نيويورك تايمز ضحايا العراق المنسيّون.. أطفال تيتّموا أثناء الحرب على داعش

ما يقرب من ٦ سنوات فى المدى

 ترجمة: حامد أحمد
عندما كان عمره 8 سنوات، يقول محمد، إنه شاهد مسلحي داعش وهم يسحبون والده من بيتهم في الموصل وقتلوه رمياً بالرصاص في الشارع .يستذكر الطفل محمد وهو في العاشرة من عمره الآن بقوله، "كنت أبكي وأصرخ لكي يتركوه ويتركون البيت، ولكنهم تجاهلوا صراخي".
وبعد أن اعتقل مسلحو داعش والدته، انتهى الحال بمحمد وأخويه الصغيرين في معسكر للنازحين، ومن ثم في نهاية المطاف وخلال هذا الربيع، فإنهم يعيشون الآن في دار أيتام المدينة. إنهم من بين عشرات الألوف من الأطفال العراقيين الآخرين الذين فقدوا آباءهم بسبب وحشية تنظيم داعش والمعارك التي استمرت طويلاً من أجل تحرير الأراضي من حكمه .ولكن على خلاف جنود الحكومة الذين خاضوا المعارك والذين تم تكريمهم واستذكار بطولاتهم في كل مدينة، فإن ضحايا الحرب من هؤلاء الأطفال معرضون لخطر التجاهل. لم تخصّص الحكومة موارد كافية لهم، وإن مؤسسات الدولة المتهالكة التي تتعثر في سعيها لتوفير خدمات أساسية مثل رعاية صحية وكهرباء، فإنها أبعد مايكون عن تمكنها من تلبية احتياجات الأيتام .مساعدة مدير دار الأيتام في الموصل، أمل عبد الله، تقول "جميعنا مر بمصاعب كبيرة خلال هذه السنوات الماضية، كل واحد منا له قصته الخاصة من المآسي، ولكنّ هؤلاء الاطفال كانوا الأكثر تضرراً ومعاناة، إنه من واجبنا الآن أن نحاول استرجاع جزء من السعادة والراحة لهم ."ليس لدى الحكومة العراقية أو أي منظمة انسانية دولية أي احصائية شاملة عن عدد الأطفال الذين تيتّموا منذ صيف عام 2014، عندما سيطر تنظيم داعش على ثلث مساحة العراق لغاية كانون الأول عام 2017 عندما استرجعت القوات العراقية أغلب المدن والقرى من قبضة تنظيم داعش .ولكن رئيسة لجنة المرأة في مجلس محافظة الموصل، سكينة علي يونس، جمعت سجلات مايقارب من 13 ألف يتيم في المدينة. وخلال المعركة لتحرير الموصل من داعش الصيف الماضي، أصبحت، سكينة، بمثابة مركز المعلومات الوحيد عن الأطفال المفقودين والمتروكين، حيث جمعت في بيتها العشرات من الأطفال الذين عثروا عليهم الجنود .نشطاء اجتماعيون يقولون، إن هناك آلافاً آخرين من الأيتام في مدن ومحافظات أخرى تم تحريرها من تنظيم داعش .يقولون إن تخمينهم المتحفظ عن عدد الأيتام الكلّي يقف عند 20,000 يتيم، حيث يتضمن هذا العدد الأطفال الذين فقدوا أحد أبويهم فقط، وهؤلاء يصنّفون في العراق ضمن الأيتام أيضاً، حيث أن أحد الأبوين لايمكنه تحمّل مسؤولية رعاية وجلب لقمة العيش لأطفاله بمفرده فقط .ومنذ ذلك الوقت، فإن أغلب هؤلاء الأطفال عاشوا ضمن عوائل كثيرة الأفراد .العشرات من هذه العوائل التي أجريت لقاءات معها في الموصل تقول، بأن مهمة رعاية الأطفال أثقلت كاهلهم وذلك للافتقار الى عمال الرعاية الاجتماعية والافتقار الى الأموال لتغطية الرعاية الصحية وتعويض ما أصابهم من مآسي الحرب. إنهم يسعون يائسين للحصول على مساعدة من مؤسات حكومية مفلسة ومراكز خيرية محلية .الأطفال الذين ليست لديهم أي عائلة ترعاهم تركوا عند دار أيتام الموصل، وهو ملجأ حكومي كان داعش قد حوّله لثكنة عسكرية لتدريب الأشبال عند سيطرته على الموصل .