هل تشارك مصر في بناء سد النهضة مقابل المساهمة في الإدارة؟

ما يقرب من ٦ سنوات فى التحرير

«لقد سلمنا سدا مائيا معقدا لشعب لم ير سدا فى حياته، وإذا سرنا على المنوال الحالى، قد لا يرى المشروع النور فى أى يوم».. هكذا تحدث رئيس الوزراء الإثيوبى آبى أحمد، فى مؤتمر صحفى عن وجود مشكلات تواجه سد النهضة: «هناك مشكلات تتعلق بالتصميم، ولم نتمكن حتى من تثبيت توربين حتى الآن، ناهيك باستكمال المشروع وفق الجدول الزمنى، وشركة المعادن والهندسة التابعة للجيش تتسبب فى تأخير لا لزوم له فى بناء مشروع سد النهضة، والذى تبلغ تكلفته 5 مليارات دولار»، ما يطرح تساؤلا حول إمكانية مشاركة مصر فى بناء السد مقابل حقها فى إدارة السد.

كانت الحكومة المصرية اقترحت -فى وقت سابق- تمويل خط نقل طاقة من سد النهضة بهدف تدشين مسار سياسى، لحل المشاكل المتعلقة بسد النهضة الإثيوبى، وذلك فى إطار الجهود السياسية المصرية، للحفاظ على الأمن المائى لمصر، كما أنها طرحت فكرة «إدارة فنية مشتركة» لمشروع السد تتضمن مستشارين مصريين يقدمون مقترحات خاصة بالمشروع، تضمن عدم تضرر مصر منه، إلا أن هذا المقترح قوبل بالرفض.

مساعدة إثيوبيا

الدكتورة أمانى الطويل، مدير البرنامج الإفريقى بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، قالت إن مشاركة مصر فى بناء سد النهضة يعتبر قرارا يرجع للإدارة المصرية، مشيرة إلى أن الأزمة ليست فى بناء السد، ولكنها فى تشغيل التوربينات.

وأضافت الطويل، فى تصريح لـ«التحرير» أن الأزمة لها أبعاد سياسية مرتبطة بالخلافات الداخلية الأثيوبية والترتيبات الإقليمية، وبعد أيام قليلة سنشهد تطورات فى هذا الموقف، لافتة إلى أنها لا تظن أن أثيوبيا لا تقدر على تركيب التوربينات، لأنها أقامت سدودا قبل ذلك وهذه ليست المرة الأولى لهم.

وأوضحت مدير البرنامج الإفريقى بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، أنه من الأفضل اتخاذ مصر قرارا بمساعدة أثيوبيا فى الوقت الحالى، ولكن وفق اتفاقيات وشروط لا تضر بمصر وحصتها من مياه النيل.

حديث لا يعتمد عليه

بينما طالب ناجى الشهابى، رئيس حزب الجيل، بعدم الركون إلى حديث رئيس الوزراء الأثيوبى آبى أحمد، عن تعطل استكمال سد النهضة، بسبب عدم القدرة الفنية والاعتماد عليه وزف البشرى بانتهاء أزمة بناء السد.

وأضاف الشهابى، أن المشروع يعانى من تعثر مالى بسبب ظروف الخليج العربى الشقيق الممول الأكبر للسد وصاحب أكبر استثمارات فى أثيوبيا، مشيرًا إلى أن هذه الظروف ليست من صنعنا بل تعتبر متغيرا جديدا بعيدا عن إدارة مصر لملف سد النهضة.

وتابع: «علينا أن نستغل تلك الظروف ونعيد ترتيب أوراقنا لكى نحافظ على حصتنا التاريخية فى مياه النهر وحق الأجيال الجديدة فى زيادتها وسريان النهر إلى فرعى دمياط ورشيد، ولا نركن أبدا إلى التطور الذى تحدث عنه رئيس الوزراء الأثيوبى لانه تطور مؤقت من الممكن أن يزول».

