Blade Runner قلب موازين سينما الخيال العلمي

ما يقرب من ٦ سنوات فى تيار

بحث فيلم «Blade Runner 2049» جاهدا وخالصا، لمدة 163 دقيقة من السينما المدروسة بأسلوبها وشكلها، في معنى الإنسانية ومحياها، ليكون عملا جميلا مرافقا لفيلم ريدلي سكوت «Blade Runner» الذي قلب موازين سينما الخيال العلمي إلى الأبد، ولا يزال من المبكر أن نتنبأ إن كان هذا الفيلم التابع له سيحدث نفس التأثير والبصمة التي تركها العمل الأول الثوري بأفكاره وطريقة معالجتها، لكن الواضح أن الفيلم الجديد، من لحظاته الأولى، لن يكون مجرد عمل صنع ليرضي حنين الجمهور واشتياقه للفيلم الأصلي فحسب.
على نقيض الكثير من أفلام الروبوتات أو الأجزاء الثانية الصادرة بعد مدة طويلة من الجزء الأول التي تكتفي بإعادة توليف مواضيع وشخصيات أفلام أصلية ذات شعبية جارفة فتعطي الجمهور راحة جوفاء من الألفة الرتيبة، يوظف المخرج دني فيلنوف وفريقه المواضيع التي طرحها «Blade Runner» بطموح لامتناه ليضيف على النقاش بدلا من تكراره لجني الأرباح منها فقط، وبذلك، فقد صنعوا أحد أعمق وأصعب الأفلام الفلسفية في فئة الخيال العلمي، فهو عمل يأبى أن يقدم حلولا سهلة للمشاهد لا بل يدخله في دوامة من الصور العتيقة عن روح الإنسان.
ما يصعب عملية مراجعة هذا العمل على الناقد السينمائي هو أن المخرج دني وفريق الإنتاج في شركة «وورنر براذرز» طلبوا من النقاد أن يحتفظوا بأية تفاصيل قد تحرق أحداث الفيلم لأنفسهم، وألا يفصحوا عن أي شيء يقدمه العمل ولو في دقائقه الأولى (حتى الشيئين اللذين أفسدتهما المقاطع الدعائية)، لأن الطريقة التي يكشف بها الفيلم عن أسراره وأفكاره وروابطه تعد من أبرز نقاط قوته.
ونستعرض عليكم حاليا الخيوط الأساسية للفيلم بما تحمله من جماليات، حيث ينقلنا دني فيلنوف إلى لوس أنجليس في العام 2049 عبر موجة من الصور الأخاذة التي تلتقطها عدسة المصور الأسطوري روجر ديكنز وينفذها فريق بارع في المؤثرات البصرية، ومع أن أحداث هذا الجزء تدور بعد مرور عقود على مجريات الفيلم الأول، فلا تزال مطاردة وتدمير الآليين مهنة يشغلها محقق يطلق عليه «بليد رانر» ويجسدها هنا الممثل راين غلوسينغ بدور عميل يعرف باسم «كاي»، مهمته أن يتعقب الآليين القدامى المستنسخين عن البشر الذين لجأوا إلى الاختباء وتجاوزوا فترة حياتهم التي برمجوا عليها أساسا بسنوات طويلة.
شاهدنا في افتتاحية الفيلم المحقق «كاي» يتعقب رجلا آليا يحاول ببساطة أن يعيش حياة هادئة وأن يعمل مزارعا مسالما وظهر النجم ديف باتيستا مرتديا النظارات، مضيفا الكثير على دوره الصغير، ما يجده هناك يشعل فتيلة القصة التحقيقية التي يبنى عليها الفيلم، ويدفع «كاي» لحل لغز عن ماضيه وتاريخ الآليين المستنسخين وقوة الذاكرة ومعنى الحياة البشرية. يشاركه بطولة الفيلم كل من روبن رايت وجاريد ليتو، وهاريسون فورد- بطل الفيلم الأول.
لقد اتضح للجميع أن مخرج فيلمي «Prisoners» و«Arrival» قد ابتكر فيلما تكسوه بصمته الواثقة ولغته البصرية القوية، كما أن الحديث عن فوز روجر ديكنز بالأوسكار بدأ من المقطع الترويجي الأول للعمل، بعد أن كان مهمشا دائما من قبل الأكاديمية، فالفيلم مذهل بصريا بلا أدنى شك، ومن الأعمال التي يمكن تقديرها بتأمل صورها دون أي صوت. لا تقتصر براعة المخرج فيلنوف والمصور ديكنز في التعبير عن الجوانب «المستقبلية» من رؤيتهما فحسب، بل نجحا كذلك في صناعة فيلم غالبا ما ترتبط صوره المذهلة بالطبيعة نفسها.
عندما نتأمل هذا الجزء ينشغل تفكيرنا في تحطم الأمواج وسقوط الثلج، وطبعا، هطول الأمطار بغزارة، وهذه الأخيرة صورة رمزية اشتهر بها الفيلم الأول يكاد يستغني عنها النصف الثاني من الحكاية، ويتفنن فيلنوف وديكنز أحيانا في تجسيد هذا العالم المدهش بصريا، إذ يلتقطون صورا تنسجم مع أفكار الفيلم، فلا ننسى منها «ضآلة حجم» المحقق كاي بحضرة تمثال عملاق في مرحلة يشكك فيها بوجوديته في العالم، أو لحظة تجمعه مع صورة تجسيمية (هولوغرام) تخرج من لوحة إعلانية يصل ارتفاعها إلى 10 طوابق لتذكره بما خسره، كل ذلك دون أن نغفل أبدا عن الجمال المحض الذي يزين هذا العالم، ويعتبر هذا الفيلم من أبدع الأعمال من حيث التصوير ليس فقط لعام 2017 إنما خلال السنوات القليلة الماضية.

شارك الخبر على