أن شبابنا هم هؤلاء الاطفال الذين ولدوا وعاصروا فترات زمنية مزدحمة بالحروب والحصار والنزاعات العسكرية. اقتباساً من التقرير وصف الشباب انهم من "جيل نشأ في كنف أسر أشقاها الفقر أو الخوف أو الاقصاء، لكنهم ايضا شهدوا ]عقب 2003[ مناخاً جديداً اتسعت فيه الفرص ومساحات الحرية" هذا من ناحية. ومن منظور مكمّل أشار تقرير 2014 إلى حقيقة لافتة : "يبدو أن 10 سنوات لم تكن كافية لجني ثمار الانتقال من نظام شمولي إلى نظام تعددي ومن اقتصاد مركزي إلى سوق حر. فالشباب والشابات اليوم يواجهون تحديات الانتقال على صعيد السياسة والاقتصاد والمجتمع والثقافة". هنا أجدني مؤيداً ومنتقداً لبعض ما ورد من عبارات تبدو ظاهراً سليمة جداً، ولكن في واقع حالها لاتعكس عمق الازمة التي عاشها ويعايشها شبابنا في مرحلة جد حرجة، حيث أن العراق عقب 2003 لم يرتبط حقيقة بنظام تعددي واضح المعالم يعكس اهمية التنوع ضمن إطار الوحدة الوطنية بعيداً عن الشخصنة والمحاصصة طائفياً وعرقياً وقبلياً وجهوياً إلى غير ذلك من تفرعات في الهوية ثانوية بعيدة كل البعد عن الولاء اجوهري لـ "دولة المواطنة الحقة" أو للدولة المدنية التي من المفترض أن توفر الحقوق والحريات للجميع على أسس المساواة وتكافؤ الفرص. أما الجزء الآخر من التقرير فإنه يركّزعلى تداعيات مرحلة شملت العقود الثلاثة، حيث شهدت عملية "تمكين الشباب"، وهنا جاء الوصف المؤلم : "اصبح العديد منهم مهمشين بسبب فقرهم وجهلهم ومعزولين عن التيارالرئيس لفعاليات الحيوية للمجتمع". ولكن لنتوقف قليلاً، هل العبارة الأخيرة تفي بالمعنى والغرض كاملاً . الجواب ليس تماماً خاصة وأن العراق أخذ يشهد ومنذ فترة ليست قصيرة حراكاً وطنياً واسعاً في محافظات عدة منذ 2015 إلى 2018 في القلب منها دور نشط ويقظ وفاعل لشبابنا العراقي يدعو لاستعادة الوطن بكل ما يمثله هذا النداء من رفعة وقيمة سامية. ترتيباً على ذلك، يمكن التأكيد على انه وبغياب رؤية وطنية ستراتيجية منتجة شاملة لمحاور حياتية جوهرية أساسها كرامة العيش المشترك والاحترام المتبادل بين مختلف شرائح المجتمع مع اعتماد "لآليات التغيير" الايجابي ستستمر الاخطار التي يعاني منها جيلاً واسعاً من الشباب ضمن الفئة المنتجة (15 – 29) عاماً. استكمالاً للنقاش يمكن القول بأن الخطط الوطنية للتنمية البشرية المتتالية منذ 2008 حتى الآن مرت بمراحل انتقالية عصفت ومازالت تعصف بالعراق مشخصة واقع حال مؤلم إنسانياً على المستويات المختلفة منها ما ذكر جزئياً في تقرير 2014 الذي غطى جملة من أبعاد ومظاهر مهمة مثل : "التحول السياسي والاقتصادي، الأمن، الهجرة والنزوح، المرأة والتعليم". ومنها ما لم يتعمق التقرير ببحثه يرتبط بالمشاركة الفاعلة في صناعة القرار من قبل شريحة الشباب. من هنا، أهمية بل ضرورة انطلاق رؤى اصلاحية طموحة وفقاً لمعايير ستراتيجية على المديات القريبة، المتوسطة والطويلة المدى نسبياً لمعالجة جميع المشكلات والازمات المتراكمة مجتمعياً واقتصادياً وثقافياً لشريحة الشباب وفقاً لأولوياتها (البطالة ، الفقر-22% من مجمل عدد السكان، وغياب العدل الاجتماعي والاقتصادي ضعف المشاركة السياسية وتنامي ظاهرة الجهل والأمية) دون اغفال لحيوية استدامة وشمولية خطط التنمية البشرية الوطنية. من الاهمية بمكان معرفة أن ما ذكرته تقارير التنمية البشرية الوطنية من أن مستويات المعيشة حتى مع كونها انتعشت نسبياً في إطار مظاهر الانفاق الاستهلاكي توازياً مع تصاعد عوائد النفط (2010 -2014) إلا انها لم تضع في حسبانها تأثيرات وتداعيات الأزمة الاقتصادية العالمية (2008) وانعكاساتها عراقياً ما اضعف الاقتصاد الريعي المعتمد على عوائد الطاقة الاحفورية بنسب تصل إلى 95 % من الناتج المحلي الإجمالي. نظراً لكل ذلك بات من الضرورة تغيير النمط التقليدي للتنمية