رحلة صعود تامر حسني في ١٦ عامًا.. من التكرار إلى النضوج

أكثر من ٥ سنوات فى التحرير

في عام 2002، ظهر على الساحة الغنائية المصرية والعربية واحد من أكثر المطربين الجدد شمولًا وذكاءً، تامر حسني شريف عباس، المولود بالقاهرة في 16 أغسطس عام 1977، لأب مصري وأم سورية، عاش طفولة قاسية بعد انفصال والديه، عمل في بيع العطور وداخل محطات البنزين، فشل في تحقيق حلم الطفولة، وهو لعب كرة القدّم للنادي الأهلي، تخرج في كلية الإعلام بجامعة 6 أكتوبر، وعندما اكتشفت والدته موهبته في الغناء أصرّت على دخوله معهد "الكونسرفتوار" لدراسة الموسيقى، وبالفعل احترف الشاب العزف على آلة الجيتار ليبدأ في تحقيق حلمه الجديد.

كانت بداياته الفنية عندما تعرف على المذيعة الشهيرة سلمى الشماع، التي قدّمته في إحدى حفلات الأوبرا، حيث استمع إليه المنتج نصر محروس، صاحب شركة "فري ميوزيك" للإنتاج الفني، والذي قدّمه لأول مرة في أغنية "شكلي هاحبك" (2000) ضمن مجموعة من الأغنيات لعدد من الأصوات الجديدة في النسخة الثانية من ألبوم "فري ميكس"، ولاقت الأغنية قبولًا دفع محروس للمغامرة به مع رفيقة الطريق شيرين عبد الوهاب في ألبوم غنائي كامل "فري ميكس 3" طبع اسم "تامر وشيرين" فيه على صخرة الأغنية العربية، رغم كونهما مغمورين آنذاك، ليُثبتا أحقيتهما في الشهرة من خلال أغاني "ديو" ومنفصلة، أشهرها له "لو كنت نسيت، حبيبي وأنت بعيد، لو خايفة".

ابتعد تامر فترة بعدها سوق الكاسيت بعدها، رغم تواجده المكثف في الحفلات، مما أثار أقاويل عن وجود خلافات بينه وبين محروس الذي وقع معه عقد احتكار، وجاء ألبوم "حب" (2004) ليضع حدًا لتلك الأقاويل، وأكد موهبة تامر الذي ركز فيه على تقديم أشكال مختلفة من الغناء والموسيقى، فكانت الرومانسية في أغنيات "أوصفهالك" و"إنت حياتي"، والدراما في "الوحدة بتقتلني" و"لسه بحبك"، و"إنتي نسيتي نفسك" و"حرقة دم"، معتمدًا على شعراء وملحنين، من بينهم مصطفى مرسي، وليد سعد، خالد عز، نصر محروس، ومجدي النجار، وغيرهم.

رغم قصر عمره الغنائي آنذاك، إلا أن السينما كعادتها في اجتذاب المطربين، جذبت تامر إليها مبكرًا، فشارك في فيلم "حالة حب" (2004) برفقة هاني سلامة وهند صبري وزينة وشريف رمزي، وقدّم فيه شخصية "يوسف" التي بدت مستوحاة من صفحات حياته الواقعية، حيث عاش مأساة حقيقية لفترة طويلة بسبب معاناته من هجرة والده، إلى جانب كثير من المشكلات في طريقه الفني كانت مشابهة لما تضمنه الفيلم، ولعل نجاح "حالة حب" هو ما شجعه على خوض تجربة سينمائية ثانية مع بلال فضل في فيلم "سيد العاطفي" مع عبلة كامل وزينة، ومن بعدها العديد من التجارب الناجحة، حتى صار أشهر وأنجح المطربين الذين اتجهوا للتمثيل.