استكمال البناء

أعلن رئيس وزراء إثيوبيا أبى أحمد، أن بلاده سوف تطلق مناقصة لتلقى عطاءات شركات المقاولات لاستكمال مشروع سد النهضة.

وأضاف أن إثيوبيا سوف تستبعد هيئة المعادن والهندسة «ميتيك» التابعة للجيش من المشروع الذى يهدف عند استكماله إلى توليد 6 آلاف ميجاوات من الطاقة الكهربائية.

وتابع: «إذا لم يتم استبعاد ميتيك من المشروع، فإنه سوف يحتاج سنوات كثيرة للانتهاء من بنائه، وعلينا أن نطرح السؤال التالى وهو لماذا لم ننته من إنشاء السد خلال السبعة أو الثمانية أعوام الماضية»، مضيفًا: «أى شركة تتولى مسؤولية المشروع عليها أن تنهيه فى الوقت المحدد».
وتقيم أثيوبيا سد النهضة على النيل الأزرق، بهدف توليد الكهرباء، وهو ما تخشى مصر من تأثيره على حصتها من مياه النيل، التى تبلع حوالى 55.5 مليار متر مكعب.

محطات فى أزمة سد النهضة

وجرت سلسلة طويلة من المفاوضات سعت فيها مصر، لعدم إقامة السد كانت بداية تلك المفاوضات فى سبتمبر فى عام 2011، حين اتفق عصام شرف، أول رئيس وزراء بعد ثورة 25 يناير 2011، مع نظيره الإثيوبى ميلس زيناوى، على تشكيل لجنة دولية تدرس آثار بناء السد الإثيوبى، والتى تشكلت من 10 خبراء مصريين وإثيوبيين وسودانيين و4 خبراء دوليين محايدين. 

فى مايو2013 انتهت اللجنة من عملها وخلصت بعدما رأت بدء بناء السد إلى عدة توصيات مهمة بإجراء دراسات هندسية: تتعلق بارتفاع السد وسعة تخزينه وأمان السد، ودراسات مائية: تتعلق بمواءمة السد مع المياه التى يقف أمامها ونسب التسرب، ودراسات بيئية: تتعلق بعمل دراسات اقتصادية واجتماعية وتأثير ذلك على الدول المحيطة بالسد. 

ولما تولى الرئيس عبد الفتاح السيسى الحكم، طلب خلال اجتماعه مع رئيس وزراء إثيوبيا، هيلى ماريام ديسالين، على هامش قمة الاتحاد الإفريقى فى 25 يونيو 2014، التى عقدت فى عاصمة غينيا الاستوائية «مالابو»، استئناف المفاوضات مرة أخرى. 

واتفق وزيرا الرى المصرى والإثيوبى على تنفيذ توجيهات الرئيس السيسى ورئيس الوزراء الإثيوبى على البدء فى مفاوضات بحضور السودان، وتشكيل «لجنة وطنية» لتنفيذ توصيات اللجنة الدولية المشكلة فى 2012 من خلال مكتب استشارى عالمى. 

وخلال القمة الثلاثية بين رؤساء مصر وإثيوبيا والسودان، فى الخرطوم، وقّع الرئيس المصرى عبد الفتاح السيسى ونظيره السودانى عمر البشير ورئيس وزراء إثيوبيا هايلى ديسالين، وثيقة «إعلان مبادئ سد النهضة». 

ونص الإعلان على: «تقوم المكاتب الاستشارية بإعداد دراسة فنية عن سد النهضة فى مدة لا تزيد على 11 شهرًا، ويتم الاتفاق بعد انتهاء الدراسات على كيفية إنجاز سد النهضة وتشغيله دون الإضرار بدولتى المصب مصر والسودان». 

وفى ديسمبر 2015 وقع وزراء خارجية مصر والسودان وإثيوبيا على وثيقة الخرطوم وتضمنت الاتفاق والتأكيد على إعلان المبادئ الموقع من رؤساء الدول الثلاث. 