الاقتصادية من خلال اعتماد اقتصاد متنوع المصادر يهدف إلى تقليص درجة الاعتماد على الاقتصاد الريعي للنفط وللغاز الطبيعي أولاً ومن ثم تنويع مصادر الطاقة المتجددة ثانياً. وثالثاً، ضرورة تأهيل الشباب لمرحلة الاقتصاد التقني الرقمي الجديد، من دون ذلك لايمكننا تصور أن المجتمع العراقي – خاصة فئة الشباب - سيحقق مستويات حياتية تنموية مستدامة وجودة في نوعية الحياة. من هنا تأتي أيضاً أهمية المشاركة الفاعلة والمتوازنة للشباب في القطاعين العام والخاص، وذلك بهدف بناء اقتصاد اكثر عراقيةً، مؤثر نسبياً معتمداً على الذات بدرجة كبيرة ومتمتعاً بديمومة واستقرار للمراحل الستراتيجية. ولكن المعادلة لن تكتمل بهذه السهولة طالما لم يزل التخطيط الستراتيجي لبناء عراق جديد يستوعب مختلف الطاقات الشابة المنتجة في مرحلة جنينية. صحيح أن القضاء على داعش أسّس لمرحلة قادمة تتسم بالأمن والامان لمحافظات العراق كلها، إلا ان المجتمع العراقي وفئة الشباب والشابات مازالت مشاركتها في صناعة القرار العراقي محدودة جداً أو ضعيفة خاصة للإناث. يضاف إلى ذلك، من الظواهر التي تحمل تداعيات غاية في السوء الدولة العراقية تصاعد واضح لمعدلات البطالة بين خريجي الجامعات من العراق ومن غيرهم ممن عادوا عقب تخرجهم من جامعات ومؤسسات تعليمية أجنبية. يضاف الى ذلك، عدم توافر دراسات رقمية دقيقة حول مدى حاجة العراق وسوق العمل للشباب والشابات من خريجي المؤسسات التعليمية من مختلف حقول التخصص الاكاديمي والمهني. من الضرورة بمكان أن نعرج على بعض الارقام المهمة للفترة القريبة الماضية التي تميّزت بارتفاع مستوى المعيشة (خاصة قبل 2008) توازياً مع تصاعد عوائد النفط، حيث بلغت نسبة العاطلين من الشباب قرابة 18.6 % مع مفارقة أخرى مكملة، هي أن ما يقدر من خمس السكان تقريباً و12.2 % منهم "يعانون من فقر الدخل، بمعنى أنهم مستبعدون". إن أرقام البطالة بين الشباب هي الان اكثر من اية مرحلة سابقة، إذ تصل تقديراتها بين 30 % الى 37 % أو ربما اكثر . المنظور الآخر المكمّل للمشكلة، أشار إلى أن النسبة الكبرى من السكان وفقاً لتقرير 2014 هي 82.6 % وهؤلاء "ليسوا أحسن حالاً ومندمجون فقد يعانون من أوجه إقصاء اخرى بسبب الحرمان من التعليم أو السكن أو الخدمات أو ربما ممارسة الحقوق السياسية والثقافية". من الأمور التي زادت سوءاً. إن الموازنة العراقية للعام 2018 لم يتم المصادقة عليها بعد وبالتالي مازال إطلاق الوظائف المنشودة غير قائم في جميع الهيئات والوزارات الحكومية على مستوى الملاك الدائم، اللهم إلا بصورة محدودة (العقود السابقة في حالة وجدت حاجة لها) . توضحت لنا الصورة الأخيرة من خلال إطلاق الحكومة الراهنة لدرجات تعيين استثنائية ومحدودة نسبياً (10000) وظيفة . في البصرة وبعض المحافظات الأخرى. إن تحجيماً لتصاعد حدة الاحتجاجات المجتمعية من خلال (استخدام القوة الصلبة) أكثرمن القوة الناعمة أو القوة الذكية لن يؤدي إلا ألى تصاعد مزيد من أزمات خطيرة مركّبة تضاف لأزمات العراق المتنوعة مثل أزمة الطاقة التي واكبت تصاعداً كبيراً جداً لدرجات الحرارة (أكثر من 45 -50 مئوية)، إضافة إيضاً الى انخفاض حاد بمعدلات الكلور في المياه الصالحة للشرب من شط العرب والأنهار الفرعية الأخرى التي ترتبط بمحافظة البصرة، مثل نهر القارون، حيث تصاعدت نسب الملوحة فيه مقترنة بحالات من التسمم لم ينج من هكذا وضع الشباب أنفسهم. أخيراً لابد من تشكيل لجان عليا من الشباب مرتبطة بأعلى المستويات التنفيذية لمتابعة تنفيذ برامج منتجة وواقعية تهدف لمعالجة أزمات العراق الراهنة والمستقبلية، وتنعكس أخيراً على شبابنا بالخير وعلى الوطن بالرفعة والسمو والازدهار، خاصة وأن شبابنا هم عدة الأمة والوطن وجيل المستقبل في السراء والضراء.

ذكر فى هذا الخبر
شارك الخبر على