وعلى مدار 3 سنوات تعاون فيها تامر حسني مع شركة "فري ميوزك"، طرح من خلالها 4 ألبومات، هم "عينيا بتحبك" (2006)، "يابنت الإيه" (2007) والذي شارك فيه بكتابة وتلحين 6 أغاني، و"الجنة في بيوتنا"، و"قرب كمان" (2008)، وشارك أيضًا فيهما بكلماته وألحانه، والمرحلة التالية من مشواره خاضها مع شركة "مزيكا"، وطرح ألبومه الأول معها "هعيش حياتي" (2009)، وضم أول أغنية أجنبية في مشواره "Come Back To Me"، وفي عام 2010 أطلق ألبومه "اخترت صح"، وأضاف فيه ثاني أغانيه بالإنجليزية "sweet melody"، وخاض به أول تجربة للإخراج في كليب "صحيت علي صوتها"، ثم ألبوم "اللي جاي أحلى" (2011) والذي تعاون فيه مع زوجته نجمة ستار أكاديمي بسمة بوسيل في أغنية "متسألنيش"، وكان آخر تعاون لتامر مع "مزيكا" في ألبوم "بحبك أنت" (2013)، وفي 2014 بدأ مشواره مع "روتانا" بألبوم "180 درجة"، ثم ألبوم "عمري ابتدا" (2016).

وتميز تامر منذ ظهوره بأنه من أكثر المطربين الجدد شمولًا، حيث قام بكتابة عدد من الأغاني لنفسه ونفس الأمر في التلحين، ولغيره من المطربين، فقدّم لشيرين "بص بقى"، ولصديقه بهاء سلطان "مايردش" و"قوم أقف"، وغيرها، وظهر في صورة الشاب المليء بالمزيكا والألحان والطموح، وتميّزه برشاقة جمله الموسيقيّة، ولفت الانتباه إليه بالأغاني الجريئة المباشرة في إعلانها الحب أو الكره التي لم يفل زمان الكثير منها مثلما لم يفل شباب مغنيها بالرغم وصوله للأربعين من عمره.

الحس التجاري.. والتكرار

ظهر تامر ذكيًا في بداياته بمحاولته المزج بين الموسيقى الشرقية والغربية وتطورها في السنوات الأخيرة، فمثلًا في "قرب حبيبي" أعاد إحياء السمة اللحنيّة البورسعيديّة باستخدام آلة السمسميّة التي كانت نادرة الظهور في التوزيع الموسيقي التجاري، وكان تامر ولا يزال مطرب سوق من الدرجة الأولى، وبالتأكيد ساعده في ذلك انطلاقته مع نصر محروس الذي يُجيد التعامل مع السوق المصرية وحقق نجاحات عديدة مع مطربين كبار مثل محمد منير ومحمد فؤاد ومحمد محيي.

اكتسب تامر الحس التجاري سريعًا وتمكن من الوصول إلى الجمهور بأقل جهدٍ ممكن، وعلى مدى سنين مسيرته الغنائية ازداد خبرةً في ذلك، حتى وإن دفعه ذلك إلى التكرار، بأن يتناول نفس الموضوعات بنفس الطريقة بنفس الرؤية الموسيقيّة عدة مرات بلا تغيير بصورة مدهشة، ومن المعلوم أن هذا التكرار ليس سمة جماليّة، بل هدفه في النهاية أن يصل الفنان للثبات على صورة واحدة يتم قبولها واستساغها، وبالتالي يُقدّم المتوقّع وما يتم استهلاكه.

والتكرار أسلوب يتخذ من الطريق الآمن وسيلة للعب والمتعة، ما يجعل الموهبة تسقط بالتدريج بالتبعية، كل هذا بسبب الخوف على النجاح نتيجة ضمان قبول الجمهور المستهدف للمنتج الفني بخلطة محددة سلفًا، وكان غريبًا أن يكون خطاب تامر حسني الفني، محافظًا تقليديًّا علي كل المستويات رغم الصورة التي بدأ بها والتي دائمًا ما يصدّرها كشاب متمرّد خارج عن الأطر والتقاليد.