وبعد سلسلة طويلة من المفاوضات المتعثرة أعربت مصر فى سبتمبر 2017 عن قلقها البالغ من عدم حسم نقاط الخلاف فى التقرير الاستهلالى للمكتب الاستشارى. 

وعادت مفاوضات سد النهضة في17 أكتوبر 2017 حين زار وزير الرى موقع سد النهضة الإثيوبى، لأول مرة لمتابعة الأعمال الإنشائية والتحقق من التفاصيل الفنية فى إطار أعمال اللجنة الثلاثية الفنية. 

واقترح وزير الخارجية المصرى سامح شكرى، خلال لقائه نظيره الإثيوبى فى ديسمبر 2017، فى العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، أن يشارك البنك الدولى كوسيط محايد فى أعمال اللجنة الثلاثية، التى تبحث فى تأثير إنشاء سد النهضة الإثيوبى على دولتى المصب، مصر والسودان. 
ولكن رفضت إثيوبيا فى يناير 2018 المقترح المصرى بإشراك البنك الدولى فى مفاوضات سد النهضة.  

كان موعد آخر قد أخفقت فيه جولة جديدة من المفاوضات فى منتصف إبريل الماضى، بعد 17 ساعة من مفاوضات كانت تستضيفها العاصمة السودانية الخرطوم، لإجراء محادثات بشأن مخاوف مصر من سد النهضة، ومحاولة الوصول إلى اتفاق مشترك. 

وأعلن وزير الخارجية السودانى إبراهيم غندور، رفع اجتماع اللجنة الثلاثية الخاصة بسد النهضة دون الوصول إلى توافق أو الخروج بقرار مشترك، لكنه وصف المحادثات بأنها كانت بناءة ومهمة، حسبما أفادت وكالة الأنباء الرسمية فى السودان. 

وأشار وزير الخارجية السودانى إلى أن الأطراف ما زالت على خلاف بشأن قضايا فنية، دون أن يقدم المزيد من التفاصيل. 

كما أعلن سامح شكرى وزير الخارجية، عدم الوصول إلى اتفاق فى جولة المفاوضات، وقال فى تصريحات صحفية، أن المشاورات كانت شفافة وصريحة، وتناولت كل الموضوعات ولكن لم تسفر عن مسار محدد ولم تؤت نتائج محددة يمكن الإعلان عنها. 

وكانت المفاوضات تتركز حول اعتماد التقرير الاستهلالى الخاص بالدراسات التى يجريها المكتبان الاستشاريان الفرنسيان، والذى سبق ورفضت السودان وإثيوبيا الموافقة على التقرير الاستهلالى الخاص بدراسات سد النهضة، بينما وافقت مصر على التقرير فى جولة المفاوضات السابقة نوفمبر 2017. 

واختتم الاجتماع الثانى لمجموعة العمل البحثية العلمية المستقلة والتى تضم خبراء وأكاديميين من دول السودان ومصر وإثيوبيا أعماله فى الخرطوم الأحد الماضى، بعد مناقشة خيارات واستراتيجيات ملء بحيرة سد النهضة، حيث قدم السودان ومصر ملاحظاتهما حول المقترح الإثيوبى لطريقة ملء بحيرة سد النهضة والذى قدمته أثيوبيا فى الاجتماع الأول للمجموعة العلمية فى القاهرة. 

وقد اتفقت الأطراف الثلاثة على أن تقوم مجموعة الباحثين الإثيوبيين بالرد على ملاحظات الدولتين فى الاجتماع القادم بأديس أبابا يومى 21 و22 يوليو القادم. 

وقال رئيس الاجتماع الثانى فى الخرطوم المهندس مستشار خضر قسم فى تصريح صحفى عقب الاجتماع: «إن روحًا ودية سادت المداولات العلمية للمجموعة اتسمت بالاستناد إلى الحقائق، مما مكن الاجتماع من الوصول إلى مخرجات اتفق عليها وفق الجدول الزمنى والأجندة المحددة».    
 

شارك الخبر على