خلال هذا الربيع قام مدير دار الأيتام، غزوان محمد، وبالتعاون مع كادره المكوّن من 7 ناشطين اجتماعيين، بإعادة افتتاح الدار، حيث يقدمون خدماتهم من رعاية وإطعام لحوالي 50 طفلاً للعيش في الدار. قضوا أشهر وهم يعملون على تأهيل المبنى من طلاء وترميم وتوفير معدات من دون تسديد مبالغ، معتمدين على التبرعات من توفير لعب وبطانيات، وبدأوا بتسلّم تمويل حكومي بدءاً من شهر حزيران .يضم الدار أيتاماً من ضحايا تنظيم داعش أمثال الطفل، محمد، وكذلك أطفال مسلحي التنظيم. وكذلك هناك 17 طفلاً مولوداً حديثاً تخلت عنهم أمهاتهم لرفضهن تربية أطفال من أصلاب مسلحي داعش .أيمان سالم، ناشطة اجتماعية تعمل في الميتم تقول "الطفل غير مسؤول عما كان أبوه يفعل، كل الأطفال هنا ضحايا، والكل بحاجة لحبنا ورعايتنا ."عندما علِم الطفل محمد بوجود طفل آخر، كان والده أحد مسلحي داعش، اشتاط غضباً وحاول النيل منه، ولكن عاملات الميتم منعوه من فعل ذلك. وقال محمد "أنا أكرهه كما أكره داعش، حيث اتذكر ما فعلوه بوالدي. كلما أرى هذا الولد اتذكر داعش، وأنا أكرهه بقدر ما أكره داعش ."ولكنَّ مسؤولي الميتم حاولوا التسوية فيما بينهما، وبعد مرور أسابيع قليلة شوهد محمد وهو يلعب الكرة مع ذلك الولد ويمشيان معاً للمدرسة .أما بالنسبة للأيتام الذين يعيشون ضمن عوائل ذات أفراد كثر، فإنهم يفتقرون أيضاً لكثير من الخدمات الاساسية مثل التعليم والرعاية الصحية . كثير من عوائلهم يعيشون على حافة الفقر بعد فقدانهم لكثير من ممتلكاتهم اثناء الحرب .الطفلة، نور، ذات العشر سنوات، التي اعتادت على أن تتظاهر بأنها أميرة، توقفت عن أحلامها في تموز العام الماضي، عندما فقدت 19 فرداً من عائلتها اثناء محاولتهم الهروب من مدينة الموصل القديمة المعقل الأخير لداعش. حيث أندست بينهم انتحارية قتلت معظم عائلتها أبواها واختها الصغيرة وعماتها الست وعمومتها الستة وكذلك جدتها، وتعرضت هي لحروق شديدة نقلت في إثرها للمستشفى الميداني.أقاربها الذين بقوا على قيد الحياة وهي عمتها الكبيرة البالغة من العمر 63 عاماً، واختها المتزوجة البالغة من العمر 21 عاماً، عثرا عليها في المستشفى الميداني العسكري، حيث تمكن فريق طبي أميركي من إنقاذ حياتها. وأخذتها عمتها للعيش معها .ولكنّ عائلتها الجديدة ليست لها حيلة في معالجة الحروق المؤلمة التي علت وجه، نور، ويديها وذراعها أو التخفيف من الألم النفسي الذي تعانيه بسبب هذه التشوهات التي أصابتها . فهي تعاني حروقاً من الدرجة الثانية والثالثة، علت أصابع يديها وحاجبها وعبر وجهها وأضرار جسيمة بالأنسجة العصبية ليديها. وقامت عمتها بإنفاق كل مدخراتها لإجراء عمليات جراحية لمساعدة نور، أن تستعيد استخدام ذراعيها، ولكنها لاتملك مالاً يكفي لإجراء جراحة ترقيعية لمحو آثار الحروق .نور توقفت عن الذهاب للمدرسة بسبب السخرية التي تتلقاها من قبل بقية التلاميذ بسبب التشوهات التي في وجهها ويديها بسبب الحروق، وهي تقضي الآن أوقاتها في مساعدة عمتها في أشغال البيت .حيث قالت عمتها، "هل هناك أبشع من هذا التصرف الذي تتلقاه هذه الطفلة في المدرسة؟. "واستدركت الطفلة ، نور ، قائلة " لم أعد أحلم الآن بكوني أميرة، أنا لم أعد جميلة كالسابق ." عن: صحيفة نيويورك تايمز

ذكر فى هذا الخبر
شارك الخبر على