الموسيقار حلمي بكر، المجاهر دائمًا بحبه لتامر، أكد ما ذكرناه في حوار سابق له مع مجلة "لها" (سبتمبر 2012)، وقال إن "تامر صوت جيّد جدًا، والله منحه موهبة كبيرة توصله إلى النجاح، لكن المقاييس العلمية تشكك في أن يستمرّ في هذا النجاح بطريقته تلك، ومن الأفضل أن يُفكّر في الجديد الذي سيُقدّمه للناس، وليس في الشكل الذي يصنعه ليظهر به، كالاستعانة بنجوم عالميين، فهذه الاستعانة هي اهتمام بالشكل وليس بالإبداع الموسيقي".

هذا التكرار الذي نتحدث عنه لم يكن أسلوبًا لتامر فقط في الأغنيات والألوان الموسيقية التي يُقدّمها، بل كذلك في التيمة التمثيلية التي يعتمد عليها، فنجاح مثلًا الجزء الأول من فيلمه الأشهر "عمر وسلمى" دفعه لتقديم جزأين تاليين منه، وتقديم عدة أعمال أخرى تُشبه، كلها تعتمد على الشاب الجان الذي يقع في قصة حب بطريقة ما في إطار كوميدي.

وفي مطلع العام 2014، قدّم برنامج "رحلة صعود" يرصد مشواره، وكان البرنامج عبارة عن نسخة مكررة من برنامج "الحلم" الذي سبق وقدّمه الهضبة عمرو دياب وتناول مسيرته، وهو ما سماه الناقد الفني طارق الشناوي "تحرش" بعمرو، حسب لفظه لمجلة "سيدتي"، وقال إن تامر أطلق على نفسه أسطورة القرن، رغم أن القرن الـ21 لم يمر عليه سوى 14 عامًا فقط، بل وأنه ظهر في 10 منها فقط، فكان عليه أن ينتظر تسعين عامًا أخرى حتى يمر مائة عام ونتأكد أنه فعلًا أسطورة القرن، في حين ذكرت الناقدة ماجدة خير الله أنها لا تعرف مبرر تامر حتى يُقدّم برنامجا يرصد إنجازاته، في حين أن تجربته ليس لها ثقل حتى يتم عمل برنامج عنها.

وطوال مسيرة الـ16 عاما، ما زال "نجم الجيل" كما أطلق على نفسه، لا يجد له ستايل موسيقي حتى الآن رغم تقديمه لأكثر من شكل غنائي، لكنه لم يتمكن من الوصول لدرجة التميز في أي منهم، حيث اكتفى فقط بالسعي خلف مشاركة بعض النجوم العالميين مثل شاجي، وسنوب دوج، وآكون، اعتقادًا منه بأن ذلك هو الطريق الأقرب لكنها في النهاية لم تضف جديدا لموسيقاه.

تامر 2018.. والنضوج

وفي ألبومه الأخير "عيش بشوقك"، خاض تامر مغامرة جديدة عليه، إنتاجيًا بعدما أنشأ شركة خاصة تُنتج له، وكذلك فنيًا، حيث ابتعد مثلًا في الأغنية الرئيسية للألبوم عن لونه المميز العاطفي والرومانسي، وهي حركة جريئة للغاية، معتمدًا على قاعدته الجماهيرية كصمام أمان، ويحسب لتامر أيضًا في الألبوم ككل إصراره وجهده على تقديم أشكال موسيقية مختلفة من حيث التوزيعات والألحان والكلمات، حيث تعاون لأول مرة مع الشاعر تامر حسين الذي اعتمد عليه عمرو دياب في الفترة الأخيرة بشكل كبير، ودأبه على النجاح وشغفه ومجهوده في تصوير الألبوم بالكامل بطريقة الفيديو كليب، وكذلك تقديم أكثر من "ديو" مع نجوم محليين وعرب كالجزائري الشاب خالد.. لعل عامل الزمن ألقى بظلاله على تامر ليصل إلى مرحلة معقولة جدًا من النضج.

ورغم كل شيء، وفي ظل تطوره ونضوجه، نجح تامر حسني على مدار 16 عامًا ماضية، في المحافظة على كونه أحد أهم المطربين لدى أوساط الشباب، ودائمًا ما تحقق أعماله الفنية شعبية كبيرة ونجاحًا هائلًا سواء الغنائية منها أو السينمائية والتليفزيونية.

شارك الخبر على